مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30798
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30798 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا علم له بالخصومة قال : فقال لي : يا زرارة ما تقول فيمن أقرَّ لك بالحكم أتقتله ؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم أتقتلهم ؟ قال : فقلت : أنا - والله - الّذي لا علم لي بالخصومة.

٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال :

_________________________________________________

فأقول زائداً على ما مرّ : إنّه يمكن أن يكون ذلك بمحض خطور بال لا يؤاخذ الإنسان به ، وحاصل كلامهعليه‌السلام الرد عليه بإثبات الواسطة ، لأنّ المخالفين في بعض الأحكام في حكم المسلمين وإن كان غير من ذكرنا من الواسطة مخلدين في النار ، وأيضاً يمكن دخول بعض المخالفين كالمستضعفين الجنّة ، فلـمّا لم يفهم زرارة غرضهعليه‌السلام وكان يزعم أن الواسطة غير معقولة نبههعليه‌السلام بأحوال من أقرّ له بالحكم ، أي خدمه وبأحوال خدمه أي عبيده وسائر أهاليه ، فقالعليه‌السلام : أتجوز قتلهم ولم لا تقتلهم إن كانوا كفاراً مشركين؟ فتفطن من ذلك بالفرق بينهم وبين سائر الكفار ، وعلم أنّه إذا جاز الفرق في القتل بينهم وبين سائر الكفار ، فيجوز في غير ذلك من الأمور فاعترف بأنّ نفسه لا علم له بالخصومة.

ويحتمل أن يكون المراد بالخدم والأهالي المستضعفين من الشيعة ، للتنبيه على حال المستضعفين من العامّة ، وقيل : في قولهعليه‌السلام : فيمن أقرّ لك بالحكم ، يعني قال لك أنا على مذهبك ، كلـمّا حكمت ، عليُّ أن أعتقده وأدين الله به.

« أتقبله » بالباء الموحّدة كما في بعض النسخ ، يعني تحكم عليه بالإيمان بمجرّد تقليده إياك ، وكذا القول في الخدم والأهلين فعجز زرارة عن الجواب ، فعلم أنه الذي لا علم له بالخصومة دون الإمامعليه‌السلام ، وإنّما عجز عن الجواب لأنه كيف يحكم عليهم بالإيمان بمجرّد التقليد المحض من دون بصيرة ، وكيف يحكم عليهم بالكفر وهم يقولون إنا ندين بدينك ونقر لك بكلّ ما تحكم علينا ، فثبت المنزلة بين المنزلتين قطعاً.

الحديث الثامن : ضعيف.

١٢١

سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام وسئل عن الكفر والشرك أيّهما أقدم ؟ - فقال الكفر أقدم وذلك أنَّ إبليس أوَّل من كفّر ، وكان كفره غير شرك لأنّه لم يدع إلى عبادة غير الله وإنّما دعا إلى ذلك بعد فأشرك.

٩ - هارون ، عن مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام - وسئل ما بال الزَّاني لا تسمّيه كافراً وتارك الصّلاة قد سمّيته كافراً وما الحجّة في ذلك فقال لأنّ الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنّها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلّا استخفافاً بها وذلك لأنك لا تجدّ الزاني يأتي المرأة إلّا وهو مستلذ

_________________________________________________

ومفعول سمعت محذوف ، يدلّ عليه قوله : فقال الكفر أقدم ، وحاصل الجواب أن الشيطان لعنه الله أوّل الكافرين والمشركين ، وكان كفره أسبّق لأنّه أولا خالف أمر الله تعالى معاندة ، فصار كافراً ولم يكن حينئذ مشركاً ، ثمّ لـمّا أمر الناس بعبادة غير الله حصل الشرك ، وصار هو أيضاً مشركاً ، فيدلّ على أن الأمر بالشرك وحث الناس عليه شرك أيضاً.

الحديث التاسع : كالسابق.

وقيل : المراد بالحجة هنا المعيار لا الدليل ، وأقول : الدليل أيضاً مناسبّ « قاصداً إليها » أي إلى اللّذة أو إلى المرأة ، فالقصد في مقابله السهو والغفلة ، وهو المراد بقوله : قاصداً ثانياً ، وقاصداً في الأوّل حال عن البارز في قوله لإتيانه ، والظاهر أن المراد بالكفر هنا ارتكاب ما يؤذن بقلة الاكتراث بالدين ، وضعف اليقين لعدم غلبة داع قوي على مخالفة أمر الله ، وهذا ممّا يستوجب به العذاب العظيم والعقاب الطويل ، وليس هو الكفر الذي يوجب الخلود في النار مع الكفار ، ولا ينفعهم شفاعة الشافعيّن ، ويجري عليهم في الدّنيا أحكام الكافرين من نجاستهم وعدم جواز المناكحة والموارثة.

وحمله على الاستحلال والجحود بعيد ، فإن الزاني أيضاً مع الاستحلال كافر ، فهذا أحدّ معاني الكفر ودرجة من درجاته في مقابل درجات الإيمان.

١٢٢

لإتيانه إيّاها قاصداً إليها وكلّ من ترك الصلاة قاصداً إليها فليس يكون قصده لتركها اللّذة فإذا نفيت اللّذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر.

قال : وسئل أبو عبد اللهعليه‌السلام وقيل له ما الفرق بين من نظر إلى امرأة فزنى بها أو خمرّ فشربها وبين من ترك الصلاة حتّى لا يكون الزاني وشارب الخمرّ مستخفا كما يستخف تارك الصلاة وما الحجة في ذلك وما العلة الّتي تفرق بينهما قال الحجة أن كلـمّا أدخلت أنت نفسك فيه لم يدعك إليه داع ولم يغلبك غالب شهوة مثل الزنى وشرب الخمرّ وأنت دعوت نفسك إلى ترك الصلاة وليس ثمّ شهوة فهو الاستخفاف بعينه وهذا فرق ما بينهما.

١٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من شك في الله وفي رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهوكافر.

_________________________________________________

قولهعليه‌السلام : ما فرق(١) ، يمكن أن يقرأ على صيغة الفعل والاسم ، وعلى التقديرين هو خبر ما الاستفهامية ، وعلى الأوّل بين منصوب بالمفعولية ، وعلى الثاني مجرور بالإضافة ، كقوله تعالى : «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما »(٢) وتكرار بين للتصريح بدفع احتمال طلب الفرق بين الزنا وشرب الخمرّ « كما يستخف » على بناء المعلوم ، والظرف نائب المفعول المطلق للفعل المنفي في لا يكون ، و لم يدعك خبر إن و مثل منصوب بنيابة المفعول المطلق للفعل المنفي في لم يدعك ولم يغلبك ، و « فرق » يحتمل الوجهين السّابقين ، وثالثاً وهو أن يقرأ فرق بالتنوين فتكون ما للإبهام.

الحديث العاشر : صحيح.

والواو للتقسيم بمعنى أو ، ويدلّ على أن الشك في أصول الدين أيضاً يوجب الكفر ، وقد مرّ في أبواب الإيمان والإسلام وسيأتي إنشاء الله وكأنه محمول على الشك بعد إتمام الحجة ، أو المراد بالكفر ما يقابل الإيمان فيشمل المستضعفين أيضاً ، والكفر بهذا المعنى لا يستلزم الخلود في النار.

______________________

(١) وفي المتن « ما الفرق ».

(٢) سورة النساء : ٣٥.

١٢٣

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام من شك في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال كافر قلت فمن شك في كفر الشاك فهو كافر فأمسك عني فرددت عليه ثلاث مرات فاستبنت في وجهه الغضب.

١٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ »(١) فقال من ترك العمل الذي أقرّ به قلت فما موضع ترك

_________________________________________________

الحديث الحادي عشر : حسن كالصحيح.

وفيه إشعار بأن كفر الشاك ليس من ضروريات الدين حتّى يكون إنكاره كفراً ، وإنما أمسك عن الجواب لئلّا يجتروا على الشك ولا يستصغروه ، أو لئلا يتوهموا لسوء فهمهم التنافي بين الكلامين ، أو لافتقار بيان الحكم على تفصيل لا تقتضي المصلحة ذكره ، أو يكون كافراً وعدم الذكر للتقية.

وقيل : إنما أمسكعليه‌السلام عن جوابه وغضب منه لأنّ هذا ليس ممّا ينبغي أن يسأل عنه ، وظاهر أن هذا الشك ليس ممّا يوجب الكفر ، كيف والسائل نفسه كان شاكا فيه ، جاهلا به ، ولهذا سأل عنه إلّا أن يقال بإيجابه للكفر بعد سماعه عنه مشافهة والكفر من هذه الجهة ، فيرجع إلى تكذيبهعليه‌السلام وهذا حديث آخر.

الحديث الثاني عشر : موثّق كالصحيح.

وقد مرّ شرح صدر الخبر ، و قوله : فما موضع ترك العمل ، يحتمل وجهين : الأوّل أن يكون الغرض استعلام أن المراد جميع الأعمال أو الأعمّ منه ومن البعض ، فأجابعليه‌السلام بأن المراد به الثاني ، الثاني : أن يكون الغرض أن كلّ عمل تاركه كافر أو بعض الأعمال كذلك ، فأومأعليه‌السلام إلى أن المراد به الثاني ، وعلى التقديرين

______________________

(١) سورة المائدة : ٦.

١٢٤

العمل حتّى يدعه أجمع قال منه الذي يدع الصّلاة متعمّداً لا من سكر ولا من علة.

١٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حكيم وحمّاد ، عن أبي مسروق قال سألني أبو عبد اللهعليه‌السلام عن أهل البصرة فقال لي ما هم قلت مرجئة وقدرية وحرورية فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة التي

_________________________________________________

كلمة ما استفهاميّة ، و الموضع بمعنى المرتبة ، واللّام في « العمل » للعهد أي العمل الذي أقرّ به ، والاستفهام في « حتّى يدعه » مقدر ، وقيل : لعلّ المراد من السّؤال استعلام مطلق العمل الذي تركه يوجب الكفر ، ويكون قوله حتّى يدعه أجمع استفهاماً آخر ، يعني أهو ترك الأعمال أجمع؟ فأجابعليه‌السلام بأنّه قد يكون ترك بعض الأعمال كالصّلاة.

الحديث الثالث عشر : حسن.

« مرجئة » أقول : قد مرّ الكلام في بيان مذاهب هؤلاء مراراً ، وأن المرجئة بالهمز اسم فاعل من أرجأته إذا أخرته ، وهم فرقة من المخالفين يزعمون أن الإيمان محض العلم بما جاء به الرسول ، وأنّه لا يضر مع الأيمان معصية كما أنّه لا ينفع مع الكفر طاعة ، سموا بذلك لأنهم اعتقدوا أن الله تعالى أخر تعذيبهم على المعاصي وأخره عنهم ، قال في المصباح : أرجأته بالهمز أخرته ، والمرجئة اسم فاعل من هذا لأنّهم لا يحكمون على أحدّ بشيء في الدّنيا ، بل يؤخرون الحكم إلى يوم القيامة ، وتخفف فتقلب الهمزة ياءا مع الضمير المتصل ، فيقال : أرجيته.

وأقول : قد مضى الكلام في بيان مذاهبهم في باب أن الإيمان مبثوث بجوارح البدن ، وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : لعلّ المراد بالقدرية الجبرية ، وأقول : يحتمل أن يكون المراد بهم التفويضية القائلين باستقلال العبد في أفعاله ، وأن لا مدخل لله فيها أصلاً ، النافين لقضاء الله وقدره رأسا ، وقد عرفت إطلاقه عليهما ، وأنهما خارجان عن الحقّ وأن الحقّ الأمر بين الأمرين ، وفي النهاية : الحرورية من الخوارج نسبّوا إلى

١٢٥

لا تعبد الله على شيء.

١٤ - عنه ، عن الخطّاب بن مسلمة وأبان ، عن الفضيل قال دخلت على أبي جعفرعليه‌السلام وعنده رجل فلـمّا قعدت قام الرجلٌ فخرج فقال لي يا فضيل ما هذا عندك قلت وما هو قال حروريٌّ ! قلت كافر قال إي والله مشرك.

١٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول كلُّ شيء يجرُّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان وكلّ شيء يجره الإنكار والجحود فهو الكفر.

_________________________________________________

حروراء بالمدّ والقصر ، وهو موضع قريب من الكوفة ، كان أوّل مجتمعهم وتحكيمهم فيه وهم أحدّ الخوارج الذين قاتلهم عليُّعليه‌السلام « الكافرة المشركة » قد عرفت الفرق بين الكفر والشرك ، وأن الكفر أعمّ أي هم جمعوا بينهما فإنهم كفروا حيث تركوا ما أمر الله به من طاعة الأئمةعليه‌السلام عنادا أو بغياً ، وأشركوا حيث اتخذوا طواغيته أئمة من غير نصب الله لهم الّتي لا تعبد الله على شيء من الدين ، فإنه لا دين لهم ، أو من العبادة فإن عباداتّهم باطلة.

الحديث الرابع عشر : حسن موثق.

والضمير في عنه لابن أبي عمير « ما هذا عندك » يعني أهو كافر باعتقادك أم مسلم؟ « قلت : وما هو؟ » أي لا أعلم مذهبه حتّى أحكم عليه بالإسلام أو الكفر « أي والله مشرك » أي كفره مجامع للشرك ، وفي بعض النسخ ومشرك وهو أظهر.

الحديث الخامس عشر : صحيح.

« كلّ شيء يجره الإقرار » أي هو من لوازمه وتوابعه كالأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة ، والورع عن المعاصي ، فهو داخل في الإيمان على وجه ومكمل له على وجه آخر. « وكلّ شيء يجره الإنكار والجحود » أي هو من لوازمهما وتوابعهما وآثارهما ، فهو داخل في الكفر ومن مكملاته أو من طرقه المؤدية إليه ،

١٢٦

١٦ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول : إنَّ عليّاً صلوات الله عليه باب فتحه الله من دخله كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً.

١٧ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار وابن سنان وسماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طاعة عليُّعليه‌السلام ذل ومعصيته كفر بالله قيل يا رسول الله وكيف يكون طاعة عليُّعليه‌السلام ذلّاً ومعصيته كفراً بالله قال : إنَّ عليّاً

_________________________________________________

فإنّ المعاصي طرق إلى الكفر.

الحديث السادس عشر : ضعيف على المشهور ومعتبر عندي.

والمراد بالدّاخل العارف بحقّه ، و بالخارج المنكر له ، سواء أنكره مطلقاً أو أنكره في مرتبته ، فيبقى قسم ثالث وهو الذي لم يدخل ولم يخرج ويسمى ضالاً ومستضعفاً كما مرّ وسيأتي.

الحديث السابع عشر : ضعيف.

والظاهر أن المراد به الذل في الدّنيا وعند الناس ، لأنّ طاعته توجب ترك الدّنيا وزينتها ، والحكم للضعفاء على الأقوياء والرضا بتسوية القسمة بين الشريف والوضيع ، والقناعة بالقليل من الحلال ، والتواضع وترك التكبر والترفع ، وكلّ ذلك ممّا يوجب الذل عند الناس ، كما روي أنّه لـمّا قسم بيت المال بين أكابر الصحابة والضعفاء بالسوية غضب لذلك طلحة والزبير ، وأسسا أساس الفتنة والبغي والجور ، وقيل : المراد بالذل التذلل لله تعالى والانقياد له والتواضع عنده بقبول أوامره والانتهاء عند نواهيه ، وترك التكبر والترفع من الذل بالكسر ، والأوّل أظهر كما ينادي به سياق الخبر.

ويؤيده ما سيأتي في نوادر الحدود عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : بعث أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى بشر بن عطارد التميمي في كلام بلغه فمرّ به رسول أمير المؤمنينعليه‌السلام في

١٢٧

عليه‌السلام يحملكم على الحقّ فإن أطعتموه ذللتم وإن عصيتموه كفرتم بالله عزّ وجل.

١٨ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء قال حدثني إبراهيم بن أبي بكر قال سمعت أبا الحسن موسىعليه‌السلام يقول إن علياعليه‌السلام باب من أبواب الهدى فمن دخل من باب عليُّ كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله فيهم المشيئة.

١٩ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا.

_________________________________________________

بني أسد وأخذه فقام إليه نعيم بن دجاجة الأسدي فأفلته فبعث إليه أمير المؤمنين فأتوه به وأمر به أن يضرب ، فقال له نعيم : إمّا والله إن المقام معك لذل وإن فراقك لكفر ، قال : فلـمّا سمع ذلك منه قال له : قد عفونا عنك إن الله عزّ وجلّ يقول : «ادْفَعْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ »(١) إمّا قولك : إن المقام معك لذل فسيئة اكتسبّتها ، وإمّا قولك : إن فراقك لكفر فحسنة اكتسبّتها ، فهذه بهذه ، ثمّ أمر أن يخلي عنه.

ولا ينافيه عده سيئة فإن مواجهتهعليه‌السلام بهذا الكلام كان سوء أدب وإن كان حقّاً فتأمل.

الحديث الثامن عشر : ضعيف على المشهور.

وكان فسّاق الشيعة والمستضعفين وأشباههم داخلون في القسم الثالث ، وإمّا من بلغته الدعوة وتمت عليه الحجة فعدم الدخول فيه كفر وهو غير معذور.

الحديث التاسع عشر : كالسابق.

وهو باب رحمة فتحه الله للعباد ، ويدلّ على أن الجاهل معذور في أكثر الموارد ، كمن جهل إمامة عليُّعليه‌السلام ولم تقم عليه حجّة إذا وقف ولم ينكره لم يكفر ودخل

______________________

(١) سورة المؤمنون : ٩٦.

١٢٨

٢٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن فضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ نصب علياعليه‌السلام علـمّا بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالاً ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ومن جاء بولايته دخل الجنّة ومن جاء بعداوته دخل النار.

٢١ - يونس ، عن موسى بن بكر ، عن أبي إبراهيمعليه‌السلام قال إن علياعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة فمن دخل بابه كان مؤمناً ومن خرج من بابه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الّتي لله فيهم المشيئة.

( باب وجوه الكفر )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن بكر بن صالح ، عن القاسم بن يزيد ، عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أخبرني عن وجوه الكفر

_________________________________________________

في المستضعفين ، وهو في مشّية الله فعسى أن تدركه الرحمة ، وكذا الجاهل في سائر الأمور من أصول الدين وفروعه.

الحديث العشرون : كالسابق.

« ومن جهله » أي توقّف ولم ينكر « ومن نصب معه شيئاً » أي إمإمّا آخر وأخره عن مرتبته فهو مشرك لأنه وضع ديناً غير دين الله ، وأشرك مع الله غيره في نصب الإمام.

الحديث الحادي والعشرون : ضعيف كالموثّق وقد مرّ مضمونه.

باب وجوه الكفر

الحديث الأول : ضعيف على المشهور ببكر بن صالح وإنّما ضعّفه ابن الغضائري وأبو عمرو الزبيري وإن كان مجهولا لكنّ يظهر من أخباره أنه من محقّقي الرواة وأصحاب أسرار الأئمةعليهم‌السلام ، وهذا الخبر جزء خبر طويل فرقه المصنّف وغيره على الأبواب كما يظهر من هذا الكتاب ، وتفسير العياشي وغيرها ، وقد مر

١٢٩

في كتاب الله عزَّوجلَّ قال : الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه.

فمنها كفر الجحود والجحود على وجهين ؛ والكفر بترك ما أمر الله ؛ وكفر البراءة وكفر النعم.

فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالرُّبوبيّة وهو قول من يقول لا ربّ ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم : الدَّهريّة وهم الذين يقولون

_________________________________________________

جزء آخر في باب السبّق إلى الإيمان ولـمّا سألهعليه‌السلام عن أجزاء الإيمان وزيادته ونقصانه ومنازله ودرجاته سأله عن معاني الكفر ووجوهه ، فبينعليه‌السلام أن الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه وجهان منها يرجع إلى الجحود ، و قوله : فهو الجحود بالربوبية لـمّا كان الجحود في اللّغة مطلق الإنكار ، وكان المراد به هيهنا إنكار ما يتعلق بالربوبية أعني ما جاء من قبل الربّ تعالى فسرّهعليه‌السلام بذلك وخصه به كما قيل.

وأقول : إنما كان هذا جحدا للربوبية لأنّ ربيته سبّحانه يقتضي التكليف والثواب والعقاب ، فهؤلاء إمّا ينكرون وجوده سبّحانه أو ربيته ، وكان المراد بالصنفين صنف أنكروا المبدأ والمعاد معا ، وهم الملاحدة ، وصنف أثبتوا المبدأ وأنكروا المعاد كبعض الفلاسفة حيث أنكروا المعاد وقالوا بقدم العالم وأبديته ، وكفار مكة الذين ذكرهم الله في تلك الآية ، وهم الذين يقولون «وَما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ » زعموا أن تولد الأشخاص وتكون الممتزجات وفسادها وحياتها وموتها مستندة إلى الدهر ، وحركات الأفلاك وتأثيرات الكواكب ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى القائلين بالتناسخ والقائلين ببطلان الجسد والروّح بالكلية ، أو القائلين بالطبيعة والقائلين بالدهر ، وقيل : صنف طلبوا لهذا العالم سبّبا فأحالوه على الطبع الذي هو صفة جسمانية خالية عن العلم والإدراك ، وصنف لم يطلبوا له سبّبا بل اشتغلوا بأنفسهم وعاشوا عيش البهائم.

قال الله تعالى : «إِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ » ، أن ذلك بفتح الهمزة وتشديد النون متعلّق بيظنون.

١٣٠

«وَما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ » وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسّان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء ممّا يقولون قال الله عزّ وجلّ : «إِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ »(١) أن ذلك كما يقولون وقال : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ »(٢) يعني بتوحيد الله تعالى فهذا أحدّ وجوه الكفر.

وأمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة وهو أن يجحدّ الجاحدّ وهو يعلم

_________________________________________________

والحاصل أنّه استشهد لقوله إنّهم وضعوا الدّين بمحض الاستحسان من غير حجة وبرهان بأنّه تعالى قال بعد قولهم : «وَما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ ».

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ » سواء اسم من الاستواء وخبر لأنّ ، وما بعده فاعله أي مستو عليهم إنذارهم وعدمه ، أو خبر لـمّا بعده ، والجملة خبر لأنّ أي إنذاره وعدمه سيان عليهم ، و قوله : بتوحيد الله متعلّق بلا يؤمنون ، ويحتمل تعلّقه بكفروا أو بهما على التنازع ، والظاهر أن هذه الآية والآية السّابقة موردهما واحد.

وقد يقال : إن الآية الأولى في صنف من الزنادقة لا سبّيل لهم إلى شبهة قوية والثانية لقوم من الفلاسفة لهم شبه قوية على إنكار حدوث العالم والمعاد وفناء العالم فهو أشدّ رسوخا في باطلهم من الفرقة الأولى ، ولذلك لا ينفعهم الإنذار وليس ببعيد. وإنما خص نفي الإيمان في الآية بتوحيد الله لأنّ سائر ما يكفرون به من توابع التوحيد « وإمّا الوجه الآخر من الجحود » قيل : الصواب وإمّا الوجه الآخر من الجحود فهو الجحود على معرفة ، ولعلّه سقط من قلم النساخ ، انتهى.

وكان الفرق بين هذا وما تقدّم أن الفرقة المتقدمة عرضت لهم شبهة ضعيفة اتبعوها ، وهؤلاء أنكروا مع العلم عتوا واستكباراً وعناداً وحسداً كالفرق الذي ذكرنا سابقا بين الكفر والشرك.

ويحتمل وجها آخر من الفرق بأن يكون الأوّل ما يكون في التوحيد وما يتبعه من أمر المعاد ، والثاني ما يكون بعد الإقرار بالتوحيد من الإقرار بالنبوة

______________________

(١) سورة الجائية : ٢٣. (٢) سورة البقرة : ٦.

١٣١

أنّه حقّ ، قد استقرَّ عنده وقد قال الله عزَّ وجلَّ : «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلـمّا وَعُلُوًّا »(١) وقال الله عزّ وجلّ : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلـمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ »(٢) فهذا تفسير وجهي الجحود

_________________________________________________

والإمامة وغيرهما ، ولكلّ من الوجهين شواهد لا يخفى على المتأمل.

قوله : على معرفة ، أي للحقّ « قد استقر عنده » أي استقراراً لا شك فيه «وَجَحَدُوا بِها » أي أنكروا آيات الله وكذبوها ، والحال أن أنفسهم مستيقنة بها عالمة إياها ، وإنّما أنكروها ظلـمّا لأنفسهم وعلوا أي ترفعا على الرسول والانقياد له والإيمان به ، واستدلوا بها على أن الإيمان هو التصديق مع العمل دون التصديق وحده ، واعترض عليه بأنّه يمكن أن يكون مشروطاً بالإقرار باللسان مع القدرة كما ذهب إليه طائفة من العامّة ، كما قال الدواني في شرح العقائد : التلفظ بكلمتي الشهادتين مع القدرة عليه شرط ، فمن أخل به فهو كافر مخلد في النار ، انتهى.

وقيل : مشروط بعدم الإنكار فينتفى الإيمان بالإنكار وقد مرّ القول فيه مفصلا وقال الله عزّ وجلّ : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا » أي وكان أهل الكتاب من قبل البعثة يطلبون الغلبة على المشركين ويستنصرون عليهم بخاتم الأنبياء ، ويقولون اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة ، أو يفتحون عليهم ويعرفونهم أن نبيّاً يبعث منهم وقرب زمانه «فَلـمّا جاءَهُمْ » النبي الذي عرفوه كفروا به وجحدوه حسداً أو خوفاً من الرئاسة أو لغير ذلك «فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ » أي عليهم فوضع الظاهر موضع الضمير للتنصيص على أن لعنهم بسبب كفرهم وإنكارهم الحقّ المعروف عندهم.

أقول : روى عليُّ بن إبراهيم هذا الخبر عن أبيه عن بكر بن صالح عن الزبيري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : الكفر في كتاب الله على خمسة وجوه ، فمنه كفر الجحود وهو على وجهين كفر جحود بعلم ، وجحود بغير علم ، فإمّا الذين جحدوا بغير علم

______________________

(١) سورة النمل : ١٤. (٢) سورة البقرة : ٨٩.

١٣٢

والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان ع : «هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ »(١) وقال «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ »(٢) وقال «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ »(٣) .

_________________________________________________

فهم الّذين حكى الله عنهم في قوله : «وَقالُوا ما هِيَ إلّا حَياتُنَا الدّنيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إلّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ » وقوله : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » فهؤلاء كفروا وجحدوا بغير علم ، وإمّا الذين كفروا وجحدوا بعلم فهم الذين قال الله عزّ وجلّ : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلـمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ » فهؤلاء كفروا وجحدوا بعلم.

وفي تفسير النعماني عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : وإمّا الكفر المذكور في كتاب الله تعالى فخمسة وجوه ، منها كفر الجحود ، ومنها كفر فقط ، والجحود ينقسم على وجهين ، ومنها كفر الترك لـمّا أمر الله تعالى به ، ومنها كفر البراءة ، ومنها كفر النعم فإمّا كفر الجحود فأحدّ الوجهين منه جحود الوحدانية وهو قول من يقول لا رب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا نشور ، وهؤلاء صنف من الزنادقة ، وصنف من الدهرية الذين يقولون ما يهلكنا إلّا الدهر ، وذلك رأي وضعوه لأنفسهم استحسنوه بغير حجة فقال الله تعالى «إِنْ هُمْ إلّا يَظُنُّونَ » وقال : «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » إلى قوله «لا يُؤْمِنُونَ » أي لا يؤمنون بتوحيد الله.

والوجه الآخر من الجحود هو الجحود مع المعرفة بحقيّته قال تعالى «وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلـمّا وَعُلُوًّا »(٤) .

وقال سبّحانه : «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ » إلى قوله «عَلَى الْكافِرِينَ » أي جحدوه

______________________

(١) سورة النمل : ٤٠. (٢) سورة إبراهيم : ٧.

(٣) سورة البقرة : ١٥٢. (٤) سورة النمل : ١٤.

١٣٣

والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عزَّ وجلَّ به وهو قول الله عزّ وجلّ :

_________________________________________________

بعد أن عرفوه.

أقول : إنّما أوردنا الروايتين لتأييد كلّ منهما لبعض الوجوه السّابقة « يحكي قول سليمان » لـمّا عرف سليمانعليه‌السلام نعمة الله عليه ، وعلم أنّها للابتلاء قال هذا من فضل ربي ، أي الاقتدار من إحضار العرش في مدة يسيرة من مسافة بعيدة وهي ما بين سبّاً والشام بلا حركات جسمانية من فضل نعم ربي «لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ » بالإقرار بأن ذلك الفضل له ومنه لا لي ومني ، والإتيان بالثناء الجزيل والذكر الجميل «أَمْ أَكْفُرُ » بترك ذلك الإقرار وعدم ذلك الإتيان.

«وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ » لأنّه يديم العتيد ويجلب المزيد ، ويستحقّ به الثواب ، ومن كفر بما مرّ فلا يضر الله شيئاً فإن ربي غني عن عبادة العابدين وشكر الشاكرين ، كريم بالإفضّال والإحسّان وترك مؤاخذة العبد بالإساءة والكفران لعلّه يتوب ويصلح حاله في مستقبل الأزمان ، ومن هاهنا ظهر أن ترك الشكر على النعمة كفر.

وقال : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » قيل : الشكر هو الاعتراف بالنعمة ظاهرة كانت أو باطنة ، جلية كانت أم خفية والإقرار بها للمنعم ، والإتيان بالأعمال الصالحة المطلوبة له والامتثال لأوامره والاجتناب عن معاصيه ، وكفر النعم ضد ذلك ، وهو سبّب لزوال النعمة وعدم الزيادة وتحقق العقوبة في الدّنيا والآخرة ، ولذلك قال الله عزّ وجلّ مؤكداً بوجوه شتّى : «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ».

وقال : «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ » قيل : أي فاذكروني ظاهراً باللسان وباطنا بالجنان لاسيّما عند الأوأمر والنواهي ، أذكركم في ملإ المقربين بالخير والصلاح أو بالجزاء الجميل ، أو في القيامة إذا بلغت القلوب الحناجر من شدائدها ، أو في حال الموت أو في البرزخ أو في جميع الأحوال ، كما دلت عليه صيغة الاستقبال.

١٣٤

«وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثمّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثمّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ

_________________________________________________

«وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ » قيل : أخذ العهد منهم بأن لا يقتلوا أنفسهم كما يفعله من يصعب عليه الزمان للتخلص من الصّعوبة ، وكما يفعله أهل الهند للتخلص من عالم الفساد واللّحوق بعالم النور ، وقيل : بأن لا يفعلوا ما يوجب قتلهم وإخراجهم من ديارهم ، وقيل : بأن لا يقتل بعضهم بعضا ولا يخرج بعضهم بعضا من وطنه ، وإنما جعل قتل الرّجل وإخراجه غيره قتل نفسه وإخراجها لاتصاله به نسبّاً أو ديناً ، أو لأنه يقتص منه فكأنّه قتل نفسه وقيل : بأن لا يفعلوا ما يصرفهم في الحياة الأبدية الّتي هي الحياة الحقيقية وما يمنعهم من الجنّة الّتي هي دار القرار ، فإنه الجلاء الحقيقي.

«ثمّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ » أي ثمّ أقررتم بالميثاق واعترفتم على أنفسكم بلزومه «وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ » عليها ، وهذا تأكيد كقولك أقرّ فلان على نفسه بكذا شاهداً عليها أو اعترفتم على قبوله وشهد بعضكم على بعض بذلك ، أو أنتم تشهدون يا معشر اليهود على إقرار أسلافكم بهذا الميثاق فيكون إسناد الإقرار إلى المخاطبين مجازياً.

«ثمّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ » قيل : ثمّ استبعاد لـمّا أسند إليهم من القتل والأجلاء والعدوان بعد الميثاق منهم وإقرارهم وشهادتهم ، وأنتم مبتدأ وهؤلاء خبره والمعنى أنتم بعد ذلك هؤلاء الناقضون الشاهدون يعني أنتم قوم آخرون غير هؤلاء الشاهدين ، كقولك رجعت بغير الوجه الذي خرجت ، أي ما أنت الذي كنت من قبل نزل تغير الصفة منزلة تغير الذات ، وتقتلون حينئذ بيان لهذه الجملة.

وقيل : أنتم مبتدأ وتقتلون خبره ، وهؤلاء إمّا منصوب بتقدير أعني أو منادي بحذف حرف النداء عند من جوز حذف حرف النداء في المبهمات كسيبويه وأتباعه وقيل : أنتم مبتدأ وهؤلاء بمعنى الذين وتقتلون صلته ، أي ثمّ أنتم الذين تقتلون ،

١٣٥

دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثمّ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ

_________________________________________________

وهذا عند الكوفيين ، وإمّا البصريّون فلا يجوّزون أن يكون هؤلاء وأولاء وهذا بمعنى الموصول.

وقيل : أنتم مبتدأ وهؤلاء خبره بحذف المضاف ، أي مثل هؤلاء «تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثمّ وَالْعُدْوانِ » قيل : هو حال عن فاعل تخرجون أو عن مفعوله أو كليهما ، والتظاهر التعاون من الظهر أي تتعاونون عليهم ، وقيل : ولـمّا كان الإخراج من الديار وقتل البعض بعضا ممّا تعظم به الفتنة ، واحتيج فيه إلى زيادة اقتدار عليه ، بين الله تعالى أنهم فعلوه على وجه الاستعانة بمن يظاهرهم على الظلم والعدوان ، وفيه دلالة على أن الظلم كما هو محرم فكذا إعانة الظالم على ظلمه محرمة ، ولا يشكلّ هذا بتمكين الله تعالى الظالم من الظلم فإنّه كما مكنه فقد زجره بخلاف معيّن الظالم ، فإنّه يدعوه إلى الظلم ويحسنه عنده.

«وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ » قال المفسّرون : قريظة وهم قبيلة من يهود خيبر كانوا حلفاء الأوس والنضير ، وهم قبيلة أخرى كانوا حلفاء الخزرج ، فإذا اقتتلا عاون كلّ فريق حلفاءه في القتل وتخريب الديار وإخراج أهلها ، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتّى يفدوه فعيرتهم العرب وقالت : كيف تقاتلونهم ثمّ تفدونهم ، فيقولون أمرنا أن نفديهم وحرم علينا قتالهم ، ولكنا نستحيي أن نذل حلفاءنا فذمهم الله على ذلك إذ أتوا ببعض الواجب وتركوا البعض ، وقيل : معناه إن يأتوكم أسارى في أيدي الشياطين تتصدون لإنقاذهم بالإرشاد والوعظ مع تضييعكم أنفسكم ، كقوله : «أَتَأْمُرُونَ الناس بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ »(١) .

وأسارى جمع أسرى كسكارى وسكرى ، وأسرى جمع أسير كمرضي ومريض ، وقيل : أسارى أيضاً جمع أسير ، وقيل : هو من الجموع الّتي تركوا مفردها كأنه جمع أسران كعجالي وعجلان.

______________________

(١) سورة البقرة : ٤٤.

١٣٦

عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ »(١) فكفرهم بترك ما أمر الله عزّ وجلّ به ونسبّهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ولم

_________________________________________________

«وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ » متعلّق بقوله : وتخرجون فريقا منكم من ديارهم ، وما بينهما اعتراض ، والضمير للشأن أو مبهم ، ويفسرّه إخراجهم أو راجع إلى ما دل عليه يخرجون من المصدر ، وإخراجهم تأكيد أو بيان له «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ » يعني الفداء «وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ » يعني حرمة المقاتلة والأجلاء.

وأقول : ويظهر من الخبر أنّ المراد بالكفر هنا ترك ما أمر الله تعالى به من الكف عن قتلهم وإخراجهم ، وكان التعبير عنه بترك ما أمر الله به دون فعل ما نهى الله عنه ليشمل ترك الطاعات أيضاً وهو أهم وأعظم ، أو لأنّ المقصود في النهي عن المعاصي حصول أضدادها ، فإن النهي عن شرب الخمرّ الغرض منه حفظ العقل والغرض من النهي عن الزنا حفظ الأنساب ، وعن القتل حفظ النفوس ، وهكذا ويظهر ممّا سيأتي في تأويل الآية بروايات أهل البيتعليهم‌السلام أنها نزلت في ترك القول بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، وما تفرع على ذلك من قتلهم وإخراجهم عن الإمامة وإخراج أصحابهم كأبي ذررضي‌الله‌عنه عن ديارهم نكتة أخرى أظهر ممّا ذكرنا كما لا يخفى على المتأمل.

« ونسبّهم إلى الإيمان » أي الإيمان الظاهري حيث ورد في تفسير النعماني في سياق هذا الخبر ، فكانوا كفاراً لتركهم ما أمر الله به فنسبّهم إلى الإيمان بإقرارهم بألسنتهم على الظاهر دون الباطن ، فلم ينفعهم ذلك لقوله «فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ » الآية.

قال الطبرسي (ره) : وممّا يسأل في هذه الآية أنّ ظاهرها يقتضي صحة اجتماع الإيمان والكفر ، وذلك مناف للصحيح من المذهب؟ والقول فيه : أنّ المعنى أنّهم أظهروا التصديق ببعض الكتاب والإنكار للبعض ، ويحتمل أن يكون المراد بذلك

______________________

(١) سورة البقرة : ٨٤.

١٣٧

ينفعهم عنده فقال «فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدّنيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أشدّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عمّا تَعْمَلُونَ »(١) .

_________________________________________________

أنّكم إذا اعتقدتم جميع ذلك ثمّ عملتم ببعضه دون بعض فكأنكم آمنتم ببعضه دون بعض ، وهذا يدلّ على أنه لا ينفعهم الإيمان بالبعض مع الكفر بالبعض الآخر ، انتهى.

«فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ » أي الكفر أو الجمع بين الأمرين «إلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدّنيا » كقتل بني قريظة وسبّي نسائهم وذراريهم ، وأجلاء بني النضير لنقض عهدهم وضرب الجزية على غيرهم ، والخزي ذل يستحيي منه ، يقال : أخزاه الله أي إهانة وأوقعه موقعا يستحيي منه ، وتنكير خزي يدلّ على فظاعة شأنه وأنه بلغ مبلغاً لا يعرف كنهه.

«إِلى أشدّ الْعَذابِ » قيل : عذاب منكري الصانع كالدهرية يجب أن يكون أشدّ فكيف وصف عذاب اليهود بأنه أشد؟ وأجيب أولا بأن كفر العناد أشدّ فعذابهم أشدّ ، وثانيا بأن المراد أن عذابهم أشدّ من الخزي لا مطلقاً «وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عمّا يَعْمَلُونَ » قيل : هذا وعيد شديد للعاصين ، وبشارة عظيمة للمطيعيّن ، لأنّ القدرة الكاملة مع عدم الغفلة يقتضي وصول الحقوق إلى مستحقيها.

وأقول : قال الإمامعليه‌السلام في تفسيره : قوله عزّ وجلّ : «إِخْراجُهُمْ » ولم يقتصر على أن يقول وهو محرم عليكم لأنه لو قال ذلك لرأي أن المحرّم إنما هو مفاداتّهم ثمّ قال عزوجلّ : «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ » وهو الذي أوجب عليكم المفاداة «وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ » وهو الذي حرم قتلهم وإخراجهم ، فقال فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والإخراج من الديار كما فرض فداء الأسراء فما بالكم تطيعون في بعض وتعصون في بعض؟ كأنكم ببعض كافرون وببعض مؤمنون ، ثمّ قال عزوجلّ : «فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ » يا معشر اليهود «إلّا خِزْيٌ » ذل «فِي

______________________

(١) سورة البقرة : ٨٥.

١٣٨

والوجه الخامس من الكفر كفر البراءة وذلك قوله عزّ وجلّ يحكي قول إبراهيمعليه‌السلام «كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حتّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ »(١) يعني تبرّأنا منكم وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الإنس

_________________________________________________

الْحَياةِ الدّنيا » « جزية تضرب عليه يذلّ بها » «وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أشدّ الْعَذابِ » إلى جنس أشدّ العذاب ، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم «وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عمّا يَعْمَلُونَ » أي يعمل هؤلاء اليهود.

ثمّ قالعليه‌السلام : فقال رسول الله : لـمّا نزلت هذه الآية في اليهود ، هؤلاء اليهود نقضوا عهد الله وكذبوا رسول الله ، وقتلوا أولياء الله أفلا أنبؤكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : قوم من أمّتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي يقتلون أفاضل ذريتي وأطايب أمتي ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى ، إلّا وإن الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهدياً من ولد الحسينعليه‌السلام المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم ، إلى آخر الخبر.

وقال عليُّ بن إبراهيم : أنها نزلت في أبي ذررضي‌الله‌عنه وفيما فعل به عثمان من إخراجه إلى الربذة وغير ذلك ممّا أجرى من الظلم عليه ، واعترف بأنه لو وجده أسيرا في أيدي المشركين فداه بجميع ماله ، فصار مصداق هذه الآية ، والقصّة طويلة وسيأتي في المحلّ المناسبّ لها إن شاء الله.

« يعني تبرأنا منكم » وقد يفرق بين العداوة والبغض بأن العداوة يظهر أثرها بخلاف البغض ، أو بأن البغض أشدّ من العداوة ، وفي المصباح البغضة بالكسر والبغضاء شدة البغض «مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً » قد دلت الأخبار الكثيرة على أن أئمة الكفر والضلالة داخلة فيهم ، والآيات المذكورة صريحة في أن الكفر يطلق على البراءة ، وأن كفر البراءة كما يكون بين المؤمن والكافر كذلك يكون بين الكافرين

______________________

(١) سورة الممتحنة : ٤.

١٣٩

يوم القيامة : «إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ »(١) وقال «إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدّنيا ثمّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً »(٢) يعني يتبرّأ بعضكم من بعض.

_________________________________________________

وقيل : لعلّهعليه‌السلام إنّما لم يذكر كفر النفاق في هذا الحديث لأنّه جعل النفاق قسيماً للكفر لا قسماً منه لأنّ فيه إذعاناً ، ويؤيّده قوله سبّحانه : «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ » حيث عطف أحدهما على الآخر.

تأييد

قال الراغب في مفرداته : الكفر في اللغة ستر الشيء ، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص ، والزارع لستره البذر في الأرض ، وليس ذلك باسم لهما ، والكافور اسم أكمام الثمرة الّتي تكفرها ، وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها قال عزّ وجلّ : «فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ »(٣) وأعظم الكفر جحود الوحدانيّة أو النبوّة أو الشريّعة ، والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالا ، والكفر في الدين أكثر ، والكفور فيهما جميعاً ، قال تعالى : «فَأَبى أَكْثَرُ الناس إلّا كُفُوراً »(٤) «فَأَبَى الظَّالِمُونَ إلّا كُفُوراً »(٥) ويقال منهما كفر فهو كافر ، قال في الكفران : «لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ »(٦) وقال تعالى : «وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ »(٧) وقوله : «وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الّتي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ »(٨) أي تحرّيت كفران نعمتي ، وقال : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ »(٩) .

ولـمّاكان الكفران يقتضي جحود النّعمة صار يستعمل في الجحود ، قال تعالى

______________________

(١) سورة إبراهيم : ٢٢. (٢) سورة العنكبوت : ٢٥.

(٣) سورة الأنبياء : ٩٤. (٤) سورة الفرقان : ٥٠.

(٥) سورة الإسراء : ٩٩. (٦) سورة النمل : ٤٠.

(٧) سورة البقرة : ١٥٢. (٨) سورة الشعراء : ١٩.

(٩) سورة إبراهيم : ٧.

١٤٠