مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21931
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21931 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عدوَّه منها شربة ماء يا فضيل بن يسار إنّه من كان همّه همّاً وأحداً كفاه الله همّه ومن كان همّه في كل واد لم يبال الله بأيّ واد هلك.

_________________________________________________

يعطهم من الآخرة الّتي لها عنده قدر ومنزله شيئاً ، وقد قال تعالى : «وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاس أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ »(١) .

« إنه من كان همّه هما وأحداً » الهم القصد والعزم والحزن ، والحاصل أنه من كان مقصوده أمرّاً وأحداً وهو طلب دين الحقّ ورضا الله تعالى وقربّه وطاعته ولم يخلطه بالأغراض النفسانية والأهواء الباطلة فإن الحقّ واحد وللباطل شعب كثيرة« كفاه الله همّه » أي أعانه على تحصيل ذلك المقصود ، ونصره على النفس والشيطان وجنود الجهل « ومن كان همّه في كل واد » من أودية الضلالة والجهالة « لم يبال الله بأي واد هلك » أي صرف الله لطفه وتوفيقه عنه ، وتركه مع نفسه وأهوائها حتّى يهلك باختيار واحد من الأديان الباطلة ، أو كل واد من أودية الدنيا وكل شعبة من شعب أهواء النفس الأمارة بالسوء ، من حب المال والجاه والشرف والعلو ولذة المطأعمّ والمشاربّ والملابس والمناكح وغير ذلك من الأمور الباطلة الفانية.

والحاصل أن من اتبع الشهوات النفسانية والآراء الباطلة ولم يصرف نفسه عن مقتضاها إلى دين الحقّ وطاعة الله وما يوجب قربّه لم يمدده الله بنصره وتوفيقه ، ولم يكن له عند الله قدر ومنزلة ، ولم يبال بأي طريق سلك ولا في أي واد هلك ، وقيل : بأي واد من أودية جهنم ، وقيل : يمكن أن يراد بالهم الواحد القصد إلى الله والتوكّل عليه في جميع الأمور ، فإنه تعالى يكفيه هم الدنيا والآخرة ، بخلاف من اعتمد على رأيه وقطع علاقة التوكّل عن نفسه ، ويحتمل أن يكون

__________________

(١) سورة الزخرف : ٣٣.

٣٠١

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن منصور الصيقل والمعلّى بن خنيس قالا : سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عزّ وجلّ : ما تردَّدت في شيء أنا فاعله كترددي في موت عبدي

_________________________________________________

المرّاد بالهم الحزن والغمّ أي من كان حزنه للآخرة كفاه الله ذلك وأوصله إلى سرور الأبد ، ومن كان حزنه للدنيا وكله الله تعالى إلى نفسه حتّى يهلك في واد من أودية أهوائهم.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور.

« ما ترددت في شيء » هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بين الفريقين ، ومن المعلوم أنه لم يردّ التردد المعهود من الخلق في الأمور الّتي يقصدونها فيترددون في إمضائها إمّا لجهلهم بعواقبها أو لقلّة ثقتهم بالتمكّن منها لمانع ونحوه ، ولهذا قال : « أنا فاعله » أي لا محالة أنا أفعله لحتم القضاء بفعله ، أو المرّاد به التردد في التقديم والتأخير لا في أصل الفعل.

وعلى التقديرين فلا بد فيه من تأويل وفيه وجوه عند الخاصة والعامّة ، إمّا عند الخاصة فثلاثة :

الأوّل : أن في الكلّ ام إضماراً ، والتقدير لو جاز على التردد ما ترددت في شيء كترددي في وفاة المؤمن.

الثّاني : أنه لـمّا جرت العادة بأن يتردد الشخص في مساءة من يحترمه ويوقره كالصديق ، وأن لا يتردد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة كالعدوّ ، بل يوقعها من غير تردد وتأمل ، صح أن يعبّر عن توقير الشخص واحترامه بالتردد ، وعن إذلاله واحتقاره بعدمه ، فالمعنى ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة ، كقدر عبدي المؤمن وحرمته ، فالكلّ ام من قبيل الاستعارة التمثيلية.

الثالث : أنّه وردّ من طرق الخاصة والعامّة أن الله سبحانه يظهر للعبد المؤمن

٣٠٢

المؤمن ، إنّني لأحبُّ لقاءه ويكره الموت فأصرفه عنه ، وإنّه ليدعوني فأجيبه وإنه ليسألني فأعطيه ، ولو لم يكن في الدنيا إلّا واحد من عبيدي مؤمن لاستغنيت

_________________________________________________

عند الاحتضار من اللطف والكرامة والبشارة بالجنّة ما يزيل عنه كراهة الموت ، ويوجب رغبته في الانتقال إلى دار القرار ، فيقل تأذيه به ، ويصير راضياً بنزوله ، وراغباً في حصوله فأشبّهت هذه المعاملة معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألـمّا يتعقبه نفع عظيم ، فهو يتردد في أنّه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقل تأذيه ، فلا يزال يظهر له ما يرغبه فيما يتعقبه من اللذة الجسيمة ، والراحة العظيمة إلى أن يتلقاه بالقبول ، ويعده من الغنائم المؤدية إلى إدراك المأمول ، فيكون في الكلّ ام استعارة تمثيلية.

وإمّا وجوهه عند العامّة فهي أيضاً ثلاثة :

الأوّل : أن معناه ما تردد عبدي المؤمن في شيء أنا فاعله كتردده في قبض روحه ، فإنه متردد بين إرادته البقاء وإرادتي للموت ، فأنا ألطفه وأبشره حتّى أصرفه عن كراهة الموت ، فأضاف سبحانه تردد نفس وليه إلى ذاته المقدّسة كرامة وتعظيما له ، كما يقول غدا يوم القيامة لبعض من يعاتبه من المؤمنين في تقصيره عن تعاهد ولي من أوليائه : عبدي مرّضت فلم تعدني؟ فيقول : كيف تمرّض وأنت ربّ العالمين؟ فيقول : مرّض عبدي فلان فلم تعده ، فلو عدته لوجدتني عنده ، فكما أضاف مرّض وليه وسقمه إلى عزيز ذاته المقدّسة عن نعوت خلقه إعظاماً لقدر عبده ، وتنويها بكرامة منزلته كذلك أضاف التردد إلى ذاته لذلك.

الثّاني : أن ترددت في اللغة بمعنى رددت مثل قولهم فكرت وتفكرت ودبرت وتدبرت فكأنه يقول : ما رددت ملائكتي ورسلي في أمرّ حكمته بفعله مثل ما رددتهم عند قبض روح عبدي المؤمن فأرددهم في إعلامه بقبضي له وتبشيره بلقائي ، وبما أعددت له عندي كما ردد ملك الموتعليه‌السلام إلى إبراهيم وموسىعليهما‌السلام في القصتين

٣٠٣

به عن جميع خلقي ولجعلت له من إيمانه أنساً لا يستوحش إلى أحد.

_________________________________________________

المشهورتين إلى أن اختارا الموت فقبضهما(١) كذلك خواصّ المؤمنين من الأوّلياء يردّدهم إليهم رفقاً وكرامة ليميلوا إلى الموت ، ويحبّوا لقاءه تعالى.

الثالث : أنّ معناه ما رددت الأعلال والأمرّاض والبر واللطف والرفق حتّى يرى بالبر عطفي وكرمي ، فيميل إلى لقائي طمعاً ، وبالبلايا والعلل فيتبرّم بالدنيا ، ولا يكره الخروج منها.

وما دل عليه هذا الحديث من أن المؤمن يكره الموت ، لا ينافي ما دلت الروايات الكثيرة عليه من أن المؤمن يحبّ لقاء الله ولا يكرهه.

إمّا ما ذكره الشهيد في الذكرى من أن حب لقاء الله غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحبّ ، فإنّه ليس شيء حينئذ أحبُّ إليه من الموت ولقاء الله ، ولأنه يكره الموت من حيث التألم به ، وهما متغايران وكراهة أحد المتغايرين لا يوجب كراهة الآخر ، أو لأن حب لقاء الله يوجب حب كثرة العمل النافع وقت لقائه ، وهو يستلزم كراهة الموت القاطع له ، واللازم لا ينافي الملزوم.

قوله تعالى : « وإنّه ليدعوني » بأن يقول يا الله مثلاً « فأجيبه » بأن يقول له : لبيك مثلاً « وإنّه ليسألني » أي يطلب حاجته كان يقول : اصرف عني الموت « لاستغنيت به » أي اكتفيت به في إبقاء نظام العالم للمصلحة ، وضمن يستوحش معنى الاحتياج ونحوه فعدي بإلى كما مرّ

__________________

(١) وتفصيل القصّتين مذكور في تاريخ الطبريّ والكامل وكتاب علل الشرايع والأمالي وإكمال الدّين للصدوق (ره) ونقلت ترجمة الأحاديث المذكورة في كتاب تاريخ الأنبياء ج ١ ص ١٥٢ وج ٢ ص ١٧٩ فراجع إن شئت.

٣٠٤

(باب)

(في سكون المؤمن إلى المؤمن)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنَّ المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء البارد.

_________________________________________________

باب في سكون المؤمن إلى المؤمن

الحديث الأول : مرّسل.

« إلى المؤمن » قيل : إلى بمعنى مع وأقول : كان فيه تضمينا وهذا تشبيه كامل للمعقول بالمحسوس ، فإن للظمآن اضطراباً في فراق الماء ، ويشتد طلبه له فإذا وجدّه استقر وسكن ، ويصير سبباً لحياته البدني فكذلك المؤمن يشتد شوقه إلى المؤمن وتعطشه في لقائه ، فإذا وجدّه سكن ومال إليه ، ويحيى به حياة طيبة روحانية فإنه يصير سبباً لقوة إيمانه وإزالة شكوكه وشبهاته ، وزوال وحشته.

وقيل : هذا السكون ينشأ من أمرّين : أحدهما : الاتحاد في الجنسية للتناسب في الطبيعة والروح كما مرّ ، والمتجانسان يميل أحدهما إلى الآخر ، وكلـمّا كان التناسب والتجانس أكمل كان الميل أعظم ، كما روي : أن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

وثانيهما : المحبّة لأن المؤمن لكمال صورته الظاهرة والباطنة بالعلم والإيمان والأخلاق والأعمّال محبوب القلوب ، وتلك الصورة قد تدرك بالبصر والبصيرة ، وقد تكون سبباً للمحبة والسكون بإذن الله تعالى ، وبسبب العلاقة في الواقع ، وإن لم يعلم تفصيلها.

٣٠٥

(باب)

(فيما يدفع الله بالمؤمن)

١ - محمّد بن يحيى ، عن عليّ بن الحسن التيمي ، عن محمّد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنَّ الله ليدفع بالمؤمن الواحد عن القرية الفناء.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا يصيب قرية عذابٌ وفيها سبعة من المؤمنين.

_________________________________________________

باب فيما يدفع الله بالمؤمن

الحديث الأول : مجهول.

« عن القرية » أي أهلها بحذف المضاف ، كما في قوله تعالى : «وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ »(١) وذلك الدفع إمّا بدعائه أو ببركة وجوده فيهم.

الحديث الثاني : صحيح.

ويمكن دفع التنافي بينه وبين الأوّل بوجوه : « الأوّل » أن الأوّل محمول على النادر ، والثّاني على الغالب أو الحتم. « الثّاني » أن يراد بالمؤمن في الأوّل الكامل ، وفي الثّاني غيره. « الثالث » أن يحملا على اختلاف المعاصي واستحقاق العذاب فيها ، فإنهّا مختلفة ، ففي القليل والخفيف منها يدفع بالواحد ، وفي الكثير والغليظ منها لا يدفع إلّا بالسبعة ، مع أنّ المفهوم لا يعارض المنطوق.

__________________

(١) سورة يوسف : ٨٢.

٣٠٦

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله قال قيل له في العذاب إذاً نزل بقوم يصيب المؤمنين ؟ قال : نعم ولكن يخلصون بعده.

_________________________________________________

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« ولكن يخلصون بعده » أي ينجون بعد نزول العذاب بهم في البرزخ والقيامة ، في المصباح : خلص الشيء من التلف خلوصاً من باب قعدّ وخلاصاً ومخلصاً سلم ونجاً ، وخلص الماء من الكدر صفا ، انتهى.

ويشكل الجمع بينه وبين الخبرين السابقين ، ويمكن الجمع بوجوه :

الأوّل : حمل العذاب في الأوّلين على نوع منه كعذاب الاستئصال ، كما أنّه سبحانه أخرج لوطاً وأهله من بين قومه ثمَّ أنزل العذاب عليهم ، وهذا الخبر على نوع آخر كالوباء والقحط.

الثاني : أن يحمل هذا على النادر وما مرّ على الغالب على بعض الوجوه.

الثالث : حمل هذا على أقل من السبعة ، وحمل الواحد على النادر ، وما قيل : من أنّ المراد بالخلاص الخلاص في الدنيا فهو بعيد ، مع أنّه لا ينفع في رفع التنافي.

٣٠٧

(باب)

(في أن المؤمن صنفان)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن نصير أبي الحكم الخثعمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المؤمن مؤمنان فمؤمن صدق بعهد الله ووفى بشرطه وذلك قول الله عزَّ وجلَّ : «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ »(١) فذلك الّذي لا

_________________________________________________

باب في أن المؤمن صنفان

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

قال الله سبحانه : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ » قال البيضاوي : من الثبات مع الرسول والمقاتلة لأعداء الدّين من صدقني إذاً قال لك الصدق فإن المعاهد إذاً وفى بعهده فقد صدق «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » أي نذره بأن قاتل حتّى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر ، والنحب : النذر أستعير للموت ، لأنه كنذر لازم في رقبة كل حيوان «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » أي الشهادة «وَما بَدَّلُوا » العهد ولا غيروه «تَبْدِيلاً » أي شيئاً من التبديل.

وقال الطبرسي (ره) : «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ » يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ » يعني عليُّ بن أبي طالب ، وروي في الخصال عن الباقرعليه‌السلام في حديث طويل قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لقد كنت عاهدت الله تعالى ورسوله أنا وعمي حمزة وأخي جعفر وابن عمي عبيدة على أمرّ وفينا به لله تعالى ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتقدمني أصحابي وتخلّفت بعدهم لـمّا أراد الله تعالى فأنزل الله فينا : «رِجالٌ » الآية ، حمزة وجعفر وعبيدة ، وأنا والله المنتظر « وما بدلت تبديلا ».

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٢٣.

٣٠٨

_________________________________________________

والأخبار في ذلك كثيرة أوردتها في الكتاب الكبير ، فإذا عرفت ذلك فاعلم أنهعليه‌السلام استدلّ بهذه الآية على أن المؤمنين صنفان ، لأنّه تعالى قال : «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ » فصنف منهم مؤمن « صدق بعهد الله » قيل : الباء بمعنى في ، أي في عهد الله ، فقوله : صدق كنصر بالتخفيف ، ففيه إشارة إلى أن في الآية أيضاً الباء مقدّرة أي صدّقوا بما عاهدوا الله عليه ، ويمكن أن يقرأ صدق بالتشديد بياناً لحاصل معنى الآية ، أي صدّقوا بعهد الله وما وعدهم من الثواب وما اشترط في الثواب من الإيمان والعمل الصالح ، والأوّل أظهر ، والمرّاد بالعهد أصول الدّين من الإقرار بالتوحيد والنبوة والإمامة والمعاد ، والوفاء بالشرط الإتيان بالمأمورات والانتهاء عن المنهيات ، وقيل : أراد بالعهد الميثاق بقوله : «أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ »(١) وبالشرط قوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ »(٢) .

وأقول : يحتمل أن يكون المرّاد بهما ما مرّ في الحديث السادس من باب معرفة الإمام والردّ إليه حيث قال : إنّكم لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا ولا تعرفون حتّى تصدقوا ، ولا تصدقوا حتّى تسلموا أبواباً أربعة لا يصلح أولها إلّا بآخرها ، ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيها بعيداً ، إن الله تعالى لا يقبل إلّا العمل الصالح ، أو لا يقبل الله إلّا الوفاء بالشروط والعهود ، فمن وفى لله عزّ وجلّ بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده ، واستعمل عهده إن الله تبارك وتعالى أخبر العباد بطرق الهدى وشرع لهم فيها المنار ، وأخبرهم كيف يسلكون فقال : «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثمَّ اهْتَدى »(٣) وقال : «إِنَّما يتّقبَّلُ اللهُ

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٢.

(٢) سورة النساء : ٣١.

(٣) سورة طه : ٨٢.

٣٠٩

تصيبه أهوال الدُّنيا ولا أهوال الآخرة وذلك ممّن يشفع ولا يُشفع له ومؤمن كخامة الزرع تعوج أحيانا وتقوم أحيانا فذلك ممّن تصيبه أهوال الدُّنيا وأهوال

_________________________________________________

مِنَ الْمُتَّقِينَ »(١) إلى آخر الخبر(٢) .

فالشروط والعهود هي التوبة والإيمان والأعمّال الصالحة والاهتداء بالأئمّةعليهم‌السلام .

« فذلك الّذي لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة » قيل : المرّاد بأهوال الدنيا القحط والطاعون وأمثالهما في الحياة وما يراه عند الموت من سكراته وأهواله ، وأهوال الآخرة ما بعدّ الموت إلى دخول الجنّة ، وقيل : المرّاد بأهوال الدنيا الهموم من فوات نعيمها ، لأن الدنيا ونعيمها لم تخطر بباله فكيف الهموم من فواتها ، والمرّاد أعمّ منها ومن عقوباتها ومكارهها ومصائبها لأنّها عنده نعمة مرّغوبة لا أهوال مكروهة أو لأنها لا تصيبه لأجل المعصية فلا ينافي إصابتها لرفع الدرجة ، ولا يخفى بعدّ تلك الوجوه.

والأظهر عندي أن المرّاد بأهوال الدنيا ارتكاب الذنوب والمعاصي ، لأنها عنده من أعظم المصائب والأهوال بقرينة ما سيأتي في الشقّ المقابل له ، ويحتمل أن يكون إطلاق الأهوال عليها على مجاز المشاكلة « وذلك ممّن يشفع » على بناء المجهول أي أنه لا يحتاج إلى الشفاعة لأنه من المقربين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وإنّما الشفاعة لأهل المعاصي « كخامة الزرع » قال في النهاية : فيه مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تفيئها الرياح ، هي الطاقة الغضة اللينة من الزرع ، وألفها منقلبة عن واو ، انتهى ، وأشار إلى وجه الشبه بقوله : يعوج أحياناً ، والمرّاد باعوجاجه ميلة إلى الباطل وهو متاع الدنيا والشّهوات النفسانيّة ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٢٧.

(٢) راجع المجلد الثّاني من هذه الطبعة ص ٣٠٥.

٣١٠

الآخرة وذلك ممّن يُشفع له ولا يشفع.

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عبد الله ، عن خالد العمي ، عن خضر بن عمرّو ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول المؤمن مؤمنان مؤمن وفى لله بشروطه الّتي شرطها عليه فذلك مع «النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » وذلك من يشفع ولا يشفع له وذلك ممّن لا تصيبه أهوال الدُّنيا ولا أهوال الآخرة ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع

_________________________________________________

وبقيامه استقامته على طريق الحقّ ومخالفته للأهواء والوساوس الشيطانيّة ، وقد مرّ الكلّ ام في أهوال الدنيا « ولا يشفع » أي لا يؤذن له في الشفاعة.

الحديث الثّاني : كالأوّل.

وخضر بكسر الخاء وسكون الضاد أو بفتح الخاء وكسر الضاد صحّح بهما في القاموس وغيره « وفي لله بشروطه » العهود داخلة تحت الشروط هنا « فذلك مع النبيين» إشارة إلى قوله تعالى : «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً »(١) وهذا مبني على ما وردّ في الأخبار الكثيرة أن الصديقين والشهداء والصالحين هم الأئمّةعليهم‌السلام ، والمرّاد بالمؤمن في المقسم هنا غيرهم من المؤمنين وقد مرّ عن أبي - جعفرعليه‌السلام أنه قال بعدّ قراءة هذه الآية فمنّا النبيّ ومنّا الصديق والشهداء والصالحون ، وفي تفسير عليُّ بن إبراهيم قال : النبيين رسول الله والصديقين عليُّ ، والشهداء الحسن والحسين ، والصالحين الأئمّة «وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » القائم من آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يحتاج إلى ما قيل : أن الظاهر أنه كان من النبيين لأن الصنف الأوّل إمّا نبيّ أو صديق أو شهيد أو صالح ، والصنف الثّاني يكون مع هؤلاء بشفاعتهم « زلت به قدم » كان الباء للتعدية ، أي أزلته قدم وأقدام على المعصية ، وقيل : الباء للسببيّة أي زلت بسببه قدمه أي فعله عمدا من غير نسيان

__________________

(١) سورة النساء : ٦٩.

٣١١

كيفما كفأته الرّيح انكفأ وذلك ممّن تصيبه أهوال الدُّنيا والآخرة ويشفع له وهو على خير.

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مرّيم الأنصاري ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قام رجلٌ بالبصرة إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الإخوان فقال الإخوان صنفان إخوان الثقة وإخوان المكاشرة فأمّا إخوان الثقة فهم الكف

_________________________________________________

وإكراه ، و « كيفما » مرّكب من كيف للشرط ، نحو كيف تصنع أصنع ، وما زائدة للتأكيد ، وفي النهاية : يقال كفأت الإناء وأكفأته إذاً كببته وإذاً أملته ، وفي القاموس : كفاه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كاكفاه واكتفاه وانكفأ رجع ، ولونه تغير.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح.

« الإخوان صنفان » المرّاد بالإخوان إمّا مطلق المؤمنين فإن المؤمنين إخوة ، أو المؤمنين الذين يصاحبهم ويعاشرهم ويظهرون له المودَّة والأخوة ، أو الأعمّ من المؤمنين وغيرهم إذاً كانوا كذلك ، والمرّاد بإخوان الثقة أهل الصّلاح والصدق والأمانة ، الذين يثق بهم ويعتمد عليهم في الدّين ، وعدم النفاق وموافقة ظاهر هم لباطنهم ، وبإخوان المكاشرة الذين ليسوا بتلك المثابة ، ولكن يعاشرهم لرفع الوحشة ، أو للمصلحة والتقيّة فيجالسهم ويضاحكهم ولا يعتمد عليهم ولكن ينتفع بمحض تلك المصاحبة منهم لإزالة الوحشة ودفع الضرر ، قال في النهاية : فيه : إنا لنكشر في وجوه أقوام ، الكشر : ظهور الأسنان في الضحك ، وكاشرة إذاً ضحك في وجهه وباسط ، والاسم الكشرة كالعشرة « فهم الكفّ » الحمل على المبالغة والتشبيه أي هم بمنزلة كفك في أعانتك وكفّ الأذى عنك ، فينبغي أن تراعيه وتحفظه كما تحفظ كفك ، قال في المصباح : قال الأزهري : الكفّ الراحة مع الأصابع سمّيت بذلك لأنها

٣١٢

والجناح والأهل والمال فإذا كنت من أخيك على حدّ الثقة فابذل له مالك وبدنك - وصاف من صافاه وعاد من عاداه واكتم سرّه وعيبه وأظهر منه الحسن

_________________________________________________

تكفّ الأذى عن البدن ، وقال : جناح الطائر بمنزلة اليد للإنسان ، وفي القاموس : الجناح اليد والعضدّ والإبط والجانب ونفس الشيء ، والكنف والناحية ، انتهى.

وأكثر المعاني مناسبة ، والعضدّ أظهر والحمل كما سبق ، أي هم بمنزلة عضدك في إعانتك فراعهم كما تراعى عضدك ، وكذا الأهل والمال ، ويمكن أن يكون المرّاد بكونهم مإلّا أنهم أسباب لحصول المال عند الحاجة إليه « فإذا كنت من أخيك » أي بالنّسبة إليه كقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مني بمنزلة هارون من موسى « على حد الثقة » أي على مرّتبة الثقة والاعتماد ، أو على أول حد من حدودها ، والثقة في الأخوة والديانة والاتصاف بصفات المؤمنين وكون باطنه موافقاً لظاهرة « فابذل له مالك وبدنك » بذل المال هو أن يعطيه من ماله عند حاجته إليه سأل أم لم يسئل وبذل البدن هو أن يسعى في حاجته ويخدمه ويدفع الأذى عنه قولا وفعلا ، وهما متفرعان على كونهم الكفّ والجناح والأهل والمال.

« وصاف من صافاه » أي أخلص الود لمن أخلص له الود ، قال في المصباح : صفا خلص من الكدر ، وأصفيته الود إذاً خلصته ، وفي القاموس : صافاه صدقه الإخاء كأصفاه « وعاد من عاداه » أي في الدّين أو الأعمّ إذاً كان الأخ محقّاً وإنّما أطلق لأن المؤمن الكامل لا يكون إلّا محقّاً.

ويؤيد هاتين الفقرتين ما روي عنهعليه‌السلام في النهج أنه قال : أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة : فأصدقاؤك صديقك وصديق صديقك ، وعدوّ عدوك ، وأعداؤك عدوك وعدوّ صديقك وصديق عدوك.

« واكتم سرّه » أي ما أمرّك بإخفائه أو تعلم أن إظهاره يضره « وعيبه » أي إن كان له عيب نادراً أو ما يعيبه النّاس عليه ولم يكن قبيحاً واقعاً كالفقر

٣١٣

واعلم أيها السائل أنهم أقل من الكبريت الأحمر وإمّا إخوان المكاشرة فإنك تصيب لذتك منهم فلا تقطعن ذلك منهم ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان.

_________________________________________________

والأمرّاض الخفيّة « وأظهر منه الحسن » بالتّحريك أي ما هو حسن ممدوح عقلا وشرعاً من الصفات والأخلاق والأعمّال ، ويمكن أن يقرأ بالضمّ « فإنك تصيب لذتك منهم» أي تلتذ بحسن صحبتهم ومؤانستهم وتحصيل بعض المنافع الدنيويّة منهم ، بل الأخرويّة أيضاً أحيانا بمذاكرتهمومفاوضتهم « فلا تقطعن ذلك » الحظ « منهم » بالاستيحاش عنهم ، وترك مصاحبتهم فتصير وحيدا لندرة النوع الأوّل كما قالعليه‌السلام في حديث آخر : زهدك في راغب فيك نقصان حظ ، ورغبتك في زاهد فيك ذل نفس.

« ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم » أي ما يضمرّون في أنفسهم فلعله يظهر لك منهم حسد وعداوة ونفاق ، فتترك مصاحبتهم فيفوتك ذلك الحظ منهم ، أو يظهر لك منهم سوء عقيدة وفساد رأي فتضطر إلى مفارقتهم لذلك ، أو المعنى لا تتوقع منهم موافقة ضميرهم لك وحبهم الواقعي واكتف بالمعاشرة الظاهرة وإن علمت عدم موافقة قلبهم للسانهم كما يرشد إليه قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « وابذل لهم ما بذلوا لك منهم طلاقة الوجه» أي تهلله وإظهار فرحه برؤيتك وتبسمه ، في المصباح : رجل طلق الوجه أي فرح ظاهر البشر وهو طليق الوجه ، قال أبو زيد : متهلل بسام ، وفي الحديث حث على حسن المعاشرة والاكتفاء بظواهر حالهم وعدم تجسس ما في بواطنهم فإنه أقربّ إلى هدايتهم وإرشادهم إلى الحقّ ، وتعليم الجهال وهداية أهل الضلال وأبعدّ من التضرّر منهم والتنفر عنهم ، والأخبار في حسن المعاشرة كثيرة لا سيما مع المدعين للتشيّع والإيمان ، وسيأتي بعضها والله المستعان.

٣١٤

(باب)

(ما أخذه الله على المؤمن من الصبر على ما يلحقّه فيما ابتلي به)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن عيسى ، عن عليُّ بن النعمان ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أخذ الله ميثاق المؤمن على أن لا تصدق مقالته ولا ينتصف من عدوِّه ، وما من مؤمن يشفي نفسه إلّا بفضيحتها لأنَّ كلّ

_________________________________________________

باب ما أخذه الله على المؤمن من الصبر

أي ما يلحقّه من الغمّ والهم « فيما ابتلي به » من الأمور الأربعة المذكورة في الأخبار ، أو على ما يلحقّه من معاشرة الخلق ، وقيل : أي فيما كلف به من الأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك ، والأوّل أظهر.

الحديث الأول : صحيح.

« على أن لا تصدق » أي على الصبر على أن لا تصدق مقالته في دولة الباطل أو أهل الباطل مطلقاً ، والانتصاف الانتقام ، وفي القاموس : انتصف منه استوفى حقّه منه كاملاً حتّى صار كل على النصف سواء كاستنصف منه « يشفي نفسه » يقال : شفاه يشفيه من باب ضربّ فاشتفى هو ، وهو من الشفاء بمعنى البرء من الأمرّاض النفسانية ، والمكاره القلبيّة ، كما يستعمل في شفاء الجسم من الأمرّاض البدنيّة ، وكون شفاء نفسه من غيظ العدوّ موجباً لفضيحتها ظاهر لأن الانتقام من العدوّ مع عدم القدرة عليه يوجب الفضيحة والمذلة ، ومزيد الإهانة ، والضمير في بفضيحتها راجع إلى النفس « لأن كل مؤمن ملجم » يعني إذاً أراد المؤمن أن يشفي غيظه بالانتقام من عدوه افتضح ، وذلك لأنّه ليس بمطلق العنان خليع العذار ، يقول ما يشاء ويفعل ما يريد ، إذ هو مأمور بالتقيّة والكتمان والخوف من العصيان ، والخشية من الرَّحمن ، ولأن زمام أمره بيد الله سبحانه لأنه فوض أمره إليه ،

٣١٥

مؤمن ملجم.

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله أخذ ميثاق المؤمن على بلايا أربع أيسرها عليه مؤمن يقول بقوله

_________________________________________________

فيفعل به ما يشاء ممّا فيه مصلحته ، وقيل : أي ممنوع من الكلّ ام الّذي يصير سبباً لحصول مطالبه الدنيويّة في دولة الباطل.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أنه ألجمه الله في الدنيا ، فلا يقدر على الانتقام في دول اللئام ، أو ينبغي أن يلجم نفسه ويمنعها من الكلّ ام ، أو الفعل الّذي يخالف التقيّة كما مرّ ، وقال في النهاية : فيه من سئل عما يعلمه فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة الممسك عن الكلّ ام ، يمثل بمن ألجم نفسه بلجام ، ومنه الحديث : يبلغ العرق منهم ما يلجمهم ، أي يصل إلى أفواههم فيصير لهم بمنزلة اللجام يمنعهم عن الكلّ ام.

الحديث الثاني : كالأوّل.

« على بلايا أربع » قيل : أي إحدى بلايا للعطف بأو ، وللحديث الرابع ، وأربع مجرور صفة للبلايا ، وأشدها خبر مبتدإ محذوف ، أي هي أشدها والضمير المحذوف راجع إلى إحدى ، والضمير المجرور راجع إلى البلايا ، ومؤمن مرّفوع ، وهو بدل أشدها ، وأبداًل النكرة من المعرفة جائز إذاً كانت النكرة موصوفة ، نحو قوله تعالى : «بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ »(١) و « أو منافق » عطف على أشدها ، وفي بعض النسخ أيسرها وقال بعضهم : أيسرها صفة لبلايا أربع ، وفيه إشعار بأن للمؤمن بلايا أخر أشدّ منها ، قال : وفي بعض النسخ أشدّها بدل أيسرها فيفيد أن هذه الأربع أشدّ بلاياه ، وقوله : مؤمن خبر مبتدء محذوف أي هو مؤمن ، وقيل : إن أيسرها

__________________

(١) سورة العلق : ١٥.

٣١٦

يحسده ، أو منافقٌ يقفو أثره ، أو شيطان يغويه ، أو كافر يرى جهاده فما بقاء المؤمن بعدّ هذا.

_________________________________________________

مبتداء ومؤمن خبره ، وإن أشدها أولى م ن أيسرها لئلّا ينافي قولهعليه‌السلام فيما بعدّ : ومؤمن يحسده وهو أشدهن عليه ، وفيه أن أيسرها أو أشدها صفة لـمّا تقدم فلا تتم ما ذكر ، وكون هذه الأربع أيسر من غيرها لا ينافي أن يكون بعضها أشدّ من بعض ، ولو جعل مبتدأ كما زعم لزم أن لا يكون المؤمن الحأسدّ أشدّ من المنافق وما بعده ، وهو مناف لـمّا سيأتي.

وأقول : يمكن أن يكون أو للجمع المطلق بمعنى الواو ، فلا نحتاج إلى تقدير إحدى ، ويكون أشدها مبتدأ ومؤمن خبره ، وعبّر عن الأوّل بهذه العبارة لبيان الأشدية ثمَّ عطف عليه ما بعده كأنه عطف على المعنى ، ولكل من الوجوه السابقة وجه وكون مؤمن بدل أشدها أوجه.

« يقول بقوله » أي يعتقد مذهبه ويدعي التشيّع لكنه ليس بمؤمن كامل بل يغلبه الحسد « أو منافق يقفو أثره» أي يتبعه ظاهراً وإن كان منافقا أو يتبع عيوبه فيذكرها للنّاس وهو أظهر « أو شيطان » أي شيطان الجن أو الأعمّ منه ومن شيطان الإنس « يغويه » أي يريد إغواءه وإضلاله عن سبيل الحقّ بالوساوس الباطلة كما قال تعالى حاكيا عن الشيطان : «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ » الآية(١) وقال سبحانه : «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نبيّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً »(٢) وقال : «وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ »(٣) .

وربما يقرأ يغويه على بناء التفعيل أي ينسبه إلى الغواية وهو بعيد « أو كافر يرى جهاد » أي لازماً فيضره بكل وجه يمكنه « فما بقاء المؤمن بعدّ هذا »؟

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٦.(٢) سورة الأنعام : ١١٢.

(٣) سورة الأنعام : ١٢١.

٣١٧

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما أفلت المؤمن من واحدة من ثلاث ولربما اجتمعت الثلاث عليه إمّا بغض من يكون معه في الدار يغلق عليه بابه يؤذيه أو جار يؤذيه أو من في طريقه إلى حوائجه يؤذيه ولو أن مؤمناً على قلة جبل

_________________________________________________

استفهام إنكار أي كيف يبقى المؤمن على إيمانه بعدّ الّذي ذكرنا ، ولذا قل عدد المؤمنين أو لا يبقى في الدنيا بعدّ هذه البلايا والهموم والغموم ، أو لا يبقى جنس المؤمن في الدنيا إلّا قليل منهم.

الحديث الثالث : موثق.

« ما أفلت المؤمن » أي ما تخلص ، في المصباح : أفلت الطائر وغيره إفلاتا تخلص وأفلته إذاً أطلقته وخلصته يستعمل لازماً ومتعدّياً ، وفلت فلتا من باب ضربّ لغة وفليته أنا ، يستعمل أيضاً لازماً ومتعدّياً ، والظاهر أن بعض مبتدأ ويؤذيه خبره ، ويحتمل أن يكون بعض خبر مبتدإ محذوف ويؤذيه صفة أو حالاً « ويغلق » على بناء المجهول أو المعلوم والأوّل أظهر ، فبابه نائب الفاعل ، وضمير عليه راجع إلى ما يرجع إليه المستتر في يكون ، وجملة يغلق حال عن ضمير يكون أي داخل في داره يكون معه فيها ، والمرّاد بالشيطان إمّا شيطان الجن لأن معارضته للمؤمن أكثر أو شيطان الإنس.

وذكروا لتسليط الشياطين والكفرة على المؤمنين وجوهاً من الحكمة « الأوّل » أنه لكفارة ذنوبه ، الثّاني : أنه لاختبار صبره وإدرّاجه في الصابرين ، الثالث : أنه لتزهيده في الدنيا لئلّا يفتتن بها ويطمئن إليها فيشقّ عليه الخروج منها ، الرابع : توسله إلى جناب الحقّ سبحانه في الضراء وسلوكه مسلك الدعاء لدفع ما يصيبه من البلاء ، فترتفع بذلك درجته ، الخامس : وحشته عن المخلوقين وأنسه بربّ العالمين ، السادس : إكرامه برفع الدرجة الّتي لا يبلغها الإنسان بكسبه لأنه ممنوع

٣١٨

لبعث الله عزّ وجلّ إليه شيطاناً يؤذيه ويجعل الله له من إيمانه أنسا لا يستوحش معه إلى أحد.

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول أربع لا يخلو منهن المؤمن

_________________________________________________

من إيلام نفسه شرعاً وطبعاً ، فإذا سلّط عليه في ذلك غيره أدرك ما لا يصل إليه بفعله كدرجة الشهادة مثلاً ، السابع : تشديد عقوبة العدوّ في الآخرة فإنه يوجب سرور المؤمنين به ، والغرض من هذا الحديث وأمثاله حث المؤمن على الاستعداد لتحمّل النوائب والمصائب وأنواع البلاء بالصبر والشكر والرضا بالقضاء.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور معتبر.

« أربع » أي أربع خصال « أو واحدة » أي أو من واحدة « مؤمن يحسده » أي حسد مؤمن وهو أشدهن عليه لأن صدور الشر من القريب المجانس أشدّ وأعظم من صدوره من البعيد المخالف لتوقع الخير من الأوّل دون الثّاني ، وفي الخصال بإسناده عن سماعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : يا سماعة لا ينفك المؤمن من خصال أربع : من جار يؤذيه ، وشيطان يغويه ، ومنافق يقفو أثره ، ومؤمن يحسده ، ثمَّ قال : يا سماعة إمّا إنّه أشدهم عليه ، قلت كيف ذاك؟ قال : إنه يقول فيه القول فيصدّق عليه(١) « وعدوّ » أي مجاهر بالعداوة ، يجاهده بلسانه ويده.

__________________

(١) ويبقى في هذا الحديث وأمثاله سؤال لم أر من تعرض له من الشرّاح وهو أنّه كيف يحسد المؤمن على أخيه مع أنّ الحسد من المعاصي الكبيرة الموبقة ، وأنّه لا يجامع الإيمان لقولهمعليهم‌السلام : الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب ، وقول الصادقعليه‌السلام ( على ما سيأتي في باب الحسد ) : إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، وأمثال ذلك؟

ويمكن أن يجاب بأنّ المرّاد من الإيمان معناه اللغويّ والإيمان الظاهري لا الواقعي ، أو المرّاد من الحسد هو الغبطة أو التنافس كما وردّ في الحديث ، وقد استعمل الحسد في هذا المعنى في اللغة والحديث أيضاً ، والله العالم.

٣١٩

أو واحدة منهنَّ ، مؤمنٌ يحسده وهو أشدُّهنَّ عليه ومنافق يقفو أثره أو عدوّ يجاهده أو شيطانٌ يغويه.

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن سنان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ جعل وليه في الدنيا غرضا لعدوه.

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمّد بن عجلان قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فشكا إليه رجل الحاجة فقال له اصبر فإن الله سيجعل لك فرجا قال ثمَّ سكت ساعة ثمَّ أقبل على الرجل

_________________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

والغرض بالتّحريك هدف يرمى فيه أي جعل محبة في الدنيا هدفا لسهام عداوة عدوه وحيله وشروره.

الحديث السادس : مجهول.

« فإن الله سيجعل لك فرجاً » أي بتهيئة أسباب الرزق كما قال سبحانه : «سَيَجْعَلُ اللهُ بَعدّ عُسْرٍ يُسْراً »(١) وقال : «وَمَنْ يتّق اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ »(٢) « أو بالموت » فإن للمؤمن بعده السّرور والراحة والحبور ، كما يومئ إليه ما بعده : « الدنيا سجن المؤمن » هذا الحديث مع تتمته : وجنة الكافر ، منقول من طرق الخاصة والعامة.

قال الراوندي (ره) في ضوء الشهاب بعدّ نقل هذه الرواية : شبه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤمن بالمسجون من حيث هو ملجم بالأوامرّ والنواهي ، مضيق عليه في الدنيا ، مقبوض على يده فيها ، مخوف بسياط العقاب ، مبتلى بالشهوات ، ممتحن بالمصائب بخلاف الكافر الّذي هو مخلوع العذار متمكّن من شهوات البطن والفرَّج ، بطيبة

__________________

(١) سورة الطلاق : ٧. (٢) سورة الطلاق : ٣.

٣٢٠