مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 440

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 19945
تحميل: 8522


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19945 / تحميل: 8522
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

حمداً خالداً لوليّ النعم حيث أسعدني بالقيام بنشر

هذا السفر القيم في الملأ الثقافي الديني بهذه الصورة الرائعة.

و لروّاد الفضيلة الذين و ازرونافي انجاز هذا المشروع المقدّس

شكر متواصل.

الشيخ محمد

١

بسم الله الرحمن الرحيم

(باب الكبائر )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : في قول الله عزَّ وجلَّ : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً »(١) قال الكبائر ، الّتي أوجب الله عزَّ وجلَّ عليها النّار.

_________________________________________________

باب الكبائر

الحديث الأول : ضعيف.

«إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ » قال البيضاوي : كبائر الذنوب الّتي نهاكم الله ورسوله عنها «نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم «وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » الجنّة وما وعد من الثواب أو إدخالاً مع كرامة ، انتهى.

ولنحقّق هنا معنى الكبائر وعددها قال الشيخ البهائيقدس‌سره : اختلف آراء الأكابر في تحقيق الكبائر فقال قوم : هي كلّ ذنب توعّد الله عليه بالعقاب في الكتاب العزيز ، وقال بعضهم : هي كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّاً أو صرّح فيه بالوعيد ، وقال طائفة : هي كلّ معصية تؤذن بقّلة اكتراث فاعلها بالدين ، وقال آخرون : كلّ ذنب علم حرمته بدليل قاطع ، وقيل : كلّ ما توعّد عليه تواعداً شديداً في الكتاب أو السنة ، وعن ابن مسعود أنّه قال : اقرؤوا من أول سورة النساء إلى قوله : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » فكلّ ما نهى

__________________

(١) سورة النساء : ٣١.

٢

_________________________________________________

عنه في هذه السورة إلى هذه الآية فهو كبيرة ، وقال جماعة : الذنوب كلّها كبائر لاشتراكها في مخالفة الأمر والنهي لكن قد تطلق الصغيرة والكبيرة على الذنب بالإضافة إلى ما فوقه وما تحته ، فالقبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا ، وكبيرة بالنسبة إلى النظر بشهوة.

قال الشيخ الجليل أمين الإسلام أبو علي الطبرسي طاب ثراه في كتاب مجمع البيان بعد نقل هذا القول : وإلى هذا ذهب أصحابنا رضي الله عنهم فإنّهم قالوا المعاصي كلّها كبيرة لكن بعضها أكبر من بعض ، وليس في الذنوب صغيرة وإنّما يكون صغيراً بالإضافة إلى ما هو أكبر ، ويستحق العقاب عليه أكثر ، انتهى كلامه.

وقال قوم : إنهّا سبع : الشرك بالله ، وقتل النفس الّتي حرم الله ، وقذف المحصنة ، وأكلّ مال اليتيم ، والزنا ، والفرار من الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورووا في ذلك حديثاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزاد بعضهم على ذلك ثلاثة عشر أخرى : اللواط ، والسحر ، والربا ، والغيبة ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة ، والسرقة ، ونكث الصفقة ، والتعرّب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله.

وقد يزاد أربعة عشر أخرى : أكلّ الميتة والدّم ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله من غير ضرورة ، والسحت ، والقمار ، والبخس في الكيل والوزن ، ومعونة الظالمين ، وحبس الحقوق من غير عسر ، والإسراف والتبذير والخيانة والاشتغال بالملاهي ، والإصرار على الذنوب ، وهذه الأربعة عشر منقولة في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام .

فهذه عشرة أقوال في ماهيّة الكبيرة ، وليس على شيء منها دليل تطمئنّ به النفس ، ولعلّ في إخفائها مصلحة لا تهتدي إليه عقولنا كما في إخفاء ليلة القدر و

٣

_________________________________________________

الصلاة الوسطى وغير ذلك.

وقد نقل أصحاب الحديث عن ابن عباس أنّه سئل عن الكبائر أسبع هي؟ فقال : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة ، وربما يقال : ما ذهب إليه الإماميّة من أن الذنوب كلّها كبائر كما نقله الشيخ الطبرسي عنهم كيف يستقيم مع ما تقرر من أن الصغائر مغفورة لمن اجتنب الكبائر كقوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً » فإنه يقتضي أن يكون الكبائر ذنوبا مخصوصة لتجتنب فيحصل باجتنابها تكفير الصغائر ، والحاصل أن تكفير الصغائر باجتناب الكبائر على القول بأن كلا منها أمور مخصوصة معقول فما معناه على القول بأن الوصف بالكبر والصغر إضافيّ؟ وجوابه أن معناه أن من عن له أمران منها ، ودعت نفسه إليهما بحيث لا يتمالك فكفها عن أكبرهما مرتكبا أصغرهما فإنّه يكفر عنه ما ارتكبه لما استحقه من الثواب باجتناب الأكبر ، كمن عن له التقبيل والنظر بشهوة فكف عن التقبيل ، وارتكب النظر. كذا ذكره البيضاوي وصاحب كنز العرفان ، وفيه تأمل فإنه يلزم منه أن من كف نفسه عن قتل شخص ، وقطع يده مثلاً يكون مرتكبا للصغيرة وتكون مكفرة عنه ، اللّهم إلا أن يراد بقوله مرتكبا أصغرهما ما لا أصغر منه من نوعه ، وهو في المثال أقل ما يصدق عليه الضرر لا قطع اليد وفيه ما فيه.

ثم قال (ره) : ومما ذكرنا يظهر أن قولهم العدل من يجتنب الكبائر ولا يصر على الصغائر ينبغي أن يراد به إذا عن له أمران وكف عن الأكبر ولم يصر على الأصغر ، وهذا المعنى وإن كان غير مشهور فيما بينهم لكنه هو الذي يقتضيه النظر ، بناء علي ذلك المذهب ، فما في كلام بعض الأعلام من أنه يلزمهم أن تكون كلّ معصية مخرجة عن العدالة محلّ نظر ، إذ العدالة على ما يظهر من كلامهم

٤

_________________________________________________

ملكة تبعث على كفّ النفس عن الأكبر ، مع عدم الإصرار على الأصغر ، والذنوب وإن كانت كلّها كبائر عندهم لكن ليس كلّ كبيرة عندهم مخرجة عن العدالة ، بل الكبيرة الّتي لم يكفّ عنها إلى الأصغر منها ، والّتي يصرّ عليها.

نعم يلزم من ظاهر كلامه أن العدالة لا تجامع من الذنوب إلا واحداً هو أصغر من الجميع ، ولعلّهم يريدون من الأصغر من كلّ نوع من أنواع الذنوب وإن كان بعد لا يخلو من إشكال.

ثمّ لا يخفى أنّ كلام الشيخ الطبرسي مشعر بأنّ الذنوب كلّها كبائر متّفق عليه بين علماء الإماميّة ، وكفى بالشيخ ناقلاً.

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام(١)

ولكن صرّح بعض أفاضل المتأخّرين منهم بأنّهم مختلفون وأنّ بعضهم قائل ببعض الأقوال السالفة ، ونسب هذا القول إلى رئيس الطائفة والشيخ المفيد وابن البرّاج وأبي الصلاح والمحقق محمد بن إدريس والشيخ أبي علي الطبرسي رضوان الله عليهم ، انتهى كلامه رفع الله مقامه.

وأقول : القول بأنّ الذنوب كلّها كبيرة مخالف لكثير من الآيات والأخبار ، ولعلّ من قال بهذا القول غرضه المنع عن تحقير الذنب والاستهانة بها كما مرّ في الأخبار ، فإن معصية الكبير كبيرة ، ومخالفة الربّ الجليل جليلة ، ولا ينافي ذلك كون بعضها قادحة في العدالة بنفسها ، وبعضها لا تكون قادحة إلا مع الإصرار عليها ، واجتناب بعضها موجبا للعفو عن بعضها ، كما هو صريح هذه الآية الكريمة ، وأمّا نسبة هذا القول إلى جميع الأصحاب ففي غاية الوهن ، فإن الشيخ وإن كان ظاهر

__________________

(١) الشعر لسحيم بن صعب و « حذام » امرئته. وذكر في جامع الشواهد قصة طويلة في سبب انشاده ، فراجع إن شئت.

٥

_________________________________________________

كلامه في العدّة ذلك لكن في المبسوط صرّح بخلافه ، وقسّم الذنوب إلى الصغيرة والكبيرة وتبعه على ذلك ابن حمزة والفاضلان ، وجمهور المتأخّرين ، والقول الأوّل من الأقوال الّتي نقلها الشيخ هو المشهور بين أصحابنا ، ولم أجد في كلامهم اختيار قول آخر وعرّف العلّامة (ره) الكبيرة في كتبه كالقواعد والتحرير بأنها ما توعّد الله عليه النّار ، وهو الظاهر من أكثر الأخبار كهذا الخبر ، لكن يظهر من بعضها أن الكبائر هي الذنوب الّتي أوعد الله عليها النّار في القرآن ، ومن بعضها أنها الّتي أوعد عليها النّار أو وقع فيها تهديد وتأكيد أو لعن وتخويف ، ومن بعضها أنّها الّتي ورد فيها وعيد بالنّار أو عقاب شديد في القرآن أو في السنة المتواترة أو الأعم ، وسنبين ذلك في شرح الأخبار الآتية إنشاء الله تعالى.

وقال بعض العامة : هي ما توعّد الله عليه بعذاب أو قرن بلعنة أو غضب ، ورووا ذلك عن ابن عباس ، وعنه أيضا أن الكبيرة ما نهى الله سبحانه عنه ، وقال الغزالي : هي ما فعل من دون استشعار خوف ولا اعتقاب ندم ، لأن الذي يفعل الذنب بدون أحدهما مجترئ متهاون ، وما وقع منهم مع أحدهما صغيرة ، وقيل : يعرّف الفرق بأن تعرّف مفسدة الذنب ، فإن نقصت عن مفسدة أقل الكبائر المنصوص عليها فهي صغيرة ، وإن ساوتها أو كانت أعظم فهي كبيرة ، فالشرك كبيرة بالنصّ ، وتلطخ الكعبة بالقذر وإلقاء المصحف فيه مساو له ، والزنا والقتل كبيرتان بالنصّ ، وحبس امرأة ليزني بها أو ليقبلها لم ينصّ عليه لكنه أعظم مفسدة من أكلّ مال اليتيم المنصوص عليه ، والفرار من الزحف كبيرة ، والدلالة على عورة المسلمين مع العلم بأنّهم يسبون أموالهم وذراريهم لم ينصّ عليه ولكنه أعظم من الفرار من الزحف ، وكذلك لو كذب على مسلم كذبة يعلم أنّه يقتل بها ، ولا يخفى ما في تلك الوجوه من الوهن والضعف ، وما في هذا الخبر الظاهر أن الكبائر مبتدأ والّتي خبر ، و

٦

٢ - عنه ، عن ابن محبوب قال كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسنعليه‌السلام يسأله عن الكبائر كم هي وما هي ؟ فكتب الكبائر : من اجتنب ما وعد الله عليه

_________________________________________________

يحتمل أن يكون الكبائر خبر مبتدء محذوف والّتي صفته ، أي الكبائر المذكورة في الآية هي هذه فالصفة إمّا موضحة أو احترازيّة ، وعلى الأخير لا ينافي كون جميع الذنوب كبائر لكنّه بعيد.

الحديث الثاني : صحيح.

« كتب معي » أي كنت حامل الكتاب « كم هي؟ » سؤال عن عددها « وما هي؟ » سؤال عن حقيقتها ، وكان الأنسب تقديم الثاني على الأوّل ولذا عكسعليه‌السلام الترتيب في الجواب « فكتب : الكبائر » أي سألت عن الكبائر أو هو خبر مبتدء محذوف ، بتقدير مضافين ، أي هذا بيان حقيقة الكبائر ، والحاصل أنّه كتب لفظ الكبائر في صدر الكتاب ليعلم أن ما بعدها متعلق ببيانها كما هو المتعارف في ذكر العنوانات ، ثم بينعليه‌السلام حقيقة الكبائر فقال « من اجتنب » فهو مبتدء وكفر على بناء المعلوم أو المجهول خبره ، ويظهر منه بتوسط الآية المتقدمة حقيقة الكبائر فإنهعليه‌السلام ذكر مضمون الآية ، وذكر مكان الكبائر المذكورة في الآية ما وعد الله عليه النّار ، والوعد هنا بمعنى الوعيد ، ثم بينعليه‌السلام عدد الكبائر بقوله : والسبع الموجبات ، بالكسر ، ويحتمل الفتح أي السبع الغير المكفرة الموجبات للنار بمقتضى وعيده ، فهو مبتدء وقتل النفس خبره ، وهذا أظهر الوجوه في تأويل الخبر وأوّلها.

وثانيها : أن يكون الكبائر مبتدء وجملة من اجتنب خبراً ، فيكون من باب إقامة المظهر موضع المضمر ، لأنّ حاصله : الكبائر من اجتنبها كفر عنه سائر سيّئاته ، وإنّما عبر كذلك لبيان معنى الكبيرة كما مرّ.

وثالثها : أن يكون الكبائر مبتدء ومن اجتنب خبره بتقدير مضاف ، أي ذنوب من اجتنب ، فقوله : كفر عنه سيّئاته جملة معترضة والسبع الموجبات معطوف على

٧

النّار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق

_________________________________________________

الخبر عطفاً تفسيريّاً ولا يخفى بعده.

وأقول : على هذا الوجه يمكن التقدير في المبتدء أي مجتنب الكبائر ، وعلى الوجهين تكون من موصولة لا شرطيّة.

ورابعها : ما أفاده الوالد قدّس الله روحه وهو أنهعليه‌السلام أراد بيان معنيين للكبائر جمعا بين الأخبار النبوية المختلفة الواردة في ذلك ، وحاصله أنه قد تطلق الكبيرة على ما يصير اجتنابها سببا لتكفير غيرها وقد تطلق على الذنوب المغلظة الّتي تخرج فاعلها من الإيمان ويستوجب بها دخول النّار ، فالحاصل أنه قالعليه‌السلام سألت عن الكبائر فأما في هذه الآية فالمراد بها ما أوعد الله عليه النّار ، وهي أكثر من السبع كما يظهر من خبر عمرو بن عبيد ، وأما الكبائر الموجبة للنار فسبع ، وهذا وجه وجيه.

وخامسها : ما قيل أن السبع الموجبات عطف على ما وعد الله ، أي من اجتنب السبع الموجبات كفّر عنه سيّئاته ، من باب عطف الخاص على العام ، لأن الكبائر أكثر منها أو من عطف المفصل على المجمل.

« قتل النفس الحرام » يمكن شموله لقتل النفس أيضا ، وقتل المعاهد « وعقوق الوالدين » أصل العق الشق ، يقال : عق الولد أباه إذا قطع عنه وعصاه وآذاه ، وترك الإحسان إليه ، وأما الإيذاء القليل وترك بعض الحقوق فلا يسمى عقوقاً ، وإن كان حراماً ، كما روى الشيخ في الصحيح عن عمر بن يزيد قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن إمام لا بأس به في جميع أمره عارف ، غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما ، أقرأ خلفه؟ قال : لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقاً قاطعاً ، وقد مر بعض الكلام فيه وسيأتي إنشاء الله.

٨

الوالدين ، وأكل الرّبا ، والتعرُّب بعد الهجرة وقذف المحصنات ، وأكل مال

_________________________________________________

« وأكل الربا » الربا لغة الزيادة ، وشرعاً بيع أحد المتماثلين المقدّرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرععليه‌السلام أو في العادة ، بالآخر مع زيادة في أحدهما حقيقة أو حكما ، أو اقتراض أحدهما مع الزيادة وإن لم يكونا مقدرين بهما إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا ، ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده ولا زوجا مع زوجته ، وتحريمه ثابت بالنصّ والإجماع ، وهو من أعظم الكبائر الموبقات ، حتى أن الدرهم منه أعظم من سبعين زنية كلّها بذات محرم ، رواه هشام بن سالم عن الصادقعليه‌السلام والتخصيص بالأكلّ لأنه أعظم ما يكتسب له حقيقة أو عادة ، على أنّه شاع في عرّف العرب والعجم إطلاق الأكلّ على جميع وجوه التصرفات.

« والتعرّب بعد الهجرة » قال في النهاية فيه : ثلاث من الكبائر منها التعرّب بعد الهجرة ، هو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجراً ، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد ، انتهى.

واعلم أنه اختلف العلماء في أن الهجرة هل تكون بعد فتح مكة أو نسخ وجوبه بعد ذلك كما روي أنّه لا هجرة بعد الفتح ، وعلى القول بكونها بعد الفتح ففي أعصار الأئمة الذين جاهدوا كان يجب الهجرة إليهم لنصرتهم ، وفي أعصار سائر الأئمةعليهم‌السلام كان يجب الهجرة إليهم لعرض الولاية والنصرة عليهم ، وتعلم الأحكام منهم ، وأما في أعصار الغيبة فالهجرة من بلاد الكفّر إلى بلاد الإسلام ، ومن بلاد لا يمكن فيها تعلم الأحكام إلى بلاد يتيسر فيها ذلك ، فالتعرّب ترك الهجرة بعد الإتيان بها ، ولا ينافي ذلك قوله تعالى : «فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كلّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ »(١) لأنّه ذكر في الآية

__________________

(١) سورة التوبة : ١٢٢.

٩

_________________________________________________

وجهان : أحدهما : أن يكون المراد عدم اتّفاقهم على النفور إلى الجهاد ، بل يجب أن يبقى جماعة عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتفقّه وهو الجهاد الأكبر ، فإذا رجع النافرون من الجهاد أنذرهم المتخلّفون ، وثانيهما : هو المعنى الظاهر وهو أن ينفر من كلّ فرقة طائفة فيأتوا النبي أو الإمامعليهما‌السلام للتفقّه ثمّ يرجعوا بعد التفقّه إلى قومهم لإنذارهم وتعليمهم ، فعلى أول الوجهين عدم التنافي ظاهر ، وعلى الثاني فيمكن أن يقال : التعرّب إنّما يكون مذموماً إذا كان بغير إذن النبي أو الإمام ، فإذا كان بإذن يقال : التعرّب إنما يكون مذموما إذا كان بغير إذن النبي أو الإمام ، فإذا كان بإذن أحدهما للإنذار فلا تعرب ، أو يقال التعرّب إنما نهي عنه لاستلزامه ترك الدين والبعد عن العلم والآداب ، كما قال تعالى : «الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ »(١) فإذا كان بعد الكمال في الفقه والعلم لا يكون تعربا ، ولذا ورد أن التعرّب هو ترك التعلم أو ترك الدين فإن النهي عن التعرّب إنما هو لأحدهما وقد مر في كتاب العقل عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : تفقهوا في الدين فإنّه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي ، إن الله تعالى يقول في كتابه «لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ».

وقد روي في معاني الأخبار عن حذيفة بن منصور قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : المتعرب بعد الهجرة التارك لهذا الأمر بعد معرفته.

وقال بعض أصحابنا : التعرّب بعد الهجرة في زماننا هذا أن يشتغل الإنسان بتحصيل العلم ثمّ يتركه ويصير منه غريباً. وقال العلّامةقدس‌سره في المنتهى : لما نزل قوله تعالى : «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها »(٢) أوجب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المهاجرة على من يضعف عن إظهار شعائر الإسلام ، واعلم أنّ الناس في الهجرة على أقسام ثلاثة : أحدها : من يجب عليه

__________________

(١) سورة التوبة : ٩٧.

(٢) سورة النساء : ٩٧.

١٠

_________________________________________________

وهو من أسلم في بلاد الشرك ، وكان مستضعفاً فيهم لا يمكنه إظهار دينه ولا عذر له من مرض وغيره ، لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً »(١) .

الثاني : من لا يجب عليه لكن يستحبّ له المهاجرة وهو من أسلم من المشركين وله عشيرة تحميه عن المشركين ، يمكنه إظهار دينه ويكون آمنا على نفسه مع مقامه بين أظهرهم كالعباس ، ولهذا بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الحديبية إلى أهل مكّة عثمان لأن عشيرته كانت أقوى بمكة ، وإنّما لم يجب عليه المهاجرة لتمكنه من إظهار دينه وعدم مبالاته بهم ، وإنّما استحبّت له لأنّ فيه تكثيراً لعددهم ، واختلاطاً بهم.

الثالث : من لا تجب عليه ولا تستحبّ له ، وهو من كان له عذر يمنعه من المهاجرة من مرض أو ضعف أو عدم نفقة أو غير ذلك ، فلا جناح عليه لقوله تعالى : «إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ »(٢) ولأنهّم غير متمكّنين وكانوا بمنزلة المكرهين ، فلا إثم عليهم ، ولو تجدّدت له القدرة وجبت عليه المهاجرة.

إذا ثبت هذا فإن الهجرة باقية ما دام الشرك باقياً لوجود المقتضي وهو الكفّر الذي يعجز معه من إظهار شعائر الإسلام ، ولما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مشرقها ، وأما ما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لا هجرة بعد الفتح ، فله تأويلان : أحدهما : أنّه أراد لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح ، لأن الهجرة قبل الفتح

__________________

(١ و ٢) سورة النساء : ٩٧ - ٩٨.

١١

_________________________________________________

كانت أفضل منها بعد الفتح ، وكذا الإنفاق لقوله تعالى : «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا »(١) الثاني : أنّه أراد لا هجرة من مكة لأنها صارت دار الإسلام أبدا ، انتهى.

وأقول : يخطر بالبال أنه يحتمل أن يكون المراد بالتعرّب بعد الهجرة اختيار الأعرابية وترك الهجرة بعد وجوب الهجرة ونزول حكمها كالربا بعد البينة ، وعلى التقادير ترك الهجرة ابتداء أو بعد ارتكابها مما أوعد الله عليه النّار ، حيث قال : «فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ » الآية.

« وقذف المحصنة » أي رميها بالزنا ، وكان رمي المحصن به أو باللواط مثله ، والتخصيص لكونه أشنع ، ويحتمل الاختصاص لورود اللعن ووعيد العذاب ، والحكم بالفسق فيه ، والمحصنة العفيفة غير المشهورة بالزنا وظاهر الخبر شموله لما إذا كان القاذف رجلا أو امرأة ، وإن كان ظاهر الآيات التخصيص بالرجال ، لكن أجمعوا على أن حكم النساء أيضا في الحد كذلك.

قال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ »(٢) أي يقذفون العفائف من النساء بالفجور والزنا «ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ » ثم قال : والآية وردت في النساء وحكم الرجال حكمهن في ذلك بالإجماع. وقال المحقق الأردبيلي قدس الله روحه : والظاهر أن المذكر في الذين غلب كالتأنيث في المحصنات ، فلو قذفت امرأة وقذف رجل محصن به يكون الحكم كذلك بالإجماع المنقول في « ن » وغيره.

وأقول : كذا الكلام في قوله سبحانه : «الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ

__________________

(١) سورة الحديد : ١٠.

(٢) سورة النور : ٤.

١٢

اليتيم والفرار من الزَّحف.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن مسكان

_________________________________________________

الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ »(١) .

« وأكلّ مال اليتيم » الأكل يعمّ وجوه التصرّفات كما مر ، واليتيم في الناس من فقد أباه ، وفي البهائم من فقد أمه بشرط الصغر فيهما ، وقال الزمخشري : لا يشترط لوجود الانفراد في الكبير أيضا إلّا أنّه غلب استعماله في الصغير ، وقال : حديث لا يتم بعد البلوغ ، تعليم شريعة لا تعليم لغة ، والمراد هنا الصغير وهو مقيد بأكله ظلماً كما قيد به في الآية فلا ينافي ما جوزه أكثر الأصحاب للولي الأكلّ بالمعروف لقوله تعالى : «فَلْيَأْكلّ بِالْمَعْرُوفِ »(٢) وكذا إذا خلط ماله بمال نفسه مع رعاية الغبطة كما هو ظاهر الآية والأخبار ، وسيأتي تفاصيل تلك الأمور في محالها إنشاء الله.

« والفرار من الزحف » الزحف المشي يقال : زحف إليه زحفا وزحوفا من باب منع أي مشى ، ويطلق على الجيش الكبير تسمية بالمصدر ، والفرار من العدو بعد الالتقاء بشرط أن لا يزيدوا على الضعف كبيرة ، إلا في التحرف لقتال أو التحيز إلى فئة ، والمراد بالتحرف لقتال الاستعداد له بأن يصلح آلات الحرب أو يطلب الطعام والماء لجوعه أو عطشه ، أو يجتنب عن مواجهة الشمس والريح ، أو يطلب مكانا أحسن أو نحو ذلك ، وقيل : هو الكر بعد الفر يخيل عدوه أنه ينهزم ، ثم ينعطف عليه وهو نوع من مكائد الحرب ، والمراد بالتحيز إلى فئة الرجوع إليهم للاستعانة بهم مع صلاحيتهم لها ، وعدم البعد المفرط بحيث يعد الرجوع إليهم فراراً ، وهذه السبعة كلّها مما أوعد الله عليه النّار صريحا أو ورد فيه ذم بليغ يستلزم العقاب كما سيأتي بيانها إنشاء الله تعالى.

الحديث الثالث : صحيح.

__________________

(١) سورة النور : ٢٣.

(٢) سورة النساء : ٦.

١٣

عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول :الكبائر سبع قتل المؤمن متعمّداً وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرّب بعد الهجرة وأكل

_________________________________________________

« قتل المؤمن متعمداً » الظاهر أن التعمد في مقابلة الخطإ ، وقد وقع في بعض الروايات أن المتعمد هو أن يقتله لإيمانه ليكون الخلود بمعناه. « وأكلّ الربا بعد البينة » أي بعد الموعظة البينة أو الآية البينة. والمراد بعد العلم فيكون قبله من الصغائر ، والمعنى أن الربا الذي يأكلّها ويتصرف فيها بعد العلم ، فهو من الكبائر وأما ما أخذه قبل العلم فهو له ، ولا يجب عليه ردّه ولا يحرم عليه لقوله تعالى : «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ »(١) لكن اختلف الأصحاب في أن هذا الحكم هل كان مختصا بصدر الإسلام قبل نزول آية تحريم الربّا أو جار بعده في كلّ من لم يعلم حرمة الربّا مطلقاً أو حرمة بعض شقوقه.

قال الطبرسي (ره) : «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ » معناه فمن جاءه زجر أو نهي وتذكير من ربه فانزجر وتذكر واعتبر «فَلَهُ ما سَلَفَ » معناه : فله ما أخذ وأكلّ من الربا قبل النهي لا يلزمه رده ، قال الباقرعليه‌السلام : من أدرك الإسلام وتاب مما كان عليه في الجاهلية وضع الله عنه ما سلف ، وقال السدي : معناه له ما أكلّ وليس عليه رد ما سلف ، فأما ما لم يقبض بعد فلا يجوز له أخذه وله رأس المال.

«وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ » معناه : وأمره بعد مجيء الموعظة والتحريم والانتهاء إلى الله إن شاء عصمه عن أكله وثبته في انتهائه ، وإن شاء خذله ، وقيل : معناه : وأمره إلى الله في حكم الآخرة إن لم يتب وهو غير مستحل له إن شاء عذبه بعدله وإن شاء عفا عنه بفضله وقيل : معناه وأمره إلى الله فلا يؤاخذه بما سلف من الربا «وَمَنْ عادَ » إلى أكلّ الربا بعد التحريم وقال ما كان يقوله قبل مجيء الموعظة من أن البيع مثل الربا «فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّار هُمْ فِيها خالِدُونَ » لأن ذلك القول لا يصدر إلا من كافر مستحل للرباء ، انتهى.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٧٥.

١٤

مال اليتيم ظلماً وأكلّ الربا بعد البيّنة ، وكلُّ ما أوجب الله عليه النّار.

٤ - يونس ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن من الكبائر عقوق الوالدين واليأس من روح الله والأمن لمكر الله وقد روي [ أن ] أكبر الكبائر الشرك بالله.

٥ - يونس ، عن حمّاد ، عن نعمان الرَّازي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول

_________________________________________________

وقال العلّامة روّح الله روحه في التذكرة : يجب على آخذ الربا المحرم رده على مالكه إن عرفه وإن لم يعرفه تصدق به عنه ، ثم قال : هذا إذا فعل الربا متعمدا وأما إذا فعله جاهلا بتحريمه فالأقوى أنه كذلك ، وقيل : لا يجب عليه رده لقوله تعالى : «فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ » الآية ، وهو يتناول المال الذي أخذه على وجه الربا ، وسئل الصادقعليه‌السلام عن الرجل يأكلّ الربا وهو يرى أنه له خلال قال : لا يضره حتى يصيبه متعمدا فهي بمنزلة الربا الّتي قال الله تعالى.

« وكلّ ما أوجب الله عليه النّار » أي بسببه أو على فاعله ، ولما كان ما سوى هذه الست من الكبائر ليست في مرتبتها لم يعد معها مفصلاً كأنّها بمجموعها كواحد منها.

الحديث الرابع : صحيح.

« من روح الله » أي من رحمته الواسعة المريحة من الشدائد « والأمن لمكر الله » أي عذابه أو استدراجه وإمهاله عند المعاصي ، قال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال الله عزَّ وجلَّ : «وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ »(١) ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح قال تعالى : «وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ »(٢) . وكان المراد بالشرك جميع أنواع الكفّر كما قال تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ »(٣) .

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٤. (٢) سورة فاطر : ٤٣.

(٣) سورة النساء : ١١٦.

١٥

من زنى خرج من الإيمان ، ومن شرب الخمر خرج من الإيمان ومن أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً خرج من الإيمان.

٦ - عنه ، عن محمّد بن عبدة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : لا يزني الزَّاني

_________________________________________________

الحديث الخامس : مجهول.

والروايات الدالة على أنّ الكبائر مخرجة من الإيمان لا سيما حين ارتكابها كثيرة ، والقول فيها متفرّع على الاختلاف في حقيقة الإيمان وأن الأعمال داخلة في الإيمان أم لا ، وقد تكلمنا فيه في شرح أبواب الإيمان ، وللقوم في تأويلها مسالك شتى فمنهم من حملها على ظاهرها ، ومنهم من حملها علي نفي الكمال وزواله من باب نفي الشيء بنفي صفته وغايته ، نحو لا علم إلا ما نفع ، ومنهم من حملها على أنه ليس آمنا من عقوبة الله ، وأورد عليهما بأنه لا وجه لتخصيص هذه المعاصي بل الجميع كذلك ، ولا للتخصيص بوقت الفعل كما في بعض الروايات.

وقد يجاب عن الأوّل بأن الحكم غير مختص بهذه المعاصي ، بل نبه بالزنا على جميع ما حرمه الله من الشهوات ، وبالخمر على جميع ما يشغل عن الله ، وبالسرقة على الرغبة في الدنيا وأخذ الشيء من غير وجهه ، ويؤيده ما سيأتي من رواية محمّد بن حكيم ، ومنهم من حملها على نفي اسم المدح أي لا يقال له مؤمن ، بل يقال له زان أو شارب أو سارق ، وقالت المعتزلة : الفاسق لا يسمى مؤمنا.

ومنهم من حملها على زوال النور الناشئ من الإيمان ، وهو منقول عن ابن عباس وأيده بقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من زنى نزع الله. نور الإيمان من قلبه فإن شاء رده إليه.

ومنهم من حملها على زوال استحضار الإيمان أي لا يزني الزَّاني وهو مستحضر للإيمان ، ويقرب منه قول الفخر الرازي : لا يزني الزَّاني وهو عاقل ، لأن المعصية مع استحضار العقوبة مرجوحة والحكم بالمرجوح خلاف المعقول ، ومنهم من حملها على نفي الحياء أي لا يزني الزَّاني وهو مستحيي من الله ، والحياء خصلة من الإيمان.

١٦

وهو مؤمن قال لا ، إذا كان على بطنها سلب الإيمان منه فإذا قام رد إليه فإذا عاد سلب قلت فإنه يريد أن يعود فقال ما أكثر من يريد أن يعود فلا يعود إليه أبدا.

٧ - يونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ »(١) قال الفواحش الزنى والسرقة

_________________________________________________

الحديث السادس : مجهول.

« لا يزني الزَّاني » سيأتي في الثالث عشر « يزني » والسائل واحد ، وهو أظهر ، وإن كان مفادهما واحدّاً إذ كلمة « لا » هنا في كلامه ليس لنفي ، بل لتصديق النفي « سلب الإيمان » الإيمان إما مرفوع بنيابة الفاعل أو منصوب بكونه ثاني مفعولي سلب ، والمفعول الأوّل النائب للفاعل الضمير الراجع إلى الزَّاني « فقال ما أكثر من يريد » الحاصل أنه ليس لإرادة العود حكم العود كما أن إرادة أصل المعصية ليست كنفس المعصية فإنّها صغيرة مكفرة كما سيأتي ، ولو لم تكن مكفرة بعد الفعل باعتبار ترك التوبة والإصرار على الذنب فلا ريب أن أصل الفعل أشد.

الحديث السابع : موثق.

قال الله تعالى في سورة النجم : «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » قال الطبرسي (ره) : ثم وصف الذين أحسنوا فقال : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ » أي عظائم الذنوب «وَالْفَواحِشَ » جمع فاحشة وهي أقبح الذنوب وأفحشها ، وقد قيل : إن الكبيرة كلّ ذنب ختم بالنّار ، والفاحشة كلّ ذنب فيه الحد «إِلاَّ اللَّمَمَ » اختلف في معناه فقيل : هو صغار الذنوب كالنظر والقبلة وما كان دون الزنا عن ابن عباس ، وقيل : هي ما ألموا به في الجاهلية من الإثم فإنه معفو عنه في الإسلام ، فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا ، وقيل : هو أن يلم بالذنب

__________________

(١) سورة النجم : ٣٢.

١٧

_________________________________________________

مرّة ثمّ يتوب منه ولا يعود عن الحسن والسدّي وهو اختيار الزجاج لأنه قال : اللّمم هو أن يكون الإنسان قد ألمّ بالمعصية ، ولم يقم على ذلك ، ويدل على ذلك قوله : «إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » قال ابن عباس : لمن فعل ذلك وتاب ، ومعناه أن رحمته واسعة تسع جميع الذنوب ولا تضيق عنها.

وقال البيضاوي : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ » ما يكبر عقابه من الذنوب ، وهو ما رتّب الوعيد عليه بخصوصه ، وقيل : ما أوجب الحد «وَالْفَواحِشَ » وما فحش من الكبائر خصوصا «إِلاَّ اللَّمَمَ » أي ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر والاستثناء منقطع ، ومحل الذين النصب علي الصفة أو المدح ، أو الرفع على أنه خبر محذوف «إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ » حيث يغفر الصغائر باجتناب الكبائر ، أوله أن يغفر ما شاء من الذنوب صغيرها وكبيرها ، ولعله عقب به وعيد المسيئين ، ووعد المحسنين ، لئلّا ييأس صاحب الكبيرة من رحمته ولا يتوهم وجوب العقاب على الله تعالى.

وقال الراغب : اللمم مقاربة المعصية وعبر به عن الصغيرة ويقال : فلان يفعل كذا لمما أي حينا بعد حين ، وذلك قوله : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ » وهو من قولك ألممت بكذا إذا نزلت به وقاربته من غير مواقعة ، وفي القاموس : ألم باشر اللمم ، وهو محركة صغار الذنوب.

قولهعليه‌السلام : الفواحش الزنا والسرقة ، الزنا بالكسر والقصر ، والسرقة مثل كلمة والفعل من باب ضرب ، وكان ذكرهما على المثال ، والمراد كلّ ما رتّب الله عليه حدّاً وذكرها بعد الكبائر تخصيص بعد التعميم.

« واللمم الرجل » أي فعل الرجل أو حاله كقوله تعالى : «وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى »(١)

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

١٨

واللّمم : الرجل يلمُّ بالذَّنب فيستغفر الله منه قلت : بين الضّلال والكفّر منزلة ؟ فقال ما أكثر عرى الإيمان.

_________________________________________________

« يلمّ » على بناء الأفعال ، والمراد بالذنب الصغائر وذكر الاستغفار لعدم تحقق الإصرار فتلحق بالكبائر لأنه لا صغيرة مع الإصرار فالاستثناء منقطع ، وربما يحمل الاستغفار على التلفظ به من غير تحقق شرائط التوبة ، ليتحقق الفرق بينها وبين الكبائر ، أو الكبائر(١) فإنها مع الاستغفار مغفورة كما ورد : ولا كبيرة مع الاستغفار ، وحينئذ لا ينافي القول بأن الذنوب كلّها كبيرة ، وقيل : اللمم بالتحريك مقاربة الذنب ، وقيل : هو الصغائر ، وقيل : هو أن يفعل الصغيرة ثم لا يعاوده كالقبلة والتفخيذ وغيرهما مما تكفره الصلاة وقيل : هو أن يلم بالشيء ولا يفعله.

قوله : بين الضلال والكفّر منزلة ، هذا السؤال وجوابه يحتملان وجوها :

« الأوّل » أن يكون المعنى هل بين حصول أول مراتب الضلال وحصول الكفّر منزلة وواسطة؟ فأجابعليه‌السلام بأن المنازل كثيرة فإن فعل الفرائض بل مطلق العبادات وترك المعاصي من عرى الإيمان ، فإذا انتفى واحد منها دخل في الضلال ، فالمراد بالضلال الخروج عن الكفّر وعدم الدخول في الإيمان الكامل.

الثاني : أن يكون المراد بالضلال التكلم بالكلمتين وترك الولاية والقول بالإمامة إما مطلقاً أو مع عدم التعصّب في الباطل ، وعدم التمّكن من الحجة والبرهان كما هو مصطلح الأخبار ، وسيأتي بعضها ، فحاصل السؤال أنّه هل يكون بعد الإيمان منزلة سوى الكفّر والضلال؟ فأجابعليه‌السلام بأن عرى الإيمان وشرائطه الّتي يجب التمسك بها كثيرة فمن تمسّك بجميعها فهو مؤمن ، ومن لم يتمسك بجميعها فإما أن يكون ترك جميعها بأن لم يقر بالشهادتين أيضا فهو كافر ، وإما أن يكون أقر

__________________

(١) عطف على قوله « الصغائر » فى قوله : والمراد بالذنب الصغائر.

١٩

٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الكبائر ، فقال هن في كتاب

_________________________________________________

بالشهادتين وترك عمدة ما بقي وهي الولاية فهو ضالّ ، وإن تمسك بالولاية أيضا وترك بعض الفرائض أو أتى ببعض الكبائر فهو فاسق ، فهذه منزلة بين الكفّر والضلال ، أي ليس بكفّر ولا ضلال.

الثالث : ما ذكره بعض المحققّين وهو أنّه أراد السائل هل يوجد ضال ليس بكافر أو كلّ من كان ضالا فهو كافر؟ فأشارعليه‌السلام في جوابه باختيار الشق الأوّل ، وبين ذلك بأن عرى الإيمان كثيرة ، منها ما هو بحيث من يتركها يصير كافراً ، ومنها ما هو بحيث من يتركها لا يصير كافرا بل يصير ضالاً فقد تحقق المنزلة بينهما بتحقق بعض عرى الإيمان دون بعض.

الرابع : ما قيل أن المراد إثبات المنزلة بينهما بأن الضال من دخل في الإسلام ولم يدخل في الإيمان ، والكافر من لم يدخل في الإسلام ، فبينهما منزلة عريضة هي من الإيمان ، وله مراتب كما أشار إليه بقوله : ما أكثر عرى الإيمان ، وهي أركان الإيمان وآثاره الّتي بها يكمل الإيمان ويستقر على سبيل تشبيهها بعروة الكوز في احتياج حملها إلى التمسك بها ، فالإيمان بجميع مراتبه منزلة بينهما.

الخامس : ما قيل أيضاً أن المراد بالكفّر أعم من الخروج من الإيمان وترك رعاية شيء من آثاره ، وإطلاقه على هذا المعنى الأعم شائع ، وحينئذ الإيمان الحقيقي وهو المقرون بجميع آثاره منزلة بينهما.

وأقول : كان الوجهين اللذين خطراً بالبال ذكرناهما أولاً أظهر الوجوه ، وإن كان أكثرها متقاربة.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

الكفر بالله شامل لإنكار جميع العقائد الإيمانيّة والمخالفون أيضاً داخلون

٢٠