مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21913
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21913 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال : أخبرني عن سجن الكوفة كيف هو ؟ فقال : - أصلحك الله - ضيّق منتنٌ وأهله بأسوإ حال قال فإنمّا أنت في السجن فتريد أن تكون فيه في سعة إمّا علمت أن الدنيا سجن المؤمن.

_________________________________________________

من قلبه وانشراح من صدره مخلى بينه وبين ما يريد على ما يسول له الشيطان لا ضيق عليه ولا منع ، فهو يغدو فيها ويروح على حسب مرّاده وشهوة فؤاده ، فالدنيا كأنّها جنة له يتمتع بملاذها ويتمتع بنعيمها كما أنّها كالسجن للمؤمن صارفاً له عن لذاته مانعاً من شهواته.

وفي الحديث أنّه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمةعليها‌السلام : يا فاطمة تجرعي مرّارة الدنيا لحلاوة الآخرة ، وروي أن يهودياً تعرض للحسن بن عليُّعليه‌السلام وهو في شظف من حاله وكسوف من باله(١) والحسنعليه‌السلام راكب بغلة فارهة(٢) عليه ثياب حسنة فقال : جدك يقول : إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فأنا في السجن وأنت في الجنّة؟ فقالعليه‌السلام : لو علمت مالك وما يرتب لك من العذاب لعلمت أنّك مع هذا الضر هيهنا في الجنّة ، ولو نظرت إلى ما أعدّ لي في الآخرة لعلمت أني معذب في السجن هيهنا ، انتهى.

وأقول : فالكلّ ام يحتمل وجهين : أحدهما أن يكون المعنى أن المؤمن غالباً في الدنيا بسوء حال وتعب وخوف والكافر غالباً في سعة وأمن ورفاهية فلا ينافي كون المؤمن نادراً بحال حسن ، والكافر نادراً بمشقّة ، وثانيهما أن يكون المعنى أن المؤمن في الدنيا كأنه في سجن لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة وما أعدّ الله له من النعيم كأنه في سجن ، لأنه بالنظر إلى حاله في الآخرة وما أعدّ الله له من النعيم كأنه في سجن وإن كان بأحسن الأحوال بالنظر إلى أهل الدنيا ، والكافر بعكس ذلك لأن نعيمه منحصر في الدنيا وليس له في الآخرة إلّا أشد

__________________

(١) الشظف : الضيق والشدة. ويقال : فلان كاسف البال أي سيىء الحال.

(٢) فره فرهاً : نشط وبطر.

٣٢١

٧ - عنه ، عن محمّد بن عليُّ ، عن إبراهيم الحذَّاء ، عن محمّد بن صغير ، عن جدّه شعيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول الدُّنيا سجن المؤمن فأي سجن جاء منه خير.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجال ، عن داود بن أبي يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المؤمن مكفر.

_________________________________________________

العذاب ، فالدنيا جنته وإن كان بأسوء الأحوال ، وظهر وجه آخر ممّا ذكرنا سابقاً.

الحديث السابع : ضعيف.

إذ ضمير عنه راجع إلى البرقي ، ومحمّد بن عليُّ هو أبو سمينة.

« فأي سجن » استفهام للإنكار ، والمعنى أنه ينبغي للمؤمن أن لا يتوقع الرفاهية في الدنيا.

الحديث الثامن : صحيح وآخره مرّسل.

« المؤمن مكفر » على بناء المفعول من التفعيل أي لا يشكر النّاس معروفه بقرينة تتمّة الخبر ، وقد قال الفيروزآبادي : المكفر كمعظم المجحود النعمة مع إحسانه ، والموثق في الحديد.

وروى الصدوق في العلل بإسناده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : المؤمن مكفر وذلك أن معروفه يصعدّ إلى الله عزّ وجلّ فلا ينتشر في النّاس ، والكافر مشكور وذلك أن معروفه للنّاس ينتشر في النّاس ولا يصعدّ إلى السماء ، وروي أيضاً بإسناده عن الحسين بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن جدّه عليُّ بن الحسينعليهم‌السلام قال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكفراً لا يشكر معروفه ، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي ومن كان أعظم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الخلق؟ وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.

٣٢٢

وفي رواية اُخرى : وذلك أن معروفه يصعدّ إلى الله فلا ينشر في النّاس والكافر مشكور.

_________________________________________________

وقال الجزري في النهاية : فيه المؤمن مكفر أي مزرئا في نفسه وماله لتكفر خطاياه ، انتهى.

وهذا الوجه لا يحتمل في هذه الأخبار ، وكان المرّاد بالتعليل أن معروفه لـمّا كان خالصاً لله مقبولا عنده لا يرضى له بأن يثيبه في الدنيا فتكفر نعمته ليكمل ثوابه في الآخرة ، والكافر لـمّا لم يكن مستحقّاً لثواب الآخرة يثاب في الدنيا كعمل الشيطان ، وقيل : هو مبني على أن المؤمن يخفى معروفه من النّاس ولا يفعله رياء ولا سمعة فيصعدّ إلى الله ولا ينتشر في النّاس ، والكافر يفعله علانية ورياء وسمعة فينتشر في النّاس ، ولا يقبله الله ولا يصعدّ إليه ، وقيل : المعنى أن معروفه الكثير ، الّذي يدلّ عليه صيغة التفعيل ، لا يعلمه إلّا الله ، ومن علمه بالوحي من قبله تعالى لأن معروفه ليس من قبيل الدرأهمّ والدنانير ، بل من جملة معروفه حياة سائر الخلق ، وبقائهم بسببه وأمثال ذلك من النعم العظيمة المخفية.

وربمّا يقال في وجه التعليل أن المؤمن يجعل معروفه في الضعفاء والفقراء الذين ليس لهم وجه عند النّاس ولا ذكر ، فلا يذكر ذلك في الخلق ، والكافر يجعل معروفه في المشاهير والشعراء والذين يذكرونه في النّاس فينتشر فيهم.

فإن قيل : بعض تلك الوجوه ينافي ما سيأتي في باب الرياء أن الله تعالى يظهر العمل الخالص ويكثره في أعين النّاس ومن أراد بعمله النّاس يقلله الله في أعينهم؟

قلنا : يمكن حمل هذا على الغالب ، وذاك على النادر ، وهذا على المؤمن الخالص وذاك على غيرهم ، أو هذا على العبادات المالية وذاك على العبادات البدنية

٣٢٣

٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من مؤمن إلّا وقد وكل الله به أربعة شيطاناً يغويه يريد أن يضله وكافراً يغتاله ومؤمناً يحسده وهو أشدهم عليه ومنافقا يتتبع عثراته.

١٠ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عمرّو بن شمرّ ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول إذاً مات المؤمن خلى على جيرانه من الشياطين عدد ربيعة ومضر كانوا مشتغلين به.

_________________________________________________

الحديث التاسع : حسن كالصحيح.

« يريد أن يضله » بيان ليغويه لئلّا يتوهّم أنه يقبل إغواءه ويؤثر فيه ، بل إنما ابتلاؤه به بسبب أنه يوسوسه ، وهو يشتغل بمعارضته وقد مرّ أن الشيطان يحتمل الجن والإنس والأعمّ.

« وكافراً يقاتله » وفي بعض النسخ يغتاله(١) وفي المصباح غاله غولا من باب قال أهلكه. واغتاله : قتله على غرة ، والاسم الغيلة بالكسر ، يتبع(٢) كيعلم أو على بناء الافتعال أي يتفحص ويتطلب عثراته أي معاصيه الّتي تصدر عنه أحيانا على الغفلة وعيوبه.

الحديث العاشر : ضعيف.

« خلى على جيرانه » على بناء المعلوم والإسناد مجازي لأن موته صار سبباً لاشتغال شياطينه بجيرانه أو هو على بناء المجهول ، والتعدية بعلى لتضمين معنى الاستيلاء أي ترك على جيرانه ، أو خلي بين الشياطين المشتغلين به أيّام حياته وبين جيرانه ، والحاصل أن الشياطين كانوا مشغولين بإضلاله ووسوسته لأن إضلاله كان أهمّ عندهم أو بإيذائه وحث النّاس عليه ، فإذا مات تفرقوا على جيرانه لإضلالهم أو إيذائهم ، وقيل : الباء للسببيّة وضمير كانوا إمّا راجع إلى الشياطين أو الجيران

__________________

(١) كما في المتن. (٢) وفي المتن « يتتبع ».

٣٢٤

١١ - سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما كان ولا يكون وليس بكائن مؤمن إلّا وله جار يؤذيه ولو أن مؤمناً في جزيرة من جزائر البحر لابتعث الله له من يؤذيه.

١٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن أبي أيّوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما كان فيما مضى ولا فيما بقي ولا فيما أنتم فيه مؤمن إلّا وله جار يؤذيه.

١٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول ما كان ولا يكون إلى أن تقوم الساعة مؤمن إلّا وله جار يؤذيه.

_________________________________________________

أي كان الشياطين ممنوعين عن المعاصي بسببه لأنه كان يعظهم ويهديهم ، أو كان الجيران ممنوعين عن المعاصي بسببه وكأنه دعاه إلى ذلك قول الجوهري يقال شغلت بكذا على ما لم يسم فاعله واشتغلت ، ولا يخفى ما فيه.

وربيعة كقبيلة ، ومضر كصردّ قبيلتان عظيمتان من العربّ ، يضربّ بهما المثل في الكثرة ، وهما في النسب إخوان ابنا نزار بن معدّ بن عدنان ، ومضر الجد السابع عشر للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

وكان المرّاد بالجار هنا أعمّ من جار الدار والرفيق والمعامل والمصاحب ، وفي الحديث الجار إلى أربعين دارا « لانبعث له » أي من الشيطان ، وفي بعض النسخ لابتعث الله له ، فالإسناد على المجاز يقال : بعثه كمنعه أرسله كابتعثه فانبعث.

الحديث الثّاني عشر : موثق.

« ولا فيما بقي » أي فيما يأتي « ولا فيما أنتم فيه » أي وليس فيما أنتم فيه.

الحديث الثالث عشر : حسن كالصحيح.

٣٢٥

(باب)

(شدة ابتلاء المؤمن)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّ أشدّ النّاس بلاءاً الأنبياء ثمَّ الذين يلونهم ثمَّ الأمثل فالأمثل.

_________________________________________________

باب شدة ابتلاء المؤمن

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« أشدّ النّاس بلاء » قيل : المرّاد بالنّاس هنا الكلّ من الأنبياء والأوصياء فإنهم النّاس حقيقة وسائر النّاس نسناس ، كما وردّ في الأخبار ، والبلاء ما يختبر ويمتحن من خير أو شر وأكثر ما يأتي مطلقاً الشر وما أريد به الخير يأتي مقيداً كما قال تعالى : «بَلاءً حسناً »(١) وأصله المحنة والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ، وبما يكره ليمتحن صبره ، يقال : بلاه الله بخير أو شر يبلوه بلوا وأبلاه بلاء وابتلاه ابتلاء ، بمعنى امتحنه والاسم البلاء مثل سلام ، والبلوى والبليّة مثله.

وقال في النهاية : فيه أشدّ النّاس بلاء الأنبياء ثمَّ الأمثل فالأمثل ، أي الأشرف فالأشرف ، والأعلى فالأعلى في الرتبة والمنزلة ، ثمَّ يقال هذا أمثل من هذا ، أي أفضل وأدنى إلى الخير ، وأماثل النّاس خيارهم ، انتهى.

« ثمَّ الذين يلونهم » أي يقربون منهم ، ويكونون بعدهم ، في المصباح : الولي مثل فلس القربّ ، وفي الفعل لغتان أكثرهما وليه يليه بكسرتين ، والثانية من باب وعدّ وهي قليلة الاستعمال ، وجلّست ممّا يليه أي يقاربّه ، وقيل : الولي

__________________

(١) سورة الأنفال : ١٧.

٣٢٦

_________________________________________________

حصول الثّاني بعدّ الأوّل من غير فصل ، انتهى.

والمرّاد بهم الأوصياءعليه‌السلام ، وفي هذه الأحاديث الواردة من طرق الخاصة والعامّة دلالة واضحة على أن الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام في الأمرّاض الجسميّة والبلايا الجسميّة كغيرهم بل هم أولى بها من الغير تعظيما لأجرهم الّذي يوجب التفاضل في الدرجات ، ولا يقدح ذلك في رتبتهم بل هو تثبيت لأمرّهم ، وأنهم بشر إذ لو لم يصبهم ما أصاب سائر البشر مع ما يظهر في أيديهم من خرق العادة لقيل فيهم ما قالت النصارى في نبيهم ، وقد وردّ هذا التعليل في الخبر وابتلاؤهم تحفة لهم لرفع الدرجات الّتي لا يمكن الوصول إليها بشيء من العمل إلّا ببلية كما أن بعض الدرجات لا يمكن الوصول إليها إلّا بالشهادة ، فيمن الله سبحانه على من أحبُّ من عباده بها تعظيما وتكريما له ، كما وردّ في خبر شهادة سيد الشهداءعليه‌السلام أنه رأى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام فقال له : يا حسين لك درجة في الجنّة لا تصل إليها إلّا بالشهادة ، واستثنى أكثر العلماء ما هو نقص ومنفر للخلق عنهم كالجنون والجذام والبرص ، وحمل استعاذة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها على أنها تعليم للخلق.

وقال المحقق الطوسي (ره) في التجريد فيما يجب كونه في كل نبيّ : العصمة وكمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي ، وعدم السهو وكلـمّا ينفر عنه من دناءة الآباء وعهر الأمهات والفظاًظة والغلظة والأبنة وشبهها ، والأكل على الطريق وشبهه.

وقال العلامة (ره) في شرحه : وأن يكون منزها عن الأمرّاض المنفرة نحو الابنة وسلس الريح والجذام والبرص ، لأن ذلك كله ممّا ينفر عنه ، فيكون منافيا للغرض من البعثة ، وضم القوشجي سلس البول أيضاً ، وقال القاضي عياض من علماء المخالفين في كتاب الشفاء قال الله تعالى : «وَما محمّد إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ

٣٢٧

_________________________________________________

مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ »(١) وقال : «مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مرّيَمَ إلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ »(٢) وقال : «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمرّسَلِينَ إلّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ »(٣) وقال : «قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَ »(٤) فمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأنبياء من البشر أرسلوا إلى البشر ولو لا ذلك لـمّا أطاق النّاس مقاومتهم والقبول عنهم ومخاطبتهم.

قال الله تعالى : «وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً »(٥) أي لـمّا كان إلّا في صورة البشر الذين تمكنكم مخالطتهم إذ لا تطيقون مقاومة الملك ومخاطبته ورؤيته إذاً كان على صورته.

وقال : «لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً »(٦) أي لا يمكن في سنة الله إرسال الملك إلّا لمن هو من جنسه أو من خصه الله تعالى واصطفاه وقواه على مقاومته كالأنبياء والرسل فالأنبياء والرسل وسائط بين الله وبين خلقه يبلغونهم أو أمره ونواهيه ووعده ووعيده ويعرفونهم بما لم يعلموهم من أمره وخلقه وجلّاله وسلطانه وجبروته وملكوته ، فظواهرهم وأجسادهم وبنيتهم متصفة بأوصاف البشر طارء عليها ما يطرء على البشر من الأعراض والأسقام والموت والفناء ، ونعوت الإنسانية وأرواحهم وبواطنهم متصفة بأعلى من أوصاف البشر متعلقة بالملأ الأعلى متشبهة بصفات الملائكة سليمة من التغيير والآفات ولا يلحقها غالباً عجز البشريّة ولا ضعف الإنسانية ، إذ لو كانت بواطنهم خالصة للبشرية كظواهرهم لـمّا أطاقوا الأخذ عن الملائكة ورؤيتهم ومخاطبتهم كما لا يطيقه غيرهم من البشر ، ولو كانت أجسامهم وظواهرهم متسمة

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٤٤.(٢) سورة المائدة : ٧٥.

(٣) سوره الفرقان : ٢٠.(٤) سورة الكهف : ١١٠.

(٥) سورة الأنعام : ٩.(٦) سورة الإسراء : ٩٥.

٣٢٨

_________________________________________________

بنعوت الملائكة وبخلاف صفات البشر لـمّا أطاق البشر ومن أرسلوا إليه مخاطبتهم كما تقدم من قول الله تعالى ، فجعلوا من جهة الأجسام والظواهر مع البشر ومن جهة الأرواح والبواطن مع الملائكة كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تنام عيناي ولا ينام قلبي ، وقال : إني لست كهيأتكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني ، فبواطنهم منزهة عن الآفات مطهرة من النقائص والاعتلالات.

وقال في موضع آخر قد قدمنّا أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأنبياء والرسل من البشر وأن جسمه وظاهره خالص للبشر ، يجوز عليه من الآفات والتغييرات والآلام والأسقام وتجرع كأس الحمام ما يجوز على البشر ، وهذا كله ليس بنقيصة فيه لأن الشيء إنّما يسمى ناقصا بالإضافة إلى ما هو أتم منه وأكمل من نوعه ، وقد كتب الله على أهل هذه الدار « فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون » وخلق جميع البشر بمدرجة الغير فقد مرّضصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واشتكى وأصابه الحر والقر وأدركه الجوع والعطش ولحقّه الغضب والضجر ، وناله الإعياء والتعب ، ومسه الضعف والكبر وسقط فجحش شقه وشجه الكفّار وكسروا رباعيته وسقي السم وسحر(١) ، وتداوى واحتجم وتعوذ ثمَّ قضى نحبه ، فتوفيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحقّ بالرفيق الأعلى ، وتخلص من دار الامتحان والبلوى ، وهذه سمات البشر الّتي لا محيص عنها.

وأصاب غيره من الأنبياء ما هو أعظم منها وقتلوا قتلا ورموا في النّار ، ونشروا بالمناشير ، ومنهم من وقاه الله ذلك في بعض الأوقات ، ومنهم من عصمه كما عصم نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدّ من النّاس ، فلئن لم يكفّ عن نبينا ربّه تعالى يد ابن قميئة يوم أحد ولا حجبه عن عيون عداه عند دعوة أهل الطائف ، فلقد أخذ على عيون قريش عند خروجه إلى ثور وأمسك عنه سيف غورث وحجر أبي جهل وفرس سراقة ، ولئن لم يقه من سحر ابن الأعصم فلقد وقاه ما هو أعظم من سم اليهودية ، وكذا

__________________

(١) إشارة إلى ما يذكرونه من قصّة سحر ابن الأعصم وبعض المفسرين ينكرونها فراجع.

٣٢٩

_________________________________________________

سائر أنبيائه مبتلى ومعافي ، وذلك من تمام حكمته ليظهر شرفهم في هذه المقامات ويبيّن أمرّهم ويتمّ كلمته فيهم ، وليحقق بامتحانهم بشريتهم ، ويرتفع الالتباس عن أهل الضعف فيهم ، لئلّا يضلّوا بما يظهر من العجائب على أيديهم ضلال النصارى بعيسى بن مرّيم ، وليكون في محنهم تسلية لأمتهم ووفوراً لأجورهم عند ربهم تمإمّا على الّذي أحسن إليهم.

قال بعض المحقّقين وهذه الطواري والتغييرات المذكورة إنّما يختصّ بأجسامهم البشريّة المقصود بها مقاومة البشر ومعاناة بني آدم لمشاكلة الجسم ، وإمّا بواطنهم فمنزهة غالباً عن ذلك ، معصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى والملائكة لأخذها عنهم ، وتلقيها الوحي منهم ، وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ، وقال : إني لست كهيأتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ، وقال : إني لست أنسى ولكن أنسي ليستن بي ، فأخبر أن سرّه وروحه وباطنه بخلاف جسمه وظاهره وأن الآفات الّتي تحل ظاهره من ضعف وجوع ونوم وسهر لا يحل منها شيء باطنه بخلاف غيره من البشر في حكم الباطن لأن غيره إذاً نام استغرق النوم جسمه وقلبه ، وهوعليه‌السلام في نومه حاضر القلب كما هو في يقظته حتّى قد جاء في بعض الآثار أنه كان محروسا من الحدث في نومه ، لكون قلبه يقظان كما ذكرناه ، وكذلك غيره إذاً جاع ضعف لذلك جسمه وحارت قوته وبطلت في الكلّ ية حملته ، وهوعليه‌السلام قد أخبر أنه لا يعتريه ذلك وأنه بخلافهم بقوله : لست كهيأتكم ، وكذلك أقول إنه في هذه الأحوال كلّها من وصب ومرّض وسحر وغضب لم يجر على باطنه ما يحل به ، ولا فاض منه على لسانه وجوارحه ما لا يليق به كما تعتري غيره من البشر.

٣٣٠

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الرَّحمن بن الحجاج قال ذكر عند أبي عبد اللهعليه‌السلام البلاء وما يخصّ الله عزّ وجلّ به المؤمن فقال سئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أشدّ النّاس بلاء في الدنيا فقال النبيون ثمَّ الأمثل فالأمثل ويبتلى المؤمن بعدّ على قدر إيمانه وحسن أعماله فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مرّوان ، عن زيد الشحّام ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن عظيم الأجر لمع عظيم البلاء وما أحبُّ الله قوماً إلّا ابتلاهم.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أشدّ النّاس بلاء الأنبياء ثمَّ الأوصياء ثمَّ الأماثل فالأماثل.

٥ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله عزّ وجلّ عباداً في الأرض من خالص

_________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

السخف الخفة في العقل وغيره ، ذكره الجزري ، والفعل ككرم ، وضعف عمله أي بالكمية أو بالكيفية أو بهما.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

ويدلّ على أن عظيم البلاء سبب للأجر العظيم وعلامة لمحبة الربّ الرحيم إذاً كان في المؤمن الكريم.

الحديث الرابع : كالصحيح بل أعلى من الصحيح وقد مرّ مضمونه.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

٣٣١

عباده ما ينزل من السماء تحفة إلى الأرض إلّا صرفها عنهم إلى غيرهم ولا بليّة إلّا صرفها إليهم.

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أحمد بن عبيد ، عن الحسين بن علوان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال وعنده سدير إن الله إذاً أحبُّ عبداً غته بالبلاء غتا وإنا وإياكم يا سدير لنصبح به ونمسي.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن الوليد بن علاء ، عن حمّاد ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى إذاً أحبُّ عبداً غتّه بالبلاء غتّاً وثجّه بالبلاء ثجّاً فإذا دعاه قال لبيك عبدي

_________________________________________________

« ما ينزل من السماء » أي يقدّر فيها « تحفة » أي من التحف الدنيويّة وكذا البليّة.

الحديث السادس : مجهول وقد يعد ضعيفاً.

« غتّه » أي غمسه ، والباء بمعنى في ، ويحتمل القهر والغمّ ، في النهاية فيه يغتّهم الله في العذاب غتّاً أي يغمسهم فيه غمساً متتابعاً ، ومنه حديث الدعاء : يا من لا يغتّه دعاء الداعين ، أي يغلبه ويقهره ، وفي حديث الحوض : يغت فيه ميزابان ، مدادهما من الجنّة أي يدفقان فيه الماء دفقاً دائماً متتابعاً ، وفي القاموس غته بالأمرّ كدّه ، وفي الماء غطّه ، وفلاناً غمّه وخنقه« لنصبح به » أي بالغت أو بالبلاء.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

في القاموس : ثجّ الماء سال ، وثجه أساله وفي النهاية فيه : أفضل الحجّ العجّ والثج ، الثجّ سيلان دماء الهدي والأضاحي ، يقال : ثجّه يثجه ثجّاً ، ومنه فحلب فيه ثجّاً أي لبناً سائلاً كثيراً ، وفي حديث المستحاضة إنّي أثجّه ثجّاً ، انتهى.

وأقول : ما في هذا الخبر يحتمل أن يكون على الحذف والإيصال ، والباء زائدة

٣٣٢

لئن عجّلت لك ما سألت إنّي على ذلك لقادر ولئن ادّخرت لك فما ادّخرت لك فهو خير لك.

٨ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن زيد الزرّاد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء فإذا أحبُّ الله عبداً ابتلاه بعظيم البلاء فمن رضي فله عند الله الرضا ومن سخط البلاء فله عند الله السخط.

_________________________________________________

أي ثجّ عليه البلاء ، ويكون تسييله كناية عن شدّة ألمه وحزنه ، كأنّه يذوب من البلاء ويسيل ، أو عن توجهه إلى جناب الحقّ سبحانه بالدعاء والتضرّع لدفعه ، وقيل : أي أسال دم قلبه بالبلاء.

وأقول : في جامع الأخبار وغيره بجه بالباء الموحّدة ، والبجّ : الشقّ والطعن بالرمح « فإذا دعاه » أي لدفع البلاء أو لغيره من المطالب أيضاً ، وفي القاموس : ألب أقام كلب ، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلباباً بعد إلباب ، وإجابة بعدّ إجابة أو معناه اتجاهي وقصدي لك من داري تلبّ داره أي تواجهها ، أو معناه محبّتي لك ، من امرّأة لبه محبة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك لباب خالص.

الحديث الثامن : مجهول.

« يكافيء به » على بناء المفعول أي يجازي أو يساوي ، في القاموس : كافأه مكافأة وكفاء جازاه وفلاناً ماثله وراقبه ، والحمد لله كفاء الواجب ، أي ما يكون مكافئاً له« فإذا أحبُّ الله عبداً » أي أراد أن يوصل الجزاء العظيم إليه ويرضى عنه ووجدّه أهلا لذلك « ابتلاه بعظيم البلاء » من الأمرّاض الجسمانيّة والمكاره الروحانية « فمن رضي » أي ببلائه وقضائه ، والظاهر أن المرّاد بالوصول في الموضعين أعمّ من العبد المحبوب المتقدّم فإنّ العبد المحبوب لله سبحانه لا يسخط قضاءه ، ويحتمل أن يكون المرّاد بالمحبّة تعريضه للمثوبة سواء رضي أم لا « فمن رضي فله عند الله الرضا » أي يرضي الله عنه « ومن سخط القضاء فله عند الله السخط» أي الغضب.

٣٣٣

٩ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن زكريّا بن الحرِّ ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنّما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه - أو قال : - على حسب دينه.

١٠ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن بعض أصحابه ، عن محمّد بن المثنّى الحضرمي ، عن محمّد بن بهلول بن مسلم العبدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان كلـمّا زيد في إيمانه زيد في بلائه.

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول المؤمن لا يمضي عليه أربعون ليلة إلّا عرض له أمرّ يحزنه يذكّر به.

_________________________________________________

الحديث التاسع : مجهول.

« أو قال » الشكّ من الراوي ، والحسب بالتّحريك المقدار فمآل الروايتين واحد ، قال في المصباح : قولهم : يجزي المرّء على حسب عمله أي على مقداره.

الحديث العاشر : مجهول.

« إنّما المؤمن » كأنّ المعنى أنّ حال المؤمن في إيمانه وبلائه بمنزلة كفتي الميزان كما وردّ الصلاة ميزان فمن وفى استوفى ، وقيل : المعنى أن المؤمن ككفة الميزان في أنّه كلـمّا وضع فيه يوضع في الكفّة الأخرى ما يوازنه عند الوزن ، فكلـمّا زيد في المؤمن من الإيمان زيد في الكفّة الأخرى وهو الكافر الّذي بلاء المؤمن بسببه ، سواء كان من الإنس أو الجنّ فيزيد بلاؤه وأذاه للمؤمن بحسب زيادة إيمان المؤمن.

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح.

« أمرّ يحزنه » بالضمّ قال في المصباح : حزن حزناً من باب تعب والاسم الحزن بالضمّ فهو حزين ، ويتعدى في لغة قريش بالحركة يقال : حزنني الأمر يحزنني

٣٣٤

١٢ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمّار ، عن ناجية قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : إنَّ المغيرة يقول : إنَّ المؤمن لا يبتلى

_________________________________________________

من باب قتل قاله تغلب والأزهري ، وفي لغة تميم بالألف ومثّل الأزهري باسم الفاعل والمفعول في اللغتين على بابهما ، ومنع أبو زيد الماضي من الثلاثي فقال : لا يقال حزنه وإنّما يستعمل المضارع من الثلاثي فيقال : يحزنه ، انتهى.

وقوله : يذكّر به ، على بناء المفعول من التفعيل كأنّه سئل عن سبب عروض ذلك الأمرّ فقال : يذكر به ذنوبه والتوبة منها لقوله سبحانه : «ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ »(١) وربّه القادر على دفع ذلك عنه فيتضرع لذلك ، ويدعو الله لرفعه وسفالة الدنيا ودناءتها لشيوع أمثال ذلك فيها ، فيزهد فيها ، والآخرة وخلوص لذاتها عن الأحزان والكدورات فيرغب إليها ، ولا يصلح القلب إصلاح الحزن شيء وقد قيل إن القلب الّذي لا حزن فيه كالبيت الخراب.

الحديث الثاني عشر : مجهول كالحسن.

والمغيرة : هو المغيرة بن سعيد وقد ذكر الكشّي أحاديث كثيرة في لعنه ، وقال العلامةقدس‌سره في الخلاصة : أنّه كان يدعو إلى محمّد بن عبد الله بن الحسن ، وقالرحمه‌الله في مناهج اليقين : القائلون بإمامة الباقرعليه‌السلام اختلفوا بعد موته ، فالإماميّة ساقوها إلى ولده الصادقعليه‌السلام ومنهم من قال أنه لم يمت ، ومنهم من ساقها إلى غير ولده ، فذهب بعضهم إلى أن الإمام بعدّ الباقرعليه‌السلام محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، وهم أصحاب المغيرة بن سعيد ، وروى الكشي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال يوماً : لعن الله المغيرة بن سعيد ، ولعن الله يهودية كان يختلف إليها يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق(٢) إن المغيرة كذب على أبيعليه‌السلام فسلبه الله الإيمان ، وإنّ قوماً كذبوا عليُّ ، ما لهم أذاقهم الله حرّ الحديد؟

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٠.

(٢) جمع المخرقة الكذب والاختلاق.

٣٣٥

بالجذام ولا بالبرص ولا بكذا ولا بكذا فقال : إن كان لغافلاً عن صاحب ياسين

_________________________________________________

وروي أيضاً عن الرضاعليه‌السلام أنّه قال : كان المغيرة يكذب على أبي جعفرعليه‌السلام فأذاقه الله حر الحديد ، وقال في المواقف : قال مغيرة بن سعيد العجلي : الله جسم على صورة إنسان من نور ، على رأسه تاج وقلبه منبع الحكمة ، ولـمّا أراد أن يخلق تكلّم بالاسم الأعظم فطار فوقع تاجا على رأسه ، ثمَّ إنه كتب على كفه أعمال العباد ، فغضب من المعاصي فعرق فحصل منه بحران أحدهما مالح مظلم ، والآخر حلو نير ، ثمَّ اطلع في البحر النير فأبصر فيه ظله فانتزعه فجعل منه الشمس والقمرّ ، أفنى الباقي من الظل نفيا للشريك ، ثمَّ خلق الخلق من البحرين فالكفّار من المظلم ، والمؤمنين من النير ثمَّ أرسل محمّداً والنّاس في ضلال ، وعرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان وهو أبو بكر بأمرّ عمر بشرط أن يجعل الخلافة بعده له ، وقوله تعالى : «كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ »(١) نزلت في أبو بكر وعمر ، والإمام المنتظر هو زكريا بن محمّد بن عليُّ بن الحسين ابن عليُّ وهو حي في جبل حاجر إلى أن يؤمرّ بالخروج ، وقتل المغيرة ، فقال بعض أصحابه بانتظاره وبعضهم بانتظار زكريا ، انتهى.

وقيل : هو المغيرة بن سعدّ وكان يلقب بالأبتر فنسبت إليه البترية من الزيديّة ولم أدر من أين أخذه.

« فقال إن كان لغافلاً » إن مخففة من المثقلة ، وصاحب ياسين هو حبيب النجار وإن ذاره إشارة إلى قوله تعالى : «وَاضْربّ لَهُمْ مثلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ »(٢) وهذه القرية هي إنطاكية في قول المفسرين «إِذْ جاءَهَا الْمرّسَلُونَ ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ » أي رسولين من رسلنا «فَكَذَّبُوهُما » أي الرّسولين ، قال ابن عبّاس : ضربوهما وسجنوهما «فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ » أي فقوينا وشددنا ظهورهما برسول ثالث ، قيل : كان اسم الرسولين شمعون ويوحنّا والثالث بولس ، وقال ابن عبّاس وكعب : صادق وصدوق ،

__________________

(١) سورة الحشر : ١٦. (٢) سورة يس : ١٣.

٣٣٦

_________________________________________________

والثالث سلوم ، وقيل : إنّهم رسل عيسى وهم الحواريّون ، وإنّما أضافهم إلى نفسه لأن عيسىعليه‌السلام أرسلهم بأمره «فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مرّسَلُونَ ، قالُوا » يعني أهل القرية «ما أَنْتُمْ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا » فلا تصلحون للرّسالة كما لا تصلح نحن لها «وَما أَنْزَلَ الرَّحمن مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إلّا تَكْذِبُونَ ، قالُوا ربّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمرّسَلُونَ ، وَما عَلَيْنا إلّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ».

إلى قوله تعالى : «وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى » وكان اسمه حبيب النجار عن ابن عبّاس وجماعة من المفسريّن ، وكان قد آمن بالرسل عند ورودهم القرية ، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، فلـمّا بلغه أن قومه قد كذبوا الرّسل وهمّوا بقتلهم جاء يعدو ويشتد «قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمرّسَلِينَ » الذين أرسله الله إليكم وأقروا برسالتهم ، قالوا : وإنما علم هو نبوتهم لأنّهم لـمّا دعوه قال : أتأخذون على ذلك أجرا؟ قالوا : لا ، وقيل : إنه كان به زمانة أو جذام فأبرءوه فآمن بهم عن ابن عباس «اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الّذي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحمن بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شيئاً وَلا يُنْقِذُونِ ، إِنِّي إذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ » أي فاسمعوا قولي واقبلوه.

وقيل : إنّه خاطب بذلك الرسل أي فاسمعوا ذلك حتّى تشهدوا لي به عند الله عن ابن مسعود ، قال : ثمَّ أن قومه لـمّا سمعوا ذلك القول منه وطئوه بأرجلهم حتّى مات فأدخله الله الجنّة وهو حي فيها يرزق ، وهو قوله : «قِيلَ ادْخُلِ الجنّة » وقيل : رجموه حتّى قتلوه ، وقيل : إن القوم لـمّا أرادوا أن يقتلوه رفعه الله إليه فهو في الجنّة ولا يموت إلّا بفناء الدنيا وهلاك الجنّة عن الحسن ومجاهد ، وقإلّا : إن الجنّة الّتي دخلها يجوز هلاكها ، وقيل : إنهم قتلوه إلّا أن الله سبحانه أحياه

٣٣٧

إنّه كان مكنعاً - ثمَّ ردَّ أصابعه - فقال : كأنيّ أنظر إلى تكنيعه أتأهمّ فأنذرهم ،

_________________________________________________

وأدخله الجنّة ، فلـمّا دخلها «قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ».

وفي تفسير الثعلبي بالإسناد عن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين : عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وصاحب ياسين ، ومؤمن آل فرعون ، فهم الصديقون وعليُّ أفضلهم ، كلّ ذلك ذكره الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان.

والأخبار الطويلة الواردة في قصصهم أوردتها في الكتاب الكبير.

« إنّه كان مكنعاً » في أكثر النسخ بالنون المشددة المفتوحة ، وفي بعضها بالتاء وفي القاموس كنع كمنع كنوعاً انقبض وانضم أصابعه ضربها فأيبسها ، وكفرح يبس وتشنج ولزم ، وشيخ كنع ككتف شنج ، والكنيع المكسور اليد ، والأكنع الأشل وكمعظم ومجمل المقفع اليد ، أي متشنجها أو المقطوعها وكنع يده أشلها وقال : كنع كمنع انقبض وانضم ، والأكنع من رجعت أصابعه إلى كفه وظهرت رواجيه.

وأقول : كأنّه كان الجذام سبباً لتكنيع أصابعه وكان هذا الداء أيضاً مذكورا في الأدواء الّتي نفاها عن المؤمن ، أو الغرض بيان أن الابتلاء بالأدواء العظيمة الشنيعة لا ينافي كمال الإيمان ، وقيل : كانت أصابعه سقطت من الجذام فأشارعليه‌السلام بضمّ أصابعه إلى كفه إلى ذلك.

« ثمَّ ردّ أصابعه » هذا من كلام الراوي أي ردّعليه‌السلام أصابعه إلى كفه إشارة إلى تكنيعه « فقال كأني أنظر إلى تكنيعه » أي أعلم ذلك وكيفيته بعين اليقين « أتأهمّ » أي حبيب « فأنذرهم » وخوفهم عقاب الله على ترك اتباع الرسل ، بما حكى الله تعالى عنه.

٣٣٨

ثمَّ عاد إليهم من الغد فقتلوه ، ثمَّ قال : إن المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلّا أنه لا يقتل نفسه.

١٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري ، عن عبيد بن زرارة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن المؤمن من الله عزّ وجلّ لبأفضل مكان - ثلاثاً - إنّه ليبتليه بالبلاء ثمَّ ينزع نفسه عضواً عضواً من جسده وهو يحمد الله على ذلك.

_________________________________________________

وربما يتوهّم التنافي بين هذا الخبر وبين ما سيأتي في الروضة عن الصادقعليه‌السلام أنه إذاً بلغ المؤمن أربعين سنة أمنه الله من الأدواء الثلاثة : البرص والجذام والجنون ، ويمكن أن يجاب بأنه محمول على الغالب ، فلا ينافي الابتلاء بعدّ الأربعين نادراً مع أنه يمكن أن يكون ابتلاء المؤمن قبل الأربعين وأيضاً الخبر ليس بصريح في ابتلائه بالجذام ، والميتة بالكسر للحال والهيئة ، ويدلّ على أن قاتل نفسه ليس بمؤمن سواء قتلها بحربة أو بشربّ السم أو بترك الأكل والشربّ أو ترك مداواة جراحة أو مرّض علم نفعها ، إمّا لو أحرق العدوّ السفينة فألقى من فيها نفسه في البحر فمات ، فالظاهر أيضاً أنه داخل في هذا الحكم ، خلافاً لبعض العامّة فإنه أخرجه منه لأنه فر من موت إلى موت وهو ضعيف ، وربما يحمل على من استحل قتل نفسه ، والظاهر أن المرّاد بالمؤمن الكامل.

الحديث الثالث عشر : صحيح.

« من الله » أي بالنّسبة إليه « ثلاثاً » أي قال هذا الكلّ ام ثلاث مرّات « نفسه عضواً عضواً » أي روحه من بدنه بالتدريج ، وقيل : أراد يقطع بدنه عضوا عضوا فكلـمّا قطع منه عضو سلب منه الروح ، وقال بعضهم : النفس بضمّ النون والفاء جمع نفيس ، أي يقطع أعضاءه النفيسة بالجذام ، ولا يخفى ما فيه والأوّل أظهر.

٣٣٩

١٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليِّ بن الحكم ، عن فضيل بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء في جسده.

١٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن إبراهيم بن محمّد الأشعري ، عن أبي يحيى الحنّاط ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال شكوت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ما ألقى من الأوجاع - وكان مسقاماً - فقال : لي يا عبد الله لو يعلم المؤمن ما له من الأجر في المصائب لتمنّى أنّه قرضّ بالمقاريض.

١٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن يونس بن رباط قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنَّ أهل الحقِّ لم يزالوا منذ كانوا في شدَّة أما

_________________________________________________

الحديث الرابع عشر : صحيح.

ويدلّ على أنّ بعض درجات الجنّة يمكن البلوغ إليها بالعمل والسعي ، وبعضها لا يمكن الوصول إليها إلّا بالابتلاء في الجسد فيمن الله تعالى على من أحبُّ من عباده بالابتلاء ليصلّوا إليها.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

« وكان مسقاماً » هذا كلام أبي يحيى وضمير كان عائد إلى عبد الله ، والمسقام بالكسر الكثير السقم والمرّض « إنّه قرض » على بناء المفعول بالتخفيف أو بالتشديد للتكثير والمبالغة ، وفي المصباح : قرضت الشيء قرضا من باب ضربّ قطعته بالمقراضين والمقراض أيضاً بكسر الميم والجمع مقاريض ، ولا يقال إذاً جمع بينهما مقراض كما تقوله العامّة ، وإنمّا يقال عند اجتماعهما قرضته قرضا من باب قطعته بالمقراضين ، وفي الواحد قطعته بالمقراض.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

« منذ كانوا » تامّة ، وفي شدّة خبر لم يزالوا « إلى مدّة قليلة » أي إلى انتهاء

٣٤٠