مرآة العقول الجزء ٩

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 439

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 439
المشاهدات: 21935
تحميل: 8820


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 439 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21935 / تحميل: 8820
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 9

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_________________________________________________

قال في النهاية : فيه من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما لأنّه إمّا أن يصدق عليه أو يكذب ، فإن صدق فهو كافر وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم ، والكفر صنفان أحدهما الكفر بأصل الإيمان وهو ضدّه والآخر الكفر بفرع من فروع الإسلام ، فلا يخرج به عن أصل الإيمان ، وقيل : الكفر على أربعة أنحاءِ : كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به ، وكفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه ، وكفر عناد وهو أن يعرف بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به حسداً وبغياً ككفر أبي جهل وأضرابه ، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه ، قال الهروي : سئل الأزهري عمن يقول بخلق القرآن أتسميه كافراً؟ فقال : الذي يقوله كفر ، فأعيد عليه السؤال ثلاثاً ويقول مثل ما قال ، ثم قال في الآخر : قد يقول المسلم كفراً ، ومنه حديث ابن عباس قيل له : «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ »(١) قال : هم كفرة وليسوا كمن كفر بالله واليوم الآخر ، ومنه الحديث الآخر : أن الأوس والخزرج ذكروا ما كان منهم في الجاهلية فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف ، فأنزل الله تعالى : «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ »(٢) ولم يكن ذلك على الكفر بالله ولكن على تغطيتهم ما كانوا عليه من الألفة والمودة ، ومنه حديث ابن مسعود : إذا قال الرّجل للرجل أنت لي عدوّ فقد كفر أحدهما بالإسلام أراد كفر نعمته لأن الله ألف بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخواناً ، فمن لم يعرفها فقد كفرها ومنه الحديث : من ترك قتل الحيّات خشية النار فقد كفر ، أي كفر النّعمة ، ومنه الحديث : فرأيت أكثر أهلها النساء لكفرهنّ ، قيل : أيكفرن بالله؟ قال : لا ولكن يكفرن الإحسان ، ويكفرن العشير ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٤٤.

(٢) سورة آل عمرّان : ١٠١.

٤١

عدوّي كفر أحدهما فإذا اتهّمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء وقال بلغني أنه قال إن المؤمن ليزهر نوره لأهل السماء كما تزهر نجوم السماء لأهل الأرض وقال إنَّ المؤمن وليُّ الله يعينه ويصنع له ولا يقول عليه إلّا الحقّ ولا يخاف غيره.

٦ - أبو عليُّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، عن عليُّ بن

_________________________________________________

أي يجحدن إحسان أزواجهنّ ، والحديث الآخر : سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ، ومن رغب عن أبيه فقد كفر ، ومن ترك الرمي فنعمة كفرها ، وأحاديث من هذا النّوع كثيرة ، وأصل الكفر تغطية الشيء تستهلكه.

وقال : مثت الشيء أميثه وأموثه فانماث إذا دفته في الماء ، ومنه حديث عليّعليه‌السلام : اللّهم مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء.

« وقال » أي اليماني أو عليُّ بن إبراهيم وغيره من أصحاب الكتب ، وفي القاموس : زهر السّراج والقمرّ والوجه كمنع زهوراً تلألاً والنار أضاءت « ولي الله » أي محبة أو محبوبة أو ناصر دينه ، قال في المصباح : الوليّ فعيل بمعنى فاعل من وليه إذ أقام به ، ومنه «اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا »(١) ويكون الوليّ بمعنى مفعول في حقّ المطيع ، فيقال : المؤمن وليّ الله ، انتهى.

قوله : يعينه ، أي الله يعين المؤمن « ويصنع له » أي يكفي مهمّاته « ولا يقول » أي المؤمن « عليه » أي على الله « إلّا الحقّ » أي إلّا ما علم أنه حقّ « ولا يخاف غيره » وفيه تفكيك بعض الضّمائر ، أو المعنى يعين المؤمن دين الله وأولياءه ، ويصنع له أي من أعماله خالصة لله ، قال في القاموس : صنع إليه معروفاً كمنع صنعاً بالضمّ ، وما أحسن صنع الله بالضمّ وصنيع الله عندك.

الحديث السادس : موثق بسنديه.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٧.

٤٢

عقبة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال للمسلم على أخيه المسلم من الحقّ أن يسلّم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرّض وينصح له إذا غاب ويسمّته إذا عطس ويجيبه إذا دعاه ويتبعه إذا مات.

عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة مثله.

٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن

_________________________________________________

« أن يسلّم عليه » أي ابتداءاً « وينصح له إذا غاب » أي يكون خالصاً له طالباً لخيره دافعاً عنه الغيبة وسائر الشّرور ، وفي المصباح التسميت ذكر الله على الشيء وتسميت العاطس الدّعاء له ، والشّين المعجمة مثله ، وقال في التهذيب : سمته بالسين والشين إذا دعا له ، وقال أبو عبيد : الشين المعجمة أعلى وأفشى ، وقال ثعلب : المهملة هي الأصل أخذاً من السمت وهو القصد والهدى والاستقامة ، وكل داع بخير فهو مسمت أي داع بالعود والبقاء إلى سمته ، وقال في النهاية : التسميت الدعاء ومنه الحديث في تسميت العاطس لمن رواه بالسين المهملة ، وقيل : اشتقاقه من السمت وهو الهيئة الحسنة أي جعلك الله على سمت حسن ، لأنّ هيئته تنزعج للعطاس ، وقال أيضاً : التشميت بالشين والسّين الدّعاء بالخير والبركة والمعجمة أعلاهما ، يقال : شمت فلاناً وشمّت عليه تشميتا فهو شمت واشتقاقه من الشّوامت وهي القوائم كأنّه دعا للعاطس بالثّبات على طاعة الله تعالى ، وقيل : معناه أبعدك الله عن الشماتة وجنبك ما يشمت به عليك ، انتهى.

« ويجيبه إذا دعاه » أي يقبل دعوته إذا دعاه للضّيافة أو الأعمّ كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو دعيت إلى كراع (١) لأجبت ، أو يلبّيه إذا ناداه « ويتبعه » أي جنازته « إذا مات ».

الحديث السابع : مجهول.

__________________

(١) الكراع من البقر والغنم : مستدق الساق. وبالفارسية « پاچه ».

٤٣

أبي المأمون الحارثي قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما حقُّ المؤمن على المؤمن قال : إنَّ من حقّ المؤمن على المؤمن المودَّة له في صدره والمواساة له في ماله والخلف له في أهله والنصرة له على من ظلمه وإن كان نافلة في المسلمين وكان غائبا أخذ له بنصيبه وإذا مات الزيارة إلى قبره وأن لا يظلمه وأن لا يغشّه وأن لا يخونه وأن لا يخذله وأن لا يكذبه وأن لا يقول له أف وإذا قال له أفّ فليس بينهما ولاية وإذا قال له أنت عدوّي فقد كفر أحدهما وإذا اتّهمه انماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عليُّ صأحبُّ الكلل ، عن أبان بن تغلب قال كنت أطوف مع أبي عبد اللهعليه‌السلام فعرض لي رجلٌ من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إليَّ فكرهت أن أدع

_________________________________________________

« والخلف له » بالتّحريك بمعنى الخلافة وهذا الوزن في مصادر الثلاثيّ المجردّ المتعدّي قياسيّ إذا كان ماضيه مفتوح العين ، أي يكون خليفته وقائماً مقامه في أهل بيته ورعايتهم وتفقدهم والإنفاق عليهم وقضاء حوائجهم إذا غاب أو مات « وإذا كان(١) نافلة » أي عطية من بيت المال والزكوات وغيرهما ، قال الجوهري : النفل والنافلة عطية التطوّع من حيث لا يجب ، والباء في قوله : بنصيبه زائدة للتقوية ، والزيادة معطوف على المودَّة ، والجملة الشرطيّة متوسّطة بين حرف العطف والمعطوف كما قيل « وأن لا يغشّه » في مودته أو في المعاملة معه ، قال في القاموس : غشّه لم يمحّضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمرّ ، والغشّ بالكسر الاسم منه « وأن لا يخونه » في ماله وعرضه « وأن لا يخذله » بترك نصرته « وأن لا يكذّبه » بالتشديد ، والتخفيف بعيد.

الحديث الثامن : مجهول.

وصاحب الكلل أي كان يبيعها ، والكلل جمع كلّة بالكسر فيهما ، وفي

__________________

(١) وفي المتن « وإن كان ».

٤٤

أبا عبد اللهعليه‌السلام وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إليَّ أيضاً فرآه أبو عبد اللهعليه‌السلام فقال يا أبان إيّاك يريد هذا قلت نعم قال فمن هو قلت رجل من أصحابنا قال هو على مثل ما أنت عليه قلت نعم قال فاذهب إليه قلت فأقطع الطواف قال نعم قلت وإن كان طواف الفريضة قال نعم قال فذهبت معه ثم دخلت عليه بعد فسألته فقلت أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن فقال يا أبان دعه لا ترده قلت بلى جعلت فداك فلم أزل أردّد عليه فقال يا أبان تقاسمه شطر مالك ثمَّ نظر إليَّ فرأى ما دخلني ، فقال : يا أبان إمّا تعلم أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد

_________________________________________________

القاموس الكلّة بالكسر الستر الرقيق ، وغشاء رقيق يتوقّى به من البعوض ، وصوفة حمرّاء في رأس الهودج « على مثل ما أنت عليه » أي من التشيّع ، ويدلّ على جواز قطع طواف الفريضة لقضاء حاجة المؤمن كما ذكره الأصحاب ، وسيأتي مع أحكامه في كتاب الحجّ إنشاء الله تعالى.

وقد مضى أنّ ممانعته ومدافعتهعليه‌السلام عن بيان الحقوق للتأكيد وتفخيم الأمرّ عليه حثا على أدائها وعدم مساهلته فيها ، وكأنّ الراوي كان علم ذلك فكان لا يمتنع من نهيهعليه‌السلام عن السؤال مع جلالته وإذعانه بوجوب إطاعته ، والشطر : النصف « فرأى » أي في بشرتي أثر « ما دخلني » من الخوف من عدم العمل به أو من التعجب ، فأزالعليه‌السلام تعجبه بأن قوماً من الأنصار في زمن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يؤثرون على أنفسهم إخوانهم فيما يحتاجون إليه غاية الاحتياج ، فمدحهم الله تعالى في القرآن بقوله : «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ »(١) قيل : يقدمون المهاجرين على أنفسهم حتّى أنّ من كان عنده امراتان نزل عن واحدة وزوّجها من أحدهم ، والخصاصة الحاجة فكيف تستبعد المشاطرة.

وفسرعليه‌السلام الإيثار بأن يعطيه من النصف الآخر فإنّه زائد عن الحقّ اللازم

__________________

(١) سورة الحشر : ٩.

٤٥

ذكر المؤثرين على أنفسهم قلت بلى جعلت فداك فقال أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد ، إنمّا أنت وهو سواء إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر.

_________________________________________________

للمؤمن فهو حقّه ويؤثر أخاه به وكأنّهعليه‌السلام ذكر أقلّ مراتب الإيثار أو هو مقيد بما إذا كان محتاجا إلى جميع ذلك النصف ، أو فسرعليه‌السلام الإيثار مطلقاً وإن كان مورد الآية أخص من ذلك للتقييد بالخصاصة.

واعلم أن الآيات والأخبار في قدر البذل وما يحسن منه متعارضة ، فبعضها تدل على فضل الإيثار كهذه الآية ، وبعضها على فضل الاقتصاد كقوله سبحانه : «وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً »(١) وكقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وقد يقال : أنها تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، فمن قوي توكله على الله وكان قادرا على الصبر على الفقر والشدة فالإيثار أولى بالنّسبة إليه ، ومن لم يكن كذلك كأكثر الخلق فالاقتصاد بالنّسبة إليه أفضل ، ووردّ في بعض الأخبار أن الإيثار كان في صدر الإسلام وكثرة الفقراء وضيق الأمرّ على المسلمين ، ثم نسخ ذلك بالآيات الدالة على الاقتصاد ، وهذا لا ينافي هذا الخبر لأنه يكفي لرفع استبعاده كون الإيثار مطلوباً في وقت مّا لكن المشاطرة أيضاً ينافي الاقتصاد غالباً إلّا ، إذا حمل على ما إذا لم يضرّ بحاله.

وفيه إشكال آخر وهو أنّه إذا شاطر مؤمنّا واحداً واكتفى بذلك فقد ضيّع حقوق سائر الإخوان وإن شاطر البقيّة مؤمنّا آخر وهكذا فلا يبقى له شيء ، إلّا أن يحمل على المشاطرة مع جميع الإخوان ، كما روي أن الحسن صلوات الله عليه قاسم ماله مع الفقراء مرّارا ، أو يخصّ ذلك بمؤمن واحد أخذه أخا في الله ، كما واخى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين سلمان وأبي ذر رضي الله عنهما ، وبين مقداد وعمّار ، وبين جماعة من الصحابة متشابهين في المرّاتب والصفات ، بل يمكن حمل كثير من أخبار هذا الباب على هذا القسم من الأخوّة وإن كان بعضها بعيداً عن ذلك.

__________________

(١) سورة الاسراء : ٢٩.

٤٦

٩ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن عمرّ بن أبان ، عن عيسى بن أبي منصور قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال ابتداء منه يا ابن أبي يعفور قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ستُّ خصال من كنَّ فيه كان بين يدي الله عز وجل وعن يمين الله فقال ابن أبي يعفور وما هن جعلت فداك ؟ قال يحب المرّء المسلم لأخيه ما يحب لأعزِّ أهله ويكره المرّء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله ويناصحه الولاية فبكى ابن أبي يعفور وقال كيف يناصحه الولاية ؟ قال : يا ابن أبي يعفور إذا كان

_________________________________________________

الحديث التاسع : صحيح.

« بين يدي الله » أي قدّام عرشه وعن يمين عرشه ، أو كناية عن نهاية القرب والمنزلة عنده تعالى كما أنّ بعض المقرّبين عند الملك يكونون بين يدي الملك يخدمونه ، وبعضهم عن يمينه ، ويحتمل أن يكون الوصفان لجماعة واحدة عبّر عنهم في بعض الأحيان بالوصفين ، وفي بعضها بأحدهما ، وهم أصحاب اليمين ، ويحتمل أن يكون الطائفتين كل منهما اتصفوا بالخصال الست في الجملة ، لكن بعضهم اتّصفوا بأعلى مرّاتبها فهم أصحاب اليمين ، وبعضهم نقصوا عن تلك المرّتبة فهم بين يديه كما أن من يخدم بين يدي الملك أنقص مرّتبة وأدنى منزلة ممّن جلس عن يمينه ، فالواو في قوله : وعن يمين الله ، للتقسيم ، والأوّل أظهر لا سيما في الحديث النبويّ.

« ومناصحّة الولاية » خلوص المحبّة عن الغشّ والعمل بمقتضاها ، وقوله : بتلك المنزلة إشارة إلى المرّتبة المرّكبة من الخصلتين الأوليين ، أي إذا كانت منزلة أخيه عنده بحيث يحب له ما يحب لأعزّ أهله عليه ويكره له ما يكره لأعز أهله عليه بثّه همّه ، أو إشارة إلى مناصحّة الولاية أي إذا كان منه بحيث يناصحه الولاية بثّه همّه أي الأخ للمرّء ، ويحتمل العكس وقيل : إشارة إلى صلاحيّته للأخوّة والولاية.

٤٧

منه بتلك المنزلة بثّه همّه ففرح لفرحه إن هو فرح وحزن لحزنه إن هو حزن وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه وإلّا دعا الله له قال ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ثلاث لكم وثلاث لنا أن تعرفوا فضلنا وأن تطئوا عقبنا وأن تنتظروا عاقبتنا فمن كان هكذا كان بين يدي الله عز وجل فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم وإمّا الذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنئهم العيش مما

_________________________________________________

وقولهعليه‌السلام إن هو فرح ، كأنه تأكيد أي إن كان فرحه فرحا واقعيا ، وكذا قوله إن هو حزن ، وقيل : إن فيهما بمعنى إذ لمحض الظرفية كما هو مذهب الكوفيين في مثل قوله تعالى : «لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ »(١) أي ينبغي أن يكون فرحه في وقت فرح أخيه لا قبله ولا بعده ، وكذا الحزن.

وقال الجوهري : بث الخير وأبثّه بمعنى أي نشره ، يقال : أبثثتك سري أي أظهرته لك ، وقال : الهم الحزن ، وأهمّني الأمرّ إذا أقلقك وحزنك ، قوله : « ثلاث لكم » أي هذه ثلاث والظرف صفة للثلاث وثلاث بعده مبتدأ والظرف خبره والثلاث الأوّل الحبّ والكراهة والمناصحّة ، وقيل : الفرح والحزن والتفريج ، ولا يخفى بعده.

ثم بيّنعليه‌السلام الثلاث الذي لهمعليهم‌السلام بقوله : أن تعرفوا فضلنا ، أي على سائر الخلق بالإمامة والعصمة ووجوب الطاعة ، ونعمتنا عليكم بالهداية والتعليم والنجاة من النار واللحوق بالأبرار « وأن تطؤوا عقبنا » أي تتابعونا في جميع الأقوال والأفعال ولا تخالفونا في شيء « وأن تنتظروا عاقبتنا » أي ظهور قائمنّا وعود الدولة إلينا في الدنيا أو الأعمّ منها ومن الآخرة كما قال تعالى : «وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ »(٢) .

« فمن كان هكذا » أي كانت فيه الخصال الستّ جميعاً « فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم » في الرتبة بالنور الظاهر لظلمة يوم القيامة ، أو هو كناية عن انتفاعهم

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٧.

(٢) سورة القصص : ٨٣.

٤٨

يرون من فضلهم ، فقال ابن أبي يعفور وما لهم لا يرون وهم عن يمين الله فقال يا ابن أبي يعفور إنهم محجوبون بنور الله إمّا بلغك الحديث أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقول إن لله خلقا عن يمين العرش بين يدي الله وعن يمين الله وجوههم أبيض من الثلج وأضوأ من الشمس الضاحية يسأل السائل ما هؤلاء فيقال هؤلاء الذين تحابوا في جلال الله.

_________________________________________________

بشفاعتهم وكرامتهم عند الله وظاهر هذه الفقرات مغايرة الفريقين ، وإن أمكن أن يكونا صنفاً واحداً عبّر عنهم تارة بأحد الوصفين وتارة بالآخر وتارة بهما ، كما مرّ.

قوله : بين يدي الله ، يمكن أن يكون حإلّا عن العرش ويكون عن يمين الله عطفا على قوله عن يمين العرش ، والمرّاد بهم الطائفة الذين هم عن يمين الله بناء على اختلاف الطائفتين ، واشتقاق أفعل التفضيل من الألوان في الأبيض نادر.

« من الشمس الضاحية » أي المرتفعة في وقت الضحى فإنهّا في ذلك الوقت أضوء منها في سائر الأوقات أو البارزة التي لم يسترها غيم ولا غبار ، في النهاية : ولنا الضاحية من البعل ، أي الظاهرة البارزة التي لا حائل دونها ، انتهى.

« الذين تحابّوا » بتشديد الباء من الحب أي أحبُّ بعضهم بعضاً لجلال الله وعظمته ، لا للأغراض الدنيويّة فكلمة في تعليلية أو للظرفيّة المجازيّة ، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة ، أي تحابّوا ببذل المال الحلال الذي أعطاهم الله ، وفي روايات العامّة بالجيم قال الطيّبي : تحابّا في الله هو عبارة عن خلوص المحبّة في الله ، أي لله في الحضور والغيبة ، وفي الحديث : المتحابّون بجلالي الباء للظرفية أي لأجلي ولوجهي لا للهوى ، وقال النووي : أين المتحابّون بجلالي أي بعظمتي وطاعتي لا للدنيا ، وقرأ بعض الأفاضل بتخفيف الباء من الحبوة والتحابي أخذ العطاء أي أخذوا ثوابهم في مكان ستروا فيه بأنوار جلاله ، وفيه ما فيه.

٤٩

١٠ - عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن محمّد بن عجلان قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل رجلٌ فسلّم فسأله كيف من خلفّت من إخوانك قال فأحسن الثناء وزكّى وأطرى فقال له كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم فقال قليلة قال وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم قال قليلة قال فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم فقال إنّك لتذكر أخلاقاً قلَّ ما هي فيمن عندنا قال فقال فكيف تزعم هؤلاء أنّهم شيعة.

١١ - أبو عليُّ الأشعري ، عن محمّد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن أبي إسماعيل قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام جعلت فداك إنَّ الشيعة عندنا كثيرٌ فقال : [ فـ] ـهل

_________________________________________________

الحديث العاشر : مجهول.

وفي المصباح زكا الرّجل يزكو إذا صلح ، وزكيّته بالتثقيل نسبة إلى الزكاء وهو الصّلاح ، والرّجل زكي والجمع أزكياء ، وأطريت فلاناً مدحته بأحسن ممّا فيه ، وقيل : بالغت في مدحه وجاوزت الحدّ « كيف عيادة أغنيائهم » المرّاد إمّا عيادة المرّضى والتعدية بعلى لتضمين معنى العطوفة ، أو من العائدة والمعروف لكن هذا المصدر فيه غير مأنوس ، وفي كثير من الأخبار : وأن يعود غنيّهم على فقيرهم أو مطلق الزيارة ، قال في النهاية فيه : فإنّها امرّأة تكثر عوادّها أي زوّارها ، وكل من أتاك مرّة بعد أخرى فهو عائد وإن اشتهر ذلك في عيادة المرّيض ، حتّى صار كأنّه مختصّ به ، انتهى.

والمراد بالمشاهدة إمّا الزيارة في غير المرض أو شهودهم لديهم ومجالستهم معهم « في ذات أيديهم » أي في أموالهم وكلمة في للسببيّة « وتزعم » بصيغة المضارع الغائب فهؤلاء في محل الرفع ، أو بصيغة المخاطب فهؤلاء في محلّ النصب ، وفي بعض النسخ بالياء فتعيّن الأوّل.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

٥٠

يعطف الغنيُّ على الفقير ؟ وهل يتجاوز المحسن عن المسيء ويتواسون فقلت لا فقال ليس هؤلاء شيعة - الشيعة من يفعل هذا.

١٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن فضيل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبو جعفر صلوات الله عليه يقول عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهّم بعضكم بعضاً ولا تضاروا ولا تحاسدوا وإياكم والبخل كونوا عباد الله المخلصين.

١٣ - أبو عليُّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، عن عمرّ بن أبان ، عن سعيد بن الحسن قال قال أبو جعفرعليه‌السلام أيجيء أحدكم إلى أخيه فيدخل يده في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟ فقلت : ما أعرف ذلك فينا فقال أبو جعفرعليه‌السلام فلا شيء إذاً ، قلت : فالهلاك إذاً ، فقال : إنَّ القوم لم يعطوا أحلامهم بعد.

_________________________________________________

الحديث الثاني عشر : ضعيف على المشهور معتبر عندي.

وفي القاموس : جهمة كمنعه وسمعه استقبله بوجه كريه كتّجهمه وله.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

قولهعليه‌السلام : فلا شيء إذاً ، أي فلا شيء من الإيمان في أيديهم إذاً ، أو ليس شيء من آداب الإيمان بينهم إذاً ، وكان السائل حمله على المعنى الأوّل ولذا قال : فالهلاك إذاً ، أي فالعذاب الأخروي ثابت لهم إذاً فاعتذرعليه‌السلام من قبل الشيعة أي أكثرهم بأنهم « لم يعطوا أحلامهم بعد » أي لم يكمل عقولهم بعد ، ويختلف التكليف باختلاف مرّاتب العقول كما مرّ : إنّما يداق الله العباد على قدر ما آتاهم من العقول.

أو لم يتعلّموا الآداب من الأئمّةعليهم‌السلام بعد فهم معذورون كما يشير إليه الأخبار السّابقة واللّاحقة حيث لم يذكروا الحقوق أوّلاً معتذرين بأنّه يشكل عليكم العمل بها ، فيؤمى إلى أنّهم معذورون في الجملة مع عدم العلم ، وقيل : هو تأديب للسائل حيث لم يفرّق بين ما هو من الآداب ومكمّلات الإيمان ، وبانتفائه

٥١

١٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن الحسين بن الحسن ، عن محمّد بن أورمة ، رفعه ، عن معلّى بن خنيس قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن حقّ المؤمن فقال سبعون حقّاً لا أخبرك إلّا بسبعة فإنّي عليك مشفق أخشى إلّا تحتمل ، فقلت : بلى إن

_________________________________________________

ينتفي كمال الإيمان ، وبين ما هو من أركان الإيمان أو فرائضه ، وبانتفائه ينتفي الإيمان ، أو يحصل استحقّاًق العذاب وهو بعيد ، وفي القاموس الحلم بالكسر الأناة والعقل ، والجمع أحلام وحلوم ومنه «أَمْ تَأْمرّهُمْ أَحْلامُهُمْ »(١) .

الحديث الرابع عشر : ضعيف.

« أخشى أن لا تحتمل » أي لا تعمل بها ، أو لا تقبلها حقّ القبول كما مرّ ، على أن هذه من الآداب التي يعذر السّامع بالجهل بها ، والقائل في ترك القول إذاً علم عدم عمل السّامع أو صيرورته سبباً لنوع شكّ أو فتور في الإذعان ، وهذا لترك ذكر بعضها ، وإن أمكن أن يكونعليه‌السلام ذكرها له في وقت آخر ، أو تكون البقية داخلة في السبعة إجمإلّا ، ويكون المرّاد ترك ذكرها مفصلة كما يستنبط من بعض الأخبار المجملة كثير ممّا يذكر في الأخبار المفصّلة ، وإمّا بالنّسبة إلى ما ذكر فيمكن أن تكون المضايقة للتوكيد والمبالغة في العمل كما عرفت ، ويمكن استنباط السّبعين من مجموع الأخبار الواردة في ذلك كما أوردتها في الكتاب الكبير.

من ذلك ما رواه الكراجكي (ره) في كنز الفوائد عن الحسين بن محمّد الصيرفي عن محمّد بن عمرّ الجعابي عن القاسم بن محمّد بن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن عليُّعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقّاً لا براءة له منها إلّا بالأداء أو العفو ، يغفر زلته ، ويرحم عبرته ، ويقبل معذرته ، ويردّ غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلتّه ، ويرعى ذمتّه ، ويعود مرّضته ، ويشهد ميتته ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، و

__________________

(١) سورة الطور : ٣٢.

٥٢

شاء الله ، فقال : لا تشبع ويجوع ولا تكتسي ويعرى وتكون دليله وقميصه الذي يلبسه ولسانه الذي يتكلّم به وتحبُّ له ما تحب لنفسك وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهّد فراشه وتسعى في حوائجه بالّليل والنهّار فإذاً فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية الله عزَّ وجلَّ.

_________________________________________________

يحفظ حليلته ، ويقضي حاجته ، ويشفع مسألته ، ويسمّت عطسته ، ويرشد ضالته ويردّ سلامه ، ويطيب كلامه ، ويبرّ إنعامه ، ويصدق أقسامه ، ويوالي وليه. ولا يعاديه ، وينصره ظالـمّا ومظلوما ، فإمّا نصرته ظالـمّا فيرده عن ظلمه ، وإمّا نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقّه ، ولا يسلمه ولا يخذله ، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ، ويكره له من الشر لنفسه.

ثم قالعليه‌السلام : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئاً فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له وعليه.

قولهعليه‌السلام : وقميصه الذي يلبسه ، أي تكون محرَّم إسراره ومختصا به غاية الاختصاص ، وهذه استعارة شايعة بين العرب والعجم ، أو المعنى تكون ساتر عيوبه ، وقيل : تدفع الأذى عنه كما يدفع القميص عنه الحر والبردّ وهو بعيد.

« ولسانه » أي تتكلم من قبله إذاً عجز أو غاب إذاً رضي بذلك ، وقوله تسعى على صيغة الغيبة والضمير للجارية فلا نزيد على السّبع« وصلت ولايتك » أي لنا « بولايتنا » ومحّبتنا لك « وولايتنا » لك « بولاية الله » لك أو ولايتك له بولايتنا لك أو بولايتك لنا أي ولايتك له من شروط ولايتنا وولايتنا بولاية الله ، فإن ولاية الله لا يتم إلّا بولايتنا.

والحاصل أنّك إن فعلت ذلك فقد جمعت بين محبّته ومحبّتنا ومحبّة الله عز وجل ، ويحتمل أن يكون المرّاد بالولاية في جميع المرّاتب النصرة ، وفيها احتمالات أخر تظهر بالتأمّل فيما ذكرنا.

٥٣

١٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن أبي المغراء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه ويحقُّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمرّكم الله عز وجل - رحماء بينكم متراحمين مغتمّين لـمّا غاب عنكم من أمرّهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد

_________________________________________________

الحديث الخامس عشر : صحيح.

والتعاون على التعاطف ، أي معاونة بعضهم بعضاً على التعاطف وعطف بعضهم على بعض ، وفي بعض النسخ التعاقد مكان التعاون أي التعاهد على ذلك « كما أمرّكم الله » أي في قوله سبحانه : «محمّد رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكفّار رُحَماءُ بَيْنَهُمْ »(١) إشارة إلى أن الآية أمرّ في المعنى بتلك الخصال ، لكونها في مقام المدح المستلزم للأمرّ بها وإلى أن الأمرّ المستفاد منها غير مختصّ بالصحابة ، وقيل : إشارة إلى قوله تعالى : «وَتَواصَوْا بِالْمرّحَمَةِ »(٢) والأوّل أظهر.

وقوله : رحماء ، خبر تكونوا ، ومتراحمين تفسير له ، أو خبر ثان كقوله مغتمين لـمّا غاب عنكم من أمرّهم ، أي لـمّا عجزتم عن تداركه من أمرّ المسلمين ، أو لـمّا بعد عنكم ولم تصل إليه إعانتكم وإذاً لم تطلعوا على أحوالهم تكونوا مغتمّين لعدم الاطلاع ، وقوله : على ما مضى ، متعلّق بجميع ما تقدم ، لا بقوله مغتمّين فقط كما قيل ، وهذا يومئ إلى أن الآية في شأن الأنصار ومدحهم ، ولم يذكره المفسرون ، ويحتمل أن تكون هذه الصفات في الأنصار أكثر وإن كان في قليل من المهاجرين كأمير - المؤمنين وسلمان وأضرابه ، ثمّ قال الطبرسي (ره) : وقال الحسن بلغ من شدتهم على الكفّار أنّهم كانوا يتحرّزون من ثياب المشركين حتّى لا تلتزق بثيابهم ، وعن أبدانهم حتّى لا تمسّ أبدانهم ، وبلغ تراحمهم فيما بينهم أنّ كان لا يرى مؤمن مؤمناً

__________________

(١) سورة الفتح : ٢٩.

(٢) سورة البلد : ١٧.

٥٤

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حقّ على المسلم إذاً أراد سفراً أن يعلم إخوانه وحقّ على إخوانه إذاً قدم أن يأتوه.

(باب)

(التراحم والتعاطف)

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن محبوب ، عن شعيب العقرقوفي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول لأصحابه : اتّقوا الله وكونوا إخوة بررة متحابيّن في الله متواصلين متراحمين تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرّنا وأحيوه.

_________________________________________________

إلّا صافحه وعانقه ، انتهى.

وتكرار التعاطف للتأكيد أو الأوّل للتعاون أو التعاقد عليه وهذا لأصله.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور.

وفيه إيماء إلى أنّه إذا لم يعلمهم عند الذهاب لا يلزم عليهم إتيانه بعد الإياب وإن كان ضعيفاً.

باب التراحم والتعاطف

الحديث الأول : صحيح.

والمراد بأمرهم إمامتهم ودلائلها وفضائلهم وصفاتهم أو الأعمّ منها ومن رواية أخبارهم ونشر آثارهم ومذاكرة علومهم ، وإحياؤها تعاهدها ونسخها وروايتها وحفظها عن الاندراس ، وهذا أظهر.

٥٥

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن كليب الصيداوي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال تواصلوا وتباروا وتراحموا وكونوا إخوة بررة كما أمرّكم الله عز وجل.

٣ - عنه ، عن محمّد بن سنان ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول تواصلوا وتبارَّوا وتراحموا وتعاطفوا.

٤ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي المغراء ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمواساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض حتّى تكونوا كما أمرّكم الله عزَّ وجلَّ : «رُحَماءُ بَيْنَهُمْ » متراحمين مغتمّين لـمّا غاب عنكم من أمرّهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور ، وقد ظهر مضمونه ممّا مرّ.

الحديث الثالث : كالسابق.

يقال : عطف يعطف أي مال وعليه أشفق كتعطّف ، وتعاطفوا عطف بعضهم على بعض.

الحديث الرابع : صحيح.

وقد مرّ بعينه سنداً ومتناً في آخر الباب السابق إلّا أنّ هاهنا « بينهم » موافقاً للفظ الآية.

٥٦

(باب)

(زيارة الإخوان)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن [ عليُّ ] بن فضّال ، عن عليُّ بن عقبة ، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من زار أخاه لله لا لغيره التماس موعد الله وتنجّز ما عند الله وكلّ الله به سبعين ألف ملك ينادونه إلّا طبت و

_________________________________________________

باب زيارة الإخوان

الحديث الأول : موثق كالصحيح.

« لا لغيره » كحسن صورة أو صوت أو مال أو رياء أو جاه وغير ذلك من الأغراض الدنيويّة ، وإمّا إذاً كان لجهة دينية كحقّ تعليم أو هداية أو علم أو صلاح أو زهد. أو عبادة فلا ينافي ذلك ، وقوله التماس ، مفعول لأجله ، والموعد مصدر أي طلب ما وعده الله ، والتنجز طلب الوفاء بالوعد ، ويدلّ على أن طلب الثواب الأخروي لا ينافي الإخلاص كما مرّ في بابه فإنه أيضاً بأمرّ الله والمطلوب منه هو الله لا غيره ، والغاية قسمان قسم هو علة ومقدم في الخارج نحو قعدت عن الحرب جبنا ، وقسم آخر هو متأخر في الخارج ومترتب على الفعل نحو ضربته تأديبا.

فقولهعليه‌السلام : لله من قبيل الأوّل أي لا طاعة أمرّ الله ، وقوله : التماس موعد الله من قبيل الثّاني ، فلا تنافي بينهما.

قوله : طبت وطابت لك الجنّة ، أي طهرت من الذنوب والأدناس الروحانيّة ، وحلّت لك الجنة ونعيمها ، أو دعاء له بالطهارة من الذنوب وتيسر الجنة له سالـمّا من الآفات والعقوبات المتقدمة عليها ، قال في النهاية : قد يردّ الطيب بمعنى الطاهر ، ومنه حديث عليُّعليه‌السلام - لـمّا مات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - : بأبي أنت وأمي طبت حياً وميّتاً أي طهرت ، انتهى.

وقال الطيبي في شرح المشكاة في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طبت وطاب ممشاك : أصل

٥٧

طابت لك الجنّة.

٢ - عنه ، عن عليّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن خيثمة قال دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام أودعه فقال يا خيثمة أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيّهم على فقيرهم وقويّهم على ضعيفهم وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم فإن لقياً بعضهم بعضاً حياة لأمرّنا رحم الله عبداً أحيا أمرّنا يا خيثمة أبلغ موالينا أنّا لا نغني عنهم من الله شيئاً إلا

_________________________________________________

الطيب ما تستلذّه الحواسّ والنفس ، والطيّب من الإنسان من تزكى عن نجاسة الجهل والفسق ، وتحلّى بالعلم ومحاسن الأفعال ، وطبت لها دعاء له بأن يطيب عيشه في الدنيا ، وطاب ممشاك كناية عن سلوك طريق الآخرة بالتعري عن الرذائل أو خبر بذلك.

الحديث الثاني : مجهول.

ويمكن عدّه حسناً لأن خيثمة في هذه المرّتبة مرّدد بين ممدوح ، ومن قيل فيه أسند عنه ، وكأنه أيضاً مدح « أن يعود غنيّهم على فقيرهم » أي ينفعهم قال في القاموس : العائدة المعروف والصلة والمنفعة وهذا أعود أنفع ، وفي المصباح : عاد بمعروفه أفضل والاسم العائدة ، وفي القاموس : لقيه كرضيه لقاء ولقاءة ولقائه ولقيا ولقيا رآه «حياة لأمرّنا» أي سبب لإحياء ديننا وعلومنّا ورواياتنا والقول بإمامتنا «لا نغني عنهم من الله شيئا» أي لا ننفعهم شيئاً من الإغناء والنفع ، أو لا ندفع عنهم من عذاب الله شيئاً قال البيضاوي في قوله تعالى : «لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شيئاً »(١) أي من رحمته أو طاعته على معنى البدلية أو من عذابه ، وقال في قوله عز وجل : «وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شيئاً »(٢) لا يدفع ما كسبوا من الأموال والأوّلاد شيئاً من عذاب الله ، وفي قوله سبحانه : «وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٠.

(٢) سورة الجاثية : ١٠.

٥٨

بعمل وأنّهم لن ينالوا ولايتنا إلّا بالورع وأنَّ أشدّ النّاس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثمَّ خالفه إلى غيره.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمرّ اليماني ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حدّثني جبرئيلعليه‌السلام أن الله عز وجل أهبط إلى الأرض ملكا فأقبل ذلك الملك يمشي حتّى وقع إلى باب عليه رجل يستأذن على رب الدار فقال له الملك ما حاجتك إلى رب هذه الدار قال أخ لي مسلم زرته في الله تبارك وتعالى قال له الملك ما جاء بك إلّا ذاك فقال ما جاء بي إلّا ذاك ؟ فقال إنّي رسول الله إليك وهو يقرئك السلام

_________________________________________________

مِنْ شَيْءٍ »(١) أي ممّا قضى عليكم ، وفي قوله تعالى : «فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا »(٢) أي دافعون عنا من عذاب الله من شيء ، وفي المغرب الغناء بالفتح والمدّ الإجزاء والكفاية ، يقال : أغنيت عنه إذاً أجزأت عنه ، وكفيت كفايته ، وفي الصحّاح : أغنيت عنك مغنى فلان أي أجزأت عنك مجزأه ، ويقال : ما يغني عنك هذا أي ما يجدي عنك وما ينفعك.

قولهعليه‌السلام : وصف عدلاً أي أظهر مذهباً حقّاً ولم يعمل بمقتضاه كمن أظهر موالاة الأئمّةعليهم‌السلام ولم يتابعهم ، أو وصف عملاً صالحاً للنّاس ولم يعمل به.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« حتى دفع(٣) إلى باب » على بناء المفعول أي انتهى وفي بعض النسخ وقع وهو قريب من الأوّل ، قال في المصباح : دفعت إلى كذا بالبناء للمفعول انتهيت إليه ، وقال : وقع في أرض فلاة صار فيها ، ووقع الصيد في الشرك حصل فيه ، ويدلّ على جواز رؤية الملك لغير الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ، وربمّا ينافي ظاهراً بعض الأخبار السابقة في الفرق بين النبيّ والمحدّث ، والجواب أنّه يحتمل أن يكون الزائر نبيّاً أو محدّثاً ،

__________________

(١) سورة يوسف : ٦٧. (٢) سورة إبراهيم : ٢١.

(٣) وفي المتن « وقع » ويأتي في كلام الشارح (ره).

٥٩

ويقول : وجبت لك الجنّة وقال الملك : إنّ الله عزَّ وجلَّ يقول : أيّما مسلم زار مسلـماً فليس إياه زار إياي زار وثوابه عليُّ الجنّة.

٤ - عليُّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليُّ النهدي ، عن الحصين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من زار أخاه في الله قال الله عز وجل إياي زرت وثوابك عليُّ ولست أرضى لك ثواباً دون الجنّة.

٥ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من زار أخاه في جانب المصر ابتغاء وجه الله فهو زوره وحقّ على الله أن يكرم زوره.

_________________________________________________

وغاب عنه عند إلقاء الكلام وإظهار أنّه ملك ، ولـمّا كانت زيارته خالصاً لوجه الله نسب الله سبحانه زيارته إلى ذاته المقدّسة.

الحديث الرابع : مجهول.

« إيّاي زرت » الحصر على المبالغة أي لـمّا كان غرضك إطاعتي وتحصيل رضاي فكأنك لم تزر غيري « ولست أرضى لك ثواباً » أي المثوبات الدنيويّة منقطعة فانية ولا أرضى لك إلّا الثواب الدائم الأخروي وهو الجنّة.

الحديث الخامس : صحيح.

« في جانب المصر » أي ناحية من البلد داخلاً أو خارجاً وهو كناية عن بعد المسافة بينهما « ابتغاء وجه الله » أي ذاته وثوابه أو جهة الله كناية عن رضاه وقربه « فهو زوره » أي زائره وقد يكون جمع زائر والمفردّ هنا أنسب ، وإن أمكن أن يكون المرّاد هو من زوره ، قال في النهاية : الزور الزائر وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم كصوم ونوم بمعنى صائم ونائم ، وقد يكون الزور جمع زائر كركب وراكب.

٦٠