مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30815
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30815 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

( باب )

( أصحاب الأعراف )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير وعليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل جميعاً ، عن زرارة قال قال لي أبو جعفرعليه‌السلام ما تقول في أصحاب الأعراف فقلت ما هم إلّا مؤمنون أو كافرون إن دخلوا الجنّة فهم مؤمنون وإن دخلوا النّار فهم كافرون فقال والله ما هم بمؤمنين ولا كافرين ولو كانوا مؤمنين دخلوا الجنّة كما دخلها المؤمنون ولو كانوا كافرين لدخلوا النّار كما دخلها الكافرون ولكنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتّهم فقصرت بهم الأعمال وإنهم لكما قال الله عزّ وجلّ فقلت أمن أهل الجنّة هم أو من أهل النّار فقال اتركهم حيث تركهم الله قلت أفترجئهم قال نعم أرجئهم كما أرجأهم الله إن شاء أدخلهم الجنّة برحمته وإن شاء ساقهم إلى النّار بذنوبهم ولم يظلمهم فقلت هل يدخل الجنّة كافر قال لا قلت هل يدخل النّار إلّا كافر قال فقال لا إلّا أن يشاء الله يا زرارة إننّي أقول : ما شاء الله وأنت لا تقول ما شاء الله إمّا إنّك إن كبرت رجعت وتحللت [ عنك ] عقدك.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليُّ بن حسّان ، عن موسى بن بكر ، عن رجل قال قال أبو جعفرعليه‌السلام الذين «خَلَطُوا عملاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً » فأولئك قوم مؤمنون يحدثون في إيمانهم من الذنوب الّتي يعيبها المؤمنون ويكرهونها فأولئك «عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ».

____________________________________________________________________

باب أصحاب الأعراف

الحديث الأول : موثّق كالصّحيح ، وهو جزء من الحديث الثاني من باب الضلال.

الحديث الثاني : ضعيف ، وهو تتمّة الحديث الثاني من الباب السّابق وذكره هنا يشعر بأنّ هذا الصنّف عند المصنّف من أهل الأعراف فهذه الأقسام عنده متداخلة.

٢٢١

( باب )

( في صنوف أهل الخلاف وذكر القدرية والخوارج والمرجئة )

( وأهل البلدان )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن مروك بن عبيد ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لعن الله القدريّة ، لعن الله الخوارج ، لعن الله المرجئة لعن الله المرجئة قال قلت لعنت هؤلاء مرَّة مرَّة ولعنت هؤلاء مرَّتين ؟! قال : إنَّ هؤلاء

____________________________________________________________________

باب في صنوف أهل الخلاف

الحديث الأول : مرسل.

وقد عرفت أنّ القدريّة تطلق على الجبريّة وعلى التفويضيّة وكأنّ المراد هنا الثاني ، قال عليُّ بن إبراهيم في تفسيره : القدريّة المعتزلة ، والرد من القرآن عليهم كثير ، لأنّ المعتزلة قالوا : نحن نخلق أفعالنا وليس لله فيها صنع ولا مشية ولا إرادة ، فيكون ما شاء إبليس ولا يكون ما شاء الله ، انتهى.

والمراد بالمرجئة الذين يقولون الإيمان محض العقائد ، وليس للأعمال فيها مدخل أصلاً ، ولا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، ولا تفاوت في إيمان الناس ، قال صاحب الملل والنحل : الإرجاء على معنيين : أحدهما التأخير «قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ »(١) أي أمهله وأخره ، والثاني إعطاء الرجاء ، إمّا إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأوّل صحيح ، لأنّهم كانوا يؤخرون العمل عن النيّة والعقد ، وإمّا المعنى الثاني فظاهر فإنّهم كانوا يقولون لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، وقيل : الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى الآخرة فلا يقضي عليه بحكم في الدّنيا من كونه من أهل الجنّة أو من أهل النّار ، فعلى هذا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان ، وقيل : الإرجاء تأخير عليُّعليه‌السلام

______________________

(١) سورة الأعراف : ١١١.

٢٢٢

يقولون : إنَّ قتلتنا مؤمنون فدماؤنا متلطّخة بثيابهم إلى : يوم القيامة إن الله حكى عن قوم في كتابه : «إلّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حتّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النّار قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ » قال كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا.

____________________________________________________________________

عن الدّرجة الأولى إلى الدّرجة الرابعة ، فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان ، والمرجئة أربعة أصناف : مرجئة الخوارج ومرجئة القدريّة ، ومرجئة الجبريّة ، والمرجئة الخالصة ، انتهى.

وقد مرّ بعض القول فيهم سابقا. والمراد هنا ما ذكرنا أولا فإنهم يحكمون بإيمان من آمن بالله ورسوله وإن قتلوا الأئمة وخيار المؤمنين ، فهم راضون بذلك ولا يبالون به ، ويحكمون بأن الله لا يعذّب هؤلاء بفعلهم ، ولذا سموا مرجئة لإرجاء تعذيبهم على المعاصي ، ويمكن أن يكون المراد هنا مطلق المخالفين ، فإنهم على أصولهم الفاسدة يصوبون قتل من خرج على خلفاء الجور ، ولو كانوا من أئمة الدين وذرية سيد المرسلين ، فهم راضون بذلك ، وذكر الآية استشهاد بأن الراضي بالقتل والمصوب له حكمه حكم القاتل في الشقاوة والعقوبة.

ثمّ اعلم أن ذكر الآية نقل بالمعنى ، والآية في آل عمران هكذا : «الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا إلّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ »(١) وقال البيضاوي : هم كعب بن الأشرف ومالك وحيي وفنحاص ووهب بن يهودا ، قالوا : إن الله أمرنا في التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بهذه المعجزة الخاصّة الّتي كانت لأنبياء بني إسرائيل ، وهو أن يقرب بقربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار سماوية فتأكله ، وهذا من مفترياتّهم وأباطيلهم ، لأنّ أكلّ النّار القربان لم يوجب الإيمان إلّا لكونه معجزة وسائر المعجزات شرع في ذلك « قل قد جاءكم » تكذيب وإلزام بأن رسلاً جاءوهم بمثله قبله كزكريا ويحيى بمعجزات أخر موجبة للتصديق ، وبما اقترحوه

______________________

(١) سورة آل عمران : ١٨٣.

٢٢٣

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حكيم وحمّاد بن عثمان ، عن أبي مسروق قال سألني أبو عبد اللهعليه‌السلام عن أهل البصرة ما هم فقلت مرجئة وقدريّة وحروريّة فقال لعن الله تلك الملل الكافرة المشركة الّتي لا تعبد الله على شيء.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن منصور بن يونس ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أهل الشام شر من أهل

____________________________________________________________________

فقتلوهم ، فلو كان الموجب للتصديق هو الإتيان به وكان توقفهم وامتناعهم عن الإيمان لأجله ، فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر واجترءوا على قتله.

الحديث الثاني : حسن.

وقد مرّ في باب الكفر ، و الملل جمع الملّة وهي الدين ، ووصفها بالكفر والشرك وعدم العبادة وصف مجازي لأنّ هذه الأوصاف لصاحب الملل حقيقة نسبّت إلى الملل الّتي هي سبّب لاتصاف صاحبها بها مبالغة في السبّبية ، كما أن لعن تلك الملل مبالغة في لعن صاحبها أيضاً ، فالمراد بلعنها طردها عن طريق الحقّ وساحة القبول ونيل الرحمة ودخول الجنة.

الحديث الثالث : موثق.

ويحتمل أن يكون هذا الكلام في زمن بني أمية وأهل الشام من بني أمية وأتباعهم كانوا منافقين ، يظهرون الإسلام ، ويبطنون الكفر ، والمنافقون شر من الكفّار وهم في الدرك الأسفل من النّار ، وهم كانوا يسبّون أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو الكفر بالله العظيم ، والنصارى لم يكونوا يفعلون ذلك ، ويحتمل أن يكون هذا مبنيا على أن المخالفين غير المستضعفين مطلقاً شر من سائر الكفّار كما يظهر من كثير من الأخبار ، والتفاوت بين أهل تلك البلدان باعتبار اختلاف رسوخهم في مذهبهم الباطل ، أو على أن أكثر المخالفين في تلك الأزمنة كانوا نواصب منحرفين عن أهل البيتعليهم‌السلام ، لا سيّما أهل تلك البلدان الثلاثة ، واختلافهم في

٢٢٤

الرُّوم وأهل المدينة شرّ من أهل مكّة وأهل مكّة يكفرون بالله جهرة.

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن أهل مكّة ليكفرون بالله جهرة وإن أهل المدينة أخبث من أهل مكّة أخبث منهم سبّعيّن ضعفاً.

٥ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أهل الشام شرّ أم [ أهل ] الروم فقال إن الروم كفروا ولم يعادونا وإن أهل الشام كفروا وعادونا.

٦ - عنه ، عن محمّد بن الحسين ، عن النضر بن شعيب ، عن أبان بن عثمان ، عن

____________________________________________________________________

الشقاوة باعتبار اختلافهم في شدة النصب وضعفه ، ولا ريب في أن النواصب أخبث الكفّار وكفر أهل مكّة جهرة هو إظهارهم عداوة أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد بقي بينهم إلى الأنّ ، ويعدون يوم عاشوراء عيداً لهم بل من أعظم أعيادهم لعنة الله عليهم وعلى أسلافهم الذين أسسوا ذلك لهم.

وقيل : إنّما نسب أهل مكّة إلى الكفر لأنهم إذا عصوا أو عبدوا غير الله أو تولوا غير أولياء الله فقد ألحدوا وأشركوا ، لقوله تعالى : «وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ »(١) وروي في الصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في تفسير هذه الآية قال : من عبد فيه غير الله أو تولّى فيه غير أولياء الله فهو ملحد بظلم ، وعلى الله أن يذيقه من عذاب أليم.

الحديث الرابع : كالسابق.

الحديث الخامس : حسن.

الحديث السادس : مجهول.

وكون المراد بالمرجئة هنا مطلق المخالفين أنسبّ لجمعية الملل ، فإنّهم

______________________

(١) سورة الحج : ٢٥.

٢٢٥

الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا تجالسوهم يعني المرجئة - لعنهم الله ولعن [ الله ] مللهم المشركة الّذين لا يعبدون الله على شيء من الأشياء -.

( باب )

( المؤلفة قلوبهم )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن موسى بن بكر وعليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل جميعاً ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المؤلفة قلوبهم قومٌ وحّدوا الله وخلعوا عبادة [ من يعبد ] من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يتألفهم ويعرفهم لكيما يعرفوا ويعلّمهم.

____________________________________________________________________

الذين في مللهم كثرة « على شيء من الأشياء » أي على عبادة من العبادات أو على ملّة من الملل.

باب المؤلفة قلوبهم

الحديث الأول : مرسل.

وقوله : أنّ محمّداً ، متعلّق بالمعرفة أي معرفة أن محمّداً رسول الله ، ويمكن أن يكون هذا أحد أقسام المؤلفة ، والقسم الآخر أن يقروا بالرسالة ويشكوا في بعض ما جاء به كالولاية وقسمة الأموال وأمثال ذلك ، ويحتمل أن يكون هذا الخبر شاملاً للقسمين ، أي لم يقروا بالرسالة كما هو حقّها إمّا بنفيها رأسا أو بإثباتها مجملاً ، والشك في بعض ما جاء به النبي من عند الله ، فلا تنافي بين الأخبار.

« ويعرفهم » أي رسالته بالبراهين والمعجزات « لكيما يعرفوا » ويعلمهم شرائع الدين ، أو يعرفهم أصل الرسالة ويعلمهم أن ما أتى به هو من عند الله أو هو تأكيد ، وقد يقرأ يعلمهم على بناء المعلوم أي والحال أنه يعلمهم ويعرفهم ، وقيل

٢٢٦

____________________________________________________________________

الظاهر أنّ يعلمهم عطف على يعرفهم ، وأنّ الضمير فيهما راجع إلى المؤلفة ، وأن قوله لكيما يعرفوا على صيغة المجهول علّة لهما ، والمقصود أن إعطاءهم لأمرين أحدهما تأليف قلوبهم بالمال ليثبت إسلامهم ويستقر في قلوبهم ، وثانيهما أن يعرفهم ويعلمهم بأعيانهم لأصحابه حتّى يعرفوهم بأنهم من الذين لم يثبت إيمانّهم في قلوبهم ، وأنّهم مؤلفة ، ولا يخفى ما فيه.

واعلم أن المؤلفة قلوبهم صنف من أصناف مستحقي الزكاة قال تعالى : «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ »(١) ويظهر من هذه الأخبار أنّهم قوم أظهروا الإسلام ولم يستقروا فيه ، فهم إمّا منافقون أو شكاك جعل الله لهم حصة من الزكاة والغنائم تأليفا لقلوبهم ليستقروا في الدين ويستعيّن بهم على جهاد المشركين ، قال ابن الأثير في النهاية : في حديث حنين : إنّي أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم ، التآلف المداراة والإيناس ليثبتوا على الإسلام رغبة فيما يصل إليهم من المال ، انتهى.

والمشهور بين أصحابنا أنهم كفار يستمالون للجهاد ، وقال المفيد : المؤلفة قسمان مسلمون ومشركون ، وقال العلّامة في القواعد : المؤلفة قسمان كفار يستمالون إلى الجهاد أو إلى الإسلام ، ومسلمون إمّا من ساداتهم لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب النظراء في الإسلام ، وإمّا سادات مطاعون ترجى بعطائهم قوّة إيمانهم ، ومساعدَّة قومهم في الجهاد ، وإمّا مسلمون في الأطراف إذا أعطوا منعوا الكفّار من الدخول ، وإمّا مسلمون إذا أعطوا أخذوا الزكاة من مانعيها ، وقيل : المؤلفة الكفّار خاصة.

ونقل الشّهيد في الدروس عن أبي الجنيد أنه قال : المؤلفة هم المنافقون ، وفي مؤلفة الإسلام قولان أقربها أنهّم يأخذون من سهم سبّيل الله ، وقال بعض

______________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٢٢٧

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن اُذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : «وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ »(١) قال هم قوم وحدوا الله عزّ وجلّ وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشهدوا أن لا إله إلّا الله وأن محمّداً رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فأمر الله عزّ وجلّ نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروابه.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالجعرانة

____________________________________________________________________

الأصحاب : للإمام أن يتألّف هؤلاء إن شاء من سهم المؤلّفة ، وإن شاء من سهم المصالح ، وسيأتي تمام القول فيه في كتاب الزكاة إن شاء الله تعالى.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

« وهم في ذلك » أي مع ذلك ، وقال في المصباح : حنين مصغرا واد بين مكّة والطائف ، وهو مذكر منصرف ، وقد يؤنث على معنى البقعة ، وقصّة حنين أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتح مكّة في رمضان سنة ثمان ، ثمّ خرج منها - وقد بقيت من شهر رمضان أيام لقتال هوازن وثقيف ، فسار إلى حنين ، فلـمّا التقى الجمعان انكشف المسلمون ، ثمّ أمدهم الله بنصره فعطفوا وانهزم المشركون إلى أوطاس وغنم المسلمون ، أموالهم وأهليهم ثمّ منهم من سار على نخلة اليمامة ، ومنهم من سلك الثنايا ، وتبعت خيل رسول الله من سلك نخلة ويقال إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقام عليها يوماً وليلة ، ثمّ سار إلى أوطاس فاقتتلوا وانهزم المشركون إلى الطائف ، وغنم المسلمون منها أيضاً أموالهم وأولادهم ، ثمّ سار إلى الطائف فقاتلهم بقية شوال ، فلـمّا أهل ذو القعدَّة رحل عنها راجعاً فنزل الجعرانة وقسم بها غنائم أوطاس وحنين ،

______________________

(١) سورة التوبة : ٦٠.

٢٢٨

فقال : يا رسول الله أتأذن لي في الكلام فقال نعم فقال إن كان هذا الأمر من هذه الأموال الّتي قسمت بين قومك شيئاً أنزله الله رضينا وإن كان غير ذلك لم نرض قال زرارة وسمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد فقالوا سيّدنا الله ورسوله ثمّ قالوا في الثالثة نحن على مثل قوله ورأيه قال زرارة فسمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول فحط الله نورهم وفرض الله للمؤلّفة قلوبهم سهماً في القرآن.

٣ - عليُّ ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المؤلّفة قلوبهم لم يكونوا قطُّ أكثر منهم اليوم.

____________________________________________________________________

وقيل : كانت ستّة آلاف سبي ، انتهى.

ومضر كزفر أبو قبيلة عظيمة ، قريش شعبة منها ، وفي القاموس : الجعرانة وقد تكسر العيّن وتشدّد الراء ، وقال الشافعي : التشديد خطأ موضع بين مكّة والطائف ، وفي المصباح على سبّعة أميال من مكّة ، وكان سبّب غضب الأنصار أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل بعض قريش عليهم في العطاء تأليفا لقلوبهم « فحط الله نورهم » أي نور إيمانهم ، وجعل درجة إيمانهم نازلة ناقصّة فصاروا بحيث قالوا في السقيفة منا أمير ومنكم أمير ، وفرض للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن رغما لهم أو دفعا لاعتراضهم.

الحديث الثالث : مرسل.

والمراد بكثرتهم أن أصناف المسلمين لـمّا كثروا وتضاعف أطماعهم وقل الديانون منهم ، كان هذا الصنف الذين كان يتألفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر لا أن حكم التأليف جار في هذا الزمان ، ويحتمل أن يكون المراد أن إمام الحقّ أيضاً بحسب قدرته وبسط يده يفعل ذلك بهم ، لأنهمعليهم‌السلام كان يعطون بعض المخالفين والمستضعفين لتأليف قلوبهم ودفع الضرر عنهم وعن شيعتهم ، وإمّا أمير المؤمنينعليه‌السلام فالمعروف من سيرته أنه لم يكن مأمورا بذلك ، بل كان يقسم

٢٢٩

٤ - عليُّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن إسحاق بن غالب قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية : «فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ »(١) قال : ثمّ قال : هم

____________________________________________________________________

بالسّوية ، نعم كان يعطي الولايات بعض المنافقين كزياد بن أبيه وأمثاله بظاهر الإسلام ، ويظهر من الأخبار أن القائمعليه‌السلام يسير بسيرة أمير المؤمنينعليه‌السلام ويعمل بمرّ الحقّ ، فما ذكرنا أولا أظهر.

واعلم أن الأصحاب اختلفوا في بقاء سهم المؤلفة في زمن الغيبة ، والمشهور بينهم سقوطه ، قال العلّامة في النهاية : لو فرضت الحاجة إلى المؤلفة في يومنا بأن ينزل بالمسلمين نازلة واحتاجوا إلى الاستعانة بالكفّار ، فالأقوى عندي جواز صرف السهم إليهم ، وفيه رد على بعض العامّة ، حيث قال : سهم المؤلفة لتكثير سواد الإسلام فلـمّا أعزه الله وكثر أهله سقط ، ولذلك لـمّا تولى أبو بكر منع المؤلفة لكثرة المسلمين وعدم الحاجة إليهم ، ولم يعلم أن إعطاءهم ليس لمحض الجهاد بل قد يكون لرسوخهم في الإسلام ، أو لرغبة نظرائهم أو غير ذلك كما مر.

الحديث الرابع : حسن كالموثق.

«فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا » قيل : لـمّا قسم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غنائم حنين وألف قلوب المؤلفة بتوفير العطاء عليهم قال بعض المنافقين : اعدل يا رسول الله ، قال : ويلك إن لم أعدل فمن يعدل؟ فنزل قوله تعالى «وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا » الآية أي منهم من يعيبك وينسبّك إلى الجور في تقسيمها ، وقد أشارعليه‌السلام إلى أن المعترضين على الإمام لو ملك الأرض وقسم الغنائم على ما فرضه الله أكثر بكثير من المعترضين على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو المعنى أن هؤلاء لو كانوا في ذلك الزمان كانوا من المعترضين ، أو أن كلّ من تولى قسمة حقّ من الحقوق يرى ذلك فيهم ، سواء كان من أئمّة الحقّ أو نوابهم من علماء الدين يجدون ذلك في أكثر الناس ،

______________________

(١) سورة التوبة : ٥٨.

٢٣٠

أكثر من ثلثي الناس.

٥ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن حسّان ، عن موسى بن بكر ، عن رجل قال قال أبو جعفرعليه‌السلام ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم وهم قوم وحّدوا الله وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلوبهم وما جاء به فتألفهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وتألّفهم المؤمنون بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لكيما يعرفوا.

( باب )

( في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل قال كان الطيّار يقول لي إبليس ليس من الملائكة وإنّما اُمرت الملائكة بالسجودلآدمعليه‌السلام فقال إبليس لا اسجد فما لإبليس يعصي حين لم يسجد وليس هو من الملائكة؟ قال

____________________________________________________________________

ولا يخفى ذلك على من تصدّى بشيء من ذلك.

الحديث الخامس : ضعيف.

وظاهره بقاء سهم المؤلّفة في سائر الأزمنة ، وإن احتمل أن يكون المراد بالمؤمنين الأئمّةعليهم‌السلام ، ولا يبعد شموله لنوابهمعليهم‌السلام في زمن الغيبة ، بناءاً على التعليل الوارد في تلك الأخبار ، فإنّه غير ما ذكره الأصحاب والله يعلم.

باب في ذكر المنافقين والضلال وإبليس في الدعوة

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« وإنّما أمرت الملائكة » الحصر ممنوع وإنّما يتم لو قال الله تعالى : يا ملائكتي اسجدوا أو نحو ذلك ، وذلك غير معلوم لجواز أن يكون الخطاب اسجدوا مخاطباً لهم مشافهة بدون ذكر الملائكة ، نعم في قوله تعالى : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ » تجوز لـمّا ذكرهعليه‌السلام أو تغليب ، والمنافقون هم المقرون بالنبي ظاهراً والمنكرون

٢٣١

فدخلت أنا وهو على أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : فأحسن والله في المسألة ، فقال جعلت فداك أرأيت ما ندب الله عزّ وجلّ إليه المؤمنين من قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا » أدخل في ذلك المنافقون معهم قال نعم والضلال وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة وكان إبليس ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة معهم.

____________________________________________________________________

له باطناً ، و الضلّال هم المقرّون به ظاهراً وباطناً إلّا أنّهم أخطأوا سبّيل الحقّ ولم يعرفوا الحجّة ، فضّلوا.

إذا عرفت هذا فنقول : لـمّا علم الطيّار أن المنافقين غير مؤمنين حقيقة لعدم اتصافهم بالإيمان وهو الإقرار باطناً ، وكذا إبليس لم يكن من الملائكة وإن شاركهم في الصورة الظاهرة والمخالفة والكون معهم ، أحسن في المسألة واستفهم عن دخولهم في خطاب المؤمنين وعدمه ليجعله ذريعة إلى ما هو مقصوده ، ولم يكن موهما للاعتراض على الله تعالى ، أو إن أجابعليه‌السلام بعدم الدخول كانت شبهته أقوى ، والأوّل أقرب إلى الأدب ، فأجابعليه‌السلام بأنّهم داخلون في خطاب المؤمنين باعتبار أن المراد بالمؤمنين المؤمنون بحسب الظاهر.

ثمّ إنهعليه‌السلام لـمّا علم بالإعجاز مقصوده من هذا السّؤال صرّح به وبين أن إبليس كان داخلاً في خطاب الملائكة ، باعتبار أن المراد بالملائكة من هو بصورتهم الظاهرة ، فيشمل إبليس لأنّه كان معهم وفي صورتهم بحسب الظاهر ، والحاصل أن الأمر بالسجود من الله تعالى إنما توجه إلى من كان ظاهراً من الملائكة ومخلوطاً بهم ، وإن لم يكن منهم ، وكان إبليس لا طاعته ظاهراً وإقراره بالدعوة الظاهرة مخلوطاً معهم ومعدوداً منهم ، كما أن المنافقين وإن لم يكونوا مؤمنين واقعاً شملهم خطاب المؤمنين لكونّهم ظاهراً في عدادهم.

وأقول : إن المخالفين اختلفوا في كون إبليس من الملائكة أو الجن ، والمشهور بين أصحابنا الإمامية كونه من الجن ، وذهب الشيخ في التبيان إلى أنّه كان من

٢٣٢

( باب )

( في قوله تعالى وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمرّ بن أذينة ، عن الفضيل وزرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدّنيا وَالْآخِرَةَ »(١) قال زرارة سألت عنها أبا جعفرعليه‌السلام فقال هؤلاء قوم عبدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشكوا في محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به فتكلّموا

____________________________________________________________________

الملائكة وظاهر الآية والأخبار المعتبرة كهذا الخبر هو الأوّل ، وقد بسطنا القول في ذلك في كتابنا الكبير.

باب في قوله تعالى «وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ »

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

«وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » في القاموس أي وجه واحدّ وهو أن يعبده على السراء والضراء أو على شك أو على غير طمأنينة على أمره ، أي لا يدخل في الدين متمكنا.

وقال البيضاوي : أي على طرف من الدين لإثبات له فيه ، كالذي يكون على طرف الجيش إن أحس بظفر قر وإلّا فر ، روي أنّها نزلت في أعاريب قدموا إلى المدينة فكان أحدهم إذا صح بدنه ونتجت فرسه مهراً سرياً وولدت امرأته غلاماً سوياً وكثر ماله وماشيته ، قال : ما أصبت منذ دخلت في ديني هذا إلّا خيراً واطمأن ، وإن كان الأمر بخلافه قال : ما أصبت إلّا شرّاً وانقلب.

وعن أبي سعيد أن يهوديّاً أسلم فأصابته مصائب فتشأم بالإسلام فأتى النبي

______________________

(١) سورة الحج : ١١.

٢٣٣

بالإسلام وشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنَّ محمّداً رسول الله وأقروا بالقرآن وهم في ذلك شاكون في محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به وليسوا شكاكا في الله قال الله عزّ وجلّ : «وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » يعني على شك في محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به «فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ » يعني عافية في نفسه وماله وولده «اطْمَأَنَّ بِهِ » ورضي به «وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ » يعني بلاء في جسده أو ماله تطير وكره المقام على الإقرار بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فرجع إلى الوقوف والشك فنصب العداوة لله ولرسوله والجحود بالنبي وما جاء به.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزّ وجلّ : «وَمِنَ الناس مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ » قال هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله فخرجوا من الشرك ولم يعرفوا أن محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله رسول الله فهم يعبدون الله على شك في محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وما جاء به فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقالوا ننظر فإن كثرت

____________________________________________________________________

عليه‌السلام فقال : أقلني. فقال : إن الإسلام لا يقال ، فنزلت.

قوله : « وشهدوا » أي باللسان لا بالجنان بقرينة نسبّة الشك إليهم في موضعيّن ، وقال الجوهري : تطيرت من الشيء وبالشيء والاسم منه الطيرة كالغيبة ، وهو ما يتشأم به من الفال « إلى الوقوف » أي على الكفر أو التوقف في أمر الدين.

الحديث الثاني : ضعيف كالموثّق وسنده الثاني مرسل.

والشكاك بضمّ الشين وتشديد الكاف جمع شاك(١) « وقالوا ننظر » جعلوا حصول المعافاة وكثرة الأموال والأولاد دليلاً على صدق الرسول وحقيته لزعمهم أن كلّ ما يورث ذلك فهو مبارك وكلّ ما هو بخلافه فهو شؤم ، ولم يعلموا أن نزول البلايا والمصائب على المؤمنين من لدن آدمعليه‌السلام إلى آخر الدهر كان أكثر من نزولها على غيرهم ، وأن بناءه كأصل التكليف على الاختيار والامتحان ، وقد

______________________

(١) كذا في النسخ والظاهر أنّ هذا من تتمّة ما ذكره في شرح الحديث الأوّل لأنّ لفظ الشكاك موجود فيه دون الحديث الثاني.

٢٣٤

أموالنا وعوفينا في أنفسنا وأولادنا علمنا أنّه صادق وأنّه رسول الله وإن كان غير ذلك نظرنا.

قال الله عزّ وجلّ : «فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ » يعني عافية في الدّنيا : «وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ » يعني بلاء في نفسه [ وماله ] «انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ » انقلب على شكه إلى الشرك «خَسِرَ الدّنيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ » قال ينقلب مشركاً يدعو غير الله ويعبد غيره فمنهم من يعرف ويدخل الإيمان قلبه فيؤمن ويصدق ويزول عن منزلته من الشك إلى الإيمان ومنهم من يثبت على شكه ومنهم من ينقلب إلى الشرك.

عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن زرارة مثله.

____________________________________________________________________

أشار إليه عزّ وجلّ بقوله : «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشرّ الصَّابِرِينَ » إلى قوله : «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ »(١) .

« انقلب على وجهه » كأنهعليه‌السلام فسر الوجه بالحالة الّتي هو عليها أي رجع من حالة الشك إلى الشرك ، أو بسبب تلك الحالة إلى الشرك ، أو يكون بيانا لحاصل المعنى أي رجع إلى الجهة الّتي أتى منه ، والحاصل أنّه ينتقل من شكه في رسول الله بعد نزول البلايا إلى الشرك بالله.

«خَسِرَ الدّنيا وَالْآخِرَةَ » إمّا خسرانه في الدّنيا فلورود البلايا عليه وذهاب عصمته ، وإمّا خسرانه في الآخرة فلحبوط عمله بالارتداد ، و ذلك هو الخسران المبين لخسرانه في منافع الدارين جميعاً «يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ » أي يعبد جماداً لا يضرّ بنفسه ولا ينفع « فمنهم من يعرف » قسمعليه‌السلام من خرج عن الشرك وشك في محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما جاء به على ثلاثة أقسام ، فمنهم من يعرف رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقربّه ظاهراً وباطناً ويزول عنه الشك بمشاهدة الآيات والمعجزات والهدايات الخاصّة ، ومنهم من يثبت على شكه فيه ويقيم عليه ، ومنهم من ينتقل

______________________

(١) سورة البقرة : ١٥٥.

٢٣٥

( باب )

( أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالا )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمرّ اليماني ، عن ابن أذينة ، عن أبان بن عياش ، عن سليم بن قيس قال سمعت عليا صلوات الله عليه يقول وأتاه رجل فقال له ما أدنى ما يكون به العبد مؤمناً وأدنى ما يكون به العبد كافراً وأدنى ما يكون به العبد ضالاً فقال له قد سألت فافهم الجواب إمّا أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه الله تبارك وتعالى نفسه فيقرّ له بالطّاعة ويعرفه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيقرّ له بالطّاعة ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقرّ له بالطّاعة قلت له يا أمير المؤمنين وإن جهل

____________________________________________________________________

من الشّك إلى الشّرك.

باب نادر

وفي بعض النسخ : باب أدنى ما يكون به العبد مؤمناً أو كافراً أو ضالا.

الحديث الأول : مختلف فيه معتبر عندي.

ومفعول يقول محذوف يدلّ عليه ، فقال له قد سألت ، إلى آخر الكلام.

« أن يعرفه الله تعالى نفسه » تعريف الربّ يتحقّق بما أظهر من آيات وجوده وقدرته وعلمه وحكمته وسائر صفاته الكمالية والفعلية في الآفاق والأنفس ، ويتحقّق تعريف النبيّ بما خصه من المعجزات البينات والأفعال الخارقة للعادات ، ويتحقّق تعريف الحجة بالنصوص النبوية والعلوم الدينيّة والمعجزات الجلية والكرامات العلية ، والمراد بالإقرار الإقرار بالجنان أو الأعمّ منه ومن الإقرار باللسان ، وظاهره أن الإيمان هو التصديق والإذعان مع الإقرار الظاهري وقد مرّ أنه يشترط فيه عدم فعل ما يتضمّن الإنكار ، وإمّا اشتراط الأعمال الصالحة

٢٣٦

جميع الأشياء إلّا ما وصفت ؟ قال : نعم إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهى.

وأدنى ما يكون به العبد كافراً من زعم أنَّ شيئاً نهى الله عنه أن الله أمر به ونصبه ديناً يتولى عليه ويزعم أنّه يعبد الذي أمره به وإنّما يعبد الشيطان.

وأدنى ما يكون به العبد ضالّاً أن لا يعرف حجة الله تبارك وتعالى وشاهده على عباده الذي أمر الله عزّ وجلّ بطاعته وفرض ولايته قلت يا أمير المؤمنين صفهم لي فقال الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه ونبيّه فقال : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأمر مِنْكُمْ »(١) قلت يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك أوضح لي فقال الذين قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخر خطبته يوم قبضه الله

____________________________________________________________________

وترك المعاصي فالمشهور أنّها شرط لكمال الإيمان وقد مرّ الكلام فيه مفصلاً.

« من زعم » أي حال من زعم أن الله أمر به ، ظاهره أن الابتداع في الدين يوجب الكفر ، فلو كان في أصول الدين أو متضمناً لإنكار بعض ضرورياته فلا ريب فيه ، ومنه إنكار إمامة أحدّ من الأئمّةعليهم‌السلام ، وإمّا إذا كان في الفروع ولم يكن ضرورياًّ للدين فالكفر بالمعنى الذي يطلق على أصحاب الكبائر « ويزعم أنّه يعبد الذي أمره به » أي يزعمه وهو الربّ تعالى وإلّا فالأمر والمعبود واحدّ وهو الشيطان « أن لا يعرف حجة الله » عدم معرفة الحجة وإن كان أعمّ من الاعتقاد بعدم كونه حجة ومن عدم الاعتقاد مطلقاً ، لكنّ المراد هنا هو الثاني لأنّ الأوّل كفر ، ومن قدم الطاغوت على الحجة فهو داخل في الأوّل ، وفي الكلام السّابق إشعار به.

« أطيعوا الله » إلخ حذف مفعول الإطاعة للدلالة على التعميم ، فوجب إطاعة أولي الأمر في جميع الأمور كما وجب إطاعة الله وإطاعة رسوله فيها ، فلا يجوز أن يراد بأولى الأمر السلطان الجائر ، بل غير المعصوم مطلقاً ، إذ لا يجوز إطاعته في أكثر الأمور ، وقد مرّ تفصيله في باب ما نص الله ورسوله على الأئمّةعليهم‌السلام .

______________________

(١) سورة المائدة : ٩٥.

٢٣٧

عزَّوجلّ إليه : إنّي قد تركت فيكم أمرين لن تضلّوا بعدي ما إن تمسكتم بهماكتاب الله وعترتي أهل بيتي فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليُّ الحوض كهاتين وجمع بين مسبّحتيه ولا أقول كهاتين وجمع بين المسبّحة والوسطى فتسبّق إحداهما الأخرى فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلّوا.

____________________________________________________________________

« إنّي قد تركت فيكم أمرين » لو كان لهذه الأمة متمسك غيرهما لذكره ، والحديث متفق عليه بين الخاصّة والعامّة ، وعدم الافتراق باعتبار أن الكتاب يدلّ على إمامتّهم ، وهم يشهدون بحقية الكتاب ويثبتونه ، أو أن تمام القرآن لفظا وتفسيره وتأويله معنى عندهم فهما لا يفترقان ، أو هما متساوقان في الشرف والفضل والحجية ، وكونهما وسيلة لنجاة الأمة ، أو أنهما متحدان حقيقة ، وقد قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أنا كلام الله الناطق وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب القرآن إنشاء الله.

وقيل : أي لن يفترقاً في وجوب التمسك والحجية فلو كان عليُّعليه‌السلام حجة بعد الثلاث وقد كان القرآن حجة بعد النبي بلا فصّل لزم الافتراق وأنه باطل.

« ولا تقدموهم » أي لا تتقدموهم ، والضمير للعترة وقد يقال أنه من باب التفعيل والضمير للغاصبين الثلاثة ، ولا يخفى بعده.

٢٣٨

( باب )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن المنقري ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إنَّ بني أميّة أطلقوا للنّاس تعليم الإيمان ولم يطلقوا تعليم الشرك لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه.

____________________________________________________________________

باب

أي نادر

الحديث الأول : ضعيف.

« أطلقوا للناس » قال والد شيخنا البهائيقدس‌سره : قيل : في معناه أن المراد أطلقوهم ولم يكلفوهم تعليم الإيمان ، وجعلوهم فارغين من ذلك لأنهم لو حملوهم وكلفوهم تعليم الإيمان لـمّا عرفوه ، وذلك إنّما هو أهل البيتعليهم‌السلام وهم أعداء أهل البيت ، فكيف يكلفون الناس تعليم شيء يكون سبّبا لزوال دولتهم وحكمهم وزيادتهم بخلاف الشرك ، ولا يخفى بعده ، بل الظاهر أن المراد أنهم لم يعلموهم ما يخرجهم من الإسلام من إنكار نصّ النبيّ والخروج على أمير المؤمنينعليه‌السلام وسبّه وإظهار عداوة النبيّ وأهل بيته وغير ذلك ، لئلّا يأبوا عنها إذا حملوهم عليها ، ولم يعرفوا أنّها شرك وكفر.

وبعبارة أخرى يعني أنّهم لحرصهم على إطاعة الناس إيّاهم اقتصروا لهم على تعريف الإيمان ولا يعرّفوهم معنى الشرك لكي إذا حملوهم على إطاعتهم إيّاهم لم يعرفوا أنّها من الشرك فإنّهم إذا عرفوا أن إطاعتهم شرك لم يطيعوهم.

٢٣٩

( باب )

( ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن حسين بن نعيم الصحاف قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام لم يكون الرّجل عند الله مؤمناً قد ثبت له الإيمان عنده ثمّ ينقله الله بعد من الإيمان إلى الكفر ؟ قال : فقال إن الله عزَّ وجلَّ هو العدل إنّما دعا العباد إلى الإيمان به لا إلى الكفر ولا يدعو أحداً إلى الكفر به فمن آمن بالله ثمَّ ثبت له الإيمان عند الله لم ينقله الله

____________________________________________________________________

باب ثبوت الإيمان وهل يجوز أن ينقله الله

الحديث الأول : صحيح.

« لم ينقله الله » لعلّ المراد أنّ الله لم ينقله بل ينتقل هو بنفسه ، أو المعنى أن ما ينقله الله يظهر أنه لم يكن مؤمناً باطناً عند الله وتفصيله أنه سأل عن سبّب نقل ثابت الإيمان منه إلى الكفر إلّا أنه نسبّ النقل إلى الله عزّ وجلّ مجازاً باعتبار خذلانه له وسلب لطفه وتوفيقه منه ، أو عن سبّب نقله عزّ وجلّ إيّاه حقيقة لزعمه أن الكفر والإيمان من فعله عزّ وجلّ.

والجواب على الأوّل أن الله عادل ومن عدله أنه دعا الناس إلى الإيمان لا إلى الكفر ، فمن آمن به وثبت إيمانه في علمه لم ينقله من الإيمان إلى الكفر ، ولم يسلب عنه لطفه وتوفيقه أبداً وهو يخرج من الدّنيا مؤمناً ، وما قد يتفق من نقل المؤمن إلى الكفر فإنّما هو إذا كان الإيمان مستودعاً غير ثابت.

وعلى الثاني أنّه تعالى عادل لا يجور ، ولو كان الإيمان والكفر والنقل من الأوّل إلى الثاني من فعله تعالى لزم الجور والظلم ، وإنّما فعله دعاء الناس إلى الإيمان لا إلى الكفر وهدايتّهم إلى منافع الأوّل ومضار الثاني ، فمن آمن به وثبت له

٢٤٠