مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30784
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30784 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولا تدري ما أمركم ؟ فقلت قد قال الله عزَّ وجلَّ : «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ » لا والله لا يكون أحدّ من الناس ليس بمؤمن ولا كافر.

قال : فقال أبو جعفرعليه‌السلام قول الله أصدق من قولك يا زرارة أرأيت قول الله

____________________________________________________________________

وروى الكشيّ روايات كثيرة تدلّ على أن الصّادقعليه‌السلام لعنه وكذبه وكفره ، و ربيعة الرأي من فقهاء العامّة ، قال الشيخ في الرجال : ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن فروخ المعروف بربيعة الرأي المدني الفقيه عامي روى عن السجاد والباقرعليهما‌السلام .

وقال المطرزي في المغرب : الرأي ما ارتآه الإنسان واعتقده ، ومنه ربيعة الرأي بالإضافة فقيه أهل المدينة ، وفي القاموس : هو شيخ مالك وكأنّهعليه‌السلام إنّما نفي من كان على رأيهما لأنه علم أن مراده المتعصبات منهن لا المستضعفات لأنّ ظاهر سياق كلامه أنّه قال ذلك على سبّيل التشنيع والإلزام.

وفي النهاية : العاتق الشابة أوّل ما تدرك ، وقيل : هي الّتي لم تبن من والديها ولم تتزوّج وقد أدركت وشبت ، ويجمع على العتق والعواتق.

( فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ) استدلّ زرارة بهذه الآية على انحصار الناس في المؤمن والكافر وهي ليست صريحة في ذلك ، وليس فيها ما يدلّ على الحصر ، ولو كانت ظاهرة فيه فلا بد من تأويلها لوجود المعارض ، وأيضاً قد عرفت أن للكفر إطلاقات كثيرة ، فيمكن أن يكون الكفر في هذه الآية بمعنى عدم الإيمان ، وفي الآيات الدالة على الخلود والنهي عن المناكحة وغيرها بمعنى الجحود فلا تنافي بينهما ، ولعلّه ٧ لم يتعرَّض لجوابه لظهوره ، وذكر ما يدلّ على أن المراد بالآية غير ما فهمه زرارة وإلّا لزم التنافي بين الآيات ، وقد بينا ذلك في الأخبار السابقة.

وأشارعليه‌السلام إلى هذا بقوله : قول الله أصدق من قولك ، فنسبّ ما فهمه من الآية إلى قوله إيذاناً بأنّه ليس ما فهمته مراداً من الآية.

٢٠١

عزَّوجلَّ : «خَلَطُوا عملاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ »(١) فلـمّا قال عسى فقلت ما هم إلّا مؤمنين أو كافرين قال فقال ما تقول في قوله عزّ وجلّ : «إلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سبّيلاً »(٢) إلى الإيمان فقلت ما هم إلّا مؤمنين أو كافرين فقال والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ثمّ أقبل عليُّ فقال ما تقول في أصحاب الأعراف فقلت ما هم إلّا مؤمنين أو كافرين إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون وإن دخلوا النار فهم كافرون فقال والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين لدخلوا الجنّة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النار كما دخلها الكافرون ولكنهم قوم قد

____________________________________________________________________

« فلـمّا قال عسى فقلت » الظاهر أنّ مراده أنّه لم يصبر زرارة حتّى يتمعليه‌السلام الآية ، وبادر بالجواب بإعادة مطلوبه مرة أخرى ، وقيل : المراد أنّه لـمّا استدلّعليه‌السلام بقوله عسى على أنه ليس بمؤمن لأنّ المؤمن يدخل الجنّة قطعاً ، ولا بكافر لأنه معذب البتة قلت : إن يرحمه‌الله فهو في علم الله مؤمن ، وإن يعذّبه فهو في علم الله كافر « إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون » وذلك لـمّا تقرر عنده أن الجنّة لا يدخلها إلّا مؤمن « وإن دخلوا النار فهم كافرون » لـمّا تقرر عنده أن النار لا يدخلها إلّا كافر ، والمقدمتان ممنوعتان لأنّ الجنّة قد يدخلها غير المؤمن برحمة الله ، والنار قد يدخلها غير الكافر بذنب غير الكفر.

قولهعليه‌السلام : لدخلوا الجنّة ، أي ابتداء من غير توقف أو بسبب الإيمان كما دخلها المؤمنون كذلك ، وهذا لا ينافي دخولهم فيها بالرحمة « لدخلوا النار » أي ابتداء أو بسبب الكفر كما دخلها الكافرون كذلك ، وهذا لا ينافي دخولهم فيها بذنوب غير الكفر ، إمّا مع الخلود أو بدونها « استوت حسناتّهم وسيئاتّهم » قيل : كان المراد بهما الإقرار والإنكار وباستوائهما عدم رجحان أحدهما على الآخر أو الأعم

______________________

(١) سورة التوبة : ١٠٣.

(٢) سورة النساء : ٩٨.

٢٠٢

استوت حسناتهم وسيئاتّهم فقصرت بهم الأعمال وأنهم لكما قال الله عزوجل.

فقلت أمن أهل الجنّة هم أم من أهل النار فقال اتركهم حيث تركهم الله قلت أفترجئهم ؟ قال : نعم أرجئهم كما أرجأهم الله إن شاء أدخلهم الجنة

____________________________________________________________________

منهما ومن الأعمال الصّالحة والذنوب.

« فقصرت بهم الأعمال » أي لم تبلغ بهم الأعمال الحسنة إلى مقصدهم وهو الجنّة ، قال في المصباح : قصرت بنا النفقة أي لم تبلغ بنا إلى مقصدنا ، فالباء للتعدية « لكما قال الله عزّ وجلّ » :

أقول : ظاهر الخبر أن أصحاب الأعراف يوقفون ابتداء فيها ثمّ يساقون إمّا إلى الجنّة أو إلى النار ، ولا يبقون فيها كما قال بعض المفسريّن إن في الدرجة الأدنى من الأعراف قوم تساوت حسناتّهم وسيئاتّهم ، أوقفهم الله عليها لأنّها درجة متوسطة بين الجنّة والنار ، ثمّ تؤول عاقبة أمرهم إلى الجنّة برحمة الله وفضله ، كما قال عزّ وجلّ : «لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ »(١) أي لا يطمعون دخولها بعملهم ، بل بفضل الله وإحسانه أن ينقلهم من ذلك الموضع إلى الجنة.

« فقلت : من أهل الجنّة هم أم من أهل النار » كان غرضه الإلزام بأنهم إن كانوا من أهل الجنّة فهم مؤمنون ، وإن كانوا من أهل النار فهم كافرون « فقال : اتركهم حيث تركهم الله » أي يحتمل فيهم الأمران ، ولا ينافي عدم كونهم مؤمنين ولا كافرين « قلت أفترجئهم » كان مراده أن هذا مذهب المرجئة وهو باطل ، لأنّ مذهب المرجئة عدم الحكم بإيمان أحد وكفر أحد مطلقاً وهذا الإرجاء ليس في المذهب ، وإنّما هو إرجاء في الثواب والعقاب ، وبالنسبّة إلى جماعة مخصوصة ، وقيل : أي أفتوقعهم في الرجاء والطمع للمغفرة ولا تحكم بكفرهم « برحمته » أي لا بإيمانهم لعدمه « بذنوبهم » أي لا بكفرهم لعدمه « ولم يظلمهم » إذ لا ظلم في العقوبة مع الاستحقاق بالذنوب.

______________________

(١) سورة الأعراف : ٤٦.

٢٠٣

برحمته وإن شاء ساقهم إلى النّار بذنوبهم ولم يظلمهم ، فقلت هل يدخل الجنّة كافر قال لا قلت [ فـ ] ـهل يدخل النار إلّا كافر قال فقال لا إلّا أن يشاء الله يا زرارة إنني أقول ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله إمّا إنك إن كبرت رجعت وتحللت عنك عقدك.

____________________________________________________________________

« هل يدخل الجنّة كافر؟ قال : لا » إنّما لم يستثنعليه‌السلام فيه لأنّه لا يحتاج إلى استثناء ، نعم لو قال مكان كافر غير مؤمن لاحتاج إلى الاستثناء ، وإمّا المقدمة الثانية فتحتاج إلى الاستثناء لأنه يمكن أن يدخل النار غير الكافر من الفسّاق والمستضعفين.

« رجعت وتحللت عنك عقدك » في القاموس : تحلل في يمينه استثنى ، وحل العقد نقضها فانحلت ، وقال : عقد الحبل والبيع والعهد يعقده شده ، والعقد الضمان ، والعهد والعقد بالكسر القلادة ، والعقدة بالضمّ الولاية على البلد ، والجمع كصرد والضيعة والعقار الذي اعتقده صاحبه ملكا ، وموضع العقد وهو ما عقد عليه ، والبيعة المعقودة لهم ، وتحللت عقده سكن غضبه ، وفي المصباح : عقدت الحبل عقداً من باب ضرب فانعقد ، والعقدة ما يمسكه ويوثقه ، ومنه قيل : عقدت البيع واليمين ، وعقدة النكاح وغيره إحكامه وإبرامه.

فإذا عرفت هذا فهذا الكلام يحتمل وجوها « الأوّل » : أن يكون العقد بضمّ العيّن وفتح القاف جمع العقدة بالضمّ والمراد أنّك إن كبر سنك رجعت عن هذا المذهب الباطل الذي استقر في نفسك وانحلت عنك العقد الّتي في قلبك من الشكوك والشبهات في ذلك ، استعار العقد للشبهات وهي شائعة في المحاورات بين الناس ، وهذا أظهر الوجوه ، ومن قرأ تحللت بصيغة المتكلم فهو تصحيف إذ لم أجده في اللّغة متعدّياً.

الثاني : أن يكون المراد بتحلل العقد سكون غضبه على المخالفين كما مرّ في القاموس.

٢٠٤

____________________________________________________________________

الثالث : ما ذكره الكشّي بعد إيراد هذه الرّواية ، حيث قال : وأصحاب زرارة يقولون رجعت عن هذا الكلام وتحللت عنك عقد الإيمان ، انتهى.

ولعلّ المراد بأصحاب زرارة القائلون بهذا القول الذي كان زرارة عليه أولا فإنهم لـمّا لم يرجعوا عن هذا القول ظنوا أن الإمامعليه‌السلام كان يصوب رأي زرارة باطنا ويتكلّم معه ظاهراً للتقية ، فأخبر بأنه يرجع بعد كبره عن هذا القول ، ويرجع بذلك من الإيمان ، أو يضعف إيمانه ولا يخفى ركاكة هذا التأويل إلّا أن يكون مرادهم تحلل العقد في مسألة الإيمان ، فيرجع إلى ما ذكرنا أولا.

الرابع : ما قيل : إن المعنى رجعت عن هذا القول الباطل وتحللت عنك هذه القلادة أو هذا الرأي.

الخامس : رجعت عن دين الحقّ وتحللت عنك هذا العهد والبيعة.

وأقول : لا يخفى اشتمال هذا الخبر على قدح عظيم لزرارة ، ولم يجعله وأمثاله الأصحاب قادحة فيه ، لإجماع العصابة على عدالته وجلالته وفضله وثقته ، وورد الأخبار الكثيرة في فضله وعلو شأنه ، والحقّ أن علو شأن هؤلاء الأجلاء وكثرة حاسديهم صار سبّبا للقدح فيهم ، وأيضاً قدحوا في هذه الرواية بالإرسال ، وبمحمّد ابن عيسى اليقطيني ، وإن كان له مدح وتوثيق من بعض الأصحاب ، فإنه جزم السيّد الجليل ابن طاوس بضعفة ، والصدوق محمّد بن بابويه وشيخه ابن الوليد ، وقال الشّهيد الثانيقدس‌سره : فقد ظهر اشتراك جميع الأخبار القادحة في استنادها إلى محمّد بن عيسى وهو قرينة عظيمة على ميل وانحراف منه على زرارة مضافا إلى ضعفه في نفسه ، وقال السيّد جمال الدين بن طاوس ونعم ما قال : ولقد أكثر محمّد بن عيسى من القول في زرارة حتّى لو كان بمقام عدالة كادت الظنون تسرع إليه ببالتهمة فكيف وهو مقدوح فيه.

٢٠٥

( باب المستضعف )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن بعض أصحابه ، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المستضعف فقال : هو الّذي لا يهتدي حيلة إلى

____________________________________________________________________

باب المستضعف

الحديث الأول : مرسل.

« عن المستضعف » كأنّه سأل عن المستضعف الّذي استثناه الله عزّ وجلّ في قوله : «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً ، إلّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سبّيلاً ، فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً »(١) وقد مرّ تفسير الآية مجملا ، وقال بعض المفسّرين : توفيّهم ، إمّا ماض فيكون إخباراً عن حال قوم انقرضوا ، وكانوا قوماً من المسلمين فخرجوا في قوم من المشركين في قتال فقتلوا معهم ، وإمّا مستقبل بحذف إحدى التائين فيكون الوعيد عاماً في كلّ من كان بهذه الصفة «ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ » حال عن ضمير الموصول ، والظلم قد يراد به الشرك والنفاق ، فالمراد أنهم ظالمون أنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة وقد يراد به المعصية ، فالمراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك غير مهاجرين إلى دار الإسلام حين كانت الهجرة فريضة.

وذكروا في خبر إن وجوها « الأوّل » قالوا فيم كنتم ، والعائد محذوف ، أي قالوا لهم فيم كنتم؟ أي في أي شيء كنتم من أمر دينكم والمراد التوبيخ بأنكم لم تكونوا مؤمنين من الدين في شيء.

______________________

(١) سورة النساء : ٩٧.

٢٠٦

الكفر فيكفر ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان ، لا يستطيع أن يؤمن ولا يستطيع أن يكفر فهم الصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان مرفوع عنهم القلم.

____________________________________________________________________

والثاني : « فأولئك » ويكون قالوا حالا من الملائكة بتقدير قد.

والثالث : أن الخبر محذوف وهو هلكوا ، يفسرّه فيم كنتم وهم أجابوا اعتذارا بقولهم : كنا مستضعفين في الأرض غير قادرين على إظهار شعائر الدين والمهاجرة ، ثمّ الملائكة لم يقبلوا عنهم هذا العذر فبكتوهّم بقولهم ألم تكن أرض الله واسعة ، وأرادوا أنكم كنتم قادرين على المهاجرة ، ثمّ استثنى من الموصول المستضعفين في نفس الأمر والاستثناء منقطع ، وفي ذكر العفو وكلمة الأطماع وهي عسى تنبيه على أن أمر الهجرة خطير مضيق لا توسعة فيه ، حتّى أن المضطر من حقه أن يترقب العفو ولا يأمن ، وينبغي أن يغلق قلبه بها.

ولعلّ المراد بالولدان الأطفال والصبيان ، كما في هذه الرواية وغيرها ، وإنّما ذكرهم مع أنّهم لم يبلغوا حدّ التكليف أصلاً لأنّ السبّب في سقوط التكليف هو العجز وأنّه حاصل فيهم ، فحسن استثناؤهم بهذا الوجه ، وقيل : المراد بهم المراهقون الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء ، حتّى يتوجه التكليف فيما بينهم وبين الله ، وقيل : استثناؤهم للمبالغة في الأمر ، والإشعار بأنّهم على صدد وجوب الهجرة فإنهم إذا بلغوا وقدروا عليها فلا محيص لهم منها ، وإن قوامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت ، وقال أرباب التأويل : الموصول هم الذين رفضوا الحقّ واتبعوا الباطل ، فظلموا أنفسهم فيقول الملائكة : فيم كنتم أي في أي غفلة كنتم تضيعون أعماركم وتبطلون استعدادكم الفطري؟ وفي أي واد من أودية الهوى تهيمون؟ فيقولون : كنا مستضعفين عاجزين لاستيلاء النفس الأمارة ، وغلبة الهوى ، فيقول الملائكة : ألم تكن أرض الله ، أي أرض القلوب واسعة فتخرجوا عن مضيق ما كنتم فيه.

٢٠٧

____________________________________________________________________

ثمّ استثنى ضعفاء العقول الّذين رفع عنهم قلم التكليف بالمعارف وهم الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج عن الدّنيا لضعف الرأي ولا يهتدون سبيلاً إلى صاحب الولاية.

قيل : وقول البأقرّعليه‌السلام في تفسير المستضعف يمكن تطبيقه على تفسير الآية الكريمة ، وعلى تأويلها ، وإنّما قالعليه‌السلام في الكفر حيلة وفي الإيمان سبيلاً للتنبيه على أنّه لا سبّيل إلى الكفر ، ولا دليل عليه ، ولو فرض شيء يفضي إليه فإنّما هو حيلة نفسانيّة وشبهة شيطانية ، وقال في الخبر الآخر : لا يستطيع حيلة إلى الإيمان للإشعار بأن الحيلة كافية للخروج من الكفر إلى الإيمان ، أو لإرادة السبّيل بها مجازاً لاشتراكهما في الإفضاء والإيصال.

وأقول : الحاصل أنهم لضعف عقولهم وقلة فطانتهم لم تعرَّض لهم شبهة قوية فيستقروا في الكفر والجحود ، ولا داع قوي من الأغراض الدنيويّة ٨ الحقّ لذلك ، واحتالوا في إبطال الدين وبراهين الأنبياء بإلقاء الشكوك والشبه ، وليس لهم قدرة على فهم الحقّ ودلائله فيرسخوا في الدين فهم لذلك معذورون في الجملة ، ويحتمل نجاتّهم لذلك.

وأمّا ذكر الصبّيان فقد عرفت في تفسير الآية توجيهه بوجوه ، وقيل : المراد بالصبيان الشباب في أوائل بلوغهم قبل الكمال المعرفة ، وأقول : يمكن تفريع هذا الكلام على الخلاف في وقت وجوب المعرفة ، وأن وجوبها عقلي أو سمعي فمن قال أن وجوب المعرفة عقلي وأنّه يتعلق. بالمراهق قبل البلوغ ، فيمكن حمل الصبي في تلك الأخبار على معناه المصطلح ، ومن قال غير ذلك لا بد من حمله على أوائل البلوغ مجازاً ، قال الشّهيد الثاني رفع الله درجته : اعلم أن المتكلمين حددوا وقت التكليف بالمعرفة بالتمكن من العلم بالمسائل الأصولية حيث قالوا في باب التكليف أن المكلف يشترط كونه قادرا على ما كلف به ، إذ التكليف بدون ذلك محال ،

٢٠٨

____________________________________________________________________

وظاهر أنّ هذا لا يتوقّف على تحقّق البلوغ الشرعيّ بإحدى العلامات المذكورة في كتب الفروع ، بل قد يكون قبل ذلك بسنين أو بعده ، كذلك بحسب مراتب الإدراك قوّة وضعفا.

وذكر بعض فقهائنا أن وقت التكليف بالمعارف الإلهية هو وقت التكليف بالأعمال الشرعيّة إلّا أنه يجب أولا بعد تحقّق البلوغ والعقل المسارعة إلى تحصيل المعارف قبل الإتيان بالأعمال.

أقول : هذا غير جيد لأنه يلزم منه أن يكون الإناث أكمل من الذكور ، لأنّ الأنثى تخاطب بالعبادات عند كمال التسع ، إذا كانت عاقلة فتخاطب بالمعرفة أيضاً عند ذلك ، والصبي لا يبلغ عند كمال التسع بالاحتلام ولا بالإنبات على ما جرت به العادة ، فلا يخاطب بالمعرفة وإن كان مميزا عاقلا ، لعدم خطابه بالعبادات ، فتكون أكمل منه استعدادا للمعارف وهو بعيد عن مدارك العقل والنقل ، ومن ثمّ ذهب بعض العلماء إلى وجوب المعرفة على من بلغ عشرّاً عاقلاً ، ونسبّ ذلك إلى الشيخ أبي جعفر الطوسيقدس‌سرّه ، وأيضاً هذا لا يوافق ما هو الحقّ من أن معرفة الله تعالى واجبة عقلاً لا سمعاً ، لأنا لو قلنا أن المعرفة لا تجب إلّا بعد تحقّق البلوغ الشرعيّ الذي هو مناط وجوب العبادات الشرعيّة لكنا قد أوجبنا المعرفة بالشرع لا بالعقل ، لأنّ البلوغ المذكور إنّما علم من الشرع وليس في العقل ما يدلّ على أن وجوب المعرفة إنّما يكون عند البلوغ المذكور ، فلو وجبت عنده لكان الوجوب معلوماً من الشرع لا من العقل.

لا يقال : العقل إنّما دل على وجوب المعرفة في الجملة دون تحديد وقته ، والشرع إنمّا دل على تحديد وقت الوجوب وهو غير الوجوب فلا يلزم كون الوجوب شرعياً.

لأنا نقول : لا نسلم أن في الشرع ما يدلّ على تحديد وقت وجوب المعرفة

٢٠٩

____________________________________________________________________

أيضاً بل إنّما دلّ على تحديد وقت العبادات فقط ، نعم دلّ الشرع على تقدّم المعرفة على العبادات في الجملة ، وهو أعمّ من تعيين وقت التقدّم فلا يدلّ عليه وأيضاً لا معنى لكون العقل يدلّ على وجوب المعرفة في الجملة من دون اطلاعه على وقت الوجوب ، إذ لا ريب أنّه يلزم من الحكم بوجوبها كونها واجبة في وقت الحكم.

والحاصل أنّه لا يمكن العلم بوجوبها إلّا بعد العلم بوقت وجوبها ، والوقت كما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أيضاً ، وتوضيحه أن العبد إذا لاحظ هذه النعم عليه ، وعلم أن هناك منعمّا أنعم بها عليه أوجب على نفسه شكره عليها في ذلك الوقت خوفا أن يسلبه إياها لو لم يشكره ، وحيث أنه لم يعرفه بعد ويوجب على نفسه النظر في معرفته في ذلك الوقت ليمكنه شكره ، فقد علم أنه يلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أيضاً ، نعم ما ذكروه إنّما يتم على مذهب الأشاعرة حيث أن وجوب المعرفة عندهم سمعي.

فإن قلت : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ ، فيه دلالة على تحديد وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعيّ لأنّ رفع القلم كناية عن رفع التكليف ، وعدم جريانه عليه إلى الغاية المذكورة ، فقبلها لا يكون مكلفا بشيء سواء كان قد عقل أم لا.

قلت : لا نسلم دلالته على ذلك بل إن دل فإنّما يدلّ على أن البلوغ الشرعيّ غاية لرفع التكليف مطلقاً وإن كان عقلياً فيبقى الدليل الدال على كون التكليف بالمعرفة عقليا سالـمّا عن المعارض ، فإنّه يستلزم تحديد وقت وجوب المعرفة بكمال العقل ، كما تقدمت الإشارة إليه.

والحاصل أن عموم رفع القلم مخصص بالدليل العقلي ، وقد عرف العقل الذي هو مناط التكاليف الشرعيّة بأنه قوّة للنفس بها تستعد للمعلوم والإدراكات ، وهو المعنى بقولهم غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات ، وهذا

٢١٠

____________________________________________________________________

التفسير اختاره المحقّق الطّوسي (ره) وجماعة ، والغريزة هي الطبيعة الّتي جبل عليها الإنسان ، والآلات هي الحواس الظاهرة والباطنة وإنما اعتبر سلامتها لأنّ العلم إنما يتبع العقل عند سلامتها ، إلّا ترى أن النائم عاقل ولا علم له لتعطل حواسه.

وقيل : إنه ما يعرف به حسن الحسن وقبح القبيح ، وهذا التفسير اختاره القائلون بأن الحسن والقبح ذاتيان للعقل ، وقيل : إنه العلم ببعض الضروريات المسمّى بالعقل بالملكة واختاره العلّامة التفتازاني ، وقريب من هذا التفسير ما قيل أنه العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات في مجاري العادات ، انتهى.

ثمّ اعلم أن إطلاق الصبيان يشمل صبيان الكفار أيضاً ، ولا ريب في أن أطفال المؤمنين ملحقة بآبائهم في الجنّة ، وإمّا أولاد الكفار فاختلف فيهم علماؤنا والمخالفون قال النووي في شرح صحيح مسلم : اختلف العلماء فيمن مات من أولاد المشركين ، فمنهم من يقول : هم تبع لآبائهم في النار ، ومنهم من يتوقّف فيهم ، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنّة ، وقال البغوي في شرح السنّة : أطفال المشركين لا يحكم لهم بجنة ولا نار ، بل أمرهم موكول إلى علم الله فيهم ، كما أفتى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجملة الأمر أن مرجع العباد في المعاد إلى ما سيق لهم في علم الله من السعادة والشقاوة.

وقيل : حكم أطفال المؤمنين والمشركين حكم آبائهم وهو المراد بقوله : الله أعلم بما كانوا عاملين ، يدلّ عليه ما روي مفسّراً عن عائشة أنّها قالت : قلت : يا رسول الله ذراري المؤمنين؟ قال : من آبائهم ، فقلت : يا رسول الله بلا عمل؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، قلت : فذراري المشركين؟ قال : من آبائهم ، قلت : بلا عمل؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، وقال معمرّ عن قتادة عن الحسن أن سلمان قال : أولاد المشركين خدم أهل الجنّة ، قال الحسن : أتعجبون أكرمهم الله وأكرمهم

٢١١

____________________________________________________________________

به ، وانتهى.

وذهب المتكلّمون منا إلى أنّ أطفال الكفّار لا يدخلون النار فهم إمّا يدخلون الجنّة أو يسكنون الأعراف ، وذهب أكثر المحدثين منا إلى ما دلت عليه الأخبار الصحيحة من تكليفهم في القيامة بدخول النار المؤججة لهم ، قال المحقّق الطّوسيقدس‌سره في التجريد : وتعذيب غير المكلّف قبيح وكلام نوحعليه‌السلام مجاز ، والخدمة ليست عقوبة له ، والتبعية في بعض الأحكام جائزة.

وقال العلّامة الحلّي نوّر الله ضريحه في شرحه : ذهب بعض الحشوية إلى أن الله تعالى يعذّب أطفال المشركين ، ويلزم الأشاعرة تجويزه والعدلية كافة على منعه ، والدليل عليه أنّه قبيح عقلاً فلا يصدر منه تعالى.

احتجوا بوجوه : « الأوّل » قول نوحعليه‌السلام «وَلا يَلِدُوا إلّا فاجِراً كفاراً »(١) والجواب أنه مجاز ، والتقدير إنّهم يصيرون كذلك لا بآجال طفوليتّهم ، الثاني : قالوا إنا نستخدمه لأجل كفر أبيه فقد فعلنا فيه ألـمّا وعقوبة ، فلا يكون قبيحاً ، والجواب أن الخدمة ليست عقوبة للطفل وليس كلّ ألم عقوبة فإن الفصد والحجامة ألمان ، وليسا عقوبة ، نعم استخدامه عقوبة لأبيه وامتحان له يعوض عليه كما يعوض على أمراضه ، الثالث : قالوا إن حكم الطفل يتبع حكم أبيه في الدفن ومنع التوارث والصّلاة عليه ومنع التزويج ، والجواب أن المنكر عقابه لأجل جرم أبيه ، وليس بمنكر أن يتبع حكم أبيه في بعض الأشياء إذا لم يجعل له بها ألم وعقوبة ، ولا ألم له في منعه من الدفن والتوارث وترك الصّلاة عليه.

وأقول : رأيت في بعض كتب أصحابنا في تفسيرقوله تعالى : «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ »(٢) روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنّه قال : الولدان أولاد أهل الدنيا

______________________

(١) سورة نوح : ٢٧.

(٢) سورة الواقعة : ١٧.

٢١٢

____________________________________________________________________

لم يكن لهم حسنات فيثابون عليها ، ولا سيّئات فيعاقبون عليها ، فأنزلوا هذه المنزلة ، وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه سئل عن أطفال المشركين؟ فقال : خدم أهل الجنّة على صورة الولدان ، خلقوا لخدمة أهل الجنّة.

وروى الصدوقرضي‌الله‌عنه في كتاب الخصال بسند صحيح أو قريب منه عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إذا كان يوم القيامة احتج الله عزّ وجلّ على خمسة : على الطفل والذي مات بين النبيين ، والذي أدرك النبي وهو لا يعقل ، والأصم والأبكم فكلّ واحدّ منهم يحتج على الله عزّ وجلّ ، قال : فيبعث الله إليهم رسولاً فيؤجج لهم ناراً فيقول لهم : ربكم يأمركم أن تثبوا فيها ، فمن وثب فيها كانت عليه برداً وسلاماً ، ومن عصى سيق إلى النار.

ثمّ قال الصدوق (ره) : إن قوماً من أصحاب الكلام ينكرون ذلك ويقولون أنه لا يجوز أن يكون في دار الجزاء التكليف ، ودار الجزاء للمؤمنين إنما هي الجنّة ودار الجزاء للكافرين إنّما هي النار ، وإنّما يكون هذا التكليف من الله عزّ وجلّ في غير الجنّة والنار ، فلا يكون كلفهم في دار الجزاء ، ثمّ يصيرهم إلى الدار الّتي يستحقونها بطاعتهم أو معصيتّهم فلا وجه لإنكار ذلك ، ولا قوّة إلّا بالله.

وأقول : قد ورد في بعض الأخبار أنهم مع آبائهم في النار ، وكأنّها محمولة على التقيّة ، وفي بعض الأخبار أن معنى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الله أعلم بما كانوا عاملين أن كفوا عنهم ولا تقولوا فيهم شيئاً ، وردوا علمهم إلى الله ، وهذا أحسن الأمور في هذا الباب ، ويكفينا القول بأن الله تعالى لا يظلمهم ولا يجور عليهم ولا يدخلهم النار بغير حجة ، وستأتي الأخبار في كتاب الجنائز وسنتكلم فيه هناك أيضاً إنشاء الله تعالى. وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير في أبواب العدل.

٢١٣

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المستضعفون الذين «لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سبيلاً » قال لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان ولا يكفرون الصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن زرارة قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن المستضعف فقال هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر ولا يهتدي بها إلى سبّيل الإيمان لا يستطيع أن يؤمن ولا يكفر قال والصبيان ومن كان من الرجِّال والنساء على مثل عقول الصبيان.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السمط البجلي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما تقول في المستضعفين فقال لي شبيها بالفزع فتركتم أحدا يكون مستضعفاً وأين المستضعفون؟

____________________________________________________________________

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

وقد مرّ الكلام فيه « وأشباه عقول الصبيان » أي أشباه الصبيان في العقول.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور معتبر عندي.

« يدفع بها عنه الكفر » أي شبه الكفر أو احتماله فيصير شاكا « ولا يهتدى بها » الضمير للحيلة « ولا يكفر » بالنصب أي ولا أن يكفر.

الحديث الرابع : مجهول.

وبجيلة قبيلة من اليمن والنسبّة إليها بفتحتين كالحنفي بالنسبّة إلى بني حنيفة ، وبجلة مثال تمرة قبيلة أيضاً والنسبّة إليها على لفظها.

« شبيها بالفزع » بكسر الزاي أي الخائف المضطرب ، وكان ذلك غيظاً وإنكاراً على أهل الإذاعة من الشيعة ، فإنهم لتركهم التقيّة أفشوا هذا الأمر حتّى عرف الناس كلّهم مذهب الشيعة حتّى الجواري الباكرات المخدرات مع عدم خروجهن من الخدور ، والنساء السقايات اللواتي ليس شأنهن تفحص المذاهب ،

٢١٤

فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهن وتحدث به السقايات في طريق المدينة.

٥ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن عمرّ بن أبان قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المستضعفين فقال هم أهل الولاية فقلت أي ولاية فقال إمّا إنّها ليست بالولاية في الدين ولكنّها الولاية في المناكحة

____________________________________________________________________

والسقايات بالياء جمع سقاءة بالهمزة ، وهذه الإذاعة صارت سبّبا للضرر على الأئمة وشيعتهم ولم ينفع لهداية الخلق ، وصارت سبّبا لصيرورة المستضعفين نواصب غير معذورين « وتركتم » استفهام للإنكار ، وكذا أين.

ثمّ اعلم أن المستضعف عند أكثر الأصحاب من لا يعرف الإمام ولا ينكره ، ولا يوالي أحداً بعينه كما ذكره الشّهيدقدس‌سره في الذكرى ، وحكي عن المفيد في الغرية أنه عرفه بأنّه الذي يعرف بالولاء ويتوقّف عن البراءة ، وقال ابن إدريس : هو من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقادهم ، وهذا أوفق بأخبار هذا الباب.

الحديث الخامس : صحيح.

« قال : هم أهل الولاية » لـمّا كانت الولاية مجملة ، وكانت تحتمل ولاية أهلي البيتعليهم‌السلام قال السائل : أي ولاية؟ فقالعليه‌السلام إمّا إنّها ليست بالولاية في الدين ، أي ولاية أئمة الحقّ ولو كانوا كذلك لكانوا مؤمنين ، أو المراد بالولاية في الدين الولاية الّتي تكون بين المؤمنين بسبب الاتحاد في الدين كما قال سبّحانه : «الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ »(١) بل المراد أنهم قوم ليسوا بمتعصبين في مذهبهم ، ولا يبغضونكم بل يناكحونكم ويوارثونكم ويخالطونكم ، أو المعنى هم قوم يجوز لكم مناكحتهم ومعاشرتهم يرثون منكم وترثون منهم ، فيكون السّؤال عن حكمهم

______________________

(١) سورة التوبة : ٧١.

٢١٥

والموارثة والمخالطة وهم ليسوابالمؤمنين ولا بالكفارومنهم المرجون «لِأمر اللهِ » عزّ وجل.

٦ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن مثنى ، عن إسماعيل الجعفي قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن الدين الذي لا يسع العباد جهله فقال الدين واسع ولكنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم قلت جعلت فداك فأحدثك بديني الذي أنا عليه فقال بلى فقلت أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله وأتولاكم وأبرأ من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقّكم ، فقال ما جهلت شيئاً هو والله الذي نحن

____________________________________________________________________

لاعن وصفهم وتعيينهم ، أو بيّنعليه‌السلام حكمهم ثمّ عرّفهم بأنهم ليسوا بالمؤمنين إلى آخره ، والمرجون لأمر الله هنا أعمّ من المستضعفين ، وهذا معنى آخر غير ما مر.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور معتبر.

« الدين واسع » أي لا يتحقّق الخروج من دين الإسلام بقليل من العقائد والأعمال كما هو مذهب الخوارج ، حيث حكموا بكفر مرتكب المعاصي ، وخاضوا في المسائل الدقيقة فجعلوها من أجزاء الإيمان.

قوله : والإقرار ، كان الواو بمعنى مع ، أو أشهد بتأويل أن المصدرية.

« ومن ركب رقابكم » أي استولى عليكم وظلمكم « وتأمر عليكم » أي عد نفسه أميراً وحاكماً عليكم يقال أمرته تأميراً فتأمر « ما جهلت شيئاً » أي من الأصول الضروريّة « فهل سلم أحد » أي من عذاب الله أو الخلود في النار ، وأم أيمن مولاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي من شهود فدك ، وروى الخاصّة والعامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّها من أهل الجنّة ، قال في المغرب : الأيمن خلاف الأيسر وهو جانب اليمنى أو من فيه ، وبه سمي أم أيمن حاضنة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أي حافظته ، وهو أخو

٢١٦

عليه ، قلت فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر فقال لا إلّا المستضعفين قلت من هم قال نساؤكم وأولادكم ثمّ قال أرأيت أم أيمن فإني أشهد أنها من أهل الجنّة وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن دراج قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إني ربما ذكرت هؤلاء المستضعفين فأقول نحن وهم في منازل الجنّة فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام لا يفعل الله ذلك بكم أبداً.

____________________________________________________________________

أسامة بن زيد لأمه ، انتهى.

« وما كانت تعرف ما أنتم عليه » أي إمامة سائر الأئمةعليهم‌السلام سوى أمير المؤمنينعليه‌السلام وكانت معذورة في ذلك لعدم سماعها ذلك وعدم تمام الحجة عليها ، فكذا المستضعف معذور لذلك أو صفات الأئمة وكمالهم ، أو لم تكن تعرف ذلك بالدليل بل بالتقليد ، وإمّا أصل معرفة إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام فعدم معرفتها ذلك بعيد جداً ، وكون أم أيمن امرأة أخرى معروفة للمخاطب سوى الحاضنة فأبعد.

الحديث السابع : صحيح.

« من عرف اختلاف الناس » أي أصل الاختلاف فإنّه يجب حينئذ طلب الحقّ عقلاً وشرعاً ، أو المراد الفهم والإدراك لا مجرّد السماع ، ولعلّه أظهر.

الحديث الثامن : صحيح أيضاً.

« إني ربّما ذكرت » أي نخاف أن يجعلنا الله بسبب ذنوبنا في درجة المستضعفين من المخالفين ، أو يشق علينا أنّهم مع كونهم مخالفين يدخلون الجنّة ويكونون معنا في منازلنا ، فقالعليه‌السلام : إن دخلوا الجنّة لم يكونوا في درجاتكم ومنازلكم ، والخبر الآتي يؤيّد الأوّل.

٢١٧

٩ - عنه ، عن عليّ بن الحسن التيمي ، عن أخويه محمّد وأحمد ابني الحسن ، عن عليُّ بن يعقوب ، عن مروان بن مسلم ، عن أيّوب بن الحر قال قال رجل لأبي عبد اللهعليه‌السلام ونحن عنده جعلت فداك إنا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين قال فقال لا والله لا يفعل الله ذلك بكم أبداً.

عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

١٠ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف.

١١ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن محمّد بن منصور الخزاعي ، عن عليُّ بن سويد ، عن أبي الحسن موسىعليه‌السلام قال سألته عن الضعفاء فكتب إلي الضعيف من لم ترفع إليه حجة ولم يعرف الاختلاف فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف.

١٢ - بعض أصحابنا ، عن عليّ بن الحسن ، عن علي بن حبيب الخثعمي ، عن أبي سارة إمام مسجد بني هلال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ليس اليوم مستضعف أبلغ الرّجال الرّجال والنساء النساء.

____________________________________________________________________

الحديث التاسع : سنده الأوّل موثّق والثاني حسن كالصحيح.

الحديث العاشر : حسن كالصحيح.

الحديث الحادي عشر : ضعيف على المشهور.

الحديث الثاني عشر : مجهول :

٢١٨

( باب )

( المرجون لأمر الله )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ »(١) قال قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثمّ إنّهم

____________________________________________________________________

باب المرجون لأمر الله

في القاموس : أرجأ الأمر أخّره وترك الهمز لغة «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ » مؤخرون حتّى ينزل الله فيهم ما يريد ، ومنه سميّت المرجئة وإذا لم تهمز فرجل مرجي بالتشديد وإذا همزت رجل مرجىء كمرجع ، وهم المرجئة بالهمز والمرجئة بالياء مخفّفة لا مشدّدة.

الحديث الأول : ضعيف كالموثق.

« فقتلوا مثل حمزة وجعفر » لعلّ ذكر ذلك للإشعار بأنّ هذه الأعمال الشنيعة صارت أسباباً لعدم استقرار الإيمان في قلوبهم ، وعدم توفيقهم للإيمان الكامل ، أو هذا دليل على عدم رسوخ الإيمان فيهم إمّا لأنّ من كانت شقاوته وتعصبه بحيث اجترأ على قتل أمثال هؤلاء معلوم أنّه لو آمن لم يكن إيمانه عن يقين كامل وإذعان قوي أو لأنّ من كان الله فيه لطف لا يتركه حتّى يصدر منه مثل هذا العمل الشنيع ، ومن لم يكن لله معه لطف لا يوفقه للإيمان الكامل كما أنا لا نجوز صدور التوبة والإيمان عن قتلة الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم ، وهذا قريب من الوجه الأوّل وفي غاية المتانة.

وقيل : لعلّ ذكر هذا القسم على سبّيل التمثيل ويدلّ الحبر على أن قاتل حمزة لم تقبل توبته على الجزم والقطع ، والمشهور بين العامّة أنّه قبل توبته وأمره

______________________

(١) سورة التوبة : ١٠٧.

٢١٩

دخلوا في الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنّة ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النّار فهم على تلك الحال إمّا يُعَذِّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن حسّان ، عن موسى بن بكر الواسطي ، عن رجل قال قال أبو جعفرعليه‌السلام المرجون قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ثمّ إنّهم بعد ذلك دخلوا في الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشرك ولم يكونوا يؤمنون فيكونوا من المؤمنين ولم يؤمنوا فتجب لهم الجنّة ولم يكفروا فتجب لهم النّار فهم على تلك الحال مُرْجَوْنَ لِأمر اللهِ

____________________________________________________________________

بالخروج عن المدينة ، وقال : لا أستطيع أن أرى قاتل عمّي ، ثمّ بقي حتّى قتل مسيلمة الكذّاب.

الحديث الثاني : ضعيف ، وهو مثل الأوّل متناً.

وقيل : لعلّ المراد بالإيمان الإيمان المقتضي لدخول الجنّة كما يشعر به التفريع ، وهو الإيمان الكامل المستقر الموجب للأمن ، و بالكفر الجحود الموجب لدخول النّار ، وعلى هذا يصدق المرجون على جميع الأقسام المذكورة سابقاً.

٢٢٠