مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30834
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30834 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

عليه‌السلام فعرض عليُّ بن السري هذا الكلام على أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال هو رجل من أهل الجنّة قال له عليُّ بن السري إنه لم يعرف شيئاً من هذا غير ساعته تلك قال فتريدون منه ما ذا قد دخل والله الجنّة.

( باب اللمم )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له أرأيت قول الله عزّ وجلّ «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثمّ وَالْفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ »(١) قال هو الذَّنب يلم به الرّجل فيمكث ما شاء الله ثمّ يلم به بعد.

____________________________________________________________________

وسمع شهيقاً تردّد البكاء في صدره ، وقيل : ردّد نفسه مع سماع صوته من حلقه ، وقيل : فتريدون استفهام وما ذا اسم جنس بمعنى أي شيء كما قال الفارسي في قول الشاعر :

دعي ما ذا علمت سأتقيه

ولكن بالمغيّب تنبئيني

باب اللمم

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وفي المصباح : اللّمم بفتحتين مقاربة الذَّنب وقيل : هو الصّغائر وقيل : هو فعل الصّغيرة ثمّ لا يعاوده كالقبلة ، واللمم أيضاً طرف من جنون يلم به الإنسان من باب قتل ، فهو ملموم وبه لمم ، وألم الرّجل بالقوم إلمإمّا أتاهم فنزل بهم ، وألم بالذَّنب فعله ، وألم الشيء قرب ، انتهى.

وقال سبحانه في سورة النجم : «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى » ثمّ قال تعالى : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثمّ » قال البيضاوي أي ما يكبر عقابه من الذنوب ، وهو ما رتب الوعيد عليه بخصوصه ، أي إلّا ما قل وصغر فإنه مغفور من مجتنبي الكبائر ، والاستثناء منقطع ، وأقول : قد مر

______________________

(١) سورة النجم : ٣٣.

٣٢١

٢ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال قلت له «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثمّ وَالْفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ » قال الهنة بعد الهنة أي الذَّنب بعد الذَّنب يلمُّ به العبد.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن إسحاق بن عمّار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من مؤمن إلّا وله ذنب يهجره زمانا ثمّ يلم به وذلك قول الله عزّ وجلّ «إلّا اللَّمَمَ » وسألته عن قول الله عزّ وجلّ : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ

____________________________________________________________________

الكلام في ذلك في باب الكبائر.

الحديث الثاني : صحيح.

وقال الجوهري : « هن » على وزن أخ كلـمّة كناية ، ومعناه شيء وأصله هنو تقول هذا هنك أي شيئك ، وتقول للمرأة : هنة وهنت ، وتصغيرها هنية وقد تبدل من الياء الثانية هاء ، فيقال : هنيهة ، ويقال : في فلان هنأت أي خصلات شرّ ، ولا يقال ذلك في الخير ، وفي النهاية فيه : ستكون هناة وهناة ، أي شرور وفساد يقال : في فلان هناة أي خصال شرّ ولا يقال في الخير ، وواحدها هنت وقد يجمع على هنوات ، وقيل : واحدها هنة تأنيث هن ، وهو كناية عن كلّ اسم جنس ، ومنه الحديث ، وذكر هنة من جيرانه أي حاجة ويعبّر بها عن كلّ شيء ، وقال في المصباح : الهن خفيفة النون كناية عن كلّ اسم جنس ، والأنثى هنة ، ولأمها محذوفة وكنّى بهذا الاسم عن الفرج ، ويعرّب بالحروف ، فيقال : هنوها وهناها وهنيها ، مثل أخوها وأخاها وأخيها ، انتهى.

وعبّر هنا عن الذَّنب بالهنة لقبحه أو لحقارته وقلته كناية عن عدم الإصرار عليه « يلمّ به العبد » أي ينزل به بعد تركه.

الحديث الثالث : موثق.

« يهجره » كينصر أي يتركه ، وقيل : العموم في هذا الكلام عموم عرفي كناية عن الكثرة ، وقد مرّ آخر الحديث في باب الكبائر ، وكان السّؤال كان

٣٢٢

كَبائِرَ الْإِثمّ وَالْفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ » قال الفواحش الزّنى والسرقة واللمم الرّجل يلم بالذَّنب فيستغفر الله منه.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحارث بن بهرام ، عن عمرو بن جميع قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن وتفسيره فدعوه ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه فقال له رجل من القوم جعلت فداك والله إنني لمقيم على ذنب منذ دهر أريد أن أتحول عنه إلى غيره فما أقدر عليه فقال له إن كنت صادقاً فإن الله يحبك وما يمنعه أن ينقلك منه إلى

____________________________________________________________________

في وقت آخر ، أو كان السّؤال لتفسير مجموع الآية.

الحديث الرابع : ضعيف.

« يلتمس الفقه » أي مسائل الدين والقرآن أي ألفاظه « يبدي عورة » العورة القبيح وكلّ ما يستحيي منه ، والظاهر أن المراد أبداًء عورة نفسه من الإقرار بذنب يوجب حدا أو تعزيرا « فنحّوه » أي أبعدوه حتّى لا يعترف به عندنا بل يتوب بيته وبين الله ، ويحتمل أن يكون المراد عيوب غيره الّتي لم يشتهر بها ، سواء كان للغيبة أو لإقامة الشهادة فإن إخفاء العيوب أحسن ، لكنّ الأوّل أظهر ، وسيأتي ما يؤيده في كتاب الحدود إن شاء الله.

وقيل : قد أمرعليه‌السلام أصحابه الذين من أهل التفرس أن يمنعوا من الدخول عليه من هو من أهل الإذاعة والأبداًء ، لأنه أصلح له ولهم ، ويندرج فيه أبداًء أحاديثهم لغير أهلها وإذاعة أمرهم إلى أهل الجور وإظهار سرّهم الذي ستره الله تعالى وأمر باستتاره حفظاً له ولشيعته من أعدائهم لشدّة الخوف والتقيّة منهم.

« إن كنت صادقاً فإن الله يحبك » محبّة الله لعبده عبارة عن علمه باستحقاق اللطف وإيصال الخير وإرادته ، فإذا علم الله تعالى أن عبداً من عباده لا يغتر بترك الذنوب ويبتلي بالعجب بكثرة الطّاعة ، ويخرج نفسه عن حدّ التقصير والخوف منه يبتليه ببعض الذنوب ، وذلك لطف منه ورحمة على عبده لكي يخافه ويرجع

٣٢٣

غيره إلّا لكي تخافه.

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه عبد مؤمن يهجره الزمان ثمّ يلم به وهو قول الله عزّ وجلّ : «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثمّ وَالْفَواحِشَ إلّا اللَّمَمَ » قال اللمام العبد الذي يلم الذَّنب بعد الذَّنب ليس من سليقته أي من طبيعته.

____________________________________________________________________

إليه ويعترف بتقصيره ، وهذا من أحسن الأحوال للإنسان كما أن العجب أسوء الحالات له ، ولو لا ذلك لم يذنب مؤمن قط كما مرّ « إلّا لكي تخافه » استثناء من مدلول الكلام السّابق ، فإن قوله ما يمنعه أن ينقلك في قوّة ما يترك نقلك لشيء.

الحديث الخامس : حسن موثق.

وفي القاموس : الطبع والطبيعة والطباع بالكسر السجية جبل الإنسان عليها أو الطباع ككتاب ما ركب فينا من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق الّتي لا تزايلنا و « طبع عليه » كمنع ختم ، والطبع بالتحريك الوسخ الشديد الصداء ، والشين والعيب ، وطبع على الشيء بالضمّ جبل ، وفلان دنس وشين ، وفلان تطبع إذا لم تكن له نفاذ في مكارم الأمور كما يطبع السيف إذا كثر الصداء عليه ، وهو طبع طمع ككتف ، وفي الخلق لئيمه دنس لا يستحيي من سوءة ، والتطبيع التنجيس وتطبع بطباعه تخلق بأخلاقه ، و السليقة كسفينة الطبيعة. والخبر يحتمل وجوها : الأوّل : أن يكون المراد بالطبع أولا حصول الشوق له إلى فعله لعارض عرض له ويمكن زواله عنه ، ولذا يهجره زماناً ولو كان ذاته ، وإنما هو بأن يسلب عنه التوفيق فيستولي عليه الشيطان فيدعوه إلى فعله ، ثمّ تدركه الألطاف الربانية فتصرفه عنه ، وكلّ ذلك لصلاح حاله ، فليس ممّن يقتضي ذاته الشرّ والفساد ، ولا ممّن أعرض الله عنه ، ولم يعلم فيه خيراً ، بل هو ممّن يحبه الله ويبتليه بذلك لأصلاًح أحواله ، وينتهي إلى العاقبة المحمودة.

٣٢٤

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن المؤمن لا يكون سجيته الكذب والبخل والفجور وربّما ألم من ذلك شيئاً لا يدوم عليه قيل فيزني قال نعم ولكنّ لا يولد له من تلك النطفة.

____________________________________________________________________

الثاني : أن يكون من الطّبع بمعنى الدنّس والرين ، إمّا على بناء المجهول أيضاً أو على بناء المعلوم كما قيل ، أي ليس ذنب إلّا وقد تنجّس وتدنّس به عبد مؤمن ، فلا ينافي عدم كونه من سليقته.

الثالث : ما قيل : إنه من الطبع بمعنى الختم ، وهو مستلزم لمنع دخول الشيء فيه ، والمعنى أن المؤمن ممنوع من الدخول في الذَّنب زماناً على سبّيل الكناية ، ثمّ يلم به لمصلحة وهو بعيد والأوّل أظهر.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

والسجية الخلق والطبيعة « ولكنّ لا يولد له من تلك النطفة » فإن قيل : قد نرى أنه يتولد من زناء المؤمن الولد؟ قلنا : للمؤمن معان كثيرة كما عرفت ، فلعلّه لا يكون مؤمناً بأحدّ تلك المعاني ، مع أن الخواتم لا يعلمها إلّا الله تعالى ، ويحتمل أن يكون محمولاً على الغالب ، وقيل : لعلّ المراد أن المتولد من تلك النطفة لا يكون ولداً له ولا يلحقّ به شرعاً ، أو أنه لا يولد للمؤمن من تلك النطفة لأنه ليس مؤمن حين يزني فيكون إشارة إلى سلب الإيمان عنه حين الزنا ولا يخفى بعدهما.

٣٢٥

( باب )

( في أن الذنوب ثلاثة )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرَّحمن بن حمّاد ، عن بعض أصحابه رفعه قال صعد أمير المؤمنينعليه‌السلام بالكوفة المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال أيها الناس إن الذنوب ثلاثة ثمّ أمسك فقال له حبة العرني يا أمير المؤمنين قلت الذنوب ثلاثة ثمّ أمسكت فقال ما ذكرتها إلّا وأنا أريد أن أفسرّها ولكنّ عرض لي بهر حال بيني وبين الكلام نعم الذنوب ثلاثة فذنب مغفور وذنب غير مغفور وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه قال يا أمير المؤمنين فبينها لنا ؟

قال نعم إمّا الذَّنب المغفور فعبد عاقبه الله على ذنبه في الدّنيا فالله أحلم وأكرم من أن يعاقب عبده مرتين وإمّا الذَّنب الذي لا يغفر فمظالم العباد بعضهم

____________________________________________________________________

باب في أن الذنوب ثلاثة

الحديث الأول : مرفوع.

« إن الذنوب ثلاثة » أي غير الشرك والكفر ، أو ذنوب المؤمنين وقيل : وجه الحصر أن الذَّنب إمّا للتقصير في حقّ الله أو في حقّ الناس ، والأوّل إمّا أن يرفع العبد العقوبة الدنيويّة بالتوبة أولا ، فهذه ثلاثة ، وإمّا الذَّنب الذي لا عقوبة عليه في الدّنيا ولم يتب منه فالظاهر أنه داخل في القسم الثالث ، وحكمه حكمه ، وإن كان الخوف منه أشدّ ، وفي النهاية : البهر بالضمّ ما يعتري الإنسان عند السعي الشديد ، والعدوّ من التهيّج ، وتتابع النفس ، وفي القاموس : البهر بالضمّ انقطاع النفس من الإعياء.

« فعبد » أي فذنب عبد « عاقبة الله على ذنبه في الدّنيا » إمّا بالحدود والتعزيرات أو بالبلايا والمصائب « فالله أحلم » الفاء للبيان « فمظالم العباد بعضهم » بالجر بدل

٣٢٦

لبعض إنَّ الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسما على نفسه فقال وعزتي وجلالي لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف ولو مسحة بكف ولو نطحة ما بين القرناء إلى الجماء فيقتص للعباد بعضهم من بعض حتّى لا تبقى لأحدّ على أحدّ مظلـمّة ثمّ يبعثهم للحساب وإمّا الذَّنب الثالث فذنب ستره الله على خلقه ورزقه التوبة منه فأصبح خائفاً من ذنبه راجياً لربّه فنحن له كما هو لنفسه نرجو له الرحمة ونخاف عليه العذاب.

____________________________________________________________________

اشتمال أو بعض ، والمراد به الظالم « لبعض » المراد به المظلوم ، والمظالم جمع المظلـمّة بالكسر وهي ما يظلمه الرّجل إذا برز لخلقه ، البروز الظهور بعد الخفاء ، ولعلّه كناية عن ظهور أحكامه وثوابه وعقابه وحسابه ، وقيل : كناية عن أنه سبّحانه يتكلّم مع جميع الخلائق بنفسه ويحاسبّهم مشافهة كما ورد في الأخبار.

« على نفسه » أي ملزما على نفسه « فقال » الفاء للبيان ، ويقال : جازه يجوزه إذا تعداه « ولو كف بكف » لعلّ المراد بالكف أو لا المنع والزجر ، وبالثاني اليد أي تضرر كف إنسان بكف آخر بغمز وشبهه ، أو تلذذ كف بكف أو يقدر مضاف أي يجازى ضرب كف بضرب كف ، وقيل : أي ضربة كف بكف ، والمراد بالمسحة بالكف ما يشتمل على إهانة وتحقير أو تلذذ ، ويمكن حمل التلذذ في الموضعين على ما إذا كان من امرأة ذات بعل أو قهراً بدون رضاء الممسوح ، ليكون من حقّ الناس.

والجماء الّتي لا قرن لها ، قال في النهاية : فيه أن الله ليدين الجماء من ذوات القرون الجماء الّتي لا قرن لها ، ويدين أي يجزي ، انتهى.

ويدلّ على حشرّ الحيوانات أيضاً في القيامة كما يدلّ عليه قوله تعالى : «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ » وغيره من الآيات والأخبار ، وبه قال أكثر المتكلمين من الخاصّة والعامّة وإن اختلفوا في خصوصياته من بقائها بعد الحشرّ أو تفرقها وصيرورتها تراباً وغير ذلك.

٣٢٧

____________________________________________________________________

ومنهم من أوّل القرناء بالإنسان القويّ القادر على الظلم ، والجماء بالمظلوم الضعيف وهو تكلف مستغنى عنه ، ولا يبعد أن يكون المراد مؤاخذة المكلّف بتمكين القرناء من إضرار الجماء ، وفي صحيح مسلم عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لتردن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشاة الجلجاء من الشاة القرناء ، والجلجاء أيضاً الّتي لا قرن لها ، وصرح جماعة من المفسّرين في تفسير الآية المتقدمة ببعثها ، وقيل أي جمعت من أطراف الأرض وقيل : أميتت.

وقال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثمّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ »(١) أي يحشرون إلى الله بعد موتهم يوم القيامة كما يحشرّ العباد ، فيعوض الله ما يستحقّ العوض منها وينتصف لبعضها من بعض ، وفيما رووه عن أبي هريرة أنّه قال : يحشرّ الله الخلق يوم القيامة البهائم والدواب والطير ، وكلّ شيء ، فيبلغ من عدل الله يومئذ أن يأخذ للجماء من القرناء ثمّ يقول : كوني ترابا فلذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت تراباً.

وعن أبي ذر قال : بينا أنا عند رسول الله إذا انتطحت عنزان فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتدرون فيم انتطحا؟ فقالوا : لا ندري ، قال : لكنّ الله يدري سيقضي بينهما.

وقال الرازي : قال قتادة : يحشرّ كلّ شيء حتّى الذباب للقصاص ، وقالت المعتزلة : إن الله يحشرّ الحيوانات كلّها في ذلك اليوم ليعوضها آلامها الّتي وصلت إليها في الدّنيا بالموت والقتل وغير ذلك ، فإذا عوضت عن تلك الآلام فإن شاء الله أن يبقى بعضها في الجنّة إذا كان مستحسنا فعل وإن شاء أن يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر ، وإمّا أصحابنا فعندهم أنه لا يجب على الله شيء بحكم الاستحقاق ، ولكنه تعالى يحشرّ الوحوش كلّها فيقتص للجماء من القرناء ، ثمّ يقال لها : موتي فتموت

______________________

(١) سورة الأنعام : ٣٨.

٣٢٨

____________________________________________________________________

انتهى.

وقال بعض شراح صحيح مسلم : اضطرب العلماء في بعث البهائم ، وأقوى ما تعلق به من يقول ببعثها قوله تعالى : «وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ » وأجاب الآخر بأن معنى حشرت ماتت ، قال : والأحاديث الواردة ببعثها آحاد تفيد الظنّ والمطلوب في المسئلة القطع ، وحمل البعض العود المذكور في الحديث على أنه ليس حقيقة وإنمّا هو ضرب مثل إعلإمّا للخلق بأنّها دار جزاء لا يبقى فيها حقّ عند أحدّ ، ثمّ قال : ويصح عندي أن يخلق الله تعالى هذه الحركة للبهائم يوم القيامة ليشعر أهل المحشرّ بما هم صائرون إليه من العدل ، وسمي ذلك قصاصا لا أنّه قصاص تكليف ومجازاة ، ومن توقف في بعثها إنما توقف في القطع بذلك كما يقطع ببعث المكلفين والأحاديث الواردة ليست نصوصاً ولا متواترة ، وليست المسئلة عملية حتّى يكتفي فيها بالظنّ والأظهر حشر المخلوقات كلها بمجموع ظواهر الآي والأحاديث ، وليس من شرط الإعادة المجازاة بعقاب أو ثواب للإجماع على أن أولاد الأنبياءعليهم‌السلام في الجنّة ولا مجازاة على الأطفال ، واختلف في أولاد من سواهم اختلافا ًكثيراً انتهى.

وقال القرطبي : حمل بعضهم الحديث على ظاهره لأنّه قال : يؤتى يوم القيامة بالبهائم فيقال لها : كوني تراباً بعد ما يقاد للجماء من القرناء ، وحينئذ يقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ، ويدلّ على أنّها ضرب مثل ما جاء في بعض الروايات من الزيادة في هذا الحديث ، يريد الحديث الذي نقله مسلم قال : حتّى يقاد للجلجاء من القرناء وللحجرلم ركب على حجر ، وللعود لم خدش العود ، لأنّ الجمادات لا تعقل كلاماً فلا ثواب ولا عقاب لها ، وهو في التمثيل مثل قوله تعالى : «وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً »(١) الآية.

______________________

(١) سورة الرعد : ٣١.

٣٢٩

____________________________________________________________________

وقوله تعالى : «لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ »(١) .

وقال الآبي : المسائل العلميّة الّتي لا يرجع للذات ولا للصّفات كهذه يصحّ التمسّك فيها بالآحاد ، والاستدلال بمجموع ظواهر الآي والأحاديث يرجع إلى التواتر المعنوي والاختلاف فيمن سوى أولاد الأنبياءعليهم‌السلام إنّما هو في محلهم بعد البعث لا في بعثهم كذا أظنّه توقف الأشعري في بعث المجانين ومن لم يبلغه الدعوة فجوز أن يبعثوا وجوز أن لا يبعثوا ، ولم يرد عنه قاطع في ذلك ثمّ قال : لا معنى لتوقّفه لأنّ ظاهر الآي والأحاديث بعث الجميع ، والمسئلة علمية لا ترجع للذات ولا للصّفات ، فيصحّ التمسّك فيها بالآحاد كما تقدّم ، أو يقال مجموع الآي والأحاديث يفيد التواتر المعنويّ كما تقدّم ، انتهى.

وأقول : تمام الكلام في ذلك موكول إلى كتابنا الكبير.

وامّا الذنب الثالث فالخوف بعد التوبة ، لاحتمال عدم حصول شرائط التوبة وعدم القطع بقوله فينبغي أن يكون التائب أيضاً بين الخوف والرّجاء.

ولنذكر هنا بعض الفوائد الّتي لا بدّ من التعرَّض لها.

الأولى : في معنى التوبة وهي لغة الرّجوع وتنسبّ إلى العبد وإلى الله سبّحانه ومعناها على الأوّل الرجوع عن المعصية إلى الطّاعة وعلى الثاني الرّجوع عن العقوبة إلى اللطف والتفضل ، وفي الاصطلاح قيل : هي الندم عن الذَّنب لكونه ذنبا فخرج الندم على شرب الخمرّ مثلاً لإضراره بالجسم ، وقد يزاد مع العزم على ترك المعاودة أبداً ، والظاهر أن هذا لازم لذلك الندم غير منفك عنه كما مرت الإشارة إليه.

وقال الشيخ البهائيقدس‌سره : والكلام الجامع في هذا الباب ما قاله بعض ذوي الألباب : من أن التوبة لا تحصل إلّا بحصول أمور ثلاثة : أوّلها معرفة ضرر

______________________

(١) سورة الحشر : ٢١.

٣٣٠

____________________________________________________________________

الذنوب وكونها حجاباً بين العبد ومحبوبة ، وسموماً قاتلة لمن يباشرها ، فإذا عرف ذلك وتيقنه حصل له من ذلك حالة ثانية هي التألم لفوات المحبوب ، والتأسف من فعل الذنوب وهذا التألم والتأسف هو المعبّر عنه بالندم ، وإذا غلب هذا الألم حصل حالة ثالثة هي القصد إلى أمور ثلاثة لها تعلّق بالحال والاستقبال والمضي ، فالمتعلّق بالحال هو ترك ما هو مقيم عليه من الذنوب ، والمتعلّق بالاستقبال هو العزم على عدم العود إليها إلى آخر العمرّ والمتعلّق بالماضي تلافى ما يمكن تلافيه من قضاء الفوائت والخروج من المظالم ، فهذه الثلاثة أعني المعرفة والندم والقصد إلى المذكورات أمور مترتبة في الحصول ، وقد يطلق على مجموعها اسم التوبة ، وكثيراً ما يطلق على الثاني أعني الندم وحده ، وتجعل المعرفة مقدمة لها ، وذلك القصد ثمرَّة متأخرة عنها ، وقد يطلق على مجموع الندم والعزم هذا ، وقد عرفها بعض أصحاب القلوب برجوع الآبق عن الجرم السّابق ، وبعضهم بإذابة الأحشاء لـمّا سلف من الفحشاء ، وبعضهم بأنّها خلع لباس الجفاء وبسط بساط الوفاء ، انتهى.

وأقول : إذا عرفت أن عدم العود إلى الذَّنب فيما بقي من العمرّ لا بد منه في التوبة ، فهل إمكان صدوره منه في بقية العمرّ شرط ، حتّى لو زنا ثمّ جب وعزم على أن لا يعود إلى الزنا على تقدير قدرته عليه لم تصح توبته ، أم ليس بشرط فتصح؟ الأكثر على الثاني ، بل نقل بعض المتكلمين إجماع السلف عليه ، وأولى من هذا بصحة التوبة من تاب في مرض مخوف غلب على ظنّه الموت فيه.

أمّا التوبة عند حضور الموت وتيقن الفوت وهو المعبّر عنه بالمعاينة فقد انعقد الإجماع على عدم صحتها ونطق بذلك القرآن العظيم ، قال سبّحانه : «وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الأنّ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً »(١) وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

______________________

(١) سورة النساء : ١٨.

٣٣١

____________________________________________________________________

إنّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، والغرغرة تردّد الماء وغيره من الأجسام المائعة في الحلقّ ، والمراد هنا تردّد الروّح عند النزع.

والأخبار عن أئمّتناعليهم‌السلام كثيرة في أنّه لا تقبل التوبة عند حضور الموت وظهور علاماته ومشاهدة أهواله ، كتوبة فرعون وسائر الكفرة الذين نزل عليهم العذاب ، وقد مرّ بعضها ، وعلل ذلك بأن الإيمان برهان ، ومشاهدة تلك العلامات والأهوال في ذلك الوقت تصير الأمر عياناً فيسقط التكليف كما أن أهل الآخرة لـمّا صارت معارفهم ضروريّة سقطت التكاليف عنهم ، قال بعض المفسّرين : ومن لطف الله بالعباد أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرجلين ثمّ يصعد شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى الصدر ، ثمّ تنتهي إلى الحلق ليتمكن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على الله تعالى ، والوصيّة والتوبة ما لم يعاين والاستحلال ، وذكر الله على لسانه فيرجى بذلك حسن خاتمته ، رزقنا الله ذلك بفضله وكرمه.

الثانية : لا خلاف في وجوب التوبة في الجملة والأظهر أنّها إنّما تجبّ لـمّا لم يكفر من الذنوب كالكبائر والصّغائر الّتي أصرت عليها ، فإنها ملحقة بالكبائر والصّغائر الّتي لم يجتنب معها الكبائر ، فإمّا مع اجتناب الكبائر فهي مكفرة إذا لم يصر عليها ، ولا يحتاج إلى التوبة منها ، لقوله تعالى : «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ »(١) قال المحقّق الطّوسيقدس‌سره في التجريد : التوبة واجبة لدفعها الضرر ، ولوجوب الندم على كلّ قبيح أو إخلال بواجب ، وقال العلّامة (ره) في شرحه : التوبة هي الندم على المعصية لكونّها معصية ، والعزم على ترك المعاودة في المستقبل : لأنّ ترك العزم يكشف عن نفي الندم ، وهي واجبة بالإجماع ، لكنّ اختلفوا.

فذهب جماعة من المعتزلة إلى أنّها تجب من الكبائر المعلوم كونها كبائر أو

______________________

(١) سورة النساء : ٣١.

٣٣٢

____________________________________________________________________

المظنون فيها ذلك ، ولا يجب من الصغائر المعلوم أنّها صغائر.

وقال آخرون : إنها لا تجب من ذنوب تاب عنها من قبل ، وقال آخرون : إنها تجب من كلّ كبير وصغير من المعاصي أو الإخلال بالواجب ، سواء تاب منها قبل أو لم يتب ، وقد استدلّ المصنف على وجوبها بأمرين : الأوّل : أنها دافعة للضرر الذي هو العقاب أو الخوف فيه ، ودفع الضرر واجب ، الثاني : أنا نعلم قطعاً وجوب الندم على فعل القبيح أو الإخلال بالواجب.

إذا عرفت هذا فنقول : إنها تجب من كلّ ذنب لأنهّا تجب من المعصية لكونّها معصية ، ومن الإخلال بواجب لكونه كذلك ، وهذا عام في كلّ ذنب وإخلال بواجب ، انتهى.

أقول : ظاهر كلامه وجوب التوبة من الذَّنب الذي تاب منه ، وكأنّه نظر إلى أن الندم على القبيح واجب في كلّ حال ، وكذا ترك العزم على الحرام واجب دائماً ، وفيه أن العزم على الحرام ما لم يأت به لا يترتب عليه إثمّ ، إلّا أن يقول : أن العفو عنه تفضلاً لا ينافي كونه منهيا عنه كما مرّ ، وإمّا الندم على ما صدر عنه سابقاً فلا نسلم وجوبه بعد تحقّق الندم مرَّة ، وسقوط العقاب به ، وإن كان القول بالوجوب لا يخلو من قوّة ، وقال الشيخ البهائي : دفع ضرر العقاب لا يدلّ على وجوب التوبة عن الصّغائر ممّن يجتنب الكبائر لكونّها مكفرة ، ولهذا ذهبت البهشمية إلى وجوبها عن الصّغائر سمعا لا عقلا.

نعم الاستدلال بأنّ الندم على القبيح من مقتضيات العقل الصحيح يعم القسمين ، وإمّا فورية الوجوب فقد صرح به المعتزلة فقالوا يلزم بتأخيرها ساعة إثمّ آخر تجب التوبة منه أيضاً ، حتّى أن من أخر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة فقد فعل كبيرتين وساعتين أربع كبائر ، الأولتان وترك التوبة عن كلّ منهما ، وثلاث ساعات ثمان كبائر وهكذا ، وأصحابنا يوافقونهم على الفورية لكنهم لم يذكروا

٣٣٣

____________________________________________________________________

هذا التفصيل فيما رأيته من كتبهم الكلاميّة.

وقالرحمه‌الله : لا ريب في وجوب التوبة على الفور فإنّ الذنوب بمنزلة السّموم المضرّة بالبدن وكما يجب على شارب السم المبادرة إلى الاستفراغ تلافيا لبدنه المشرف على الهلاك ، كذلك يجب على صاحب الذنوب المبادرة إلى تركها والتوبة منها تلافيا لدينه المشرف على التهافت والاضمحلال ، ومن أهمل المبادرة إلى التوبة وسوفها من وقت إلى وقت فهو بين خطرين عظيمين إن سلم من واحدّ فلعلّه لا يسلم من الآخر.

أحدهما : أن يعاجله الأجل فلا يتنبه من غفلته إلّا وقد حضره الموت وفات وقت التدارك ، وانسدت أبواب التلافي ، وجاء الوقت الذي أشار إليه سبّحانه بقوله : «وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ »(١) وصار يطلب المهلة والتأخير يوماً أو ساعة ، فيقال : لا مهلة لك كما قال سبّحانه : «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ »(٢) قال بعض المفسّرين في تفسير هذه الآية إن المحتضر يقول عند كشف الغطاء : يا ملك الموت أخرني يوماً أعتذر فيه إلى ربي وأتوب إليه وأتزود عملاً صالحا فيقول فنيت الأيام فيقول أخرني ساعة فيقول : فنيت الساعات فيغلق عنه باب التوبة ويغرغر بروحه إلى النّار ويجرع غصة اليأس وحسرة الندامة على تضييع العمرّ ، وربّما اضطرب أصل إيمانه في صدمات تلك الأهوال نعوذ بالله من ذلك.

وثانيهما أن تتراكم ظلـمّة المعاصي على قلبه إلى أن تصير ريناً وطبعاً فلا تقبل المحو فإن كلّ معصية يفعلها الإنسان يحصل منها ظلمه في قلبه كما تحصل من نفس الإنسان ظلمه في المرآة فإذا تراكمت ظلـمّة الذنوب صارت رينا كما تصير بخار النفس عند تراكمه على المرآة ، وإذا تراكم الرين صار طبعاً تطبع على قلبه

______________________

(١) سورة سباً : ٥٤. (٢) سورة المنافقون : ١٠.

٣٣٤

____________________________________________________________________

كالخبث على وجه المرآة إذا تراكم بعضه فوق بعض ، وطال مكثه وغاص في جرمها ، وأفسدها فصار لا تقبل الصّيقل أبداً.

وقد يعبر عن هذا القلب بالقلب المنكوس والقلب الأسود كما مرّ في الخبر. أنه يصير أعلاه أسفله ، وفي خبر آخر إن تمادى في الذنوب زاد السواد حتّى يغطى البياض فإذا غطى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً وهو قول الله عزّ وجلّ : «كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسبّونَ »(١) فقوله : لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً يدلّ على أن صاحب هذا القلب لا يرجع عن المعاصي ولا يتوب منها أبداً ، ولو قال بلسانه تبت إلى الله يكون هذا القول مجرّد تحريك اللسان من دون موافقة القلب ، فلا أثر له أصلاً كما أن قول القصار : غسلت الثوب لا يصير الثوب نقيا من الأوساخ.

وربّما يؤول حال صاحب هذا القلب إلى عدم المبالاة بأوأمر الشريعة ونواهيها فيسهل أمر الدين في نظره ويزول وقع الأحكام الإلهية من قلبه ، وينفر عن قبولها طبعه ، وينجر ذلك إلى اختلاف عقيدته وزوال إيمانه ، فيموت على غير الملّة وهو المعبّر عنه بسوء الخاتمة نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.

الثالثة : سقوط العقاب بالتوبة ممّا أجمع عليه أهل الإسلام ، وإنما الخلاف في أنه هل يجب عليُّ الله حتّى لو عاقب بعد التوبة كان ظلـمّا أو هو تفضل يفعله سبّحانه كرما منه ورحمة بعبادة؟ المعتزلة على الأوّل ، والأشاعرة على الثاني وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر الطّوسيقدس‌سره في كتاب الاقتصاد ، والعلّامةرحمه‌الله في بعض كتبه الكلاميّة ، وتوقف المحقّق الطّوسي طاب ثراه في التجريد.

وقال الطبرسي (ره) في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : «فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سبّيلَكَ »(٢) في هذه الآية دلالة على أن إسقاط العقاب عند التوبة

______________________

(١) سورة المطففين : ١٤. (٢) سورة غافر : ٧.

٣٣٥

____________________________________________________________________

تفضل من الله تعالى إذ لو كان واجباً لكان لا يحتاج إلى مسألتهم ، بل كان يفعله سبّحانه لا محالة ، واعترض عليه بأنه يحتمل أن يكون من قبيل قوله تعالى : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا »(١) ، والحقّ ما اختاره الشيخ كما يظهر من كثير من الأخبار وأدعية الصحيفة الكاملة وغيرها ، ودليل الوجوب ضعيف.

الرابعة : الذَّنب إن لم يستتبع أمر آخر يلزم الإتيان به شرعاً كلبس الحرير مثلاً ، كفى الندم عليه والعزم على عدم العود إليه ، ولا يجب شيء آخر سوى ذلك ، وإن استتبع أمر آخر من حقوق الله تعالى أو من حقوق الناس مالياً أو غير مالي وجب مع التوبة الإتيان به ، وربّما كان المكلّف مخيراً بين الإتيان بذلك الأمر وبين الاكتفاء بالتوبة من الذَّنب المستتبع له.

فحقوق الله المالية كالعتق في الكفّارة مثلاً يجب الإتيان بها مع القدرة ، وغير المالية إن كان غير حدّ كقضاء الفوائت وصوم الكفّارة فكذلك ، وإن كان حدا فالمكلّف مخير إن شاء أقرّ بالذَّنب عند الحاكم ليقام عليه الحدّ ، وإن شاء ستره واكتفى بالتوبة منه فلا حدّ عليه حينئذ إن تاب قبل قيام البينة به عند الحاكم.

وإمّا حقوق الناس المالية فتجب تبرئة الذمّة منها بقدر الإمكان ، فإن مات صاحب الحقّ فورثته في كلّ طبقة قائمون مقامه ، فمتى دفعه إليهم هو أو ورثته أو أجنبي متبرع برئت ذمته وإن بقي إلى يوم القيامة فلفقهائنا رضوان الله عليهم في مستحقه وجوه.

الأوّل : أنّه لصاحبه الأوّل ، الثاني : أنه لآخر وارث ولو بالعموم كالإمام ، الثالث : أنه ينتقل إلى الله سبّحانه والأوّل هو الأصح ، وقد دلت عليه الرواية الصحيحة عن الصادقعليه‌السلام .

وإمّا حقوقهم الغير المالية فإن كان إضلالاً وجب الإرشاد بل قد ورد في بعض

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٦.

٣٣٦

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن حمران قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن رجل أقيم عليه الحدُّ في الرجم

____________________________________________________________________

الأخبار أنّه لا تقبل توبته إلّا بأن يحيي من مات على تلك الضّلالة ويردّه عنها ، وإن كان قصاصا وجب إعلام المستحقّ له وتمكينه من استيفائه ، فيقول : أنا الذي قتلت أباك مثلاً ، فإن شئت فاقتص مني ، وإن شئت فاعف عني ، وإن كان حدا كما في القذف فإن كان المستحقّ له عالـماً بصدور ما يوجبه وجب التمكين أيضاً وإن كان جاهلا به فهل يجب إعلامه به وجهان ، من كونه حقّ آدمي فلا يسقط إلّا بإسقاطه ، ومن كون الإعلام تجديداً للأذى وتنبيها على ما يوجب البغضاء ، ومثل هذا يجري في الغيبة أيضاً.

وكلام المحقّق الطّوسي وتلميذه العلّامة طاب ثراهما يعطي عدم الإعلام بها ، وقد مرّ في باب الغيبة أن الأقوى أنه إذا علم بها يجب الاستحلال منه ، وإن لم يعلم فكفارته الاستغفار له.

ثمّ المشهور بين المتكلمين أن الإتيان بما يستتبعه الذنوب من فضاء الفوائت وأداء الحقوق والتمكين من القصاص والحدّ ونحو ذلك ليس شرطاً في صحة التوبة ، بل هذه واجبات برأسها ، والتوبة صحيحة بدونها ، وبها تصير أكمل وأتم.

الخامسة : اختلفوا في التوبة المبعضة والموقتة والمجملة ، والأصح صحة المبعضة ، وإلّا لـمّا صحت عن الكفر مع الإصرار على صغيرة ، وإمّا الموقتة كان يتوب عن الذنوب سنة فاشتراط العزم على عدم العود أبداً يقتضي بطلانها ، وإمّا المجملة كان يتوب عن الذنوب على الإجمال من دون ذكر تفصيلها وهو ذاكر للتفصيل فقد توقف فيها المحقّق الطّوسيقدس‌سره ، والقول بصحتها غير بعيد ، إذ لا دليل على اشتراط التفصيل ، وقد بسطنا القول في أكثر تلك المباحث في كتابنا الكبير.

الحديث الثاني : حسن موثّق كالصحيح.

وظاهره أن من أقيم عليه الحدّ يسقط عنه العقاب وإن لم يتب كما هو

٣٣٧

أيعاقب [ عليه ] في الآخرة قال إنَّ الله أكرم من ذلك.

( باب )

( تعجيل عقوبة الذنب )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن حمزة بن حمران ، عن أبيه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عزّ وجلّ إذا كان من أمره أن يكرم عبداً وله ذنب ابتلاه بالسقم فإن لم يفعل ذلك له ابتلاه بالحاجة فإن لم يفعل به ذلك شدّد عليه الموت ليكافيه بذلك الذَّنب قال وإذا كان من أمره أن يهين عبداً وله عنده حسنة صحح بدنه فإن لم يفعل به ذلك وسع عليه في رزقه فإن هو لم يفعل ذلك به هون عليه الموت ليكافيه بتلك الحسنة.

____________________________________________________________________

ظاهر الأصحاب ، ويشكلّ القول بسقوط وجوب التوبة عنه إلّا أن يقال : يعفى عنه تفضلاً ، وإن استحقّه كما يومئ إليه الخبر ، أو يقال : يسقط عنه عقاب ما يوجب الحدّ كالزنا مثلاً ، وإن بقي عليه عقاب ترك التوبة ، والخبر لا يأتي عنه بل يشعر به أيضاً.

باب تعجيل عقوبة الذنب

الحديث الأول : مجهول.

« من أمره » أي من شأنه وتدبيره « أن يكرم عبدا » أي في الآخرة بإيمانه بأن لا يعذّبه فيها « فإن لم يفعل » أي الربّ أو الذَّنب « ذلك » أي السقم أو الابتلاء به ، أو المعنى إن لم يفعل السقم ذلك أي تكفير الذَّنب أو استحقاق الإكرام به أي بالعبد ، والاحتمالات جارية في سائر الفقرات والأوّل في الكلّ أظهر ، وفي رواية : إن بقي عليه ذنب يكافيه بضغطة القبر ، وظاهره أن المؤمن لا يعذّب في الآخرة ، وقد يخصّ بحقوق الله « أن يهين عبداً » أي بنفاقه فإنّه لا يستحقّ ثواب

٣٣٨

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن الحكم بن عتيبة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يكن عنده من العمل ما يكفرها ابتلاه بالحزن ليكفّرها.

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عزّ وجلّ وعزتي وجلالي لا أخرج عبداً من الدّنيا وأنا أريد أن أرحمه حتّى أستوفي منه كلّ خطيئة عملها إمّا بسقم في جسده وإمّا بضيق في رزقه وإمّا بخوف في دنياه فإن بقيت عليه بقية شددت عليه عند الموت وعزتي وجلالي لا أخرج عبدا من الدّنيا وأنا أريد أن أعذبه حتّى أوفيه كلّ حسنة عملها إمّا بسعة في رزقه وإمّا بصحة في جسمه وإمّا بأمن في دنياه فإن بقيت عليه بقية هونت عليه بها الموت.

٤ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبان بن تغلب قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن المؤمن ليهول عليه

____________________________________________________________________

الآخرة فيعطيه عوضه في الدّنيا كإبليس ، وذلك من فضل الله سبّحانه لأنه لا يستحقّ الجزاء لإخلاله بأعظم الشرائط وهو الإيمان ، ويمكن تعميمه بحيث يشمل بعض الظلـمّة والفسّاق أيضاً.

الحديث الثاني : ضعيف.

« إن العبد » أي المؤمن « ولم يكن عنده » أي عند العبد أو الربّ والأوّل أظهر « بالحزن » أي بسبب ظاهر أو بغيره.

الحديث الثالث : ضعيف.

« وأنا أريد أن أرحمه » أي استحقّ رحمتي.

الحديث الرابع : صحيح.

« ليهوّل » على بناء المجهول من التفعيل ، في القاموس : هاله هولا أفزعه كهوّله فاهتاله ، والهول مخافة لا يدري ما هجم عليه ، وقال : مهنة كمنعه ونصره

٣٣٩

في نومه فيغفر له ذنوبه وإنّه ليمتهن في بدنه فيغفر له ذنوبه.

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن السري بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا أراد الله عزّ وجلّ بعبد خيراً عجل له عقوبته في الدّنيا وإذا أراد بعبد سوءاً أمسك عليه ذنوبه حتّى يوافي بها يوم القيامة.

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن الحسن بن شمون ، عن عبد الله بن عبد الرَّحمن ، عن مسمع بن عبد الملك ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسبّتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ »(١) ليس من التواء عرق ولا نكبة حجر ولا عثرة قدم

____________________________________________________________________

خدمه وضربه وجهده ، وامتهنه استعمله فامتهن هو لازم متعد ، والمهين الحقير والضعيف ، وفي النهاية : امتهنوني أي ابتذلوني في الخدمة ، وربّما يقرأ ليمهن وهو تصحيف ، وفي الصحّاح امتهنت الشيء ابتذلته وأمهنته أضعفته.

والحاصل أنّه تبتليه في بدنه بالبلايا والأمراض والأحزان والذل كأنه استخدمه أو ابتذله واستعمله كثوب البذلة ، وفي الصّحيفة السجادية وامتهنك بالزيادة والنقصان.

الحديث الخامس : مجهول.

« أمسك عليه ذنوبه » أي لم يكفّرها بالعقوبة في الدّنيا.

الحديث السادس : ضعيف.

«وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ » قال في مجمع البيان : أي من بلوى في نفس أو مال «فَبِما كَسبّتْ أَيْدِيكُمْ » من المعاصي «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » منها فلا يعاقب بها ، قال الحسن : الآية خاصّة بالحدود الّتي يستحقّ على وجه العقوبة ، وقال قتادة : هي عامة ، وروي عن عليُّعليه‌السلام أنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خير آية في كتاب الله هذه الآية ، يا عليُّ ما من خدش عود ولا نكبة قدم إلّا بذنب ، وما عفا الله عنه في الدّنيا فهو أكرم من أن يعود فيه ، وما عاقب عليه في الدّنيا فهو أعدل من أن يثني

______________________

(١) سورة الشورى : ٣٠.

٣٤٠