مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21925
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21925 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن إسماعيل البصري ، عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول إن نفرا من المسلمين خرجوا إلى سفر لهم فضلوا الطريق فأصابهم عطش شديد فتكفنوا ولزموا أصول الشجر فجاءهم شيخٌ وعليه ثياب بيض فقال قوموا فلا بأس عليكم فهذا الماء فقاموا وشربوا وارتووا فقالوا من أنت يرحمك الله فقال أنا من الجن الذين بايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________________

يكون أمراً في صورة الخبر ، والمعنى أن الإيمان يقتضي التعاون بأن يخدم بعض المؤمنين بعضاً في أمورهم ، هذا يكتب لهذا وهذا يشتري لهذا ، وهذا يبيع لهذا إلى غير ذلك ، بشرط أن يكون بقصد التقرّب إلى الله ، ولرعاية الإيمان ، وأما إذا كان كان يجر منفعة دنيوية إلى نفسه فليس من خدمة المؤمن في شيء بل هو خدمة لنفسه.

الحديث العاشر : مجهول « فتكفّنوا » أي سلموا أنفسهم إلى الموت وقطعوا به ، فلبسوا أكفانهم أو ضموا ثيابهم على أنفسهم بمنزلة الكفن ، وفي القاموس : هم مكفنون ليس لهم ملح ولا لبن ولا إدام ، وفي بعض النسخ فتكنفوا بتقديم النون على الفاء ، أي اتخذ كل منهم كنفا وناحية وتفرقوا ، من الكنف بالتحريك وهو الناحية والجانب أو اجتمعوا وأحاط بعضهم ببعض ، قال في النهاية : في حديث الدعاء مضوا على شاكلتهم مكانفين ، أي يكنف بعضهم بعضاً ، وفيه فاكتنفته أنا وصاحبي أي أحطنا به من جانبيه ، وفي القاموس : كنفه صانه وحفظه وحاطه وأعانه كأكنفه والتكنيف الإحاطة واكتنفوا فلانا أحاطوا به كتكنفوه.

قوله : أنا من الجنّ ، الجنّ بالكسر جمع الجني وقد ذكر الطبرسي (ره) وغيره أن سبعة من جنّ نصيبّن أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبايعوه ، وروي أكثر من ذلك كما ذكرناه في الكتاب الكبير ، وفي الصحّاح حضرة الرّجل قربه وفناؤه ، و

٢١

يقول : المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله فلم تكونوا تضيّعوا بحضرتي.

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن فضيل بن يسار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله [ ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه ] قال ربعي فسألني رجل من أصحابنا بالمدينة فقال سمعت فضيلاً يقول ذلك قال فقلت له نعم فقال : [ ف] ـانّي سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول - المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يغشّه ولا يخذله ولا يغتابه ولا يخونه ولا يحرمه.

_________________________________________________

يدل على أنّ الجنّ أجسام لطيفة يمكن تشكلّهم بشكل الإنس ورؤيتهم لغير الأنبياء والأوصياءعليه‌السلام أيضاً ، ويشعر بجواز رواية الحديث عن الجنّ.

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح.

« قال سمعت الفضيل » بصيغة الخطّاب بتقدير حرف الاستفهام « فقال إنّي سمعت » هذا كلام الرّجل ، واحتمال الفضيل كما توهم بعيد ، وغرض الرّجل أن الذي سمعت منهعليه‌السلام أكثر ممّا سمعه لا سيما على النسخة التي ليس في الأول ولا يغتابه إلخ ، ولعلهما سمعاً في مجلس واحد ، ولذا استبعده « ولا يحرمه » أي من عطائه ، وربمّا يقرأ « ولا يظلمه » على بناء التّفعيل أي لا ينسبه إلى الظلم وهو تكلف ، وفي القاموس خذله وعنه خذلا وخذلانا بالكسر : ترك نصرته ، والظبية وغيرها تخلّفت عن صواحبها وانفردت ، أو تخلّفت ولم تلحقّ ، وتخاذل القوم تدابروا.

٢٢

(باب)

(فيما يوجب الحقّ لمن انتحل الإيمان وينقضه)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول _ وسئل عن إيمان من يلزمنا حقّه وأخوَّته كيف هو وبما يثبت وبما يبطل ؟ - فقال : إنّ الإيمان قد يتّخذ على وجهين أمّا أحدهما فهو الّذي يظهر

_________________________________________________

باب في ما يوجب الحقّ لمن انتحل الإيمان وينقضه

الانتحال إدّعاء أمرّ بغير حقيقة أو مطلقا ، واتخاذ نحلة ودين ، وقوله : وينقضه عطف على يوجب ، والضمير المستتر فيه راجع إلى ما ، والبارز إلى الحقّ أي هذا باب في بيان ما يوجب رعاية الحقوق الإيمانية لمن ادعى الإيمان ، وبيان ما ينقض الحقّ ويسقط وجوب رعايته ، ويحتمل إرجاع الظاهر إلى الإيمان لكن الأول أظهر.

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« وسئل » الواو للحال بتقدير قد ، وإثبات الألف في قوله : بم في الموضعين مع دخول حرف الجرّ شاذّ ، وقوله : فقال ، تكرير وتأكيد لقوله : يقول.

قوله قد يتّخذ ، قد هنا للتحقيق ، وإنّما اكتفي بذكر أحد وجهي الإيمان مع التصريح بالوجهين ، وكلمة إمّا التفصيلية المقتضية للتكرار لظهور القسم الآخر من ذكر هذا القسم ، والقسم الآخر هو ما يعرف بالصحبة المتأكّدة والمعاشرة المتكررة الموجبة للظن القوي بل اليقين ، وإن كان نادراً ، فإن الإيمان أمرّ قلبي لا يظهر للغير إلّا بآثاره من القول والعمل المخبرين عنه كما مرّ تحقيقه ، أو القسم الآخر ما كان معلوماً بالبرهان القطعيّ كالحججعليه‌السلام وخواصّ أصحابهم الذين أخبروا بصحّة أيمانهم وكماله كسلمان وأبي ذر والمقداد وأضرابهم رضي الله عنهم ،

٢٣

لك من صاحبك فإذا ظهر لك منه مثل الذي تقول به أنت حقت ولايته وأخوَّته إلّا أن يجيء منه نقض للذي وصف من نفسه وأظهره لك فإن جاء منه ما تستدل به على نقض الذي أظهر لك خرج عندك ممّا وصف لك وأظهر وكان لما أظهر لك ناقضاً إلّا أن يدعي أنّه إنّما عمل ذلك تقية ومع ذلك ينظر فيه فإن كان ليس ممّا يمكن أن تكون التقيّة في مثله لم يقبل منه ذلك لأن للتقية مواضع من أزالها عن مواضعها لم تستقم له وتفسير ما يتقى مثل [ أن يكون ] قوم سوء ظاهر

_________________________________________________

ونظير هذا في ترك معادل إمّا ، قوله تعالى : «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً ، فَإمّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ »(١) إذ ظاهر أن معادله : وإمّا الذين كفروا بالله ولم يعتصموا به فسيدخلهم جهنّم.

« حقت » بفتح الحاء وضمها ، لأنه لازم ومتعد « ولايته » أي محبته و « إخوته » أي في الدين « ومع ذلك ينظر فيه » أي فيه تفصيل « فإن كان » اسمه الضمير الراجع إلى « ما تستدل به » وجملة « ليس » إلخ ، خبره و « ذلك » إشارة إلى الدعوى المذكور في ضمن إلّا أن يدعى ، وتفسير مبتدأ « ويتقى » على بناء المجهول بتقدير يتقى فيه ، و « مثل » خبر و « قوم » مضاف إلى السوء بالفتح ، و « ظاهر » صفة السوء وجملة « حكمهم » إلخ صفة للقوم أو « ظاهر » صفة القوم لكونه بحسب اللفظ مفرداً أي قوم غالبين و « حكمهم » إلخ جملة أخرى كما مرّ أو حكمهم فاعل ظاهر أي قوم سوء كون حكمهم وفعلهم على غير الحقّ ظاهراً ، أو ظاهر مرّفوع مضاف إلى حكمهم ، وهو مبتدأ وعلى غير خبره ، والجملة صفة القوم.

وبالجملة يظهر منه أنّ التقيّة إنّما تكون لدفع ضرر لا لجلب نفع بأن يكون السّوء بمعنى الضرر أو الظاهر بمعنى الغالب ، ويشترط فيه عدم التأدّي إلى الفساد في الدين كقتل نبيّ أو إمام أو اضمحلال الدين بالكليّة كما أنّ الحسينعليه‌السلام

__________________

(١) سورة النساء : ١٧٥.

٢٤

حكمهم وفعلهم على غير حكم الحقّ وفعله فكلّ شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدّين فإنّه جائز.

(باب)

(في أن التواخي لم يقع على الدين وإنما هو التعارف)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن حمزة بن محمّد الطيّار ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لم تتواخوا على هذا الأمر وإنّما

_________________________________________________

لم يتّق للعلم بأنّ تقيّته يؤدّي إلى بطلان الدين بالكليّة ، فالتقيّة إنمّا تكون فيما لم يصر تقيّته سبباً لفساد الدّين وبطلانه كما أنّ تقيتّنا في غسل الرجلين أو بعض أحكام الصلاة وغيرها لا تصير سبباً لخفاء هذا الحكم وذهابه من بين المسلمين ، لكن لم أر أحدا صرح بهذا التفصيل ، وربما يدخل في هذا التقيّة في الدماء وفيه خفاء ، ويمكن أن يراد بالأداء إلى الفساد في الدّين أن يسري إلى العقائد القلبية أو يعمل التقيّة في غير موضع التقية.

ثم اعلم أنّه يستفاد من ظاهر هذا الخبر وجوب المؤاخاة وأداء الحقوق بمجردّ ثبوت التشيع ، قيل : وهو على إطلاقه مشكل ، كيف ولو كان ذلك كذلك للزم الحرج وصعوبة المخرج إلّا أن يخصص التشيع بما وردّ من الشروط في أخبار صفات المؤمن وعلاماته.

وأقول : يمكن أن يكون الاستثناء الواردّ في الخبر بقوله : إلّا أن يجيء منه نقض ، شاملا لكبائر المعاصي بل الأعمّ.

باب في أن التآخي لا يقع على الدين وإنما هو التعارف

الحديث الأول : ضعيف على المشهور معتبر عندي.

« لم تتواخوا على هذا الأمر » أقول : الخبر يحتمل وجوهاً :

٢٥

تعارفتم عليه.

_________________________________________________

الأوّل : ما أفاده الوالدقدس‌سره وهو أنّ التآخي بينكم لم يقع على التشيع ولا في هذه النشأة بل كانت أخوتكم في عالم الأرواح قبل الانتقال إلى الأجساد ، وإنما حصل تعارفكم في هذا العالم بسبب الدّين ، فكشف ذلك عن الأخوة في العليين ، وذلك مثل رجلين كانت بينهما مصاحبة قديمة فافترقا زمانا طويلا ثم تلاقيا فعرف كل منهما صاحبه ، ويؤيده الحديث المشهور عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ، وهذا الخبر وإن كان عامياً لكن وردّ مثله في أخبارنا بأسانيد جمة أوردتها في الكتاب الكبير.

منها : ما روى الصفّار في البصائر بأسانيد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : والله يا أمير المؤمنينعليه‌السلام إني لأحبك ، فقال : كذبت ، فقال الرّجل : سبحان الله كأنك تعرف ما في قلبي؟ فقال عليُّعليه‌السلام : إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام ، ثم عرضهم علينا فأين كنت لم أرك.

وعن عمارة قال : كنت جالساً عند أمير المؤمنين إذ أقبل رجل فسلم عليه ثم قال : يا أمير المؤمنين والله إني لأحبك فسأله ثم قال له : إن الأرواح خلقت قبل الأبدان بألفي عام ، ثم أسكنت الهواء فما تعارف منها ثم ائتلف هيهنا ، وما تناكر منها ثم اختلف هيهنا ، وإن روحي أنكر روحك.

وبسنده أيضاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله ، إلّا أنه قال : إن الله خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فأسكنها الهواء ثم عرضها علينا أهل البيت ، فو الله ما منها روح إلّا وقد عرفنا بدنه ، فو الله ما رأيتك فيها فأين كنت.

وروى الصدوق في العلل بسند موثق عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها في الميثاق ائتلف هيهنا وما تناكر منها في الميثاق اختلف هيهنا.

وروي بسند آخر عنهعليه‌السلام أنه قال لرجل من أصحابه : ما تقول في الأرواح

٢٦

_________________________________________________

أنّها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟ قال : فقلت : إنّا نقول ذلك ، قال : فإنه كذلك إن الله تعالى أخذ على العباد ميثاقهم وهم أظلّة قبل الميلاد ، وهو قوله عز وجل «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ »(١) الآية قال : فمن أقر له يومئذ جاءت ألفته هيهنا ، ومن أنكره يومئذ جاء خلافه هيهنا.

وقال ابن الأثير في النّهاية : فيه الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف « مجنّدة » أي مجموعة كما يقال ألوف مؤلّفة وقناطير مقنطرة ، ومعناه الإخبار عن مبدء كون الأرواح وتقدمها على الأجساد أي أنّها خلقت أول خلقها على قسمين ، من ائتلاف واختلاف كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت ، ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها الله عليه من السعادة والشقاوة والأخلاق في مبدء الخلق ، يقول : إن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخير يحب الأخيار ويميل إليهم ، والشرير يحب الأشرار ويميل إليهم ، انتهى.

وقال الخطابي : خلقت قبلها تلتقي فلما التبست بالأبدان تعارفت بالذكر الأوّل ، انتهى.

وأقول : استدل بهذا الحديث على أمرّين « الأول » خلق الأرواح قبل الأبدان وقد اختلف المتكلمون والمحدثون من العامّة والخاصة في ذلك فذهب أكثر المتكلمين إلى أن الأرواح بعد تمام خلقة البدن ، قال شارح المقاصد : النفوس الإنسانية سواء جعلناها مجردة أو مادية حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار ، وإنما الكلام في أن حدوثها قبل البدن لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ،

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٧٢.

٢٧

_________________________________________________

أو بعده لقوله تعالى بعد ذكر أطوار البدن : «ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ »(١) إشارة إلى إفاضة النفس ، ولا دلالة في الحديث مع كونه خبر واحد على أن المرّاد بالأرواح النفوس البشريّة أو الجوهريّة العلويّة ولا في الآية على أنّ المراد إحداث النفس أو إحداث تعلّقها بالبدن ، وأمّا الفلاسفة فمنهم من جعلها قديمة وذهب أرسطو وشيعته إلى أنّها حادثة ، ثم ذكر دلائل الطرفين واعترض عليها بوجوه.

وأمّا أصحابنا رضوان الله عليهم فظاهر أكثر المحدّثين أنهم قالوا بظواهر تلك الأخبار ، قال الصدوقرضي‌الله‌عنه في رسالة الاعتقادات : اعتقادنا في النفوس أنّها الأرواح التي بها الحياة وأنّها الخلق الأول ، لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أول ما أبدع الله سبحانه هي النفوس المقدسة المطهرة فأنطقها بتوحيده ، ثم خلق بعد ذلك سائر خلقه ، واعتقادنا فيها أنّها خلقت للبقاء ولم تخلق للفناء ، وساق الكلام إلى قوله : وقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، وقال الصادقعليه‌السلام : إن الله تعالى آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام ، فلو قد قام قائمنّا أهل البيت لورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ، ولم يورث الأخ من الولادة.

وأمّا المتكلمون منّا فأكثرهم قالوا بحدوثها بعد تصوير البدن في الرحم وأولوا هذه الأخبار بتأويلات بعيدة ، قال الشيخ المفيد (ره) في أجوبة المسائل السروية : فأمّا الخبر بأنّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فهو من أخبار الآحاد ، وقد روته العامّة كما روته الخاصة ، وليس هو مع ذلك ممّا يقطع على الله بصحته ، وإن ثبت القول فالمعنى فيه أن الله تعالى قدّر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد ، واخترع الأجساد واخترع لها الأرواح ، فالخلق للأرواح قبل

__________________

(١) سورة المؤمنون : ١٤.

٢٨

_________________________________________________

الأجساد خلق تقدير في العلم كما قدّمناه ، وليس بخلق لذواتها كما وصفناه ، والخلق لها بالإحداث والاختراع بعد خلق الأجسام والصور التي تدبرها الأرواح ، ولو لا أن ذلك كذلك لكانت الأرواح تقوم بأنفسها ، ولا تحتاج إلى آلة تعتملها ولكنا نعرف ما سلف لنا من الأحوال قبل خلق الأجساد كما نعلم أحوالنا بعد خلق الأجساد ، وهذا محال لا خفاء بفساده ، وإمّا الحديث بأن الأرواح جنود مجندة فالمعنى فيه أن الأرواح التي هي الجواهر البسائط تتناصر بالجنس وتتخاذل بالعوارض فما تعارف منها باتفاق الرأي والهوى ائتلف ، وما تناكر منها بمباينة في الرأي والهوى اختلف ، وهذا موجود حسّاً ومشاهد وليس المرّاد بذلك أن ما تعارف منها في الذر ائتلف كما تذهب إليه الحشويّة كما بيّناه من أنه لا علم للإنسان بحال كان عليها قبل ظهوره في هذا العالم ، ولو ذكر بكل شيء ممّا ذكر ذلك ، فوضح بما ذكرناه أن المرّاد بالخبر ما شرحناه والله الموفق للصواب ، انتهى.

وقال الراوندي (ره) في كتاب ضوء الشهاب : في شرح قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأرواح جنود مجندة قال بعض من تكلّم في هذا الحديث : أنّه على حذف المضاف ، والتقدير ذوا الأرواح ، وهذا قريب المأخذ ، وعند جماعة من محقّقي أصحاب الأصول أنه يجوز عقلا أن يكون الله تعالى إذا استشهد الشهيد أو توفي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الصالح من بني آدم ينتزع من جسده أجزاء بقدر ما تحل الحياة التي كانت الجملة بها حيّة ، فيردها إلى تلك الأجزاء فتصير حيا وإن كان جثته صغيرة ، فيرفعه إلى حيث شاء فإنه لا اعتبار في الحي بالجثة ، وظاهر الكتاب يشهد بصحّة ذلك وكذا الحديث ، وهذا الحديث أيضا ممّا يعضده ، فعلى هذا تتعارف هذه الأجساد اللطيفة بعد موت صاحبها كما كانت في دار الدنيا ، يعرف بعضها بعضا ، وتتباشر فتأتلف وبالعكس ، انتهى.

٢٩

_________________________________________________

وأقول : قيام الأرواح بأنفسها أو تعلّقها بالأجساد المثالية ثم تعلّقها بالأجساد العنصريّة ممّا لا دليل على امتناعه ، وإمّا عدم تذكر الأحوال السابقة فلعله لتقلبها في الأطوار المختلفة أو لعدم القوي البدنيّة أو كون تلك القوي قائمة بما فارقته من الأجساد المثالية ، أو لا ذهاب الله تعالى عنها تذكر هذه الأمور لنوع من المصلحة ، كما وردّ أن التذكر والنسيان منه تعالى ، مع أن الإنسان لا يتذكّر كثيراً من أحوال الطّفوليّة والولادة ، والتأويلات المذكورة يأبى عنها صريح كثير من الأخبار التي مرّ بعضها.

الثاني(١) : أن الأرواح الإنسانيّة مختلفة في الحقيقة ، قال العلّامة نوّر الله مرّقده في شرح التجريد : ذهب الأكثر إلى أن النفوس البشريّة متحدة في النوع متكثرة بالشخص ، وهو مذهب أرسطو ، وذهب جماعة من القدماء إلى أنها مختلفة بالنوع.

وقال شارح المقاصد : ذهب جمع من قدماء الفلاسفة إلى أن النفوس الحيوانيّة والإنسانية متماثلة متحدة المهيّة ، واختلاف الأحوال والإدراكات عائد إلى اختلاف الآلات ، وهذا لازم على القائلين بأنّها أجسام والأجسام متماثلة إذ لا تختلف إلّا بالعوارض ، وإمّا القائلون بأن النفوس الإنسانية مجردة فذهب الجمهور منهم إلى أنها متحدة المهية وإنّما تختلف في الصفات والملكات ، واختلاف الأمزجة والأدوات ، وذهب بعضهم إلى أنّها مختلفة بالمهية بمعنى أنها جنس تحته أنواع مختلفة ، تحت كل نوع منها أفراد متحدة المهية متناسبة الأحوال بحسب ما يقتضيه الروح العلوي المسمى بالطباع التام لذلك النوع ، ويشبه أن يكون قولهعليه‌السلام : النّاس معادن كمعادن الذهب والفضّة وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأرواح جنود مجندة « الحديث »

__________________

(١) أي من الأمرين الذي استدلوا لإثباته بهذا الحديث.

٣٠

٢ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان وسماعة جميعاً ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لم تتواخوا على هذا الأمر [ و ] إنّما تعارفتم عليه.

_________________________________________________

إشارة إلى هذا ، وذكر الإمام في المطالب العالية أنّ هذا المذهب هو المختار عندنا ، وإمّا بمعنى أن يكون كل فردّ منها مخالفا بالمهية لسائر الأفراد حتّى لا يشترك منهم اثنان في الحقيقة ، فلم يقل به قائل تصريحاً ، كذا ذكره أبو البركات في المعتبر ، انتهى.

وأقول : دلالة الحديث على هذا المدعى ضعيفة وأصل المدعى ليس ممّا في تحقيقه طائل.

الثاني(١) : ما قيل : أن المعنى أنكم لم تتواخوا على التشيّع إذ لو كان كذلك لجرت بينكم جميعاً المؤاخاة وأداء الحقوق ، وليس كذلك بل إنّما أنتم متعارفون على التشيع ، يعرف بعضكم بعضاً عليه من دون مؤاخاة ، وعلى هذا يجوز أن يكون الحديث واردا موردّ الإنكار وأن يكون واقعا موقع الأخبار ، أو المعنى أن مجردّ القول بالتشيع لا يوجب التآخي بينكم ، وإنّما يوجب التعارف بينكم ، وإمّا التآخي فإنه يوجبه أمور أخر غير ذلك لا يجب بدونها.

الثالث : أنّ المعنى أنّه لم تكن مؤاخاتكم بعد حدوث هذا المذهب واتّصافكم به ، ولكن كانت في حال الولادة وقبلها وبعدها ، فإن المؤاخاة بسبب اتحاد منشأ الطين والأرواح كما مرّ ، وهذا يرجع إلى الوجه الأوّل أو قريب منه.

الحديث الثاني : موثق وقد مر مضمونه.

__________________

(١) من معاني الحديث.

٣١

(باب)

(حق المؤمن على أخيه وأداء حقه)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرّو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من حقّ المؤمن على أخيه المؤمن أن يشبع جوعته ويواري عورته ويفرّج عنه كربته ويقضي دينه فإذا مات خلفه في أهله وولده.

_________________________________________________

باب حقّ المؤمن على أخيه وأداء حقّه

الحديث الأول : ضعيف.

« أن يشبع جوعته » إسناد الشّبع إلى الجوعة مجاز ، يقال : أشبعته أي أطعمته حتّى شبع ، وفي المصباح جاع الرّجل جوعاً ، والاسم الجوع بالفتح « ويواري » أي يستر « عورته » وهي كلما يستحيي منه إذا ظهر وما يجب ستره من الرّجل القبل والدبر ، ومن المرّأة جميع الجسد إلّا ما استثني ، والأمة كالحرة إلّا في الرأس ، والظاهر أن المرّاد هنا أعمّ من ذلك بل المرّاد إلباسه باللباس المتعارف ، بما هو عادة أمثاله وفسر في بعض الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عورة المؤمن على المؤمن حرام أن المرّاد بها عيوبه ، ويحتمل هنا ذلك لكنه بعيد ، والكربة بالضم اسم من كربة الأمرّ فهو مكروب أي أهمه وأحزنه ، وقضاء الدّين أعمّ من أن يكون في حال الحياة أو بعد الموت.

قولهعليه‌السلام : خلقه كنصره أي كان عوضه وخليفته في قضاء حوائج أهله وولده ورعايتهم ، قال في النهاية : خلفت الرّجل في أهله إذا قمت بعده فيهم ، وقمت عنه بما كان يفعله ، وفي الدعاء للميت : أخلفه في عقبه أي كن لهم بعده.

٣٢

٢ - عنه ، عن عليُّ بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير الهجري ، عن معلى بن خنيس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له ما حقُّ المسلم على المسلم قال له سبع حقوق واجبات ما منهنٌ حقٌّ إلّا وهو عليه واجب إن ضيع منها شيئاً خرج من ولاية الله وطاعته ولم يكن لله فيه من نصيب قلت له جعلت فداك وما هي قال

_________________________________________________

الحديث الثاني : مجهول.

والضمير في عنه راجع إلى أحمد « واجبات » بالجرّ صفة للحقوق ، وقيل : أو بالرفع خبر للسبع ، ويمكن حمل الوجوب على الأعمّ من المعنى المصطلح والاستحباب المؤكد إذ لا أظنّ أحداً قال بوجوب أكثر ما ذكر « من ولاية الله » أي محبّته سبحانه أو نصرته ، والإضافة إمّا إلى الفاعل أو المفعول ، وفي النهاية : الولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق ، والولاية بالكسر في الإمارة والولاء في المعتق ، والموالاة من والى القوم ، وفي القاموس الولي القرب والدنوّ والولي الاسم منه والمحب والصديق والنصير ، وولي الشيء وعليه ولاية وولاية ، أو هي المصدر ، وبالكسر الحظة والإمارة والسلطان ، وتولاه اتخذه وليّاً والأمر تقلّده وأنّه لبين الولاءة والولية والتولي والولاء والولاية وتكسر ، والقوم على ولاية واحدة وتكسر أي يد ، انتهى.

قوله : ولم يكن لله فيه من نصيب ، أي لا يصل شيء من أعماله إلى الله ولا يقبلها ، أو ليس هو من السّعداء الذين هم حزب الله بل هو من الأشقياء الذين هم حزب الشيطان ، وحمل جميع ذلك على المبالغة ، وأنّه ليس من خلص أولياء الله.

ثم الظّاهر أنّ هذه الحقوق بالنّسبة إلى المؤمنين الكاملين أو الأخ الذي وأخاه في الله وإلّا فرعاية جميع ذلك بالنسبة إلى جميع الشّيعة حرج عظيم بل ممتنع ، إلّا أن يقال أن ذلك مقيد بالإمكان بل السّهولة ، بحيث لا يضرّ بحاله ، وبالجملة هذا أمرّ عظيم يشكل الإتيان به والإطاعة فيه إلّا بتأييده سبحانه.

٣٣

يا معلّى إنّي عليك شفيق أخاف أن تضيع ولا تحفظ وتعلم ولا تعمل قال قلت له

_________________________________________________

قولهعليه‌السلام : إني عليك شفيق ، أي خائف أي إن لا تعمل أو متعطف محب من أشفقت على الصّغير أي حنوت وعطفت ، ولذا لا أذكرها لك لأني أخاف أن تضيع ولا تعتني بشأنه ولا تحفظه وتنساه ، أو لا ترويه أو لا تعمل به ، فالفقرة الآتية مؤكدة.

وعلى التقادير يدل على أن الجاهل معذور ، ولا ريب فيه إن لم يكن له طريق إلى العلم ، لكن يشكل توجيه عدم ذكرهعليه‌السلام ذلك وإبطائه فيه للخوف من عدم عمله به ، وتجويز مثل ذلك مشكل وإن وردّ مثله في بيان وجوب الغسل على النساء في احتلامهن ، حيث وردّ النهي عن تعليمهن هذا الحكم لئلا يتخذنه علة مع أن ظاهر أكثر الآيات والأخبار وجوب التعليم والهداية وإرشاد الضال لا سيما بالنسبة إليهمعليهم‌السلام ، مع عدم خوف وتقية ، كما هو ظاهر هذا المقام ، وقد قال تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ للنّاس فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ »(١) وأمثالها كثيرة.

ويمكن الجواب عنه بوجهين « الأول » أن الظاهر أن غرضهعليه‌السلام من هذا الامتناع لم يكن ترك ذكره والإعراض عنه ، بل كان الغرض تشويق المخاطب إلى استماعه وتفخيم الأمرّ عليه ، وأنه أمرّ شديد أخاف أن لا تعمل به ، فتستحقّ العقاب ولم يصرحعليه‌السلام بأني لا أذكره لك لذلك ، ولا أنّك مع عدم العلم معذور ، بل إنّما أكد الأمرّ الذي أراد بقائه عليه بتأكيدات لتكون ادعى له على العمل به ، كما إذا أراد الأمير أن يأخذ بعض عبيده وخدمه بأمرّ صعب فيقول قبل أن يأمرّه به : أريد أن أولئك أمرّا صعباً عظيماً وأخاف أن لا تعمل به لصعوبته ، وليس غرضه الامتناع عن الذكر بل التأكيد في الفعل.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥٩.

٣٤

لا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ قال : أيسر حقّ منها أن تحب له ما تحبَّ لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك والحقّ الثاني أن تجتنب سخطه وتتبع مرّضاته وتطيع أمرّه والحقّ الثالث أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك والحقّ الرّابع أن تكون عينه ودليله ومرّآته والحقّ الخامس [ أن ] لا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ ولا تلبس ويعرى ، والحقُّ السادس أن يكون لك خادم وليس لأخيك

_________________________________________________

والثاني أن يكون هذا مؤيّداً لاستحباب هذه الأمور ، ووجوب بيان المستحبّات لجميع النّاس لا سيّما لمن يخاف عليه عدم العمل به غير معلوم ، خصوصاً إذا ذكرهعليه‌السلام لبعض النّاس ، بحيث يكفي لشيوع الحكم وروايته وعدم صيرورته متروكاً بين النّاس ، بل يمكن أن يكون عدم ذكره إذا خيف استهانته بالحكم واستخفافه به أفضل وأصلح بالنّسبة إلى السامع ، إذ ترك المستحبّ مع عدم العلم به أولى بالنّسبة إليه من استماعه وعدم الاعتناء بشأنه.

وكلا الوجهين الذين خطراً بالبال حسن ، ولعلّ الأوّل أظهر وأحسن وأمتن.

وقوله : لا قوة إلّا بالله ، إظهار للعجز عن الإتيان بطاعة الله كما يستحقّه ، وطلب للتوفيق منه تعالى ضمناً « أن تجتنب سخطه » أي في غير ما يسخط الله « وتتبع مرّضاته » مصدر أي رضاه فيما لم يكن موجباً لسخط الله ، وكذا إطاعة الأمرّ مقيد بذلك ، وكان عدم التقييد في تلك الفقرات يؤيد كون المرّاد بالأخ الصالح الذي يؤمن من ارتكاب غير ما يرضى الله غالباً « بنفسك » بأن تسعى في حوائجه بنفسك « وبمالك » بالمواساة والإيثار والإنفاق وقضاء الدّين ونحو ذلك قبل السّؤال وبعده ، والأوّل أفضل « ولسانك » بأن تعينه بالشّفاعة عند النّاس وعند الله والدّعاء له ، ودفع الغيبة عنه ، وذكر محاسنه في المجالس ، وإرشاده إلى مصالحه الدينية والدنيويّة ، وهدايته وتعليمه « ويدك ورجلك » باس تعمالهما في جلب كلّ خير ودفع

٣٥

خادمٌ فواجب أن تبعث خادمك فيغسّل ثيابه ويصنع طعامه ويمهّد فراشه والحقُّ السّابع أن تبرَّ قسمه وتجيب دعوته وتعود مرّيضه وتشهد جنازته ؛ وإذا علمت أنَّ له حاجة تبادره إلى قضائها ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة ، فإذا

_________________________________________________

كل شر يتوقفان عليهما ، وجملة : ويجوع ، ويظمأ ، ويعرى ، حاليّة

وفي المصباح : خدمه يخدمه فهو خادم غلاماً كان أو جارية والخادمة بالهاء في المؤنّث قليل ، وفي القاموس : مهده كمنعه بسطة كمهّده « وأن تبر قسمه » من باب الأفعال ، وبرّ اليمين من باب علم وضرب صدق ، وإبرار القسم العمل بما ناشده عليه أو تصديقه فيما أقسم عليه ، كما في الحديث لو أقسم على الله لأبره فقيل : أي لو أقسم على وقوع أمرّ أوقعه الله إكراماً له ، وقيل : لو دعا الله على البت لإجابة ، وفي النهاية بر قسمه وأبرّة أي صدّقه ، ومنه الحديث أمرّنا بسبع منها إبرار المقسم.

وقال الجوهري : بررت والدي بالكسر أبرّه برّاً ، وفلان يبرّ خالقه أي يطيعه ، وبر فلان في يمينه صدق ، وفي القاموس : البر الصلة وضد العقوق ، بررته أبرّه كعلمته وضربته ، والصدق في اليمين ، وقد بررت وبررت ، وبرت اليمين تبر وتبر كيمل ويحل برّاً وبرّاً وبروراً ، وأبرّها أمضاها على الصدق ، انتهى.

والمشهور بين الأصحاب استحباب العمل بما أقسمه عليه غيره إذا كان مباحاً استحباباً مؤكداً ، ولا كفارة بالمخالفة على أحدهما ، وفي مرّسلة ابن سنان عن عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام قال : إذا أقسم الرّجل على أخيه فلم يبرّ قسمه فعلى المقسم كفارة يمين ، وهو قول لبعض العامّة وحملها الشيخ على الاستحباب ، وقيل : المرّاد بإبرار القسم أن يعمل بما وعد الأخ لغيره من قبله بأن يقضي حاجته فيفي بذلك ، ولا يخفى ما فيه.

٣٦

فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته وولايته بولايتك.

٣ - عنه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليِّ بن سيف ، عن أبيه سيف ، عن عبد الأعلى بن أعين قال كتب [ بعض ] أصحابنا يسألون أبا عبد اللهعليه‌السلام عن أشياء وأمرّوني أن أسأله عن حقِّ المسلم على أخيه فسألته فلم يجبني فلما جئت لأودِّعه فقلت سألتك فلم تجبني ؟ فقال إني أخاف أن تكفروا ، إنَّ من أشدّ ما افترض

_________________________________________________

قولهعليه‌السلام : وصلت ولايتك بولايته ، أي محبّته لك بمحبّتك له وبالعكس ، أي صارت المحبّة ثابتة مستقرة بينك وبينه وصرت سبباً لذلك أو عملت بمقتضى ولايتك له وولايته لك عملا بقوله تعالى : «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ »(١) كما يقال وصل الرّحم وقطعها ، ويحتمل أن يكون المرّاد بولايتهما موالاتهما للأئمةعليهم‌السلام ، أي أحكمت الأخوة الحاصلة بينكما من جهة الولاية ، وفي الخصال وصلت ولايتك بولايته وولايته بولاية الله عز وجلّ.

الحديث الثالث : مجهول أيضاً.

وضمير عنه راجع إلى محمّد بن يحيى وهذا التّشويش من المصنف غريب.

قوله : فلم تجبني يدلّ على جواز تأخير البيان عن وقت السؤال لمصلحة كالمصلحة التي ذكرناها في الوجه الأوّل من الوجهين اللذين ذكرناهما في الحديث الأوّل ، على أنه يمكن أن يقال لما كان السؤال من أهل الكوفة وكان وصول السؤال إليهم بعد ذهاب الرسول ، فليس فيه تأخير البيان عن وقت السؤال أيضاً.

قولهعليه‌السلام : أن تكفروا ، قيل : أي تخالفوا بعد العلم وهو أحد معاني الكفر ، وأقول : لعلّ المرّاد به أن تشكّوا في الحكم أو فينا لعظمته وصعوبته ، أو تستخفّوا به وهو مظنّة الكفر ، أو موجب لصدقه بأحد معانيه ، فهو مؤيّد للوجه الثّاني من

__________________

(١) سورة التوبة : ٧١.

٣٧

الله على خلقه ثلاثاً : إنصاف المرء من نفسه حتّى لا يرضى لأخيه من نفسه إلّا بما يرضى لنفسه منه ومواساة الأخ في المال وذكر الله على كل حال ليس سبحان الله والحمد لله ولكن عند ما حرَّم الله عليه فيدعه.

٤ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن جميل ، عن مرّازم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حقّ المؤمن.

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمرّ اليماني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : حقَّ المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه ولا يروى ويعطش أخوه ولا يكتسي ويعرى أخوه فما أعظم حقَّ المسلم على أخيه المسلم وقال أحبَّ لأخيك المسلم ما تحبُّ لنفسك وإذا احتجت فسله وإن سألك فأعطه

_________________________________________________

الوجهين السابقين ، وأمّا تتمّة الخبر فقد مرّ مثلها بأسانيد في باب الإنصاف والعدل ، وذكر الله تعالى وإن لم يكن من حقوق المؤمن ، لكن ذكره استطراداً فإنّه لـمّا ذكر حقين من حقوق المؤمن وكان حقّ الله أعظم الحقوق ذكر حقا من حقوقه تعالى ، ويمكن أن يكون إيماء إلى أن حقّ المؤمن من حقوقه تعالى أيضاً مع أنّ ذكر الله على كل حال مؤيّد لأداء حقوق المؤمن أيضاً.

الحديث الرابع : صحيح.

وكأنّ أداء حقّ الأئمةعليهم‌السلام داخل في أداء حقوق المؤمنين ، فإنّهم أفضلهم وأكملهم بل هم المؤمنون حقّاً.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

والضمائر في يشبع وأخوه ونظائرهما راجعة إلى المسلم في قوله على المسلم ، وأخوه عبارة عن المسلم « وإذا احتجت فسله » يدلّ على عدم مرجوحيّة السّؤال عن الأخ المؤمن ، ويشمل القرض والهبة ونحوهما « ولا تمله خيراً » هي من باب علم ، والضمير المنصوب للأخ ، وخيراً تميز عن النسبة في لا تمله ولا يمله المستتر فيه للأخ ،

٣٨

لا تمله خيراً ولا يمله لك كن له ظهراً ، فإنّه لك ظهرٌ ، إذا غاب فاحفظه في غيبته وإذا شهد فزره وأجله وأكرمه فإنّه منك وأنت منه فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتّى تسأل سميحته وإن أصابه خير فاحمد الله وإن ابتلي فاعضده وإن تمحّل

_________________________________________________

والبارز للخير ، ويحتمل النّفي والنّهي ، والأوّل أوفق بقولهعليه‌السلام : فإنه لك ظهر ، ولو كان نهيا كان الأنسب وليكن لك ظهراً ، ويؤيده أن في مجالس الشيخ لا تمله خيراً فإنه لا يملك وكن له عضدا فإنه لك عضد ، وقد يقرأ الثّاني من باب الأفعال بأن يكون المستتر راجعا إلى الخير ، والبارز إلى الأخ أي لا يورث الخير إياه ملإلّا لأجلك.

وقيل : هما من الإملاء بمعنى التأخير أي لا تؤخره خيراً ، ولا يخفى ما فيه والأوّل أصوب ، قال في القاموس : مللته ومنه بالكسر مللا وملة وملالة وملالاً سئمته كاستمللته ، وأملني وأمل عليُّ أبرمني ، والظهر والظهير المعين قال الراغب : الظهر يستعار لمن يتقوى منه «وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ »(١) أي معين.

« إذا غاب » بالسفر أو الأعمّ « فاحفظه » في ماله وأهله وعرضه « فإنه منك وأنت منه » أي خلقتما من طينة واحدة كما مرّ أو مبالغة في الموافقة في السيرة والمذهب والمشرب كما قيل في قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عليّ منّي وأنا من عليُّ ، وفي النهاية فيه : من غشنا فليس منّا، أي ليس على سيرتنا ومذهبنا ، والتمسك بسنتنا كما يقول الرّجل : أنا منك وإليك ، يريد المتابعة والمرّافقة ، وفي الصحّاح عتب عليه أي وجد عليه « حتّى تسل سخيمته »(٢) أي تستخرج حقده وغضبه برفق ولطف تدبير ، قال الفيروزآبادي : السل انتزاعك الشيء وإخراجه في رفق كالاستلال ، وقال : السّخيمة : الحقد.

وفي بعض النّسخ : حتّى تسئل سميحته ، أي حتّى تطلب منه السماحة والكرم والعفو ، ولم أر مصدره على وزن فعيلة إلّا أن يقرأ على بناء التصغير ، فيكون

__________________

(١) سورة سبأ : ٢٢.

(٢) وفي المتن « حتّى تسئل سميحته » ويأتي ذكره في كلام الشارح.

٣٩

له فأعنه وإذا قال الرَّجل لأخيه : أفّ انقطع ما بينهما من الولاية وإذا قال : أنت

_________________________________________________

مصغّر السمح أو السّماحة ، والظّاهر أنّه تصحيف للنسخة الأولى ، فإنها موافقة لـمّا في مجالس الصدوق ومجالس الشيخ وكتاب الحسين بن سعيد وغيرهما ، وفي مجالس الصدوق سخيمته وما في نفسه ، وفي القاموس : عضده كنصره أعانه ونصره.

« وإذا تمحّل(١) له فأعنه » أي إذا كاده إنسان واحتال لضرره فأعنه على دفعه عنه ، أو إذا احتال له رجل فلا تكله إليه وأعنه أيضاً ، وقرأ بعضهم يمحل بالياء على بناء المجردّ المجهول بالمعنى الأوّل وهو أوفق باللغة ، لكن لا تساعده النسخ ، وفي القاموس : المحل المكر والكيد ، وتمحل له احتال ، وحقّه تكلفه له ، والمحال ككتاب الكيد ، وروم الأمرّ بالحيل والتدبير والمكر والعداوة والمعاداة والإهلاك ، ومحل به مثلثة الحاء محلا ومحإلّا كاده بسعاية إلى السلطان ، انتهى.

وقيل : أي إن احتال لدفع البلاء عن نفسه بحيلة نافعة فأعنه في إمضائه ، ولا يخفى بعده ، وفي مجالس الصدوق وإن ابتلي فاعضده وتمحل له ، وروى عليُّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إن الله فرض التمحل في القرآن ، قلت : وما التمحل جعلت فداك؟ قال : أن يكون وجهك أعرض عن وجه أخيك فتمحل له وهو قوله : «لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ » الآية(٢) .

وفي كتاب المؤمن للحسين بن سعيد فيما نقله عنه بعض أصحابنا : وإن ابتلي فأعطه وتحمل عنه وأعنه.

« انقطع ما بينهما من الولاية » أي المحبّة التي أمرّوا بها « كفر أحدهما » لأنّه إن صدق فقد خرج المخاطب عن الإيمان بعداوته لأخيه ، وإن كذب فقد خرج القائل عنه بافترائه على أخيه ، وهذا أحد معاني الكفر المقابل للإيمان الكامل كما مرّ شرحه وسيأتي إن شاء الله.

__________________

(١) وفي المتن « وإن تمحل ».

(٢) سورة النساء : ١١٤.

٤٠