مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 440

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 19965
تحميل: 8522


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19965 / تحميل: 8522
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الديّن فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوماً ما.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن النعمان ، عن إسحاق بن عمّار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر من أسلّم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من

_________________________________________________

الصّداقة يعنفك بأمرّ تكرهه.

والمراد بإحصاء العثرات والزلات حفظها وضبطها في الخاطر أو الدفاتر ليعيره بها يوماً من الأيام ، ويفهم منه أن كمال قربه من الكفّر بمجرد الإحصاء بهذا القصد وإن لم يقع منه ، وقيل : وجه قربه من الكفّر أن ذلك منه باعتبار عدم استقرار إيمانه في قلبه ، أو المراد بالكفّر كفّر نعمة الأخوة ، فهو مع هذا القصد قريب من الكفّر بوقوع التعنيف ، بل ينبغي للأخ في الله إذا عرّف من أخيه عثرة أن ينظر أوّلاً إلى عثرات نفسه ويطهر نفسه عنها ، ثمَّ ينصح أخاه بالرفق واللطف والشفقة ليترك تلك العثرات ، وتكمل الأخوة والصداقة.

ويمكن أن يكون المراد بتلك العثرات ما ينافي حسن الصحبة والعشرة ، وأمّا ما ينافي الدين من الذُّنوب فلا يعنفه على رؤوس الخلائق ، ولكن يجب عليه من باب النهي عن المنكر زجره عنها على الشروط والتفاصيل الّتي سنذكرها في محلها إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني : موثق وسنده الثاني ضعيف.

والمعشر الجماعة من النّاس والجمع معاشر والإضافة من قبيل إضافة متعدد إلى جنسها ، وخلص إليه الشيء كنصر وصل ، وفيه دلالة على أن من أصر على المعاصي فهو كالمنافقين الذين قال الله تعالى فيهمُّ : «قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(١) إذ لو دخل الإيمان قلبه واستقر فيه ظهرت آثاره في جوارحه وإن أمكن أن يكون الخطاب للمنافقين الذين كانوا

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٤.

٤٠١

تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته.

عنه ، عن علي بن النعمان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن أقرب ما يكون العبد إلى الكفّر أن يواخي الرجل الرجل على الدين فيحصي عليه عثراته وزلاته ليعنفه بها يوماً ما.

٤ - عنه ، عن الحجال ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفرعليه‌السلام

_________________________________________________

بين المسلمين وكانوا يؤذونهم ويتتبعون عثراتهم ،وقوله : ولا تتبعوا من باب التفعل بحذف إحدى التائين ، في المصباح تتبعت أحواله والمراد بتتبع الله سبحانه عورته منع لطفه وكشف ستره ، ومنع الملائكة عن ستر ذنوبه وعيوبه فهو يفتضح في السماء والأرض ، ولو أخفاها وفعلها في جوف بيته واهتم بإخفائها ، أو المعنى ولو كانت فضيحته عند أهل بيته والأوّل أظهر.

وروى الشيخ المفيد (ره) في الاختصاص بإسناده عن الصادقعليه‌السلام أن لله تبارك وتعالى على عبده أربعين جنة فمن أذنب ذنباً كبيرا رفع عنه جنة فإذا عاب أخاه المؤمن بشيء يعلمه منه انكشفت تلك الجنن عنه ، ويبقى مهتوك الستر فيفتضح في السماء على السنّة الملائكة ، وفي الأرض على السنّة النّاس ، ولا يرتكب ذنباً إلّا ذكروه ، وتقول الملائكة الموكلون به : يا ربنا بقي عبدك مهتوك الستر وقد أمرتنا بحفظه؟ فيقول عزَّ وجلَّ : ملائكتي لو أردت بهذا العبد خيراً ما فضحته فارفعوا أجنحتكم عنه ، فو عزتي لا يألو بعدها إلى خيراً أبداً.

الحديث الثالث : موثق كالصحيح لإجماع العصابة على ابن بكير ، وذكر الرجل أوّلاً من قبيل وضع الظاهر موضع المضمر.

الحديث الرابع : صحيح.

٤٠٢

قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر من أسلّم بلسانه ولم يسلّم بقلبه لا تتبعوا عثرات المسلمين فإنه من تتبع عثرات المسلمين تتبع الله عثرته ومن تتبع الله عثرته يفضحه.

٥ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن إسماعيل ، عن ابن مسكان ، عن محمّد بن مسلّم أو الحلبيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تطلبوا عثرات المؤمنين فإن من تتبع عثرات أخيه تتبع الله عثراته ومن تتبع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته.

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أقرب ما يكون العبد إلى الكفّر أن

_________________________________________________

وقد مرّ مثله ، وفي أكثر النسخ فيه وفيما مرّ وسيأتي يتبع فهو كيعلم أو على بناء الافتعال استعمل في التتبع مجازا أو على التفعيل وكأنه من النساخ وفي أكثر نسخ الحديث على التفعل ، في القاموستبعه كفرح مشى خلفه ومرّ به فمضى معه ، وأتبعتهم تبعتهم ، وذلك إذا كانوا سبقوك فلحقتهم ، والتتبيع التتبع والاتباع كالتبع والتباع بالكسر الولاء ، وتتبعه تطلبه ، وفي الصحاح : تبعت القوم تبعا وتباعة بالفتح إذا مشيت خلفهم أو مروا بك فمضيت معهم ، وكذلك اتبعتهم وهو افتعلت وأتبعت القوم على أفعلت إذا كانوا قد سبقوك فلحقتهم ، وأتبعت أيضاً غيري يقال : أتبعته الشيء فتبعه.

قال الأخفش : تبعته وأتبعته أيضاً بمعنى مثل ردفته وأردفته ، ومنه قوله تعالى «فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ »(١) وتابعته على كذا متابعة والتباع الولاء وتتبعت الشيء تتبعاً أيّ تطلبته متّبعاً له وكذلك تبعته تتبيعا.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : موثق كالصحيح ، وقد مرّ سندا ومتنا بأدنى تغيير في المتن

__________________

(١) سورة الصافات : ١٠.

٤٠٣

يواخي الرَّجل الرّجل على الدّين فيحصي عليه زلّاته ليعيره بها يوماً ما.

٧ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرَّجل وهو يحفظ [ عليه ] زلاته ليعيّره بها يوماً ما.

(باب التعيير )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أنّب مؤمناً أنّبه الله في الدُّنيا والآخرة.

_________________________________________________

ومثله من المصنّف غريب.

الحديث السابع : كالسابق.

ويقال عيّرته كذا وبكذا إذا قبّحته عليه ونسبته إليه يتعدى بنفسه وبالباء وكان المراد الأبعديّة بالنسبة إلى ما لا يؤدّى إلى الكفّر ، فلا ينافي قولهعليه‌السلام أقرب ما يكون العبد إلى الكفر.

باب التعيير

الحديث الأوّل : مرسل كالحسن.

وقال الجوهري : أنبه تأنيبا عنفه ولامه ، وتأنيبه عزَّ وجلَّ إما على الحقيقة ففي الآخرة ظاهر وفي الدنيا وإن لم يسمع لكن يفتضح عند الملإ الأعلى ، ويعلمه بأخبار المخبر الصادق وأمثال ذلك من نداء الله تعالى مع عدم سماعه كثيرة ، والكلّ محمول على ذلك ، وأمّا المراد به إفشاء عيوبه وابتلاؤه بمثله في الدنيا وعقابه على التأنيب في الآخرة على المشاكلة أو تسمية المسبب باسم السبب.

٤٠٤

٢ - عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إسماعيل بن عمّار ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عير مؤمنا بشيء لم يمت حتّى يركبه.

_________________________________________________

الحديث الثاني : حسن موثق كالصحيح.

والفاحشة كلّ ما نهى الله عزَّ وجلَّ عنه ، وربما يخصّ بما يشتد قبحه من الذُّنوب « كان كمبتدئها » أيّ فاعلها وإنّما عبر عنه

بالمبتدء لأن المذيع كالفاعل فهو بالنسبة إليه مبتدء ويحتمل أن يكون المراد بالفاحشة البدعة القبيحة والمعنى من عمل بها وأفشاها بين النّاس كان عليه كوزر من ابتدعها أوّلاً ، وهذا بالنظر إلى الابتداء أظهر كالأوّل بالنسبة إلى الإذاعة ، في القاموس : بدأ به كمنع ابتداء والشيء فعله ابتداء كأبدأه وابتدأه.

وقد يقال : هذا الوعيد إنما هو في ذوي الهيئات الحسنة وفيمن لم يعرّف باذية ولا فساد في الأرض ، وأمّا المولعين بذلك الذين ستروا غير مرّة فلم يكفوا فلا يبعد القول بكشفهم لأن الستر عليهمُّ من المعاونة على المعاصي وستر من يندب إلى سترة إنّما هو في معصية مضت ، وأمّا معصية هو متلبس بها فلا يبعد القول بوجوب المبادرة إلى إنكارها والمنع منها لمن قدر عليه ، فإن لم يقدر رفع إلى والي الأمرّ ما لم يؤد إلى مفسدة أشدّ ، وأمّا جرح الشاهد والراوي والأمناء على الأوقاف والصدقات وأموال الأيتام فيجب الجرح عند الحاجة إليه لأنه تترتّب عليه أحكام شرعية ، ولو رفع إلى الإمام ما يندب الستر فيه لم يأثمَّ إذا كانت نيته رفع معصية الله تعالى لا كشف ستره.

وجرح الشاهد إنما هو عند طلب ذلك منه أو يرى حاكماً يحكم بشهادته وقد علم منه ما يبطلها ، فلا يبعد القول بحسن رفعه وسيأتي تمام القول في الباب الآتي إن شاء الله تعالى.

٤٠٥

٣ - محمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عير مؤمنا بذنب لم يمت حتّى يركبه.

٤ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن حسين بن عمرّ بن سليمان ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من لقي أخاه بما يؤنّبه أنبّه الله في الدنيا والآخرة.

_________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح.

وفي القاموس : ركب الذنب اقترفه كارتكبه ، ويدل على أنّه لا ينبغي تعيير مؤمن بشيء وإن كان معصية سيما على رؤوس الخلائق ، ولا ينافي وجوب الأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأنّ المطلوب منهما النصح لا التأنيب إلّا إذا علم أنّه لا تنفعه فيلزم التشدد عليه على الترتيب الذي سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

الحديث الرابع : مجهول بحسين بن عمرو وفي أكثر نسخ الرجال ابن سلمان وفي بعضها ابن سليمان.

« بما يؤنبه » كان كلمة « ما » مصدرية فالمستتر في يؤنبه راجع إلى « من » ويحتمل أن تكون موصولة فيحتمل إرجاع المستتر إلى « من » أيضاً بتقدير العائد أيّ بما يؤنبه به ، أو إلى « ما » ففي الإسناد تجوز.

٤٠٦

(باب )

(الغيبة والبهت )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الغيبة أسرع في دين الرجل المسلّم من الأكلة في جوفه.

قال وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الجلوس في المسجد انتظار الصلاة عبادة ما لم يحدث قيل يا رسول الله وما يحدث قال الاغتياب.

_________________________________________________

باب الغيبة والبهت

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

والأكلة كفرحة داء في العضو يأتكلّ منه كما في القاموس وغيره ، وقد يقرأ بمد الهمزة على وزن فاعلة أيّ العلة الّتي تأكلّ اللحم والأوّل أوفق باللغة ، وقوله أسرع في دين الرجل ، أيّ في ضرره وإفنائه.

وقيل : الأكلة بالضم اللقمة وكفرحة داء في العضو يأتكلّ منه ، وكلاهما محتملان إلّا أن ذكر الجوف يؤيد الأوّل وإرادة الإفناء والإذهاب يؤيد الثاني ، والأوّل أقرب وأصوب ولتشبيه الغيبة بأكلّ اللقمة أنسب لأن الله سبحانه شبهها بأكلّ اللحم ، انتهى.

وكان الثاني أظهر والتخصيص بالجوف لأنه أضر وأسرع في قتله ، وفي التأييد الذي ذكره نظر والمستتر في قوله : ما لم يحدث ، راجع إلى الجالس المفهوم من الجلوس ، وهو على بناء الأفعال والاغتياب منصوب ، وقال الجوهري : اغتابه اغتياباً إذا وقع فيه ، والاسم الغيبة ، وهو أن يتكلم خلف إنسان مستور بما يغمه لو سمعه ، فإن كان صدقاً سمّي غيبة ، وإن كان كذباً سمّي بهتانا.

أقول : هذا بحسب اللغة وأمّا بحسب عرّف الشرع فهو ذكر الإنسان المعين

٤٠٧

_________________________________________________

أو من هو بحكمه في غيبته بما يكره نسبته إليه وهو حاصل فيه ، ويعد نقصا في العرّف ، بقصد الانتقاص والذم قولا أو إشارة أو كناية ، تعريضاً أو تصريحاً ، فلا غيبة في غير معين كواحد مبهم غير محصور كأحد أهل البلد.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : وبحكمه لإدراج المبهم من محصور كأحد قاضي البلد فاسق مثلاً ، فإن الظاهر أنّه غيبة ولم أجد أحدّاً تعرض له انتهى.

وقولنا : في غيبته لإخراج ما إذا كان في حضوره لأنه ليس بغيبة وإن كان إثما لإيذائه إلّا بقصد الوعظ والنصيحة ، والتعريض حينئذ أولى إن نفع.

وقولنا : بما يكره لإخراج غيبة من لا يكره نسبة الفسق ونحوه إليه ، بل ربما يفرح بذلك ويعده كمالا.

وقولنا : وهو حاصل فيه لإخراج التهمة وإن كانت أشد.

وقولنا : ويعد نقصاً لإخراج العيوب الشائعة الّتي لا تعد في العرّف نقصاً ، وفي الفسوق الشائعة الّتي لا يعدها أكثر النّاس نقصا مع كونّها مخفية وعدم مبالاته بذكرها وعدم عد أكثر النّاس نقصاً لشيوعها ، ففيه إشكال والأحوط ترك ذكرها وإن كان ظاهر الأصحاب جوازه.

وقولنا : بقصد الانتقاص لخروج ما إذا كان للطبيب لقصد العلاج ، وللسلطان للترحم أو للنهي عن المنكر.

وقال الشهيد الثاني رفع الله درجته : وأمّا في الاصطلاح فلها تعريفان أحدهما مشهور وهو ذكر الإنسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه ممّا يعد نقصانا في العرّف بقصد الانتقاص والذم ، واحترز بالقيد الأخير وهو قصد الانتقاص عن ذكر العيب للطبيب مثلا أو لاستدعاء الرحمة من السلطان في حق الزمن والأعمى بذكر نقصانهما

٤٠٨

_________________________________________________

ويمكن الغناء عنه بقيد كراهة نسبته إليه ، والثاني التنبيه على ما يكره نسبته إليه إلى آخره ، وهو أعم من الأوّل لشمول مورده اللسان والإشارة والحكاية وغيرها ، وهو أولى لما سيأتي من عدم قصر الغيبة على اللسان وقد جاء على المشهور قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هل تدرون ما الغيبة؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهتّه.

وتحريم الغيبة في الجملة إجماعي بل هو كبيرة موبقة للتصريح بالتوعّد عليها بالخصوص في الكتاب والسنّة ، وقد نص الله على ذمها في كتابه وشبه صاحبها بأكلّ لحم الميتة فقال : «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكلّ لَحْمَ أَخِيهِ ميتاً فَكَرِهْتُمُوهُ »(١) .

وعن جابر وأبي سعيد الخدري قإلّا : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إيّاكم والغيبة فإن الغيبة أشدّ من الزنا ، إن الرجل قد يزني ويتوب فيتوب الله عليه ، وأن الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبه.

وعن أنس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم ، فقلت : يا جبرئيل من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الذين يغتابون النّاس ويقعون في أعراضهم.

وعنه قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فذكر الرّبا وعظم شأنه ، فقال : إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم.

وأوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسى بن عمرانعليه‌السلام أن المغتاب إذا تاب فهو

__________________

(١) سورة الحجرات : ١٢.

٤٠٩

_________________________________________________

آخر من يدخل الجنّة ، وإن لم يتب فهو أوّل من يدخل النّار.

وروي أن عيسىعليه‌السلام مرّ والحواريّون على جيفة كلب ، فقال الحواريون :

ما أنتن ريح هذا؟ فقال عيسىعليه‌السلام : ما أشدّ بياض أسنانه ، كأنه ينهاهمعليه‌السلام عن غيبة الكلب وينبههم على أنّه لا يذكر من خلق الله إلّا أحسنه.

وقيل في تفسير قوله تعالى : «وَيْلٌ لِكلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ » الهمزة الطعان في النّاس واللمزة الذي يأكلّ لحوم الناس.

وقال بعضهم : أدركنا السلف لا يرون العبادة في الصوم ولا في الصلاة ، ولكن في الكفَّ عن أعراض الناس.

واعلم أن السبب الموجب للتشديد في أمرّ الغيبة وجعلها أعظم من كثير من المعاصي الكثيرة هو اشتمالها على المفاسد الكلية المنافية لغرض الحكيم سبحانه ، بخلاف باقي المعاصي ، فإنها مستلزمة لمفاسد جزئية ، بيان ذلك أن المقاصد المهمة للشارع اجتماع النفوس على هم واحد وطريقة واحدة ، وهي سلوك سبيل الله بسائر وجوه الأوامرّ والنواهي ، ولا يتم ذلك إلّا بالتعاون والتعاضد بين أبناء النوع الإنساني وذلك يتوقف على اجتماع هممهم وتصافي بواطنهم واجتماعهم على الألفة والمحبة حتّى يكونوا بمنزلة عبد واحد في طاعة مولاه ، ولن يتم ذلك إلّا بنفي الضغائن والأحقاد والحسد ونحوه ، وكانت الغيبة من كلّ منهم لأخيه مثيرة لضغنه ومستدعية منه لمثلها في حقه لا جرم ، وكانت ضد المقصود الكلي للشارع ، وكانت مفسدة كلية ولذلك أكثر الله ورسوله النهي عنها والوعيد عليها وبالله التوفيق.

ثمَّ قالقدس‌سره في ذكر أقسامها : لما عرفت أن المراد منها ذكر أخيك بما يكرهه منه لو بلغه ، أو الإعلام به أو التنبيه عليه كان ذلك شاملا لما يتعلق بنقصان في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه ، حتّى في ثوبه وداره.

٤١٠

_________________________________________________

وقد أشار الصّادقعليه‌السلام إلى ذلك أيّ في مصباح الشريعة بقوله : وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه ، فالبدن كذكرك فيه العمش والحول والعور والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة ، وجميع ما يتصور أن يوصف به ممّا يكرهه.

وأمّا النسب بأن تقول : أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو إسكاف أو حائك أو نحو ذلك ممّا يكرهه كيف كان.

وأمّا الخلق بأن يقول : إنه سيئ الخلق ، بخيل متكبر مرائي شديد الغضب ، جبان ضعيف القلب ونحو ذلك.

وأمّا في أفعاله المتعلقة بالدين كقولك : سارق كذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع والسجود ، ولا يحترز من النجاسات ، ليس باراً بوالديه ولا يحرس نفسه من الغيبة والتعرض لإعراض الناس.

وأمّا فعله المتعلق بالدنيا كقولك : قليل الأدب متهاون بالنّاس ، لا يرى لأحد عليه حقّاً ، كثير الكلام كثير الأكلّ نؤوم يجلس في غير موضعه ونحو ذلك.

وأمّا في ثوبه كقولك : إنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب ونحو ذلك.

واعلم أن ذلك لا يقصر على اللسان بل التلفظ به إنّما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه ، فالتعريض كالتصريح ، والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والرمز والكنية والحركة ، وكلّ ما يفهم المقصود داخل في الغيبة مساو للسان في المعنى الذي حرم التلفظ به لأجله.

ومن ذلك ما روي عن عائشة أنها قالت : دخلت علينا امرأة فلمّا ولت أومأت

٤١١

_________________________________________________

بيدي ، أيّ قصيرة فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اغتبتها.

ومن ذلك المحاكاة بأن تمشي متعارجاً أو كما يمشي فهو غيبة بل أشدّ من الغيبة لأنّه أعظم في التصوير والتفهيم.

وكذلك الغيبة بالكتاب فإنّ الكتاب كما قيل أحد اللّسانين ، ومن ذلك ذكر المصنّف شخصاً معيّناً وتهجين كلامه في الكتاب إلّا أن يقترن به شيء من الأعذار المحوجة إلى ذكره كمسائل الاجتهاد الّتي لا يتم الغرض من الفتوى وإقأمّة الدلائل على المطلوب إلّا بتزييف كلام الغير ونحو ذلك ، ويجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة في ذلك ، وليس منه قوله : قال قوم كذا ما لم يصرّح بشخص معين ، ومنها أن يقول الإنسان : بعض من مرّ بنا اليوم أو بعض من رأيناه حاله كذا إذا كان المخاطب يفهم منه شخصا معينا لأن المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم ، فأما إذا لم يفهمه عينه جاز ، كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كره من إنسان شيئاً قال : ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا؟ ولا يعين.

ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة المتسّمين بالفهم والعلم المرائين ، فإنّهم يفهمون المقصود على صفة أهل الصلاح والتقوى ليظهروا من أنفسهم التعفف عن الغيبة ، ويفهمون المقصود ، ولا يدرون بجهلهم أنهم جمعوا بين فاحشتين الرياء والغيبة ، وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان فيقول : الحمد لله الذي لم يبتلنا بحب الرئاسة أو بحب الدنيا أو بالتكيف بالكيفيّة الفلانية ، أو يقول : نعوذ بالله من قلة الحياء أو من سوء التوفيق أو نسأل الله أن يعصمنا من كذا ، بل مجرد الحمد على شيء إذا علم منه اتصاف المحدث عنه بما ينافيه ونحو ذلك ، فإنّه يغتابه بلفظ الدعاء وسمت أهل الصلاح وإنّما قصده أن يذكر عيبه بضرب من الكلام المشتمل على الغيبة والرياء ، ودعوى الخلاص من الرذائل وهو عنوان الوقوع فيها بل في أفحشها.

٤١٢

_________________________________________________

ومن ذلك أنّه قد يقدم مدح من يريد غيبته فيقول : ما أحسن أحوال فلان ما كان يقصر في العبادات ، ولكن قد اعتراه فتور وابتلي بما نبتلي به كلنا ، وهو قلة الصبر فيذكر نفسه بالذم ومقصوده أن يذم غيره وأن يمدح نفسه بالتشبه بالصالحين في ذم أنفسهم ، فيكون مغتابا مرائياً مزكياً نفسه ، فيجمع بين ثلاث فواحش وهو يظن بجهله أنه من الصالحين المتعففين عن الغيبة ، هكذا يلعب الشيطان بأهل الجهل إذا اشتغلوا بالعلم أو العمل من غير أن تيقنوا الطريق فيتبعهم ويحبط بمكايدة عملهم ، ويضحك عليهم. ومن ذلك أن يذكر ذاكر عيب إنسان فلا يتنبه له بعض الحاضرين فيقول : سبحان الله ما أعجب هذا حتّى يصغي الغافل إلى المغتاب ويعلم ما يقوله ، فيذكر الله سبحانه ويستعمل اسمه آلة له في تحقيق خبثه وباطله ، وهو يمن على الله بذكره جهلا منه وغروراً.

ومن ذلك أن يقول جرى من فلان كذا وابتلي بكذا ، بل يقول : جرى لصاحبنا أو صديقنا كذا ، تاب الله علينا وعليه ، يظهر الدعاء والتألم والصداقة والصحبة والله مطلع على خبث سريرته وفساد ضميره وهو بجهله لا يدري أنه قد تعرض لمقت أعظم ممّا يتعرض له الجهال إذا جاهروا بالغيبة.

ومن أقسامها الخفية الإصغاء إلى الغيبة على سبيل التعجب فإنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيزيد فيها فكأنه يستخرج منه الغيبة بهذا الطريق فيقول : عجبت ممّا ذكرته ما كنت أعلم بذلك إلى الآن ما كنت أعرّف من فلان ذلك؟ يريد بذلك تصديق المغتاب واستدعاء الزيادة منه باللطف ، والتصديق للغيبة غيبة ، بل الإصغاء إليها بل السكوت عند سماعها ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المستمع أحد المغتابين ، وقال عليعليه‌السلام : السامع للغيبة أحد المغتابين ، ومرادهعليه‌السلام

٤١٣

_________________________________________________

السامع على قصد الرضا والإيثار لا على وجه الاتفاق أو مع القدرة على الإنكار ولم يفعل.

ووجه كون المستمع والسامع على ذلك الوجه مغتابين مشاركتهما للمغتاب في الرضا وتكيف ذهنهما بالتصورات المذمومة الّتي لا ينبغي وإن اختلفاً في أن أحدهما قائل والآخر قابل ، لكن كلّ واحد منهما صاحب آلة أما أحدهما فذو لسان يعبر عن نفس قد تنجست بتصور الكذب والحرام ، والعزم عليه ، وأمّا الآخر فذو سمع تقبل عنه النفس تلك الآثار عن إيثار وسوء اختيار ، فتألفها وتعتادها فتمكن من جوهرها سموم عقارب الباطل ومن ذلك قيل : السامع شريك القائل.

وقد تقدم في الخبر ما يدل عليه ، فالمستمع لا يخرج من إثمَّ الغيبة إلّا بأن ينكر بلسانه ، فإن خاف فبقلبه ، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام غيره فلم يفعله لزمه ، ولو قال بلسانه : اسكت وهو يشتهي ذلك بقلبه ، فذلك نفاق وفاحشة أخرى زائدة لا يخرجه عن الإثمَّ ما لم يكرهه بقلبه.

وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : من أذلّ عنده مؤمن وهو يقدر على أن ينصره فلم ينصره أذله الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق ، وعن أبي الدرداء قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقّاً على الله أن يرد عن عرضه يوم القيامة ، وقال أيضاً : من رد عن عرض أخيه بالغيب كان حقّاً على الله أن يعتقه من النّار.

وروى الصدوق بإسناده إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من تطول على أخيه في غيبة سمعها عنه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة وإن هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة.

٤١٤

_________________________________________________

وبإسناده إلى الباقرعليه‌السلام أنّه قال : من اغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة ، ومن لم ينصره ولم يدفع عنه وهو يقدر على نصرته وعونه خفضه الله في الدنيا والآخرة.

ثمَّ قالقدس‌سره في علاج الغيبة : اعلم أن مساوئ الأخلاق كلّها إنما تعالج بمعجون العلم والعمل ، وإنما علاج كلّ علة بمضاد سببها فلنبحث عن سبب الغيبة أوّلاً ثمَّ نذكر علاج كفَّ اللسان عنها على وجه يناسب علاج تلك الأسباب فنقول :

جملة ما ذكروه من الأسباب الباعثة على الغيبة عشرة أشياء قد نبه الصادقعليه‌السلام عليها إجمالاً يعني في مصباح الشريعة بقوله : أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع شفاء غيظ ، ومساعدَّةٌ قوم ، وتصديق خبر بلا كشفه ، وتهمة ، وسوء ظن ، وحسد ، وسخرية ، وتعجب وتبرم وتزين ، ونحن نشير إليها مفصلة :

الأوّل : تشفي الغيظ ، وذلك إذا جرى سبب غيظ غضب عليه ، فإذا هاج غضبه تشفي بذكر مساويه وسبق اللسان إليه بالطبع إن لم يكن ثمة دين وازع وقد يمتنع من تشفي الغيظ عند الغضب فيحتقن الغضب في الباطن ، ويصير حقدا ثابتا فيكون سبباً دائماً لذكر المساوي بالحقد والغضب من البواعث العظيمة على الغيبة.

الثاني : موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم على الكلام ، فإنّهم إذا كانوا يتفكهون بذكر الأعراض فيرى أنّه لو أنكر أو قطع المجلس استثقلوه ونفروا عنه ، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن المعاشرة ويظن أنّه مجاملة في الصحبة وقد يغضب رفقاؤه فيحتاج إلى أن يغضب لغضبهم إظهاراً للمساهمة في السراء والضراء فيخوض معهم في ذكر العيوب والمساوي.

٤١٥

_________________________________________________

الثالث : أن يستشعر من إنسان أنّه سيقصده ويطول لسانه فيه أو يقبح حاله عند محتشم أو يشهد عليه بشهادة فيبادر قبل ذلك ويطعن فيه ليسقط أثر شهادته وفعله ، أو يبتدئ بذكر ما فيه صادقاً ليكذب عليه بعده فيروج كذبه بالصدق الأوّل ويستشهد به ويقول : ما من عادتي الكذب فإنّي أخبرتكم بكذا وكذا من أحواله فكان كما قلت.

الرابع : أن ينسب إليه شيء فيريد أن يتبرء منه فيذكر الذي فعله ، وكان من حقه أن يتبرء نفسه ولا يذكر الذي فعله ، ولا ينسب غيره إليه أو يذكر غيره بأنه كان مشاركاً له في الفعل ، ليمهد بذلك عذرّ نفسه في فعله.

الخامس : إرادة التصنع والمباهاة وهو أن يرفع نفسه بتنقيص غيره ، فيقول فلان جاهل وفهمه ركيك ، وكلامه ضعيف ، وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهمُّ أنه أفضل منه أو يحذرّ أن يعظم مثل تعظيمه فيقدح فيه لذلك.

السادس : الحسد وهو أنه يحسد من يثني النّاس عليه ويحبونه ويكرمونه فيريد زوال تلك النعمة عنه ، فلا يجد سبيلاً إليه إلّا بالقدح فيه ، فيريد أن يسقط ماء وجهه عند النّاس حتّى يكفوا عن إكرامه والثناء عليه ، لأنه يثقل عليه أن يسمع ثناء النّاس عليه ، وإكرامهم له ، وهذا هو الحسد ، وهو عين الغضب والحقد والحسد قد يكون مع الصديق المحسن والقرين الموافق.

السابع : اللعب والهزل والمطايبة وترجية الوقت بالضحك ، فيذكر غيره بما يضحك النّاس على سبيل المحاكاة والتعجب.

الثامن : السخرية والاستهزاء استحقارا له فإن ذلك قد يجري في الحضور فيجري أيضاً في الغيبة ومنشأه التكبر واستصغار المستهزئ به.

٤١٦

_________________________________________________

التاسع : وهو مأخذ دقيق ربما يقع في الخواصّ وأهل الحذرّ من مزال اللسان ، وهو أن يغتم بسبب ما يبتلي به أحد فيقول : يا مسكين فلان قد غمني أمره وما ابتلي به ويذكر سبب الغم ، فيكون صادقاً في اغتمامه ويلهيه الغم من الحذرّ عن ذكر اسمه فيذكره بما يكرهه فيصير به مغتابا فيكون غمه ورحمته خيراً ولكنه ساقه إلى شر من حيث لا يدري والترحم والتغمم ممكن من دون ذكر اسمه ونسبته إلى ما يكرهه ، فيهيجه الشيطان على ذكر اسمه ليبطل به ثواب اغتمامه وترحمه.

العاشر : الغضب لله فإنه قد يغضب على منكر قارفه إنسان فيظهر غضبه ويذكر اسمه على غير وجه النهي عن المنكر ، وكان الواجب أن يظهر غضبه عليه على ذلك الوجه خاصة ، وهذا ممّا يقع فيه الخواص أيضاً فإنّهم يظنون أن الغضب إذا كان لله تعالى كان غدراً كيف كان ، وليس كذلك.

أقول : وعد بعضهم الوجهين الأخيرين ممّا يختص بأهل الدين والخاصة ، وزاد وجها آخر ، وهو أن ينبعث من الدين داعية التعجب من إنكار المنكر والخطإ في الدين ، فيقول : ما أعجب ما رأيت من فلان ، فإنه قد يكون صادقاً ويكون تعجبه من المنكر ، ولكن كان حقه أن يتعجب ولا يذكر اسمه فسهل عليه الشيطان ذكر اسمه في ذكر تعجبه ، فصار به مغتابا من حيث لا يدري وأثمَّ ، ومن ذلك قول الرجل : تعجبت من فلان كيف يحب جاريته وهي قبيحة؟ وكيف يجلس بين يدي فلان وهو جاهل.

ثمَّ قال الشهيد (ره) : إذا عرفت هذه الوجوه الّتي هي أسباب الغيبة فاعلم أن الطريق في علاج كفَّ اللسان عن الغيبة يقع على وجهين : أحدهما على الجملة والآخر على التفصيل.

٤١٧

_________________________________________________

أمّا ما على الجملة فهو أن يعلم تعرّضه لسخط الله تعالى بغيبته كما قد سمعته في الأخبار المتقدمة وأن يعلم أنّه يحبط حسناته فإنّها تنقل في القيامة حسناته إلى من اغتابه بدلاً عما أخذ من عرضه ، فإن لم تكن له حسنات نقل إليه من سيّئاته وهو مع ذلك متعرض لمقت الله تعالى ومشبه عنده بأكلّ الميتة ، وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : ما النّار في اليبس بأسرع من الغيبة في حسنات العبد ، وينفعه أيضاً أن يتدبر في نفسه فإن وجد فيها عيبا اشتغل بعيب نفسه ، وذكر قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس ، ومهما وجد عيبا فينبغي أن يستحيي أن يترك نفسه ويذم غيره ، بل ينبغي أن يعلم أن عجز غيره عن نفسه في التنزه عن ذلك العيب كعجزه إن كان ذلك عيبا يتعلق بفعله واختياره ، وإن كان أمرا خلقيا فالذم له ذم للخالق فإن من ذم صنعة فقد ذم الصانع ، وإن لم يجد عيبا في نفسه فليشكر الله ولا يلوثن نفسه بأعظم العيوب ، بل لو أنصف من نفسه لعلم أن ظنه بنفسه أنه بريء من كلّ عيب جهل بنفسه ، وهو من أعظم العيوب وينفعه أن يعلم أن يعلم أن تألم غيره بغيبته كتألمه بغيبة غيره له ، فإذا كان لا يرضى لنفسه أن يغتاب فينبغي أن لا يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه.

وأمّا التفصيلية فهو أن ينظر إلى السبب الباعث له على الغيبة ويعالجه فإن علاج الغيبة بقطع سببها ، وقد عرفت الأسباب الباعثة ، أما الغضب فيعالجه بالتفكر فيما مضى من ذم الغضب وفيما تقدم من فضل كظم الغيظ ومثوباته ، وأمّا الموافقة فبأن تعلم أن الله تعالى يغضب عليك ، إذا طلبت سخطه في رضاً المخلوقين ، فكيف ترضى لنفسك أن توقر غيرك وتحقر مولاك ، إلّا أن يكون غضبك لله تعالى ، وذلك لا يوجب أن تذكر المغضوب عليه بسوء ، بل ينبغي أن تغضب لله أيضاً على رفقائك إذا ذكروه وبالسوء ، فإنّهم عصوا ربك بأفحش الذُّنوب وهو الغيبة.

٤١٨

_________________________________________________

وأمّا تنزيه النفس بنسبة الجناية إلى الغير حيث يستغني عن ذكر الغير فتعالجه بأن تعرّف بأن التعرض لمقت الخالق أشدّ من التعرّض لمقت الخلق وأنت بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى يقيناً ، ولا تدري أنّك تتخلص من سخط النّاس أم لا ، فتخلص نفسك في الدنيا بالتوهم وتهلك في الآخرة ، وتخسر حسناتك في الحقيقة ، ويحصل ذم الله لك نقداً وتنتظر دفع ذم الخلق نسيئة.

وهذا غاية الجهل والخذلان ، وأمّا عذرك كقولك : إن أكلت الحرام ففلان يأكلّ ، ونحو ذلك فهذا جهل لأنك تعتذرّ بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به ، فإن من خالف أمرّ الله لا يقتدى به كائنا من كان ، فما ذكرته غيبة وزيادة معصية أضفتها إلى ما اعتذرت عنه وسجلت ، مع الجمع بين المعصيتين على جهلك وغباوتك.

وأمّا قصدك المباهاة وتزكية النفس فينبغي أن تعلم أنك بما ذكرته أبطلت فضلك عند الله تعالى وأنت من اعتقاد النّاس فضلك على خطر ، وربّما نقص اعتقادهم فيك إذا عرفوك بثلب النّاس فتكون قد بعت ما عند الخالق يقينا بما عند المخلوق وهما ولو حصل لك من المخلوق اعتقاد الفضل لكانوا لا يغنون عنك من الله شيئاً.

وأمّا الغيبة للحسد فهو جمع بين عذابين لأنّك حسدته على نعمة الدنيا وكنت معذباً بالحسد ، فما قنعت بذلك حتّى أضفت إليه عذاب الآخرة فكنت خاسرّاً في الدنيا فجعلت نفسك خاسرّاً في الآخرة لتجمع بين النكالين ، فقد قصدت محسودك فأصبت نفسك ، وقد مرّ في باب الحسد ما فيه كفاية للمتدبّر.

وأمّا الاستهزاء فمقصودك منه إخزاء غيرك عند النّاس بإخزاء نفسك عند الله والملائكة والنبيين ، فلو تفكّرت في حسرتك وحياتك وخجلتك وخزيك يوم تحمل

٤١٩

_________________________________________________

سيّئات من استهزأت به ، وتساق إلى النار لأدهشك ذلك عن إخزاء صاحبك ، ولو عرفت حالك لكنت أولى أن يضحك منك فإنك سخرت به عند نفر قليل وعرضت نفسك لأن يأخذ بيدك في القيامة على ملإ من النّاس ويسوقك تحت سيّئاته كما يساق الحمار إلى النّار مستهزئا بك وفرحا بخزيك ومسرورا بنصر الله إياه وتسلطه على الانتقام منك.

وأمّا الرحمة على إثمه فهو حسن ولكن حسدك إبليس واستنطقك بما ينقل من حسناتك إليه بما هو أكثر من رحمتك ، فيكون جبراً لإثمَّ المرحوم فيخرج عن كونه مرحوماً وتنقلب أنت مستحقّاً لأن تكون مرحوما إذا حبط أجرك ونقصت من حسناتك.

وكذلك الغضب لله لا يوجب الغيبة وإنما حبب إليك الشيطان الغيبة ليحبط أجر غضبك وتصير متعرضاً لغضب الله بالغيبة.

وبالجملة فعلاج جميع ذلك المعرفة والتحقيق لها بهذه الأمور الّتي هي من أبواب الإيمان ، فمن قوي إيمانه بجميع ذلك انكفَّ عن الغيبة لا محالة.

ثمَّ ذكررحمه‌الله الأعذار المرخصة في الغيبة فقال :

اعلم أن المرخص في ذكر مساءة الغير هو غرض صحيح في الشرع لا يمكن التوّصل إليه إلّا به فيدفع ذلك أثمَّ الغيبة ، وقد حصروها في عشرة : « الأوّل » الظلم فإن من ذكر قاضيا بالظلم والخيانة وأخذ الرشوة كان مغتاباً عاصياً ، وأمّا المظلوم من جهة القاضي فله أن يتظلم إلى من يرجو منه إزالة ظلمه ، وينسب القاضي إلى الظلم إذ لا يمكنه استيفاء حقه إلّا به ، وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لصاحب الحقّ مقال ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مطل الغني ظلم ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مطل الواجد يحل عرضه وعقوبته.

٤٢٠