مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30776
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30776 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن بكير ، عن ضريس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ » قال شرك طاعة وليس شرك عبادة وعن قوله عزّ وجلّ : «وَمِنَ

____________________________________________________________________

علم فيضعونها غير مواضعها ، وإمّا هذا الخبر فلعلّ المراد به أنه يطيع الشيطان ويتوهّم أنه يطيع الله كاتباع البدع والاستبداد بالآراء في الأمور الشرعيّة وسوء الفهم لها ونحو ذلك إذا لم يتعمد المعصية فإن ذلك كله إطاعة للشيطان من حيث لا يعلم وهو شرك طاعة ليس بشرك عبادة لأنّه تعالى نسبّهم إلى الإيمان ، ولذا قيدناه بعدم التعمد فإنّه مع التعمد كفر وخروج عن الإيمان وشرك عبادة ، وقد يقال « من حيث لا يعلم » متعلّق بقوله فيشرك وهو بعيد لفظاً وإن كان قريباً معنى.

الحديث الرابع : مجهول.

« شرك طاعة » أي المراد بالشرك شرك طاعة لغير الله لا شرك عبادة له فمن أطاع غير الله سواء كان شيطانا أو نفسا أمارة بالسّوء أو إنسانا ضإلّا مضلا فقد أشرك بالله غيره وإن لم يسجدّ له.

«وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » قال الطّبرسي : أي على ضعف من العبادة كضعف القائم على حرف أي على طرف جبل ونحوه عن عليُّ بن عيسى ، قال : وذلك من اضطرابه في طريق العلم إذا لم يتمكن من الدلائل المؤدية إلى الحقّ فينقاد لأدنى شبهة لا يمكنه حلها ، وقيل : على حرف : على شك عن مجاهد ، وقيل : معناه أن يعبد الله بلسانه دون قلبه عن الحسن ، قال : الدين حرفان أحدهما اللسان والثاني القلب ، فمن اعترف بلسانه ولم يساعده قلبه فهو على حرف ، وقال البيضاوي : أي على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون على طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلّا فر ، روي أنّها نزلت في أعاريب قدموا إلى المدينة فكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً(١) سوياً وولدت امرأته غلاماً سويّاً وكثر ماله وماشيته قال :

______________________

(١) المهر : ولد الفرس.

١٨١

الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ »(١) قال إن الآية تنزل في الرّجل ثمّ تكون في أتباعه ثمّ قلت كلّ من نصب دونكم شيئاً فهو ممّن «يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » فقال نعم وقد يكون محضا.

٥ - يونس ، عن داود بن فرقد ، عن حسّان الجمّال ، عن عميرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول أمر الناس بمعرفتنا والرد إلينا والتسليم لنا ثمّ قال وإن صاموا وصلّوا وشهدوا أن لا إله إلّا الله وجعلوا في أنفسهم أن لا يردوا إلينا كانوا بذلك مشركين.

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن

____________________________________________________________________

ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلّا خيراً واطمأن ، وإن كان الأمر بخلافه قال : ما أصبت إلّا شرّاً وانقلب ، انتهى.

« ثمّ يكون في أتباعه » أي نزلت الآية في قوم شكوا في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به من الولاية وغيرها ثمّ جرت فيمن تبعهم على ذلك بعدهم كالمستضعفين من المخالفين والجهال الذين يتبعونهم بغير علم ، أو نزلت في الذين شكوا في النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ جرت في الذين شكوا في الإمام « و » قد يكون محضاً أي مشركاً محضاً كعلماء المخالفين والمتعصبين منهم حيث تركوا الحقّ ، مع وضوح البرهان عناداً.

والحاصل أنه سأل السائل عن المخالفين أهم من أهل هذه الآية؟ فقالعليه‌السلام : بعضهم من أهل هذه الآية ، وبعضهم مشرك محض ، ويحتمل أن يكون تتمّة كلامه سابقا أي وقد يكون في الرّجل محضاً ولا يكون في أتباعه ، وفي بعض النسخ وقد يكون مختصاً فهو صريح في المعنى الأخير.

الحديث الخامس : مجهول.

ويدلّ على أن المخالفين مشركون.

الحديث السادس : حسن ، ويدلّ على أنّ عدم الرّضا بما صنعه الله وترك

______________________

(١) سورة الحج : ١١.

١٨٢

يحيى الكاهلي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصّلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثمّ قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ثمّ تلا هذه الآية : «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثمّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً ممّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً »(١) ثمّ قال أبو عبد اللهعليه‌السلام فعليكم بالتسليم.

٧ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن عبد الله بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ »(٢) فقال إمّا والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ولو دعوهم إلى عبادة

____________________________________________________________________

التسليم لـما ورد عنهمعليهم‌السلام شرك ، وقد مضى في باب التسليم أن الخطاب في هذه الآية إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام « وإلّا » بالفتح والتشديد حرف تحضيض ، قال النحاة : دخوله على المستقبل حث على الفعل وطلب له ، وعلى الماضي توبيخ على ترك الفعل نحو : إلّا تنزل عندنا ، وإلّا نزلت.

الحديث السابع : حسن.

«اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ » في المجمع أي علماءهم «وَرُهْبانَهُمْ » أي عبادهم «أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » روي عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليهما‌السلام أنّهما قالاً : إمّا والله ما صاموا لهم ولا صلوا ، ولكنهم أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً ، فاتبعوهم فعبدوهم من حيث لا يشعرون ، وروى الثعلبي بإسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال : يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك ، قال : فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية «اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ » حتّى فرغ منها ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم فقال : أليس يحرّمون ما أحل الله فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم الله فتستحلونه؟ قال : فقلت :

______________________

(١) سورة النساء : ٦٤. (٢) سورة التوبة : ٣٢.

١٨٣

أنفسهم لـمّا أجابوهم ولكنّ أحلوا لهم حراماً وحرموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون.

٨ - عليُّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أطاع رجلاً في معصية فقد عبده.

____________________________________________________________________

بلى ، قال : فتلك عبادتهم.

وقال البيضاوي : بأن أطاعوهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمة ، أو بالسجود لهم «وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ » بأنّ جعلوه ابنا الله «وَما أُمِرُوا إلّا لِيَعْبُدُوا » أي ليطيعوا «إِلهاً واحِداً » وهو الله تعالى ، وإمّا طاعة الرسول وسائر من أمر الله بطاعته فهي في الحقيقة طاعة الله.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

« في معصية » متعلّق بأطاع ، وقيل : إمّا وصف لرجل أو حال عنه ، أو متعلّق بأطاع فعلى الأولين يفيد أن العاصي معبود لمن أطاعه مطلقاً ، وعلى الأخيران العاصي معبود لمن أطاعه في المعصية ، وسر ذلك أن العبادة ليست إلّا الخضوع والتذلل ، والطّاعة والانقياد ، ولذلك جعل الله سبّحانه اتباع الهوى وطاعة الشيطان عبادة لهما ، فقال : «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ »(١) وقال : «أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ »(٢) وإذا كان اتباع الغير بغير أمر الله عبادة له فأكثر الخلق مقيمون على عبادة غير الله تعالى. وهو النفس والشيطان ، وأهل المعصية والكفران ، وهذا هو الشرك الخفي نعوذ بالله منه.

______________________

(١) سورة الجاثية : ٢٣. (٢) سورة يس : ٦٠.

١٨٤

( باب الشك )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن الحكم قال كتبت إلى العبد الصالحعليه‌السلام أخبره أني شاكٌّ وقد قال إبراهيمعليه‌السلام : «رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى »(١) وأني أحبّ أن تريني شيئاً فكتبعليه‌السلام إن إبراهيم كان مؤمناً وأحبّ أن يزداد إيماناً وأنت شاكٌ والشاكٌ لا خير فيه ، وكتب إنّما الشكُّ

____________________________________________________________________

باب الشك

الحديث الأول : مجهول.

« وقد قال إبراهيم » كأنّ غرض السّائل إبداء العذر لشكّه بأنّ إبراهيمعليه‌السلام مع رتبة النبوة كان شاكّاً في الموتى فسأل ربّه ما يزيل شكه وما سأله إمّا معجزة ليزول شكه ، أو دليل على الإمامة ، وعلى الأوّل إمّا أظهر له معجزة ولم يذكره الراوي أو لم يرعليه‌السلام المصلحة في ذلك ، أو علم أنه تمت عليه الحجة وظهر له الحقّ وإنما يظهر الشك للوسواس أو للعناد ، وعلى الثاني أيضاً يحتمل الوجوه الثلاثة والأخير أظهر.

وإمّا العذر الذي أبداه فقد أبطلهعليه‌السلام بأن إبراهيمعليه‌السلام لم يكن شاكا ولم يسأل ذلك ليزيل الشك عن نفسه ، لأنه كان مؤمناً بالربّ تعالى وصفاته الكمالية وقدرته على إحياء الموتى ، وبالبعث والنشور ، ولم يشك قط بل سأله ليزداد يقيناً بأن يرى بالعيان ما علمه بالدليل والوحي والبرهان ، والحاصل أنّه كان له علم اليقين فطلب عيّن اليقين « وأنت شاك » كما اعترفت به « والشاك لا خير فيه » لأنّ الخير كله في الإيمان ، وهو لا يحصل إلّا باليقين.

« وكتبعليه‌السلام إنّما الشك ما لم يأت اليقين » وهذا يحتمل وجهين : الأوّل أن يكون تأكيداً لقولهعليه‌السلام : إن إبراهيم كان مؤمناً ، وحاصله أنّه كان له يقين بقدرته

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٦.

١٨٥

مالم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشكُّ ، وكتب أنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول : «وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ »(١) قال نزلت في الشّاك.

____________________________________________________________________

تعالى على إحياء الموتى والشكّ لا يجامع اليقين ، فعدم الجواز بمعنى الامتناع ، الثاني : أن يكون المراد باليقين ما يوجب اليقين ، فالشكّ بعد ذلك يكون تكلفاً للشك وحملاً للنفس عليه عناداً ، فالمراد بعدم الجواز عدم كونه معذوراً في ذلك الشك ، وهذا يؤيد الوجه الأخير من الوجوه الثلاثة المتقدمة ، وقيل : في الآية وجوه أخر ، منها : أنّه إنّما سأله ليعلم قدره ومنزلته عند الله تعالى ، لأنّ الإسعاف بالمطلب الجليل يدلّ على رفعة شأن السائل ، وحينئذ فمعنى «أَوَلَمْ تُؤْمِنْ » أو لم تؤمن بمنزلتك عندي. ومنها : ما رواه الصدوق في العيون عن الرضاعليه‌السلام أن الله كان أوحى إلى إبراهيمعليه‌السلام إني متخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيمعليه‌السلام أنّه ذلك الخليل ، فقال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أو لم تؤمن قال : بلى ولكنّ ليطمئن قلبي على الخلة.

ومنها : أنّه أراد أن يكون له ذلك معجزة كما كانت للرسل.

ومنها : أنّه كان له علم اليقين بالإحياء وإنّما سأل ليعلم كيفية الإحياء كما يشعر به قوله : كيف؟.

ومنها : أنّه إنّما سأله أن يقدره على إحياء الموتى وتأدب في السّؤال فقال : أرني كيف تحيي الموتى.

وقال بعض أهل الإشارة : رأى من نفسه الشك وما شك ، وإنّما سأل ليجاب فيزداد قربا.

«وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ » هذه الآية بعد ذكر قصص الأنبياءعليهم‌السلام وهلاك أممهم بمخالفتهم ، قال في المجمع : أي ما وجدنا لأكثر المهلكين من عهد ، أي من وفاء بعهد كما يقال فلان لا عهد له ، أي لا وفاء له بالعهد ، ويجوز أن يكون

______________________

(١) سورة الأعراف : ١٠١.

١٨٦

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسبّاط ، عن أبي إسحاق الخراساني قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول في خطبته لا ترتابوا فتشكّوا ولا تشكّوا فتكفروا.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد ، عن أبي أيّوب الخزاز ، عن محمّد بن مسلم قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام

____________________________________________________________________

المراد بهذا العهد ما أودع الله العقول من وجوب شكر المنعم وطاعة المالك المحسن واجتناب القبائح ، ويجوز أن يراد به ما أخذ على المكلفين على السنّة الأنبياء أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً «وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ » اللام وإن للتأكيد ، والمعنى وإنا وجدنا أكثرهم ناقضين للعهد ، مخلفين للوعد ، انتهى.

ولعلّ تأويلهعليه‌السلام يرجع إلى أن الله تعالى أخذ عليهم العهد بما أعطاهم من العقل أن يستعملوا العقل فيما أتاهم ممّا يوجب اليقين فتركوا ذلك وشكوا بعد مشاهدة المعجزات الباهرة والحجج الظاهرة الواضحة ، فصاروا فاسقين خارجين عن الإيمان ، وقيل : أشارعليه‌السلام بذلك إلى أن الأكثر تقضوا عهد الله وعهد رسوله في الولاية وشكوا فيها وأن الآية نزلت في شكهم وأن كلّ شاك فاسق.

الحديث الثاني : ضعيف.

وكأنّه مرسل لأنّ أبا إسحاق من أصحاب الرضاعليه‌السلام أو الصادقعليه‌السلام ويحتمل أن يكون مضمراً بأن يكون ضمير قال راجعاً إلى أحدّ الإمامينعليهما‌السلام ، والارتياب الشك وبالتهمة ، ولعلّ المراد هنا الخوض في الشبهات الّتي توجب الشك أو عدم الرضا بقضاء الله واتهامه في قضائه أو التردد الذي هو مبدء الريب والشك ، أو المعنى لا ترخصوا لأنفسكم في الريب في بعض الأمور ، ولا تعتادوها ، فإنّه ينتهي إلى الشك في الدين.

الحديث الثالث : صحيح.

ويدلّ على أن الشك في الله وفي الرسول كفر ، و قولهعليه‌السلام لزرارة « إنمّا

١٨٧

جالساً عن يساره وزرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير فقال يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شك في الله فقال كافر يا أبا محمّد قال فشك في رسول الله فقال كافر قال ثمّ التفت إلى زرارة فقال إنما يكفر إذا جحد.

٤ - عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى بن عمران الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ »(١) قال بشكّ.

____________________________________________________________________

يكفر إذا جحدّ » يحتمل وجوها :

الأوّل : أن غرضهعليه‌السلام الرد على زرارة فيما كان بينه وبينهعليه‌السلام من الواسطة بين الإيمان والكفر ، لئلا يتوهّم زرارة من حكمهعليه‌السلام بكفر الشاك في الله والرسول كفر الشاك في الإمام أيضاً ، بل ما لم يجحدّ الإمام لا يكفر ، ويؤيده الخبر الأوّل من الباب الآتي.

الثاني : أن يكون المراد أن الشك في أصول الدين مطلقاً إنما يصير سبّبا للكفر بعد البيان وإقامة الدليل ، ومن لم تتم عليه الحجة ليس كذلك فالمستضعف الذي لا يمكنه التمييز بين الحقّ والباطل ولم تتم عليه الحجة ليس بكافر كما زعمه زرارة ، وقيل : إنّما ذلك في الشك في الرسول وإمّا الشاك في الله فهو كافر ، لأنّ الدلائل الدالة على وجوده أوضح من أن يشك فيها ولا ينكره إلّا معاند مباهت.

الثالث : ما قيل : المراد بالشاك المقر تارة والجاحدّ أخرى ، وأنه كلـمّا أقرّ فهو مؤمن ، وكلـمّا جحدّ فهو كافر.

الرابع : أن المعنى أن الشك إنّما يصير سبّباً للكفر إذا كان مقروناً لجحود الظاهري وإلّا فهو منافق يجري عليه أحكام الإسلام ظاهراً.

الحديث الرابع : صحيح.

«الَّذِينَ آمَنُوا » في المجمع معناه الذين عرفوا الله تعالى وصدّقوا به وبما أوجبه

______________________

(١) سورة الأنعام : ٨٢.

١٨٨

____________________________________________________________________

عليهم ولم يخلطوا ذلك بظلم ، والظلم هو الشرك عن أكثر المفسّرين لقوله تعالى : «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ »(١) وروي عن ابن مسعود لـمّا نزلت هذه الآية شق على الناس وقالوا : يا رسول الله وأينّا لم يظلم نفسه؟ فقالعليه‌السلام : إنه ليس الذي تعنون ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح : «يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ » وقال الجبائي : والبلخي يدخل في الظلم كلّ كبيرة تحبط ثواب الطّاعة ، وتتمّة الآية : «أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ».

وأقول : روى العيّاشي عن الصّادقعليه‌السلام في هذه الآية قال : الظلم الضلال فما فوقه ، وفي رواية قال : أولئك الخوارج وأصحابهم وفي رواية أخرى قال : آمنوا بما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان ، وأقول : لا تنافي بين هذه الأخبار والأقوال ، لأنّ الظلم وضع الشيء في غير محلّه ، فالعاصي ظالم لأنه وضع المعصية موضع الطّاعة وأيضاً ظلم نفسه بارتكابها ، والمشرك ظالم لأنه وضع الكفر موضع الإيمان ، والشاك ظالم لأنه وضع الشك موضع اليقين ، وأيضاً في جميع ذلك ظلم نفسه ونقص حظه.

قيل : كان السائل سأل عن العام هل هو باق بعمومه أو مختص ببعض أفراده؟ فأجابعليه‌السلام بأن المراد به ظلم الشك والكفر ، وقيل : فيه دلالة على أنّهم كانوا يقولون بالعموم وعلى جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، واعترض بأنّه لا دلالة فيه على شيء منهما إمّا الأوّل فلان السائل حمل الظلم على ظلم المخالفة ، وشق عليه ذلك لـمّا ترتب عليه من عدم الأمن وعدم الاهتداء فسأل عن ذلك فأجابعليه‌السلام بحمله على ظلم الشك ، وإمّا الثاني فلان الآية ليس فيها تكليف بعمل وإنما فيها تكليف باعتقاد صدق الخبر بأن للمؤمنين الأمن والاهتداء فأين الحاجة الّتي تأخر البيان إليها.

وأجيب عن الأوّل بأن ظلم المخالفة يتنوع إلى كبائر وصغائر لا تنحصر ، وإنّما

______________________

(١) سورة لقمان : ١٣.

١٨٩

٥ - الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن بكر بن محمّد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الشك والمعصية في النار ليسا منا ولا إلينا.

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من شك في الله بعد مولده على الفطرة لم يفئ إلى خير أبدا.

٧ - عنه ، عن أبيه رفعه إلى أبي جعفرعليه‌السلام قال لا ينفع مع الشك والجحود عمل.

____________________________________________________________________

شقّ. عليه حمله على ظلم المخالفة إذا عمّ جميع صورها فأخذ العموم لازم ، سواء جعل من تعميم الجنس في أنواعه ، أو من تعميم النوع في أفراده. وعن الثاني بأن الآية وإن كانت خبرا فهو في معنى النهي عن ليس الإيمان بالظلم ، فهي عملية من هذا الوجه على أن الفرق في تأخير البيان بين المسائل العلمية والعملية غير ظاهر ، والدليل في المسألة مشترك.

الحديث الخامس : صحيح.

الحديث السادس : مرسل.

« لم يفيء إلى خير » هو من الفيء بمعنى الرجوع إمّا بإثبات الهمزة أو بالقلب والحذف تخفيفا ، وظاهره عدم قبول توبة المرتد الفطري كما هو المشهور ، قال الشّهيد الثاني قدس الله روحه : لا تقبل توبته ظاهراً وفي قبولها باطنا قول قوي حذرا من تكليف ما لا يطاق لو كان مكلفا بالإسلام أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل وهو باطل بالإجماع ، وقال في المهذب : لو تاب المرتد عن فطرة لم تقبل بالنسبّة إلى إسقاط الحدّ وملك المال وبقاء النكاح وابتداء النكاح مطلقاً ، وتقبل بالنسبّة إلى الطهارة وصحة العبادات وإسقاط عقوبة الآخرة واستحقاق الثواب ، ولا ينافي ذلك وجوب قتله كما لو تاب المحصن بعد قيام البينة.

الحديث السابع : مرفوع.

« لا ينفع مع الشك والجحود عمل » يدلّ على أن قبول الأعمال مشروط باليقين

١٩٠

٨ - وفي وصيّة المفضّل قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول من شك أو ظنّ وأقام على أحدهما أحبط الله عمله إن حجة الله هي الحجة الواضحة.

٩ - عنه ، عن عليُّ بن أسبّاط ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت إنا لنرى الرّجل له عبادة واجتهاد وخشوع ولا يقول بالحقّ فهل ينفعه ذلك شيئاً فقال يا أبا محمّد إنما مثل أهل البيت مثل أهل

____________________________________________________________________

في جميع أصول الدّين الّتي منها الإمامة.

الحديث الثامن : مرسل أيضاً.

« أو ظنّ » أي في خلاف الحقّ أو في الحقّ فإنّه لا بدّ في الأصول من العلم واليقين « أحبط الله عمله » أي إذا طرأ أحدهما بعد اليقين بناء على إمكانه ، وسيأتي القول فيه إنشاء الله أو المراد بالإحباط الرد وعدم القبول.

« إنّ حجّة الله هي الحجّة الواضحة » أي حجّة الله في أصول الدين واضحة توجب اليقين فليس الشك والظنّ ممّا يعذر المرء فيه ، وإنما نشأ ذلك من تقصيره ، أو الأعمّ من الأصول والفروع ، فإن الظنّ المعتبر شرعاً في قوّة اليقين فإن ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم.

ثمّ اعلم أن هذه الأخبار ممّا يدلّ على اعتبار العلم اليقيني في الإيمان ، وأن الشاك في العقائد الإيمانية كافر ، بل الظان أيضاً فإن الشك يطلق في الأخبار على مطلق التردد وتجويز النقيض وإن كان أحدّ الطرفين راجحاً ، بل في اللّغة أيضاً كذلك ، وقد قال تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثمّ لَمْ يَرْتابُوا »(١) والآيات الناهية عن الظنّ كثيرة وغاية ما يمكن أن يقال فيها أن تخص بأصول الدين وقد مرّ بعض القول في ذلك في صدر هذا المجلد.

الحديث التاسع : موثق.

« فهل ينفعه ذلك شيئاً » قوله : شيئاً قائم مقام المفعول المطلق أي نفعاً قليلاً كذا قيل ، « إن مثل أهل البيت » كان فيه تقدير مضاف أي مثل أصحاب أهل

______________________

(١) سورة الحجرات :

١٩١

بيت كانوا في بني إسرائيل كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلّا دعا فأجيب وإن رجلاً منهم اجتهد أربعين ليلة ثمّ دعا فلم يستجب له فأتى عيسى ابن مريمعليه‌السلام يشكوا إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء قال فتطهر عيسى وصلى ثمّ دعا الله عزّ وجلّ فأوحى الله عزّ وجلّ إليه يا عيسى إن عبدي أتاني من غير الباب الذي أوتى منه إنّه دعاني وفي قلبه شك منك فلو دعاني حتّى ينقطع عنقه وتنتثر أنامله ما استجبت له قال فالتفت إليه عيسىعليه‌السلام فقال تدعو ربك وأنت في شك من نبيه فقال يا روّح الله وكلمته قد كان والله ما قلت فادع الله [ لي ] أن يذهب به عني قال فدعا له عيسىعليه‌السلام فتاب الله عليه وقبل منه وصار في حدّ أهل بيته.

____________________________________________________________________

البيت أو المراد بأهل البيت الموالون لهم واقعاً ، وقيل : مثل في الموضعين بكسر الميم وسكون المثلثة والأوّل خبر مبتدء محذوف ، أي هو مثل ، والثاني بدل الأوّل كما في قوله تعالى : «بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ »(١) والأوّل أظهر ، و الاجتهاد المبالغة والاهتمام في الطاعات والاجتناب عن المنهيات ، والإخلاص في الأعمال كما ورد : من أخلص لله أربعين صباحاً فتح الله ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، ويدلّ على أن لخصوص الأربعين في ذلك تأثيراً ، ويؤيده أن بعد الأربعين أنزل الله على موسى الكتاب المبين ، واستجاب دعاءه ، وفتح عليه أبواب علوم الدين ويدلّ على عدم قبول العمل مع الشك في النبي أو الإمامعليهما‌السلام ، وأنّ التوبة بعده مقبولة ، ويمكن حمله على أنّه من خصائص تلك الشريعة ، أو على أنه كان ملياً أو مستضعفاً ، أو على أن عدم قبول التوبة مع الجحد والإنكار.

______________________

(١) سورة العلق : ١٦.

١٩٢

( باب الضلال )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرَّحمن بن الحجّاج ، عن هاشم صاحب البريد قال كنت أنا ومحمّد بن مسلم وأبو الخطاب مجتمعيّن فقال لنا أبو الخطاب ما تقولون فيمن لم يعرف هذا الأمر فقلت من لم يعرف هذا الأمر فهو كافر فقال أبو الخطاب ليس بكافر حتّى تقوم عليه الحجة فإذا قامت عليه الحجّة فلم يعرف فهو كافر فقال له محمّد بن مسلم سبحان الله ما له إذالم يعرف ولم

____________________________________________________________________

باب الضلال

الحديث الأول : مجهول.

وقال في النهاية : البريد كلمة فارسية يراد بها في الأصل البغل ، وأصلها « بريدة دم » أي محذوف الذنب ، لأنّ بغال البريد كانت كالعلّامة لها ، فأعربت وخففت ثمّ سمي الرسول الذي يركبه بريدا ، والمسافة الّتي بين السكتين بريدا ، والسكة موضع كان يسكنه الفيوج المرتبون من بيت أو قبة أو رباط ، وكان يرتب في كلّ سكة بغال ، وبعد ما بين السكتين فرسخان وقيل : أربعة ، انتهى.

وكأنّه لقب بذلك لأنّه كان موكلاً بتلك البغال أو الرجال « فقال : لنا » وفي بعض النسخ له فالضمير لمحمّد « فقلت من لم يعرف » الفرق بين الأقوال الثلاثة أنّه ذهب صاحب البريد إلى أن غير العارف كافر سواء قامت عليه الحجة أم لم تقم ، وسواء جحد أم لم يجحد ، وعلى هذا فلا واسطة بين المؤمن والكافر ، وذهب أبو الخطاب إلى أنّه كافر إن قامت عليه الحجة جحد أم لم يجحدّ ، فبينهما واسطة وهي غير العارف قبل قيام الحجة ، وذهب محمّد بن مسلم إلى أنه كافر إذا جحدّ وإذا لم يجحدّ فليس بكافر ، وعلى هذا أيضاً بينهما واسطة وهي من لم يعرف ولم يجحد ويسمى مستضعفاً وضالاً وقيل : كان المراد بالضال في هذا الباب هذا المعنى وإن كان يطلق كثيراً على الأعمّ منه ، وهو

١٩٣

يجحد يكفر ؟! ليس بكافر إذا لم يجحد قال فلـمّا حججت دخلت على أبي عبد الله فأخبرته بذلك فقال إنّك قد حضرت وغابا ولكنّ موعدكم الليلة الجمرة الوسطى بمنى.

فلـمّا كانت اللّيلة اجتمعنا عنده وأبو الخطّاب ومحمّد بن مسلم فتنأوّل وسادة فوضعها في صدره ثمّ قال لنا ما تقولون في خدمكم ونسائكم وأهليكم أليس يشهدون أن لا إله إلّا الله قلت بلى قال أليس يشهدون أن محمداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت بلى قال أليس يصلون ويصومون ويحجون قلت بلى قال فيعرفون ما أنتم عليه قلت لا قال فما هم عندكم قلت من لم يعرف [ هذا الأمر ] فهو كافر.

قال سبحان الله إمّا رأيت أهل الطريق وأهل المياه قلت بلى قال أليس يصلون ويصومون ويحجون أليس يشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول الله قلت بلى قال فيعرفون ما أنتم عليه قلت لا قال فما هم عندكم قلت من لم يعرف [ هذا الأمر ] فهو كافر.

قال : سبحان الله إمّا رأيت الكعبة والطواف وأهل اليمن وتعلقهم بأستار

____________________________________________________________________

من لم يتمسّك بالحقّ من فرق المسلمين ، وكأنّ المراد بالكافر هنا من يجري عليه أحكام الكفر في الدّنيا مثل النجاسة وعدم جواز المباشرة والمناكحة وغيرها كما هو مذهب بعض الأصحاب وإلّا فلا خلاف في استحقاق العقوبة وخلود بعضهم في النار ، ولو قيل بخلافه وتحقق القول به فهو نادر سخيف كما ستعرفه.

« فإنك قد حضرت وغابا » لعلّ تأخيرهعليه‌السلام بيان الحكم لتبيين مرادهم أو ليعلموا أيضاً الحكم ، قيل : ويدلّ على أنه ينبغي للحاكم أن يترك الحكومة والتكلم فيها حتّى يحضر الخصوم جميعاً ومن ثمّ قال بعض الأكابر : إذا جاءك الحكم وقد فقئت عينه فلا تحكم له ، فلعلّه يأتيك خصمه وقد فقئت عيناه.

قوله : وأبو الخطاب عطف على ضمير اجتمعنا ، وعدم الإتيان بالمنفصّل للفاصلة

١٩٤

الكعبة ! قلت : بلى ، قال : أليس يشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويصلون ويصومون ويحجون قلت بلى قال فيعرفون ما أنتم عليه قلت لا قال فما تقولون فيهم قلت من لم يعرف فهو كافر.

قال سبحان الله هذا قول الخوارج ثمّ قال إن شئتم أخبرتكم فقلت أنا :

____________________________________________________________________

« وأهليكم » أي أولادكم « هذا قول الخوارج » فإنّهم يقولون كلّ من فعل كبيرة أو صغيرة وأصر عليها فهو كافر خارج عن الإسلام ، مستحقّ للقتل ، ولذا حكموا بكفر أمير المؤمنينعليه‌السلام للتحكيم مع أنهم جبروهعليه‌السلام على التحكيم ، وعلى الحكم الجائر الأحمق الحائر البائر الذي كان من أعداء أمير المؤمنينعليه‌السلام وأيضاً أنّهعليه‌السلام لم يرض بحكمهما مطلقاً بل بحكمهما إذا حكما بالكتاب والسنّة ، وهماً لعنة الله عليهما حكماً على خلاف الكتاب والسنّة ، وما فعلهعليه‌السلام لم يكن معصية ، وبسط القول في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

والحاصل أن للكفر معان شتّى ، ولكلّ منها أحكام يترتب عليها كالإيمان ، والخوارج لـمّا سمعوا إطلاق الكفر وسلب الإيمان على أصحاب الكبائر بل الصغائر أيضاً ولم يفرقوا بين معانيه وأحكامه أجروا جميع أحكام الكفر في الدّنيا والآخرة على الفسّاق وضيقوا الأمر على المسلمين وحكموا بأن أصحاب الكبائر بل الصغائر أيضاً كفار بالمعنى الذي يطلق على من لم يشهد الشهادتين ، وليس كذلك بل الكفر ببعض معانيه يجتمع مع الإسلام ببعض معانيه ، وليس كلّ من أطلق عليه الكفر في الأخبار يستحقّ القتل وتحرم مناكحته ومعاشرته ، وليس كلّ من سلب عنه الإيمان في الآيات والأخبار يجب خلوده في النار ، فالكفر يطلق على من أنكر شيئاً من ضروريات دين الإسلام ظاهراً وباطناً كالشهادتين أو المعاد ، فهو يجري عليه أحكام الكفار في الدّنيا ويخلد في النار في الآخرة إلّا أن أهل الكتاب اختلف الأصحاب في نجاستهم وعدم جواز مناكحتهم على التفصيل الذي سيأتي في محله إن شاء الله.

ويطلق على من أخل بشيء من العقائد الإيمانية وإن لم يكن ضرورياً لدين

١٩٥

لا فقال : إمّا إنّه شر عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منا قال فظننت أنه

____________________________________________________________________

الإسلام كالإمامة ، والمشهور أنهم في الآخرة بحكم الكفار وهم مخلدون في النار كالمخالفين وسائر فرق الشيعة سوى الإمامية ، وقد دلت عليه أخبار كثيرة أوردناها في كتابنا الكبير ، لكنّ قد عرفت أنه يظهر من كثير من الأخبار أنّه يمكن نجاة بعض المخالفين من النار كالمستضعفين والمرجون لأمر الله ، وقد ذكر العلّامة وغيره قولاً بعدم خلود المخالفين في النار ، وهو في غير المستضعفين وأشباههم في غاية الضعف لأنّ الإمامة عند الشيعة من أصول الدين ، وقد ورد متواتراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى.

وإمّا الأحكام الدنيويّة أيضاً كالطهارة والتناكح والتوارث فالمشهور أنهم في جميع ذلك بحكم المسلمين ، وذهب السيّد المرتضىرضي‌الله‌عنه وجماعة إلى أنّهم في الأمور الدنيويّة أيضاً بحكم الكفار ، والذي يظهر من بعض الأخبار أنّهم واقعاً في جميع الأحكام بحكم الكفار لكنّ الله تعالى لـمّا علم أن للمخالفين دولة وغلبة على الشيعة ولا بد لهم من معاشرتهم رخص لهم في جميع ذلك وأجرى على المخالفين في زمان الهدنة والتقيّة أحكام المسلمين وفي زمن القائمعليه‌السلام لا فرق بينهم وبين الكفار ، وبه يمكن الجمع بين الأخبار.

وقد يطلق على مرتكبي الكبائر من غير توبة وأثره احتمال العقاب الطويل لا الخلود ، ولا جريان حكم الكفار عليهم في الدّنيا ، بل يمكن سقوط بعض الحقوق الّتي تكون للمؤمنين ، وقد يطلق على مطلق مرتكبي المعاصي.

وبالجملة له معان كثيرة وأحكام متباينة كما يظهر بالتتبع قال الشّهيد الثاني (ره) في رسالة حقائق الإيمان : اعلم أن جمعاً من علماء الإمامية حكموا بكفر أهل الخلاف والأكثر عليُّ الحكم بإسلامهم ، فإن أرادوا بذلك كونهم كافرين في نفس الأمر لا في الظاهر ، فالظاهر أن النزاع لفظي إذ القائلون بإسلامهم يريدون ما ذكرناه من الحكم بصحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر ، لا أنّهم مسلمون في

١٩٦

يديرنا على قول محمّد بن مسلم.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قلت له فما تقول في مناكحة الناس فإني قد بلغت ما تراه وما تزوَّجت قطُّ ، فقال : وما يمنعك من ذلك فقلت ما يمنعني إلّا أنني أخشى أن لا تحل لي مناكحتهم فما تأمرني فقال فكيف تصنع وأنت شاب أتصبر قلت أتّخذ الجواري قال فهات الأنّ فبما تستحلُّ الجواري قلت إن الأمة ليست بمنزلة الحرة إن رابتني بشيء بعتها واعتزلتها قال فحدثني بما استحللتها؟

____________________________________________________________________

نفس الأمر ، فلذا نقلوا الإجماع على دخولهم في النار ، وإن أرادوا بذلك كونهم كافرين باطنا وظاهراً فهو ممنوع ، ولا دليل عليه بل الدليل قائم على إسلامهم ظاهراً كقولهعليه‌السلام : أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلّا الله.

الحديث الثاني : مرسل.

« أخشى أن لا تحل لي مناكحتهم » منشأ الخشية ما عرفت من إصرار زرارة عليُّ نفي الواسطة بين الإيمان والكفر ، وأن المخالفين كلهم ولو كانوا من فرق الشيعة غير الإمامية كفار عنده يجري عليهم جميع أحكام الكفار في الدّنيا والآخرة. « قال : فهات الان » هات اسم فعل بمعنى أعطني ، والحاصل أن وطي الكافرة حرام لا سيّما من غير أهل الكتاب ، كما أن نكاح الكافرة حرام فبما تفرق بينهما « إن رابتني بشيء بعتها » يقال : رابه وأرابه أي شككه وأوهمه ، ولعلّه توهّم الفرق بين الحرة والأمة ، بأن الحرة إذا لم توافقه وظهرت منه أمارات المخالفة وطلقها ذهبت بطلاقة ، وربّما شهرته بالتشيّع وفيه قباحة أيضاً عرفاً بخلاف الأمة ، فإنه يمكن بيعها ولا يقبل منها ما يقبل من الحرة وليس فيه عار.

وقولهعليه‌السلام : بما استحللتها ، إثبات الألف مع حرف الجر شاذ ، أي أنك قبل أن تدخلها في دينك وتكلمها في ذلك كيف جاز لك وطيها على زعمك ، وقيل : لـمّا لم يكن الجواب مطابقاً للسؤال عادعليه‌السلام السّؤال بعينه للتنبيه على خطائه ، قوله :

١٩٧

قال : فلم يكن عندي جواب.

فقلت له : فما ترى أتزوَّج ؟ فقال ما أبالي أن تفعل قلت أرأيت قولك ما أبالي أن تفعل فإن ذلك على جهتين تقول لست أبالي أن تأثمّ من غير أن آمرك فما تأمرني أفعل ذلك بأمرك فقال لي قد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تزوج وقد كان من أمر امرأة نوح وامرأة لوط ما قد كان إنهما قد «كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا

____________________________________________________________________

تقول لست أبالي ، لعلّه أحال الوجه الآخر على الظهور فأجابعليه‌السلام باختيار الوجه المتروك ضمناً وكناية وكأنه سقط الشق الآخر من النساخ ، ويؤيده أنّه ذكر هذا الحديث أبو عمرو الكشي في ترجمة زرارة بأدنى تغيير في اللفظ ، وقال فيه يعني زرارة فتأمرني أن أتزوج قال له ذاك إليك « قال : فقال زرارة » هذا الكلام ينصرف على ضربين إمّا أن لا تبالي أن أعصي الله إذا لم تأمرني بذلك ، والوجه الآخر أن يكون مطلقاً لي قال فقال عليك بالبلهاء إلى آخر الخبر.

« تزوج » أي بعائشة وحفصة مع أنهما فعلتا ما فعلتا من إيذائهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والخيانة معه وإفشاء سرّه وما ظهر له من نفاقهما كما ذكره الله تعالى في القرآن ، ومثل حالهما بحال امرأة نوح وامرأة لوط في أنهما بالنفاق واستبطان الكفر وعدم الإخلاص كفرتا وخرجتا من الإيمان فلم يغن نوح ولوط عنهما من عذاب الله شيئاً من الإغناء بحقّ الزواج حتّى يقال لهما عند الموت أو في القيامة : أدخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء.

وذكر امرأة نوح وامرأة لوط يحتمل وجهين : أحدهما الاستدلال بفعل النبيين على الجواز ، وفيه أن شريعة من قبلنا ليست بحجّة علينا ، والثاني الاستدلال على نفاق امرأتي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكفرهما بالتمثيل المذكور في الآية وهو أظهر ، فالمعنى أن الله مثل حالهما بحال المرأتين وخيانتهما بخيانتهما ، وخيانة امرأتي الرسولين لم تكن فجوراً بل إنما كانت نفاقها وإبطانهما الكفر وتظاهرهما على الرسولين ولذا خلدتا في النار ولم ينفعهما شفاعة الرسولين على الله تعالى ، وقد قال المفسرون

١٩٨

صالِحَيْنِ » فقلت إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس في ذلك بمنزلتي إنما هي تحت يده وهي مقرة بحكمه مقرة بدينه قال فقال لي ما ترى من الخيانة في قول الله عزّ وجلّ «فَخانَتاهُما »(١) ما يعني بذلك إلّا الفاحشة وقد زوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فلاناً قال قلت أصلحك الله ما تأمرني أنطلق فأتزوّج بأمرك فقال لي إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء قلت وما البلهاء قال ذوات الخدور العفائف.

فقلت من هي على دين سالم بن أبي حفصة قال لا فقلت من هي على

____________________________________________________________________

امرأة نوح قالت لقومه إنه مجنون ، وامرأة لوط دلت قومه على ضيفانه ، ولـمّا كانت المرأتان مع نفاقهما تحت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإظهارهما الإسلام فيجوز نكاح المخالفات لذلك ، وقولهعليه‌السلام : إنهما قد كانتا ، نقل للآية بالمعنى.

قولهعليه‌السلام : ما يعني بذلك إلّا الفاحشة ، يحتمل وجهين : الأوّل أن يكون استفهاماً إنكارياً فالمراد بالفاحشة الزنا كما هو الشائع في استعمالها ، والثاني أن يكون نفيا ويكون المراد بالفاحشة الذنب العظيم وهو الشرك والكفر ، كما قال المفسّرون في قوله تعالى : «وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها »(٢) وهو أظهر وفيه رد لقول زرارة وهي مقرة بحكمه ودينه إذ علاقة الزوجية لا تستلزم ذلك ، لظهور الفاحشة منهما.

« وقد زوّج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلاناً » أي عثمان ، هذا أيضاً رد لـمّا توهمه فإن الأمر هناك كان بالعكس ، إذا لمرأة تحت يد الزوّج ، وهو مسلط عليها ، وظاهره جواز تزويج المؤمنة بالمخالف كما ذهب إليه المفيد والمحقق والمشهور المنع لأخبار كثيرة حملاها على الكراهة جمعاً والإجماع الذي ادعوه على المنع غير ثابت ، والأحوط الترك وسيأتي القول فيه وفي عكسه في محلهما إن شاء الله.

ثمّ لـمّا استشعر زرارة من الكلام المذكور الرخصة في تزويجهن أراد أن

______________________

(١) سورة التحريم : ٩.

(٢) سورة الأعراف : ٢٨.

١٩٩

دين ربيعة الرَّأي ؟ فقال : لا ولكنّ العواتق اللواتي لا ينصبن كفراً ولا يعرفن ما تعرفون قلت وهل تعدو أن تكون مؤمنة أو كافرة فقال تصوم وتصلي وتتقي الله

____________________________________________________________________

يصرّح بذلك فقال : ما تأمرني؟ إلخ ، فقالعليه‌السلام : إن كنت فاعلا فعليك بالبلهاء من النساء ، أي المستضعفة الكريمة الأخلاق القريبة من قبول الحقّ ، قال الجوهري : رجل أبله بين البله والبلاهة ، وهو الذي غلبت عليه سلامة الصدر ، وقد بله بالكسر وتبله والمرأة بلهاء ، وفي الحديث أكثر : أهل الجنّة البله ، يعني البلة في أمر الدّنيا لقلة اهتمامهم بها وهم أكياس في أمر الآخرة ، وفي القاموس : رجل أبله أي غافل أو عن الشرّ أو أحمق لا تمييز له ، والميت الداء أي من شره ميت ، والحسن الخلق القليل الفطنة لمداق الأمور أو من غلبته سلامة الصدر ، والبلهاء المرأة الكريمة المريرة العزيزة المغفلة ، وفي المصباح : بله بلها من باب تعب ضعف عقله فهو أبله والأنثى بلهاء ، والجمع بله مثل أحمرّ وحمراء وحمرّ ، ومن كلام العرب خير أولادنا الأبله الغفول ، المعنى أنّه لشدة حيائه كالأبله فيتغافل فيتجاوز ، فشبّه ذلك بالبله ، انتهى.

وما فسرّهعليه‌السلام بيان لحاصل المعنى بذكر بعض صفاتها ، وفي النهاية : الخدر بالكسر ناحية في البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر خدرت فهي مخدرة وجمع الخدر الخدور ، و العفائف جمع العفيفة وهي المرأة الممتنعة من القبائح حياءاً من عف عن الشيء يعف من باب ضرب عفة بالكسر وعفافاً بالفتح امتنع منه ، والجواري إذا كن كذلك لم يسمعن شبه المخالفين ، ولم تستقر في أنفسهن فهن أقرب إلى قبول الحقّ ودين الأزواج ، وهن من المستضعفات اللواتي لا ينصبن الحقّ وأهله ، وأبعد من سوء الأخلاق ونصب أهل البيتعليهم‌السلام ولـمّا كان نفي الواسطة مستقراً في نفس زرارة عاد في السّؤال ، وقال : أيجوز لي أن أتزوّج من كان على دين سالم بن أبي حفصة ، وهو كان من رؤساء الزيدية.

٢٠٠