مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 440

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 19972
تحميل: 8522


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19972 / تحميل: 8522
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

(باب من يتقى شره )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بينا هو ذات يوم عند عائشة إذا استأذن عليه رجل فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بئس أخو العشيرة ، فقامت عائشة فدخلت البيت وأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل فلمّا دخل أقبل عليه بوجهه وبشره إليه يحدَّثه حتّى إذا فرغ وخرج من عنده قالت عائشة يا رسول الله بينا أنت تذكر هذا الرجل بما ذكرته به إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عند ذلك إن من شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه.

_________________________________________________

باب من يتقى شره

الحديث الأوّل : موثق.

وفي القاموس : عشيرة الرجل بنو أبيه الأدنون أو قبيلته وفي المصباح تقول هو أخو تميم أيّ واحد منهم ، انتهى.

وقرأ بعض الأفاضل العشيرة بضم العين وفتح الشين تصغير العشرة بالكسر ، أيّ المعاشرة ، ولا يخفى ما فيه و « بشره » بالرفع و « إليه » خبره ، والجملة حالية كيحدَّثه ، وليس في بعض النسخ « عليه » أو لا فبشره مجرور عطفاً على وجهه ، وهو أظهر ، ويحتمل زيادة إليه آخرا كما يومئ إليه قولها إذ أقبلت عليه بوجهك وبشرك.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن من شر عباد الله ، إما عذرّ لما قاله أوّلاً أو لما فعله آخراً ، أوّلهما معا فتأمل جدا.

ونظير هذا الحديث رواه مخالفوناً عن عروة بن الزبير قال : حدثتني عائشة إن رجلاً استأذن على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ائذنوا له فلبئس ابن العشيرة ، فلمّا دخل

٢٨١

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد الله

_________________________________________________

عليه ألان له القول ، قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله قلت له الذي قلت ثمَّ ألنت له القول؟ قال : يا عائشة إن شر النّاس منزلة عند الله يوم القيامة من ودعه النّاس أو تركه اتقاء فحشه.

قال عياض : قوله : لبئس ، ذم له في الغيبة والرجل عيينة بن حصن الفزاري ، ولم يكن أسلّم حينئذ ، ففيه لا غيبة على فاسق ومبتدع ، وإن كان قد أسلّم فيكونعليه‌السلام أراد أن يبين حاله ، وفي ذلك الذم يعني لبئس ، علم من أعلام النبوة ، فإنه ارتد وجيء به إلى أبي بكر وله مع عمر خبر.

وفيه أيضاً أن المداراة مع الفسقة والكفرة مباحة وتستحب في بعض الأحوال بخلاف المداهنة المحرمة ، والفرق بينهما أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدين أو الدنيا ، والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا ، والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذل له من دنياه حسن العشرة وطلاقة الوجه ، ولم يرو أنه مدحه حتّى يكون ذلك خلاف قوله لعائشة ، ولا من ذي الوجهين وهوعليه‌السلام منزه عن ذلك ، وحديثه هذا أصل في جواز المداراة وغيبة أهل الفسق والبدع.

وقال القرطبي : قيل أسلّم هو قبل الفتح وقيل بعده ، ولكن الحديث دل على أنه شر النّاس منزلة عند الله ولا يكون كذلك حتّى يختم له بالكفّر ، والله سبحانه أعلم بما ختم له وكان من المؤلفة وجفاة الأعراب.

وقال النخعي : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير إذن فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأين الإذن؟ فقال : ما استأذنت على أحد من مضر ، فقالت عائشة : من هذا يا رسول الله؟ قال : هذا أحمق مطاع ، وهو على ما ترين سيد قومه ، وكان يسمى الأحمق المطاع ، وقال الآبي : هذا منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعليم لغيره لأنه أرفع من أن يتقى فحش كلامه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

٢٨٢

عليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : شر النّاس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم.

٣ - عنه ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من خاف النّاس لسانه فهو في النّار.

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شر النّاس يوم القيامة الذين يكرمون اتّقاء شّرهم.

(باب البغي )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن ابن قداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن أعجل الشر عقوبة البغي.

_________________________________________________

« يكرمون » على بناء المجهول.

الحديث الثالث : صحيح.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

باب البغي

الحديث الأول : ضعيف.

والبغي مجاوزة الحدّ وطلب الرفعة والاستطالة على الغير ، في القاموس : بغى عليه يبغي بغياً علا وظلم وعدل عن الحقّ واستطال وكذب ، وفي مشيته : اختال ، والبغي الكثير من البطر ، وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل ، وقال الراغب : البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه أو لم يتجاوزه ، فتارة يعتبر في الكمية وتارة في الكيفيّة ، يقال : بغيت الشيء إذا طلبت أكثر ممّا يجب ، وابتغيت كذلك ،

٢٨٣

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله

_________________________________________________

والبغي على ضربين محمود وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوّع ، ومذموم وهو تجاوز الحقّ إلى الباطل ، وبغى تكبر وذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له ويستعمل ذلك في أيّ أمر كان ، قال تعالى : «يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الحقّ »(١) وقال : «إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ »(٢) و «بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ »(٣) «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيهمُّ »(٤) وقال تعالى : «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الّتي تَبْغِي »(٥) فالبغي في أكثر المواضع مذموم ، انتهى.

والمراد بتعجيل عقوبته أنها تصل إليه في الدنيا أيضاً بل تصل إليه فيها سريعاً.

وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال : ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ، إن الباطل كان زهوقاً.

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من سل سيف البغي قتل به.

والظاهر أن ذلك من قبل الله تعالى عقوبة على البغي وزجراً عنه وعبرة ، لا لما قيل : سر ذلك أن النّاس لا يتركونه بل ينالونه بمثل ما نالهم أو بأشدّ ، وتلك عقوبة حاضرة جلبها إلى نفسه من وجوه متكثرة ، انتهى ، وأقول : ممّا يضعف ذلك إنّا نرى أن الباغي يبتلي غالباً بغير من بغى عليه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« فإنّهما يعدلان » إلخ ، أيّ في الإخراج من الدين والعقوبة والتأثير في فساد

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢.

(٢) سورة يونس : ٢٣.

(٣) سورة الحج : ٦٠.

(٤) سورة القصص : ٧٦.

(٥) سورة الحجرات : ٩.

٢٨٤

عليه‌السلام قال : يقول إبليس لجنوده ألقوا بينهم الحسد والبغي فإنّهما يعدلان عند الله الشرك.

٣ - علي ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن مسمع أبي سيار أن أبا عبد اللهعليه‌السلام كتب إليه في كتاب انظر أن لا تكلمن بكلمة بغي أبداً وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك.

٤ - علي ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ويعقوب السراج جميعاً ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أيّها النّاس إن البغي يقود أصحابه إلى النّار وإن أوّل من بغى على الله عناق بنت آدم فأوّل قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريباً في جريب وكان لها عشرون إصبعاً في كلّ إصبع

_________________________________________________

نظام العالم إذ أكثر المفاسد الّتي نشأت في العالم من مخالفة الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام وترك طاعتهم ، وشيوع المعاصي إنما نشأت من هاتين الخصلتين كما حسد إبليس على آدمعليه‌السلام وبغى عليه ، وحسد الطغاة من كلّ أمّة على حجج الله فيها ، فطغوا وبغوا فجعلوا حجج الله مغلوبين وسرى الكفّر والمعاصي في الخلق.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« أن لا تكلّم » وفي بعض النسخ أن لا تكلمن وهما إما على بناء التفعيل ، أيّ أحدّاً فإنه متعد أو على بناء التفعل بحذف إحدى التائين « بكلمة بغي » أيّ بكلام مشتمل على بغي ، أيّ جور أو تطأوّل « وإن أعجبتك نفسك وعشيرتك » الظاهر أن فاعل أعجبتك الضمير الراجع إلى الكلمة ، ونفسك بالنصب تأكيد للضمير وعشيرتك عطف عليه ، وقيل : نفسك فاعل أعجبت والأوّل أظهر.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

وهذا جزء من خطبة طويلة أثبتها في أوائل الروضة ، وذكر أنه خطب بها بعد مقتل عثمان وبيعة النّاس له « وكان مجلسها جريباً » قال في المصباح : الجريب الوادي ثمَّ أستعير للقطعة المميزة من الأرض فقيل فيها جريب ، ويختلف مقداره

٢٨٥

ظفران مثل المنجلين فسلط الله عليها أسداً كالفيل وذئباً كالبعير ونسرّاً مثل البغل فقتلنها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا.

_________________________________________________

بحسب اصطلاح أهل الأقاليم كاختلافهم في مقدار الرطل والكيل والذراع ، وفي كتاب المساحة : اعلم أن مجموع عرض كلّ سبع شعيرات معتدلات يسمى إصبعا والقبضة أربع أصابع ، والذراع ست قبضات ، وكلّ عشرة أذرع يسمى قصبة وكلّ عشر قبضات يسمى أشلا ، وقد يسمى مضروب الأشل في نفسه جريباً ، ومضروب الأشل في القصبة قفيزاً ، ومضروب الأشل في الذراع عشيراً ، فحصل من هذا أن الجريب عشرة آلاف ذراع ، ونقل عن قدامة أن الأشل ستون ذراعاً وضرب الأشل في نفسه يسمى جريبا فيكون ثلاثة آلاف وست مائة ، انتهى.

فقولهعليه‌السلام : في جريب كان المعنى مع جريب فيكون جريبين أو أطلق الجريب على أحد أضلاعه مجازاً للإشعار بأنهّا كانت تملأ الجريب طولاً وعرضاً أو يكون الجريب في عرّف زمانهعليه‌السلام مقداراً من امتداد المسافة كالفرسخ ، وفي تفسير علي بن إبراهيم : وكان مجلسها في الأرض موضع جريب.

والمنجل كمنبر حديدة يحصد بها الزرع ، والنسر طائر معروف له قوة في الصيد ، ويقال لا مخلب له ، وإنّما له ظفر كظفر الدجاجة ، وفي تفسير علي بن إبراهيم ونسرّاً كالحمار « وكان ذلك في الخلق الأوّل » أيّ كانت تلك الحيوانات كذلك في أوّل الخلق في الكبر والعظم ، ثمَّ صارت صغيرة كالإنسان ، و « آمن » أفعل تفضيل وما مصدرية « وكانوا » تأمّة والمصدر إما بمعناه أو استعمل في ظرف الزمان نحو رأيته مجيء الحاج ، وعلى التقديرين نسبة الأمن إليه على التوسع والمجاز.

والحاصل أن الله عزَّ وجلَّ قتل الجبارين الذين جبروا خلق الله على ما أرادت نفوسهم الخبيثة من الأوامر والنواهي وبغوا عليهمُّ ولم يرفقوا بهم على أحسن الأحوال والشوكة والقدرة لفسادهم ، فلا يغتر الظالم بأمنه واجتماع أسباب عزته ، فإن الله هو القوي العزيز.

٢٨٦

(باب )

(الفخر والكبر )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة الثمالي قال قال عليُّ بن الحسينعليه‌السلام : عجباً للمتكبّر الفخور ، الّذي كان بالأمس نطفة ثمَّ هو غداً جيفة.

٢ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آفة الحسب الافتخار والعُجب.

_________________________________________________

باب الفخر والكبر

الحديث الأول : صحيح.

وقد مرّ بعض القول في ذمّ الكبر والفخر ودوائهما ، والتفكّر في أمثال تلك الأخبار ، وزجر النفس على خلاف هاتين الرذيلتين ممّا ينفع في التخلّص منهما كما مرّت الإشارة إليه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

والحسب : الشرف والمجد الحاصل من جهة الآباء وقد يطلق على الشرافة الحاصلة من الأفعال الحسنة والأخلاق الكريمة ، وإن لم تكن من جهة الآباء ، في القاموس : الحسب ما تعدّه من مفاخر آبائك أو المال أو الدين أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصاّلح ، أو الشرف الثابت في الآباء أو البال ، أو الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء ، والشرف والمجد لا يكونان إلّا بهم.

وأقول : الخبر يحتمل وجوهاً « الأوّل » أنّ لكلّ شيء آفة تضيعه ، وآفة الشّرافة من جهة الآباء الافتخار والعجب الحاصلان منها ، فإنه يبطل بهما هذا الشرف الحاصل له بتوّسط الغير عند الله وعند الناس.

الثاني : أن المراد بالحسب الأخلاق الحسنة والأفعال الصّالحة ويضيّعهما

٢٨٧

٣ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن حنان ، عن عقبة بن بشير الأسدي قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إنّا عقبة بن بشير الأسدي وإنّا في الحسب الضخم من قومي قال فقال ما تمنّ علينا بحسبك إنَّ الله رفع بالإيمان من كان النّاس يسمّونه وضيعاً إذا كان مؤمناً ، ووضع بالكفّر من كان النّاس يسمّونه شريفاً إذا كان كافراً فليس لأحد فضل على أحد إلّا بالتقوى.

_________________________________________________

الافتخار بهما وذكرهما ، والإعجاب بهما كما مرّ.

الثالث : أن يكون المراد به أنّ الحسب يستتبع آفة الافتخار ويوجبها ، لا أنّ آفة الافتخار بالحسب تضيعه كما قيل - والأوّل أظهر الوجوه ، ويؤيّده ما روي في شهاب الأخبار - عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : آفة العلم النسيان ، وآفة الحديث الكذب وآفة الحلم السفه ، وآفة العبادة الفترة ، وآفة الشجاعة البغي ، وآفة السماحة المن وآفة الجمال الخيلاء ، وآفة الحسب الفخر ، وآفة الظرف الصلف(١) وآفة الجود السرف وآفة الدين الهوى.

وقال الراوندي (ره) في ضوء الشهاب : نهي الحسيب عن الاستطالة والتفاخر الذي يضع الرفيع وكفاك مانعا من الافتخار قولهعليه‌السلام : إنّا سيد ولد آدم ولا فخر ومعناه أني لا أذكر ذلك على سبيل الافتخار والمبارأة وإلّا فأيّ مظنة فخر فوق سيادة سيد ولد آدم.

الحديث الثالث : مجهول.

وفي القاموس : الضخم بالفتح وبالتحريك العظيم من كلّ شيء« ما تمن » ما للاستفهام الإنكاري أو نافية « فليس لأحد » إشارة إلى قوله تعالى : «يا أَيُّهَا النّاس إنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ

__________________

(١) الظرف : البراعة وذكاء القلب ، وقيل : حسن العبارة ، وقال الجزريّ في النهاية : الظرف في اللسان : البلاغة ، وفي الوجه : الحسن ، وفي القلب : الذكاء ، وقال في مادة « صلف » : آفة الظرف الصلف ، هو الغلوّ في الظرف والزيادة على المقدار مع تكبر.

٢٨٨

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن عيسى بن الضحّاك قال : قال أبو جعفرعليه‌السلام : عجباً للمختال الفخور وإنمّا خلق من نطفة ثمَّ يعود جيفة وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع به.

_________________________________________________

أَتْقاكُمْ »(١) وكفى بهذه الآية واعظاً وزاجراً عن الكبر والفخر.

الحديث الرابع : مجهول.

« وعجباً » بالتحريك مصدر باب علم ، وهو إما بتقدير حرف النداء أو مفعول مطلق لفعل محذوف ، أيّ عجبت عجباً ، فعلى الأوّل « للمتكبّر » صفة لقوله عجباً وعلى الثاني خبر مبتدء محذوف بتقدير هو للمتكبّر والضمير المحذوف راجع إلى عجباً ، وقال النحويون : لا يمكن أن يكون صفة لعجباً لأن الفعل كما لا يكون موصوفا فكذلك النائب الوجوبي له لا يكون موصوفا ، وحذف الفعل وإقأمّة المصدر مقامه في تلك المواضع واجب.

وروى الراونديقدس‌سره في ضوء الشهاب عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجباً كلّ العجب للمختال الفخور ، وإنمّا خلق من نطفة ثمَّ يعود جيفة وهو بين ذلك لا يدري ما يفعل به ، ثمَّ قال (ره) : العجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند جهله بسبب الشيء ، وقيل : العجب ما لا يعرّف سببه ولا يوصف الله تعالى بذلك لأنه عالم لذاته وقولهعليه‌السلام : عجباً ، الألف فيه بدل من الياء ، لأنهم كثيرا ما يفزعون من الكسرة إلى الفتحة طلباً للخفة كأنّه ينادي عجب نفسه ويستحضره لما يرى ويستبدع ، وهذا على التشبيه والتمثيل ، وإلّا فالعجب لا ينادي ويجوز أن يكون كلّ العجب بدلاً من عجبي ، ويجوز أن يكون حالاً من عجبي ، ويجوز أن يكون صفة مصدر يدل عليه الكلام كأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أعجب عجباً كلّ العجب ، ثمَّ حذف فقال : أعجب كلّ العجب ، ويجوز أن يكون الألف للندبة.

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٣.

٢٨٩

_________________________________________________

وقال (ره) في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عجباً للمؤمن ، عجباً مصدر فعل محذوف ، أيّ عجبت عجباً.

وأقول : هذا الخبر وأمثاله نسخ أدوية من الحكماء الربانية لمعالجة أعظم الأدواء الروحانيّة وهو الفخر المترتّب على الكبر ، وحاصلها أن في الإنسان كثير من صفات النقصان ، وإن كان فيه كمال فمن رب الإنس والجان ، فلا يليق به أن يفتخر على غيره من الإخوان ، وفيها إشعار بأن دفع هذا المرض باختياره وعلاجه مركب من أجزاء علميّة وعمليّة ، فأمّا العلميّة فبأن يعرّف الله سبحانه بجلاله ويوحده في ذاته وصفاته وأفعاله وأن يعلم أن كلّ موجود سواه مقهور مغلوب عاجز لا وجود له إلّا بفيض وجوده ورحمته وأن الإنسان مخلوق من أكثف الأشياء وأخسها وهو التراب ، ثمَّ النطفة النجسة القذرّة ثمَّ العلقة ثمَّ المضغة ثمَّ العظام ثمَّ الجنين الذي غذاؤه دم الحيض ، ثمَّ يصير في القبر جيفة منتنة يهرب منه أقرب النّاس إليه ، وهو فيما بين ذلك ينقلب من طور إلى طور ومن حال إلى حال ، من مرض إلى صحة ، ومن صحة إلى مرض إلى غير ذلك من الأحوال المتبادلة ، وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا حياة ولا نشوراً.

وإلى هذا أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : وهو فيما بين ذلك ما يدري ما يصنع به ثمَّ لا يعلم ما يأتي عليه في البرزخ والقيامة ، كما ذكر سابقاً في باب الكبر.

وأنّه يعلم أن استكمال كلّ شيء سواء كان طبيعيا أو إراديا لا يتحقق إلّا بالانكسار والضعف ، فإن العناصر ما لم تنكسر صورة كيفياتها الصرفة لم تقبل صورة كمالية معدنية أو حيوانية أو إنسانية ، والبذرّ ما لم يقع في التراب ولم يقرب من التعفن والفساد لم يقبل صورة نباتية ولم تخرج منه سنبلة ولا ثمرّ ، وماء الظهر ما لم يصر منيا منتنا لم تفض عليها صورة إنسانية قابلة للخلافة الربانية.

٢٩٠

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رجل فقال يا رسول الله إنّا فلان بن فلان حتّى عدّ تسعة فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أما إنّك عاشرهم في النّار.

_________________________________________________

فمن تفكّر في أمثال هذه الحكم والمعارف أمكنه التحرز من الكبر والفخر بفضله تعالى.

وأمّا العمليّة فهي المداومة على التواضع لكلّ عالم وجاهل وصغير وكبير ، والاقتداء بسنن النبي والأئمة الطاهرين صلوات الله عليه وعليهمُّ ، وتتبع سيرهم وأخلاقهم وحسن معاشرتهم لجميع الخلق.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

« أما إنّك عاشرهم في النّار » أي أنّ آباءك كانوا كفاراً وهم في النّار ، فما معنى افتخارك بهم وأنت أيضاً مثلهم في الكفّر باطناً ، إن كان منافقاً ، أو ظاهراً أيضاً إن كان كافراً ، فلا وجه لافتخارك أصلاً.

والحاصل أن عمدة أسباب الفخر بل أشيعها وأكثرها الفخر بالآباء وهو باطل لأن آباءه إن كانوا كفرة أو ظلمة فهم من أهل النّار ، فينبغي أن يتبرء منهم لا أن يفتخر بهم وإن كان باعتبار أن لهم ما لا فليعلم أن المال ليس بكمال يقع به الافتخار ، بل ورد في ذمه كثير من الأخبار ، ولو كان كمالاً كان لهم لا له ، والعأقلّ لا يفتخر بكمال غيره ، وإن كان باعتبار أنه كان خيراً أو فاضلاً أو عالماً فهذا أجهل من حيث أنه تعزز بكمال غيره ، ولذلك قيل :

لئن فخرت بآباء ذوي شرف

لقد صدقت ولكن بئس ما ولدوا(١)

فالمتكبّر بالنسب إن كان خسيسا في صفات ذاته فمن أين يجبر خسته كمال غيره ، وأيضاً ينبغي أن يعرّف نسبه الحقيقي فيعرّف أباه وجده فإن أباه نطفة قذرّة ، وجده البعيد تراب ذليل ، وقد عرفه الله نسبه فقال : «الَّذِي أَحْسَنَ كلّ شَيْءٍ

__________________

(١) وقال الشاعر الفارسيّ :

گيرم پدر تو بود فاضل

از فضل پدر تو را چه حاصل

٢٩١

_________________________________________________

خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ ، ثمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ »(١) فمن أصله من التراب المهين الذي يداس بالأقدام ثمَّ خمرّ طينته حتّى صارحمأ مسنوناً كيف يتكبر ، وأخس الأشياء ما إليه نسبه ، فإن قال : أفتخر بالأب القريب فالنطفة والمضغة أقرب إليه من الأب فليحتقر نفسه بهما.

والسبب الثاني الحسن والجمال فإن افتخر به فليعلم أنه قد يزول بأدنى الأمراض والأسقام ، وما هو في عرضة الزوال ليس بكمال يفتخر به ، ولينظر أيضاً إلى أصله وما خلق منه كما مرّ ، وإلى ما يصير إليه في القبر من جيفة منتنة ، وإلى ما في باطنه من الخبائث مثل الأقذار الّتي في جميع أعضائه والرجيع الذي في أمعائه ، والبول الذي في مثانته ، والمخاط الذي في أنفه ، والوسخ الذي في أذنيه ، والدّم الذي في عروقه ، والصديد الذي تحت بشرته ، إلى غير ذلك من المقابح والفضائح ، فإذا عرّف ذلك لم يفتخر بجماله الذي هو كخضراء الدّمن.

الثالث : القوَّة والشجاعة ، فمن افتخر بها فليعلم أن الذي خلقه هو أشدّ منه قوة ، وأن الأسد والفيل أقوى منه ، وأن أدنى العلل والأمراض تجعله أعجز من كلّ عاجز ، وأذلّ من كلّ ذليل ، وأن البعوضة لو دخلت في أنفه أهلكته ولم يقدر على دفعها.

الرابع : الغناء والثروة.

الخامس : كثرة الأنصار والأتباع والعشيرة وقرب السلاطين والاقتدار من جهتهم ، والكبر والفخر بهذين السّببين أقبح لأنه أمرّ خارج عن ذات الإنسان وصفاته ، فلو تلف ماله أو غصب أو نهب أو تغيّر عليه السلطان وعزله لبقي ذليلاً عاجزاً ، وإن من فرق الكفّار من هو أكثر منه مالاً وجاهاً ، فالمتكبّر بهما في غاية الجهل.

__________________

(١) سورة السجدة : ٨.

٢٩٢

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله آفة الحسب الافتخار.

_________________________________________________

السّادس : العلم وهذا أعظم الأسباب وأقواها فإنه كمال نفساني عظيم عند الله تعالى وعند الخلائق ، وصاحبه معظم عند جميع المخلوقات ، فإذا تكبر العالم وافتخر فليعلم أن خطر أهل العلم أكثر من خطر أهل الجهل ، وأن الله تعالى يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل من العالم ، وأن العصيان مع العلم أفحش من العصيان مع الجهل ، وأن عذاب العالم أشدّ من عذاب الجاهل ، وأنّه تعالى شبه العالم الغير العامل تارة بالحمار وتارة بالكلب ، وأن الجاهل أقرب إلى السلامة من العالم لكثرة آفاته وأن الشياطين أكثرهم على العالم ، وأن سوء العاقبة وحسنها أمرّ لا يعلمه إلّا الله سبحانه ، فلعلّ الجاهل يكون أحسن عاقبة من العالم.

السابع : العبادة والورع والزهادة ، والفخر فيها أيضاً فتنة عظيمة ، والتخلص منها صعب ، فإذا غلب عليه فليتفكر أن العالم أفضل منه فلا ينبغي أن يفتخر عليه ، ولا ينبغي أيضاً أن يفتخر على من تأخر عنه في العلم أيضاً إذ لعلّ قليل عمله يكون مقبولا وكثير عمله مردودا ولا على الجاهل والفاسق إذ قد يكون لهما خصلة خفية وصفة قلبية موجبة لقرب الرب سبحانه ورحمته ، ولو فرض خلوهما عن جميع ذلك بالفعل فلعلّ الأحوال في العاقبة تنعكس ، وقد وقع مثل ذلك كثيرا ، ولو فرض عدم ذلك فليتصور أن تكبره في نفسه شرك ، فيحبط عمله فيصير هو في الآخرة مثلهم بل أقبح منهم والله المستعان.

الحديث السادس : قد مرّ سندا ومتنا إلّا زيادة « والعجب » في آخر الأوّل ، وكان الراوي رواه على الوجهين.

٢٩٣

(باب القسوة )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه قال فيما ناجى الله عزَّ وجلَّ به موسىعليه‌السلام يا موسى لا تطوّل في الدنيا أملك فيقسو قلبك والقاسي القلب مني بعيد.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمّد بن حفص ، عن إسماعيل بن دبيس عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا خلق الله العبد في أصل الخلقة كافراً لم يمت حتّى يحبّب الله إليه الشرَّ فيقرب منه فابتلاه بالكبر والجبريّة فقسا قلبه وساء

_________________________________________________

باب القسوة

الحديث الأوّل : مجهول مرفوع.

« لا تطول في الدنيا أملك » تطويل الأمل هو أن ينسى الموت ويجعله بعيداً ، ويظن طول عمرّة أو يأمل آمالاً كثيرة لا تحصل إلّا في عمرّ طويل ، وذلك يوجب قساوة القلب وصلابته وشدته ، أيّ عدم خشوعه وتأثره عن المخاوف وعدم قبوله للمواعظ ، كما أن تذكر الموت يوجب رقة القلب ووجله عند ذكر الله والموت والآخرة ، قال الجوهري : قسا قلبه قسوة وقساوة وقساءاً وهو غلظ القلب وشدته ، وأقساه الذنب ، ويقال : الذنب مقساة للقلب.

الحديث الثاني : مرسل.

قيل : قوله كافراً ، حال عن العبد ، فلا يلزم أن يكون كفره مخلوقاً لله تعالى.

أقول : كأنّه على المجاز ، فإنّه تعالى لما خلقه عالماً بأنّه سيكفّر فكأنه خلقه كافراً ، أو الخلق بمعنى التقدير ، والمعاصي يتعلق بها التقدير ببعض المعاني كما مرّ تحقيقه ، وكذا تحبيب الشر إليه مجاز فإنه لما سلب عنه التوفيق لسوء أعماله وخلي بينه وبين نفسه وبين الشيطان فأحبّ الشرّ فكأن الله حبّبه إليه ،

٢٩٤

خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقلَّ حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها ثمَّ ركب معاصي الله وأبغض طاعته ووثب على النّاس لا يشبع من الخصومات فاسألوا الله العافية واطلبوها منه.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام لمتان لمة من الشيطان ولمة من الملك فلمة

_________________________________________________

كما قال سبحانه : «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكفّر وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ »(١) وإن كان الظاهر أن الخطاب لخلص المؤمنين.

« فيقرب منه » أيّ العبد من الشر أو الشر من العبد ، وعلى التقديرين كأنه كناية عن ارتكابه ، وقال الجوهري : يقال : فيه جبرية وجبروة وجبروت وجبورة مثال فروجة أيّ كبر ، وغلظ الوجه كناية عن العبوس أو الخشونة وقلة الحياء « وكشف الله ستره » كناية عن ظهور عيوبه للناس ، وقيل : المراد به كشف سره الحاجز بينه وبين القبائح وهو الحياء ، فيكون تأكيدا لما قبله.

وأقول : الأوّل أظهر كما ورد في الخبر « ثمَّ ركب المحارم» (٢) أيّ الصغائر مصراً عليها ، لقوله : فلم ينزع عنها، أيّ لم يتركها « ثمَّ ركب معاصي الله » أيّ الكبائر ، وقيل : المراد بالأوّل الذُّنوب مطلقاً ، وبالثاني حبها أو استحلالها بقرينة قوله : « وأبغض طاعته » لأن بغض الطاعة يستلزم حب المعصية ، أو المراد بها ذنوبه بالنسبة إلى الخلق ، والوثوب على النّاس كناية عن المجادلات والمعارضات.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

وقال الجزري : في حديث ابن مسعود : لابن آدم لمتّان لمة من الملك ولمـّة من الشيطان ، اللّمة : الهمّة والخطرة تقع في القلب ، أراد إلمام الملك أو الشيطان به و

__________________

(١) سورة الحجرات : ٧.

(٢) وفي المتن « وركب المحارم ».

٢٩٥

الملك : الرقّة والفهم ، ولـمّة الشيطان السّهو والقسوة.

(باب الظلم )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن المفضل بن صالح ، عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الظلم ثلاثة ظلم يغفره الله وظلم لا يغفره الله وظلمٌ لا يدعه الله ، فأمّا الظلم الذي لا يغفره

_________________________________________________

القرب منه ، فما كان من خطرات القلب فهو من الملك ، وما كان من خطرات الشر فهو من الشيطان ، انتهى.

« فلمة الملك الرقة والفهم » أيّ هما ثمرتها أو علامتها ، والحمل على المجاز لأن لمة الملك إلقاء الخير والتصديق بالحقّ في القلب ، وثمرتها رقة القلب وصفاؤه وميلة إلى الخير ، وكذا لمة الشيطان إلقاء الوساوس والشكوك والميل إلى الشهوات في القلب ، وثمرتها السهو عن الحقّ والغفلة عن ذكر الله وقساوة القلب.(١)

باب الظلم

الحديث الأول : ضعيف.

والظلم وضع الشيء غير موضعه ، فالمشرك ظالم لأنّه جعل غير الله تعالى شريكاً له ، ووضع العبادة في غير محلّها ، والعاصي ظالم لأنّه وضع المعصية موضع الطاعة ، فالشرك كأنّه يشمل كلّ إخلال بالعقائد الإيمانيّة ، والمراد المغفرة بدون التوبة

__________________

(١) وقال سيدنا الأستاذ الطباطبائى دام ظله - على ما حكى عنه - قوله عليه‌السلام : الرقة والفهم - وقوله - السهو والغفلة ، من قبيل بيان المصداق ، والأصل في ذلك قوله تعالى : «الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ، وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفضلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ، يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خيراً كَثِيراً » والمقابلة بين الوعدين يدلّ على أن أحدهما من الملك والاخر من الشيطان.

٢٩٦

فالشرك وأمّا الظّلم الّذي يغفره فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله وأمّا الظلم الذي لا يدعه فالمداينة بين العباد.

٢ - عنه ، عن الحجّال ، عن غالب بن محمّد عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ »(١) قال قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة.

_________________________________________________

كما قال عزَّ وجلَّ : «إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ »(٢) .

« وأمّا الظلم الذي يغفره » أيّ يمكن أن يغفره بدون التوبة كما قال «لِمَنْ يَشاءُ » « وأمّا الظلم الذي لا يدعه » أيّ لا يترك مكافأته في الدنيا أو الأعم ، ولعلّ التفنن في العبارة لأنه ليس من حقه سبحانه حتّى يتعلق به المغفرة ، أو المعنى لا يدع تداركه للمظلوم إما بالانتقام من الظالم أو بالتعويض للمظلوم ، فلا ينافي الأخبار الدالة على أنّه إذا أراد تعالى أن يغفر لمن عنده من حقوق النّاس يعوض المظلوم حتّى يرضى « والمداينة بين العباد » أيّ المعاملة بينهم كناية عن مطلق حقوق النّاس ، فإنّها تترتّب على المعاملة بينهم أو المراد به المحاكمة بين العباد في القيامة ، فإن سببها حقوق النّاس ، قال الجوهري : داينت فلاناً إذا عاملته فأعطيت دينا وأخذت بدين ، والدين الجزاء والمكافاة ، يقال : دانه ديناً أيّ جازاه.

الحديث الثاني : مرسل «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ » قال في المجمع : المرصاد الطريق ، مفعال من رصده يرصده رصداً رعي ما يكون منه ليقابله بما يقتضيه أيّ عليه طريق العباد ، فلا يفوته أحد ، والمعنى أنّه لا يفوته شيء من أعمالهم لأنه يسمع ويرى جميع أقوالهم وأفعالهم كما لا يفوت من هو بالمرصاد ، وروي عن عليعليه‌السلام أنّه قال : معناه إن ربك قادر على أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم.

__________________

(١) سورة الفجر : ١٤.

(٢) سورة النساء : ٤٨.

٢٩٧

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن وهب بن عبد ربّه وعبيد الله الطويل ، عن شيخ من النخع قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام إنّي لم أزل واليا منذ زمن الحجّاج إلى يومي هذا فهل لي من توبة قال فسكت ثمَّ أعدت عليه فقال لا حتّى تؤدّي إلى كلّ ذي حقّ حقّه.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن

_________________________________________________

وعن الصّادقعليه‌السلام أنّه قال : المرصاد قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة عبد ، وقال عطاء : يعني يجازى كلّ أحد وينتصف من الظالم للمظلوم ، وروي عن ابن عباس في هذه الآية قال : إن على جسر جهنم سبع مجالس يسأل العبد عند أوّلها عن شهادة أن لا إله إلّا الله ، فإن جاء بها تأمّة جاز إلى الثاني فيسأل عن الصلاة ، فإن جاء بها تأمّة جاز إلى الثالث ، فيسأل عن الزكاة فإن جاء بها تأمّة جاز إلى الرابع ، فيسأل عن الصوم فإن جاء بها تأمّة جاز إلى الخامس ، فيسأل عن الحج فإن جاء به تاما جاز إلى السادس ، فيسأل عن العمرّة ، فإن جاء بها تأمّة جاز إلى السابع فيسأل عن المظالم ، فإن خرج منها وإلّا يقال انظروا فإن كان له تطوع أكمل به أعماله ، فإذا فرغ انطلق به إلى الجنّة ، وفي القاموس : المرصاد الطريق والمكان يرصد فيه العدو وقال : القنطرة الجسر وما ارتفع من البنيان ، والمظلمة بكسر اللام ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك ، ذكره الجوهري.

الحديث الثالث : مجهول.

والنخع بالتحريك قبيلة باليمن منهم مالك الأشتر « حتّى تؤدي » أيّ مع معرفتهم وإمكان الإيصال إليهمُّ ، وإلّا فالتصدق أيضاً لعله قائم مقام الإيصال كما هو المشهور ، إلّا أن يقال أرباب الصدقة أيضاً ذوو الحقوق في تلك الصورة ، ولعلهعليه‌السلام لما علم أنّه لا يعمل بقوله لم يبين له المخرج من ذلك ، والله يعلم.

الحديث الرابع : موثق.

٢٩٨

إبراهيم بن عبد الحميد ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من مظلمة أشدُّ من مظلمة لا يجد صاحبها عليها عونا إلّا الله عزَّ وجل.

٥ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إسماعيل بن مهران ، عن درست بن أبي منصور ، عن عيسى بن بشير ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لما حضر علي بن الحسينعليه‌السلام الوفاة ضمّني إلى صدره ثمَّ قال يا بني أوصيك بما أوصاني به أبيعليه‌السلام حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله.

٦ - عنه ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن حفص بن عمرّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه من خاف القصاص كفَّ عن ظلم الناس.

_________________________________________________

« لا يجد صاحبها عوناً» أيّ لا يمكنه الانتصار في الدنيا لا بنفسه ولا بغيره ، وظلم الضعيف العاجز أفحش ، وقيل : المعنى أنّه لا يتوسل في ذلك إلى أحد ، ولا يستعين بحاكم ، بل يتوكلّ على الله ويؤخر انتقامه إلى يوم الجزاء ، والأوّل أظهر ، وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : قال الله عزَّ وجلَّ : اشتد غضبي على من ظلم أحدّاً لا يجد ناصراً غيري ، وروي أيضاً عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن العبد إذا ظلم فلم ينتصر ولم يكن من ينصره ورفع طرفه إلى السّماء فدعا الله تعالى ، قال جل جلاله : لبيك عبدي أنصرك عاجلاً وآجلاً ، اشتدّ غضبي على من ظلم أحدّاً لا يجد ناصراً غيري.

الحديث الخامس : ضعيف.

الحديث السادس : مجهول.

وضمير عنه راجع إلى أحمد ، فينسحب عليه العدّة.

وقيل : المراد بالقصاص قصاص الدنيا ولا يخفى قلّة فائدة الحديث حينئذ ، بل المعنى أن من خاف قصاص الآخرة ومجازاة أعمال العباد كفَّ نفسه عن ظلم

٢٩٩

٧ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من أصبح لا ينوي ظلم أحد غفر الله له ما أذنب

_________________________________________________

النّاس ، فلا يظلم أحدّاً ، والغرض التنبيه على أن الظالم لا يؤمن ولا يوقن بيوم الحساب ، فهو على حد الشرك بالله والكفّر بما جاءت به رسل اللهعليهم‌السلام ، ويحتمل أن يكون المراد القصاص في الدنيا ، لكن للتنبيه على ما ذكرنا أيّ من خاف قصاص الدنيا ترك ظلم النّاس ، مع أنه لا قدر له في جنب قصاص الآخرة فمن لا يخاف قصاص الدنيا ويجترئ على الظلم فمعلوم أنّه لا يخاف عقاب الآخرة ، ولا يؤمن به ، فيرجع إلى الأوّل مع مزيد تأكيد وتنبيه.

الحديث السابع : موثق.

وظاهره أنّ من دخل الصّباح على تلك الحالة وهي أن لا يقصد ظلم أحد غفر الله له كلّ ما صدر عنه من الذُّنوب غير القتل وأكلّ مال اليتيم ، وكان المراد بعدم النيّة العزم على العدم ، ولا ينافي ذلك صدوره منه في أثناء اليوم ، لكن ينافي ذلك الأخبار الكثيرة الدالة على المؤاخذة بحقوق النّاس ، وقد مرّ بعضها ، وتخصيص هذه الأخبار الكثيرة بل ظواهر الآيات أيضاً بمثل هذا الخبر مشكلّ ، وإن قيل : بأن الله تعالى يرضي المظلوم.

ويمكن توجيهه بوجوه : الأوّل : أن يكون الغرض استثناء جميع حقوق النّاس سواء كان في أبدانهم أو في أموالهم ، وذكر من كلّ منهما فرداً على المثال ، لكن خص أشدّهما ، ففي الأبدان القتل ، وفي الأموال أكلّ مال اليتيم ، فيكون حاصل الحديث أن من أصبح غير قاصد بالظلم ولم يأت به في ذلك اليوم غفر الله له كلّ ما كان بينه وبين الله تعالى من الذُّنوب كما هو ظاهر الخبر الآتي.

الثاني : أن يكون التخصيص لأنّهما من الكبائر والباقي من الّصغائر كما هو ظاهر أكثر أخبار الكبائر ، وما سواهما من الكبائر من حقوق الله ، ويمكن شمول

٣٠٠