مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21939
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21939 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إنّ ذلك إلى مدّة قليلة وعافية طويلة.

١٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بعض أصحابه ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي أسامة ، عن حمرّان ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرّجل أهله بالهدية من الغيبة ويحميه الدُّنيا كما يحمي الطبيب المرّيض.

١٨ - عليُّ ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمّد بن يحيى الخثعمي ، عن محمّد بن بهلول العبدي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لم يؤمن الله المؤمن من هزاهز الدنيا ولكنه آمنه من العمى فيها والشقاء في الآخرة.

١٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن نعيم الصحاف ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يقول إني لأكره للرجل أن يعافى في الدنيا فلا يصيبه شيء من المصائب.

_________________________________________________

مدّة قليلة هي العمر ، وينتهي إلى عافية طويلة في البرزخ والآخرة وقيل : إلى بمعنى مع.

الحديث السابع عشر : مرّسل.

وفي القاموس تعهّده وتعاهده تفقّده وأحدث العهد به ، وقال : حمى المرّيض ما يضرّه منعه إيّاه فاحتمى وتحمّى امتنع ، وأقول : وجه الشبّه في الفقرتين في المشبّه وإن كان أقوى لكن المشبّه به عند النّاس أظهر وأجلى.

الحديث الثامن عشر : مجهول.

« من هزاهز الدّنيا » أي الفتن والبلايا الّتي يهتزّ فيها النّاس ، والعمى عمى القلب الموجب للجهل بالله ، والتنفّر عن الحقّ ، والبعدّ عن لوازم الإيمان ، وكل ذلك يوجب الشقاء والتعب في الآخرة.

الحديث التاسع عشر : حسن كالصحيح.

٣٤١

٢٠ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن نوح بن شعيب ، عن أبي داود المسترق رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام دعي النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى طعام فلـمّا دخل منزل الرّجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فتقع البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه ولم تسقط ولم تنكسر فتعجب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله منها فقال له الرّجل أعجبت من هذه البيضة فو الّذي بعثك بالحقّ ما رزئت شيئاً قطُّ [ قال : ] فنهض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يأكل من طعامه شيئاً وقال من لم يرزأ فما لله فيه

_________________________________________________

الحديث العشرون : مرفوع.

« فتقع » أي فوقعت ، واستعمال المضارع في الماضي في أمثال هذه المواضع شائع « ما رزئت شيئاً » أي ما نقصت ، في القاموس رزأه ماله كجعله وعلمه رزءاً بالضمّ أصاب منه شيئاً كارتزأه ماله ، ورزأه الشيء نقصه ، والرزيئة المصيبة وما رزئته بالكسر ما نقصته ، وفي النهاية في حديث سراقة فلم يزرءاني شيئاً أي لم يأخذا مني شيئاً ، يقال : رزأته أرزأه ، وأصله النقص ، فقوله : رزئت على بناء المجهول ، وضمير المتكلّم نائب مناب الفاعل ، وشيئاً مفعوله الثّاني ، وكذا لم يرزأ على بناء المجهول ، ومفعوله الثّاني محذوف « فما لله فيه من حاجة» استعمال الحاجة في الله سبحانه مجاز ، والمرّاد أنه ليس من خلص المؤمنين ، وممّن أعده الله لهداية الخلق ولعبادته ومعرفته ، فإن نظام العالم لـمّا كان بوجود هؤلاء فكأنه محتاج إليهم في ذلك ، أو أنّهم لـمّا كانوا من حزب الله وعبدته حقيقة وأنصار دينه فكأنه سبحانه محتاج إليهم ، كما أن سائر الخلق محتاجون إلى مثل ذلك ، أو المرّاد حاجة الأنبياء والأوصياء إليهم في ترويج الدّين ، ونسب ذلك إلى ذاته تعظيما لهم ، كما وردّ في قوله تعالى : «إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ »(١) و «ما ظَلَمُونا »(٢) وأمثالهما وقد مرّ ذلك مشروحاً ، أو أنّه تعالى

__________________

(١) سورة آل عمرّان : ١٦٠.

(٢) سورة البقرة : ٥٧.

٣٤٢

من حاجة.

٢١ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرَّحمن بن أبي عبد الله وأبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا حاجة لله فيمن ليس له في ماله وبدنه نصيب.

٢٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن عثمان النواء عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ يبتلي المؤمن بكلّ بلية ويميته بكل ميتة ولا يبتليه بذهاب عقله ، أما ترى أيّوب كيف سلّط إبليس على

_________________________________________________

لـمّا طلب من عباده العبادات بالأوامرّ وغيرها كطلب ذي الحاجة ما يحتاج إليه فاستعملت الحاجة فيه مجازا ، أو سلب الحاجة كناية عن سلب اللطف به ، وترك الإقبال عليه لأن اللطف والإقبال منّا لازمان للحاجة فنفى الملزوم وأراد نفي اللازم ، والوجوه متقاربة.

وإنّما امتنعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طعامه لأنّ ما ذكره كان من صفات المستدرجين ، ومن لا خير فيه لا خير في طعامه ، والمال الّذي لم ينقص منه شيء ملعون كالبدن ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ملعون كل مال لا يزكّي ، ملعون كل بدن لا يزكى ، مع أنه يمكن أن يكون علمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تقريره أنه لا يؤدّي الحقوق الواجبة أيضاً ، وأيضاً لـمّا كانت الخصلة الّتي ذكرها صاحب الطعام مرّغوبة بالطبع لسائر الخلق أرادصلى‌الله‌عليه‌وآله المبالغة في ذمها لئلّا ترغب الصحابة فيها ، وليعلموا أنّها ليست من صفات المؤمنين.

الحديث الحادي والعشرون : موثق كالصحيح.

« فيمن ليس له » أي لله وإرجاعه إلى المؤمن كما زعم بعيد ، والظاهر أن المرّاد بالنصيب الناقص الّذي وقع بقضاء الله وقدره في ماله أو بدنه بغير اختياره ، ويحتمل شموله للاختياري أيضاً ، كأداء الحقوق المالية وإبلاء البدن بالطاعة.

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف.

« ولا يبتليه بذهاب عقله » لأن فائدة الابتلاء التصبر والتذكر والرضا و

٣٤٣

ماله وعلى ولده وعلى أهله وعلى كل شيء منه ولم يسلط على عقله ترك له ليوحّد الله به.

_________________________________________________

نحوها ، ولا يتصّور شيء من ذلك بذهاب العقل وفساد القلب ، فلا ينافي ذهاب العقل لا لغرض الابتلاء ، على أن الموضوع هو المؤمن والمجنون لا يتصف بالإيمان ، كذا قيل ، لكن ظاهر الخبر أن المؤمن الكامل لا يبتلي بذلك وإن لم يطلق عليه في تلك الحال اسم الإيمان ، وكان بحكم المؤمن ، ويمكن أن يكون هذا غالبيا فإنا نرى كثيراً من صلحاء المؤمنين يبتلون في أواخر العمر بالخرافة وذهاب العقل ، أو يخصّ بنوع منه ، والوجه الأوّل لا يخلو من وجه.

« وعلى كل شيء منه » ظاهره تسلطه على جميع أعضائه وقواه سوى عقله ، وقد يأول بتسلطه على بيته وأثاث بيته وأمثال ذلك ، وأحبائه وأصدقائه.

وأقول : قد وردّ ما يؤيد هذه الرواية بطريق(١) كثيرة أكثرها صحيحة أو معتبرة قد أوردتها في الكتاب الكبير ، منها : ما رواه الصدوق (ره) في كتاب علل الشرائع بسند حسن كالصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إنّما كانت بلية أيّوب الّتي ابتلي بها في الدنيا لنعمة أنعم بها عليه فأدى شكرها ، وكان إبليس في ذلك الزمان لا يحجب دون العرش ، فلـمّا صعدّ عمل أيّوب بأداء شكر النعمة حسده إبليس ، فقال : يا ربّ إن أيّوب لم يؤد شكر هذه النعمة إلّا بما أعطيته من الدنيا فلو حلت بينه وبين دنياه ما أدى إليك شكر نعمة ، فسلطني على دنياه تعلم أنه لا يؤدى شكر نعمة ، فقال : قد سلطتك عليه ، فلم يدع له دنيا ولا ولدا إلّا أهلك كل ذلك وهو يحمد الله عزّ وجلّ ، ثمَّ رجع إليه فقال : يا ربّ إن أيّوب يعلم أنك ستردّ عليه دنياه الّتي أخذتها منه ، فسلطني على بدنه حتّى تعلم أنه لا يؤدى شكر نعمة ، قال عزّ وجلّ : سلطتك على بدنه ما عدا عينيه وقلبه ولسانه وسمعه ، فقال

__________________

(١) كذا في النسخ والظاهر « بطرق ».

٣٤٤

_________________________________________________

أبو بصير : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فانقضّ مبادراً خشية أن تدركه رحمة الله عزّ وجلّ فيحول بينه وبينه فنفخ في منخريه من نار السموم فصار جسده نقطاً نقطاً.

وروي أبسط من ذلك بسند معتبر عن أبي بصير أيضاً عن الكاظمعليه‌السلام .

وروى عليُّ بن إبراهيم أيضاً في تفسيره عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حديثا طويلاً في ذلك إلى أن قال : فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه ، فبقي في ذلك دهرا يحمد الله ويشكره حتّى وقع في بدنه الدود ، وكانت تخرج من بدنه فيردّها ويقول لها : ارجعي إلى موضعك الّذي خلقك الله منه ونتن حتّى أخرجه أهل القرية من القرية والقوة في المزبلة خارج القرية.

والجمع بينها وبين ما وردّ في خبر الكافي من استثناء العقل فقط ، بحمل ما في الكافي على العقل وما يتبعه ويقويه ، وهذه المشاعر من آلات العقل وأدواته فالتسليط عليها تسليط على العقل أيضاً.

ثمَّ أن للمتكلمين في تلك الأخبار شبه ، منها : ما ذكره السيّد الأجل المرّتضىرضي‌الله‌عنه في كتاب تنزيه الأنبياء : فإن قيل : فما قولكم في الأمرّاض والمحن الّتي لحقت نبيّ الله أيّوبعليه‌السلام ؟ أو ليس قد نطق القرآن أنّها كانت جزاء على ذنب في قوله «أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ »(١) والعذاب لا يكون إلّا جزاء كالعقاب ، والآلام الواقعة على سبيل الامتحان لا يسمى عذابا ولا عقاباً ، أو ليس قد روى جميع المفسرين أن الله تعالى إنّما عاقبه بذلك البلاء لتركه الأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر وقصته مشهورة يطول شرحها؟

الجواب : قلنا : إمّا ظاهر القرآن فليس يدلّ على أن أيّوبعليه‌السلام عوقب

__________________

(١) سورة ص : ٤١.

٣٤٥

_________________________________________________

بما نزل به من المضار وليس في ظاهره شيء ممّا ظنه السائل لأنه تعالى قال : «وَاذْكُرْ عَبْدَنا أيّوب إِذْ نادى ربّه أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ » والنصب هو التعب ، وفيه لغتان فتح النون والصاد ، وضم النون وتسكين الصاد ، والتعب هو المضرة الّتي لا تختص بالعقاب وقد تكون على سبيل الاختبار والامتحان ، فإمّا العذاب فهو أيضاً يجري مجرى المضار الّتي لا يخصّ إطلاق ذكرها بجهة دون جهة ، ولهذا يقال للظالم المبتدي بالظلم أنه معذب ومضر ومؤلم ، وربما قيل : معاقب على سبيل المجاز ، وليس لفظة العذاب بجارية مجرى لفظة العقاب لأن لفظة العقاب يقتضي بظاهرها الجزاء لأنه من التعقيب والمعاقبة ، ولفظة العذاب ليست كذلك.

فإمّا إضافته ذلك إلى الشيطان وإنّما ابتلاه الله تعالى به؟ فله وجه صحيح لأنه لم يضف المرّض والسقم إلى الشيطان وإنما أضاف إليه ما كان يستضر به من وسوسته ويتعب به من تذكيره له ما كان فيه من النعم والعافية والرخاء ودعائه له إلى التضجر والتبرّم بما هو عليه ، ولأنه كان أيضاً يوسوس إلى قومه بأن يستقذروه ويتجنبوه لـمّا كان عليه من الأمرّاض البشعة المنظر ، ويخرجوه من بينهم وكل هذا ضرر من جهة اللعين إبليس ، وقد روي أن زوجتهعليه‌السلام كانت تخدم النّاس في منازلهم وتصير إليه بما يأكله ويشربّه ، وكان الشيطان يلقي إليهم أن داءه يعدي ويحسن إليهم تجنب خدمة زوجته من حيث كانت تباشر قروحه وتمس جسده ، وهذه مضار لا شبهة فيها.

فإمّا قوله تعالى في سورة الأنبياء : «وَأيّوب إِذْ نادى ربّه أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ »(١) فلا ظاهر لها أيضاً يقتضي ما ذكروه لأن الضر

__________________

(١) الآية : ٨٣ - ٨٤.

٣٤٦

_________________________________________________

هو الضرر الّذي قد يكون محنة كما يكون عقوبة.

فأمّا ما روي في هذا الباب عن جملة المفسّرين فممّا لا يلتفت إلى مثله لأن هؤلاء لا يزالون يضيفون إلى ربهّم تعالى وإلى رسلهعليهم‌السلام كل قبيح ويقرفونهم بكل عظيم ، وفي روايتهم هذه السخيفة ما إذاً تأمله المتأمل علم أنه موضوع باطل ممنوع ، لأنهم رووا أن الله تعالى سلط إبليس على مال أيّوبعليه‌السلام وغنمه وأهله ، فلـمّا أهلكهم ودمرّ عليهم ورأى صبره وتماسكه قال إبليس لربّه : يا ربّ إن أيّوب قد علم أنه ستخلف عليه ماله وولده فسلطني على جسده ، فقال : قد سلطتك على جسده إلّا قلبه وبصره ، قال : فأتاه فنفخه من لدن قرنه إلى قدمه ، فصار قرحة واحدة فقذف على كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا ، تختلف الدواب في جسده ، إلى شرح طويل تصون كتابنا عن ذكر تفصيله ، فمن يقبل عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثق بروايته؟ ومن لا يعلم أن الله تعالى لا يسلط إبليس على خلقه وأن إبليس لا يقدر على أن يقرح الأجساد ، ولا أن يفعل الأمرّاض كيف يعتمد على روايته؟

فأمّا هذه الأمرّاض النازلة بأيّوبعليه‌السلام فلم يكن إلّا اختبارا وامتحانا وتعريضاً للثواب بالصبر عليها ، والعوض العظيم النفيس في مقابلتها ، وهذه سنة الله في أصفيائه وأوليائه ، فقد روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال - وقد سئل أي النّاس أشدّ بلاء؟ - فقال : الأنبياء ثمَّ الصالحون ثمَّ الأمثل فالأمثل من الناس.

فظهر من صبره على محنته وتماسكه ما صار إلى الآن مثلاً حتّى روي أنه كان في خلال ذلك كله شاكرا محتسبا ناطقا بما له فيه المنفعة والفائدة وأنه ما سمعت له شكوى ، ولا تفوه بتضجر وتبرم فعوضه الله تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن ردّ عليه ماله أهله ، وضاعف عددهم في قوله تعالى : «وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ

٣٤٧

_________________________________________________

مَعَهُمْ »(١) وفي سورة ص «وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ »(٢) ثمَّ مسح ما به وشفاه وعافاه وأمره على ما وردت به الرواية يركض برجله الأرض ، فظهرت عين اغتسل منها فتساقط ما كان على جسده من الداء ، قال الله : «ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ باردّ وَشَرابٌ »(٣) والركض هو التحريك ، ومنه ركضت الدابة ، انتهى كلامه.

وأقول : لا أعرف وجها لهذا الإنكار الفظيع والردّ الشنيع لتلك الرواية ، ولا أعرف فرقا بين ما صدر من أشقياء الإنس بالنّسبة إلى الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام حيث خلأهمّ الله سبحانه مع إرادتهم بمقتضى حكمته الكاملة ولم يمنعهم قهرا عن مثل هذا الظلم العظيم ، وبين ما نقل من تسليط إبليس في تلك الواقعة ، والجواب مشترك؟ نعم لا يجوز أن يسلط الشيطان على أديانهم كما دلت عليه الآيات والروايات ، وإمّا الأبداًن فلم يقم دليل على نفي تسلطه في بعض الأحيان لضربّ من المصلحة ، كيف لا وهو الّذي يغري الأشرار على قتل الأخيار وإيلامهم بأنواع المضار ، وأيضاً أي دليل قام على امتناع قدرة إبليس على فعل يوجب تقريح الأجساد وحدوث الأمرّاض؟ وأي فرق بين الإنس والجن في ذلك؟ نعم لو قيل بعدم ثبوت بعض الخصوصيات من جهة الأخبار لكان له وجه ، لكن الحكم بنفيها بمجردّ الاستبعاد غير موجه.

ومنها : أنّها منافية لـمّا مرّ من عدم ابتلاء الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام بالأمرّاض المنفرة؟

قال السيّدرضي‌الله‌عنه في الكتاب المذكور : فإن قيل : أفتصححون ما روي

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٨٤.

(٢) و (٣) سورة ص : ٤٣ - ٤٢.

٣٤٨

_________________________________________________

من أنّ الجذام أصابه حتّى تساقطت أعضاؤه؟ قلنا : إمّا العلل المستقذرة الّتي تنفر من رآها وتوحشه كالبرص والجذام فلا يجوز شيء منها على الأنبياءعليهم‌السلام لـمّا تقدم ذكره في صدر هذا الكتاب ، لأن النفور ليس يواقف على الأمور القبيحة ، بل قد يكون من الحسن والقبيح معاً ، وليس ننكر أن تكون أمرّاض أيّوبعليه‌السلام وأوجاعه ومحنته في جسمه ثمَّ في أهله وماله بلغت مبلغا عظيما يزيد في الغمّ والألم ، على ما ينال المجذوم ، وليس ننكر تزايد الألم فيهعليه‌السلام وإنّما ننكر ما اقتضى التنفير ، انتهى.

وأقول : يدلّ على ذلك ما رواه الصدوق (ره) في كتاب الخصال بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيهعليه‌السلام قال : إن أيّوبعليه‌السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب ، وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون ، ولا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً ، وقالعليه‌السلام : إن أيّوب مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت عنه مدة(١) من دم ولا قيح ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده ، وهكذا يصنع الله عزّ وجلّ لجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه ، وإنما اجتنبه النّاس لفقره وضعفه في ظاهر أمره ، لجهلهم بما له عند ربّه تعالى ذكره من التأييد والفرَّج وقد قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعظم النّاس بلاء الأنبياء ثمَّ الأمثل فالأمثل ، وإنما ابتلاه الله عزّ وجلّ بالبلاء العظيم الّذي يهون معه على جميع النّاس لئلّا يدعوا له الربوبية إذاً شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمّه تعالى متى شاهدوه ، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين استحقّاًق واختصاص ، ولئلّا يحتقروا ضعيفاً لضعفه ، ولا فقيراً لفقره ، ولا مريضاً لمرّضه ، وليعلموا أنّه

__________________

(١) المدة - بكسر الميم وتشديد الدال - ما يجتمع في الجرح من القيح والقيح : ما يقال له بالفارسية : « چرك ».

٣٤٩

_________________________________________________

يسقم من يشاء ويشفي من يشاء متى شاء ، كيف شاء ، بأيّ سبب شاء ، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء وسعادة لمن شاء ، وهو عزّ وجلّ في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله ، لا يفعل بعباده إلّا الأصلح لهم ، ولا قوة لهم إلّا به.

وأقول : هذا الخبر أوفق بأصول متكلمي الإماميّة ، فالأخبار الأخر يمكن حملها على التقيّة موافقة للعامّة فيما رووه ، لكن إقامة الدليل على نفي ذلك عنهم مطلقاً ولو بعدّ ثبوت نبوتهم وحجيتهم لا تخلو من إشكال ، لاحتمال أن يكون ذلك ابتلاء للأمة وتشديداً للتكليف عليهم ، مع أن الأخبار الدالة على ثبوتها أكثر وأصح.

وسيأتي رواية الكلّ يني بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قلت له : «فإذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ »(١) فقال : يا با محمّد تسلطه والله على المؤمن على بدنه ، ولا يسلط على دينه ، وقد سلط على أيّوبعليه‌السلام فشوه خلقه ولم يسلط على دينه وقد يسلط من المؤمنين على أبداًنهم ولا يسلط على دينهم ، قلت : قوله تعالى : «إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ »(٢) قال : الذين هم بالله مشركون يسلط على أبداًنهم وعلى أديانهم.

وأقول : هذا ينفع في المقام الأوّل أيضاً ، وبالجملة للتوقّف فيهما مجال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ثمَّ اعلم أنه أول بعضهم تسليط إبليس على ماله في هذا الخبر بأن أغرى الظلمة على نهبها وغصبها منه ، وعلى أولاده بأن أغرى الفسقة والكفرة على قتلهم ، وعلى أهله بأن أغوأهمّ بأن تنفروا منه وعلى كل شيء منه بأنّ أنهب أثاث بيته وأغرى

__________________

(١ و ٢) سورة النحل : ١٩٩ - ١٠٠.

٣٥٠

٢٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن عليُّ بن عقبة ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين إمّا بذهاب ماله أو ببلية في جسده.

٢٤ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي أسامة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزّ وجلّ لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه لعصبت رأس الكافر

_________________________________________________

أحباءه على تركه والنفرة عنه ، ولا يخفى بعدّ الجميع ، وقد علمت حقيقة الحال في جميع ذلك بعون الله.

الحديث الثالث والعشرون : موثق كالصحيح.

« بذهاب ماله » بكسر اللام وقد يقرأ بالفتح ، وعلى الأوّل يمكن أن يكون على المثال فيشمل ذهاب ولده وأهله وأقاربّه وأشباه ذلك ، والمرّاد بالعبد المؤمن الخالص الّذي يحبّه الله.

الحديث الرابع والعشرون : حسن.

« لو لا أن يجد عبدي المؤمن في قلبه » كان مفعول الوجدان محذوف أي شكا أو حزنا شديداً أو يكون الوجد بمعنى الغضب أو بمعنى الحزن فقوله : في قلبه ، للتأكيد أي وجدا مؤثراً في قلبه باقيا فيه ، في المصباح : وجدته أجدّه وجدانا بالكسر ووجدت عليه موجدة في الغضب ، ووجدت به في الحزن وجداً بالفتح ، انتهى.

والعصابة بالكسر ما يشد على الرأس والعمامة والعصب الطي الشديد ، وعصب رأسه بالعصابة وعصب أيضاً بالتشديد أي شدّة بها ، والصداع كغراب وجع الرأس يقال : صدع على بناء المفعول من التفعيل وجوز في الشعر التخفيف ، وذكر الرأس هنا على التجريد ، والعصب بالحديد كناية عن حفظه ممّا يؤلمه ويؤذيه ، وتخصيص الرأس لأن أكثر الأمرّاض العظيمة ينشأ منه وأكثر القوي فيه ، وذكر الصاع لأنّه أقل مرّاتب الآلام والأوجاع وأخفها ، أي فكيف ما فوقه ،

٣٥١

بعصابة حديد ، لا يصدع رأسه أبداً.

٢٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن عثمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مثل المؤمن كمثل خامة الزرع تكفئها الرّياح كذا وكذا وكذلك المؤمن تكفئه

_________________________________________________

ويحتمل كون تخصيص الرأس لذلك ، والحاصل أنّه لو لا مخافة انكسار قلب المؤمن أو ضعف يقينه لـمّا يراه على الكافر من العافية المستمرّة لقويت الكافر وصححت جسمه حتّى لا يرى وجعا وألـمّا في الدنيا أبداً.

وقيل : تعصب الرأس كناية عن وضع تاج السلطنة على رأسه ، وذكر الحديد كناية عن شدّة ملكه بحيث لا تحصل فيه ثلمة ، ولا يخفى بعده ، وفيه إشارة إلى قوله سبحانه : «لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاس أُمَّةً واحِدَةً »(١) قال الطبرسي (ره) : أي لو لا أن يجتمع النّاس على الكفر فيكونوا كلهم كفارا على دين واحد لميلهم إلى الدنيا وحرصهم عليها «لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ » فالسقف إذاً كان من فضة فالحيطان من فضة «وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » أي وجعلنا درجا وسلاليم من فضة لتلك السقف عليها يعلون ويصعدون «وَلِبُيُوتِهِمْ أبواباً وَسُرُراً عَلَيْها » أي على السرر «يَتَّكِؤُنَ ، وَزُخْرُفاً » أي ذهبا أي وجعلنا لهم مع ذلك ذهباً ، وقيل : زخرف النقوش ، وقيل : هو الفرش ومتاع البيت ، والمعنى لأعطي الكافر في الدنيا غاية ما يتمناه فيها لقلتها وحقارتها عنده ، ولكنّه سبحانه لم يفعل ذلك لـمّا فيه من المفسدة «وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لـمّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ » خاصة لهم.

الحديث الخامس والعشرون : حسن كالصحيح.

وقد مرّ معنى خامة الزرع في باب أن المؤمن صنفان ، والفرق بين التشبيه

__________________

(١) سورة الزخرف : ٣٣.

٣٥٢

الأوجاع والأمراض ، ومثل المنافق كمثل الإرزبّة المستقيمة الّتي لا يصيبها شيء حتّى يأتيه الموت فيقصفه قصفاً.

_________________________________________________

هنا وبين ما سبق حيث شبه هناك بعض المؤمنين بها ، وهيهنا جميعهم بها هو أنه شبه المعاصي هناك بالريح ، وهيهنا شبه البلايا والأمرّاض بها « تكفئها » بالهمز أي تقلبها ، في القاموس : كفئه كمنعه صرفه وكبه وقلبه كاكفاه ، وقال : الإرزبة والمرّزبة مشددتان ، أو الأوّلى فقط : عصية من حديد ، وحتّى في قوله : حتّى يأتيه الموت ، متعلّق بالجار والمجرور في قوله : كمثل الأرزبة ، وفي المصباح : قصفت العود قصفا فانقصف ، مثل كسرته فانكسر لفظاً ومعنى.

ومثل هذه الرواية رواها مسلم في صحيحه بإسناده عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع تكفئها الرياح تصرفها مرّة وتعدلها أخرى حتّى يأتيه أجله ، ومثل المنافق مثل الأرزة المجذية الّتي لا يصيبها شيء حتّى يكون انجعافها مرّة واحدة ، وفي رواية أخرى مثل الكافر.

قال عياض : الخامة هي الزرع أول ما ينبت ومعنى تكفئها بضمّ التاء تميلها الريح ، وتلقيها بالأرض كالمصروع ، ثمَّ تقيمه يقوم على سوقه ، ومعنى المجذية الثابتة ، يقال أجذى يجذي ، والانجعاف الانقطاع يقال : جعفت الرّجل صرعته ، وقال محيي الدّين : الأرزة بفتح الهمزة وسكون الراء شجر معروف بالشام ، ويسمى بالعراق الصنوبر ، والصنوبر إنّما هو ثمرّه ، وسمّي الشجر باسم ثمرّه.

وحكى الجوهري في « راء » الأرزة بالفتح ، وقال بعضهم : هي الآرزة بالمد وكسر الراء على وزن فاعلة ، وأنكره أبو عبيد ، وقال أهل اللغة الآرزة بالمد النابتة وهذا المعنى صحيح هيهنا ، فإنكار أبو عبيد إنكار الرواية لا إنكار اللغة ، وقال أبو - عبيد : شبه المؤمن بالخامة الّتي تميلها الريح لأنه يرزأ في نفسه وماله ، وشبه الكافر بالأرزة لأنه لا يرزأ في شيء حتّى يموت ، وإن رزأ لم يؤجر حتّى يلقى الله

٣٥٣

٢٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدَّةٌ بن صدقة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً لأصحابه ملعون كل مال لا يزكى ملعون كل جسد لا يزكى ولو في كل أربعين يوما مرّة فقيل يا رسول الله إمّا زكاة المال فقد عرفناها فما زكاة الأجساد فقال لهم أن تصاب بآفة قال فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه فلـمّا رأهمّ قد تغيرت ألوانهم قال لهم أتدرون ما عنيت بقولي قالوا لا يا رسول الله قال بلى الرّجل يخدش الخدشة وينكب النكبة

_________________________________________________

بذنوب جمة.

الحديث السادس والعشرون : ضعيف.

« ملعون كل مال لا يزكي » قال الشيخ البهائي (ره) : أي بعيد عن الخير والبركة ، يعني لا خير فيه لصاحبه ولا بركة ، ويجوز أن يراد ملعون صاحبه على حذف مضاف ، أي مطرود مبعدّ من رحمة الله تعالى ، وقس عليه قولهعليه‌السلام : ملعون كل جسد لا يزكى وذكر الزكاة هنا من باب المشاكلة ويجوز أن يكون استعارة تبعية ، ووجه الشبه أن كلا منهما وإن كان نقصا بحسب الظاهر إلّا أنه موجب لمزيد الخير والبركة في نفس الأمرّ « فتغيرت وجوه الذين سمعوا ذلك منه » لأنّهم ظنوا أن مرّادهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالآفة العاهة والبليّة الشديدة الّتي كثيراً ما يخلو عنهما الإنسان سنين عديدة فضلا عن أربعين يوماً.

« قال بلى » أقول : كأنه جواب عن سؤال مقدر كان القوم قالوا : إلّا تفسرّه لنا؟ قال : بلى ، وصحف بعض الأفاضل فقرأ بلى الرّجل مصدراً مضافاً إلى الرّجل ، أي خلقه ، كان البلايا تبلى الجسد وتخلقها و « يخدش » صفة الرّجل لأن اللام للعهد الذهني ولا يخفى ما فيه ، وقال الشيخ المتقدم ذكرهقدس‌سره : يخدش بالبناء للمفعول ، وكذا ينكب ، والخدشة تفرق اتصال في الجلد من ظفر ونحوه ، سواء خرج معه الدم أو لا.

٣٥٤

ويعثر العثرة ويمرض المرّضة ويشاك الشوكة وما أشبه هذا حتّى ذكر في حديثه

_________________________________________________

وأقول : النكبة أن يقع رجله على الحجارة ونحوها ، أو يسقط على وجهه أو أصابته بليّة خفيفة من بلايا الدهر ، في القاموس : النكب الطرح ونكب الإناء هراق ما فيه ، والكنانة نثر ما فيها ، والحجارة رجله لتمتها أو أصابتها فهو منكوب ، ونكب وبه طرحه ، والنكبة بالفتح المصيبة ونكبة الدهر نكبا ونكبا بلغ منه أو أصابه بنكبة ، وفي النهاية : وقد نكب بالحرة أي نالته حجارتها وأصابته ، ومنه النكبة وهي ما يصيب الإنسان من الحوادث ، ومنه الحديث : أنه نكبت إصبعه أي نالته الحجارة « ويعثر العثرة » في القاموس : العثرة المرّة من العثار في المشي.

وقال الشيخ (ره) : المرّاد بها عثرة الرّجل ، ويجوز أن يراد بها ما يعم عثرة اللسان أيضاً لكنه بعيد.

« ويشاك الشوكة » يقال : شاكته الشوكة تشوكه إذاً دخلت في جسده وانتصاب الشوكة بالمفعولية المطلقة كانتصاب الخدشة والنكبة والعثرة ، فإن قلت : تلك مصادر بخلاف الشوكة فكيف يكون مفعولا مطلقا؟ قلت : قد يجيء المفعول المطلق غير مصدر إذاً لابس المصدر بالآلية ونحوها ، نحو ضربته سوطا وإن أبيت فاجعل انتصابها بنزع الخافض أي يشاك بالشوكة.

أقول : وفي القاموس شاكته الشوكة دخلت في جسمه وشكته أنا أشوكه وأشكته أدخلتها في جسمه وشاك يشاك شاكة وشيكة بالكسر وقع في الشوك ، والشوكة خالطها وما أشاكه شوكة ولا شاكة بها ما أصابه ، انتهى.

فعلى بعض الوجوه يمكن أن يكون الشوكة مفعولاً ثانياً من غير تقدير ، وقال (ره) : وما أشبه هذا يحتمل أن يكون من كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن يكون من كلام الراوي.

أقول : الظاهر أنّه من كلام الصادقعليه‌السلام إلى آخر الخبر ، وضمير حديثه

٣٥٥

اختلاج العين.

٢٧ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام أيبتلى المؤمن بالجذام والبرص وأشباه هذا قال فقال وهل كتب البلاء إلّا على المؤمن.

٢٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عمن رواه ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليكرم على الله حتّى لو سأله الجنّة بما فيها

_________________________________________________

راجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالقدس‌سره : عدّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلاج العين من جملة الآفات لأن الاختلاج مرّض من الأمرّاض ، وقد ذكره الأطباء وهو حركة سريعة متواترة غير عادية يعرض لجزء من البدن كالجلد ونحوه بسبب رطوبة غليظة لزجة تنحل فتصير ريحاً بخاريّاً غليظاً يعسر خروجه من المسام ، وتزاول الدافعة دفعة فتقع بينهما مدافعة واضطراب.

الحديث السابع والعشرون : موثق كالصحيح.

« وهل كتب البلاء إلّا على المؤمن » أي غالباً.

الحديث الثامن والعشرون : حسن كالصحيح.

وكلمة لو في الموضعين شرطيّة امتناعيّة و « أعطاه » جزاء أي لو سأل المؤمن الجنّة أعطاه لكن لا يسأله ذلك لأنه يعلم عدم المصلحة في ذلك ، أو يحبّ الشركاء فيها ، ولا يطلب التفردّ مع أنّه يمكن أن يعطيه ما هو جنة بالفعل ، ويخلق أمثالها وأضعافها لغيره ، وإمّا الكافر فإنه أيضاً لا يسئل جميع الدنيا لأنه لا يؤمن بالله وسعة قدرته ، بل يعدّ ذلك ممتنعا ، وقيل : لأنه ممتنع أن يسئل الله لأنه سبحانه لا يدرك بالكنه ولا بالشخص ، بل معرفته منحصرة في أن يعرف بصفات الربوبية والكافر لا يعرفه كذلك وإليه يشير قوله تعالى : «أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذاً دَعانِ »(١) .

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٦.

٣٥٦

أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئاً وإن الكافر ليهون على الله حتّى لو سأله الدنيا بما فيها أعطاه ذلك من غير أن ينتقص من ملكه شيئاً وإن الله ليتعاهد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الغائب أهله بالطرف وإنّه ليحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المرّيض.

٢٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن في كتاب عليُّعليه‌السلام أن أشدّ النّاس بلاء النبيون ثمَّ الوصيون ثمَّ الأمثل فالأمثل وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة فمن صح دينه وحسن عمله اشتد بلاؤه وذلك أن الله عزّ وجلّ لم يجعل الدنيا ثواباً لمؤمن ولا

_________________________________________________

و « انتقص » يكون لازماً ومتعدّياً ، والمرّاد هنا الثّاني ، في القاموس : نقص لازم متعدّ وأنقصه وانتقصه ونقصه نقصه فانتقص ، وقيل : شيئاً ، قائم مقام المفعول المطلق في الموضعين بمعنى انتقاصا ، وفي المصباح : الطرفة ما يستطرف أي يستملح والجمع طرف ، مثل غرفة وغرف ، وفي القاموس : أطرف فلاناً أعطاه ما لم يعطه أحد قبله ، والاسم الطرفة بالضم.

الحديث التاسع والعشرون : حسن أو موثق.

« وذلك أن الله تعالى. ».

أقول : دفع لـمّا يتوهّم من أن المؤمن لكرامته على الله كان ينبغي أن يكون بلاؤه أقل ، والمعنى أن المؤمن لـمّا كان محلّ ثوابه الآخرة لأن الدنيا لفنائه وانقطاعه لا يصلح أن يكون ثواباً له فينبغي أن لا يكون له في الدنيا إلّا ما يوجب الثواب في الآخرة ، وكذا الكافر لـمّا كانت عقوبته في الآخرة لأن الدنيا لانقطاعها لا يصلح أن تكون عقوبته فيها فلا يبتلى في الدنيا كثيراً ، بل إنما يكون ثوابه لو كان له عمل في الدنيا بدفع البلاء والسعة في النعماء ، وفي القاموس : القرار والقرارة : ما قر فيه والمطمئن من الأرض ، شبهعليه‌السلام البلاء النازل إلى المؤمن بالمطر النازل

٣٥٧

عقوبة لكافر ، ومن سخف دينه وضعف عمله قلّ بلاؤه ، وأن البلاء أسرع إلى المؤمن التقي من المطر إلى قرار الأرض.

٣٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن مالك بن عطيّة ، عن يونس بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن هذا الّذي ظهر بوجهي - يزعم النّاس أن الله لم يبتل به عبداً له فيه حاجة قال فقال لي لقد كان مؤمن آل فرعون مكنع الأصابع فكان يقول هكذا - ويمد يديه - ويقول : «يا

_________________________________________________

إلى الأرض ، ووجه الشبه متعدد وهو السرعة ، والاستقرار بعدّ النزول وكثرة النفع والتسبب للحياة فإن البلاء للمؤمن سبب للحياة الأرضية.

الحديث الثلاثون : مجهول.

والظاهر أن الآثار الّتي ظهرت بوجهه كان برصا ، ويحتمل الجذام وعلى الأوّل ذكر المؤمن لبيان أنه إذاً جاز ابتلاء المؤمن بالجذام جاز ابتلاؤه بالبرص بطريق أولى ، لأن الجذام أشدّ وأخبث ، وإمّا ذكر مؤمن آل فرعون في هذا الخبر فلعله من اشتباه الرواة أو النساخ لأن الآية المذكورة إنما هي في قصة آل ياسين كما مرّ في هذا الباب أيضاً وربما يوجه بوجهين : أحدهما : أن المرّاد بالفرعون هنا فرعون عيسىعليه‌السلام وهو الجبّار الّذي كان بالأنطاكية حين وردّه رسل عيسىعليه‌السلام والفرعون يطلق على كل جبار متكبر ، نعم شاع إطلاقه على ثلاثة : فرعون الخليل واسمه سنان ، وفرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد ، وفرعون موسى واسمه الوليد بن مصعب ، وإضافته إلى آل فرعون عيسى بأدنى الملابسة وهو كونه فيهم واشتغاله بإنذارهم ، أو باعتبار كونه منهم في نفس الأمرّ ، وثانيهما : كونهما وأحداً وكان طويل العمر جدا ومع إدراكه زمان موسى أدرك زمان عيسىعليه‌السلام أيضاً ، مع أنّه كان بينهما على رواية ابن الجزري في التنقيح ألف وستمائة واثنتان وثلاثون سنة ، وكان اسمه حبيب النجار وكان يلقب بمؤمن آل ياسين كما مرّ

٣٥٨

قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمرّسَلِينَ » ثمَّ قال لي إذاً كان الثلث الأخير من الليل في أوله فتوض وقم إلى صلاتك الّتي تصليها فإذا كنت في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوّليين فقل وأنت ساجد - يا عليُّ يا عظيم يا رحمان يا رحيم يا سامع الدعوات يا معطي الخيرات صل على محمّد وآل محمّد وأعطني من خير الدنيا والآخرة ما أنت أهله واصرف عني من شر الدنيا والآخرة ما أنت أهله واذهب عني بهذا الوجع - وتسميه فإنه قد غاظني وأحزنني وألح في الدعاء قال فما وصلت إلى الكوفة

_________________________________________________

في الخبر.

وقال في القاموس خربيل كقنديل اسم مؤمن آل ياسين ، وقال عليُّ بن إبراهيم في قوله تعالى : «وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ »(١) قال : كتم إيمانه ستمائة سنة ، قال : وكان مجذوما مكنعا ، وهو الّذي قد وقعت أصابعه ، وكان يشير إلى قومه بيديه المكنوعين ويقول : «يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ » وفي بعض النسخ مكتعا وهو الّذي قد عقفت أصابعه ، وكان يشير بيديه المعقوفتين ويقول ، والعقف : العطف ، ولا يخفى بعدّ الوجهين لا سيما الأخير فإنه ينافيه أخبار كثيرة دالة على تعدد المؤمنين.

« إذاً كان الثلث » كان تامة ، وقيل : ناقصة واسمه ضمير مستتر راجع إلى العالم أو نحوه ، والثلث منصوب بالظرفية الزمانية بقرينة في أوله فإنه بدل الثلث والظرف خبر كان ، و « تسميه » كلام الإمامعليه‌السلام اعترض بين الدعاء ، أي وتسمى الوجع بأن تقول مكان هذا الوجع هذا البرص ، وفيه إشعار بأن الدعاء لا يخصّ البرص.

« وأحزنني » وفيما سيأتي في كتاب الدعاء حزنني وكلاهما صحيح ، يقال : حزنه وأحزنه والإلحاح : المداومة والمبالغة بالتضرع والتكرار والاستشفاع بالنبيّ والأئمّةعليهم‌السلام وأشباه ذلك ، قال في المصباح : ألح السحاب إلحاحا دام مطره ، و

__________________

(١) سورة غافر : ٢٨.

٣٥٩

حتّى أذهب الله به عنّي كلّه.

(باب)

(فضل فقراء المسلمين)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن محمّد بن سنان ، عن العلاء ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن فقراء المسلمين يتّقلبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفاً ثمَّ قال سأضربّ لك مثل ذلك إنما مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئاً فقال

_________________________________________________

منه ألح الرّجل على الشيء إذاً أقبل عليه مواظباً.

باب فضل فقراء المسلمين

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : تقلب في الأمور تصرف كيف شاء ، وقال في النهاية : فيه فقراء أمتي يدخلون الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، الخريف : الزمان المعروف من فصول السنّة ما بين الصيف والشتاء ، ويريد به أربعين سنة لأن الخريف لا يكون في السنّة إلّا مرّة واحدة ، فإذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة ، انتهى.

وروي في معاني الأخبار بإسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن عبداً مكث في النّار سبعين خريفاً ، والخريف سبعون سنة إلى آخر الخبر ، وفسرّه صاحب المعالم بأكثر من ذلك ، وفي بعض الروايات أنه ألف عام ، والعام ألف سنة ، وقيل : إن التفاوت بهذه المدة إذاً كان الأغنياء من أهل الصّلاح والسداد وأدوا الحقوق الواجبة ، ولم يكتسبوا من وجه الحرام ، فيكون حبسهم بمجرد خروجهم عن عهدة الحساب والسؤال عن مكسب المال ومخرجه ، وإلّا فهم على خطر عظيم.

« مرّ بهما » على بناء المجهول والباء للتعدية ، والظرف نائب الفاعل ، و

٣٦٠