مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30777
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30777 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

____________________________________________________________________

نوع من الوسوسة تنقطع بالكلية عن العارفين المستبصرين بنور الإيمان والمعرفة.

الصنف الثاني : أن يكون وسواسه بتحريك الشهوة وتهييجها ، وهذا ينقسم إلى ما يعرف العبد يقينا أنّه معصية وإلى ما يظنه بغالب الظنّ فإن علم يقينا خنس الشيطان عن تهييج يؤثّر في التحريك ، ولم يخنس عن التهييج ، وإن كان مظنونا ربما يبقى مؤثرا بحيث يحتاج إلى مجاهدة في دفعه ، فيكون الوسوسة موجودة ، ولكنّها مدفوعة غير غالبة.

الصنف الثالث : أن يكون وسواسه بمجرّد الخواطر وتذكر الأحوال الغائبة والتفكر في الصّلاة في غير أمر الصّلاة مثلاً ، فإذا أقبل على الذكر تصور أن يندفع ويعود ويعاقب الذكر والوسوسة ، وتصور أن يتساوقا جميعاً حتّى يكون الفهم مشتملا على فهم معنى القراءة ، وعلى تلك الخواطر كأنّهما في موضعيّن من القلب وبعيد جداً أن يندفع هذا الخنس بالكلية بحيث لا يخطر ، ولكنه ليس محالا إذ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من صلّى ركعتين لم يحدّث فيهما بشيء من الدّنيا غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر ، فلو لا أنه متصور لـمّا ذكره ، إلّا أنه لا يتصور ذلك إلّا في قلب استولى عليه الحب حتّى صار كالمستهتر ولكنّ ذلك عزيز.

ثمّ قال : اعلم أن القلب كما ذكرناه مكتنفة بالصفات الّتي ذكرناها وتنصب إليه الآثار والأحوال من الأبواب الّتي وصفناها فكأنّه هدف يصاب على الدوام من كلّ جانب ، فإذا أصابه شيء وتأثر به أصابه من جانب آخر ما يضاده فيغير وصفه ، فإن نزل الشيطان به ودعاه إلى الهوي والتفت القلب إليه نزل الملك به وصرفه عنه ، وإن جذبه شيطان إلى شرّ جذبه شيطان آخر إلى غيره ، وإن جذبه ملك إلى خير جذبه ملك آخر إلى غيره ، فتارة يكون متنازعاً بين ملكين ، وتارة بين شيطانين وتارة بين ملك وشيطان ، ولا يكون قط مهملا ، وإليه الإشارة بقوله

٢٨١

____________________________________________________________________

تعالى : «وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ »(١) .

ولاطّلاع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عظيم صنع الله في عجائب القلب وتقلبه كان يحلف به وكان يقول : ولا مقلب القلوب ، وكان كثيراً ما يقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، قالوا : أو تخاف يا رسول الله؟ فقال : وما يؤمنني والقلب بين إصبعيّن من أصابع الرَّحمن يقلبه كيف يشاء ، وفي لفظ آخر : إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه ، وضرب له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثة أمثلة فقال : مثل القلب مثل العصفور تنقلب في كلّ ساعة ، وقال : مثل القلب في تقلبه كالقدر إذا استحمت غليانا وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مثل القلب كمثل ريشة في أرض فلاة تقلبها الرياح ظهر البطن ، وهذه التقلبات من عظيم صنع الله في تقليبه من حيث لا يهتدى إليه ، لا يعرفه إلّا المراقبون لقلوبهم ، والمراعون لأحوالهم مع الله تعالى ، والقلوب في الثبات على الخير والشرّ والتردد بينهما ثلاثة ، قلب عمرّ بالتقوى وزكى بالرياضة ، وطهر من خبائث الأخلاق ، فينقدح فيه خواطر الخير من خزائن الغيب ، ومداخل الملكوت ، فيتصرف العقل إلى التفكر فيما خطر ليعرف دقائق الخير فيه ، ويطلع على أسرار فوائده ، فينكشف له بنور البصيرة وجهه ، فيحكم بأنّه لا بد من فعله ، ويستحث عليه ، ويدعو إلى العمل به ، فينظر الملك إلى القلب فيجده طيّباً في جوهره ، طاهراً بتقواه مشيراً بضياء العقل ، معموراً بأنوار المعرفة ، ويراه صالحاً لأنّ يكون مستقراً له ، فعند ذلك يمده بجنود لا ترى ويهديه إلى خيرات أخرى حتّى ينجر الخير إلى الخير.

وكذلك على الدوام لا يتناهى إمداده بالترغيب في الخير ويتيسر الأمر عليه وإليه الإشارة بقوله تعالى : «فَإمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسرّه لِلْيُسْرى »(٢) وفي مثل هذا القلب يشرق نور المصباح من مشكاة الربوبيّة حتّى لا

______________________

(١) سورة الأنعام : ١١٠. (٢) سورة الليل : ٦.

٢٨٢

____________________________________________________________________

يخفى فيه الشرك الخفيّ الذي هو أخفى من دبيب النملة السّوداء في اللّيلة الظلماء ، ولا تخفى على هذا النور خافية ، ولا يروج عليه شيء من مكائد الشيطان ، بل يقف عليه الشيطان ويوحي زخرف القول غرورا ، ولا يلتفت إليه.

وهذا القلب بعد طهارته من المهلكات يصير على القرب معمورا بالمنجيات من الشكر والصبر والخوف والرجاء والزهد والمحبّة والرضا والتوكلّ والتفكر والمحاسبّة والمراقبة وأمثالها.

وهو القلب الذي أقبل الله تعالى عليه بوجهه ، وهو القلب المطمئن المراد بقوله تعالى : «إلّا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ »(١) وبقوله عزّ وجلّ : «يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ »(٢) .

القلب الثاني : القلب المخذول المشحون بالهوى ، المدنس بالخبائث الملوث بالأخلاق الذميمة ، المفتحة فيه أبواب الشياطين ، المسدودة عنه أبواب الملائكة ومبدء الشرّ فيه أن ينقدح فيه خاطر من الهوى ويهجس فيه ، فينظر القلب إلى حاكم العقل ليستغني عنه ، ويستكشف وجه الصواب فيه فيكون العقل قد ألف خدمة الهوى فأنس به ، واستمرّ على استنباط الحيل له في موافقة الهوى ومساعدته ، فيسول النفس له ويساعده عليه ، فينشرح الصّدر بالهوى وينبسط فيه ظلماته لانخناس جند العقل عن مدافعته فيقوي سُلطان الشيطان لاتّساع مكانّه بسبب انتشار الهوى ، فيقبل عليه بالتزيين والغرور والأماني ، ويوحى بذلك زخرف القول غروراً ، فيضعف سلطان الإيمان بالوعد والوعيد ، ويخبو نور اليقين بخوف الآخرة أن يتصاعد من الهوى دخان مظلم إلى القلب يملأ حواسّه حتّى تنطفي أنواره فيصير العقل كالعيّن الّتي ملأ الدّخان أجفانها ، فلا يقدر على أن تنظر وهكذا تفعل غلبة

______________________

(١) سورة الرعد : ٢٨.

(٢) سورة الفجر : ٢٨.

٢٨٣

____________________________________________________________________

الشهوة في القلب حتّى لا يبقى للقلب إمكان التوقّف والاستبصار ، ولو بصره واعظ وأسمعه ما هو الحقّ فيه عمى عن الفهم ، وصمّ عن السّمع ، وهاجت الشهوة ونشط الشيطان وتحركت الجوارح على وفق الهوى ، وظهرت المعصية إلى عالم الشهادة من خزائن الغيب بقضاء من الله وقدره.

وإلى مثل هذا القلب الإشارة بقوله تعالى : «أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ، أَمْ تَحْسبّ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سبيلاً »(١) وبقوله عزّ وجلّ : «لَقَدْ حقّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ »(٢) إلى قوله : «أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ » ورب قلب هذا حاله بالإضافة إلى جميع الشهوات ، ورب قلب هذا حاله بالإضافة إلى بعض الشهوات ، كالذي يتورع عن بعض الأشياء ولكنه إذا رأى وجها حسناً لا يملك عينه وقلبه وطاش عقله وسقط مساك قلبه ، أو كالذي لا يملك لنفسه عند الغضب مهما استحقر وأذكر عيب من عيوبه ، أو كالذي لا يملك نفسه عند القدرة على أخذ درهم أو دينار بل يتهالك عليه تهالك الواله المستهتر فتنسرح منه المروة والتقوى.

وكلّ ذلك لتصاعد دخان الهوي إلى القلب حتّى يظلم وينطفئ منه أنوار البصيرة ، فينطفي منه نور الحياة والمروّة والإيمان ، ويسعى في تحصيل مراد الشيطان.

القلب الثالث : قلب يبتدأ فيه خواطر الهوى ، فيدعوه إلى الشرّ فيلحقه خاطر الإيمان ، فيدعوه إلى الخير فتنبعث النفس بشهواتها إلى نصرة خاطر الشرّ وتحسّ التمتّع والتنعم فينبعث العقل إلى خاطر الخير ، ويدفع في وجه الشهوة ويقبح فعلها وينسبّها إلى الجهل ، ويشبهها بالبهيمة والسبّع في تهجّمها على الشرّ ، وقلّة اكتراثها بالعواقب.

______________________

(١) سورة الفرقان : ٤٤.

(٢) سورة يس : ٧.

٢٨٤

____________________________________________________________________

فتميل النفس إلى نصح العقل ، فيحمل الشيطان حملة على العقل ويقوي داعية الهوى ويقول ما هذا التحرّج البارد ، ولم تمتنع عن هواك فتؤذى نفسك ، وهل ترى أحداً من أهل عصرك يخالف هواه أو يترك غرضه؟ أفتترك ملاذ الدّنيا لهم فيتمتعون فيها ، وتحجر على نفسك فتبقى محروماً شقيّاً متعوباً يضحك عليك أهل الزمان ، أتريد أن يزيد منصبك على فلان وفلان وقد فعلوا مثل ما اشتهيت ولم يمتنعوا ، إمّا ترى العالم الفلاني ليس يحترز عن فعل ذلك ولو كان شرّاً لامتنع عنه فتميل النفس إلى الشيطان وتنقلب إليه فيحمل الملك حملة على الشيطان فيقول هل هلك إلّا من اتبع لذة الحال ونسي العاقبة أفتقنع بلذة يسيرة وتترك لذة الجنّة ونعيمها أبد الآباد؟ أم تستثقل ألم الصبر عن شهوة ولا تستثقل ألم النار؟ أتغتر بغفلة الناس عن أنفسهم واتباعهم هواهم ومساعدتهم الشيطان؟ مع أن عذاب النّار لا يخفف عنك بمعصية غيرك؟ أرأيت لو كنت في صيف ووقف الناس كلّهم في الشمس وكان لك بيت بارد أكنت تساعد الناس أم تطلب لنفسك الخلاص فكيف تخالف الناس خوفاً من حر الشمس ولا تخالفهم خوفاً من حر النار.

فعند ذلك تميل النفس إلى قول الملك ، فلا يزال القلب يتردد بين الجندين متجاذبا بين الحزبين إلى أن يغلب على القلب من هو أولى به فإن كانت الصفات الّتي في القلب الغالب عليها الصفات الشيطانية الّتي ذكرناها غلبه الشيطان ومال القلب إلى جنسه من أحزاب الشياطين ، معرضا عن حزب الله تعالى وأوليائه ومساعداً لحزب الشيطان وأوليائه ، وجرى على جوارحه بسابق القدر ما هو سبّب بعده عن الله تعالى.

وإن كان الغالب على القلب الصفات الملكية لم يصغ القلب إلى إغواء الشيطان وتحريضه إيّاه على العاجلة وتهوينه أمر الآجلة ، بل مال إلى حزب الله تعالى وظهرت الطّاعة بموجب ما سبّق من القضاء على جوارحه.

٢٨٥

____________________________________________________________________

وقلب المؤمن بين إصبعيّن من أصابع الرَّحمن ، أي بين تجاذب هذين الحزبين وهو الغالب على القلوب أعني التقلب والانتقال من حزب إلى حزب ، إمّا الثبات على الدّوام مع حزب الملائكة أو حزب الشيطان فنادر من الجانبين ، وهذه الطاعات والمعاصي تظهر من خزائن العلم إلى عالم الشهادة بواسطة خزائن القلب ، فإنّه من خزائن الملكوت وهي إذا ظهرت كانت علامات تعرف أرباب القلوب سابق القضاء ، فمن خلق للجنة يسرت له الطّاعة وأسبّابها ، ومن خلق للنار يسرت له أسباب المعصية وسلط عليه أقران السوء وألقي في قلبه حكم الشيطان.

فإنّه بأنواع الحكم يغره الحمقى كقوله : الله تعالى رحيم فلا تبال ، وإن الناس كلّهم ما يخافون الله فلا تخالفهم فإن العمرّ طويل فاصبر حتّى تتوب غداً يعدهم بالتوبة ويمنيهم بالمغفرة فيهلكهم ، وبهذه الحيل وما يجري مجراها يوسع قلبه لقبول الغرور ويضيقه عن قبول الحقّ ، إلى آخر ما ذكره ممّا يوافق مذهب الأشاعرة ، ولسنا نقول به والله يحقّ الحقّ وهو يهدي إلى السبّيل.

وإمّا ما ذكره من المؤاخذة على حكم القلب إذا كان اختياريا ، وعلى الهم والعزم إذا كان الصارف غير خوف الله تعالى فهما مخالفان للأخبار المعتبرة فإنّها تدلّ على عدم المؤاخذة مع ترك الفعل مطلقاً ، وما استدلّ به على الأخير فهي أخبار عامية لا تعارض الأخبار المعتبرة ، ويمكن حمل الخبر الأوّل على أن كتابة الحسنة موقوفة على أن يكون الترك لله وأخبارنا إنّما تدلّ على عدم كتابة السيئة وليس فيها كتابة الحسنة فلا تنافي ، والخبر الثاني غير صريح في المقصود ، والتمثيل الذي ذكره في محلّ المنع ، والخبر الثالث يمكن أن يكون المراد به الإرادة مع سل السيف والتوجه إلى القاتل والحملة عليه ، بل الإعانة على نفسه ، وسيأتي بعض القول في أصل المطلب آنفا إن شاء الله تعالى.

٢٨٦

( باب )

( الاعتراف بالذنوب والندم عليها )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليّ الأحمسي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال والله ما ينجو من الذنب إلّا من أقرّ به.

____________________________________________________________________

باب الاعتراف بالذنوب والندم عليها

الحديث الأول : مجهول.

« ما ينجو من الذنب » أي من أصل الذنب في الدّنيا أو من عقوبته في الدارين إلّا من أقرّ بأنه ذنب فإن من أنكر كونه ذنبا وكان مستحلا له فهو كافر لا يتوب ، ولا يستحقّ العفو ، ولو كان المراد بالإقرار التوبة فيمكن أن يحمل على النجاة الكاملة أو النجاة قطعاً واستحقاقاً ، لأنّه مع عدم التوبة هو في مشية الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ، فلا ينافي الحصر ويمكن حمله على ما دل عليه الخبر الخامس : وكفى بالندم توبة ، ظاهره الاكتفاء بالندم في التوبة ، ولا يشترط فيه العزم على الترك في المستقبل ، وهو خلاف المشهور وسائر الأخبار إلّا أن يحمل على الندم الكامل ، وهو مستلزم للعزم المذكور.

وقيل : إن الله تعالى خلق القلب قابلاً للمخاطرات الحسنة والمخاطرات القبيحة والأولى من الملك والثانية من الشيطان ، ثمّ الثانية إذا أثرت في القلب حصل فيه شوق إلى الذنب وهو يوجب العزم والعزم يوجب تحرك القدرة والقوّة إليه ، وتحرك القدرة يوجب تحرك الأعضاء إليه فيصدر منه الذنب ، وإذا أخذت بيده العناية الأزلية وأثرت فيه المخاطرات الحسنة وتحرك حصل له علم بأن الذنوب سموم مهلكة حصل له شوق إلى قرب المبدأ والرجوع إليه ، وزال عنه الشوق إلى الذنب ، فتحصل له ندامة عمّا كان فيه ، وهو المسمّى بالتوبة ، فإذا زال الشوق إلى

٢٨٧

قال وقال أبو جعفرعليه‌السلام كفى بالندم توبة.

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال عمّن ذكره ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا والله ما أراد الله تعالى من الناس إلّا خصلتين أن يقروا له بالنعم فيزيدهم وبالذنوب فيغفرها لهم.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمر [ و ] بن عثمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الرّجل ليذنب الذنب فيدخله الله به الجنة

____________________________________________________________________

الذنب وحصلت له النّدامة زال العزم عليه ، ومتى زال العزم زال تحرك القوّة فيزول تحرك الأعضاء لأنّ المسبّبات تزول بزوال أسبّابها ، كما يشعر به قول أمير المؤمنينعليه‌السلام في هذا الباب : أن الندم على الذنب يدعو إلى تركه ، فمعنى قولهعليه‌السلام : كفى بالندم توبة ، أنّه إذا حصل الندم حصلت التوبة والرجوع إلى الله تعالى بالإقلاع عن الذنوب والخروج منه لأنه أصل له ، وسبّب مؤد إليه ، ولم يرد أن مجرّد الندم من دون كف النفس عن الذنوب كاف في الرجوع إليه إذ ليس مجرّد ذلك توبة وندامة ، بل هو شبيه بالاستهزاء ، نعم الندامة المفضية إلى ترك الذنوب توبة وإن لم يستغفر منه.

الحديث الثاني : مرسل ، والمراد بالإقرار بالنعم معرفة المنعم وقدر نعمته وأنها منه تفضلا ، وهو شكر والشكر يوجب الزيادة لقوله تعالى : «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »(١) وبالإقرار بالذنوب الإقرار بها مجملا ومفصلا ، وهو ندامة منها ، والندامة توبة ، والتوبة توجب غفران الذنوب ، ويمكن أن يكون الحصر حقيقيا إذ يمكن إدخال كلـمّا أراد الله فيهما ، وقوله : لا والله ، رد على المدعيّن للصلاح المغترين بأعمالهم الذاهلين عن شرائط القبول وأسباب الوصول.

الحديث الثالث : كالسّابق سنداً ومؤيداً له متنا ، ويدلّ على أن الذنب

______________________

(١) سورة إبراهيم : ٧.

٢٨٨

قلت يدخله الله بالذنب الجنّة قال نعم إنه ليذنب فلا يزال منه خائفا ماقتا لنفسه فيرحمه‌الله فيدخله الجنة.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن معاوية بن عمّار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنه والله ما خرج عبد من ذنب بإصرار وما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار.

٥ - الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن عمران بن الحجّاج السبّيعي ، عن محمّد بن وليد ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من أذنب ذنبا فعلم أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له غفر له وإن لم يستغفر.

____________________________________________________________________

الذي يوجب الخضوع والتذلل خير من الطّاعة الّتي توجب العجب والتدلل.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور صحيح عندي.

« من ذنب » أي من أثره واستحقاق العقوبة بسبّبه « بإصرار » الباء للملابسة والظرف صفة للذنب ، والباء في قوله : بإقرار ، للملابسة أو السبّبية ، وعلى الأوّل تقديره إلّا ذنب بإقرار ، وعلى الثاني بشيء إلّا بإقرار ، والإصرار إمّا فعليُّ وهو المواظبة على نوع ذلك الذنب أو مطلقاً ، أو حكمي وهو العزم على فعله ثانياً وإن لم يفعل كما صرح به بعض الأصحاب ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله ، وهو محمول على الخروج على سبّيل القطع والاستحقاق كما مر.

الحديث الخامس : مجهول.

« فعلم أن الله مطلع عليه » لعلّ المراد الذي يؤثّر في النفس ويثمرّ العمل ، وإلّا فكلّ مسلم يقرّ بهذه الأمور ، ومن أنكر شيئاً من ذلك فهو كافر ، ومن داوم على مراقبة هذه الأمور وتفكر فيها تفكراً صحيحاً لا يصدر منه ذنب إلّا نادراً ولو صدر منه يكون بعده نادما خائفا فهو تائب حقيقة وإن لم يستغفر باللسان ، ولو عاد إلى الذنب مكررا لغلبة الشهوة عليه ، ثمّ يصير خائفا مشفقاً لائماً نفسه فهو مفتن تواب.

٢٨٩

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عليُّ ، عن عبد الرَّحمن بن محمّد بن أبي هاشم ، عن عنبسة العابد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله يحبُّ العبد أن يطلب إليه في الجرم العظيم ويبغض العبد أن يستخفَّ بالجرم اليسير.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن الندم على الشرّ يدعو إلى تركه.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن عليُّ بن الحسين الدقاق ، عن عبد الله بن محمّد ، عن أحمد بن عمرّ ، عن زيد القتّات ، عن أبان بن تغلب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلّا غفر الله له قبل أن يستغفر وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف أنّها من عند الله إلّا غفر الله له قبل أن يحمده.

____________________________________________________________________

الحديث السادس : ضعيف.

« أن يطلب » أي بأن يطلب أو هو بدل اشتمال للعبد ، وتعدية الطلب بإلى لتضمين معنى التوجّه ونحوه.

الحديث السابع : ضعيف.

« إنّ الندم على الشرّ » أي الندامة بعد الفعل وإن لم يكن مع العزم على الترك يدعو إلى التوبة والعزم على الترك بالكلية.

الحديث الثامن : مجهول.

« إلّا غفر الله له قبل أن يحمده » الأنسبّ بالجزء الثاني إلّا زاد الله له أو حكم له بالزيادة له.

٢٩٠

( باب ستر الذنوب )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عليُّ ، عن العبّاس مولى الرضاعليه‌السلام قال سمعتهعليه‌السلام يقول المستتر بالحسنة يعدل سبّعيّن حسنة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بالسيئة مغفور له.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن صندل ، عن ياسر ، عن اليسع بن حمزة ، عن الرضاعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المستتر بالحسنة يعدل سبّعيّن حسنة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له.

____________________________________________________________________

باب ستر الذنب

الحديث الأوّل : ضعيف.

« مولى الرضاعليه‌السلام » أي كان من شيعته أو ممّن أعتقه ويقال المولى أيضاً لمن التحقّ بقبيلة ولم يكن منهم و « المستتر » على بناء الفاعل ، والباء للتعدية و « يعدل » على بناء المجرّد ، وفي الأوّل تقدير أي فعل المستتر وسيأتي في كتاب الزكاة تعدل سبّعيّن حجة ، وقيل : الباء للمصاحبة مثل «اهْبِطْ بِسَلامٍ »(١) «وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ »(٢) «فَسبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ » ويعدل على بناء التفعيل أي يسوي ويحصل « والمذيع بالسيئة » لعدم المبالاة بالشرع ولقلة الحياء « مخذول » يسلب عنه التوفيق « والمستتر بها » أي بالسيئة حياءاً لا نفاقاً « مغفور له » ويدلّ الخبر على أن إخفاء الطاعات أحسن من إظهارها لبعدها من الرياء والسمعة ، وقيل : إظهارها أفضل وقيل : بالتفصيل بأن في الواجبات الإظهار أفضل لعدم بالتهمة ، وفي المستحبات الإخفاء أفضل ، وقد يفصّل بوجه آخر وهو أنّه إن كان مأموناً من الرياء والسمعة ، فالإظهار أفضل لأنّه يصير سبّبا لتأسي الغير به وعدم بالتهمة ، وإلّا فالإخفاء أفضل وقد مرّ القول فيه.

الحديث الثاني : مجهول.

______________________

(١) سورة هود : ٤٨. (٢) سورة المائدة : ٦١.

٢٩١

( باب )

( من يهم بالحسنة أو السيئة )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن حديد ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى جعل لآدم في ذريته من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ومن هم بحسنة وعملها كتبت له بها عشراً

____________________________________________________________________

باب من يهم بالحسنة أو السيئة

الحديث الأول : ضعيف.

ويدلّ على أنّه لا مؤاخذة على قصد المعاصي إذا لم يعمل بها ، وهو يحتمل وجهين ، الأوّل : أن تكون سيئة ضعيفة يكفرها تركها ، الثاني : أن لا يكون القصد متّصفاً بالحسن والقبح أصلاً كما ذهب إليه جماعة ، والأوّل أظهر ، نعم لو كان بمحض الخطور بدون اختياره لا يتعلق به التكليف وقد مرّ تفصيل ذلك في باب أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن ، وفي باب الوسوسة.

وقال المحقّق الطّوسيقدس‌سره في التجريد : إرادة القبيح قبيحة وتفصيله أن ما في النفس ثلاثة أقسام : الأوّل : الخطرات الّتي لا تقصد ولا تستقر وقد مرّ أن لا مؤاخذة بها ولا خلاف فيه بين الأمّة ظاهراً ، والثاني : الهم وهو حديث النفس اختياراً أن تفعل شيئاً أو أن لا تفعل فإن كان ذلك حسنة كتبت له حسنة واحدة ، فإن فعلها كتبت له عشرّ حسنات ، وإن كانت سيئة لم تكتب عليه ، فإن فعلها كتبت عليه سيّئة واحدة ، كلّ ذلك مقتضى أحاديث هذا الباب ، وكأنّه لا خلاف فيه أيضاً بين الأمّة إلّا أن بعض العامّة صرح بأن هذه الكرامة مختصة بهذه الأمّة ، وظاهر هذا الخبر أنها كانت في الأمم السّابقة أيضاً.

الثالث : العزم وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك ، وقد اختلفوا فيه ، فقال أكثر الأصحاب : أنّه لا يؤاخذ به لظاهر هذه الأخبار ، وقال أكثر العامة

٢٩٢

ومن هم بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه [ سيئة ] ومن هم بها وعملها كتبت عليه سيئة.

____________________________________________________________________

والمتكلمين والمحدثين أنّه يؤاخذ به لكن بسيّئة العزم لا بسيئة المعزوم عليه ، لأنها لم تفعل فإن فعلت كتبت سيئة ثانية لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ »(١) وقوله : «اجْتَنِبُوا كثيراً مِنَ الظنّ »(٢) .

ولكثرة الأخبار الدالة على حرمة الحسد واحتقار الناس وإرادة المكروه بهم ، وحملوا الأحاديث الدالة على عدم المؤاخذة على الهم.

والمنكرون أجابوا عن الآيتين بأنهما مخصصات بإظهار الفاحشة والمظنون كما هو الظاهر من سياقهما ، وعن الثالث أن العزم المختلف فيه ماله صورة في الخارج كالزنا وشرب الخمرّ ، وإمّا ما لا صورة له في الخارج كالاعتقاديات وخبائث النفس مثل الحسد وغيره فليس من صور محلّ الخلاف ، فلا حجة فيه على ما نحن فيه ، وإمّا احتقار الناس وإرادة المكروه بهم فإظهارهما حرام يؤاخذه به ولا نزاع فيه ، وبدونه أوّل المسألة.

ثمّ الظاهر أنه لا فرق في قوله : ومن هم بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه بين أن يعملها خوفاً من الله أو خوفاً من الناس وصونا لعرضه.

ثمّ إن عشرّ أمثال الحسنة مضمونة البتة لدلالة نص القرآن عليه ، وإن الله قد يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف ، كما جاء في بعض الأخبار ، وإلى ما لا حساب له كما قال سبّحانه : «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(٣) .

ثمّ اعلم أن الظاهر أن عدم المؤاخذة بإرادة المعصية إنما هو للمؤمنين فلا ينافي ما مرّ مرويا عن الصادقعليه‌السلام أنه إنما خلد أهل النّار في النّار لأنّ نياتهم

______________________

(١) سورة النور : ١٩.

(٢) سورة الحجرات : ١٢. (٣) سورة الزمر : ١٠.

٢٩٣

____________________________________________________________________

كانت في الدّنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً ، ولو سلم العموم فإنما يعفى عنه إذا بقي زمانا عزم على فعله في ذلك الزمان ولم يفعل ، وفي الكافر ليس كذلك لأنه لم يبق الزمان الذي عزم على الفعل فيه.

فإن قيل : لعلّه كان لو بقي في أزمنة الأبد عاد ولم يفعل؟

قلنا : يعلم الله خلاف ذلك منهم ، لقوله سبّحانه : «وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لـمّا نُهُوا عَنْهُ »(١) وقد يجاب بأنه لا منافاة بينهما ، إذ دل أحدهما على عدم المؤاخذة بنية المعصية إذا لم يفعلها ، ودل الآخر على المؤاخذة بنية المعصية إذا فعلها ، فإن المنوي كالكفر واستمراره مثلاً موجود في الخارج ، فهذه النيّة ليست داخلة في النيّة بالسيئة الّتي لم يعملها ، واعترض عليه بأن المعصية ليست سبّبا للخلود على ما يفهم من الحديث المذكور ، لكونّها في زمان منقطع محصور هو مدة العمرّ ، كذلك نيتها لأنها تنقطع أيضاً عند انقطاع العمرّ لدلالة الآيات والروايات على ندامة العاصي عند الموت ، ومشاهدة أحوال الآخرة فينبغي أن يكون ناويها في النّار بقدر كونها في الدّنيا لا مخلدا.

فأجيب أولاً : بأن هذه النيّة موجبة للخلود لدلالة الحديث عليه بلا معارض ، فوجب التسليم والقبول ، وثانياً : بأن صاحبها في هذه الدّنيا الّتي هي دار التكليف لم يفعل شيئاً يوجب نجاته من النّار ، وندامته بعد الموت لا تنفع لانقطاع زمان التكليف ، وثالثا : أن سبّب الخلود ليس ذات المعصية ونيتها من حيث هي بل هو المعصية ونيتها على فرض البقاء أبداً ، ولا ريب في أنّها معصية أبدية موجبة للخلود أبداً انتهى.

وأقول : لا يخفى ما في الجميع من الوهن والضعف ، وقد مرّ بعض القول منا فيه في باب النيّة ، وقال الشّهيد رفع الله درجته في القواعد : لا يؤثّر نية المعصية

______________________

(١) سورة الأنعام : ٢٨.

٢٩٤

____________________________________________________________________

عقاباً ولا ذماً ما لم يتلبس بها ، وهو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه ، ولو نوى المعصية وتلبس بما يراه معصية ، فظهر خلافها ففي تأثير هذه النيّة نظر من حيث إنها لم تصادف المعصية فقد صارت كنية مجردة وهي غير مؤاخذ بها ، ومن دلالتها على انتهاكه الحرمة وجرأته على المعاصي ، وقد ذكر بعض الأصحاب أنه لو شرب المباح مشتبها بشراب المسكر فعل حراماً ، ولعلّه ليس لمجرّد النيّة بل بانضمام فعل الجوارح إليها.

ويتصور محلّ النظر في صور : منها : ما لو وجدّ امرأته في منزل غيره فظنها أجنبية فأصابها فتيقن أنها زوجته أو أمته ، ومنها : ما لو وطئ زوجته فظنها حأيضاً فبان طاهرا ، ومنها : لو هجم على طعام بيد غيره فأكلّ منه فتبين ملك الآكلّ ومنها : لو ذبح شاة فظنها للغير بقصد العدوان فظهرت ملكه ، ومنها : إذا قتل نفساً بظنها معصومة فبانت مهدورة.

وقد قال بعض العامّة : يحكم بفسق متعاطي الملك لدلالته على عدم المبالاة بالمعاصي ويعاقب في الآخرة ما لم يتب عقاباً متوسطاً بين عقاب الكبيرة والصغيرة ، وكلّ منهما تحكم وتخرص على الغيب ، انتهى.

وقال شيخنا البهائيقدس‌سره في بعض تعليقاته على الكتاب المذكور : قوله لا يؤثّر نية المعصية عقاباً ولا ذماً إلى آخره ، وغرضه طاب ثراه أن نية المعصية وإن كانت معصية إلّا أنه لـمّا وردّت الأخبار بالعفو عنها لم يترتب على فعلها عقاب ولا ذم وإن ترتب استحقاقهما ، ولم يرد أن قصد المعصية والعزم على فعلها غير محرم كما يتبادر إلى بعض الأوهام ، حتّى لو قصد الإفطار مثلاً في شهر رمضان ولم يفطر لم يكن آثما ، كيف والمصنف مصرح في كتب الفروع بتأثيمه.

والحاصل أن تحريم العزم على المعصية ممّا لا ريب فيه عندنا وكذا عند العامّة وكتب الفريقين من التفاسير وغيرها مشحونة بذلك ، بل هو من ضروريات الدين

٢٩٥

____________________________________________________________________

ولا بأس بنقل شيء من كلام الخاصّة والعامّة في هذا الباب ليرتفع به جلباب الارتياب : في الجوامع عند تفسير قوله تعالى : «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كلّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً »(١) يقال : للإنسان لم سمعت ما لا يحلّ لك سماعه؟ ولم نظرت إلى ما لا يحلّ لك النظر إليه؟ ولم عزمت على ما لا يحلّ لك العزم عليه؟ انتهى.

وكلامهرحمه‌الله في مجمع البيان قريب من كلامه هذا.

وقال البيضاوي وغيره من علماء العامّة عند تفسير هذه الآية : فيها دليل على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية ، انتهى.

وعبارة الكشاف موافقة لعبارة الطبرسي ، وكذا عبارة التفسير الكبير للفخر وقال السيّد المرتضى علم الهدى أنار الله برهانه في كتاب تنزيه الأنبياء عند ذكر قوله تعالى : «إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللهُ وَلِيُّهُما »(٢) إنّما أراد تعالى أن الفشل خطر ببالهم ولو كان الهم في هذا المكان عزما لـمّا كان وليهما ، ثمّ قال : وإرادة المعصية والعزم عليها معصية ، وقد تجاوز قوم حتّى قالوا العزم على الكبيرة كبيرة وعلى الكفر كفراً ، انتهى كلامه نور الله مرقده.

وكلام صاحب الكشاف في تفسير هذه الآية مطابق لكلامه طاب ثراه ، وكذا كلام البيضاوي وغيره ، وأيضاً فقد صرح الفقهاء بأن الإصرار على الصغائر الذي هو معدود من الكبائر إمّا فعليُّ وهو المداومة على الصغائر بلا توبة ، وإمّا حكمي وهو العزم على فعل الصغائر متى تمكن منها ، وبالجملة فتصريحات المفسّرين والفقهاء والأصوليين بهذا المطلب أزيد من أن يحصى ، والخوض فيه من قبيل توضيح الواضحات ومن تصفّح كتب الخاصّة والعامّة لا يعتريه ريب فيما تلوناه.

فإن قلت : قد ورد عن أئمّتناعليهم‌السلام أخبار كثيرة وتشعر بأن العزم على المعصية

______________________

(١) سورة الإسراء : ٣٦.

(٢) سورة آل عمران : ١٢٢.

٢٩٦

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليهم بالحسنة ولا يعمل بها فتكتب له حسنة وإن هو عملها كتبت له عشرّ حسنات وإن المؤمن ليهم بالسيئة أن يعملها فلا يعملها فلا تكتب عليه.

٣ - عنه ، عن عليُّ بن حفص العوسي ، عن عليُّ بن السائح ، عن عبد الله بن

____________________________________________________________________

ليس معصية ثمّ ذكر هذا الخبر والذي بعده ثمّ قال : والأحاديث الواردة في الكافي وغيره بهذا المضمون كثيرة؟

قلت : لا دلالة في تلك الأحاديث على ما ظننت من أن العزم على المعصية ليس معصية ، وإنما دلت على أن من عزم على معصية كشرب الخمرّ أو الزنا مثلاً ولم يعملها لم يكتب عليه تلك المعصية الّتي عزم عليها وأين هذا عن المعنى الذي ظننته؟

قوله : فهو غير مؤاخذ بها ، أي غير معاقب عليها لأنها معفوّ عنها ، قوله : منها لو وجدّ امرأته « إلخ » عد بعضهم من هذه الصور ما لو صلى في ثوب يظنّ أنه حرير أو مغصوب عالـماً بالحكم فظهر بعد الصّلاة أنّه ممزوّج أو مباح ، وفرع على ذلك التردد في بطلان صلاته ، والأولى عدم التردد في بطلانها ، نعم يتمشى صحتها عند القائل بعدم دلالة النهي في العبادة على الفساد.

قوله : وكلاهما ، أي الحكم بفسق متعاطي ذلك وبعقابه عقاباً متوسطاً قول بلا دليل ، وفيه : أن دليل الأوّل مذكور وسيّما على القول بأن العزم على الكبيرة كبيرة فتأمل.

قوله : وتخرص بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، أي كذب وتخمين باطل ، انتهى.

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : مجهول.

٢٩٧

موسى بن جعفر ، عن أبيه قال : سألته عن الملكين هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة فقال ريح الكنيف وريح الطيب سواء قلت لا قال إن العبد إذا هم بالحسنة خرج نفسه طيب الريح فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال قم فإنّه قد هم بالحسنة فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له وإذا هم بالسيئة خرج نفسه منتن الريح فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين قف فإنه قد هم بالسيئة فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده وأثبتها عليه.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن فضل بن عثمان المرادي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلّا هالك يهم العبد بالحسنة فيعملها فإن هو

____________________________________________________________________

والطيب بفتح الطاء وتشديد الياء أو بكسر الطاء ، وكان هذان ريحان معنويان يجدهما الملائكة لصاحب الشمال « قم » أي أبعد عنه ليس لك شغل به ، أو كناية عن التوقف وعدم الكتابة كما أن في بعض النسخ قف ، وقول صاحب الشمال قف بهذا المعنى ، أو إشارة إلى أن صاحب اليمين يكتب له في كلّ نفس حسنة ما لم يفعل السيئة أو يهم بها وعدم ذكر كتابة الحسنة مع عدم الفعل على الأوّل لا يدلّ على العدم ولا ينافي سائر الأخبار ، ويدلّ على أن الملك جسم كما اتفق عليه المسلمون.

الحديث الرابع : صحيح.

وأربع مبتدأ والموصول بصلته خبر ، وتأنيث الأربع باعتبار الخصال أو الكلمات ، وقد يكون المبتدأ نكرة إذا كان مفيداً وقيل : في قول الشاعر :

ثلاثة تشرق الدّنيا ببهجتها

شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر

ثلاثة خبر وشمس مبتدأ ، ولا يخفى أنّه لا يناسبّ هذا المقام ، وقيل في الشعر : ثلاثة مبتدأ وخبره محذوف أي لنا ثلاثة وشمس بدل ثلاثة ومن اسم موصول

٢٩٨

لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيّته وإن هو عملها كتب الله له عشرّاً ويهم بالسيئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء وإن هو عملها أجل سبّع ساعات وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات وهو صاحب الشمال لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها فإن الله عزّ وجلّ يقول «إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ »(١) أو الاستغفار فإن هو قال أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم الغفور الرحيم ذا الجلال والإكرام وأتوب إليه لم يكتب عليه شيء

____________________________________________________________________

مبتدء فله عائدان الأوّل ضمير فيه ، والثاني المستتر في لم يهلك ، وهذا المستتر منه لقوله : إلّا هالك ، لأنّ مرجعه من ألفاظ العموم ، وليس إلّا هالك استثناء مفرغاً والمراد بمن كن فيه أن يكون مؤمناً مستحقّاً لهذه الخصال ، فإن هذه الخصال ليست في غير المؤمن كما عرفت ، وقيل : معنى كن فيه أن يكون معلوماً له ، وما ذكرنا أظهر.

واعلم أن الهلاك في قوله : يهلك بمعنى الخسران واستحقاق العقاب وفي قوله : هالك بمعنى الضلال والشقاوة الجبلية ، وتعديته بكلمة على إمّا بتضمين معنى الورود ، أي لم يهلك حين وروده على الله ، أو معنى الاجتراء أي مجترئا على الله ، أو معنى العلو والرفعة كان من يعصيه تعالى يترفع عليه ويخاصمه ، ويحتمل أن يكون على بمعنى في ، نحوه في قوله تعالى : «عَلى حِينِ غَفْلَةٍ »(٢) أي في معرفته وأوامره ونواهيه ، أو بمعنى من بتضمين معنى الخبيثة كما في قوله تعالى : «إِذَا اكْتالُوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ »(٣) أو بمعنى عن بتضمين معنى المجاوزة ، أو بمعنى مع أي حالكونه معه ومع ما هو عليه من اللطف والعناية كما قيل في قوله سبّحانه : «وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ »(٤) وجملة بهم إلى آخره استيناف بياني.

______________________

(١) سورة هود : ١١٥.

(٢) سورة القصص : ١٥.

(٣) سورة المطفّفين : ٢.

(٤) سورة الدخان : ٣٢.

٢٩٩

وإن مضت سبّع ساعات ولم يتبعها بحسنة واستغفار قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات اكتب على الشقي المحروم.

باب التوبة

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إذا تاب العبد «تَوْبَةً نَصُوحاً »

____________________________________________________________________

وقوله : فيعملها بالفاء السبّبية لتضمّن ما قبله معنى الترجي ، وقوله : أن يعملها بدل اشتمال للسيئة ، أو هو بتقدير لأنّ يعملها وقوله : فإن الله ، كلام الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو من تتمّة كلام الملك أو الاستغفار مجرور معطوف على قوله حسنة ، وقوله : فإن قال بيان لأفضل أفراد الاستغفار وليس الغرض الانحصار.

باب التوبة

الحديث الأول : صحيح.

وقال في النهاية في حديث أبي : سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التوبة النصوح فقال : هي الخالصة الّتي لا يعاود بعدها الذنب ، وفعول من أبنية المبالغة يقع على الذكر والأنثى ، فكأن الإنسان بالغ في نصح نفسه بها.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : قد ذكر المفسّرون في معنى التوبة النصوح وجوها : منها : أن المراد توبة تنصح الناس أي تدعوهم إلى أن يأتوا بمثلها لظهور آثارها الجميلة في صاحبها أو تنصح صاحبها فيقلع عن الذنوب ثمّ لا يعود إليها أبداً.

ومنها : أن النصوح ما كانت خالصة لوجه الله سبّحانه من قولهم عسل نصوح إذا كان خالصا من الشمع بأن يندم على الذنوب لقبحها أو كونها خلاف رضا الله سبّحانه لا لخوف النّار مثلاً ، وقد حكم المحقّق الطّوسي طاب ثراه في التجريد بأن الندم على الذنوب خوفاً من النّار ليس توبة.

٣٠٠