مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30904
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30904 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » إلى قوله «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السّماء »(١) .

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي المغراء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن القلب يكون في الساعة من اللّيل والنهار ليس فيه إيمان ولا كفر إمّا تجدّ ذلك ثمّ تكون بعد ذلك نكتة من الله في قلب عبده بما شاء إن شاء بإيمان وإن شاء بكفر.

٧ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرَّحمن ، عن عبد الله بن القاسم ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله خلق قلوب المؤمنين مبهمة على الإيمان فإذا أراد استنارة

____________________________________________________________________

أي يعرفه طريق الحقّ ويوفقه للإيمان «يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ » فيتسع له ويفسح فيه مجالة «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً » بحيث ينبو عن قبول الحقّ فلا يدخله الإيمان «كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السّماء » شبهه مبالغة في ضيق الصدر بمن يزأوّل ما لا يقدر عليه ، فإن الصعود إلى السّماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، انتهى.

وقد مرّ بعض القول في هداية الله وإضلاله ، وقيل : لعلّ المراد بالآية أن من يرد الله أن يهديه إلى الإسلام لعلمه أزلا بإسلامه وحسن رعايته للفطرة الأصلية يشرح صدره للإسلام وقبول أحكامه ، فيصرف زمام قلبه إليه باللطف والتوفيق فإذا أصابه قر واطمأن به «وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ » بسبب اللطف والتوفيق لعلمه بأنّه لا يؤمن «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً » في قبول الإيمان «حَرَجاً » في الاتصاف به كأنمّا يصعد إلى السّماء ، وهو كناية عن شدة قلبه وصعوبته ونهاية بعده وتأمله في قبول الإيمان ولوازمه.

الحديث السادس : صحيح.

وقد مرّ عن أبي بصير باختلاف يسير في المتن والسّند.

الحديث السابع : ضعيف ، وقد مرّ بسند آخر عن الكاظمعليه‌السلام .

______________________

(١) سورة الأنعام : ١٢٥.

٢٦١

ما فيها فتحها بالحكمة وزرعها بالعلم وزارعها والقيّم عليها ربُّ العالمين.

( باب )

( في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللسان ونور قلب المؤمن )

( وإن قصر به لسانه )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن فضّال ، عن عليُّ بن عقبة ، عن عمرو ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لنا ذات يوم تجد الرّجل لا يخطئ بلام ولا واو خطيبا مصقعا ولقلبه أشدّ ظلمة من اللّيل المظلم وتجدّ الرّجل لا يستطيع يعبر عمّا في قلبه بلسانه وقلبه يزهر كما يزهر المصباح.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن هارون بن الجهم ، عن المفضّل ، عن سعد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن القلوب أربعة قلبٌ

____________________________________________________________________

باب في ظلمة قلب المنافق وإن أعطي اللسان ونور قلب المؤمن وإن قصر به لسانه

الحديث الأول : مجهول لاشتراك عمرو الظّاهر صحّته ، و المسقع كمنبر بالسّين والصّاد : البليغ أو العالي الصّوت ، أو من لا يرتج عليه في كلامه ، ولا يتعتع ذكره الفيروزآبادي ويدلّ على أن حسن الظاهر وطلاقة اللسان وفصاحة البيان لا عبرة بها بدون تنور القلب وصفائه واستقامته ، وإنّما العبرة بصفاء الباطن ونورانيته وإن لم يكن معه صفاء الظاهر ، والله الناظر الرقيب لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكنّ ينظر إلى قلوبكم ونياتكم.

الحديث الثاني : مختلف فيه.

والظاهر أن المفضّل هو أبو جميلة لروايته عن سعد وهو ابن طريف « إن القلوب أربعة » قيل : وجه الحصر أن القلب إمّا متصف بالإيمان أو لا ، والأوّل إمّا متصف بالإيمان بجميع ما جاء به النبي أو ببعضه دون بعض ، والأوّل قلب

٢٦٢

فيه نفاق وإيمان وقلبٌ منكوس وقلبٌ مطبوع ، وقلبٌ أزهر أجرد فقلت ما الأزهر قال فيه كهيئة السراج فإمّا المطبوع فقلب المنافق وإمّا الأزهر

____________________________________________________________________

المؤمن والثاني قلب فيه إيمان ونفاق ، والثانيّ إمّا أن يصرّح بالإيمان ظاهراً أو لا ، والأوّل قلب المنافق ، والثاني قلب المشرك.

وأقول : يمكن أن يكون المراد هنا بالنفاق التزلزل في الإيمان أو الرياء أو عدم العمل بمقتضى الإيمان ، فيشمل إرادة المعاصي والإصرار عليها ، وفي النهاية الأزهر الأبيض المستنير ، وقال : الأجرد : الذي ليس على بدنه شعر وفيه : القلوب أربعة قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر أي ليس فيه غل ولا غش ، فهو على أصل الفطرة فنور الإيمان فيه يزهر ، والقاموس : الأجرد فضاء لا نبات فيه ، ويوم أجرد تام ، انتهى.

فشبّهعليه‌السلام قلب المؤمن بأرض صافية بيضاء قابلة لزرع الإيمان والحكمة وخالية عن شوك الشكوك والشبهات وذمائم الأخلاق ، وقال فيه : كهيأة السراج ، الهيئة الحالة والصورة ، شبه ما في القلب من نور الإيمان والمعارف بنور السراج للأيضاًح لأنه أشهر وإن كان في المشبه أكمل ، لأنّ بنور القلب يرى ما في عالم الملك والملكوت ، وبنور السراج يرى بعض ما حوله من المبصرات.

« فإمّا المطبوع فقلب المنافق » الطبع الختم ، وختم القلب كناية عن منع الله عزّ وجلّ ألطافه الخاصّة لإعراضه عن الحقّ ، وإنّما نسبّ ذلك إلى قلب المنافق لأنّ عدم دخول الإيمان فيه مع تعرضه له بإظهاره باللسان إنّما هو لمانع وهو الطبع المسبّب عن إبطاله لاستعداده الفطري ، وفي النهاية فيه : من ترك ثلاث جمع من غير عذر طبع الله على قلبه ، أي ختم عليه وغشاه ومنعه ألطافه ، والطبع بالسكون الختم بالتحريك الدنس ، وأصله من الدنس والوسخ يغشيان السيف ، يقال : طبع السيف يطبع طبعاً ثمّ استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من القبائح.

٢٦٣

فقلب المؤمن إن أعطاه شكر وإن ابتلاه صبر وإمّا المنكوس فقلب المشرك ثمّ قرأ هذه الآية «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(١) فإمّا القلب الذي فيه إيمان ونفاق فهم قوم كانوا بالطائف فإنّ أدرك

____________________________________________________________________

« إن أعطاه شكر » ذكر من صفات المؤمن الصّبر والشكر لأنّهما من أمّهات صفات الكمال مستوعبان لجميع الأحوال وإنما وصف قلب المشرك بالنكس لأنّه كالظرف المقلوب المكبوب لا يستقر فيه شيء ، وخصه بالمشرك لأنّ قلب المنافق يمرّ فيه شيء من الحقّ والإيمان ، ولا يعتقد به بخلاف قلب المشرك ، فإنّه لا يمرّ فيه شيء من الحقّ ، ولا ينافي ذلك كون عقوبة المنافق أشدّ لأنّ إنكار الحقّ مع العلم به أشنع وأقبح.

وقيل : القلب المنكوس هو القلب الناظر إلى الدّنيا المتوجّهة إليها لأنّ الدّنيا تحت الآخرة وأنه لـمّا صرف نظره وهمته عن الدّرجات العالية الّتي هي فوقه وقصر نظره وهمه إلى الدّنيا الدنية فكأنّه نكس وانقلب ، أو أنّه لـمّا خلقه الله تعالى على الفطرة القويمة وهيأ له أسباب الترقي والطيران إلى الدّرجات العالية فإن توجه إلى الشهوات البهيمية وضيع فطرته الأصلية فقد تنزل عمّا كان عليه وتوجه إلى الجهة السفلى ، فصار منكوساً كالطير الذي يطير إلى جهة السفل.

والاستشهاد بالآية إمّا لمناسبّة التشبيهات أو لأنّ المكب على وجهه يصير قلبه أيضاً منكوساً أو لأنّ المراد بالإكباب في الآية إكباب قلبه ، وقيل : الاستشهاد باعتبار أن المشرك يمشي مكبا على وجهه لكون قلبه مكبوباً مقلوباً ، والمؤمن يمشي سوياً لكون قلبه على وجه الفطرة مستقيماً عارفاً بالحقّ كما يرشد إليه قوله تعالى «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » وقال البيضاوي معنى مكباً أنه يعثر كلّ ساعة ويخر على وجهه لو عورة طريقه واختلاف أجزائه ، ولذلك قابله بقوله «أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا » قائماً سالـمّا من العثار «عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ » مستوي الأجزاء أو الجهة ، والمراد تمثيل المشرك والموحد

______________________

(١) سورة الملك : ٢٢.

٢٦٤

أحدهم أجله على نفاقه هلك وإن أدركه على إيمانه نجا.

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال القلوب ثلاثة قلب منكوس لا يعي شيئاً من الخير وهو قلب الكافر وقلب فيه نكتة سوداء فالخير والشرّ فيه يعتلجان فأيهما كانت منه غلب عليه وقلبٌ مفتوحٌ فيه مصابيح تزهر ولا يطفأ نوره إلى يوم القيامة وهو قلب المؤمن.

____________________________________________________________________

بالسالكين والدّينين بالمسلكين ، وقيل : المراد بالمكبّ الأعمى فإنّه يعتسف فينكبّ وبالسوىّ البصير وقيل : من يمشي مكبّاً هو الذي يحشرّ على وجهه إلى النّار ، ومن يمشي سوياً الذي يحشرّ على قدميه إلى الجنّة « فهم قوم » أي هم وأمثالهم ، وذكرهم على التمثيل والمراد بهم الشكاك ومن يعبد الله على حرف.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« القلوب ثلاثة » هذا لا ينافي ما مرّ أن القلوب أربعة ، فإن قوله وقلب فيه نكتة سوداء يشمل قسمين منها ، وهما قلب فيه نفاق وإيمان ، وقلب المنافق ، وفي القاموس : وعاه يعيه حفظه وجمعه كأوعاه ، وقال : اعتلجوا اتخذوا صراعا وقتالاً والأمواج التطمت.

« وقلب مفتوح » وهو الذي يقبل الإيمان والمعارف والأسرار ، وكلها نور ينور القلب في عالم الأبداًن والأرواح ، و قوله : لا يطفأ نوره إلى يوم القيامة ، إشارة إلى أن القلب المنور بنور الإيمان والمعارف منور بعد الفراق من البدن في عالم البرزخ وبعده ، فإن هذه الأنوار باقية لا تزول منه أبداً.

٢٦٥

( باب )

( في تنقل أحوال القلب )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن محمّد بن النعمان الأحول ، عن سلام بن المستنير قال كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام فدخل عليه حمران بن أعيّن وسأله عن أشياء فلـمّا هم حمران بالقيام قال لأبي جعفرعليه‌السلام أخبرك أطال الله بقاءك لنا وأمتعنا بك أنا نأتيك فما نخرج من عندك حتّى ترق قلوبنا وتسلو أنفسنا عن الدّنيا ويهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال ثمّ نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجار أحببنا الدّنيا قال فقال أبو جعفر

____________________________________________________________________

باب في تنقل أحوال القلب

الحديث الأول : مجهول.

« وتسلو أنفسنا عن الدّنيا » في القاموس سلاه وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا نسيه ، وأسلاه عنه فتسلى « إنما هي القلوب » أي إنمّا سمّي بالقلب لتقلب أحواله « مرة تصعب » أي عن الإقبال على عالم القدس ورفض الدّنيا « ومرّة تسهل » وتلين وتطيع العقل وتترك الشهوات بسهولة ، ووجه ذلك أن سنة الله في عالم الإنسان أن يكون متوسطاً بين عالم الملائكة وعالم الشياطين.

فالملائكة ثابتون في مقام القدس كما قالوا : «وَما مِنَّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ »(١) «وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ »(٢) و «يُسبّحُونَ اللّيل وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ »(٣) والشياطين منهمكون في الشرور والخطيئات داعون إلى المعاصي والسّيئات وكذلك البهائم

______________________

(١) سورة الصافات : ١٦٤.

(٢) سورة التحريم : ٦.

(٣) سورة الأنبياء : ٢٠.

٢٦٦

عليه‌السلام إنّما هي القلوب مرَّة تصعب ومرَّة تسهل.

ثمّ قال أبو جعفرعليه‌السلام أمّا إن أصحاب محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله قالوا يا رسول الله نخاف علينا النفاق قال فقال ولم تخافون ذلك قالوا إذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسينا الدّنيا وزهدنا حتّى كأنا نعاين الآخرة والجنّة والنّار ونحن عندك فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحول عن الحال الّتي كنا عليها عندك وحتّى كأنا لم نكن على شيء أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كلا إن هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدّنيا والله لو تدومون على الحالة الّتي وصفتم

____________________________________________________________________

شأنهم الميل إلى الشهوات والرغبة في اللذات ، والإنسان عالم بين العالمين مركب من النشأتين ، فإن له روحاً قدسياً وجسداً بهيميّاً فهو مختلف الشؤون منتقل الأحوال ، ولو لم يكن كذلك لم يتيسر له الترقي إلى أعلى مدارج الكمال وأقوى الدواعي إلى الصعود على أحسن الأحوال ، وأنفع الجنود لدفع وساوس الشياطين والتخلص عن الأهوال بمجالسة الصالحين ومعاشرتهم ومتابعتهم في الأقوال والأفعال كما يرشد إليه هذا الحديث.

والشمم القرب والدنو ، وكان المراد هنا الالتذاذ بقربهم والنظر إليهم تشبيها لهم بالرياحين ، و الأهل : الزوجة وذكرها تخصيص بعد تعميم « كانا لم نكن على شيء » أي من الحالة الأولى.

« إن هذه خطوات الشيطان » إشارة إلى قوله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأمر بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحدّ أبداً ، وَلكنّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(١) وفي القاموس : الخطوة ويفتح ما بين القدمين والجمع خطا وخطوات ، وبالفتح المرَّة والجمع خطوات ، والمعنى أن ذلك بسبب وساوس

______________________

(١) سورة النور : ٢١.

٢٦٧

____________________________________________________________________

الشيطان وأتباعه ، فإن وفّق الله للتوبة لا يضرّ ذلك ولا ينتهي إلى النفاق أي باطنكم مؤمن موقن وقد تعرَّض لكم الغفلة بسبب وساوس الشيطان ، حيث أنّه لم يكن له تصرف في أيمان المؤمن يتوسّل بما يوجب نقص إيمانه ، والمنافق باطنه غير مؤمن وهو في الغفلة دائماً فبينهما بون بعيد.

وقيل : ينبغي أن يعلم أن قلب المؤمن في الحقيقة عرش الرَّحمن يطوف به قوافل وإرادات من الحقّ وإلهاماته ، ويشرق فيه لوامع أنواره وطوالع إسراره ، ولذلك يجب تطهيره عن أدناس التعلقات وأرجاس الشهوات ، وقد قيل : له بابان باب شرقي أيمن مفتوح إلى مشرق نور الحق. وحظيرة القدس ، يطلع من ذلك الباب شوارق ألطاف الربوبيّة والمواعظ اللاهوتية ، وباب غربي أيسر إلى مغرب الجسد والأعضاء ومنه يظهر آثار تلك الشوارق والمواعظ إلى الأعضاء فتخضع بالأعمال الصالحة تواضعاً ويسهل القلب عند ذلك وتتم النعمة ظاهرة وباطنة وكثيراً ما يتصرف فيه الشيطان ويلقي إليه من الباب الغربي كذباً وزورا ، ويوحى إليه زخرف القول غرورا فيميله إلى الدّنيا ويحدّث فيه صداء ورينا ، فإن استيقظ من نداء الغيب ودعوة أهل الحقّ واستغفر زال عنه ، وإن استمرّ يسري ذلك من الباب الشرقي إلى عالم القدس ويمنع الواردات اللاهوتية وأنوار الربوبيّة فيسود لوح القلب ويصدر من الجوارح أعمال قبيحة مظلمة ، وتنعكس ظلمتها إليه ، فينطمس نوره بريح الشهوات ، وتراكم الظلمات ، ظلمات بعضها فوق بعض ، فلا يقبل الحقّ أبداً.

ثمّ أشارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن الحالة الأولى حالة حسنة شريفة ، والدوام عليها يوجب التشبيه بالملائكة ، والوصول إلى مقامات عالية ، وإلى أن الحالة الثانية والتعرَّض للذنب والاستغفار بعده لا تخلو من حكمة إلهية ومصلحة ربانية ، بقوله : « والله لو تدومون » إلخ.

لأنّ المانع من ظهور تلك الآثار هو الكدورات الجسمانية ، والتعلقات

٢٦٨

أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء ولو لا أنكم تذنبون فتستغفرون الله لخلق الله خلقاً حتّى يذنبوا ثمّ يستغفروا الله فيغفر [ الله ] لهم إن المؤمن مفتن

____________________________________________________________________

البشرية والوساوس الشيطانية ، والميل إلى الزهرات الدنيويّة ، فإذا زالت عن العبد تلك الموانع دائماً يصير نوراً صرفاً وروحاً محضاً ، ويتصف بصفات الملائكة ، ويلتحقّ بالروحانيين ويصافحهم ، ويكون معهم ويمشي على الماء مثلهم.

وإن شئت توضيح ذلك فنقول : أن للروّح الإنساني منازل في السير إلى الله ، أولها المحسوسات ، وثانيها المتخيلات ، وثالثها الموهومات ، ورابعها المعقولات ، وهو في هذا المنزل يمتاز عن سائر الحيوانات ، ويرى فيه ما هو خارج عن عالم الحس والخيال والوهم ، ويعلم روّح الأشياء وحقائقها ، وله عرض عريض أوله أوّل عالم الإنسان ، وآخره عالم الملائكة بل فوقه ، وهو معراج الإنسان وأعلى عليين له ، كما أن الثلاثة الأوّل أسفل السافلين له ، وأعظم أسباب معراجه قطع التعلق عن الدّنيا والإعراض عنها بالكلية ، ثمّ الدوام على هذه الحالة فإنه يوجب الوصول إلى حالة شريفة هي مرتبة عيّن اليقين ، وله في تلك المرتبة قدرة على أفعال غريبة وآثار عجيبة بإذن الله تعالى ، كمصافحة الملائكة والمشي على الماء والهواء وغيرها ، ومنه يعلم أن الكرامات غير منكرة من الأولياء كما زعمه بعض العلماء.

« ولو لا أنكم تذنبون. » أقول : يدلّ على أن لله تعالى مصلحة عظيمة في هذا النوع من الخلق ، لتظهر غفاريته ولطفه ورحمته ، بل الظاهر أن هذا سبّب لرفعة درجاتّهم وتضاعف كمالاتّهم ، ولا ينافي ذلك عدم صدور تلك الأفعال وظهور تلك الآثار منهم ، كما أن أكثر أفراد المؤمنين أفضل من كثير من الملائكة مع ظهور تلك الأمور من الملائكة دونهم ، ولا يبعد أن يكون التلوث بالخطيئات سبّبا للتذلل والخضوع ورفع الدّرجات ، حتّى أن أكثر الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام ابتلوا بارتكاب ترك الأولى والمكروهات ، فارتقوا بعد ذلك إلى أعالي الدّرجات ، كما يومئ إليه قوله

٢٦٩

توَّاب أما سمعت قول الله عزّ وجلّ : «إِنَّ اللهَ يحبّ التَّوَّابِينَ وَيحبّ الْمُتَطَهِّرِينَ »(١) وقال «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثمّ تُوبُوا إِلَيْهِ »(٢)

____________________________________________________________________

سبحانه : «وَعَصى آدَمُ ربّه فَغَوى ، ثمّ اجْتَباهُ ربّه فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى »(٣) وقال سبّحانه : «وَظنّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ ربّه وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ، فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ »(٤) ومثله كثير في الكتاب ، والقصار يلوث الثوب بأشياء ثمّ يغسله ليصير أحسن وألطف وأشدّ بياضا ممّا كان ، كما أن آدمعليه‌السلام قبل ارتكاب ترك الأولى في الجنّة كان في عداد الملائكة وشبيها بهم ، وإن كان أفضل منهم ومسجوداً لهم ، ولـمّا ارتكب ترك الأولى وهبط إلى الأرض واستغفر وبكى على ما صدر عنه سنين متطاولة كملت محبّته ، وصفى وزكى وصار نبيّاً مصطفى وعمرّ الله به وبأولاده الأرض ، وتمت حكمة الله البالغة ، وظهرت رحمته السابغة وهذا سر من أسرار القدر والقضاء يتحير فيه ألباب الحكماء.

« إن المؤمن » كأنه كلام البأقرّعليه‌السلام وفي النهاية في الحديث : المؤمن خلق مفتنا أي ممتحنا يمتحنه الله بالذنب ثمّ يتوب ، ثمّ يعود ثمّ يتوب يقال : فتنته افتنه فتونا إذا امتحنته ، ويقال فيها افتتنته أيضاً وهو قليل ، وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختيار للمكروه ، ثمّ كثر حتّى استعمل بمعنى الإثمّ والكفر والقتال والإحراق والإزالة ، والصرف عن الشيء ، ومنه أنّه يحبّ المفتن التواب ، أي الممتحن بالذنب ثمّ يتوب ، انتهى.

« إمّا سمعت » يمكن أن يكون الاستشهاد باعتبار تقديم التوابين وحبّهم بناء على أن المراد بالمتطهريّن المتطهّرون من الذنوب ، لكنّ ورد في بعض الأخبار أنّ المراد بهم المتطّهرون بالماء ، فالاستشهاد بمحض حبّهم.

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٢٢.

(٢) سورة هود : ٣.

(٣) سورة طه : ١٢١.

(٤) سورة ص : ٢٤.

٢٧٠

( باب )

( الوسوسة وحديث النفس )

١ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن محمّد بن حمران قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الوسوسة وإن كثرت فقال لا شيء فيها تقول : لا إله إلّا الله.

____________________________________________________________________

باب الوسوسة وحديث النفس

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« وإن كثرت » بالكسر ، وربّما يقرأ بالفتح على أنهّا مخففة من المثقلة عطفاً على الوسوسة ، و الوسوسة حديث النفس مثل من خلق الله؟ وأين هو؟ وكيف هو؟ ومتى هو؟ والوساوس في أحوال الخلق ونسبّة المعاصي إليهم كما هو أحد معاني التفكر في الوسوسة في الخلق ، أو إرادة المعاصي أو الأعمّ وهو إذا خطر ذلك في القلب من غير قصد ولا عقد ولا تكلم به لقصد التشهير والتزويج ، وربّما يفرق بين الوسوسة وحديث النفس بأن الوسوسة آكد ، مثلاً إن خطر ببالك النظر إلى امرأة فهو حديث النفس وإن حصلت الرغبة وحركتك الشهوة فهو الوسوسة ولا شيء فيهما.

ومن أراد دفع كراهة ذلك وطرد الخبيث عن نفسه فليقل : لا إله إلّا الله ، أو ليقل آمنا بالله وبرسوله لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، أو ليذكر الله وحده.

قيل : أمره بالتوحيد لوجوه : الأوّل : أن لا يأتيه الموت وهو على تلك الحال.

الثاني : نفي ما ألقى في نفسه من أن للإله إلها آخر ، حيث صرح بأنّ الإله واحد ليس إلّا هو.

الثالث : أن تلك الكلمة تطرد الخبيث وتدفعه عن قائلها ، ولذلك يلقن

٢٧١

____________________________________________________________________

المحتضر بها.

الرابع : إفادتها أن سلسلة الممكنات منتهية إليه فلا يكون له موجد.

الخامس : أن من اتصف بجميع صفات الكمال لا يتصف بالمخلوقية والاحتياج.

السادس : أنه لو كان له إله لزم الدور أو التسلسل ، فوجب حصر الألوهية في واحدّ ، وروى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسهم ما لم يتكلّم به أو يعمل به ، قال بعضهم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا بعد نزول النسخ أو التخفيف ، لقوله تعالى : «إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسبّكُمْ بِهِ اللهُ »(١) فقال بعض الصحابة : من يطيق هذا؟ فقال : أتريدون أن تقولوا ما قال بنو إسرائيل سمعنا وعصينا ، قولوا سمعنا وأطعناً فقالوا ، فأنزل الله التخفيف بقوله : «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها »(٢) الآية ، فقالعليه‌السلام كالمبين والمفصّل لجملتها : إن الله تعالى تجاوز لي ، إلى آخره.

فبين لهم ما رفع عنهم ممّا لا يطيقونه ، وهو حديث النفوس فأعلمهم أن له سبّحانه أن يكلفهم ما يعلم أنه يشق عليهم معاناته بمقتضى عدله ، وعدله حسن ثمّ خفف عنهم برفع ما يعجزون عنه إظهارا لفضله ، والفضل عليهم أحسن ، والمراد بحديث النفس المعفوّ عنه ما لا يدخل تحت كسبّ العبد من الخواطر أولا ، والفكر فيما يخطر للنفس ثانيا ، فيتأمله ويتحدث هل يعمله أم لا ، فهذا معفوّ إلى أن يترجّح في القلب الفعل أو الترك فيهتمّ به ، فإن كان خيراً كتب له حسنة ، وإن كان شرّاً لم يكتب ، فإذا قوي العزم صار نية فيعزم القلب وينوي ، فمن هناك يتحقّق كسبّه وفعله ، فتقع المؤاخذة والمحاسبة لقوله تعالى : «وَلكنّ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسبّتْ قُلُوبُكُمْ »(٣)

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٦.

(٣) سورة البقرة : ٢٢٥.

٢٧٢

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له إنّه يقع في قلبي أمر عظيم فقال قل لا إله إلّا الله قال جميل فكلـمّا وقع في قلبي شيء قلت لا إله إلّا الله فيذهب عني.

٣ - ابن أبي عمير ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله هلكت فقال لهعليه‌السلام أتاك الخبيث فقال لك من خلقك فقلت الله فقال لك الله من خلقه فقال إي والذي بعثك بالحقّ لكان كذا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاك والله محض الإيمان.

____________________________________________________________________

ثمّ استدركعليه‌السلام بعد ذكر ما عفي عنه ما يحاسبّ عليه فقال : ما لم تتكلّم به وهو عمل اللسان ، أو تعمل به ، وهو عمل القلب وكسبّه وهو عزمه ونيّته وأفعال الجوارح والأركان ، فهذا ما لم يعف عنه وإن جاز العفو عنه بعد إثباته والمحاسبّة عليه فضلاً ، كما روي : أن الله تعالى يقول للمحافظين : فإذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها وآخذه أو أغفر.

وقولهعليه‌السلام : إن الله تجاوز لي ، يشعر بفضيلته فإن الله تعالى خصه في حقّ أمته بهذا العفو دون من قبله من الأنبياء ، كما خصه بقوله : نصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ولم يحلّ لأحد قبلي ، ونصرت بالصبا ، إلى غير ذلك وأكرمه ، انتهى كلامه.

وأقول : قد مرّ بعض القول في ذلك في باب أن الإيمان مبثوث بجوارح البدن.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح وهو مثل السابق.

والأمر العظيم إمّا شيء من الخواطر لو تكلم به أو اعتقده يكون كفراً موجباً للقتل والارتداد ، أو إرادة ذنب من الكبائر كما عرفت.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

« ذلك والله محض الإيمان » قيل فيه وجوه : أحسنها ما رواه عبد الرَّحمن بأن يكون ذلك إشارة إلى خوفه من الهلاك ، فإن الكافر لا يخاف من هذه ولا من

٢٧٣

قال ابن أبي عمير : فحدَّثت بذلك عبد الرَّحمن بن الحجّاج فقال حدثني أبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنما عنى بقوله هذا والله محض الإيمان خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه.

٤ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن عليُّ بن مهزيار قال كتب رجل إلى أبي جعفرعليه‌السلام يشكو إليه لممّا يخطر على باله فأجابه في بعض كلامه إن الله عزّ وجلّ إن شاء ثبتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً ، قد شكا قوم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لممّا يعرض لهم لأنّ تهوي

____________________________________________________________________

أعظم منها.

الثاني : أن تلك الخطورات لإبطال الاحتمالات الباطلة ، ليصير في الحقّ على يقين ، فإن من أراد إقامة الدليل على مطلب يتفكّر في الاحتمالات المضادة له ليبطلها ويتمّ برهانه على الحق.

الثالث : أن الشيطان لـمّا يئس من الخلل في إيمان العبد يتعرَّض له بتلك الخواطر كما يرشد إليه حديث آخر الباب.

الحديث الرابع : صحيح.

وقال في النهاية في حديث ابن مسعود : لابن آدم لـمّتان لمة من الملك ولمة من الشيطان ، اللمة الهمة والخطرة تقع في القلب ، أراد إلمام الملك والشيطان به والقرب منه ، فما كان من خطرات الخير فهو من الملك ، وما كان من خطرات الشرّ فهو من الشيطان ، وفي القاموس : اللمم محرّكة الجنون وصغار الذنوب وأصابته من الجنّ لـمّة ، أي مسّ أو قليل ، وقيل : إنّما جعل الوسوسة لممّا أي ذنبا صغيراً لزعمه أنّها من صغائر الذنوب أو لأنهّا قد تؤول إلى الذنب ، وإلّا فهي ليست من الذنوب ولا يخفى أنّه لا حاجة إلى هذا التكلف كما عرفت ، و الهوى السقوط من أعلى إلى أسفل ، وفعله من باب ضرب ، ومنه قوله تعالى : «أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي

٢٧٤

بهم الريح أو يقطّعوا أحبُّ إليهم من أن يتكلّموا به فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أتجدون ذلك قالوا نعم فقال والذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان فإذا وجدتموه فقولوا آمنّا بالله ورسوله ولا حول ولا قوَّة إلّا بالله.

٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن محمّد ، عن محمّد بن بكر بن جناح ، عن زكريّا بن محمّد ، عن أبي اليسع داود الأبزاري ، عن

____________________________________________________________________

مَكانٍ سَحِيقٍ »(١) أي بعيد ، والباء في بهم للتعدية وهم جعلوا التكلم باللمم وإظهاره أشدّ عليهم من أن يسقطهم الريح إلى مكان بعيد عميق ، أو من أن تقطع أعضاؤهم استقباحاً لشأنه واستعظاماً لأمره.

والاستفهام في قوله : أتجدون ذلك؟ على حقيقته أو للتعجب أو للتقرير ، ولفظة « ذلك » إشارة إلى كون الهوى والتقطيع أحبّ إليهم من التكلم به أو أصل اللمم والأوّل أظهر والإشارة الثانية أيضاً تحتمل الوجهين كما عرفت.

وقد روي مثل ذلك في طرق العامّة قال في النهاية في حديث الوسوسة : ذلك صريح الإيمان أي كراهتكم له وتفاديكم منه صريح الإيمان ، والصريح الخالص من كلّ شيء وهو ضد الكناية يعني أن صريح الإيمان هو الذي يمنعكم لقبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم حتّى يصير ذلك وسوسة لا يتمكن في قلوبكم ولا تطمئن إليه نفوسكم ، وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان لأنها تتولد من فعل الشيطان وتسويله فكيف يكون إيماناً صريحاً.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : أي استعظامكم التكلم به فإن شدّة خوفكم منه فضلاً عن اعتقاده إنّما يكون لمن استكمل الإيمان ، وفي الرواية الثانية وإن لم يذكر الاستعظام لكنه مراد ، وقيل : سبّب الوسوسة علامة محض الإيمان فإن الشيطان إنّما يوسوس لمن آيس عن إغوائه.

الحديث الخامس : مجهول ، وقد مضى الكلام فيه.

______________________

(١) سورة الحج : ٣١.

٢٧٥

حمران ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن رجلاً أتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله إنني نافقت فقال والله ما نافقت ولو نافقت ما أتيتني تعلمني ما الذي رابك أظنّ العدوّ الحاضر أتاك فقال لك من خلقك فقلت الله خلقني فقال لك من خلق الله قال إي والذي بعثك بالحقّ لكان كذا فقال إن الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم الله وحده.

____________________________________________________________________

تحقيق

قال بعض المحقّقين في بيان ما يؤاخذ العبد به من الوساوس وما يعفى عنه : اعلم أن هذا أمر غامض وقد وردّت فيه آيات وأخبار متعارضة يلتبس طريق الجمع بينها إلّا عليُّ سماسرة العلماء(١) فقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : عفي عن أمتي ما حدثت به نفوسها ، وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يقول الله للحفظة : إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه ، فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإن هم بحسنة ولم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرّاً ، وهو دليل على العفو عن عمل القلب وهمه بالسيئة.

فإمّا ما يدلّ على المؤاخذة فقوله سبّحانه : «وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسبّكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيعذّب مَنْ يَشاءُ »(٢) وقال تعالى : «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كلّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً »(٣) فدل على أن عمل الفؤاد كعمل السمع والبصر فلا يعفى عنه ، وقال تعالى : «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثمّ قَلْبُهُ »(٤) وقال سبحانه : «لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ

______________________

(١) السماسرة جمع السمسار.

(٢) سورة البقرة : ٢٨٤.

(٣) سورة الإسراء : ٣٦.

(٤) سورة البقرة : ٢٨٣.

٢٧٦

____________________________________________________________________

فِي أَيْمانِكُمْ وَلكنّ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ »(١) .

فالحقّ في هذه المسئلة عندنا أنه لا يوقف عليه ما لم يقع الإحاطة بتفصيل أعمال القلوب من مبدء ظهورها إلى أن يظهر العمل على الجوارح فنقول : أوّل ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثلاً صورة امرأة وأنّها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها لرآها ، والثاني : هيجان الرغبة وهو حركة الشهوة الّتي في الطبع وهذا يتولد في الخاطر الأوّل ونسميه ميل الطبع ، والأوّل يسمى حديث النفس ، والثالث : حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أن ينظر إليها ، فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنيّة ما لم تندفع الصوارف ، فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من الالتفات ، وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كلّ حال حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقاداً وهو يتبع الخاطر ، والميل الرابع تصميم العزم على الالتفات وجزم النيّة فيه ، وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصداً.

وهذه الهمة قد يكون لها مبدء ضعيف ولكنّ إذا أصغى القلب إلى الخاطر الأوّل حتّى طالت مجاذبته للنفس تأكدت هذه الهمة وصارت إرادة مجزومة ، فإن انجزمت الإرادة فربما يندم بعدم الجزم فيترك العمل ، وربّما يغفل بعارض فلا يعمل بها ولا يلتفت إليه ، وربّما يعوقه عائق فيعتذر عليه العمل.

وهيهنا أحوال للقلب قبل العمل بالجارحة ، والخاطر وهو حديث النفس ، ثمّ الميل ، ثمّ الاعتقاد ، ثمّ الهم ، فنقول : إمّا الخاطر فلا تؤاخذ به لأنّه لا يدخل تحت الاختيار ، وكذلك الميل وهيجان الشهوة لأنّهما أيضاً لا يدخلان تحت الاختيار وهما المرادان بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عفي عن أمّتي ما حدثت به نفوسها ، فحديث النفس عبارة عن الخواطر الّتي تهجس في النفس ، ولا يتبعها عزم على الفعل ، فإمّا العزم والهم فلا يسمى حديث النفس ، بل حديث النفس كما روي عن عثمان بن مظعون

______________________

(١) سورة المائدة : ٨٩.

٢٧٧

____________________________________________________________________

حيث قال لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن نفسي تحدثني أن أطلق خولة؟ قال : مهلا إن من سنتي النكاح ، قال : نفسي تحدثني أن أجب نفسي؟ قال : مهلاً إخصاء أمتي دؤب الصيام ، قال : نفسي تحدثني أن أترهب؟ قال : مهلاً رهبانية أمتي الجهاد والحج قال : نفسي تحدثني أن أترك اللحم؟ قال : مهلا فإني أحبه ولو أصبته في كلّ يوم لأكلته ولو سألت الله لأطعمنيه.

فهذه الخواطر الّتي ليس معها عزم على الفعل هي حديث النفس ، ولذلك شاور فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ لم يكن معها عزم وهم بالفعل ، وإمّا الثالث وهو الاعتقاد وحكم القلب بأنه ينبغي أن يفعل فهذا مردد بين أن يكون اضطراراً أو اختياراً والأحوال تختلف فيه ، فالاختياري منه يؤاخذ به ، والاضطراري لا يؤاخذ به ، وإمّا الرابع وهو الهم بالفعل فإنه يؤاخذ به إلّا أنّه إن لم يفعل نظر فإن تركه خوفا من الله تعالى وندم على همه كتبت له حسنة ، لأنّ همه سيئة وامتناعه ومجاهدته نفسه حسنة ، والهم على وفق الطبع لا يدلّ على تمام الغفلة عن الله ، والامتناع بالمجاهدة على خلاف الطبع يحتاج إلى قوّة عظيمة فجده في مخالفة الطبع وهو العمل لله سبّحانه أشدّ من جده في موافقة الشيطان بموافقة الطبع ، فكتبت له حسنة لأنه رجح جهده في الامتناع ، وهمه به على همه بالفعل ، وإن تعوق الفعل لعائق أو تركه لعذر لا خوفا من الله تعالى كتبت عليه سيئة فإن همه فعل اختياري من القلب.

والدليل على هذا التفصيل ما ورد في الصحيح قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر فقال : ارقبوه فإن عملها فاكتبوها عليه بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنّما تركها لأجلي ، وحيث قال : لم يعملها أراد به تركها لله ، فإمّا إذا عزم على فاحشة وتعذرت عليه بسبب أو غفلة فكيف يكتب له حسنة ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما يحشرّ الناس على

٢٧٨

____________________________________________________________________

نياتّهم ، ونحن نعلم أنّ من عزم ليلا على أن يصبح ويقتل مُسلـماً أو يزني بامرأة فمات تلك اللّيلة مات مصراً ويحشرّ على نيته وقد هم بسيئة ولم يعملها ، والدليل القاطع فيه ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النّار ، قيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال : لأنه أراد قتل صاحبه ، وهذا نص في أنه صار من أهل النّار بمجرّد الإرادة ، مع أنّه قتل مظلوماً فكيف تظنّ أن الله لا يؤاخذ بالنيّة والهم ، بل كلّ ما دخل تحت اختيار العبد فهو مأخوذ به ، إلّا أن يكفره بحسنة ، ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتب حسنة ، وإمّا فوات المراد بعائق فليس بحسنة.

وإمّا الخواطر وحديث النفس وهيجان الرغبة فكلّ ذلك لا يؤاخذ به لأنه لا يدخل تحت الاختيار ، والمؤاخذة به تكليف لـمّا لا يطاق ، ولذلك لـمّا نزل قوله تعالى : «وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسبّكُمْ بِهِ اللهُ ») ١ ( جاء ناس من الصحابة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : كلفنا ما لا نطيق إن أحدنا ليتحدث نفسه بما لا يحبّ أن يثبت في قلبه ثمّ يحاسبّ بذلك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل سمعنا وعصينا قولوا سمعنا وأطعناً ، فأنزل الله تعالى الفرج بقوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلّا وُسْعَها » فظهر به أن كلّ ما لا يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو الذي لا يؤاخذ به ، وكلّ من يظنّ أن كلّ ما يجري على القلب يسمى حديث النفس ، ومن لم يفرق بين هذه الأقسام الثلاثة فلا بد وأن يغلط وكيف لا يؤاخذ بأعمال القلوب والكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد وجملة الخبائث من أعمال القلب ، بل السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولاً ، أي ممّا يدخل تحت الاختيار ، فلو وقع البصر بغير اختياره

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٤.

٢٧٩

____________________________________________________________________

على غير محرم لم يؤاخذ بها فإن أتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذاً بها ، لأنّه لا محالة مختار.

وكذا خواطر القلب تجري هذا المجرى ، بل القلب أولى بمؤاخذته لأنّه الأصل قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التقوى هيهنا وأشار إلى القلب ، وقال الله عزّ وجلّ : «لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكنّ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ »(١) والتقوى في القلب ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البر ما اطمأن إليه القلب وإن أفتوك وأفتوك.

حتّى أنا نقول : إذا حكم قلب الفتى بإيجاب شيء وكان مخطئا صار مثاباً على فعله ، بل من ظنّ أنه متطهر فعليه أن يصلي وإن صلى ثمّ ذكر كان له ثواب بفعله ، فإن ترك ثمّ تذكر كان معاقبا ، ومن وجدّ على فراشه امرأة فظنّ أنّها زوجته لم يعص بوطئها وإن كانت أجنبية ، وإن ظنّ أنّها أجنبية عصى بوطئها ، وإن كانت امرأته ، كلّ ذلك نظر إلى القلب دون الجوارح.

ثمّ قال : الوسواس ثلاثة أصناف الصنف الأوّل أن يكون من جهة التلبيس للحقّ ، فإن الشيطان قد يلبس فيقول للإنسان : لا تترك التنعم واللذات ، فإن العمرّ طويل والصبر عن الشهوات طول العمرّ ألمه عظيم ، فعند هذا إذا ذكر العبد عظيم حقّ الله تعالى وعظيم ثوابه وعقابه وقال : الصبر عن الشهوات شديد ولكنّ الصبر على النّار أشدّ منه ولا بد من أحدهما ، فإذا ذكر العبد وعد الله ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنس الشيطان وهرب ، إذ لا يستطيع أن يقول : ليس النّار أشدّ من الصبر على المعاصي ، ولا يمكنه أن يقول : المعصية لا تقضي إلى النّار ، فإن إيمانه بكتاب الله يدفعه عن ذلك ، فينقطع وسواسه.

وكذلك يوسوس إليه بالعجب في علمه وعمله ، فيفكر العبد أن معرفته وقدرته وقلبه وأعضاءه الّتي بها علمه وعمله كلّ ذلك من خلق الله فيخنس الشيطان ، فهذا

______________________

(١) سورة الحج : ٣٧.

٢٨٠