مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 438

مرآة العقول

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف:

الصفحات: 438
المشاهدات: 12434
تحميل: 5922


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 438 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12434 / تحميل: 5922
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

فيقول رجل منهم يا رب إن أهل الدنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء ولبسوا الثياب اللينة وأكلوا الطعام وسكنوا الدور وركبوا المشهور من الدواب فأعطني مثل ما أعطيتهم فيقول تبارك وتعالى لك ولكل عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدنيا منذ كانت الدنيا إلى أن انقضت الدنيا سبعون ضعفا.

١٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن إسماعيل بن سهل وإسماعيل بن عباد جميعا يرفعانه إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيرا ولا كافر إلا غنيا حتى جاء إبراهيمعليه‌السلام فقال : «رَبَّنا

الرغبة في الشيء النفيس الجيد في نوعه ، ونافست في الشيء منافسة ونفاسا إذا رغبت فيه ، ونفس بالضم نفاسة أي صار مرغوبا فيه ونفست به بالكسر أي بخلت ونفست عليه الشيء نفاسة إذا لم تره له أهلا ، والمشهور من الدواب التي اشتهرت بالنفاسة والحسن ، في القاموس :المشهور المعروف المكان المذكور والنبيه ، وفي النهاية فيه : الضعف في المعاد ، أي مثلي الأجر ، يقال إن أعطيتني درهما فلك ضعفه ، أي درهمان ، وربما قالوا : فلك ضعفاه ، وقيل : ضعف الشيء مثله ، وضعفاه مثلاه وقال الأزهري : الضعف في كلام العرب المثل فما زاد ، وليس بمقصور على مثلين ، فأقل الضعف محصور في الواحد وأكثره غير محصور.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

«رَبَّنا لا تَجْعَلْنا » أقول : هذا تتمة قول إبراهيمعليه‌السلام حيث قال في سورة الممتحنة : «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » قال في مجمع

٣٦١

لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا » فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة.

١١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل موسر إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نقي الثوب فجلس إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب

البيان : معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا ببلاء من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق لما أصابهم هذا البلاء ، وقيل : معناه لا تسلطهم علينا فيفتنونا عن دينك ، وقيل : معناه ألطف لنا حتى نصبر على أذاهم ولا نتبعهم فنصير فتنة لهم ، وقيل : معناه اعصمنا من موالاة الكفار فإنا إذا واليناهم ظنوا إنا صوبناهم ، وقيل : معناه لا تخذلنا إذا حاربناهم فلو خذلتنا لقالوا لو كان هؤلاء على الحق لما خذلوا ، انتهى.

وأقول : المعنى المستفاد من الخبر قريب من المعنى الأول لأن الفقر أيضا بلاء يصير سببا لافتتان الكفار إما بأن يقولوا لو كان هؤلاء على الحق لما ابتلوا بعموم الفقر فيهم؟ أو بأن يفروا من الإسلام خوفا من الفقر « في هؤلاء أموالا وحاجة » أي صار بعضهم ذوي مال وبعضهم محتاجين مفتاقين ولا ينافي هذا كون الأموال في الكفار أو في غير الخلص من المؤمنين أكثر ، والفاقة في المؤمنين أو كملهم أكثر وأشد.

الحديث الحادي عشر : مرسل.

« فجلس إلى رسول الله » قال الشيخ البهائيقدس‌سره : إلى بمعنى مع ، كما قال بعض المفسرين في قوله تعالى : «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ »(١) أو بمعنى عند كما في قول الشاعر : « أشهى إلى من الرحيق السلسل »(٢) ويجوز أن يضمن جلس معنى توجه أو نحوه« درن الثوب » بفتح الدال وكسر الراء صفة مشبهة من الدرن

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٢.

(٢) عجز بيت لأبي كبير وصدره « أم لا سبيل إلى الشباب وذكره ».

٣٦٢

الموسر فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخفت أن يمسك من فقره شيء قال لا قال فخفت أن يصيبه من غناك شيء قال لا قال فخفت أن يوسخ ثيابك قال لا قال فما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن وقد جعلت له نصف مالي

بفتحهما وهو الوسخ.

وأقول : في المصباح : درن الثوب درنا فهو درن مثل وسخ وسخا فهو وسخ وزنا ومعنى« فقبض الموسر ثيابه » قيل : أي أطراف ثوبه« من تحت فخذيه » كان الظاهر إرجاع ضمير فخذيه إلى المعسر ، ولو كان راجعا إلى الموسر لما كان لجمع الطرف الآخر وجه إلا أن تكون لموافقة الطرف الآخر وفيه تكلفات أخر ، وقال الشيخ المتقدم (ره) : ضمير فخذيه يعود إلى الموسر ، أي جمع الموسر ثيابه وضمها تحت فخذي نفسه لئلا تلاصق ثياب المعسر ، ويحتمل عوده إلى المعسر ، ومن على الأول إما بمعنى في أو زائدة على القول بجواز زيادتها في الإثبات ، وعلى الثاني لابتداء الغاية ، والعود إلى الموسر أولى كما يرشد إليهقوله عليه‌السلام : فخفت أن يوسخ ثيابك ، لأن قولهعليه‌السلام فخفت أن يوسخ ثيابك الغرض منه مجرد التقريع للموسر ، كما هو الغرض من التقريعين السابقين أعني قوله خفت أن يمسك من فقره شيء خفت أن يصيبه من غناك شيء ، وهذه التقريعات الثلاث منخرطة في سلك واحد ، ولو كان ثياب الموسر تحت فخذي المعسر لأمكن أن يكون قبضها من تحت فخذيه خوفا من أن يوسخها.

أقول : ما ذكرهقدس‌سره وإن كان التقريع فيه أظهر وبالأولين أنسب لكن لا يصير هذا مجوزا لارتكاب بعض التكلفات إذ يمكن أن يكون التقريع لأن سراية الوسخ في الملاصقة في المدة القليلة نادرة ، أو لأن هذه مفسدة قليلة لا يحسن لأجلها ارتكاب إيذاء مؤمن.

« أن لي قرينا يزين لي كل قبيح » قال (ره) : أي إن لي شيطانا يغويني

٣٦٣

فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للمعسر أتقبل قال لا فقال له الرجل ولم قال أخاف أن يدخلني ما دخلك.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن علي بن محمد القاساني ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال في مناجاة موسىعليه‌السلام يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلا فقل مرحبا بشعار الصالحين وإذا رأيت الغنى

ويحول القبيح حسنا ، والحسن قبيحا ، وهذا الفعل الشنيع الذي صدر مني من جملة إغوائه لي.

أقول : ويمكن أيضا أن يراد بالقرين النفس الأمارة التي طغت وبغت بالمال أو المال أو الأعم كما قال تعالى : «إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى »(١) وقال في النهاية : ومنه الحديث ما من أحد إلا وكل به قرينه أي مصاحبه من الملائكة أو الشياطين وكل إنسان فإن معه قرينا منهما ، فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه ، وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه.

« وجعلت له نصف مالي » أي في مقابلة ما صدر مني إليه من كسر قلبه وزجر النفس عن العود إلى مثل هذه الزلة« قال أخاف أن يدخلني ما دخلك » أي مما ذكرت أو من الكبر والغرور والترفع على الناس واحتقارهم ، وسائر الأخلاق الذميمة التي من لوازم التمول والغنى.

الحديث الثاني عشر : ضعيف.

والشعار بالكسر ما ولى الجسد من الثياب لأنه يلي شعره ويستعار للصفات المختصة ، وفي حديث الأنصار : أنتم الشعار دون الدثار والشعار أيضا علامة يتعارفون بها في الحرب ، والفقر من خصائص الصالحين ،ومرحبا أي لقيت رحبا وسعة ، وقيل : معناه رحب الله بك مرحبا ، والقول كناية عن غاية الرضا والتسليم.

__________________

(١) سورة العلق : ٧.

٣٦٤

مقبلا فقل ذنب عجلت عقوبته.

١٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى للمساكين بالصبر وهم الذين يرون «مَلَكُوتَ

« ذنب عجلت عقوبته » أي أذنبت ذنبا صار سببا لأن أخرجني الله من أوليائه واتصفت بصفات أعدائه أو ابتلاني بالمشقة التي ابتلى بها أصحاب الأموال كما قال تعالى : «إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا »(١) وما قيل : من أن الذنب هو الغناء فهو بعيد جدا.

الحديث الثالث عشر : ضعيف على المشهور.

وقد مر تفسير طوبى ، وقوله : بالصبر ، الباء إما للسببية أي طوبى لهم بسبب الصبر ، أو للملابسة فيكون حالا عن المساكين ، ولا يبعد أن يقرأ المساكين بالتشديد للمبالغة ، أي المتمسكين كثيرا بالصبر ، ورؤية ملكوت السماوات والأرض مراتب يحصل لكل صنف منهم مرتبة يليق بهم ، فمنهم من يتفكر في خلق السماوات والأرض ، ونظام العالم فيعلم بذلك قدرته تعالى وحكمته وأنه لم يخلقها عبثا بل خلقها لأمر عظيم وهو عبادة الله سبحانه ومعرفته كما قال تعالى : «يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً »(٢) ومنهم من يتفكر في أن خالق السماوات والأرض لا يكون عاجزا ولا بخيلا فلم يفقرهم ويحوجهم إلا لمصلحة عظيمة فيصبر على بلاء الله ويرضى بقضائه وكان تفسير المساكين هنا بالأنبياء والأوصياء أظهر ، وقد ورد في بعض الأخبار تفسيره بهمعليهم‌السلام ، فإن المسكنة الخضوع والخشوع والتوسل بجناب الحق سبحانه والإعراض عن غيره ، قال في النهاية : قد تكرر في الحديث ذكر المساكين والمسكنة والتمسكن وكلها يدور معناها على

__________________

(١) سورة التوبة : ٥٥.

(٢) سورة آل عمران : ١٩١.

٣٦٥

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ».

١٤ ـ وبإسناده قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر المساكين طيبوا نفسا وأعطوا الله الرضا من قلوبكم يثبكم الله عز وجل على فقركم فإن لم تفعلوا فلا

الخضوع والذلة وقلة المال والحال السيئة ، واستكان إذا خضع ، والمسكنة فقر النفس وتمسكن إذا تشبه بالمساكين ، وهم جمع المسكين وهو الذي لا شيء له ، وقيل : هو الذي له بعض الشيء ، وقد تقع المسكنة على الضعف ، ومنه حديث قيلة [ قال لها ] صدقت المسكنة ، أراد الضعف ولم يرد الفقر ، وفيه : اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين ، أراد به التواضع والإخبات وأن لا يكون من الجبارين المتكبرين ، وفيه أنه قال للمصلي تبأس وتمسكن أي تذل وتخضع ، وهو تمفعل من السكون.

الحديث الرابع عشر : كالسابق.

و « نفسا » تميز ، ويدل على أن الثواب إنما هو على الرضا بالفقر لا على أصل الفقر وحمل على أصول المتكلمين وهي أن الثواب هو الجزاء الدائم في الآخرة وهو لا يكون إلا على الفعل الاختياري ،وأما ما يعطيه الله على الآلام التي يوردها على العبد في الدنيا بغير اختياره فإنما هو الجزاء المنقطع في الدنيا أو في الآخرة أيضا على قول بعضهم حيث جوزوا أن يكون انقطاعها على وجه لا يشعر به ، فلا يصير سببا لألمه ، ومنهم من جوز كون العوض دائما في الآخرة.

قال العلامة قدس الله روحه في الباب الحادي عشر : السادسة في أنه تعالى يجب عليه فعل عوض الآلام الصادرة عنه ومعنى العوض هو النفع المستحق الخالي عن التعظيم والإجلال ، وإلا لكان ظالما ، تعالى الله عن ذلك ، ويجب زيادته على الآلام وإلا لكان عبثا.

وقال بعض الأفاضل في شرحه : الألم الحاصل للحيوان إما أن يعلم فيه وجه من وجوه القبح فذلك يصدر عنا خاصة أو لا يعلم فيه ذلك فيكون حسنا ، وقد

٣٦٦

ثواب لكم.

ذكر لحسن الألم وجوه : الأول : كونه مستحقا ، الثاني : كونه مشتملا على النفع الزائد ، الثالث : كونه مشتملا على دفع الضرر الزائد عنه ، الرابع : كونه بمجرى العادة ، الخامس : كونه متصلا على وجه الدفع ، وذلك الحسن قد يكون صادرا عنه تعالى على وجه النفع فيجب فيه أمران : أحدهما العوض وإلا لكان ظالما تعالى الله عنه ، ويجب أن يكون زائدا على الألم إلى حد يرضى عنه كل عاقل لأنه يقبح في الشاهد إيلام شخص لتعويضه ألمه من غير زيادة لاشتماله على العبث ، وثانيهما اشتماله على اللطف إما للمتألم أو لغيره ، ليخرج عن العبث فأما ما كان صادرا عنا مما فيه وجه من وجوه القبح فيجب عليه تعالى الانتصاف للمتألم من المولم لعدله ، ولدلالة السمعية عليه ، ويكون العوض هنا مساويا للألم وإلا لكان ظلما.

وهنا فوائد : الأول : العوض هو النفع المستحق الخالي عن تعظيم وإجلال ، فبقيد المستحق خرج التفضل وبقيد الخلو عن تعظيم خرج الثواب ، الثاني : لا يجب دوام العوض لأنه يحسن في الشاهد ركوب الأهوال العظيمة لنفع منقطع قليل ، الثالث : العوض لا يجب حصوله في الدنيا لجواز أن يعلم الله تعالى المصلحة في تأخره بل قد يكون حاصلا في الدنيا وقد لا يكون ، الرابع : الذي يصل إليه عوض ألمه في الآخرة إما أن يكون من أهل الثواب أو من أهل العقاب ، فإن كان من أهل الثواب فكيفية إيصال أعواضه إليه بأن يفرقها الله على الأوقات أو يتفضل الله عليه بمثلها ، وإن كان من أهل العقاب أسقط بها جزءا من عقابه ، بحيث لا يظهر له التخفيف بأن يفرق القدر على الأوقات ، الخامس : الألم الصادر عنا بأمره أو إباحته والصادر عن غير العاقل كالعجماوات وكذا ما يصدر عنه تعالى من تفويت المنفعة لمصلحة الغير وإنزال الغموم الحاصلة من غير فعل العبد عوض ذلك كله على الله تعالى لعدله وكرمه.

وأقول : كون أعواض الآلام الغير الاختيارية منقطعة ، مما لم يدل عليه برهان قاطع ، وبعض الروايات تدل على خلافه ، كالروايات الدالة على أن حمى ليلة تعدل

٣٦٧

١٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عيسى الفراء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إذا كان يوم القيامة أمر الله تبارك وتعالى مناديا ينادي بين يديه أين الفقراء فيقوم عنق من الناس كثير فيقول عبادي فيقولون لبيك ربنا فيقول إني لم أفقركم لهوان بكم علي ولكني إنما اخترتكم لمثل هذا اليوم تصفحوا وجوه الناس فمن صنع إليكم معروفا لم يصنعه إلا في فكافوه عني بالجنة.

عبادة سنة ، وأن من مات له ولد يدخله الله الجنة صبر أم لم يصبر ، جزع أم لم يجزع ، وأن من سلب الله كريمتيه وجبت له الجنة ، وأمثال ذلك كثيرة وإن أمكن تأويل بعضها مع الحاجة إليه ، وقيل للفقير ثلاثة أحوال : أحدها : الرضا بالفقر والفرح به وهو شأن الأوصياء ، وثانيها : الرضا به دون الفرح وله أيضا ثواب دون الأول ، وثالثها : عدم الرضا به والكراهة في القسمة ، وهذا مما لا ثواب له أصلا وهو كلام على التشهي.

الحديث الخامس عشر : مجهول.

و « كان » تحتمل التامة والناقصة كما مر« بين يديه » أي قدام عرشه وقيل : أي يصل نداوة إلى كل أحد كما أنه حاضر عند كل أحد ، وفي النهاية فيه : يخرج عنق من النار أي طائفة ، وقال :عنق من الناس أي جماعة« لهوان بكم علي » أي لمذلة وهوان علي كان بكم« ولكن إنما اخترتكم » أي اصطفيتكم« لمثل هذا اليوم » أي لهذا اليوم فكلمة مثل زائدة نحو قولهم مثلك لا يبخل ، أو لهذا اليوم ومثله لا يثبكم ، قال في المصباح :المثل يستعمل على ثلاثة أوجه بمعنى التشبيه ، وبمعنى نفس الشيء ، وزائدة ، وقال :صفحت الكتاب قلبت صفحاته ، وهي وجوه الأوراق وتصفحته كذلك ، وصفحت القوم صفحا رأيت صفحات وجوههم« لم يصنعه إلا في » الجملة جزاء الشرط أو صفةلقوله : معروفا ، أي معروفا يكون خالصا لي ، والأول أظهر ، ويومئ إليه قوله : فكافوه عني.

٣٦٨

١٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم الحذاء ، عن محمد بن صغير ، عن جده شعيب ، عن مفضل قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لو لا إلحاح هذه الشيعة على الله في طلب الرزق لنقلهم من الحال التي هم فيها إلى ما هو أضيق منها.

١٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن محمد بن الحسين بن كثير الخزاز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي أما تدخل السوق أما ترى الفاكهة تباع والشيء مما تشتهيه فقلت بلى فقال أما إن لك بكل ما تراه فلا تقدر على شرائه حسنة.

١٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن علي بن عفان ، عن مفضل بن عمر ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله جل ثناؤه ليعتذر إلى عبده المؤمن المحوج في الدنيا كما يعتذر الأخ إلى أخيه فيقول وعزتي

الحديث السادس عشر : ضعيف.

« هذه الشيعة » أي الإمامية فإن الشيعة أعم منهم أو إشارة إلى غير الخلص منهم ، فإنهم لا يلحون ، وكان الإشارة على الأول لبيان الاختصاص ، وعلى الثاني للتحقير.

الحديث السابع عشر : مجهول.

« والشيء مما تشتهيه » أي من غير الفاكهة أعم من المال والملبوس وغيرهما ، والظاهر من الحسنة المثوبة الأخروية ، وحمل على العوض أو على أن الحسنة للصبر والرضا بالقضاء على الأصل المتقدم.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

« ليعتذر » كأنه مجاز كما يومئ إليه ما مر في التاسع شبيها بالمعتذر و« المحوج » يحتمل كسر الواو وفتحها ، في المصباح : أحوج وزان أكرم من الحاجة ويستعمل

٣٦٩

وجلالي ما أحوجتك في الدنيا من هوان كان بك علي فارفع هذا السجف فانظر إلى ما عوضتك من الدنيا قال فيرفع فيقول ما ضرني ما منعتني مع ما عوضتني.

١٩ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنة فيضربوا باب الجنة فيقال لهم من أنتم فيقولون نحن الفقراء فيقال لهم أقبل الحساب ـ فيقولون ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه فيقول الله عز وجل صدقوا ادخلوا الجنة

أيضا متعديا يقال أحوجه الله إلى كذا ، وفي القاموسالسجف ويكسر وككتاب الستر« ما ضرني » ما نافية« ما منعتني » ما مصدرية« مع ما عوضتني » ما موصولة وتحتمل المصدرية أيضا.

الحديث التاسع عشر : حسن كالصحيح.

« أقبل الحساب » أي أتدخلون الجنة قبل الحساب؟ على التعجب أو الإنكار« ما أعطيتمونا » أي ما أعطانا الله شيئا وإضافته إلى الملائكة لأنهم مقربو جنابه بمنزلة وكلائه« تحاسبونا » قيل : يجوز فيه تشديد النون كما قرأ في سورة الزمر «تَأْمُرُونِّي » بالتخفيف وبالتشديد وبالنونين ، والمخاطب في« صدقوا » الملائكة وفي أدخلوا الفقراء إذا قرأ على بناء المجرد كما هو الظاهر ، وأمرهم بالدخول يستلزم أمر الملائكة بفتح الباب ، ويمكن أن يقرأ على بناء الأفعال ، فالمخاطب الملائكة أيضا ، وقيل : هو من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم أي افتحوا الباب ولذا حذف المفعول ، بناء على أن فتح الباب سبب لدخول كل من يستحقه وإن كان الباعث الفقراء ، وكان هذا مبني على ما سيأتي من أن الله تعالى لا يحاسب المؤمنين على ما أكلوا ولبسوا ونكحوا وأمثال ذلك في الدنيا إذا كان من حلال.

٣٧٠

٢٠ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن مبارك غلام شعيب قال سمعت أبا الحسن موسىعليه‌السلام يقول إن الله عز وجل يقول إني لم أغن الغني لكرامة به علي ولم أفقر الفقير لهوان به علي وهو مما ابتليت به الأغنياء بالفقراء ولو لا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنة.

٢١ ـ علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن إسحاق بن عيسى ، عن إسحاق بن عمار والمفضل بن عمر قالا قال أبو عبد اللهعليه‌السلام مياسير شيعتنا أمناؤنا على محاويجهم فاحفظونا فيهم يحفظكم الله.

الحديث العشرون : مجهول.

« وهو مما ابتليت به الأغنياء » كان ضمير هو راجع إلى التفاوت المفهوم من الكلام السابق.

أقول : إذا كان من للتبعيض يدل على أن ابتلاء الناس بعضهم ببعض يكون على وجوه شتى : منها ابتلاؤهم بالفقر والغناء ويحتمل أن يكون من للتعليل« ولو لا الفقراء » كان المعنى أن عمدة عبادة الأغنياء إعانة الفقراء أو أنه يلزم الغناء أحوال لا يمكن تداركها إلا برعاية الفقراء فتأمل.

الحديث الحادي والعشرون : كالسابق.

والمياسير والمحاويج جمعا الموسر والمحوج ، لكن على غير القياس لأن القياس جمع مفعال على مفاعيل قال الفيروزآبادي : أيسر إيسارا ويسرا صار ذا غنى فهو موسر ، والجمع مياسير. وقال صاحب مصباح اللغة : أحوج وزان أكرم من الحاجة فهو محوج ، وقياس جمعه بالواو والنون لأنه صفة عاقل ، والناس يقولون محاويج مثل مفاطير ومفاليس ، وبعضهم ينكره ويقول غير مسموع ، انتهى.

وأقول : وروده في الحديث يدل على مجيئه لكن قال بعضهم إنهما جمعا ميسار ومحواج اسمي آلة استعملا في الموسر والمحوج للمبالغة« أمناؤنا على محاويجهم »

٣٧١

٢٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام الفقر أزين للمؤمن من العذار على خد الفرس.

كونهم أمناءهمعليهم‌السلام إما مبني على ما مر في آخر كتاب الحجة أن الأموال كلها للإمام وإنما رخص لشيعتهم التصرف فيها فتصرفهم مشروط برعاية فقراء الشيعة وضعفائهم ، أو على أنهم خلفاء الله ويلزمهم أخذ حقوق الله من الأغنياء وصرفها في مصارفها ، ولما لم يمكنهم في أزمنة التقية والغيبة أخذها منهم وصرفها في مصارفها وأمروا الأغنياء بذلك فهم أمناؤهمعليهم‌السلام ، أو على أنه لما كان الخمس وسائر أموالهم من الفيء والأنفال بأيديهم ولم يمكنهم إيصالها إليهمعليهم‌السلام فهم أمناؤهم في إيصال ذلك إلى فقراء الشيعة ، فيدل على وجوب صرف حصة الإمام من الخمس وميراث من لا وارث له وغير ذلك من أموال الإمام إلى فقراء الشيعة ولا يخلو من قوة ، والأحوط صرفها إلى الفقيه المحدث العادل ليصرفها في مصارفها نيابة عنهمعليهم‌السلام ، والله يعلم.

« فاحفظونا فيهم » أي ارعوا حقنا فيهم لكونهم شيعتنا وبمنزلة عيالنا« يحفظكم الله » أي ليحفظكم الله في أنفسكم وأموالكم في الدنيا ومن عذابه في الآخرة ، ويحتمل أن تكون جملة دعائية ، وقيل : يدل على أن الأغنياء إذا لم يراعوا الفقراء سلبت عنهم النعمة لأنه إذا ظهرت الخيانة من الأمين يؤخذ ما في يده كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن لله تعالى عبادا يخصهم بالنعم لمنافع العباد فيقرها في أيديهم ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم ثم حولها إلى غيرهم.

الحديث الثاني والعشرون : حسن كالصحيح.

« أزين للمؤمن » اللام للتعدية وفي النهاية فيه : الفقر أزين للمؤمن من عذار حسن على خد فرس ،العذاران من الفرس كالعارضين من وجه الإنسان ثم سمي به

٣٧٢

٢٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن غالب ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال سألت علي بن الحسينعليه‌السلام عن قول الله عز وجل : «وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً »(١) قال عنى بذلك أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكونوا على دين واحد ـ كفارا كلهم «لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ » ولو فعل الله ذلك بأمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله لحزن المؤمنون وغمهم ذلك ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم.

السير الذي يكون عليه من اللجام عذارا باسم موضعه ، انتهى.

وأقول : يمكن أن يقال لتكميل التشبيه أن الفقر يمنع الإنسان من الطغيان كما يمنع اللجام الفرس عن العصيان.

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف على المشهور.

وقد مر تفسير الآية وأما تأويلهعليه‌السلام فلعل المعنى أن المرادبالناس أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته بقرينة المضارع في يكون ويكفر ، والمرادبمن يكفر بالرحمن المخالفون المنكرون للإمامة والنص على الإمام ، ولذا عبر بالرحمن إشعارا بأن رحمانية الله يقتضي عدم إهمالهم في أمور دينهم ، أو المراد أن المنكر للإمام كافر برحمانية الملك العلام ، والحاصل أنه لو لا أنه كان يصير سببا لكفر المؤمنين لحزنهم وغمهم وانكسار قلبهم فيستولي عليهم الشيطان فيكفرون ويلحقون بالمخالفين إلا شاذ منهم لا يكفي وجودهم لنصرة الإمام أو يهلكون غما وحزنا ، وأيضا لو كان جميع المخالفين بهذه الدرجة من الغناء والثروة ، وجميع المؤمنين في غاية الفقر والمهانة والمذلة« لم يناكحوهم » أي المخالفون المؤمنين بأن يعطوهم بناتهم أو يأخذوا منهم بناتهم ، فلم يكن يحصل بينهم نسب يصير سببا للتوارث فبذلك ينقطع نسل المؤمنين ويصير سببا لانقراضهم ، أو لمزيد غمهم الموجب لارتدادهم ، وبتلك الأسباب

__________________

(١) سورة الزخرف : ٣٣.

٣٧٣

(باب)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبان بن عبد الملك قال حدثني بكر الأرقط ، عن أبي عبد الله أو ، عن شعيب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه دخل عليه واحد فقال أصلحك الله إني رجل منقطع إليكم بمودتي وقد أصابتني

يصير أمة محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلهم كفرة ومخالفين ، فيكونوا أمة واحدة كفرة إما مطلقا أو إلا من شذ منهم ممن محض الإيمان محضا فعبر بالناس عن الأكثرين لقلة المؤمنين فكأنهم ليسوا منهم ، فالمراد بالأمة فيقوله : « عنى بذلك أمة محمد » أعم من أمة الدعوة والإجابة قاطبة أو الأعم من المؤمنين والمنافقين والمخالفين ، وذلك إشارة إلى الناس ، والمراد بالأمة فيقوله : ولو فعل الله ذلك بأمة محمد ، المنافقون والمخالفون. أو الأعم منهم ومن سائر الكفار ، والأول أظهر بقرينة ولم يناكحوهم ، فإن غيرهم من الكفار لا يناكحون الآن أيضا ، والضمير المرفوع راجع إلى المخالفين ، والمنصوب إلى المؤمنين ، وكذا ولم يوارثوهم.

باب

إنما جعله بابا آخر ولم يعنونه لأن إخباره مناسبة للباب الأول لكن بينهما فرق ، فإن الباب الأول كان معقودا لفضل الفقر والخبران المذكوران في هذا الباب يظهر منهما الفرق بين الفقر الممدوح والمذموم ، وقيل : لأن أخبار الباب السابق كانت تدل على مدح الفقراء منطوقا ، وهذان يدلان عليه مفهوما وكان ما ذكرنا أظهر.

الحديث الأول : ضعيف.

« أصلحك الله » مشتمل على سوء أدب إلا أن يكون المراد إصلاح أحوالهم في الدنيا وتمكينهم في الأرض ودفع أعدائهم أو أنه جرى ذلك على لسانهم لا لفهم به فيما

٣٧٤

حاجة شديدة وقد تقربت بذلك إلى أهل بيتي وقومي فلم يزدني بذلك منهم إلا بعدا قال فما آتاك الله خير مما أخذ منك قال جعلت فداك ادع الله لي أن يغنيني عن خلقه قال إن الله قسم رزق من شاء على يدي من شاء ولكن سل الله أن يغنيك عن الحاجة التي تضطرك إلى لئام خلقه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط عمن ذكره

يجري بينهم من غير تحقيق لمعناه ومورده« إني رجل منقطع إليكم » كأنه ضمن الانقطاع معنى التوجه أي منقطع عن الخلق متوجها إليكم بسبب مودتي لكم أو مودتي مختصة بكم« وقد تقربت بذلك » الإشارة إما إلى مصدر أصابتني أو إلى الحاجة ، والمستتر فيقوله : فلم يزدني راجع إلى مصدر تقربت ، ومرجع الإشارة ما تقدم ، وقوله : إلا بعدا ، استثناء مفرغ وهو مفعول لم يزدني أي لم يزدني التقرب منهم بسبب فقري شيئا إلا بعدا منهم« فما آتاك الله » قيل : الفاء للتفريع على قوله إني رجل منقطع إليكم ، فقوله ما أتاك الله المودة ، وقيل : هو الفقر والأول أظهر« مما أخذ منك » أي المال« إلى لئام خلقه » اللئام جمع اللئيم ، وفي المصباح : لؤم بضم الهمزة لؤما فهو لئيم ، يقال ذلك للشحيح والدنيء النفس والمهين ونحوهم ، لأن اللؤم ضد الكرم ، ويومئ الحديث إلى أن الفقر المذموم ما يصير سببا لذلك ، وغيره ممدوح ، وذمة لأن اللئيم لا يقضي حاجة أحد وربما يلومه في رفع الحاجة إليه ، وإذا قضاه لا يخلو من منة ، ويمكن أن يشمل الظالم والفاسق المعلن بفسقه ، وفي كثير من الأدعية : اللهم لا تجعل لظالم ولا فاسق علي يدا ولا منة وذلك لأن القلب مجبول على حب من أحسن إليه ، وفي حب الظالم معاصي كثيرة كما قال تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ »(١) .

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

__________________

(١) سورة هود : ١١٣.

٣٧٥

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الفقر الموت الأحمر فقلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام الفقر من الدينار والدرهم فقال لا ولكن من الدين.

وقال في النهاية : وفيه لو تعلمون ما في هذه الأمة من الموت الأحمر يعني القتل لما فيه من حمرة الدم أو لشدته يقال :موت أحمر أي شديد ، ومنه حديث عليعليه‌السلام كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله ، أي إذا اشتدت الحرب استقبلنا العدو به وجعلناه لنا وقاية ، وقيل : أراد إذا اضطرمت نار الحرب وتسعرت كما يقال في الشر بين القوم اضطرمت نارهم تشبيها بحمرة النار ، وكثيرا ما يطلقون الحمرة على الشدة.

« ولكن من الدين » نظيره قول أمير المؤمنينعليه‌السلام الفقر والغنى بعد العرض على الله ، والمعنى أنهما يظهران بعد الحساب ، وهو ما أشار إليه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : أتدرون ما المفلس؟ فقالوا : المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع له ، فقال : المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ، بل قد يقال أن المفلس حقيقة هو هذا ، ويحتمل أن يراد بقولهعليه‌السلام : ولكن من الدين الفقر القلبي وضده الغنى القلبي فالفقير على هذا من ليس له في الدين معرفة وعلم بأحكامه ، ولا تقوى ولا ورع وغيرها من الصفات الحسنة كذا قيل.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى : الذي يضر بالدين ولا يصبر عليه ويتوسل بالظالمين والفاسقين كما مر.

٣٧٦

(باب)

(أن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك والشيطان)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من قلب إلا وله أذنان على إحداهما ملك مرشد وعلى الأخرى شيطان مفتن هذا يأمره وهذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها

باب أن للقلب أذنين ينفث فيهما الملك والشيطان

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

اعلم أن معرفة القلب وحقيقته وصفاته مما خفي على أكثر الخلق ولم يبين أئمتناعليهم‌السلام ذلك إلا بكنايات وإشارات ، والأحوط لنا أن نكتفي من ذلك بما بينوه لنا من صلاحه وفساده وآفاته ودرجاته ، ونسعى في تكميل هذه الخلقة العجيبة واللطيفة الربانية وتهذيبها عن الصفات الذميمة الشيطانية وتحليتها بالأخلاق الملكية الروحانية لنستعد بذلك للعروج إلى أعلى مدارج الكمال وإفاضة المعارف من حضرة ذي الجلال ، ولا يتوقف ذلك على معرفة حقيقة القلب ابتداء فإنه لو كان متوقفا على ذلك لأوضح موالينا وأئمتناعليهم‌السلام لنا ذلك بأوضح البيان وحيث لم يبينوا ذلك لنا فالأحوط بنا أن نسكت عما سكت عنه الكريم المنان.

لكن نذكر هنا بعض ما قيل في هذا المقام ونكتفي بذلك والله المستعان.

فاعلم أن المشهور بين الحكماء ومن يسلك مسلكهم أن المراد بالقلب النفس الناطقة وهي جوهر روحاني متوسط بين العالم الروحاني الصرف والعالم الجسماني يفعل فيما دونه وينفعل عما فوقه ، وإثبات الأذن له على الاستعارة والتشبيه ، قال بعض المحققين : القلب شرف الإنسان وفضيلته التي بها فاق جملة من أصناف الخلق باستعداده لمعرفة الله سبحانه ، التي في الدنيا جماله وكماله وفخره ، وفي الآخرة عدته

٣٧٧

وهو قول الله عز وجل «عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ »(١) .

وذخره ، وإنما استعد للمعرفة بقلبه لا بجارحة من جوارحه ، فالقلب هو العالم بالله ، وهو عامل لله وهو الساعي إلى الله وهو المتقرب إليه ، وإنما الجوارح أتباع له وخدم وآلات يستخدمها القلب ، ويستعملها استعمال الملك للعبيد واستخدام الراعي للرعية ، والصانع للآلة ، والقلب هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله ، وهو المحجوب عن الله إذا صار مستغرقا بغير الله ، وهو المطالب والمخاطب وهو المثاب والمعاقب وهو الذي يستسعد بالقرب من الله تعالى فيفلح إذا زكاه ، وهو الذي يخيب ويشقي إذا دنسه ودساه ، وهو المطيع لله بالحقيقة.

وإنما الذي ينتشر على الجوارح من العبادات أنواره وهو المعاصي المتمرد على الله ، وإنما الساري على الأعضاء من الفواحش آثاره وبإظلامه واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساويه ، إذ كل إناء يترشح بما فيه ، وهو الذي إذا عرفه الإنسان فقد عرف نفسه ، وإذا عرف نفسه فقد عرف ربه ، وهو الذي إذا جهله الإنسان فقد جهل نفسه ، وإذا جهل نفسه فقد جهل ربه ، ومن جهل بقلبه فهو بغيره أجهل.

وأكثر الخلق جاهلون بقلوبهم وأنفسهم وقد حيل بينهم وبين أنفسهم ، فإن الله يحول بين المرء وقلبه ، وحيلولته بأن لا يوفقه لمشاهدته ومراقبته ومعرفة صفاته وكيفية تقلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ، وأنه كيف يهوي مرة إلى أسفل السافلين وينخفض إلى أفق الشياطين وكيف يرتفع أخرى إلى أعلى عليين ، ويرتقي إلى عالم الملائكة المقربين ، ومن لم يعرف قلبه ليراقبه ويراعيه ويترصد ما يلوح من خزائن الملكوت عليه وفيه فهو ممن قال الله تعالى فيه : «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ »(٢) فمعرفة القلب وحقيقة

__________________

(١) سورة ق : ١٨.

(٢) سورة الحشر : ١٩.

٣٧٨

أوصافه أصل الدين وأساس طريق السالكين.

فإذا عرفت ذلك فاعلم أن النفس والروح والقلب والعقل ألفاظ متقاربة المعاني فالقلب يطلق لمعنيين أحدهما اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، وهو لحم مخصوص وفي باطنه تجويف ، وفي ذلك التجويف دم أسود وهو منبع الروح ومعدنه ، وهذا القلب موجود للبهائم بل هو موجود للميت ، والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق ، وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته فإن تعلقها به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان ، وتحقيقه يقتضي إفشاء سر الروح ولم يتكلم فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليس لغيره أن يتكلم فيه.

والروح أيضا يطلق على معنيين أحدهما جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجسماني ، وينتشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن ، وجريانها في البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والسمع والبصر والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا الدار ، فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به فالحياة مثالها النور الحاصل في الحيطان ، والروح مثالها السراج ، وسريان الروح وحركتها في الباطن مثاله مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه ، والأطباء إذا أطلقوا اسم الروح أرادوا به هذا المعنى ، وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب.

والمعنى الثاني هو اللطيفة الربانية العالمة المدركة من الإنسان ، وهو الذي شرحناه في أحد معنيي القلب ، وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي »(١) وهو أمر عجيب رباني يعجز أكثر العقول و

__________________

(١) سورة الإسراء : ٨٥.

٣٧٩

الأفهام عن درك كنه حقيقته.

والنفس أيضا مشترك بين معاني ، وما يتعلق بغرضنا منه معنيان : أحدهما : أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان ، وهذا الاستعمال هو الغالب على الصوفية ، لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فيقولون لا بد من مجاهدة النفس وكسرها ، وإليه الإشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ، المعنى الثاني : هو اللطيفة التي ذكرناها ، التي هو الإنسان في الحقيقة ، وهي نفس الإنسان وذاته ، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها ، فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة ، قال تعالى : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً »(١) فالنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله فإنها مبعدة عن الله تعالى ، وهو من حزب الشيطان ، وإذا لم يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية ومعترضة عليها سميت النفس اللوامة ، لأنها تلوم صاحبها عند تقصيره في عبادة مولاها ، قال الله تعالى : «وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ »(٢) وإن تركت الاعتراض وأذعنت وأطاعت مقتضى الشهوات ودواعي الشيطان ، سميت النفس الأمارة بالسوء قال الله تعالى إخبارا عن يوسفعليه‌السلام : «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ »(٣) وقد يجوز أن يقال : الأمارة بالسوء هي النفس بالمعنى الأول.

فإذن النفس بالمعنى الأول مذمومة غاية الذم وبالمعنى الثاني محمودة لأنها نفس الإنسان أي ذاته وحقيقته العالمة بالله تعالى وبسائر المعلومات.

والعقل أيضا مشتركة لمعان مختلفة ، والمناسب هنا معنيان : أحدهما : العلم بحقائق الأمور أي صفة العلم الذي محله القلب ، والثاني أنه قد يطلق ويراد به

__________________

(١) سورة الفجر : ٢٨.

(٢) سورة القيامة : ٢.

(٣) سورة يوسف : ٥٣.

٣٨٠