مرآة العقول الجزء ١٠

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 440

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 440
المشاهدات: 19951
تحميل: 8522


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 440 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 19951 / تحميل: 8522
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 10

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الحسود القاسي القلب البعيد من كلّ خير يرجى غير المأمون من كلّ شر يتقى.

١٠ - الحسين بن محمّد ، عن معلى بن محمّد ، عن منصور بن العباس ، عن علي بن أسباط رفعه إلى سلمان قال إذا أراد الله عزَّ وجلَّ هلاك عبد نزع منه الحياء ،

_________________________________________________

الذي يقبل الفحش من غيره ، فالفاحش المتفحّش الذي لا يبالي ما قال ولا ما قيل له ، والأوّل أظهر ، وبعد من كان كذلك عن مشابهة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ظاهر لأنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في غاية الحياء وكان يحترز عن الفحش في القول حتّى أنه كان يعبر عن الوقاع والبول والتغوّط بالكنايات ، بل بأبعدها تأسيا بالرب سبحانه في القرآن.

قال في النهاية : فيه أنّ الله يبغض الفاحش المتفحّش ، الفاحش ذو الفحش في كلامه وفعاله ، والمتفحّش الذي يتكلف ذلك ويتعمده وقد تكرر ذكر الفحش والفاحشة والفواحش في الحديث ، وهو كلّ ما يشتد قبحه من الذُّنوب والمعاصي ، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا ، وكلّ خصلة قبيحة فهي فاحشة من الأقوال والأفعال ، وقال : البذاء بالمد الفحش في القول ، وفلان بذي اللسان ، وفي المصباح بذا علي القوم يبذو بذاء بالفتح والمد سفه وأفحش في منطقه ، وإن كان كلامه صدقاً فهو بذي علي فعيل.

وفي النهاية فيه : من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ، الخيلاء بالضم والكسر :

الكبر والعجب يقال : اختال فهو مختال ، وفيه خيلاء ومخيلة أي كبر وتقييد الخير والشر بكونه مرجوّاً أو يتقي منه إمّا للتوضيح أو للاحتراز والأوّل كأنّه أظهر.

الحديث العاشر : ضعيف موقوف لكنّه ينتهي إلى سلمان وهو في درجة قريبة من العصمة بل فيها.

« إذا أراد الله هلاك عبد » لعلّه كناية عن علمه سبحانه بسوء سريرته وعدم

٨١

فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلّا خائنا مخونا فإذا كان خائنا مخونا نزعت منه الأمانة فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلّا فظا غليظا فإذا كان فظا غليظا

_________________________________________________

استحقاقه للطف « نزع منه الحياء » أي سلب التوفيق منه حتّى يخلع لباس الحياء ، وهو خلق يمنع من القبائح والتقصير في حقوق الخلق والخالق « فإذا نزع منه الحياء » المانع من ارتكاب القبائح « لم تلقه إلّا خائنا مخونا » وقد مر معنى الخائن وذمه ، وأما المخون فيحتمل أن يكون بفتح الميم وضم الخاء أي يخونه النّاس فذمه باعتبار أنه السبب فيه ، أو المراد أنّه يخون نفسه أيضاً ويجعله مستحقاً للعقاب فهو خائن لغيره ولنفسه ، وبهذا الاعتبار مخون ففي كلّ خيانة خيانتان أو يكون بضم الميم وفتح الخاء وفتح الواو المشددة أي منسوباً إلى الخيانة مشهوراً به ، أو بكسر الواو المشددة أي ينسب النّاس إلى الخيانة مع كونه خائنا.

في القاموس : الخون أن يؤتمن الإنسان فلا ينصح ، خانه خونا وخيانة واختانه فهو خائن ، وقد خانه العهد والأمانة وخونه تخوينا نسبه إلى الخيانة ونقصه.

« نزعت منه الأمانة » لأنّها ضد الخيانة ، فإن قيل : كان هذا معلوما لا - يحتاج إلى البيان؟ قلت : يحتمل أن يكون المراد أنه إذا لم يبال من الخيانة يصير بالأخرة إلى أنه يسلب منه الأمانة بالكلية ، أو المعنى أنه يصير بحيث لا يأتمنه النّاس على شيء.

« لم تلقه إلّا فظا غليظاً » في القاموس : الفظ الغليظ السيء الخلق القاسي الخشن الكلام ، انتهى.

والغلظة : ضد الرقة والمراد هنا قساوة القلب وغلظته ، كما قال تعالى : «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ »(١) وتفرع هذا على نزع الأمانة ظاهر لأن الخائن

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٥٩.

٨٢

نزعت منه ربقة الإيمان ، فإذا نزعت منه ربقة الإيمان لم تلقه إلّا شيطإنّا ملعونا.

١١ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن زياد الكرخي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث

_________________________________________________

لا سيما من يعلمه النّاس كذلك لا بد من أن يعارض النّاس ويجادلهم فيصير سيئ الخلق الخشن الكلام ولا يرحم النّاس لذهابه بحقهم فيقسو قلبه ، وأيضاً إصراره على ذلك دليل على عدم تأثير المواعظ في قلبه ، فإذا كان كذلك نزعت منه ربقة الإيمان لسلب أكثر لوازمه وصفاته عنه كما مر في صفات المؤمن ، والمراد كمال الإيمان أو أحدّاً المعاني الّتي مضت منه ولا أقل أنه ينزع منه الحياء وهو رأس الإيمان « لم تلقه إلّا شيطاناً » أي شبيها به في الصفات أو بعيدا من الله ومن هدايته وتوفيقه« ملعوناً » يلعنه الله والملائكة والنّاس أو بعيدا من رحمة الله تعالى.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

و « ثلاث » مبتدء ، وقد يجوز كون المبتدء نكرة محضة لا سيما في العدد ، و « ملعون من فعلهن » استئناف بياني ، والمعنى أن اللعن لا يتعلق بالعمل حقيقة بل بفاعله ، وقرأ بعض الأفاضل بإضافة ثلاث إلى ملعونات ، فالجملة خبر وقوله المتغوط خبر مبتدء محذوف بتقدير مضاف أيضاً بتقديرهن صفة المتغوط والضمير لثلاث ، ويمكن عدم تقدير المضاف فالتقدير هو المتغوط والضمير لمن فعلهن وفي المصباح الغائط المطمئن الواسع من الأرض ، ثمَّ أطلق الغائط على الخارج المستقذرّ من الإنسان كراهة تسميته باسمه الخاص لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في المواضع المطمئنة فهو من مجاز المجاورة ، ثمَّ توسعوا فيه حتّى اشتقوا منه وقالوا تغوط الإنسان ، انتهى.

وكان نسبة اللعن إلى الفعل مجاز في الإسناد ، أو كناية عن قبحه. ونهي

٨٣

ملعونات ملعون من فعلهن المتغوط في ظل النزال والمانع الماء المنتاب والساد

_________________________________________________

الشارع عنه ، والمراد بظل النزال تحت سقف أو شجرة ينزلها المسافرون ، وقد يعم بحيث يشمل المواضع المعدَّةٌ لنزولهم وإن لم يكن فيه ظل لاشتراك العلة أو بحمله على الأعم والتعبير بالظل لكونه غالبا كذلك ، والظاهر اختصاص الحكم بالغائط لكونه أشد ضررا ، وربمّا يعم ليشمل البول ، والمشهور اختصاص الحكم بالغائط لكونه أشد ضررا ، وربما يعم ليشمل البول ، والمشهور بين الأصحاب كراهة ذلك ، وظاهر الخبر التحريم إذ فاعل المكروه لا يستحقّ اللعن ، وقد يقال : اللعن البعد من رحمة الله وهو يحصل بفعل المكروه أيضاً في الجملة ، ولا يبعد القول بالحرمة إن لم يكن إجماع على الخلاف للضرر العظيم فيه على المسلمين ، لا سيما إذا كان وقفا فإنه تصرف مناف لغرض الواقف ومصلحة الوقف ، ولا يبعد القول بهذا التفصيل أيضاً.

ويمكن حمل الخبر على أن النّاس يلعنونه ويشتمونه لكن يقل فائدة الخبر إلّا أن يقال : الغرض بيان علة النهي عن الفعل ، قال في النهاية : فيه : اتقوا الملاعن الثلاث ، هي جمع ملعنة وهي الفعلة الّتي يلعن بها فاعلها كأنها مظنة للعن ومحلّ له وهو أن يتغوط الإنسان على قارعة الطريق أو ظل الشجرة أو جانب النهر ، فإذا مر بها النّاس لعنوا فاعله ، ومنه الحديث اتقوا اللاعنين أي الآمرين الجالبين للعن الباعثين للناس عليه ، فإنه سبب للعن من فعله في هذه المواضع ، وليس كلّ ظل وإنّما هو الظل الذي يستظل به النّاس يتخذونه مقيلا ومناخا ، وأصل اللعن الطرد والإبعاد من الله تعالى ، ومن الخلق السب والدعاء ، انتهى.

« والمانع الماء المنتاب » الماء مفعول أول للمانع إما مجرور بالإضافة من باب الضارب الرجل ، أو منصوب على المفعولية ، والمنتاب اسم فاعل بمعنى صاحب النوبة فهو مفعول ثان وهو من الانتياب افتعال من النوبة ، ويحتمل أن يكون اسم مفعول

٨٤

الطّريق المعربة.

_________________________________________________

صفة من انتاب فلان القوم أي أتاهم مرّة بعد أخرى ، والماء المنتاب هو الماء الذي يرد عليه النّاس متناوبة ومتبادلة لعدم اختصاصه بأحدهم ، كالماء المملوك المشترك بين جماعة ، فلعن المانع لأحدهم في نوبته ، والماء المباح الذي ليس ملكا لأحدهم كالغدران والآبار في البوادي ، فإذا ورد عليه الواردون كانوا فيه سواء فيحرم لأحدهم منع الغير من التصرّف فيه على قدر الحاجة ، لأن في المنع تعريض مسلّم للتلف فلو منع حلّ قتاله.

قال الجوهري : انتابه انتيابا أتاه مرة بعد أخرى ، وفي النهاية : نابه ينوبه نوبا وانتابه إذا قصده مرة بعد أخرى ، ومنه حديث الدعاء : يا أرحم من انتابه المسترحمون ، وحديث صلاة الجمعة كان النّاس ينتابون الجمعة من منازلهم.

« والساد الطريق المعربة » بالعين المهملة على بناء المفعول أي واضحة الّتي ظهر فيها أثر الاستطراق ، في النهاية : الإعراب الإبانة والإفصاح ، وفي أكثر النسخ المقربة بالقاف فيمكن أن يكون بكسر الراء المشددة أي الطريق المقربة إلى المطلوب بأن يكون هناك طريق آخر أبعد منه ، فإن لم يكن طريق آخر فبطريق أولى ، وهذه النسخة موافقة لروايات العأمّة لكنهم فسروه على وجه آخر ، قال في النهاية فيه : من غير المطربة والمقربة فعليه لعنة الله ، المطربة واحدة المطارب وهي طرق صغار تنفذ إلى الطرق الكبار ، وقيل : هي الطرق الضيقة المتفرقة يقال : طربت عن الطريق أي عدلت عنه ، والمقربة طريق صغير ينفذ إلى طريق كبير ، وجمعها المقارب ، وقيل هو من القرب وهو السير بالليل ، وقيل : السير إلى الماء ، ومنه الحديث ثلاث لعينات رجل عور طريق المقربة ، وقال في القاموس : المقرب والمقربة الطريق المختصر ، وقال : القرب بالتحريك سير الليل لورد الغد ، والبئر القريبة الماء ، وطلب الماء ليلاً ، وفي الفائق : القربة المنزل وأصلها من القرب وهو السير إلى الماء.

٨٥

١٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاث ملعون من فعلهن المتغوط في ظل النزال والمانع الماء المنتاب والساد الطريق المسلوك.

١٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن جابر بن عبد الله قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أخبركم بشرار رجالكم قلنا بلى يا رسول الله فقال إن

_________________________________________________

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وتذكير ضمير الطريق هنا وتأنيثه فيما تقدم باعتبار أن الطريق يذكر ويؤنث.

الحديث الثالث عشر : حسن كالصحيح.

والبهات مبالغة من البهتان ، وهو أن يقول في النّاس ما ليس فيهمُّ ، قال الجوهري : بهته بهتا أخذه بغتة ، قال الله تعالى : «بَلْ تَأْتِيهمُّ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ »(١) وتقول أيضاً : بهته بهتا وبهتا وبهتإنّا فهو بهات ، أي قال عليه ما لم يفعله فهو مبهوت ، انتهى.

والجري بالياء المشددة وبالهمز أيضاً على فعيل وهو المقدام على القبيح من غير توقف والاسم الجرأة ، والفحاش ذو الفحش وهو كلما يشتد قبحه من الأقوال والأفعال وكثيرا ما يراد به الزنا وقد مر الكلام فيه.

« الآكلّ وحده » أقول : لعلّ النكتة في إيراد العاطف في الأخيرات وتركها في الأوّل الإشعار بأن البهت والجرأة والفحش صارت لازمة له كالذاتيات فصرن كالذات الّتي أجريت عليها الصفات ، فناسب إيراد العاطف بين الصفات لتغايرها ، ويحتمل أن تكون العلة الفصل بالمعمول أي « وحده » و « رفده » و « عبده » بين الفقرات الأخيرة وعدمها في الأوّل فتأمل.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٤٠.

٨٦

من شرار رجالكم البّهات الجريء الفحّاش ، الآكلّ وحده والمانع رفده ، والضارب عبده والملجئ عياله إلى غيره.

١٤ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ميسر ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة لعنتهم وكلّ نبي مجاب الزائد في كتاب الله والتارك لسنتي والمكذب بقدر الله والمستحل من عترتي ما حرم

_________________________________________________

« والمانع رفده » قد مر الكلام فيه ، وعدم حرمة هذه الخصلة لا ينافي كون المتصف بجميع تلك الصفات من شرار النّاس ، فإنه الظاهر من الخبر لا كون المتصف بكلّ منها من شرار النّاس ، وقيل : يفهم منه ومما سبقه أن ترك المندوب وما هو خلاف المروة شر فالمراد بشرار الرجال فاقد الكمال ، سواء كان فقده موجبا للعقوبة أم لا انتهى.

« والملجئ عياله إلى غيره » أي لا ينفق عليهمُّ ولا يقوم بحوائجهم.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

« وكلّ نبي مجاب » أقول : يحتمل أن يكون عطفاً على فاعل لعنتهم ، وترك التأكيد بالمنفصل للفصل بالضمير المنصوب مع أنه قد جوزه الكوفيون مطلقاً ، وقيل : كلّ منصوب على أنّه مفعول معه ، فقوله : مجاب صفة للنبي أي لعنهم كلّ نبي أجابه قومه ، أو لا بد من أن يجيبه قومه أو أجاب الله دعوته ، فالصفة موضحة ، ويحتمل أن يكون « كلّ » مبتدء « ومجاب » خبراً والجملة حالية أي والحال أن كلّ نبي مستجاب الدعوة ، فلعني يؤثر فيهمُّ لا محالة ، ويحتمل العطف أيضاً ، ويؤيد الأوّل ما في مجالس الصدوق وغيره من الكتب ، ولعنهم كلّ نبي.

« والتارك لسنتي » أي مغير طريقته ، والمبتدع في دينه ، والمكذب بقدر الله أي المفوضة الذين يقولون ليس لله في أعمال العباد مدخل أصلا كالمعتزلة ، وقد مر تحقيقه « والمستحل من عترتي ما حرم الله » والمراد بعترته أهل بيته والأئمة من

٨٧

الله والمستأثر بالفيء [ و ] المستحلّ له.

(باب الرياء )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال لعباد بن كثير البصري في المسجد ويلك يا عباد إياك والرياء فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له.

_________________________________________________

ذريته باستحلال قتلهم أو ضربهم أو شتمهم أو إهانتهم أو ترك مودتهم أو غصب حقهم أو عدم القول بإمامتهم أو ترك تعظيمهم« والمستأثر بالفيء المستحلّ له » في النهاية الاستئثار الانفراد بالشيء ، وقال : الفيء ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد ، انتهى.

وأقول : الفيء يطلق على الغنيمة والخمس والأنفال وكلّ ذلك يتعلق بالإمام كلا أو بعضا كما حقق في محله.

باب الرياء

الحديث الأول : ضعيف.

« وكلّه الله إلى من عمل له » أي في الآخرة كما سيأتي أو الأعم منها ومن الدنيا وقيل : وكلّ ذلك العمل إلى الغير ولا يقبله أصلا ، وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؟ قالوا : وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال : الرياء يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيأمّة إذا جازى العباد بأعمالهم : اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا هل تجدون عندهم ثواب أعمالكم. وقال بعض المحقّقين : اعلم أن الرياء مشتق من الرؤية ، والسمعة مشتقة من السماع ، وإنما الرياء أصله طلب المنزلة في قلوب النّاس بإراءتهم خصال الخير ، إلّا أن الجاه والمنزلة يطلب في القلب بأعمال سوى العبادات ويطلب بالعبادات ، واسم الرياء مخصوص

٨٨

_________________________________________________

بحكم العادة بطلب المنزلة في القلوب بالعبادات وإظهارها فحد الرياء هو إرادة المنزلة بطاعة الله تعالى ، فالمرائي هو العابد ، والمرائي هو النّاس المطلوب رؤيتهم لطلب المنزلة في قلوبهم ، والمرائي به هي الخصال الّتي قصد المرائي إظهارها ، والرياء هو هو قصده إظهار ذلك.

والمرائي به كثيرة ويجمعها خمسة أقسام ، وهي مجامع ما يتزين العبد به للناس فهو البدن والزي والقول والعمل والأتباع والأشياء الخارجة ، ولذلك أهل الدنيا يراءون بهذه الأسباب الخمسة ، إلّا أن طلب الجاه وقصد الرياء بأعمال ليست من جملة الطاعات أهون من الرياء بالطاعات ، والرياء في الدين من جهة البدن ، وذلك بإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين ، وغلبة خوف الآخرة ، وليدل بالنحول على قلة الأكلّ ، وبالصفار على سهر الليل ، وكثرة الأرق في الدين ، وكذلك يرائي بتشعث الشعر ليدل به على استغراق الهم بالدين وعدم التفرغ لتسريح الشعر ، ويقرب من هذا خفض الصوت وإغارة العينين وذبول الشفتين ، فهذه مراءاة أهل الدين في البدن ، وأما أهل الدنيا فيراءون بإظهار السمن وصفاء اللون واعتدال القامة وحسن الوجه ونظافة البدن وقوة الأعضاء.

وثانيها : الرياء بالزي والهيئة أما الهيئة فتشعث شعر الرأس وحلق الشارب وإطراق الرأس في المشي والهدء في الحركة وإبقاء أثر السجود على الوجه ، وغلظ الثياب ، وليس الصوف وتشميرها إلى قريب من نصف الساق ، وتقصير الأكمام وترك تنظف الثوب وتركه مخرقا ، كلّ ذلك يرائي به ليظهر من نفسه أنه يتبع السنة فيه ومقتد فيه بعباد الله الصالحين ، وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالثياب النفيسة والمراكب الرفيعة وأنواع التوسع والتجمل.

الثالث : الرياء بالقول ، ورياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة

٨٩

_________________________________________________

وحفظ الأخبار والآثار لأجل الاستعمال في المحاورة إظهارا لغزارة العلم ولدلالته على شدة العناية بأقوال السلف الصالحين ، وتحريك الشفتين بالذكر في محضر النّاس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمشهد الخلق وإظهار الغضب للمنكرات وإظهار الأسف على مقارفة النّاس بالمعاصي ، وتضعيف الصوت في الكلام ، وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالقول بحفظ الأشعار والأمثال والتفاصح في العبارات وحفظ النحو الغريب للأعراب على أهل الفضل وإظهار التودد إلى النّاس لاستمالة القلوب.

الرابع : الرياء بالعمل ، كمراءاة المصلي بطول القيام ومده وتطويل الركوع والسجود ، وإطراق الرأس وترك الالتفات وإظهار الهدء والسكون ، وتسوية القدمين واليدين ، وكذلك بالصوم وبالحج وبالصدقة وبإطعام الطعام وبالإخبات بالشيء عند اللقاء ، كإرخاء الجفون وتنكيس الرأس والوقار في الكلام حتّى أن المرائي قد يسرع في المشي إلى حاجته فإذا اطلع عليه واحد من أهل الدين رجع إلى الوقار وإطراق الرأس خوفا من أن ينسبه إلى العجلة وقلة الوقار ، فإن غاب الرجل عاد إلى عجلته فإذا رآه عاد إلى خشوعه ، ومنهم من يستحيي أن يخالف مشيته في الخلوة لمشيته بمرأى من النّاس ، فيكلف نفسه المشية الحسنة في الخلوة حتّى إذا رآه النّاس لم يفتقر إلى التغيير ويظن أنه تخلص به من الرياء ، وقد تضاعف به رياؤه فإنه صار في خلواته أيضاً مرائيا ، وأما أهل الدنيا فمراءاتهم بالتبختر والاختيال وتحريك اليدين وتقريب الخطا والأخذ بأطراف الذيل وإدارة العطفين ليدلوا بذلك على الجاه والحشمة.

الخامس : المراءاة بالأصحاب والزائرين والمخالطين كالذي يتكلف أن يزور عالما من العلماء ليقال أن فلانا قد زار فلانا أو عابداً من العباد لذلك ، أو ملكاً من الملوك وأشباهه ليقال إنهم يتبركون به ، وكالذي يكثر ذكر الشيوخ ليرى أنه

٩٠

_________________________________________________

لقي شيوخاً كثيرة واستفاد منهم فيباهي بشيوخه ، ومنهم من يريد انتشار الصيت في البلاد لتكثر الرحلة إليه ، ومنهم من يريد الاشتهار عند الملوك لتقبل شفاعته ، ومنهم من يقصد التوّصل بذلك إلى جمع حطام وكسب مال ، ولو من الأوقاف وأموال اليتامى وغير ذلك.

وأمّا حكم الرياء فهل هو حرام أو مكروه أو مباح أو فيه تفصيل؟ فأقول : فيه تفصيل ، فإن الرياء هو طلب الجاه ، وهو إما أن يكون بالعبادات أو بغير العبادات فإن كان بغير العبادات فهو كطلب المال فلا يحرم من حيث أنه طلب منزله في قلوب العباد ، ولكن كما يمكن كسب المال بتلبيسات وأسباب مخطورة فكذلك الجاه ، وكما أنّ كسب قليل من المال وهو ما يحتاج إليه الإنسان محمود فكسب قليل من الجاه وهو ما يسلّم به عن الآفات محمود ، وهو الذي طلبه يوسفعليه‌السلام حيث قال : «إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ »(١) وكما أنّ المال فيه سم ناقع وترياق نافع فكذلك الجاه ، وأمّا انصراف الهم إلى سعة الجاه فهو مبدء الشرور كانصراف الهمّ إلى كثرة المال ، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها وأمّا سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه ومن غير اهتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه ، فلا جاه أوسع من جاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن بعده من علماء الدين ، ولكن انصراف الهم إلى طلب الجاه نقصان في الدين ولا يوصف بالتحريم ، وبالجملة المراءاة بما ليس من العبادات قد يكون مباحاً وقد يكون طاعة وقد يكون مذموماً ، وذلك بحسب الغرض المطلوب به.

وأمّا العبادات كالصدقة والصلاة والغزو والحج ، فللمرائي فيه حالتان : إحداهما أن لا يكون له قصد إلّا الرياء المحض دون الأجر ، وهذا يبطل عبادته

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٥.

٩١

_________________________________________________

لأنّ الأعمال بالنيّات ، وهذا ليس بقصد العبادة ، ثمَّ لا يقتصر على إحباط عبادته حتّى يقول صار كما كان قبل العبادة ، بل يعصي بذلك ويأثمَّ لما دلت عليه الأخبار والآيات والمعنى فيه أمران ، أحدهما يتعلق بالعبادة ، وهو التلبيس والمكر لأنّه خيل إليهمُّ أنّه مخلص مطيع لله وأنه من أهل الدين ، وليس كذلك والتلبيس في أمر الدنيا أيضاً حرام حتّى لو قضى دين جماعة وخيل إلى النّاس أنّه متبرع عليهمُّ ليعتقدوا سخاوته أثمَّ بذلك لما فيه من التلبيس وتملك القلوب بالخداع والمكر ، والثاني يتعلق بالله وهو أنّه مهما قصد بعبادة الله خلق الله فهو مستهزئ بالله ، فهذا من كبائر المهلكات ، ولهذا سماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشرك الأصغر فلو لم يكن في الرياء إلّا أنه يسجد ويركع لغير الله لكان فيه كفاية ، فإنه إذا لم يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله ، لعمري لو قصد غير الله بالسجود لكفّر كفرا جليا إلّا أن الرياء هو الكفّر الخفي.

واعلم أنّ بعض أبواب الرياء أشدّ وأغلظ من بعض ، واختلافه باختلاف أركانه وتفاوت الدرجات فيه ، وأركانه ثلاثة المرايا به والمرايا ونفس قصد الرياء ، الركن الأوّل نفس قصد الرياء وذلك لا يخلو إما أن يكون مجرداً دون إرادة الله والثواب ، فإن كان كذلك فلا يخلو إما أن يكون إرادة الثواب أقوى وأغلب أو أضعف أو مساوياً لإرادة العبادة ، فيكون الدرجات أربعاً.

الأولى : وهو أغلظها أن لا يكون مراده الثواب أصلا كالذي يصلّي بين أظهر النّاس ، ولو انفرد لكان لا يصلّي فهذه الدرجة العليا من الرياء.

الثانية : أن يكون له قصد الثواب أيضاً ولكن قصداً ضعيفاً بحيث لو كان في في الخلوة لكان لا يفعله ، ولا يحمله ذلك القصد على العمل ، ولو لم يكن الثواب لكان قصد الرياء يحمله على العمل فهذا قريب ممّا قبله.

٩٢

_________________________________________________

الثالثة : أن يكون قصد الثواب وقصد الرياء متساويين بحيث لو كان كلّ واحد خاليا عن الآخر لم يبعثه على العمل ، فلما اجتمعا انبعثت الرغبة فكان كلّ واحد لو انفرد لا يستقل بحمله على العمل ، فهذا قد أفسد مثل ما أصلح فنرجو أن يسلّم رأسا برأس لا له ولا عليه ، أو يكون له من الثواب مثل ما كان عليه من العقاب ، وظواهر الأخبار تدلّ على أنه لا يسلم.

الرابعة : أن يكون اطلاع النّاس مرجحاً ومقوياً لنشاطه ، ولو لم يكن لكان لا يترك العبادة ولو كان قصد الرياء وحده لما أقدم ، والذي نظنه والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب ، ولكنه ينقص منه ، أو يعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب ، وأمّا قوله تعالى : إنّا أغنى الأغنياء عن الشرك ، فهو محمول على ما إذا تساوى القصدان أو كان الرياء أرجح.

الركن الثاني : المرايا به وهو الطاعات ، وذلك ينقسّم إلى الرياء بأصول العبادات وإلى الرياء بأوصافها ، القسّم الأوّل وهو الأغلظ الرياء بالأصول وهو على ثلاث درجات.

الأولى : الرياء بأصل الإيمان وهو أغلظ أبواب الرياء ، وصاحبه مخلد في النّار وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ، ولكنه يرائي بظاهر الإسلام ، وهم المنافقون الذين ذمّهم الله سبحانه في مواضع كثيرة ، وقد قال : «يُراؤُنَ النّاس وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلّا قَلِيلاً »(١) .

وكان النفاق في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ، ولكن يكثر نفاق من ينسل من الدين باطناً فيجحد الجنّة والنّار والدار الآخرة ميلا إلى قول الملحدة ، أو يعتقد طي بساط الشرع

__________________

(١) سورة النساء : ١٤٢.

٩٣

_________________________________________________

والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة ، ويعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه فهؤلاء من المرائين المنافقين المخلدين في النّار ، وحال هؤلاء أشد من حال الكفار المجاهرين لأنهم جمعوا بين كفّر الباطن ونفاق الظاهر.

الثانية : الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين ، وهذا أيضاً عظيم عند الله ، ولكنه دون الأوّل بكثير ، ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة خوفا من ذمه والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها ، أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع فيصلّي معهم ، وعادته ترك الصلاة في الخلوة ، وكذا سائر العبادات ، فهو مراء معه أصل الإيمان بالله ، يعتقد أنه لا معبود سواه ، ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغير الله لم يفعل ، ولكنه يترك العبادات للكسل وينشط عند اطلاع النّاس ، فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق ، وخوفه من مذمّة النّاس أعظم من خوفه من عقاب الله ، ورغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله ، وهذا غاية الجهل ، وما أجدر صاحبه بالمقت وإن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد.

الثالثة : أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض ولكن يرائي بالنوافل والسنن الّتي لو تركها لا يعصي ، ولكن يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ، ولا يثأر لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ، ثمَّ يبعثه الرياء على فعله ، وذلك كحضور الجماعة في الصلاة وعيادة المريض واتباع الجنائز وكالتهجد بالليل وصيام السنة والتطوع ونحو ذلك ، فقد يفعل المرائي جملة ذلك خوفاً من المذمّة أو طلبا للمحمدة ويعلم الله تعالى منه لو خلي بنفسه لما زاد على أداء الفرائض فهذا أيضاً عظيم ، ولكن دون ما قبله ، وكأنه على الشطر من الأوّل وعقابه نصف عقابه.

القسّم الثاني : الرياء بأوصاف العبادات لا بأصولها ، وهي أيضاً على ثلاث درجات

٩٤

_________________________________________________

الأولى : أن يرائي بفعل ما في تركه نقصان العبادة كالذي غرضه أن يخفف الركوع والسجود ولا يطول القراءة فإذا رآه النّاس أحسن الركوع وترك الالتفات وتمم القعود بين السجدتين وقد قال ابن مسعود من فعل ذلك فهو استهانة يستهين بها ربه ، فهذا أيضاً من الرياء المخطور لكنه دون الرياء بأصول التطوعات ، فإن قال المرائي : إنما فعلت ذلك صيانة لألسنتهم عن الغيبة فإنّهم إذا رأوا تخفيف الركوع والسجود وكثرة الالتفات أطلقوا اللسان بالذم والغيبة فإنما قصدت صيانتهم عن هذه المعصية فيقال له : هذه مكيدة للشيطان وتلبيس ، وليس الأمر كذلك ، فإن ضررك من نقصان صلاتك وهي خدمة منك لمولاك أعظم من ضررك من غيبة غيرك ، فلو كان باعثك الدين لكان شفقتك على نفسك أكثر ، نعم للمرائي فيه حالتان : إحداهما : أن يطلب بذلك المنزلة والمحمدة عند النّاس ، وذلك حرام قطعا ، والثانية أن يقول : ليس يحضرني الإخلاص في تحسين الركوع والسجود ، ولو خففت كان صلاتي عند الله ناقصة ، وآذاني النّاس بذمهم وغيبتهم واستفيد بتحسين الهيئة دفع مذمتهم ولا أرجو عليه ثواباً فهو خير من أن أترك تحسين الصلاة فيفوت الثواب وتحصل المذمّة فهذا فيه أدنى نظر ، فالصحيح أن الواجب عليه أن يحسن ويخلص ، فإن لم تحضره النية فينبغي أن يستمر على عبادته في الخلوة وليس له أن يدفع الذم بالمراءاة بطاعة الله ، فإن ذلك استهزاء.

الثانية أن يرائي بفعل ما لا نقصان في تركه ، ولكن فعله في حكم التكملة والتتمة لعبادته ، كالتطويل في الركوع والسجود ومد القيام وتحسين الهيئة في رفع اليدين ، والزيادة في القراءة على السورة المعتادة وأمثال ذلك ، وكلّ ذلك مما لو خلي ونفسه لكان لا يقدم عليه.

الثالثة : أن يرائي بزيادات خارجة عن نفس النوافل ، كحضوره الجماعة قبل

٩٥

_________________________________________________

القوم ، وقصده الصف الأوّل وتوجهه إلى يمين الإمام وما يجري مجراه ، وكلّ ذلك مما يعلم الله منه أنه لو خلي بنفسه لكان لا يبالي من أين وقف ومتى يحرم بالصلاة فهذه درجات الرياء بالإضافة إلى ما يرائي به ، وبعضه أشد من بعض والكلّ مذموم.

الركن الثالث : المرايا لأجله ، فإن للمرائي مقصودا لا محالة فإنما يرائي لإدراك مال أو جاه أو غرض من الأغراض لا محالة ، وله أيضاً ثلاث درجات :

الأولى : وهي أشدها وأعظمها أن يكون مقصده التمكن من معصية كالذي يرائي بعباداته ليعرّف بالأمانة فيولي القضاء أو الأوقاف أو أموال الأيتام ، فيحكم بغير الحق ، ويتصرف في الأموال بالباطل وأمثال ذلك كثيرة.

الثانية : أن يكون غرضه نيل حظ مباح من مال أو نكاح امرأة جميلة أو شريفة فهذا رياء مخطور ، لأنه طلب بطاعة الله متاع الدنيا ، ولكنه دون الأول.

الثالثة : أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو شبهه ولكن يظهر عبادته خيفة من أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد كان يسبق إلى الضحك أو يبدر منه المزاح فيخاف أن ينظر إليه بعين الاحتقار فيتبع ذلك بالاستغفار وتنفس الصعداء وإظهار الحزن ويقول : ما أعظم غفلة الإنسان عن نفسه ، والله يعلم منه أنه لو كان في الخلوة لما كان يثقل عليه ذلك ، فهذه درجات الرياء. ومراتب أصناف المرائين ، وجميعهم تحت مقت الله وغضبه ، وهي من أشد المهلكات.

وأمّا ما يحبط العمل من الرياء الخفي والجلي وما لا يحبط فنقول : إذا عقد العبد العبادة على الإخلاص ثمَّ ورد وارد الرياء فلا يخلو إما أن ورد عليه بعد فراغه من العمل أو قبل الفراغ ، فإن ورد بعد الفراغ سرور من غير إظهار فلا يحبط العمل إذ العمل قد تم على نعت الإخلاص سالما من الرياء فما يطرء بعده فنرجو

٩٦

_________________________________________________

أن لا ينعطف عليه أثره لا سيّما إذا لم يتكلف هو إظهاره والتحدث به ولم يتمن ذكره وإظهاره ، ولكن اتفق ظهوره بإظهار الله إياه ولم يكن منه إلّا ما دخل من السرور والارتياح على قلبه ، ويدل على هذا ما سيأتي في آخر الباب وقد روي أن رجلاً قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رسول الله أسر العمل لا أحب أن يطلع عليه أحد فيطلع عليه فيسرني؟ قال : لك أجران أجر السر وأجر العلانية ، وقال الغزالي : نعم لو تم العمل على الإخلاص من غير عقد رياء ، ولكن ظهرت له بعده رغبة في الإظهار فتحدث به وأظهره فهذا مخوف ، وفي الأخبار والآثار ما يدل على أنه محبط ، ويمكن حملها على أن هذا دليل علي أن قلبه عند العبادة لم يخل عن عقد الرياء وقصده لما أن ظهر منه التحدث به ، إذ يبعد أن يكون ما يطرء بعد العمل مبطلاً للثواب ، بل الأقيس أن يقال أنه مثاب على عمله الذي مضى ومعاقب على مراءاته بطاعة الله بعد الفراغ منها ، بخلاف ما لو تغير عقده إلى الرياء قبل الفراغ فإنه مبطل.

ثمَّ قال المحقق المذكور : وأمّا إذا ورد وارد الرياء قبل الفراغ من الصلاة مثلاً ، وكان قد عقد على الإخلاص ، ولكن ورد في أثنائها وارد الرياء فلا يخلو إما أن يكون مجرد سرور لا يؤثر في العمل فهو لا يبطله ، وأمّا أن يكون رياء باعثاً على العمل ، وختم به العمل ، فإذا كان كذلك حبط أجره ، ومثاله أن يكون في تطوع فتجددت له نظارة أو حضر ملك من الملوك وهو يشتهي أن ينظر إليه أو يذكر شيئاً نسيه من ماله ، وهو يريد أن يطلبه ، ولو لا النّاس لقطع الصلاة فاستتمها خوفا من مذمّة النّاس فقد حبط أجره وعليه الإعادة إن كان في فريضة وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : العمل كالوعاء إذا طاب آخره طاب أوله ، أي النظر إلى خاتمته ، وروي من راءى بعمله ساعة حبط عمله الذي كان قبله ، وهو منزل على الصلاة في هذه الصورة ، لا على

٩٧

_________________________________________________

الصدقة ولا على القراءة فإنّ كلّ جزء منها منفرد ، فما يطرء يفسد الباقي دون الماضي والصوم والحج من قبيل الصلاة.

فأمّا إذا كان وارد الرياء بحيث لا يمنعه من قصد الاستتمام لأجل الثواب كما لو حضر جماعة في أثناء صلاة ففرح بحضورهم ، واعتقد الرياء وقصد تحسين الصلاة لأجل نظرهم ، وكان لو لا حضورهم لكان يتمها أيضاً فهذا رياء قد أثر في العمل ، وانتهض باعثا على الحركات فإن غلب حتّى انمحق معه الإحساس بقصد العبادة والثواب ، وصار قصد العبادة مغمورا فهذا أيضاً ينبغي أن يفسد العبادة مهما مضى ركن من أركانها على هذا الوجه ، لإنّا نكتفي بالنية السابقة عند الإحرام بشرط أن لا يطرء ما يغلبها ويغمرها ، ويحتمل أن يقال لا تفسد العبادة نظراً إلى حالة العقد وإلى بقاء أصل قصد الثواب وإن ضعف بهجوم قصد هو أغلب منه ، والأقيس أن هذا القدر إذا لم يظهر أثره في العمل بل بقي العمل صادراً عن باعث الدين ، وإنّما انضاف إليه سرور بالاطلاع فلا يفسد العمل ، لأنه لم ينعدم به أصل نيته ، وبقيت تلك النية باعثة على العمل ، وحاملة على الإتمام ، وروي في الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام ما يدل عليه.

وأمّا الأخبار الّتي وردت في الرياء فهي محمولة على ما إذا لم يرد به إلّا الخلق ، وأمّا ما ورد في الشركة فهو محمول على ما إذا كان قصد الرياء مساوياً لقصد الثواب أو أغلب منه ، أما إذا كان ضعيفاً بالإضافة إليه فلا يحبط بالكلية ثواب الصدقة وسائر الأعمال ، ولا ينبغي أن تفسد الصلاة ، ولا يبعد أيضاً أن يقال : إن الذي أوجب عليه صلاة خالصة لوجه الله ، والخالصة ما لا يشوبه شيء ، فلا يكون مؤديا للواجب مع هذا الشوب والعلم عند الله فيه ، فهذا حكم الرياء الطاري بعد عقد العبادة ، إما قبل الفراغ أو بعده.

القسّم الثالث : الذي يقارن حال العقد بأن يبتدئ الصلاة على قصد الرياء ، فإن

٩٨

_________________________________________________

تمّ عليه حتّى يسلّم فلا خلاف في أنّه يعصي ولا يعتد بصلاته ، وإن ندم عليه في أثناء ذلك واستغفر ورجع قبل التمام ففيما يلزمه ثلاثة أوجه ، قالت فرقة لم تنعقد صلاته مع قصد الرياء فليستأنف ، وقالت فرقة تلزمه إعادة الأفعال كالركوع والسجود ويفسد أعماله دون تحريمة الصلاة لأن التحريم عقد والرياء خاطر في قلبه لا يخرج التحريم عن كونه عقدا ، وقالت فرقة : لا تلزمه إعادة شيء بل يستغفر الله بقلبه ويتم العبادة على الإخلاص ، والنظر إلى خاتمة العبادة ، كما لو ابتدأها بالإخلاص وختم بالرياء لكان يفسد عمله ، وشبهوا ذلك بثوب أبيض لطخ بنجاسة عارضة ، فإذا أزيل العارض عاد إلى الأصل ، فقالوا : إن الصلاة والركوع والسجود لا يكون إلّا لله ، ولو سجد لغير الله لكان كافرا ، ولكن قد اقترن به عارض الرياء.

ثمَّ إن زال بالندم والتوبة وصار إلى حالة لا يبالي بحمد النّاس وذمهم فتصح صلاته ، ومذهب الفريقين الآخرين خارج عن قياس الفقه جداً ، خصوصاً من قال يلزمه إعادة الركوع والسجود دون الافتتاح ، لأن الركوع والسجود إن لم يصح صارت أفعالًّ زائدة في الصلاة فتبطل الصلاة ، وكذلك قول من يقول لو ختم بالإخلاص صح نظراً إلى الآخر فهو أيضاً ضعيف ، لأن الرياء يقدح في النية وأولى الأوقات بمراعاة أحكام النية حالة الافتتاح ، فالذي يستقيم على قياس الفقه هو أن يقال : إن كان باعثه مجرد الرياء في ابتداء العقد دون طلب الثواب وامتثال الأمر لم ينعقد افتتاحه ، ولم يصح ما بعده ، وذلك من إذا خلا بنفسه لم يصل ولما رآه النّاس يحرم بالصلاة ، وكان بحيث لو كان ثوبه أيضاً نجسا كان يصلّي لأجل النّاس ، فهذه صلاة لا نيّة فيها إذ النيّة عبارة عن إجابة باعث الدين ، وهيهنا لا باعث ولا إجابة.

فأمّا إذا كان بحيث لو لا النّاس أيضاً لكان يصلّي إلّا أنه ظهرت له الرغبة في المحمدة أيضاً فاجتمع الباعثان فهذا إما أن يكون في صدقة أو قراءة وما ليس فيه تحليل وتحريم ، أو في عقد صلاة وحج فإن كان في صدقة فقد عصى بإجابة باعث

٩٩

_________________________________________________

الرياء وأطاع بإجابة باعث الثواب ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره ، وله ثواب بقدر قصده الصحيح ، وعقاب بقدر قصده الفاسد ، ولا يحبط أحدهما الآخر ، وإن كان في صلاة يقبل الفساد بتطرق خلل إلى النيّة فلا يخلو إما أن يكون نفلا أو فرضاً ، فإن كانت نفلا فحكمها أيضاً حكم الصدقة فقد عصى من وجه وأطاع من وجه ، إذا اجتمع في قلبه الباعثان ، وأمّا إذا كان في فرض واجتمع الباعثان وكان كلّ واحد منهما لا يستقل ، وإنّما يحصل الانبعاث بمجموعهما فهذا لا يسقط الواجب عنه ، لأن الإيجاب لم ينتهض باعثا في حقه بمجرده واستقلاله وإن كان كلّ باعث مستقلا حتّى لو لم يكن باعث الرياء لأدى الفرض ، ولو لم يكن باعث الفرض لأنشأ صلاة تطوعاً لأجل الرياء فهذا في محل النظر وهو محتمل جدا فيحتمل أن يقال : أن الواجب صلاة خالصة لوجه الله ، ولم يؤد الواجب الخالص ، ويحتمل أن يقال : أن الواجب امتثال الأمر بواجب مستقل بنفسه وقد وجد ، فاقتران غيره به لا يمنع سقوط الفرض عنه ، كما لو صلى في دار مغصوبة فإنه وإن كان عاصيا بإيقاع الصلاة في الدار المغصوبة فإنه مطيع بأصل الصلاة ومسقط للفرض عن نفسه ، وتعارض الاحتمال في تعارض البواعث في أصل الصلاة.

أما إذا كان الرياء في المبادرة مثلا دون أصل الصلاة ، مثل من بادر في الصلاة في أول الوقت لحضور الجماعة ، ولو خلا لأخرها إلى وسط الوقت ، ولو لا الفرض لكان لا يبتدأ صلاة لأجل الرياء ، فهذا مما يقطع بصحة صلاته ، وسقوط الفرض به لأنّ باعث أصل الصلاة من حيث إنّها صلاة لم يعارضها غيره ، بل من حيث تعيين الوقت ، فهذا أبعد من القدح في النيّة.

هذا في رياء يكون باعثا على العمل وحاملاً عليه ، فأمّا مجرد السرور باطلاع النّاس إذا لم يبلغ أثره حيث يؤثر في العمل فبعيد أن يفسد الصلاة فهذا ما نراه

١٠٠