مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21936
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21936 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً ، رحم الله امرّأهمَّ بخير فعمله أو همَّ بشرّ فارتدع عنه ثمَّ قال : نحن نؤيّد الرُّوح بالطاعة لله والعمل له.

(باب الذنوب)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام يقول ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة ، إنَّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصيّر أعلاه

_________________________________________________

به مثل ضننت به لنفاسته وزناً ومعنى ، والثمين : العظيم الثمن ، والمرّاد بهما هنا الجنّة ودرجاتها العالية ، والسعادة الباقية « هم بخير » أي أراده وقصده « فارتدع عنه » أي انزجر عنه وتركه و « نحن نؤيد الرّوح » أي نقوّيه ، وفي بعض النسخ نزيد ، فيرجع إلى التأييد أيضاً فانّه يتّقوى بالطاعة كأنّه يزيد.

باب الذنوب

أي غوائلها وتبعاتها وآثارها.

الحديث الأول : ضعيف.

« أفسد للقلب من خطيئة » فإن قلت : ما يفسد القلب فهو خطيئة فما معنى التفضيل؟ قلت : لا نسلم ذلك فإن كثيراً من المباحات تفسد القلب بل بعض الأمرّاض والآلام والأحزان والهموم ، والوساوس أيضاً تفسدها وإن لم تكن ممّا تستحقّ عليه العذاب ، وهي أعمّ من الخطايا الظاهرة إذ للظاهر تأثير في الباطن ، بل عند المتكلّمين الواجبات البدنيّة لطف في الطاعات القلبيّة ، ومن الخطايا القلبيّة كالعقائد الفاسدة بالمعصية والصفات الذميمة كالحقد والحسد والعجب وأمثالها.

« ليواقع الخطيئة » أي يباشرها ويخالطها ويرتكبها خطيئة بعدّ خطيئة ، أو يقاتل ويدافع الخطيئة الواحدة أو جنس الخطيئة « فما تزال به » هو من الأفعال

٤٠١

أسفله.

_________________________________________________

الناقصة واسمه الضمير الراجع إلى الخطيئة و « به » خبره أي متلبّساً به ، وقيل : متعلّق بفعل محذوف أي تفعل به ، والمرّاد إمّا جنس الخطيئة أو الخطيئة المخصوصة الّتي ارتكبها ولم يتب منها ، فتؤثر في القلب بحلاوتها حتّى تغلب على القلب بالرين والطبع ، أو يدافعها ويحاربها فتغلب عليه حتّى يرتكبها لعدم قلع مواد الشهوات عن قلبه على الاحتمال الثاني.

« فيصير أعلاه أسفله » أي يصير منكوساً كالإناء المقلوب المكبوب ، لا يستقر فيه شيء من الحقّ ولا يؤثر فيه شيء من المواعظ كما سيأتي في باب ظلمة قلب المنافق : القلوب ثلاثة ، قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير ، وهو قلب الكافر « الخبر ».

والحاصل أن الخطيئة تلتبس بالقلب وتؤثر فيه حتّى تصيره مقلوباً لا يستقر فيه شيء من الخير بمنزلة الكافر ، فإن الإصرار على المعاصي طريق إلى الكفر كما قال سبحانه : «ثمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ »(١) وهذا أظهر الوجوه المذكورة في تلك الآية وهذا الّذي خطر بالبال أظهر الأقوال من جهة الأخبار.

وقيل : فيه وجوه أخر « الأوّل » ما ذكره بعض المحقّقين : يعني فما تزال تفعل تلك الخطيئة بالقلب وتؤثر فيه بحلاوتها حتّى تجعل وجهه الّذي إلى جانب الحقّ والآخرة إلى جانب الباطل والدنيا ، الثّاني : أن المعنى ما تزال تفعل وتؤثر في القلب بميله إلى أمثالها من المعاصي حتّى تنقلب أحواله ويتزلزل ويرتفع نظامه ، وحاصله يرجع إلى ما ذكرنا لكن الفرق بين ، الثالث : ما قيل : فلا تزال به حتّى تغلب عليه ، فإن لم ترفع بالتوبة الخالصة فتصير أعلاه أسفله أي تكدره وتسوده لأن الأعلى صاف والأسفل دردي من باب التمثيل.

__________________

(١) سورة الروم : ٤٠.

٤٠٢

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عبد الله بن مسكان عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّار »(١) فقال ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النّار.

_________________________________________________

الحديث الثاني : مرسل.

والآية في سورة البقرة هكذا : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمنّا قليلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلّا النّار وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ، أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّار » وذكر البيضاوي قريباًممّا وردّ في الخبر ، قال تعجب من حالهم في الالتباس بموجبات النّار من غير مبالاة « ما » تامة مرّفوعة بالابتداء ، وتخصيصها كتخصيص « شر أهر ذا ناب » أو استفهامية وما بعدها الخبر ، أو موصولة وما بعدها صلة والخبر محذوف.

وأقول : يعضدّه قوله تعالى في الآية السابقة : «ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إلّا النّار » وقال البيضاوي فيه : إمّا في الحال لأنهم أكلوا ما يلتبس بالنّار لكونها عقوبة عليه ، فكأنهم أكلوا النّار ، أو في المال أي لا يأكلون يوم القيامة إلّا النّار : انتهى.

وأقول : مثله قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قوموا إلى نيرانكم الّتي أوقدتموها على ظهوركم فأطفئوها بصلاتكم.

وقال الطبرسي (ره) فيه أقوال : أحدها : أن معناه ما أجرأهمّ على النّار ، ذهب إليه الحسن وقتادة ، ورواه عليُّ بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد اللهعليه‌السلام والثّاني : ما أعملهم بأعمال أهل النّار عن مجاهد وهو المرّوي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام والثالث : ما أبقأهمّ على النّار ، كما يقال : ما أصبر فلاناً على الحبس عن الزجاج ، والرابع : ما أدومهم على النّار أي ما أدومهم على عمل أهل النّار كما يقال ما أشبه سخاك بحاتم ، أي بسخاء حاتم ، وعلى هذه الوجوه فظاهر الكلّ ام التعجب والتعجب

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٥.

٤٠٣

٣ - عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إمّا إنه ليس من عرق يضربّ ولا نكبة ولا صداع ولا مرّض إلّا بذنب وذلك قول الله عزّ وجلّ في كتابه : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ

_________________________________________________

لا يجوز على القديم سبحانه ، لأنّه عالم بجميع الأشياء لا يخفى عليه شيء والتعجب إنما يكون ممّا لا يعرف سببه ، وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفّار حلوا محلّ من يتعجب منه ، فهو تعجيب لنا منهم ، والخامس : ما روي عن ابن عباس أن المرّاد أي شيء أصبرهم على النّار أي حبسهم عليها ، فيكون للاستفهام ، ويجوز حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة على الاستفهام أيضاً ، فيكون المعنى أي شيء أجرأهمّ على النّار وأبقأهمّ على النار؟ وقال الكسائي : هو استفهام على وجه التعجب ، وقال المبردّ : هذا حسن لأنّه كالتوبيخ لهم والتعجيب لنا ، كما يقال لمن وقع في ورطة ما اضطرك إلى هذا؟ إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها ، والمرّاد به الإنكار والتقريع على اكتساب سبب الهلاك ، وتعجيب الغير منه ، ومن قال معناه ما أجرأهمّ على النّار فإنه عنده من الصبر الّذي هو الحبس أيضاً ، لأن بالجرأة يصبر على الشدة.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

والنكبة وقوع الرّجل على الحجارة عند المشي أو المصيبة ، والأوّل أظهر كما مرّ ، وقد وقع التصريح في بعض الأخبار الّتي وردت في هذا المعنى بنكبة قدم.

والمخاطب في هذه الآية من يقع منهم الخطايا والذُّنوب لا المعصومون من الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، فإنها فيهم رفع درجاتهم كما روي عن الصادقعليه‌السلام أنه لـمّا دخل عليُّ بن الحسينعليهما‌السلام على يزيد نظر إليه ثمَّ قال : يا عليُّ «ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » فقالعليه‌السلام : كلا ما هذه فينا ، إنما نزل فينا : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ

٤٠٤

وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ »(١) قال : ثمَّ قال وما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخذ به.

_________________________________________________

عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(٢) فنحن الذين لا ناسي على ما فاتنا ولا نفرح بما أوتينا.

وروى الحميري في قربّ الإسناد عن ابن بكير قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » فقال : هو «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » قال : قلت : ما أصاب عليا وأشياعه من أهل بيته من ذلك؟ قال : فقال : إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوب إلى الله عزّ وجلّ كل يوم سبعين مرّة من غير ذنب.

وأقول : سيأتي أخبار كثيرة في ذلك في باب نادر في أواخر هذا المجلد.

وقال الطبرسي (ره) : «وَما أَصابَكُمْ » معاشر الخلق «مِنْ مُصِيبَةٍ » من بلوى في نفس أو مال «فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ » من المعاصي «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » منها فلا يعاقب بها ، قال الحسن : الآية خاصة بالحدود الّتي يستحقّ على وجه العقوبة ، وقال قتادة : هي عامّة ، وروي عن عليُّعليه‌السلام أنّه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير آية في كتاب الله هذه الآية ، يا عليُّ ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلّا بذنب ، وما عفا الله عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعود فيه ، وما عاقب عليه في الدنيا فهو أعدل من أن يثني على عبده وقال أهل التحقيق : إن ذلك خاص وإن خرج مخرج العموم ، لـمّا يلحقّ من مصائب الأطفال والمجانين ومن لا ذنب له من المؤمنين ، ولأن الأنبياء والأئمّة يمتحنون بالمصائب وإن كانوا معصومين من الذنوب لـمّا يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب ، انتهى.

وقيل : الذنوب متفاوتة بالذات ، وبالنّسبة إلى الأشخاص ، وترك الأوّلى ذنب بالنّسبة إليهم ، فلذلك قيل : حسنات الأبرار سيّئات المقربين ، ويؤيّده ما أصاب آدم ويونس وغيرهما بسبب تركهم ما هو أولى بهم ، ولئن سلم فقد يصاب البريء بذنب الجريء ، وما ذكرنا أظهر وأصوب ومؤيّد بالأخبار.

__________________

(١) سورة الشورى : ٣٠. (٢) سورة الحديد : ٢٣.

٤٠٥

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من نكبة تصيب العبد إلّا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.

٥ - عليُّ ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول لا تبدين عن واضحة وقد عملت الأعمّال الفاضحة ولا يأمن البيات من عمل السّيئات.

٦ - عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي

_________________________________________________

الحديث الرابع : كالسابق سنداً ومعنى.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« لا تبدين عن واضحة » الأبداًء الإظهار وتعديته بعن لتضمين معنى الكشف ، وفي الصحّاح والقاموس والمصباح : الواضحة الأسنان تبدو عند الضحك ، وفي القاموس : فضحه كمنعه كشح مساويه ، أي لا تضحك ضحكاً يبدو به أسنانك ، ويكشف عن سرور قلبك ، وقد علمت أعمالاً قبيحة افتضحت بها عند الله وعند ملائكته وعند الرسول والأئمّة صلوات الله عليهم ، ولا تدري أغفر الله لك أم يعذبك عليها ، ولذا كان من علامة المؤمنين أن ضحكهم التبسّم ، ويؤيّده ما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً وبكيتمّ كثيراً لكن البشر في الجملة مطلوب كما مرّ أن بشره في وجهه وحزنه في قلبه ، وقوله : وقد عملت ، جملة حاليّة.

« ولا يأمن البيات » بكسر النون ليكون نهيا والكسرة لالتقاء الساكنين ، أو بالرفع خبرّاً بمعنى النهي ، وما قيل : إنه معطوف على الجملة الحاليّة بعيد ، والمرّاد بالبيات نزول الحوادث عليه ليلاً أو غفلة وإن كان بالنهار ، في المصباح : البيات بالفتح الإغارة ليلا وهو اسم من بيّته تبييتاً وبيت الأمر دبرّه ليلا.

الحديث السادس : حسن أو موثق.

٤٠٦

اُسامة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول تعوذوا بالله من سطوات الله بالليل والنهار قال قلت له وما سطوات الله قال الأخذ على المعاصي.

٧ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن سليمان الجعفري ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الذنوب كلّها شديدة وأشدّها ما نبت عليه اللحم والدم لأنّه إمّا مرّحوم وإمّا معذب والجنّة لا يدخلها إلّا طيب.

_________________________________________________

وفي القاموس : سطا عليه وبه سطواً وسطوة صال أو قهر بالبطش ، وساطاه شدد عليه ، وفي المصباح هو الأخذ بشدّة.

الحديث السابع : موثق.

« كلّها شديدة » لأن معصية الجليل جليلة ، أو استيجاب غضب الله وعقوبته مع عدم العلم بالعفو عظيم ، أو لأنّ التوبة المقبولة نادرة مشكلة ، وشرائطها كثيرة ، والتوفيق لها عزيز « وأشدّها ما نبت عليه اللحم والدم » كان المرّاد به ماله دخل في قوام البدن من المأكول والمشروب الحرامين ، ويحتمل أن يكون المرّاد به ذنبا أصر وداوم عليه مدة نبت فيه اللحم والعظم ، وإطلاق هذه العبارة في الدوام والاستمرّار شائع في عرف العربّ والعجم ، بل أخبار الرضاع أيضاً ظاهرة في ذلك.

« لأنّه إمّا مرّحوم وإمّا معذّب » أي آخرا أو في الجنّة والنّار لكن لا بد أن يعذب في البرزخ أو المحشر قدر ما يطيّب جسمه الّذي نبت على الذنوب « لأن الجنّة لا يدخلها إلّا طيّب ».

أقول : ويؤيّده ما روي في النهج أن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال لقائل قال بحضرته أستغفر الله : ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستّة معان : أولها : الندم عليُّ ما مضى ، والثّاني : العزم على ترك العود إليه أبداً ، والثالث : أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى الله عزّ وجلّ أملس

٤٠٧

٨ - الحسينُ بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن أبان ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إنّ العبد ليذنب الذنب فيزوى عنه الرزق.

_________________________________________________

ليس عليك تبعة ، والرابع : أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيّعتها فتؤدي حقها ، والخامس : أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد ، والسادس : أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية ، فعند ذلك تقول أستغفر الله.

وقيل : المرّحوم من كفرت ذنوبه بالتوبة أو البلايا أو العفو ، والمعذب من لم تكفر ذنوبه بأحد هذه الوجوه.

وأقول : هذا الخبر ينافي ظاهراً عموم الشفاعة وعفو الله وتكفير السيّئات بالحسنات على القول به ، وأجيب بوجوه : « الأوّل » أن يقال يعني أن صاحب الذنب الّذي نبت عليه اللحم والدم أمره في مشية الله لأنه ليس بطيّب ولا يدخل الجنّة قطعا وحتماً إلّا طيّب « الثّاني » أن يخصّ هذا بغير تلك الصور ، أي لا يدخلها بدون الشفاعة والعفو والتكفير « الثالث » ما قيل أنه تعالى ينزع عنهم الذنوب فيدخلونها ، وهم طيبون من الذنوب ، ويؤيّده قوله تعالى : «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ »(١) الآية وهو بعيد.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

« فيزوى عنه الرزق » أي يقبض أو يصرف وينحي عنه ، أي قد يكون تقتير الرزق بسبب الذنب عقوبة أو لتكفير ذنبه ، وليس هذا كليا بل هو بالنّسبة إلى غير المستدرجين ، فإن كثيراً من أصحاب الكبائر يوسع عليهم الرزق ، وفي النهاية زويت لي الأرض أي جمعت ، وفي حديث الدعاء : وما زويت عني ممّا أحبُّ أي صرفته عني وقبضته.

__________________

(١) سورة الحجّ : ٤٧.

٤٠٨

٩ - عليُّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن محمّد بن إبراهيم النوفليّ ، عن الحسين بن مختار ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ملعون

_________________________________________________

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

وقال الصّدوقرضي‌الله‌عنه في كتاب معاني الأخبار بعدّ إيراد هذه الرواية : قال مصنف هذا الكتاب : معنى قوله : ملعون من كمه أعمى يعني من أرشد متحيرا في دينه إلى الكفر وقرره في نفسه حتّى اعتقده وقوله : من عبد الدينار والدرهم يعني به من يمنع زكاة ماله ويبخل بمواساة إخوانه فيكون قد آثر عبادة الدينار والدرهم على عبادة الله ، وإمّا نكاح البهيمة فمعلوم ، انتهى.

وأقول : اللعن الطردّ والإبعاد عن الخير من الله ، ومن الخلق السبّ والدعاء وطلب البعدّ من الخير وكل من أطاع من لم يأمره الله بطاعته فقد عبده ، كما قال تعالى : «أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ »(١) وقال سبحانه : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ »(٢) وكذا من آثر حب شيء على رضا الله وطاعته فقد عبده كعبادة الدينار والدرهم.

قال الراغب : العبودية إظهار التذلل والعبادة أبلغ نهاية غاية التذلل ، ولا يستحقها إلّا من له غاية الإفضّال ، وهو الله تعالى ، والعبد يقال على أضربّ : الأوّل : عبد بحكم الشرع وهو الإنسان الّذي يصحّ بيعه وابتياعه ، والثّاني عبد بالعبادة والخدمة ، والنّاس في هذا ضربان عبد الله مخلصا وهو المقصود بقوله : «وَاذْكُرْ عَبْدَنا أيّوب »(٣) وأمثاله وعبد الدنيا وأعراضها وهو المعتكفّ على خدمتها ومرّاعاتها ، وإياه قصد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، وعلى هذا النحو يصحّ أن يقال : ليس كلّ إنسان عبد الله ، فإن العبد على هذا المعنى

__________________

(١) سورة يس : ٦٠.

(٢) سورة التوبة : ٣١.

(٣) سورة ص : ٤١.

٤٠٩

ملعون من عبد الدّينار والدّرهم ، ملعون ملعون من كمه أعمى ملعون ملعون من نكح بهيمة.

_________________________________________________

العابد لكن العبد أبلغ من العابد ، انتهى.

وأمّا قوله : من كمه أعمى ، ففي القاموس : الكمة محرّكة العمى ، يولد به الإنسان أو عام ، كمه كفرح عمي وصار أعشى ، وبصره اعترته ظلمة تطمس عليه ، والمكمه العينين كمعظم من لم تنفتح عيناه ، والكامه من يركب رأسه ولا يدري أين يتوجّه كالمتكمّه ، وقال الجوهري : الأكمه الّذي يولد أعمى وقد كمه بالكسر كمها واستعاره سويد فجعله عارضاً بقوله : كمهت عيناه حتّى ابيضتا ، أبو سعيد : الكامه الّذي يركب رأسه لا يدري أين يتوجه ، يقال : خرج يكتمه في الأرض ، انتهى.

وقال الراغب : العمى يقال في افتقاد البصر وافتقاد البصيرة ، ويقال في الأوّل أعمى ، وفي الثّاني أعمى وعمي.

وإذا عرفت هذا فاعلم أن هذه الفقرة تحتمل وجوهاً : الأوّل : ما مرّ عن الصدوق (ره) وكأنه أظهرها ، الثّاني : أن يكون المعنى أضل أعمى البصر عن الطريق وحيرة أو لا يهديه إليها ، الثالث : أن يقول للأعمى يا أعمى أو يا أكمه ، معيرا له له بذلك ، الرابع : أن يكون المعنى من يذهب طريقا ويختار مذهباً لا يدري هو حقّ أم لا كأكثر النّاس ، فيكون كمه بكسر الميم المخففة مأخوذا من الكامه الّذي ذكره الجوهري والفيروزآبادي ، فيكون أعمى حالاً عن المستتر في كمه ، أي أعمى القلب ، وهذا وجه وجيه ممّا خطر بالبال إن كان فعل المجردّ استعمل بهذا المعنى كما هو الظاهر ، ولقد أعجب بعض من كان في عصرنا حيث نقل عبارة القاموس : من يركب فرسه ، فقال : ويحتمل كمه بالتخفيف والمعنى من ركب أعمى فهو كناية عمن لم يسلك الطريق الواضحة ، الخامس : أن يقرأ بالتخفيف أيضاً ويكون المعنى من كان أعمى مولوداً على العمى لم يهتد إلى الخير سبيلاً قط ، بخلاف من

٤١٠

١٠ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن عليُّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول اتقوا المحقرات من الذنوب فإنَّ لها طالباً ، يقول أحدكم أذنب وأستغفر إن الله عزّ وجلّ يقول : «سنَكْتُبُ

_________________________________________________

يكون لوّاماً يتنبّه ويغفل أحيانا ، السادس : أن يقرأ بضمّ الكاف وتشديد الميم اسما ، ويكون عمى الكم كناية عن البخل.

وأقول : الأظهر على هذا الوجه أن يكون كناية عن أنه لا يبالي أن يأخذ المال من حرام أو شبهة أو حلال ، أو يعطي المال كيفما اتفق ويبذر ولا يعلم مصارفه الشرعية.

وإمّا نكاح البهيمة فالظاهر أن المرّاد به الوطء كما فهمّه الصدوق (ره) وغيره ، وربما يحمل على العقد فيكون المرّاد بالبهيمة المرّأة المخالفة أو تزويج البنت المخالف كما مرّ : أن النّاس كلهم بهائم إلّا قليلاً من المؤمنين ، وكما قيل في قولهمعليهم‌السلام : لا ننزي حماراً على عتيقه ، وربما يقرأ نكح بالتشديد على بعض الوجوه ، ولا يخفى ما في الجميع من التكلّف.

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

والمحقرات على بناء المفعول من الأفعال أو التفعيل : عدها حقيرة ، في القاموس : الحقر الذلة كالحقرية بالضمّ والحقّاًرة مثلثة والمحقرة والفعل كضربّ وكرم والإذلال كالتحقير والاحتقار والاستحقّاًر ، والفعل كضربّ وحقر الكلّ ام تحقيراً صغره ، والمحقرات الصغائر وتحاقر تصاغر ، وفي المصباح حقر الشيء بالضمّ حقّاًرة هان قدره فلا يعبأ به فهو حقير ، ويعدى بالحركة فيقال حقرته من باب ضربّ وأحقرته ، وقال : الذنب الإثمَّ ، والجمع ذنوب ، وأذنب صار ذا ذنب بمعنى تحمله.

« فإنّ لها طالباً » أي إن للذنوب طالباً يعلمها ويكتبها وقرر عليها عقابا وإذا حقّرها فهو يضرّ عليها وتصير كبيرة ، فيمكن أن لا يعفو عنها مع أنه قد ورد

٤١١

ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ »(١) وقال عزّ وجلّ : «إِنَّها

_________________________________________________

أنّها لا تغفر ، ولا ينبغي الإتّكال على التوبة والاستغفار فإنّه يمكن أن لا يوفق لها وتدركه المنيّة ، فيذهب بلا توبة ، وقيل : يستفاد من الحديث أن الجرأة على الذنب اتكإلّا على الاستغفار بعده تحقير له ، وهو كذلك كيف لا وهذا محقق معجل نقد ، وذاك موهوم مؤجل نسيئة.

« إن الله عزّ وجلّ يقول » بيان لقوله : إن لها طالباً ، والآية في سورة يس هكذا : «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا » وكأنه(٢) من النساخ أو الرواة ، وقيل : هذا نقل للآية بالمعنى لبيان أن هذه الكتابة تكون بعدّ إحياء الموتى على أجسادهم لفضيحتهم.

وقال في مجمع البيان : «وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا » من طاعاتهم ومعاصيهم في دار الدنيا ، وقيل : نكتب ما قدّموه من عمل ليس له أثر ، و «آثارَهُمْ » أي ما يكون له أثر وقيل : يعني بآثارهم أعمالهم الّتي صارت سنة بعدهم يقتدي فيها بهم حسنة كانت أم قبيحة وقيل : معناه ونكتب خطأهمّ إلى المساجد ، وسبب ذلك ما رواه الخدري أن بني سلمة كانوا في ناحية المدينة فشكوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدّ منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ » أي وأحصينا وعددنا كل شيء من الحوادث في كتاب ظاهر وهو اللوح المحفوظ ، والوجه في إحصاء ذلك فيه اعتبار الملائكة به إذا قابلوا به ما يحدّث من الأمور ، ويكون فيه دلالة على معلومات الله سبحانه على التفصيل ، وقيل : أراد به صحائف الأعمّال ، وسمّي ذلك مبينا لأنّه لا يدرس أثره ، انتهى.

وقد وردّ في كثير من الأخبار أنّ الإمام المبين أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقيل

__________________

(١) سورة يس : ١٢.

(٢) أي إضافة السين في « سنكتب ».

٤١٢

إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ »(١) .

_________________________________________________

أريد بالآثار الأعمّال ، وبما قدّموا النيّات المقدَّمة عليها ، وقال (ره)في قوله تعالى : «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » معناه أن فعلة الإنسان من خير أو شر إن كانت مقدار حبة خردل في الوزن ، ويجوز أن يكون الهاء في أنها ضمير القصة «فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ » أي فتكن تلك الحبة في جبل أي في حجرة عظيمة ، لأن الحبة فيها أخفى وأبعد من الاستخراج «أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ » ذكر السماوات والأرض بعد ذكر الصخرة وإن كان لا بد أن تكون الصخرة في الأرض على وجه التأكيد ، وقال السدي : هذه الصخرة ليست في السماوات ولا في الأرض وهي تحت سبع أرضين ، وهذا قول مرّغوب عنه «يَأْتِ بِهَا اللهُ » أي يوم القيامة ويجازي عليها أي يأت بجزاء ما وازنها من خير أو شر ، وقيل : معناه يعلمها الله فيأتي بها إذا شاء كذلك قليل العمل من خير أو شر «يَعْلَمْهُ اللهُ » فيجازي عليه ، فهو مثل قوله : «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خيراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شرّاً يَرَهُ ».

روى العياشي عن ابن مسكان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : اتقوا المحقرات من الذنوب فإن لها طالباً ، لا يقولن أحدكم أذنب وأستغفر الله تعالى ، إن الله تعالى يقول : «إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ » الآية.

«إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ » باستخراجها «خَبِيرٌ » بمستقرها ، انتهى.

وقال بعض المحقّقين : خفاء الشيء إمّا لغاية صغره ، وإمّا لاحتجابه ، وإمّا لكونه بعيداً ، وإمّا لكونه في ظلمة ، فأشار إلى الأوّل بقوله : مثقال حبة ، وإلى الثّاني بقوله : فتكن في صخرة ، وإلى الثالث بقوله : أو في السماوات ، وإلى الرابع بقوله

__________________

(١) سورة لقمان : ١٦.

٤١٣

١١ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة ، عن سليمان بن طريف ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الذنب يحرَّم العبد الرزق.

١٢ - محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضيل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الرّجل ليذنب الذنب فيدرأ عنه

_________________________________________________

أو في الأرض.

وأقول : قد وردّ في بعض الأخبار أن المرّاد بالصّخرة هي الّتي تحت الأرضين وقد أوردتها في الكتاب الكبير ، والاستشهاد بالآيتين لأن يعلم أن الله سبحانه عالم بجميع أعمال العباد وأحصاها وكتبها وأوعدّ عليها العقاب ، فلا ينبغي تحقير المعاصي لأن الوعيد معلوم ، والموعدّ عالم قادر ، والعفو غير معلوم.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

وفي القاموس :حرمة الشيء كضربّه وعلمه حريما وحرمانا بالكسر منعه وأحرمه لغة.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وفي القاموس درأه كجعله درءا دفعه ، والفعل هنا على بناء المجهول ، ويحتمل المعلوم بإرجاع المستتر إلى الذنب ، واللام في الذنب للعهد الذهني أي أي ذنب كان بل يمكن شموله للمكروهات وترك المستحبّات كما تشعر به الآية وإن أمكن حملها عليُّ أنهم لم يؤدوا الزكاة الواجبة ، أو كان الزكاة عندهم حقّ الجواد والصرام ، أو كان هذا أيضاً واجباً في شرعهم كما قيل بوجوبه في شرعنا أيضاً.

قال الطبرسي (ره) في جامع الجوامع : «إِنَّا بَلَوْنأهمّ » أي أهل مكّة بالجوع والقحط بدعاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الجنّة » وهم إخوة كانت لأبيهم هذه الجنّة دون صنعاء اليمن بفرسخين فكان يأخذ منها قوت سنة ويتصدّق بالباقي ،

٤١٤

الرّزق وتلا هذه الآية : «إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطافَ عَلَيْها

_________________________________________________

وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكداس وما أخطأه القطاف(١) من العنب وما بقي من البساط الّذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت ، فكان يجتمع لهم شيء كثير ، فلـمّا مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمرّ ونحن أولو عيال ، فحلفوا ليصرمنّها داخلين في وقت الصّباح خفية عن المساكين «وَلا يَسْتَثْنُونَ » أي لم يقولوا إنشاء الله في يمينهم فأحرق الله جنتهم.

وقال البيضاوي «وَلا يَسْتَثْنُونَ » ولا يقولون إنشاء الله وإنما سماه استثناء لـمّا فيه من الإخراج غير أن المخرج به خلاف المذكور ، والمخرج بالاستثناء عينه أو لأن معنى لا أخرج إنشاء الله ولا أخرج إلّا أن يشاء الله واحد ، أو لا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم «فَطافَ عَلَيْها » على الجنّة «طائِفٌ » بلاء طائف «مِنْ رَبِّكَ » مبتدأ منه.

وقال في المجمع : أي أحاطت بها النّار « فاحترقت » أو طرقها طارق من أمرّ الله «وَهُمْ نائِمُونَ » قال مقاتل : بعث الله نارا بالليل إلى جنتهم فأحرقتها حتّى صارت مسودة فذلك قوله «كَالصَّرِيمِ » أي كالليل المظلم ، والصريمان الليل والنهار لانصرام أحدهما عن الآخر ، وقيل : كالمصروم ثماره أي المقطوع ، وقيل : أي الّذي صرم عنه الخير فليس فيه شيء منه ، وقيل : أي كالرملة انصرمت من معظم الرمل ، وقيل : كالرماد الأسود «فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ » أي نادى بعضهم بعضاً وقت الصّباح «أَنِ اغْدُوا » أي بأن اغدوا «عَلى حَرْثِكُمْ » الحرث الزروع والأعناب «إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ » أي قاطعين النخل «فَانْطَلَقُوا » أي فمضوا إليها «وَهُمْ يَتَخافَتُونَ » يتسارون بينهم «أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ » هذا ما كانوا يتخافتون به «وَغَدَوْا عَلى حَردّ » أي على قصد منع الفقراء «قادِرِينَ » عند أنفسهم وفي اعتقادهم على منعهم وإحراز

__________________

(١) المنجل : آلة من حديد يقضب بها الزرع ( داس ). والكُدس بضمّ الكاف : الحبّ المحصود المجموع. وقطف الثمرّ : جناه.

٤١٥

طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ »(١) .

_________________________________________________

ما في جنتّهم ، وقيل : على حرد أي على جدّ وجهد من أمرّهم وقيل : على حنق وغضب من الفقراء ، وقيل : قادرين مقدرين موافاتهم الجنّة في الوقت الّذي قدروا إصرامها فيه ، وهو وقت الصبح «فَلـمّا رَأَوْها » أي رأوا الجنّة على تلك الصفة «قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ » ضللنا عن الطريق فليس هذا بستاننا ، أو لضالون عن الحقّ في أمرّنا فلذلك عوقبنا بذلك ، ثمَّ استدركوا فقالوا «بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ » أي هذه جنتنا ولكن حرمنّا نفعها وخيرها لمنعنا حقوق المساكين ، وتركنا الاستثناء.

«قالَ أَوْسَطُهُمْ » أي أعدلهم قولا أو أفضلهم وأعقلهم ، أو أوسطهم في السن «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ » كأنه كان حذرهم سوء فعالهم فقال لو لا تستثنون لأن في الاستثناء التوكّل على الله والتعظيم لله والإقرار على أنه لا يقدر أحد على فعل شيء إلّا بمشيئة الله فلذلك سمّاه تسبيحاً ، وقيل : معناه هلا تعظمون الله بعبادته واتباع أمره ، أو هلا تذكرون نعم الله عليكم فتؤدوا شكرها بأن تخرجوا حقّ الفقراء من أموالكم أو هلا نزهتم الله عن الظلم واعترفتم بأنه لا يظلم ولا يرضى منكم بالظلم ، وقيل : أي لم لا تصلون ، ثمَّ حكي عنهم أنهم «قالُوا سُبْحانَ ربّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ » في عزمنّا على حرمان المساكين من حصتهم عند الصرام أو أنه تعالى منزه عن الظلم فلم يفعل بنا ما فعله ظلـمّا ، وإنّما الظلم وقع منّا حيث منعنا الحقّ «فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ » أي يلوم بعضهم بعضاً على ما فرط منهم «قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ » قد علونا في الظلم وتجاوزنا الحدّ فيه ، والويل غلظ المكروه الشاق على النفس «عَسى ربّنا أَنْ يُبْدِلَنا خيراً مِنْها » أي لـمّا تابوا ورجعوا إلى الله قالوا لعلّ الله يخلف علينا ويولينا خيراً من الجنّة الّتي هلكت «إِنَّا إِلى ربّنا راغِبُونَ » أي نرغب إلى الله ونسأله ذلك ونتوب إليه ممّا فعلناه «كَذلِكَ الْعَذابُ » في الدنيا للعاصين «وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ».

__________________

(١) سورة القلم : ٢٨ - ١٩.

٤١٦

١٣ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا أذنب الرّجل خرج في قلبه نكتة سوداء ، فإن

_________________________________________________

وروي عن ابن مسعود أنّه قال : بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا ، وقال أبو خالد الهامي : رأيت تلك الجنّة ورأيت كل عنقود منها كالرّجل الأسود القائم.

الحديث الثالث عشر : موثق كالصحيح.

« خرج في قلبه نكتة » النكتة : النقطة وكل نقطة في الشيء بخلاف لونه فهي نكتة ، وقيل : إن الله خلق قلب المؤمن نورانياً قابلاً للصفات النورانية ، فإن أذنب خرج فيه نقطة سوداء ، فإن تاب زالت تلك النقطة وعاد محلها إلى نورانيته ، وإن زاد في الذنب سواء كان من نوع ذلك الذنب أم من غيره زادت نقطة أخرى سوداء وهكذا حتّى تغلب النقاط السود على جميع قلبه ، فلا يفلح بعدها أبداً لأن القلب حينئذ لا يقبل شيئاً من الصفات النورانيّة ، والظاهر أنّه إن تاب من ذنب ثمَّ عاد لم تبطل التوبة الأوّلى ، وأنّه إن تاب من بعض الذنوب دون بعض فهي صحيحة على أحد القولين فيهما.

أقول : وقال بعض المحقّقين بعدّ أن حقق أن القلب هو اللطيفة الربانية الروحانية الّتي لها تعلق بالقلب الصنوبري كما مرّ ذكره : القلب في حكم مرّآة قد اكتنفته هذه الأمور المؤثرة فيه ، وهذه الآثار على التوالي واصلة إلى القلب ، إمّا الآثار المحمودة فإنّها تزيد مرّآة القلب جلاءاً وإشراقاً ونوراً وضياء حتّى يتلإلّا فيه جلية الحقّ وتنكشف فيه حقيقة الأمرّ المطلوب في الدّين ، وإلى مثل هذا القلب الإشارة بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من قلبه ، وبقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كان له من قلبه واعظ كان عليه من الله حافظ ، وهذا القلب هو الذي

٤١٧

تاب انمحت وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبداً.

_________________________________________________

يستقرّ فيه الذكر قال الله تعالى : «إلّا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ »(١) وإمّا الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعدّ إلى مرّآة القلب ، ولا يزال يتراكم عليه مرّة بعدّ أخرى إلى أن يسود ويظلم ، ويصير بالكلّ يّة محجوبا عن الله تعالى ، وهو الطبع والرين ، قال الله تعالى : «كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ »(٢) وقال الله تعالى : «أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْنأهمّ بِذُنُوبِهِمْ ونَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ »(٣) فربط عدم السماع والطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى حيث قال : «وَاتَّقُوا اللهَ وَاسْمَعُوا »(٤) «فاتّقوا اللهَ وَأَطِيعُونِ »(٥) «وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ »(٦) ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلب ، وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحقّ وصلاح الدّين ويستهين بالآخرة ويستعظم أمرّ الدنيا ، ويصير مقصور الهم عليه ، فإذا قرع سمعه أمرّ الآخرة وما فيها من الأخطار دخل من أذن وخرج من الأخرى ، ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك «أولئك الذين يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الكفّار مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ» وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة.

قال بعضهم : روي عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قلب المؤمن أجردّ فيه سراج يزهر ، وقلب الكافر أسود منكوس ، فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مصقلات للقلب ومعصيته مسودات له فمن أقبل على المعاصي أسود قلبه ، ومن أتبع السيئة الحسنة ومحي أثرها لم يظلم قلبه ، ولكن ينقص نوره كالمرّآة الّتي يتنفس فيها ، ثمَّ يمسح ثمَّ يتنفس ثمَّ يمسح فإنّها لا تخلو عن كدورة ، قال الله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة الرعدّ : ٢٨. (٢) سورة المطففين : ١٤.

(٣) سورة الأعراف : ١٠٠. (٤) سورة المائدة : ١٠٨.

(٥) سورة الشعراء : ١٢٦.

(٦) سورة البقرة : ٢٨٢.

٤١٨

١٤ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنّ العبد يسئل الله الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب أو إلى وقت بطيء فيذنب العبد ذنباً فيقول الله تبارك وتعالى للملك لا تقض حاجته واحرمه إيّاها فإنه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني.

_________________________________________________

اتَّقَوْا إذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فإذا هُمْ مُبْصِرُونَ »(١) فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكّن منه إلّا الذين اتقوا ، فالتقوى باب الذكر والذكر باب الكشف ، والكشف باب الفوز الأكبر وهو الفوز بلقاء الله تعالى.

أقول : هذا من تحقيقات بعض الصوفيّة أوردناه استطراداً ، وفيه حقّ وباطل والله الملهم للخير والصواب.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

« فيكون من شأنه » ضمير شأنه راجع إلى الله تعالى ويحتمل رجوعه إلى مصدر يسئل أو العبد ، ومال الجميع واحد ، أي له قابلية قضاء الحاجة ، قيل : لا يقال هذا ينافي ما في بعض الروايات من أن العاصي إذا دعاه أجابه بسرعة كراهة سماع صوته؟ لأنا نقول : لا منافاة بينهما لأن هناك شيئين : أحدهما المعصية وهي تناسب عدم الإجابة ، والثّاني كراهة سماع صوته وهي تناسب سرعة الإجابة فربما ينظر إلى الأوّل فلا يجيبه ، وربما ينظر إلى الثّاني فيجيبه ، وليس في الأخبار ما يدلّ على أن العاصي يجاب دائماً ، ولو سلم لأمكن حمل هذا الخبر على أن المؤمن الصالح إذا أذنب وتعرض لسخط ربّه استوجب الحرمان ، ولا يقضي الله حاجته تأديبا له لينزجر عما يفعله.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٠١.

٤١٩

١٥ - ابن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول إنه ما من سنة أقل مطرا من سنة ولكن الله يضعه حيث يشاء إن الله عزّ وجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنّة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار والجبال وإن الله ليعذب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلّها بخطايا من بحضرتها وقد جعل الله لها السبيل في مسلك سوى محلة أهل المعاصي قال ثمَّ قال أبو جعفرعليه‌السلام فَاعْتبرّوا يا أُولِي الْأَبْصارِ

_________________________________________________

الحديث الخامس عشر : صحيح ومعلق على السند السابق.

« إلى غيرهم » أي من المطيعين إن كانوا مستحقين للمطر « وإلّا فإلى الفيافي » وفي النهاية : الفيافي هي البراري الواسعة جمع فيفاء ، وفي القاموس ، الفيف المكان المستوي أو المفازة لا ماء فيها كالفيفاة والفيفاء ويقصر ، وقال : الجعل كصردّ دويبة ، وفي المصباح : الجعل وزان عمر الحرباء وهو ذكر أم جبين ، وقال : المحلّ بفتح الحاء والكسر لغة موضع الحلول ، والمحلة بالفتح المكان ينزله القوم « عن الأرض الّتي هي بمحلها » الظاهر أن الضمير في قوله : بمحلّها راجع إلى الجعل ، أي الأرض الّتي هي متلبسة بمحلّ الجعل ، أي مشتملة عليه ، أو ضمير هي راجع إلى الجعل وضمير محلّها إلى الأرض ، فتكون إضافة المحلّ إلى الضمير من إضافة الجزء إلى الكلّ ، والأوّل أظهر وضمير « بحضرتها » للجعل.

«فَاعْتبرّوا يا أُولِي الْأَبْصارِ » الاعتبار الاتعاظ والتفكر في العواقب وقبول النصيحة ، وأولو الأبصار أصحاب البصائر والعقول ، أي تفكروا في أنه إذا كان حال الحيوان الغير المكلف القليل الشعور أو عديمه هكذا في التضرّر بمجاورة أهل المعاصي ، فكيف تكون حالك في المعصية ومجاورة أهلها؟ وهذا الخبر ممّا يدلّ على أن للحيوانات شعوراً وعلـمّا ببعض التكاليف الشرعية وأفعال العباد وأعمالهم ، و

٤٢٠