مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 440

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 19961
تحميل: 8522


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19961 / تحميل: 8522
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ذلك اليوم ما لم يسفك دماً أو يأكلّ مال يتيم حراماً.

٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصبح لا يهمُّ بظلم أحد غفر الله ما اجترم.

٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من ظلم مظلمة أخذ بها في نفسه أو في ماله أو في ولده.

١٠ - ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال

_________________________________________________

سفك الدّم للجراحات أيضاً ولا استبعاد كثيراً في كون هذا العزم في أوّل اليوم مع ترك كبائر حقوق النّاس مكفرا لحقوق الله وسائر حقوق النّاس بأن يرضى الله الخصوم.

الثالث : أن يكون المعنى من أصبح ولم يهمُّ بظلم أحد ولم يأت به في أثناء اليوم أيضاً غفر الله له ما أذنب من حقوقه تعالى ما لم يسفك دما قبل ذلك اليوم ولم يأكلّ مال يتيم قبل ذلك اليوم ، ولم يتب منهما ، فإن من كانت ذمته مشغولة بمثل هذين الحقين لا يستحقّ لغفران الذُّنوب ، وعلى هذا يحتمل أن يكون « ذلك اليوم » ظرفاً للغفران لا للذنب ، فيكون الغفران شاملاً لما مضى أيضاً كما هو ظاهر الخبر الآتي وقد يأوّل الغفران بأن الله يوفقه لئلا يصر على كبيرة ، ولا يخفى بعده.

ثمَّ اعلم أن قوله : حراماً يحتمل أن يكون حالاً عن كلّ من السفك والأكلّ فالأوّل للاحتراز عن القصاص وقتل الكفار والمحاربين ، والثاني للاحتراز عن الأكلّ بالمعروف وأن يكون حالاً عن الأخير لظهور الأول.

الحديث الثامن : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : جرم فلان أذنب ، كأجرم واجترم فهو مجرم ، و « ما » يحتمل المصدريّة والموصولة.

الحديث التاسع : حسن كالصحيح وسيأتي الكلام في مؤاخذة الولد.

الحديث العاشر : كالسابق ومعلق عليه.

٣٠١

رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتّقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة.

١١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن عيسى ، عن منصور ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة.

١٢ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمرّ بن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من أحد يظلم بمظلمة إلّا أخذه الله بها في نفسه وماله وأمّا الظلم الذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر الله له.

١٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن أبي نجران ، عن عمّار بن حكيم ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام مبتدئاً :

_________________________________________________

والظلمات جمع ظلمة وهي خلاف النور ، وحملها على الظلم باعتبار تكثره معنى أو للمبالغة ، والمراد بالظلمة إما الحقيقة لما قيل : من أن الهيئات النفسانية الّتي هي ثمرات الأعمال الموجبة للسعادة أو الشقاوة أنوار وظلمات مصاحبة للنفس وهي تنكشف لها في القيامة الّتي هي محل بروز الأسرار وظهور الخفيات فتحيط بالظالم على قدر مراتب ظلمه ظلمات متراكمة حين يكون المؤمنون في نور يسعى نورهم بين أيديهمُّ وبأيمانهم ، أو المراد بها الشدائد والأهوال كما قيل في قوله تعالى : «قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ »(١) .

الحديث الحادي عشر : صحيح.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح.

وذكر النفس والمال على المثال لما مرّ وسيأتي من إضافة الولد وفيه إشعار بأن رد المظالم ليس جزءا من التوبة بل من شرائط صحته.

الحديث الثالث عشر : مجهول.

ولما كان استبعاد السائل عن إمكان وقوع مثل هذا لا عن أنه ينافي العدل

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦٣.

٣٠٢

من ظلم سلّط الله عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه قلت هو يظلم فيسلط الله على عقبه أو على عقب عقبه فقال إن الله عزَّ وجلَّ يقول : «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيهمُّ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً »(١) .

_________________________________________________

فأجابعليه‌السلام بوقوع مثله في قصة اليتامى أو أنه لما لم يكن له قابلية فهم ذلك وأنه لا ينافي العدل أجاب بما يؤكد الوقوع ، أو يقال رفععليه‌السلام الاستبعاد بالدليل الإني وترك الدليل اللمي والكلّ متقاربة.

وأمّا تفسير الآية فقال البيضاوي : أمرّ للأوصياء بأن يخشوا الله ويتقوه في أمرّ اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهمُّ الضعاف بعد وفاتهم ، أو للحاضرين المريض عند الإيصاء بأن يخشوا ربّهم أو يخشوا على أولاد المريض ويشفقوا عليهمُّ شفقتهم على أولادهم ، فلا يتركونهم أن يضر بهم بصرف المال عنهم ، أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوزون حرمانهم ، أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ، و « لو » بما في حيزه جعل صلة للذين على معنى : وليخش الذين حالهم وصفتهم أنّهم لو شارفوا أن يخلفوا ذرية ضعافاً خافوا عليهمُّ الضياع ، وفي ترتيب الأمرّ عليه إشارة إلى المقصود منه والعلة فيه ، وبعث على الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاده ، وتهديد للمخالف بحال أولاده.

«فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً » أمرهم بالتقوى الذي هو نهاية الخشية بعد ما أمرهم بها مراعاة للمبتدء والمنتهى ، إذ لا ينفع الأوّل دون الثاني ثمَّ أمرهم أن يقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب أو للمريض ما يصده عن الإسراف في الوصيّة ما يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتغييره الورثة ، ويذكره

__________________

(١) سورة النساء : ٩.

٣٠٣

١٤ - عنه ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزَّ وجلَّ أوحى إلى نبيّ من أنبيائه في مملكة جبّار من الجبارين

_________________________________________________

التوبة وكلمة الشهادة ، أو لحاضري القسمة عذرا جميلا ووعدا حسنا ، أو أن يقولوا في الوصية ما لا يؤدي إلى مجاوزة الثلث وتضييع الورثة ، انتهى.

وقال الطبرسي (ره) في ذكر الوجوه في تفسير الآية : وثانيها : أن الأمرّ في الآية لولي مال اليتيم ، يأمره بأداء الأمانة فيه والقيام بحفظه ، كما لو خاف على مخلفه إذا كانوا ضعافا وأحب أن يفعل بهم عن ابن عباس ، وإلى هذا المعنى يؤول ما روي عن موسى بن جعفرعليه‌السلام قال : إن الله تعالى أوعد في مال اليتيم عقوبتين ثنتين ، أما إحداهما فعقوبة الدنيا قوله : «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا » الآية قال : يعني بذلك ليخش أن أخلفه في ذريته كما صنع بهؤلاء اليتامى.

وأقول : أما دفع توهم الظلم في ذلك فهو أنه يجوز أن يكون فعل الألم بالغير لطفا لآخرين ، مع تعويض أضعاف ذلك الألم بالنسبة إلى من وقع عليه الألم بحيث إذا شاهد ذلك العوض رضي بذلك الألم ، كأمراض الأطفال ، فيمكن أن يكون الله تعالى أجرى العادة بأن من ظلم أحدّاً أو أكلّ مال يتيم ظلماً بأن يبتلي أولاده بمثل ذلك فهذا لطف بالنسبة إلى كلّ من شاهد ذلك أو سمع من مخبر علم صدقه ، فيرتدع عن الظلم على اليتيم وغيره ويعوض الله الأولاد بأضعاف ما وقع عليهمُّ أو أخذ منهم في الآخرة ، مع أنه يمكن أن يكون ذلك لطفا بالنسبة إليهمُّ أيضاً فيصير سبباً لصلاحهم وارتداعهم عن المعاصي فإنّا نعلم أن أولاد الظلمة لو بقوا في نعمه آبائهم لطغوا وبغوا وهلكوا كما كان آباؤهم ، فصلاحهم أيضاً في ذلك وليس في شيء من ذلك ظلم على أحد ، وقد تقدم بعض القول منا في ذلك سابقا.

الحديث الرابع عشر : موثق.

والظلامة بالضم ما تطلبه عند الظالم وهو اسم ما أخذ منك ، وفيه دلالة على

٣٠٤

أن ائت هذا الجبّار فقل له : إنّني لم أستعملك على سفك الدّماء واتخاذ الأموال وإنما استعملتك لتكفَّ عني أصوات المظلومين فإني لم أدع ظلامتهم وإن كانوا كفارا.

١٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من أكلّ مال أخيه ظلماً ولم يرده إليه أكلّ جذوة من النّار يوم القيامة.

_________________________________________________

أن سلطنة الجبارين أيضاً بتقديره تعالى ، حيث مكنهم منها وهيأ لهم أسبابها ، ولا ينافي ذلك كونهم معاقبين على أفعالهم لأنهم غير مجبورين عليها ، مع أنه يظهر من الأخبار أنه كان في الزمن السابق السلطنة الحقة لغير الأنبياء والأوصياء أيضاً لكنهم كانوا مأمورين بأن يطيعوا الأنبياء فيما يأمرونهم به ، وقوله : فإني لن أدع ظلامتهم، تهديد للجبّار بزوال ملكه ، فإن الملك يبقى مع الكفّر ولا يبقى مع الظلم.

الحديث الخامس عشر : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : الجذوة مثلثة القبسة من النّار والجمرّة ، والمراد بالأخ إن كان المسلّم فالتخصيص لأن أكلّ مال الكافر ليس بهذه المثابة وإن كان حراماً ، وكذا إن كان المراد به المؤمن ، فإن مال المخالف أيضاً ليس كذلك ، وإن كان المراد به من كان بينه وبينه أخوة ومصادقة فالتخصيص لكونه الفرد الخفي لأن الصداقة ممّا يوهم حل أكلّ ماله مطلقاً لحل بعض الأموال في بعض الأحوال كما قال تعالى : «أَوْ صَدِيقِكُمْ »(١) فالمعنى فكيف من لم يكن كذلك ، وكان الأوسط أظهر.

وأكلّ الجذوة إما حقيقة بأن يلقى في حلقه النّار أو كناية عن كونه سبباً لدخول النّار.

__________________

(١) سورة النور : ٦١.

٣٠٥

١٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال العامل بالظلم والمعين له والرَّاضي به شركاء ثلاثتهم.

١٧ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : إنَّ العبد ليكون مظلوماً فما يزال يدعو

_________________________________________________

الحديث السادس عشر : ضعيف كالموثق.

« العامل بالظلم » الظاهر الظلم على الغير ، وربما يعمّ بما يشمل الظلم على النفس « والمعين له » أيّ في الظلم ، وقد يعمّ « والراضي به » أيّ غير المظلوم ، وقيل : يشمله ، ويؤيده قوله تعالى : «وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّار »(١) قال في الكشاف : النهي متنأوّل للانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهمُّ ، ومصاحبتهم ومجالستهم ، وزيارتهم ومداهنتهم ، والرضا بأعمالهم والتشبه بهم ، والتزيي بزيهمُّ ، ومد العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم ، وفي خبر مناهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفقيه وغيره أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من مدح سلطاناً جائراً أو تخفف وتضعضع طمعاً فيه كان قرينه في النّار ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من دل جائراً على جور كان قرين هامان في جهنم.

الحديث السابع عشر : صحيح.

« فما يزال يدعو » أقول : يحتمل وجوها ، الأوّل : أنه يفرط في الدعاء على الظالم ، حتّى يصير ظالماً بسبب هذا الدعاء كان ظلمه بظلم يسير كشتم أو أخذ دراهم يسيرة ، فيدعو عليه بالموت والقتل والفناء ، أو العمى أو الزمن وأمثال ذلك ، أو يتجاوز في الدعاء إلى من لم يظلمه كانقطاع نسله أو موت أولاده وأحبائه أو استئصال عشيرته وأمثال ذلك ، فيصير في هذا الدعاء ظالماً.

الثاني : أن يكون المعنى أنه يدعو كثيراً على العدو المؤمن ولا يكتفي بالدعاء لدفع ضرره بل يدعو بابتلائه ، وهذا ممّا لا يرضى الله به فيكون في ذلك ظالما على نفسه بل على أخيه أيضاً إذ مقتضى الأخوة الإيمانيّة أن يدعو له بصلاحه ، وكفَّ ضرره

__________________

(١) سورة هود : ١١٣.

٣٠٦

حتّى يكون ظالماً.

١٨ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي نهشل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال : من عذرّ ظالماً بظلمه سلط الله

_________________________________________________

عنه كما ذكره سيد الساجدين في دعاء دفع العدو ، وما ورد من الدعاء بالقتل والموت والاستئصال فالظاهر أنه كان للدعاء على المخالفين وأعداء الدين بقرينة أن أعداءهم كانوا كفارا لا محالة كما يومئ إليه قوله تعالى : «وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيهمُّ أَجَلُهُمْ »(١) وسيأتي عن علي بن الحسينعليه‌السلام أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له : بئس الأخ أنت لأخيك كفَّ أيها المستر على ذنوبه وعورته وأربع على نفسك ، واحمد الله الذي ستر عليك ، واعلم أن الله عزَّ وجلَّ أعلم بعبده منك.

الثالث : ما قيل أنّه يدعو كثيراً ولا يعلم الله صلاحه في إجابته فيؤخرها فييأس من روح الله فيصير ظالماً على نفسه وهو بعيد.

الرابع : أن يكون المعنى أنه يلح في الدعاء حتّى يستجاب له فيسلط على خصمه فيظلمه فينعكس الأمرّ وكانت حالته الأولى أحسن له من تلك الحالة.

الخامس : أن يكون المراد به لا تدعو كثيراً على الظلمة فإنّه ربما صرتم ظلمة فيستجيب فيكم ما دعوتم على غيركم.

السادس ما قيل : كان المراد من يدعو لظالم يكون ظالماً لأنه رضي بظلمه كما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه.

وأقول : هذا أبعد الوجوه.

الحديث الثامن عشر : مجهول.

« من عذرّ ظالماً » يقال عذرته فيما صنع عذراً من باب ضرب : رفعت عنه اللوم

__________________

(١) سورة يونس : ١١.

٣٠٧

عليه من يظلمه ، فإن دعا لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته.

١٩ - عنه ، عن محمّد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال ما انتصر الله من ظالم إلّا بظالم وذلك قوله عزَّ وجلَّ : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً »(١) .

_________________________________________________

فهو معذور ، أيّ غير ملوم والاسم العذرّ بضم الذال للاتباع وتسكن ، والجمع أعذار والمعذرّة بمعنى العذرّ وأعذرته بالألف لغة« وإن دعا لم يستجب له »(٢) أيّ إن دعا الله تعالى أن يدفع عنه ظلم من يظلمه لم يستجب له لأنه بسبب عذره صار ظالماً خرج عن استحقاق الإجابة ، أو لما عذرّ ظالم غيره يلزمه أن يعذرّ ظالم نفسه ولم يأجره الله على ظلامته لذلك ، أو لأنّها وقعت مجازاة ، وقيل : لا ينافي ذلك الانتقام من ظالمه كما دل عليه الخبر الأوّل.

الحديث التاسع عشر : ضعيف على المشهور.

والانتصار ا لانتقام «وَكَذلِكَ نُوَلِّي ».

أقول : قبله قوله تعالى : «وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جميعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النّار مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ » ثمَّ قال سبحانه : «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ».

وقال الطبرسي (ره) : الكاف للتشبيه أيّ كذلك المهل بتخلية بعضهم على بعض للامتحان الذي معه يصح الجزاء على الأعمال توليتنا بعض الظالمين بعضا بأن نجعل بعضهم يتولى أمرّ بعض للعقاب الذي يجري على الاستحقاق ، وقيل : معناه إنّا كما وكلنا هؤلاء الظالمين من الجن والإنس بعضهم إلى بعض يوم القيامة وتبرإنّا منهم فكذلك نكلّ الظالمين بعضهم إلى بعض يوم القيامة ونكلّ الأتباع إلى المتبوعين ونقول

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٩. (٢) وفي المتن « فان دعا ».

٣٠٨

٢٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السّكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من ظلم أحداً ففاته فليستغفر الله له فإنّه كفّارة له.

٢١ - أحمد بن محمّد الكوفيّ ، عن إبراهيم بن الحسين ، عن محمّد بن خلف ، عن

_________________________________________________

للأتباع قولوا للمتبوعين حتّى يخلّصوكم من العذاب عن الجبائي ، وقال غيره : لما حكى الله سبحانه ما يجري بين الجن والإنس من الخصام والجدال في الآخرة قال «وَكَذلِكَ » أيّ وكما فعلنا بهؤلاء من الجمع بينهم في النّار وتولية بعضهم بعضاً نفعل مثله بالظالمين جزاء على أعمالهم ، وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولي أمرهم خيارهم وإذا سخط على قوم ولي أمرهم شرارهم.

«بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » من المعاصي أيّ جزاء على أعمالهم القبيحة ، وذلك معنى قوله : «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ »(١) ومثله ما رواه الكلبي عن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض كتب الحكمة أن الله تعالى يقول : إني إنّا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، ولكن توبوا إلى أعطفهم عليكم ، وقيل معنى : نولي بعضهم بعضاً ، نخلي بينهم وبين ما يختارونه من غير نصرة لهم ، وقيل : معناه نتابع بعضهم بعضا في النّار ، انتهى.

وأقول : ما ذكرهعليه‌السلام أوفق بكلام ابن عباس والكلبي ، ومطابق لظاهر الآية.

الحديث العشرون : ضعيف على المشهور « ففاته » أيّ لم يدركه ليطلب البراءة ويرضيه ، ولعله محمول على ما إذا لم يكن حقّاً ماليا كالغيبة وأمثالها ، وإلّا فيجب أن يتصدق عنه إلّا أن يقال : التصدق عنه أيضاً طلب مغفرة له.

الحديث الحادي والعشرون : مجهول.

__________________

(١) سورة الرعد : ١١.

٣٠٩

موسى بن إبراهيم المروزي ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أصبح وهو لا يهمُّ بظلم أحد غفر الله له ما اجترم.

٢٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير قال دخل رجلان على أبي عبد اللهعليه‌السلام في مداراة بينهما ومعاملة فلمّا أن سمع كلامهما قال أما إنّه ما ظفر أحد بخير من ظفر بالظلم أما إن المظلوم يأخذ من دين الظالم أكثر ممّا يأخذ الظالم من مال المظلوم

_________________________________________________

الحديث الثاني والعشرون : ضعيف على المشهور.

وفي القاموس : تدارءوا تدافعوا في الخصومة ، ودارأته داريته ودافعته ولا ينته ضد« فلمّا أن سمع » أن زائدة لتأكيد الاتصال « ما ظفر أحد بخير » أقول : هذه العبارة تحتمل عندي وجوها : الأوّل : أن ظفر من باب علم والظفر الوصول إلى المطلوب والباء في قوله : بخير ، الآلية المجازية ، كقولك : قام زيد بقيام حسن ، وفي بظلم صلة للظفر ، ومن صلة لأفعل التفضيل ، والظلم مصدر مبني للفاعل أو للمفعول والحاصل أنه لم يظفر أحد بنعمة يكون خيراً من أن يظفر بظلم ظالم له أو بمظلومية من ظالم ، فإنه ظفر بالمثوبات الأخروية كما سنبينه.

الثاني : أن يكون كالسابق لكن يكون الباء في قوله بخير صلة للظفر وفي قوله بالظلم للآلية المجازية ، ومن للتعليل متعلقاً بالظفر والظلم مصدر مبني للفاعل أيّ ما ظفر أحد بأمرّ خير بسبب ظفره بظلم أحد.

الثالث ما قيل : إن الخير مضاف إلى من بالمنع ولا يخفى ما فيه.

الرابع : أن يكون من اسم موصول وظفر فعلا ماضيا ويكون بدلا لقوله أحد كما في قوله تعالى : «وَلِلَّهِ عَلَى النّاس حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً » وهذا ممّا خطر أيضاً بالبال لكن الأوّل أحسن الوجوه ، وعلى التقادير قوله : أما إنّه ، استئناف بياني لسابقه ، ويؤيده ما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام لا يكبرن عليك ظلم من ظلمك فإنّه يسعى في مضرته ونفعك.

٣١٠

ثمَّ قال من يفعل الشر بالنّاس فلا ينكر الشر إذا فعل به أما إنّه إنّما يحصد ابن آدم ما يزرع وليس يحصد أحد من المرّ حلوا ولا من الحلو مرا فاصطلح الرجلان قبل أن يقوما.

٢٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن أسباط عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من خاف القصاص كفَّ عن ظلم الناس.

(باب )

(اتباع الهوى )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمّد الوابشي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول احذروا أهواءكم كما تحذرون أعداءكم

_________________________________________________

« وليس يحصد أحد من المرّ حلوا » هذا تمثيل لبيان أن جزاء الشر لا يكون نفعاً وخيراً ، وجزاء الخير وثمرته لا يكون شرّاً ووبإلّا في الدارين.

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف على المشهور.

باب اتباع الهوى

الحديث الأوّل : مجهول.

« احذروا أهواءكم » الأهواء جمع الهوى وهو مصدر هويه كرضيه إذا أحبّه واشتهاه ، ثمَّ سمّي به المهوي المشتهى ، محموداً كان أو مذموماً ثمَّ غلب على المذموم.

قال الجوهري : كلّ حال هواء ، وقوله تعالى : «وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ » يقال : إنّه لا عقول فيها ، والهوى مقصوراً هوى النفس ، والجمع الأهواء ، وهوى بالكسر يهوي هوى أيّ أحب ، الأصمعي : هوى بالفتح يهوي هويا أيّ سقط إلى أسفل.

وقال الراغب : الهوى ميل النفس إلى الشهوة ، ويقال ذلك للنفس المائلة إلى الشهوة ، وقيل : سمّي بذلك لأنّه يهوي بصاحبه في الدنيا إلى كلّ داهية وفي الآخرة

٣١١

فليس شيءٌ أعدى للرّجال من اتّباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.

_________________________________________________

إلى الهاوية ، وقد عظم الله ذمّ اتّباع الهوى فقال : «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(١) وقال : «وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »(٢) «وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً »(٣) وقوله : «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ »(٤) فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيهاً على أن لكلّ هوى غير هوى الآخر ، ثمَّ هوى كلّ واحد لا يتناهى فإذا اتباع أهوائهم نهاية الضلال والحيرة ، وقال : «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ »(٥) وقال : «كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ »(٦) «وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ »(٧) وقال : «قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً »(٨) «وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ »(٩) «وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ » و «مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ »(١٠) » انتهى.

وأقول : ينبغي أن يعلم أن ما تهواه النفس ليس كله مذموماً وما لا تهواه النفس ليس كله ممدوحاً ، بل المعيار ما مرّ في باب ذم الدنيا وهو أن كلّ ما يرتكبه الإنسان لمحض الشهوة النفسانية واللذة الجسمانية والمقاصد الفانية الدنيوية ولم يكن الله مقصوداً له في ذلك فهو من الهوى المذموم ويتبع فيه النفس الأمارة بالسوء ، وإن كان مشتملاً على زجر النفس عن بعض المشتهيات أيضاً كمن يترك لذيذ المأكلّ والمطعم والملبس ويقاسي الجوع والصوم والسهر للاشتهار بالعبادة وجلب قلوب الجهال ، وما يرتكبه الإنسان لإطاعة أمره سبحانه وتحصيل رضاه وإن كان ممّا تشتهيه نفسه وتهواه ، فليس هو من الهوى المذموم كمن يأكلّ ويشرب لأمره تعالى بهما ، أو لتحصيل القوة على العبادة ، وكمن يجامع الحلال لكونه مأمورا به

__________________

(١) سورة الجاثية : ٣٣. (٢) سورة ص : ٢٦.

(٣) سورة الكهف : ٢٨. (٤) سورة البقرة : ١٢٠.

(٥) سورة الجاثية : ١٨. (٦) سورة الأنعام : ٧١.

(٧) سورة المائدة : ٧٧. (٨) سورة الأنعام : ٥٦.

(٩) سورة المائدة : ٤٩. (١٠) سورة القصص : ٥٠.

٣١٢

_________________________________________________

أو لتحصيل الأولاد الصالحين ، أو لعدم ابتلائه بالحرام فهؤلاء وإن حصل لهم الالتذاذ بهذه الأمور لكن ليس مقصودهم محض اللذة ، بل لهم في ذلك أغراض صحيحة إن صدقتهم أنفسهم ، ولم تكن تلك من التسويلات النفسانية والتخييلات الشيطانية ، ولو لم يكن غرضهم من ارتكاب تلك اللذات هذه الأمور فليسوا بمعاقبين في ذلك إذا كان حلالاً لكن إطاعة النفس في أكثر ما تشتهيه قد ينجر إلى ارتكاب الشبهات والمكروهات ثمَّ إلى المحرّمات ومن حام حول الحمى أو شك أن يقع فيه.

فظهر أن كلّ ما تهواه النفس ليس ممّا يلزم اجتنابه فإن كثيراً من العلماء قد يلتذون بعلمهم أكثر ممّا يلتذ الفساق بفسقهم ، وكثيراً من العباد يأنسون بالعبادة بحيث يحصل لهم الهم العظيم بتركها ، وليس كلّ ما لا تشتهيه النفس يحسن ارتكابه كأكلّ القاذورات والزنا بالجارية القبيحة ، ويطلق أيضاً الهوى على اختيار ملة أو طريقة أو رأيّ لم يستند إلى برهان قطعي ، أو دليل من الكتاب والسنّة ، كمذاهب المخالفين وآرائهم وبدعهم فإنّها من شهوات أنفسهم ، ومن أوهامهم المعارضة للحق الصريح كما دلت عليه أكثر الآيات المتقدمة.

فذم الهوى مطلقاً إما مبني على أن الغالب فيما تشتهيه الأنفس أنها مخالفة لما ترتضيه العقل ، أو على أن المراد بالنفس النفس المعتادة بالشر الداعية إلى السوء والفساد ، ويعبر عنها بالنفس الأمارة كما قال تعالى : «إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلّا ما رَحِمَ رَبِّي ».

أو صار الهوى حقيقة شرعية في المعاصي والأمور القبيحة الّتي تدعو النفس إليها ، والآراء والملل والمذاهب الباطلة الّتي تدعو إليها الشهوات الباطلة والأوهام الفاسدة ، لا البراهين الحقة فليس شيء أعدى للرجال لأن ضرر العدو على فرض وقوعه راجع إلى الدنيا الزائلة ومنافعها الفانية ، وضرر الهوى راجع إلى الآخرة الباقية.

٣١٣

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول الله عزَّ وجلَّ وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوي وارتفاع مكاني

_________________________________________________

« وحصائد ألسنتهم » قال في النهاية : فيه وهل يكب النّاس على مناخرهم في النّار إلّا حصائد ألسنتهم أيّ ما يقطعونه من الكلام الذي لا خير فيه ، واحدتها حصيدة تشبيها بما يحصد من الزرع وتشبيها للسان وما يقتطعه من القول بحد المنجل الذي يحصد به ، وقال الطيبي : أيّ كلامهم القبيح كالكفّر والقذف والغيبة ، وقال الجوهري : حصدت الزرع وغيره أحصده وأحصده حصداً والزرع محصود وحصيد وحصيدة ، وحصائد ألسنتهم الذي في الحديث هو ما قيل في النّاس باللسان وقطع به عليهم.

الحديث الثاني : ضعيف.

« وعزّتي » أقسّم سبحانه تأكيدا لتحقيق مضمون الخطاب وتثبيته في قلوب السامعين أوّلاً بعزته وهي القوة والغلبة وخلاف الذلّة وعدم المثل والنظير ، وثانياً بجلاله وهو التنزه من النقائص أو عن أن يصله إليه عقول الخلق أو القدرة الّتي تصغر لديها قدرة كلّ ذي قدرة ، وثالثاً بعظمته وهي تنصرف إلى عظمة الشأن والقدر الذي يذل عندها شأن كلّ ذي شأن ، أو هو أعظم من أن يصل إلى كنه صفاته أحد ، ورابعا بكبريائه وهو كون جميع الخلائق مقهوراً له منقاداً لإرادته ، وخامساً بنوره وهو هدايته الّتي بها يهتدي أهل السماوات والأرضين إليه وإلى مصالحهم ومراشدهم كما يهتدى بالنور ، وسادسا بعلوه أيّ كونه أرفع من أن يصل إليه العقول والأفهام أو كونه فوق الممكنات بالعلية ، أو تعاليه عن الاتصاف بصفات المخلوقين ، وسابعا بارتفاع مكانه وهو كونه أرفع من أن يصل إليه وصف الواصفين أو يبلغه نعت الناعتين وكان بعضها تأكيد لبعض.

٣١٤

لا يؤثر عبد هواه على هوأيّ إلّا شتّتٌّ عليه أمره ولبّست عليه دنياه وشغلت قلبه بها ولم أؤته منها إلّا ما قدَّرت له وعزَّتي وجلالي وعظمتي ونوري وعلوي

_________________________________________________

« لا يؤثر » أيّ لا يختار « عبد هواه » أيّ ما يحبه ويهواه « على هوأيّ » أيّ على ما أرضاه وأمرت به « إلّا شتت عليه أمره » على بناء المجرد أو التفعيل ، في القاموس : شت يشت شتا وشتاتا وشتيتا فرق وافترق كانشت وتشتت ، وشتته الله وأشته.

وأقول : تشتت أمره إما كناية عن تحيره في أمرّ دينه فإن الذين يتبعون الأهواء الباطلة ، في سبل الضلالة يتيهون وفي طرق الغواية يهيمون ، أو كناية عن عدم انتظام أمور دنياهم فإن من اتبع الشهوات لا ينظر في العواقب فيختل عليه أمور معاشه ويسلب الله البركة عما في يده أو الأعم منهما ، وعلى الثاني الفقرة الثانية تأكيد وعلى الثالث تخصيص بعد التعميم.

« ولبست عليه دنياه » أيّ خلطتها أو أشكلتها وضيقت عليه المخرج منها ، قال في المصباح : لبست الأمرّ لبسا من باب ضرب خلطته ، وفي التنزيل «وَلَلَبَسْنا عَلَيهمُّ ما يَلْبِسُونَ »(١) والتشديد مبالغة ، وفي الأمرّ لبس بالضم ولبسة أيضاً إشكال ، والتبس الأمرّ أشكلّ ، ولابسته بمعنى خالطته ، وقال الراغب : أصل اللبس ستر الشيء ، ويقال ذلك في المعاني ، يقال : لبست عليه أمره ، قال تعالى : «وَلَلَبَسْنا عَلَيهمُّ ما يَلْبِسُونَ » «وَلا تَلْبِسُوا الحقّ بِالْباطِلِ »(٢) «لِمَ تَلْبِسُونَ الحقّ بِالْباطِلِ »(٣) «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ »(٤) ويقال في الأمرّ لبسة أيّ التباس ولابست فلاناً خالطته.

« وشغلت قلبه بها » أيّ هو دائماً في ذكرها وفكرهاً غافلا عن الآخرة وتحصيلها

__________________

(١) سورة الأنعام : ٩.

(٢) سورة البقرة : ٤٢.

(٣) سورة آل عمران : ٧١.

(٤) سورة الأنعام : ٨٢.

٣١٥

وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هوأيّ على هواه إلّا استحفظته ملائكتي وكفلت السماوات والأرضين رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر وأتته الدنيا وهي راغمة.

_________________________________________________

ولا يصل من الدنيا غاية مناه فيخسر الدنيا والآخرة ، وذلك هو الخسران المبين « إلّا استحفظته ملائكتي » أيّ أمرتهم بحفظه من الضياع والهلاك في الدين والدنيا.

« وكفلت السماوات والأرضين رزقه » وقد مرّ « وضمنت » أيّ جعلتهما ضامنين وكفيلين لرزقه ، كناية عن تسبب الأسباب السماوية والأرضية لوصول رزقه المقدر إليه.

« وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر » أقول : قد مرّ أنه يحتمل وجوها الأوّل : أن يكون المعنى كنت له من وراء تجارة التاجرين أيّ عقبها أسوقها إليه أيّ أسخر له قلوبهم له وألقي فيها أن يدفعوا قسطا من أرباح تجارتهم إليه.

الثاني : أني أتجر له عوضاً عن تجارة كلّ تاجر له لو كانوا اتجروا له.

الثالث : أن المعنى إنّا أيّ قربي وحبي له عوضا عن المنافع الزائلة الفانية الّتي تحصل للتجار في تجارتهم ، وبعبارة أخرى إنّا مقصوده في تجارته المعنوية بدلا عما يقصده التجار من أرباحهم الدنيوية «فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ ».

الرابع : أن المعنى كنت له بعد أن أسوق إليه أرباح التاجرين فتجتمع له الدنيا والآخرة ، وهي التجارة الرابحة.

« وأتته الدنيا وهي راغمة » أيّ ذليلة منقادة كناية عن تيسر حصولها بلا مشقة ولا مذلّة أو مع هوانها عليه ، وليست لها عنده منزلة لزهده فيها ، أو مع كرهها كناية عن بعد حصولها له بحسب الأسباب الظاهرة لعدم توسله بأسباب حصولها ، وهذا معنى لطيف وإن كان بعيداً ، وفي القاموس : الرغم الكره ويثلث كالمرغمة ، رغمه كعلمه ومنعه كرهه ، والتراب كالرغام ورغم أنفي لله مثلثة ذل عن كره ، وأرغمه الله أسخطه ، ورغمته فعلت شيئاً على رغمه ، وفي النهاية أرغم الله أنفه ألصقه بالرغام وهو التراب ، هذا هو الأصل ، ثمَّ استعمل في الذل والعجز عن الانتصاف والانقياد على كره.

٣١٦

٣ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن يحيى بن عقيل قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إنما أخاف عليكم اثنتين - اتباع الهوى وطول الأمل أما اتباع الهوى فإنّه يصد عن الحقّ وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة.

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرَّحمن الأصم ، عن عبد الرَّحمن بن الحجاج قال قال لي أبو الحسنعليه‌السلام اتق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعراً.

_________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« أمّا اتّباع الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ » لأنّ حبّ الدنيا وشهواتها يعمى القلب عن رؤية الحقّ وتمنع النفس عن متابعته ، فإن الحقّ والباطل متقابلان والآخرة والدنيا ضرتان متنافرتان. والدنيا مع أهل الباطل فاتباع الهوى إما يصير سبباً لاشتباه الحقّ بالباطل في نظره ، أو يصير باعثا على إنكار الحقّ مع العلم به ، والأوّل كعوام أهل الباطل والثاني كعلمائهم « وطول الأمل » أيّ ظن البقاء في الدنيا وتوقع حصول المشتهيات فيها بالأماني الكاذبة الشيطانية ينسى الموت والآخرة وأهوالها فلا يتوجه إلى تحصيل الآخرة وما ينفعه فيها ، ويخلصه من شدائدها وإنما ينسب الخوف منهما إلى نفسه القدسية لأنه هو مولى المؤمنين والمتولي لإصلاحهم والراعي لهم في معاشهم ، والداعي لهم إلى صلاح معادهم.

الحديث الرابع : ضعيف.

« اتق المرتقى السهل » إلخ ، المرقى والمرتقى والمرقاة موضع الرقي والصعود من رقيت السلّم والسطح والجبل علوته ، والمنحدر الموضع الذي ينحدر منه أيّ ينزل ، من الانحدار وهو النزول ، والوعر ضد السهل ، قال الجوهري : جبل وعر بالتسكين ومطلب وعر ، قال الأصمعي : ولا تقل وعر.

أقول : ولعلّ المراد به النهي عن طلب الجاه والرئاسة وسائر شهوات الدنيا

٣١٧

قال : وكان أبو عبد اللهعليه‌السلام يقول لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكفَّ النفس عما تهوى دواها.

_________________________________________________

ومرتفعاتها فإنّها وإن كانت مؤاتية على اليسر والخفض إلّا أن عاقبتها عاقبة سوء والتخلص من غوائلها وتبعاتها في غاية الصعوبة ، والحاصل أن متابعة النفس في أهوائها والترقي من بعضها إلى بعض وإن كانت كلّ واحدة منها في نظره حقيرة ، وتحصل له بسهولة ، لكن عند الموت يصعب عليه ترك جميعها ، والمحاسبة عليها ، فهو كمن صعد جبلا بحيل شتى فإذا انتهى إلى ذروته تحير في تدبير النزول عنها.

وأيضاً تلك المنازل الدنيّة تحصل له في الدنيا بالتدريج ، وعند الموت لا بد من تركها دفعة ، ولذا تشق عليه سكرات الموت بقطع تلك العلائق ، فهو كمن صعد سلما درجة درجة ثمَّ سقط في آخر درجة منه دفعة ، فكلما كانت الدرجات في الصعود أكثر كان السقوط منها أشدّ ضررا وأعظم خطرا فلا بد للعأقلّ أن يتفكر عند الصعود على درجات الدنيا في شدة النزول عنها فلا يرقى كثيراً ويكتفي بقدر الضرورة والحاجة ، فهذا التشبيه البليغ على كلّ من الوجهين من أبلغ الاستعارات وأحسن التشبيهات ، وفي بعض النسخ : أتقي بالياء وكأنه من تصحيف النساخ ، ولذا قرأ بعض الشارحين أتقى بصيغة التفضيل على البناء للمفعول وقرأ السهل مرفوعاً ليكون خبراً للمبتدء وهو أتقى ، أو يكون أتقي بتشديد التاء بصيغة المتكلم من باب الافتعال فالسهل منصوب صفة للمرتقى ، وكلّ منهما لا يخلو من بعد.

« لا تدع النفس وهواها » أيّ لا تتركها مع هواها وما تهواه وتحبه من الشهوات المردية« فإنّ هواها في رداها » أيّ هلاكها في الآخرة بالهلاك المعنوي ، في القاموس ردي في البئر سقط كتردى وأرداه غيره ورداه وروي كرضى ردي هلك ، وأرداه ، ورجل ردها لك.

قولهعليه‌السلام : أذاها ، الأذى ما يؤذي الإنسان من مرض أو مكروه ، والشيء القذرّ ، وفي بعض النسخ داؤها أيّ مرضها وهو أنسب بقوله : دواءها لفظاً ومعنى ، في القاموس الدواء مثلثة ما داويت به ، وبالقصر المرض.

٣١٨

(باب )

(المكر والغدر والخديعة )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : لو لا أنَّ المكر والخديعة في النّار لكنت أمكر الناس.

_________________________________________________

باب المكر والغدر والخديعة

الحديث الأول : مرفوع كالحسن.

وفي القاموس : المكر الخديعة ، وقال : خدعه كمنعه خدعاً ويكسر ختله ، وأراد به المكروه من حيث لا يعلم كاختدعه فانخدع ، والاسم الخديعة ، وقال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان مكر محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال الله عزَّ وجلَّ : «وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ »(١) ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى : «وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأَهْلِهِ »(٢) وقال في الأمرين : «وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ »(٣) وقال بعضهم من مكر الله تعالى إمهال العبد وتمكينه من أعراض الدنيا ، ولذلك قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من وسع عليه دنياه ولم يعلم أنه مكر به فهو مخدوع عن غفلة ، وقال : الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمرّ يبديه على خلاف ما يخفيه ، انتهى.

وفي المصباح : خدعته خدعاً فانخدع ، والخدع بالكسر اسم منه ، والخديعة مثله ، والفاعل خدوع مثل رسول وخداع أيضاً وخادع ، والخدعة بالضم ما يخدع به الإنسان مثل اللعبة لما يلعب به ، انتهى.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٤.

(٢) سورة فاطر : ٤٣.

(٣) سورة النمل : ٥٠.

٣١٩

_________________________________________________

وربّما يفرّق بينهما حيث اجتمعا بأن يراد بالمكر احتيال النفس واستعمال الرأيّ فيما يراد فعله ممّا لا ينبغي ، وإرادة إظهار غيره وصرف الفكر في كيفيته ، وبالخديعة إبراز ذلك في الوجود وإجراؤه على من يريد.

وكأنهعليه‌السلام إنّما قال ذلك لأن النّاس كانوا ينسبون معاوية لعنه الله إلى الدهاء والعقل ، وينسبونهعليه‌السلام إلى ضعف الرأيّ لما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنية على الكذب والغدر والمكر ، فبينعليه‌السلام أنه أعرّف بتلك الحيل منه ، ولكنها لما كانت مخالفة لأمرّ الله ونهيه ، فلذا لم يستعملها ، كما روى السيدرضي‌الله‌عنه في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه أنّه قال : ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة ، ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة ودونه مانع من أمرّ الله ونهيه ، فيدعها رأيّ العين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة في الدين ، والحريجة التقوى.

وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام : وذلك لجهل الفريقين بثمرّة الغدر وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس ، فإنه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به وكان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي ، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة واستخراجها بالآراء إلّا أن تفطن الغادر بالحيلة الّتي هي غير موافقة للقوانين الشرعية والمصالح الدينية ، والكيس هو المتفطن بالحيلة الموافقة لهما ، ولدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدرة بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم ، ولم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور ، وأنّه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة ، بخلاف حيلة الكيس ومصلحته فإنها تجر

٣٢٠