مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30818
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30818 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

١٣ - وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن مسلم ، عن داود بن فرقد قال حدثني محمّد بن سعيد الجمحي قال حدثني هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا ابتليت بأهل النصب ومجالستهم فكن كأنك على الرضف حتّى تقوم فإن الله يمقتهم ويلعنهم فإذا رأيتّهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمة فقم فإن سخط الله ينزل هناك عليهم.

١٤ - أبو عليُّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن عبد

_________________________________________________

ألسنتكم فتقولوا هذا حلال وهذا حرام ، أو مفعول لا تقولوا ، أو الكذب منتصب بتصف وما مصدرية أي لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب أي لا تحرموا ولا تحلوا بمجرّد قول تنطق به ألسنتكم من غير دليل.

ووصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، كان حقيقة الكذب كانت مجهولة ، وألسنتهم تصفها وتعرفها بكلامهم ، هذا ولذلك عد من من فصيح الكلام كقولهم وجهها يصف الجمال ، وعينها تصف السحر «لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » تعليل لا يتضمّن الغرض كما في قوله «لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً »(١) .

الحديث الثالث عشر : مجهول.

وفي النهاية في حديث الصلاة كان في التشهد الأوّل « كأنه على الرضف » الرضف الحجارة المحماة عليُّ النار ، واحدتها رضفة ، انتهى.

وسخط الله لعنهم والحكم بعذابهم وخذلانهم ، ومنع الألطاف عنهم ، فإذا نزل يمكن أن يشمل من قارنهم وقاربهم فيجب الاحتراز عن مجالستهم إذا لم تكن تقية.

الحديث الرابع عشر : صحيح.

ويدلّ على تحريم الجلوس مع النواصب وإن لم يسبّوا في ذلك المجلس وهو أيضاً محمول على غير التقية.

______________________

(١) سورة القصص : ٨.

١٠١

الرَّحمن بن الحجّاج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قعد عند سبّاب لأولياء الله فقد عصى الله تعالى.

١٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قعد في مجلس يسبّ فيه إمام من الأئمة يقدر على الانتصاف فلم يفعل ألبسه الله الذل في الدّنيا وعذبه في الآخرة وسلبه صالح ما من به عليه من معرفتنا.

١٦ - الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى ، عن عليُّ بن محمّد بن سعد ، عن محمّد بن مسلم ، عن الحسن بن عليُّ بن النعمان قال حدثني أبي عليُّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن اليمان بن عبيد الله قال رأيت يحيى ابن أم الطويل وقف

_________________________________________________

الحديث الخامس عشر : مجهول.

والانتصاف الانتقام ، وفي القاموس : انتصف منه استوفى حقه منه كاملا حتّى صار كلّ على النصف سواء ، وتناصفوا أنصف بعضهم بعضا ، انتهى.

والانتصاف أن يقتله إذا لم يخف على نفسه أو عرضه أو ماله أو على مؤمن آخر ، وإضافة صالح إلى الموصول بيانية فيفيد سلب أصل المعرفة بناء على أن من للبيان ، ويحتمل التبعيض أي من أنواع معرفتنا فيفيد سلب الكمال ، ويحتمل التعليل أي الأعمال الصالحة والأخلاق الحسنة الّتي أعطاه يسبّب المعرفة ، ويحتمل أن تكون الإضافة لامية فيرجع إلى الأخير والأوّل أظهر.

الحديث السادس عشر : مجهول.

ويحيى بن أم الطويل من أصحاب الحسين ، وقال الفضل بن شاذان : لم يكن في زمن عليُّ بن الحسينعليه‌السلام في أوّل أمره إلّا خمسة أنفس ، وذكر من جملتهم يحيى بن أم الطويل ، وروي عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : ارتد الناس بعد الحسينعليه‌السلام إلّا ثلاثة ، أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ، ثمّ إن

١٠٢

بالكناسة ثمَّ نادى بأعلى صوته معشر أولياء الله إنا برآء ممّا تسمعون من سبّ علياعليه‌السلام فعليه لعنة الله ونحن برآء من آل مروان وما يعبدون من دون الله ثمّ يخفض صوته فيقول من سبّ أولياء الله فلا تقاعدوه ومن شك فيما نحن عليه فلا تفاتحوه ومن احتاج إلى مسألتكم من إخوانكم فقد خنتموه ثمّ يقرأ : «إِنَّا

_________________________________________________

الناس لحقوا وكثروا ، وفي رواية أخرى مثله ، وزاد فيها وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أن الحجّاج طلبه وقال : تلعن أبا تراب وأمر بقطع يديه ورجليه وقتله.

وأقول : كان هؤلاء الأجلاء من خواصّ أصحاب الأئمّةعليهم‌السلام كانوا مأذونين من قبل الأئمةعليهم‌السلام بترك التقيّة لمصلحة خاصّة خفية ، أو أنهم كانوا يعلمون أنه لا ينفعهم التقيّة وأنهم يقتلون على كلّ حال بأخبار المعصوم أو غيره ، والتقيّة إنما تجب إذا نفعت مع أنه يظهر من بعض الأخبار أن التقيّة إنّما تجب إبقاء للدين وأهله ، فإذا بلغت الضلالة حدا توجب اضمحلال الدين بالكلية فلا تقية حينئذ وإن أوجب القتل كما أن الحسينعليه‌السلام لـمّا رأى انطماس آثار الحقّ رأسا ترك التقيّة والمسالمة.

وقال الفيروزآبادي : الكناسة بالضمّ موضع بالكوفة ، و البراء إمّا بالفتح مصدر ، والحمل للمبالغة ، أو بالضمّ أو الكسر جمع بريء ، أو كعلماء جمعه أيضاً كما مر.

« ممّا تسمعون » أي من سبّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ومدح أئمة الجور « وما يعبدون من دون الله » إشارة إلى أنهم على كفرهم الأصلي يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، أو إلى أن تركهم الطاعة لأئمة المنصوبين من قبل الله وطاعتهم خلفاء الجور بمنزلة الشرك ، فالمراد بمن يعبدون من دون الله الطواغيت.

« ثمّ يخفض » ذكر المضارع مكان الماضي للإشعار بتكرر وقوع ذلك منه « فيما نحن عليه » أي مذهب الإمامية.

١٠٣

أَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً »(١) .

_________________________________________________

وقال في النهاية : الفتح الحكم ، ومنه حديث ابن عبّاس : ما كنت أدري ما قوله عزّ وجلّ «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا »(٢) حتّى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك ، أي أحاكمك ، ومنه الحديث : لا تفاتحوا أهل القدر ، أي لا تحاكموهم ، وقيل : لا تبتدئوهم بالمجادلة والمناظرة ، وفي القاموس : فاتح جامع وقاضي ، وتفاتحا كلإمّا بينهما تحافتا دون الناس « فقد خنتموه » الغرض الحث على الإعطاء قبل سؤالهم حتّى لا يحتاجوا إلى المسألة ، فإن العطية بعد السّؤال جزاؤه كما قاله الحكماء ، ووردّت به الأخبار وقيل : المعنى إن لم تعطوه فقد خنتموه وهو بعيد.

«أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها » في القاموس : السرادق كلـمّا أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء ، وقال البيضاوي : أي فسطاطها شبّه به ما يحيط بهم من النار ، وقيل : السرادق الحجرة الّتي تكون حول الفسطاط ، وقيل : سرادقها دخانها وقيل : حائط من نار «وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا » من العطش «كَالْمُهْلِ » أي كالجسد المذاب وقيل : كدرديّ الزيت «يَشْوِي الْوُجُوهَ » إذا قدم ليشرب من فرط حرارته «بِئْسَ الشَّرابُ » المهل «وَساءَتْ » النار «مُرْتَفَقاً » أي متّكئاً ، وأصل الاتفاق نصب المرفق تحت الخد ، وهو لمقابلة قوله : وحسنت مرتفقاً ، وإلّا فلا ارتفاق لأهل النار.

______________________

(١) سورة التوبة : ١٨.

(٢) سورة الأعراف : ٨٩.

١٠٤

( باب )

( أصناف الناس )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسبّاط ، عن سليم مولى طربال قال حدثني هشام ، عن حمزة بن الطيار قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام الناس على ستة أصناف قال قلت أتأذن لي أن أكتبها قال نعم قلت : ما أكتب؟

_________________________________________________

باب أصناف الناس

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« الناس ستّة أصناف » قيل : لعلّ وجه الحصر أنّ الناس إمّا مؤمن أو كافر أو لا هذا ولا ذاك ، والأخير هم المستضعفون الذين لا يقرون بالحقّ ولا ينكرونه ، والثاني هم أهل النار قطعاً ، والأوّل إمّا مؤمن كامل سابق بالخيرات لم يصدر منه ذنب أصلاً أولا ، والأوّل هم أهل الجنّة قطعاً ، والثاني إمّا أن يتوب عن ذنبه أو لا والأوّل هم «آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عملاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » أي يقبل توبتهم ، والثاني إمّا أن تغلب حسناته على سيئاته أو لا ، والأوّل هم «آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ إمّا يُعَذِّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » والثاني هم أصحاب الأعراف ، انتهى.

وأقول : قد عرفت أنّ مصطلح الآيات والأخبار في الإيمان والكفر غير مصطلح المتكلمين ، وأنّ المؤمن غالباً يطلق على من صحّت عقائده وعمل بفرائض الله واجتنب الكبائر ، فهو من أهل الوعد بالجنّة ، ويدخلها البتة ويقابله أقسام كثيرة ، فلذا تنقسم الفرق ستة أقسام ، فالأوّل والثاني أهل الوعد والوعيد ، اكتفي بأحدهما تغليباً ، وفي بعض النسخ الوعد لذلك ، وفي بعضها الوعدين وهو أظهر ، أي الذين

١٠٥

قال : اكتب أهل الوعيد من أهل الجنّة وأهل النار واكتب «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا

_________________________________________________

يتحقّق فيهم وعد الثواب ووعيد العقاب قطعاً إذا ماتوا على إحدى الحالتين.

وقوله : من أهل الجنّة والنار بيان لأهل الوعيد ، أي جزماً ، وهم الذين قال الله تعالى فيهم في سورة التوبة : «وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ »(١) وقال في تلك السورة أيضاً «وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسبّهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ »(٢) فهاتان الفرقتان أهل الوعدين وقال أيضاً في تلك السورة : «وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ »(٣) .

قال الطبرسي : يعني من أهل المدينة أو من الأعراب آخرون أقروا بذنوبهم وليس براجع إلى المنافقين ، والاعتراف والإقرار بالشيء عن معرفة «خَلَطُوا عملاً صالِحاً » يعني أنّهم يفعلون أفعالاً جميلة وأفعالاً سيئة قبيحة ، والتقدير وعملاً آخراً سيئاً «عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » ، قال المفسّرون : عسى من الله واجبة وإنّما قال عسى حتّى يكونوا بين طمع وإشفاق ، فيكون ذلك أبعد من الاتكال على العفو وإهمال التوبة «إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » هذا تعليل لقبول التوبة من العصاة.

ثمّ قال (ره) : قال أبو حمزة : بلغنا أنهم ثلاثة نفر من الأنصار : أبو لبابة بن عبد المنذر ، وثعلبة بن وديعة ، وأوس بن حذام ، تخلفوا عن رسول الله عند مخرجه إلى تبوك ، فلـمّا بلغهم ما أنزل فيمن تخلف عن نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيقنوا بالهلاك فأوثقوا أنفسهم بسواري المسجد ، فلم يزالوا كذلك حتّى قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسأل عنهم فذكروا أنهم أقسموا لا يحلون أنفسهم حتّى يكون رسول الله محلهم ، فقال رسول الله

______________________

(١) الآية : ٧٢.

(٢) الآية : ٦٨.

(٣) الآية : ١٠٢.

١٠٦

بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عملاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً »(١) قال قلت من هؤلاء قال وحشي منهم قال واكتب «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ إمّا يُعَذِّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ »(٢) قال :

_________________________________________________

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنا أقسم لا أكون أوّل من حلهم إلّا أن أو مرّ فيهم بأمر ، فلـمّا نزل «عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ » عمد رسول الله إليهم فحلهم فانطلقوا فجاءوا بأموالهم إلى رسول الله فقالوا : هذه أموالنا الّتي خلفتنا عنده فخذها وتصدّق بها عنّا ، فقالعليه‌السلام : ما أمرت فيها بأمر ، فنزل : «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صدّقة تُطَهِّرُهُمْ »(٣) الآيات.

وقيل : أنّهم كانوا عشرة رهط منهم أبو لبابة عن ابن عبّاس ، وروي عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّها نزلت في أبي لبابة ولم يذكر معه غيره ، وسبّب نزولها فيه ما جرى منه في بني قريظة حين قال : إن نزلتم على حكمه فهو الذبح ، وبه قال مجاهد.

وقيل : نزلت فيه خاصّة حين تأخر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزوة تبوك ، فربط نفسه بسارية كما تقدم.

« قال : وحشي منهم » قال في القاموس : وحشي بن حرب صحابي وهو قاتل حمزةرضي‌الله‌عنه في الجاهليّة ، ومسيلمة الكذاب في الإسلام.

وأقول : أدرجهعليه‌السلام في هذا الصنف وأدرجه أبوهعليه‌السلام فيما سيأتي في المرجون لأمر الله ، ولعلّه قد يطلق المرجون على المعنى الشامل للصنفين جميعاً ، ويمكن أن يكون بين الصنفين عموم وخصوص وإنمّا أوردهما للاستشهاد بالآيتين ، «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ » أي مؤخرون موقوفون لـمّا يرد من أمر الله فيهم.

وقال قال الأزهري : إلّا رجاء تهمز ولا تهمز أرجأت الأمر وأرجيته أخرته «إمّا يُعَذِّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » وإمّا لوقوع أحدّ الشيئين والله سبّحانه عالم بما يصير إليه أمرهم ، ولكنّه

______________________

(١) سورة البقرة : ١٠٢. (٢) سورة النساء : ١٠٦.

(٣) سورة التوبة : ١٠٣.

١٠٧

واكتب «إلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سبّيلاً » لا يستطيعون حيلة إلى الكفر ، ولا يهتدون سبيلاً إلى الإيمان

_________________________________________________

سبحانه خاطب العباد بما عندهم ، «وَاللهُ عَلِيمٌ » بما يؤول إليه حالهم «حَكِيمٌ » فيما يفعله بهم.

وقال (ره) : قال مجاهد وقتادة : نزلت الآية في هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك ، وهم من الأوس والخزرج ، وكان كعب بن مالك رجل صدق غير مطعون عليه ، وإنّما تخلف توانياً عن الاستعداد حتّى فإنه المسير ، وانصرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : والله ما لي من عذر ولم يعتذر إليه بالكذب ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صدقت قم حتّى يقضي الله فيك ، وجاء الآخران فقالاً مثل ذلك وصدقاً ، فنهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مكالمتّهم وأمر نساءهم باعتزالهم حتّى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ، فأقاموا على ذلك خمسين ليلة ، وبني كعب خيمة على سلع(١) فيكون فيها وحده ، ثمّ نزلت التوبة عليهم بعد الخمسين في الليل ، وهي قوله : «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا »(٢) الآية ، فأصبح المسلمون يبتدرونهم ويبشرونهم ، انتهى.

أقول : يظهر ممّا ذكروه أن هؤلاء أيضاً كانوا تائبين فالفرق بينهم وبين الفرقة السّابقة مشكل إلّا أن يكون الفرق باختلاف مراتب ذنوبهم ومراتب توبتهم وسيأتي في الأخبار الآتية وجوه أخرى من الفرق بحسب ضعف الإيمان وقوته وكمال إتمام الحجة عليهم وعدمه.

«إلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ » أقول : سابقه هذه الآية : «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ » أي يقبض أرواحهم «ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ » أي في حال هم فيها ظالمو أنفسهم «قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ » أي قالت لهم الملائكة في أي شيء كنتم من دينكم؟ على وجه التقرير والتوبيخ «قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ » فيستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا «قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها » أي فتخرجوا من أرضكم ودوركم وتفارقوا من يمنعكم من الإيمان بالله ورسوله «فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ، إلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ » أي

______________________

(١) اسم جبل بالمدينة. (٢) سورة التوبة : ١١٨.

١٠٨

«فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ »(١) قال واكتب أصحاب الأعراف قال قلت وما «أَصْحابُ الْأَعْرافِ » قال قوم استوت حسناتهم وسيّئاتهم فإن أدخلهم النار فبذنوبهم وإن أدخلهم الجنّة فبرحمته.

_________________________________________________

الذين استضعفهم المشركون «مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً » أي يعجزون عن الهجرة لإعسارهم وقلة حيلتهم «وَلا يَهْتَدُونَ سبّيلاً » في الخلاص من مكة «فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ » لعذرهم في ترك الهجرة «وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً ».

هذا على تفسير المفسرين ، وعلى تأويلهعليه‌السلام لا يستطيعون حيلة إلى الكفر أي لا يقدرون على إلقاء الشبه القوية في الكفر ، ولا على الرسوخ فيه «وَلا يَهْتَدُونَ سبّيلاً » إلى الإيمان أي لبلاهتهم وقلة عقلهم ومعرفتهم لا يستولون على معرفة الحقّ والثبات فيه ، فلهم في ذلك عذر يمكن أن يعفو الله عنهم ، ولعلّه من بطون الآية ، ويمكن تطبيقه على ظاهر الآية أيضاً بأن يكونوا في مكة غير عارفين بالإسلام وشرائعه ودلائله ، وكانوا بين المشركين ولم يمكنهم تحصيل ذلك هناك ، ولـمّا سمعوا بعثة الرسول كان يجب عليهم الهجرة ليتم عليهم الحجة ويستقروا في الدين ، فمنهم من كان يمكنه ذلك ولم يفعل فهو غير معذور ولذا تقول لهم الملائكة : «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً »؟ ومنهم من لم يمكنهم ذلك فعسى أن يقبل الله عذرهم.

وإمّا الأعراف فقد مرّ تفسيرها ، وقال بعض المفسرين : هو سور بين الجنّة والنار ، وهو السور المذكور في قوله تعالى : «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ »(٢) وقيل : أي حاجة إلى ضرب هذا السور ، والجنّة فوق السماوات والجحيم في أسفل سافلين؟ وأجيب بأن بعد أحدهما عن الآخر لا يمنع أن يكون بينهما سور وحجاب وله أسفل وأعلى ، وعلى أعلاه رجال يعرفون كلا بسيماهم ، أجلسهم الله تعالى في ذلك المكان العالي إظهاراً لشرفهم ، وليكونوا مشرفين مطلعيّن على أحوال الخلائق ، وهم كما كانوا في الدّنيا شهداء على أهل الإيمان وأهل الكفر وأهل الطاعة وأهل المعصية

______________________

(١) سورة النساء : ٩٨. (٢) سورة الحديد : ١٣.

١٠٩

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس ، عن حمّاد ، عن حمزة بن الطيار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الناس على ستّ فرق ، يئوولون كلّهم إلى ثلاث فرق الإيمان والكفر والضلال وهم أهل الوعدين الذين وعدهم الله

_________________________________________________

كذلك يكونون شهداء في ذلك اليوم عليهم ، ثمّ إنه تعالى ينقلهم إلى أعلى درجات الجنّة وعلى أسفله قوم تساوت حسناتّهم وسيئاتّهم ، أوقفهم الله تعالى عليه لأنها درجة متوسّطة بين الجنّة والنار ، ويمكن أن ينتقل بعضهم أو كلهم بعد ذلك إلى الجنّة بفضله تعالى.

وأقول : يحتمل أن يكون الغرض من التقسيم بيان الواسطة بين المؤمن والكافر بذكر آيات تدلّ على ذلك وإن كان بعض الأقسام متداخلة أو متساوية ، وسيأتي وجوه أخر إنشاء الله تعالى.

الحديث الثاني : حسن.

« الناس على ست فرق » أقول : مضمونه قريب من مفاد الخبر السّابق ، والضمير في قوله : وهم ، راجع إلى الست فرق ، و الوعد أعمّ من الوعيد ، والنسخ هنا أيضاً مختلفة كالسّابق ، وهو إشارة إلى فريقين إحداهما أهل وعد الجنّة ، و قوله : المؤمنون بيان له ، والأخرى أهل وعيد النار ، و قوله : والكافرون بيان له ، وقيل : هم راجع إلى أهل الضلال والواو في قوله : والنار بمعنى مع ، أي وعدهم الله الجنّة والنار معاً ، وقوله : المؤمنون ، وما بعده خبر مبتدإ محذوف ، والتقدير الست فرق المؤمنون « إلخ » ولا يخفى بعده.

وقيل : يعني إن الناس ينقسمون أوّلاً إلى ثلاث فرق بحسب الإيمان والكفر والضلال ، ثمّ إن أهل الضلال ينقسمون إلى أربع فيصير المجموع ست فرق : الأولى أهل الوعد بالجنّة ، وهم المؤمنون وأريد بهم من آمن بالله وبالرسول وبجميع ما جاء به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إمّا بقلبه أو بلسانه أو خالف الله في شيء من كبائر الفرائض استخفافاً.

١١٠

الجنّة والنّار : المؤمنون والكافرون والمستضعفون والمرجون «لِأمر اللهِ إمّا يُعَذِّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ » والمعترفون «بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عملاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً » وأهل الأعراف.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن زرارة قال دخلت أنا وحمران - أو أنا وبكير - على أبي جعفرعليه‌السلام قال قلت له :

_________________________________________________

والثالثة : المستضعفون وهم الذين لا يهتدون إلى الإيمان سبّيلا ، لعدم استطاعتهم كالصبيان والمجانين والبله ، ومن لم تصل الدعوة إليه.

والرابعة : المرجون لأمر الله وهم المؤخّر حكمهم إلى يوم القيامة من الإرجاء بمعنى التأخير يعني لم يأت لهم وعد ولا وعيد في الدّنيا ، وإنّما أخر أمرهم إلى مشية الله فيهم إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم ، وهم الذين تابوا من الكفر ودخلوا في الإسلام إلّا أن الإسلام لم يتقرر في قلوبهم ولم يطمئنوا إليه بعد ، ومنهم المؤلفة قلوبهم ومن يعبد الله على حرف ، قبل أن يستقرا على الإيمان أو الكفر ، وهذا التفسير للمرجين بحسب هذا التقسيم الذي في هذا الحديث.

والخامسة : فسّاق المؤمنين الذين خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئا ثمّ اعترفوا بذنوبهم فعسى الله أن يتوب عليهم.

والسادسة : أصحاب الأعراف وهم قوم استوت حسناتّهم وسيئاتّهم لا يرجح إحداهما على الأخرى ليدخلوا به الجنّة والنار ، فيكونون في الأعراف حتّى يرجح أحدّ الأمرين بمشية الله سبّحانه.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« أو أنا وبكير » الترديد إمّا من زرارة أو من راويه وفي القاموس : المطمار خيط للبناء يقدر به كالمطمرّ ، وقال : التر بالضمّ الأصل والخيط يقدر به البناء ، وسؤالهعليه‌السلام عن المطمار إمّا مبني على الإنكار أي لم تقرر لك مطمارا فمن أين أخذت المطمار فلم يفهم السائل وفسرّه بالتر أو سأل عن غرضه من المطمار وأنّه استعارة لأي شيء؟

١١١

إنّا نمدُّ المطمار قال : وما المطمار ؟ قلت : الترُّ فمن وافقنا من علويّ أو غيره تولّيناه ومن خالفنا من علويّ أو غيره برئنا منه فقال لي يا زرارة قول الله أصدق من قولك فأين الذين قال الله عزّ وجلّ : «إلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سبّيلاً » أين المرجون لِأمر اللهِ ؟ أين الذين خَلَطُوا عملاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ؟ أين أَصْحاب الْأَعْراف ؟ أين الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ؟!

_________________________________________________

ليتّضح للحاضرين مراده فيجيبه علي حسبه ، فأجابهعليه‌السلام بأن غرضي من المطمار الأصل والقاعدَّة الكليّة الّتي بها يعرف المؤمن والكافر ، كما أن البناء يعرف بالمطمار ما تقدّم من اللبنات وما تأخر منها ، فالمراد بالتر هنا الأصل.

والظاهر أن غرض زرارة أنه لا يدخل الجنّة غير من صحت عقائده من الفرقة المحقة الإمامية ، وغرضهعليه‌السلام أنّه يمكن أن يدخل بعض المستضعفين من المخالفين ومن لم يتم عليهم الحجة لضعف عقولهم أو لبعدهم عن بلاد الإسلام والإيمان وغير ذلك الجنة.

ويحتمل أن يكون مراده بالموافق من وافق قولاً وفعلاً فيخرج منه أصحاب الكبائر من الشيعة أيضاً كما هو رأي الخوارج ، و قول الله هو وعد المستضعفين ومن بعدهم من الأصناف المذكورة بالجنّة والعفو والمغفرة ، فلا يجوز إدخالهم في المخالف والتبري منهم ، قوله : وزاد حمّاد ، الظاهر أنه كلام ابن أبي عمير ، وروى الحديث عن حمّاد وجميل أيضاً عن زرارة ، وكان في رواية حمّاد زيادة لم تكن في رواية هشام فتعرَّض لها ، وكان في رواية جميل أيضاً زيادة على رواية حمّاد فأشار إليها أيضاً.

ويحتمل أن يكون كلام إبراهيم بن هاشم أو كلام الكليني والأوّل أظهر ، كما أن الأخير أبعد « فارتفع صوت أبي جعفرعليه‌السلام » هذا ممّا يقدح به في زرارة ويدلّ على سوء أدبه ، ولـمّا كانت جلالته وعظمته ورفعة شأنه وعلو مكانه ممّا أجمعت عليه الطائفة وقد دلت عليه الأخبار المستفيضة ، فلا يعبأ بما يوهم خلاف ذلك.

١١٢

وزاد حمّاد في الحديث قال فارتفع صوت أبي جعفرعليه‌السلام وصوتي حتّى كان يسمعه من على باب الدار.

وزاد فيه جميل ، عن زرارة فلـمّا كثر الكلام بيني وبينه قال لي يا زرارة حقّاً على الله أن [ لا ] يدخل الضّلال الجنّة.

( باب الكفر )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقيّ قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفرائض الله عزّ وجلّ ؟ فقال إن الله عزّ وجلّ فرض فرائض موجبات على العباد فمن ترك فريضة

_________________________________________________

ويمكن أن يكون هذه الأمور هو في بدو أمره قبل كمال معرفته ، أو كان هذا من طبعه وسجّيته ولم يمكنه ضبط نفسه ، ولم يكن ذلك لشكه وقلة اعتنائه ، أو كان قصده معرفة كيفيّة المناظرة في هذا المطلب مع المخالفين ، أو كان لشدة تصلبه في الدين وحبه لأئمة المؤمنين ، حيث كان لا يجوز دخول مخالفيهم في الجنّة ، مع أنّه كان يحتمل ويجوز أن يكون تجويزهعليه‌السلام تقية أن يدخل الضلال الجنّة أي بعضهم ، والمراد بالضلال المستضعفون وغيرهم من الأصناف المذكورة ، فهم ليسوا بكفار لدلالة الروايات الكثيرة وإجماع الفرق على أن الكفار لا يدخلون الجنّة ، وفي بعض النسخ : أن لا يدخل ، فهو استفهام إنكاريّ.

باب الكفر

الحديث الأول : مختلف فيه ، وصحّته أرجح عندي.

« سنن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي ما لم يظهر من ظاهر القرآن وبينه الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعمّ من الواجب والندب « كفرائض الله » أي في الشرف والاحترام أو في لزوم الوفاء أو في كفر التارك « إن الله عزّ وجلّ فرض فرائض » أي في القرآن أو الأعمّ والأوّل أظهر ، إذ فرائض القرآن أكثرها من ضروريات الدين فمن جحدها كان كافراً

١١٣

من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً وأمر [ رسول ] الله بأمور كلها حسنة فليس من ترك بعض ما أمر الله عزّ وجلّ به عباده من الطاعة بكافر ولكنه تارك للفضل منقوص من الخير.

_________________________________________________

بخلاف ما ظهر من السنّة ، فإنّ أكثرها ليست من الضروريّات فالترك أعمّ من أن يكون مع الجحود أو بدونه ، فلا يظهر حكم ترك الفرائض بدون الجحدّ ، ويمكن أن يكون عدم الذكر لئلّا يجترئ الناس على تركها ، ويمكن أن يكون المراد بالأوّل إنكار ما فرض في القرآن وبالثاني ما سوى ذلك ، سواء كان ترك الفرائض بدون الإنكار أو ترك ما علم بالسنّة مع الإنكار وبدونها.

وجملة القول فيه أنّه يحتمل أن يكون المراد بالفرائض مطلق الواجبات ، وبما ذكره بعد مطلق المندوبات ، ويكون المراد بالجحد الترّك متهاونا فيحسن التقابل ويظهر الفرق ، فالمراد بالكفر غير المعنى المصطلح ، ويحتمل أن يكون الجحدّ بمعناه والواو بمعنى أو ، فالفرق في أن تارك الفرائض كافر ببعض المعاني دون السنن ويحتمل أن يكون المراد بالفرائض ما ظهر وجوبه من ظاهر القرآن ، وبالسن أعمّ من الواجبات وجميع المندوبات ، أو يكون المراد بالفرائض ما ثبت وجوبه من الدين ضرورة ، وبالسنن غيرها أو المندوبات ، ويكون الغرض أن في الواجبات يكون مثل ذلك وليس في السنن ما يكفر الإنسان بتركه ، أو بإنكاره مطلقاً وعلى أي حال تطبيقه على ما يوافق آراء المتكلمين أو سائر الأخبار لا يخلو من إشكال.

وقد يقال : المراد أنّ الكلّ بأمر الله سبحانه وتعالى على لسان نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعضه فرائض موجبات تركها مع الجحود يوجب الكفر ، وبعضه فضل تركه يوجب نقص الخير ، وقيل : الفريضة تشمل الواجبات الأصوليّة والفروعية ، فلا يبعد أن يكون قوله فلم يعمل بها ناظراً إلى الثانية ، وقوله : وجحدها ناظراً إلى الأوّل ، وحينئذ يكون الكفر أعمّ من كفر الجحود وكفر ترك ما أمر الله تعالى به ،

١١٤

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال والله إنَّ الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم قال :

_________________________________________________

وإن كان تركه مقروناً بالجحود كان كفره أيضاً كفر جحود ، وإمّا من ترك الأولى من غير جحود ولا إقرار فهو مستضعف وقد مرّ ، وسيجيء أن المستضعف ليس بمؤمن ولا كافر وأنه في المشيّة ، وقوله : وأمر الله بأمور ، لعلّ المراد به الفروعية مطلقاً فإن ترك بعضها وهو المندوبات ليس بكفر بشرط عدم الاستخفاف والإنكار ، انتهى.

وفي بعض النسخ : وأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمور ، فيؤيد بعض الوجوه.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

والذي يظهر لي من هذه الأخبار أن الغرض بيان كفر من أنكر إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام وتقدّم عليه وحاربّه ، وأنهم أخبث من المشركين ، ويظهر منها أن الكفر هو ترك طاعة الله معاندة واستكبارا ، والشرك هو أن يثبت لله في الخلق أو العبادة أو الطاعة شريكاً أعمّ من أن يكون ذلك على المعاندة أو على الجهل والضلال فبينعليه‌السلام أولا أن ترك طاعته تعالى مع العلم معاندة واستكباراً أخبث وأقدم من الشرك ، لأنّ أوّل معصية وقعت من العباد وأشدها معصية إبليس ، وهي كانت من هذا القبيل ، لأنّه لم يشرك بل ترك السجود والطاعة معاندة واستكباراً ، وهذا أشدّ من شرك لم ينضمّ إليه ذلك ، وكان من الجهل والضلالة ، فإمّا الشرك الذي كان على وجه الاستكبار والمعاندة فهو أشدّ لتلك الجهة لا لجهة الشرك.

ثمّ إنّهعليه‌السلام بعد ذلك أثبت لهم الشرك أيضاً بأن إثبات دين غير دين المؤمنين يتضمّن الشرك أيضاً حيث أشرك مع الله تعالى غيره في وجوب الطاعة ، فهؤلاء الأخابث مع اتصافهم بالكفر الذي هو أقدم وأخبث متصفون بالشرك أيضاً.

ويحتمل أن يكون الاستدلال بالأقدمية على كونه أعظم وأخبث من

١١٥

ثمَّ ذكر كفر إبليس حين قال الله له : اسجد لآدم فأبى أن يسجد فالكفر أعظم من الشرك فمن اختار على الله عزَّ وجلَّ وأبى الطّاعة وأقام على الكبائر فهو كافر ومن نصب ديناً غير دين المؤمنين فهو مشرك.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ذكر عنده سالم بن أبي حفصة وأصحابه

_________________________________________________

جهة أنّه صار سبباً لحدوث الشرك ، فإنّ الكفر أوّلاً حدث من إبليس ثمّ صار كفره سبباً لشرك من أشرك بعده ، وإذا تأمّلت في جميع أخبار الباب يتّضح لك ما ذكرنا.

قولهعليه‌السلام حين قال الله له اسجد لآدم أي أمره بالسجود ، في قوله : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ »(١) وشمول خطاب الملائكة له لكونه داخلا فيهم ومعدودا من جملتهم « فمن اختار على الله عزّ وجلّ » أي اختار مراده على مراده تعالى أو أمر إبليس على أمره تعالى ، أو عارض الله تعالى فيما علم صلاح العباد فيه ، كما قال إبليس : «خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ».

« وأبي الطّاعة » أي أنكرها وهو الكفر صريحاً ، أو ترك العمل بها ، فلو كان الواو بمعنى أو يكون الكفر شاملا لكفر النعمة وكفر ترك المأمور به ، وكذا الكلام في قوله : وأقام على الكبائر ، والظاهر أن الواو بمعناه إشارة إلى قوله تعالى : «وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ »(٢) .

الحديث الثالث : موثّق كالصّحيح وسالم بن أبي حفصة روى عن السجاد والباقر والصادقعليهما‌السلام وكان زيدياًّ بترّياً من رؤسائهم ، ولعنه الصادقعليه‌السلام وكذبه وكفّره ، وروي في ذمّه روايات كثيرة ، واسم أبي حفصة زياد.

« قال ذكر » على بناء المعلوم ، والمرفوع في قال وذكر راجعان إلى زرارة ،

______________________

(١) سورة طه : ١١٦.

(٢) سورة البقرة : ٣٤.

١١٦

فقال : إنّهم ينكرون أن يكون من حارب عليّاًعليه‌السلام مشركين فقال أبو جعفرعليه‌السلام : فإنّهم يزعمون أنّهم كفّار ، ثمّ قال لي إن الكفر أقدم من الشرك ثمّ ذكر كفر إبليس حين قال له اسجد فأبى أن يسجدّ وقال الكفر أقدم من الشرك فمن اجترى على الله فأبى الطّاعة وأقام على الكبائر فهو كافر يعني مستخفٌّ كافر.

٤ - عنه ، عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة ، عن حمران بن أعيّن قال سألت

_________________________________________________

وكذا المرفوع في فقال ، ويمكن أن يقرأ ذكر على بناء المجهول ، ويحتمل أن يكون فاعل قال أولاً ابن بكير ، وعلى الأوّل قائل قال ابن بكير « فإنّهم يزعمون أنّهم كفار » أي إن لم يقولوا بشركهم فلا محيص لهم عن القول بكفرهم ، فإن محاربة الإمام كبيرة البتة ، والمصر على الكبيرة عندهم كافر ، والكفر أخبث وأقدم من الشرك كما مر.

ويحتمل أن يكونوا قائلين بكفرهم صريحاً ، وإنمّا نفوا الشرك وعلى التقديرين ليس فيه تصديق لقولهم بنفي الشرك ، وإن احتمل ذلك بناء على أن الشرك عبارة عن عبادة غير الله حقيقة ، أو القول بالشريك في الخلق ، لا في الطّاعة والأمر ، وهو لم يتحقّق فيهم والكفر يتحقّق بترك الطّاعة ، ويؤيد الأوّل إطلاق الشرك على الحروري والناصب في سائر الأخبار.

« يعني مستخف كافر » الظاهر أنّه كلام بعض الرواة ابن بكير أو غيره ، وقيل : يحتمل كونه من كلامهعليه‌السلام وعلى التقديرين يحتمل أن يكون تقييداً للحكم بالكفر بالاستخفاف ، أي إنّما يحكم بكفره إذا كان مستخفاً لا لغلبة الشهوة كما سيأتي ، ويمكن أن يكون علة للحكم بالكفر أي لا ينفك الإباء عن الطّاعة عمداً والإصرار على الكبائر عن الاستخفاف وهو موجب للكفر.

الحديث الرابع : حسن موثق.

١١٧

أباعبد اللهعليه‌السلام عن قوله عزَّ وجلّ َ: «إِنَّا هَدَيْناهُ السبّيلَ إمّا شاكِراً وإمّا كَفُوراً »(١) قال إمّا آخذ فهو شاكر وإمّا تاركٌ فهو كافر.

٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن عليُّ ، عن حمّاد بن عثمان ، عن عبيد ، عن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ »(٢) قال ترك العمل الذي أقرَّ به من ذلك أن يترك

_________________________________________________

«إِنَّا هَدَيْناهُ السبّيلَ » قال البيضاوي : أي بنصف الدلائل وإنزال الآيات «إمّا شاكِراً وإمّا كَفُوراً » حالان من الهاء ، وإمّا للتفصيل أو التقسيم ، أي هديناه في حالية جميعاً أو مقسوماً إليهما ، بعضهم شاكر بالاهتداء والأخذ فيه ، وبعضهم كفور بالإعراض عنه أو من السبّيل ، ووصفه بالشكر والكفر مجاز ، ولعلّه لم يقل كافراً ليطابق قسيمه محافظة على الفواصل وإشعاراً بأن الإنسان لا يخلو عن كفران غالباً وإنّما المأخوذ به المتوغل فيه ، انتهى.

والخبر يدلّ على أن المراد بالكفور الكافر ، فيدلّ على أن من لم يأخذ السبّيل هداه الله إليه من الإقرار به وبرسوله ، وبما جاء الرسول به من المعاد وولاية أئمة الدين فهو كافر ، ويحتمل شموله لترك العمل أيضاً فيأوّل الكفر بما مرّ مراراً وسيأتي ، وفيها دلالة على كمال لطفه تعالى بأن الإقرار والعمل وإن كانا شكرين لنعمة الهداية والخلق وإعطاء العقل وسائر الآلات والألطاف والهدايات يجازيهم عليها نعيم الأبد.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

«وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ » قيل الياء للعوض كقوله تعالى : «اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى »(٣) أو للمصاحبة نحو «اهْبِطْ بِسَلامٍ »(٤) فعلى الأوّل المعنى الكفر بعد

______________________

(١) سورة الدهر : ٣. (٢) سورة المائدة : ٦.

(٣) سورة البقرة : ١٦. (٤) سورة هود : ٤٨.

١١٨

الصّلاة من غير سقم ولا شغل.

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليُّ بن أسبّاط ، عن موسى بن بكير قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الكفر والشرك أيهما أقدم قال فقال لي ما عهدي بك تخاصم الناس قلت أمرني هشام بن سالم أن أسألك عن ذلك فقال لي الكفر أقدم وهو الجحود قال الله عزّ وجلّ : «إلّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ »(١) .

_________________________________________________

الإيمان وعلى الثاني المراد به الإنكار قلباً ، والإقرار ظاهراً ، وقال البيضاوي : يريد بالإيمان شرائع الإسلام ، وبالكفر به إنكاره والامتناع منه ، وقال الطّبرسي : أي من يجحد ما أمر الله بالإقرار به والتصديق له من توحيد الله وعدله ونبوّة نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ » الذي عمله واعتقده قربة إلى الله تعالى «وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ » أي الهالكين ، وقيل : أي ومن بكفر بالإيمان من أهل الكتاب أي يمتنع عن الإيمان ولم يؤمن.

قولهعليه‌السلام : ترك العمل الذي أقرّ به فالمراد بالكفر هنا ارتكاب مطلق الكبائر أو الكبائر الّتي تؤذن فعلها بعدم اليقين والاستخفاف بالدين كما يرشد إليه التمثيل بترك الصلاة من غير سقم ولا شغل وقد يحمل على إنكار والاستخفاف فيوافق الاصطلاح المشهور ، وقيل : فسرعليه‌السلام الكفر هنا بترك العمل وهو كفر المخالفة ، وفسر الإيمان بالإقرار بوجوب العمل ، ثمّ ذكر لذلك مثالا.

الحديث السادس : كالسابق.

« ما عهدي بك تخاصم الناس » أي ما كنت أظنّ أنك تخاصم الناس أو لم تكن قبل هذا ممّن يخاصم المخالفين وتتفكر في هذه المسائل الّتي هي محلّ المخاصمة بين المتكلمين؟ وهذا السّؤال يشعر بأنك شرعت في ذلك؟ ويحتمل أن يكون ما استفهامية أي ألم أعهد إليك أن لا تخاصم الناس فهل تخاصمهم بعد عهدي إليك؟ ومضمون الخبر قد مر.

______________________

(١) سورة البقرة : ٣٤.

١١٩

٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرَّحمن بن الحجّاج ، عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام يدخل النار مؤمن قال لا والله قلت فما يدخلها إلّا كافر قال لا إلّا من شاء الله فلـمّا رددت عليه مراراً قال لي أي زرارة إني أقول لا وأقول إلّا من شاء الله وأنت تقول لا ولا تقول إلّا من شاء الله.

قال فحدثني هشام بن الحكم وحمّاد عن زرارة قال قلت في نفسي شيخ

_________________________________________________

الحديث السابع : حسن كالصحيح بسنديه.

« يدخل النار مؤمن » المراد بالمؤمن هنا الإماميّ المجتنب للكبائر الغير المصر على الصغائر ، وبالكافر من اختل بعض عقائده إمّا في التوحيد أو في النبوة أو في الإمامة ، أو في المعاد أو في غيرها من أصول الدين ، مع تعصبه في ذلك وإتمام الحجة عليه لكمال عقله وبلوغ الدعوة إليه ، فحصلت هنا واسطة هي أصحاب الكبائر من الإمامية والمستضعفون من العامّة ، ومن لم تتم عليهم الحجة من سائر الفرق ، فهم يحتمل دخولهم النار وعدمه ، فهم وسائط بين المؤمن والكافر.

أو المراد بالمؤمن الإمامي الصحيح العقيدة ، وبالكافر ما مرّ بناء على ما ورد في كثير من الأخبار أن الشيعة لا تدخل النار ، وإنّما عذابهم عند الموت وفي البرزخ وفي القيامة ، فالواسطة من تقدّم ذكره سوى أصحاب الكبائر ، وزرارة كان ينكر الواسطة بإدخال الوسائط في الكافر أو بعضهم في المؤمن ، وبعضهم في الكافر وكان لا يجوز دخول المؤمن النار وغير المؤمن الجنّة ، ولذا لم يتزوج بعد تشيعه لأنه كان يعتقد أن المخالفين كفار لا يجوز التزوج منهم.

وكأنّه تمسّك بقوله تعالى : «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ »(١) وبقوله تعالى : «فَرِيقٌ فِي الجنّة وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ »(٢) والمنع عليهما ظاهر.

« قال : فحدثني » فاعل قال إمّا ابن أبي عمير أو إبراهيم بن هاشم ، وقوله : شيخ لا علم له بالخصومة ، الظاهر أن غرضه الإمام صلوات الله عليه ، يعني لا يعلم طريق المجادلة ، وحمله على أنّه أراد نفسه بعيد.

______________________

(١) سورة التغابن : ٢. (٢) سورة الشورى : ٧.

١٢٠