مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30796
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30796 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ولا خدش عود إلّا بذنب ولـمّا يعفو الله أكثر فمن عجّل الله عقوبة ذنبه في الدّنيا فإن الله عزّ وجلّ أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة.

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن العبّاس بن موسى الوراق ، عن عليُّ الأحمسي ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

____________________________________________________________________

على عبده ، وقال أهل التحقيق : أن ذلك خاص وإن خرج مخرج العموم لـمّا يلحقّ من مصائب الأطفال والمجانين ، ومن لا ذنب له من المؤمنين ، ولأنّ الأنبياء والأئمّة يمتحنون بالمصائب وإن كانوا معصومين من الذنوب لـمّا يحصل لهم في الصبر عليها من الثواب ، انتهى.

وأقول : سيأتي استثناء المعصومينعليهم‌السلام منها ، والالتواء الانفتال والانعطاف ، في القاموس : لواه يلويه ليا فتله وثناه فالتوى وتلوى ، وبرأسه أمال ، والنباقة بذنبها حركت ، و التوى القدح اعوج وتلوى انعطف ، وقال : نكب الحجارة رجله لتمتها أو أصابتها فهو منكوب ، وفي النهاية : وقد نكب بالحرة أي نالته حجارتها وأصابته ، ومنه النكبة وهي ما يصيب الإنسان من الحوادث ، ومنه الحديث أنّه نكبت إصبعه أي نالتها الحجارة ، و الخدش جراحة في ظاهر الجلد سواء دمي الجلد أولا.

« ولـمّا يعفو الله » بفتح اللام وتخفيف الميم.

الحديث السابع : مجهول.

والهم والغمّ إمّا مترادفان أو الغمّ ما يعلم سبّبه ، والهم ما لم يعلم سبّبه ، أو الهم الحزن الذي يذيب الجسد فهو أخص ، أو الهم ما كان لفقد محبوب ، والغمّ لوجود مكروه.

وفي الدعاء : أعوذ بك من الهم والغمّ والحزن ، قيل : الفرق بين الثلاثة هو أن الهم قبل نزول الأمر ويطرد النوم ، والغمّ بعد نزول الأمر ويجلب النوم ، والحزن الأسف على ما فات وخشونة في النفس لـمّا يحصل فيها من الغمّ ، وقال الكرماني

٣٤١

ما يزال الهمُّ والغمُّ بالمؤمن حتّى ما يدع له ذنباً.

٨ - عنه ، عن أحمد بن محمّد وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن أبي عمير ، عن الحارث بن بهرام ، عن عمرو بن جميع قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن العبد المؤمن ليهتمّ في الدّنيا حتّى يخرج منها ولا ذنب عليه.

٩ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عليُّ الأحمسي ، عن رجل ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال لا يزال الهمُّ والغمُّ بالمؤمن حتّى ما يدع له من ذنب.

١٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليُّ بن الحكم ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال الله عزّ وجلّ ما من

____________________________________________________________________

الغمّ هو ما يلحقه بحيث يضمّه كأنّه يضيق عليه ، ويقرب أن يغمى عليه ، فهو أخص من الحزن ، وهو شامل لجميع أنواع المكروهات ، والهم بحسب ما يقصده ، والحزن ما يلحقه بسبب مكروه في الماضي ، والغمّ على المستقبل.

وقيل : الهم والحزن بمعنى وقيل : الهم لـمّا يتصور من المكروه الحالي والحزن لـمّا في الماضي.

وقال الطيبي : الحزن خشونة في النفس لحصول غم ، والهم حزن يذيب الإنسان فهو أخص من الحزن ، وقيل : هو بالآتي والحزن بالماضي.

الحديث الثامن : ضعيف.

« ليهتمّ » أي يصيبه الهمّ والحزن كثيراً ، في القاموس : الهم الحزن ، وهمه الأمر همّاً ومهمّة حزنه كأهمّه فاهتمّ ، وفي بعض النسخ : ليهمّ على بناء المفعول.

الحديث التاسع : مجهول ، وقد مرّ.

الحديث العاشرّ : صحيح.

« أريد أن أدخله الجنّة » أي لإيمانه وقد عمل بالمعاصي ، وليست له حسنة

٣٤٢

عبد أريد أن أدخله الجنّة إلّا ابتليته في جسده فإن كان ذلك كفّارة لذنوبه وإلّا شددت عليه عند موته حتّى يأتيني ولا ذنب له ثمّ أدخله الجنّة وما من عبد أريد أن أدخله النّار إلّا صححت له جسمه فإن كان ذلك تمإمّا لطلبته عندي وإلّا آمنت خوفه من سلطانه فإن كان ذلك تمإمّا لطلبته عندي وإلّا وسعت عليه في رزقه فإن كان ذلك تمإمّا لطلبته عندي وإلّا هونت عليه موته حتّى يأتيني ولا حسنة له عندي ثمّ أدخله النار.

١١ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن أورمة ، عن النضر بن سويد ، عن درست بن أبي منصور ، عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مرّ نبي من أنبياء بني إسرائيل برجل بعضه تحت حائط وبعضه خارج منه قد شعثته الطير ومزقته الكلاب ثمّ مضى فرفعت له مدينة فدخلها فإذا هو بعظيم من عظمائها ميت على سرير مسجى بالديباج حوله المجمرّ فقال يا رب

____________________________________________________________________

تكفرها ولم يعف عنها « فإن كان » الجزاء مقدّر أي فاكتفى به أو مثله « تماماً » أي متممّا ، في القاموس : تم يتمّ تمّاً وتماماً مثلثتين ، وتمام الشيء ما يتمّ به.

الحديث الحادي عشر : ضعيف.

والتشعيث التفريق ، وفي المصباح مزقت الشيء أمزقه ومزقته خرقته ، ومزقهم الله كلّ ممزق ، فرقهم في كلّ وجه من البلاد « فرفعت » على بناء المفعول أي ظهرت ، قال الكرماني في شرح البخاري : فيه فرفع لي البيت المعمور أي قرب وكشف وعرض.

وفي القاموس : تسجية الميت تغطيته ، وفي المصباح : الديباج ثوب سداه ولحمته إبريسم ، ويقال هو معرب ثمّ كثر حتّى اشتقت العرب منه فقالوا دبج الغيث الأرض دبجا من باب ضرب إذا سقاها فأنبتت أزهارا مختلفة ، لأنّه عندهم اسم للمنقش ، واختلف في الياء فقيل زائدة ووزنه فيعال ، ولهذا يجمع بالياء فيقال دبابيج ، وقيل : هي أصل والأصل دباج بالتضعيف فأبدل من إحدى المضعفين حرف العلة ، ولهذا يرد

٣٤٣

أشهد أنك حكمٌ ، عدلٌ ، لا تجور ، هذا عبدك لم يشرك بك طرفة عيّن أمته بتلك الميتة وهذا عبدك لم يؤمن بك طرفة عيّن أمته بهذه الميتة فقال عبدي أنا كما قلت حكم عدل لا أجور ذلك عبدي كانت له عندي سيّئة أو ذنب أمته بتلك الميتة لكي يلقاني ولم يبق عليه شيء وهذا عبدي كانت له [ عندي ] حسنة فأمته بهذه الميتة لكي يلقاني وليس له عندي حسنة.

١٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي الصباح الكناني قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فدخل عليه شيخ فقال يا أبا عبد الله أشكو إليك ولدي وعقوقهم وإخواني وجفاهم عند كبر سني فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا هذا إن للحقّ دولة وللباطل دولة وكلّ واحدّ منهما في دولة صاحبه ذليل وإن أدنى ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده والجفاء من إخوانه وما من

____________________________________________________________________

في الجمع إلى أصله ، فيقال دبابيج بباء موحّدة بعد الدّال.

« أشهد أنّك حكم » بالتحريك وهو منفذ الحكم أي أعلم مجملاً أن هذا من عدلك لأنّك حاكم عادل ، لكنّ لا أعلم بخصوص السبّب « أو ذنب » الترديد من الراوي.

الحديث الثاني عشر : صحيح.

« دولة » بالفتح أي غلبة أو نوبة ، قال الجوهري : الدولة في الحرب أن تداول إحدى الفئتين على الأخرى ، والدولة بالضمّ في المال يقال : صار الفيء دولة بينهم يتداولونه يكون مرَّة لهذا ومرَّة لهذا ، وقال أبو عبيد : الدولة بالضمّ اسم الشيء الذي يتداول به بعينه ، والدولة بالفتح الفعل ، وقيل : بالضمّ في المال وبالفتح في الحرب ، وأدالنا الله من عدوّنا ، من الدولة والإدالة الغلبة ، ودالت الأيام أي دارت ، والله يداولها بين الناس ، وتداولته الأيدي أي أخذته هذه مرَّة وهذه مرة.

وقال : رجل رأفة أي وادع وهو في رفاهة من العيش ، أي سعة ورفاهية على فعاليّة ، انتهى.

٣٤٤

مؤمن يصيبه شيئاً من الرَّفاهية في دولة الباطل إلّا ابتلي قبل موته إمّا في بدنه وإمّا في ولده وإمّا في ماله حتّى يخلّصه الله ممّا اكتسب في دولة الباطل ويوفّر له حظّه في دولة الحقّ فاصبر وأبشر.

( باب )

( في تفسير الذنوب )

١ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن العبّاس بن العلاء ، عن مجاهد ، عن أبيه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الذنوب الّتي تغيّر النعم البغي والذُّنوب الّتي تورث الندم القتل والّتي تنزل النقم الظلم والّتي تهتك الستر

____________________________________________________________________

والمراد به إمّا مطلق الرفاهيّة أو الرفاهيّة بالباطل ، ولعلّ الأخير أظهر ، وعلى الأوّل الابتلاء في رفاهيّة الحلال ليفوز بثواب الصابرين ، ولحصول الرفاهيّة له في دولة الحقّ ولو في الرجعة ، وللتشبيه بأولياء الله في دولة الباطل.

باب تفسير عقوبات الذنوب

الحديث الأول : ضعيف.

وحمل البغي على الذنوب باعتبار كثرة أفراده ، وكذا نظائره ، و البغي في اللّغة تجاوز الحدّ ويطلق غالباً على التكبر والتطاول ، وعلى الظلم قال تعالى : «يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الحقّ »(١) وقال : «إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ »(٢) و «بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللهُ »(٣) «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ »(٤) «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الّتي تَبْغِي »(٥) وقد روي أن الحسنعليه‌السلام طلب المبارز في صفّين فنهاه أمير المؤمنين عن ذلك وقال : إنّه بغى ولو بغى جبل على جبل لهدّ الله الباغي ،

______________________

(١) سورة الشورى : ٤٢.

(٢) سورة يونس : ٢٣.

(٣) سورة الحج : ٦٠.

(٤) سورة القصص : ٧٦.

(٥) سورة الحجرات : ٩.

٣٤٥

شرب الخمر والّتي تحبس الرزّق الزّنا والّتي تعجّل الفناء قطيعة الرحم والّتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن إسحاق بن عمّار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول كان أبيعليه‌السلام يقول نعوذ بالله من الذنوب التي

____________________________________________________________________

ولـمّا كان الظلم مذكوراً بعد ذلك ، فالمراد به التطاول والتكبر فإنّهما موجبان لرفع النعمة ، وسلب العزّة كما خسف الله بقارون.

وقد مرّ أنّ التواضع سبب للرفعة ، والتكبر يوجب المذلة أو المراد به البغي على الإمام أو الفساد في الأرض.

والذنوب الّتي تورث الندم القتل فإنه يورث الندامة في الدّنيا والآخرة ، كما قال تعالى في قابيل حين قتل أخاه «فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ »(١) » والّتي تنزل النقم الظلم كما يشاهد من أحوال الظالمين وخراب ديارهم واستئصال أولادهم وأموالهم كما هو معلوم من أحوال فرعون وهامان وبني أمية وبني العبّاس وأضرابهم ، وقد قال تعالى : «فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا »(٢) .

وهتك الستور بشرب الخمرّ ظاهر ، و حبس الرزق بالزنا مجرب فإن الزناة وإن كانوا أكثر الناس أموإلّا عمّا قليل يصيرون أسوء الناس حالا ، وقد يقرأ هنا الرّبا بالراء المهملة والباء الموحّدة ، وهي تحبس الرزق لقوله تعالى : «يَمْحقّ اللهُ الرّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ »(٣) .

وإظلام الهواء إمّا كناية عن التحيّر في الأمور أو شدّة البليّة أو ظهور آثار غضب الله في الجوّ.

الحديث الثاني : حسن موثق.

قوله : وهي قطعية الرحم ، الظاهر أنّه من كلام الباقر وقيل : هو كلام الصادق

______________________

(١) سورة المائدة : ٣١.

(٢) سورة النمل : ٥٢. (٣) سورة البقرة : ٢٧٦.

٣٤٦

تعجّل الفناء وتقرّب الآجال وتخلّي الدّيار وهي قطيعة الرحم والعقوق وترك البرّ.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أيّوب بن نوح - أو بعض أصحابه ، عن أيّوب - عن صفوان بن يحيى قال حدَّثني بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إذا

____________________________________________________________________

عليهما‌السلام وهو بعيد ، والظاهر أن الجميع يترتّب على كلّ واحدّ ، لأنّ تعجيل الفناء وتقريب الآجال متساوقان ، فيكون الثاني تأكيداً للأوّل أو إشعاراً بأن تعيين الآجال لا ينافي ذلك ، فإنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، ويحتمل أن يكون النشرّ على ترتيب اللف ، ولا ينافي تقارب المعنيين الأولين مع أنّه يمكن أن يكون المراد بالفناء فناء الأموال وإن كان بعيداً ، والبرّ برّ الوالدين أو الأعمّ.

الحديث الثالث : مرسل.

والخفر والإخفار الغدر ونقض العهد ، والإدالة الغلبة ، وفي الدعاء : أدل لنا ولا تدلّ منا ، وذلك لأنهم ينقضون الأيمان ويخالفون الله في ذلك للغلبة ، فيورد الله عليهم نقيض مقصودهم ، كما أنهم يمنعون الزكاة لحصول الغناء مع أنّها سبّب لنمو أموالهم ، فيذهب الله ببركتها ويحوجهم وكون المراد حاجة الفقراء كما قيل بعيد ، نعم يحتمل الأعمّ.

وأقول : روى الصدوق (ره) في كتاب معاني الأخبار خبرا مبسوطاً في ذلك ناسب إيراده هنا ، روى بإسناده عن أبي خالد الكابلي قال : سمعت عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يقول :

الذنوب الّتي تغيّر النعم البغي على الناس ، والزوال عن العادة في الخير ، واصطناع المعروف وكفران النعم ، وترك الشكر ، قال الله تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ »(١) .

______________________

(١) سورة الرعد : ١١.

٣٤٧

فشا أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزّنا ظهرت الزُّلزلة وإذا فشا الجور في الحكم احتبس القطر وإذا خفرت الذمّة أديل لأهل الشرك من أهل الإسلام وإذا منعت

____________________________________________________________________

والذنوب الّتي تورث الندم قتل النفس الّتي حرّم الله قال الله تعالى في قصّة قابيل حين قتل أخاه هابيل ، فعجز عن دفنه : «فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ »(١) وترك صلة القرابة حتّى يستغنوا ، وترك الصّلاة حتّى يخرج وقتها ، وترك الوصيّة ورد المظالم ومنع الزكاة حتّى يحضر الموت وينغلق اللسان.

والذنوب الّتي تنزل النقم عصيان المعارف بالبغي ، والتطاول على النّاس ، والاستهزاء بهم والسخريّة منهم.

والذنوب الّتي تدفع القسم إظهار الافتقار ، والنوم عن العتمة عن صلاة الغداة واستحقار النعم ، وشكوى المعبود عزّ وجل. والذنوب الّتي تهتك العصم شرب الخمر واللعب بالقمار وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح ، وذكر عيوب الناس ومجالسة أهل الريب.

والذنوب الّتي تنزل البلاء ترك إغاثة الملهوف ، وترك معاونة المظلوم ، وتضييع الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. والذنوب الّتي تدلّ الأعداء المجاهرة بالظلم ، وإعلأنّ الفجور ، وإباحة المحظور وعصيان الأخيار والانطباع للأشرار.

والذنوب الّتي تعجّل الفناء قطيعة الرحم ، واليمين الفاجرة ، والأقوال الكاذبة والزنا وسدّ طريق المسلمين ، وادّعاء الإمامة بغير حقّ.

والذنوب التي تقطع الرجاء اليأس من روّح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله ، والتكذيب بوعد الله.

والذنوب التي تظلم الهواء السحر والكهانة ، والإيمان بالنجوم ، والتكذيب بالقدر ، وعقوق الوالدين.

والذنوب التي تكشف الغطاء الاستدانة بغير نيّة الأداء ، والإسراف في النفقة على الباطل ، والبخل على الأهل والولد ، وذوي الأرحام ، وسوء الخلق ، وقلة الصبر

______________________

(١) سورة المائدة : ٣١.

٣٤٨

الزَّكاة ظهرت الحاجة.

( باب نادر )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول قال الله عزّ وجلّ إن العبد من عبيدي المؤمنين ليذنب الذَّنب العظيم ممّا يستوجب به عقوبتي في الدّنيا والآخرة فأنظر له فيما فيه صلاحه في آخرته فأعجل له العقوبة

____________________________________________________________________

واستعمال الضجر والكسل ، والاستهانة بأهل الدّين.

والذنوب الّتي تردّ الدعاء سوء النيّة ، وخبث السريرة ، والنفاق مع الإخوان وترك التصديق بالإجابة ، وتأخير الصلوات المفروضات حتّى تذهب أوقاتها ، وترك التقرّب إلى الله عزَّ وجلَّ بالبرّ والصدّقة واستعمال البذاء والفحش في القول.

والذنوب الّتي تحبس غيث السماء جور الحكّام في القضاء وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ومنع الزكاة ، والقرض والماعون وقساوة القلب على أهل الفقر والفاقة وظلم اليتيم والأرملة وانتهار السائل وردّه باللّيل.

باب نادر

إنّما أفرده عن الأبواب السّابقة لاشتماله على زيادة ولم يجدّ له من جنسه حتّى يشركه معه مع غرابة مضمونه ، ويمكن أن يقرأ بالتوصيف والإضافة معاً.

الحديث الأول : ضعيف.

« ممّا يستوجب » على بناء المعلوم ، ويحتمل المجهول « والآخرة » الواو بمعنى أو « فأنظر له » أي أدبر له ، و قوله : وأقدر عطف تفسير لقوله فأعجل وقيل : يعني ربما أعجل ، وربّما أقدر ، فالواو بمعنى أو ، وعلى الأوّل المراد بالتعجيل جعل تقدير العقوبة في الدّنيا وصرفها عن الآخرة صادف الإمضاء أو لم يصادفه ، والتقدير الكتابة في لوح المحو والإثبات ، والقضاء الشروع في تحصيل أسباب ذلك ، والإمضاء تكميل

٣٤٩

عليه في الدُّنيا لأجازيه بذلك الذَّنب وأقدّر عقوبة ذلك الذَّنب وأقضيه وأتركه عليه موقوفاً غير ممضىّ ولي في إمضائه المشيئة وما يعلم عبدي به فأتردد في ذلك مراراً على إمضائه ثمّ أمسك عنه فلا أمضيه كراهةً لمساءته وحيدا عن إدخال المكروه عليه فأتطول عليه بالعفو عنه والصفح محبّة لمكافاته لكثير نوافله الّتي يتقرّب بها إلي في ليله ونهاره فأصرف ذلك البلاء عنه وقد قدرته وقضيته وتركته موقوفاً ولي في إمضائه المشيئة ثمّ أكتب له عظيم أجر نزول ذلك البلاء وأدخره

____________________________________________________________________

الأسباب المقارن للحصول وضمير أتركه للعقوبة والتذكير لكونها مصدراً.

« فأتردّد في ذلك » أي في العقوبة مراراً أي مرات كثيرة على إمضائه أي لإمضائه أو عازماً أو أعزم على إمضائه أو على بمعنى في وهو بدل اشتمال لقوله في ذلك ، والتردّد هنا مجاز كما مرّ في قوله تعالى : « ما تردَّدت في شيء أنا فاعله » ولعلّه كناية عن إيجاد بعض أسبّابها ، ثمّ صرفها وعدم إكمالها ، وفي القاموس ، حاد عنه يحيد حيدا مال ، وقوله : محبّة مفعول له لقول فأتطول.

وقوله : لمكافاته متعلّق بالمحبّة ، و قوله : لكثير متعلّق بالمكافاة أي لأني أحب أي أكافيه وأجازيه بكثير نوافله ، وقيل : لمكافاته صفة لمحبّة ، ولكثير بدل لمكافاته أي لتلافيه ذلك الذَّنب بكثير من النوافل وما ذكرنا أظهر كما لا يخفى.

« ثمّ اكتب له » قيل : ثمّ للتعجب كما أنه في قوله ثمّ أمسك أيضاً كذلك ، وإنما سماه أجرا مع أن ما يعطى للبلايا يسمى عوضاً لأنّه يعطى حقيقة للنوافل الّتي صارت سبّبا لرفع البلاء فقوله : ولم يشعر به للتعجب على ترتب الأجر على فعل مقارن لغفلة محله ، و قوله : ولم يصل إليه للتعجب عن إعطاء العوض على أمر لم يصل إليه ، انتهى.

وأقول : لـمّا جعله أجرا وثواباً أثبت له ما هو من خواصه وهو المضاعفة بعشرة أمثاله وأكثر ، حيث قال : وأوفر له أجره ، وفي النهاية في أسماء الله تعالى الكريم هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ، وهو الكريم المطلق ، والكريم الجامع

٣٥٠

وأوفّر له أجره ولم يشعر به ولم يصل إليه أذاه وأنا الله الكريم الرَّؤوف الرَّحيم.

( باب نادر أيضاً )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام في قول الله عزّ وجلّ : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسبّتْ أَيْدِيكُمْ » فقال هو «وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ »(١) قال قلت ليس هذا أردّت أرأيت ما أصاب عليّاً

____________________________________________________________________

لأنواع الخير والشرف والفضائل ، و الرؤوف هو الرّحيم بعباده ، العطوف عليهم بألطافه والرأفة أرقّ من الرّحمة ، ولا تكاد تقع في الكراهة ، والرّحمة قد تقع في الكراهة للمصلحة ، انتهى.

والرحيم إمّا في الآخرة أو بالنعم الخاصّة.

باب نادر أيضاً

الحديث الأول : موثق كالصحيح.

« في قول الله » كأنّ في بمعنى عن أو هنا تقدير أي سألت عن شيء في هذه الآية « فقال هو : » أي أبو عبد اللهعليه‌السلام ولعلّه لـمّا اكتفى ببعض الآية كان موهماً لأنّ يكون نسي تتمّة الآية فقرأهاعليه‌السلام أو موهما لأنّه توهّم أن كلّ ذنب لا بد أن يبتلي الإنسان عنده ببلية فقرأعليه‌السلام تتمّة الآية لرفع هذا التوهّم ، وعلى الأوّل معنى ليس هذا أردّت ، أنّه إنّما لم أقرأ التتمّة لأنها لم تكن لها مدخل في سؤالي وعلى الثاني أن سؤالي ليس هذا الذي يتوهّم.

ويحتمل أن يكون قرأ تتمّة الآية لبيان سعة رحمة الله ، ولم يكن مبنيّاً على توهّم لكن السّائل توهّم ذلك « أرأيت » أي أخبرني ، وجوابهعليه‌السلام يحتمل وجهين

______________________

(١) سورة الشورى : ٢٩.

٣٥١

وأشباهه من أهل بيتهعليهم‌السلام من ذلك ؟ فقال إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوب إلى الله في كلّ يوم سبّعيّن مرَّة من غير ذنب.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن عليُّ بن رئاب قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسبّتْ أَيْدِيكُمْ » أ رأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام من بعده هو بما كسبّت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون فقال إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة

____________________________________________________________________

الأوّل : أنّ استغفار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنه لم يكن لحط الذنوب بل لرفع الدّرجات فكذا ابتلاؤهمعليهم‌السلام ليست لكفّارة الذنوب بل لكثرة المثوبات وعلو الدّرجات ، فالخطاب في الآية متوجه إلى غير المعصومين بقرينة «فَبِما كَسبّتْ أَيْدِيكُمْ » كما عرفت.

والثاني : أن المعنى أن استغفار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لترك الأولى أو ترك العبادة الأفضل إلى الأدنى وأمثال ذلك ، فكذا ابتلاؤهم كان لتدارك ذلك ، والأوّل أظهر كما يدلّ عليه الخبر الآتي وغيره ، قال في النهاية : فيه أنه ليغان على قلبي حتّى أستغفر الله في اليوم سبّعيّن مرَّة ، الغين الغيم ، وغينت السّماء تغان إذا أطبق عليها الغيم وقيل : الغين شجر ملتف أراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشرّ ، لأنّ قلبه أبداً كان مشغولا بالله تعالى ، فإن عرض له وقتا ما عارض بشرى يشغله عن أمور الأمّة والملّة ومصالحهما عد ذلك تقصيرا وذنبا فيفزع إلى الاستغفار.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح بل أعلى من الصحيح.

والجمع بين المائة والسبّعيّن أنه قد كان يفعل هكذا وقد كان يفعل هكذا وقيل : المراد بالسبعيّن العدد الكثير كما قيل في قوله تعالى : «إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سبّعِينَ

٣٥٢

مرَّة من غير ذنب إن الله يخصّ أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب.

٣ - عليُّ بن إبراهيم رفعه قال لـمّا حمل عليُّ بن الحسين صلى الله عليهما إلى يزيد بن معاوية فأوقف بين يديه قال يزيد لعنه الله : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسبّتْ أَيْدِيكُمْ » فقال عليُّ بن الحسينعليه‌السلام ليست هذه الآية فينا إن فينا قول الله عزّ وجلّ : «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إلّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ »(١) .

____________________________________________________________________

مرَّة »(٢) أو كان يفعل الثلاثين في اللّيل.

الحديث الثالث : مرفوع.

« ليست هذه الآية فينا » قد مرّ بيانه ، ويؤيده أن قبل تلك الآية بآيات : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلّا المودّة فِي الْقُرْبى » ومعلوم أن هذا الخطاب لغيرهمعليهم‌السلام .

«ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ » قال الطبرسي (ره) : مثل قحط المطر وقلة النبات ، ونقص الثمرات «وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ » من الأمراض والثكلّ بالأولاد «إلّا فِي كِتابٍ » أي إلّا وهو مثبت مذكور في اللوح المحفوظ «مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها » أي من قبل أن يخلق الأنفس ، وإنما أثبتها ليستدلّ ملائكته به على أنه عالم لذاته ، يعلم الأشياء بحقائقها «إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ » أي إثبات ذلك على الله يسير سهل غير عسير.

ثمّ بين سبّحانه لم فعل ذلك فقال : «لِكَيْلا تَأسوء عَلى ما فاتَكُمْ » أي فعلنا ذلك لكيلاً تحزنوا على ما يفوتكم من نعم الدّنيا «وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » أي بما أعطاكم الله منها ، والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذا أن الإنسان إذا علم أن ما فات منها ضمّن الله تعالى العوض عليه في الآخرة فلا ينبغي أن يحزن لذلك ، وإذا علم أن ما ناله منها كلف الشكر عليه والحقوق الواجبة فيه ، فلا ينبغي أن

______________________

(١) سورة الحديد : ٢٢.(٢) سورة التوبة : ٨٠.

٣٥٣

____________________________________________________________________

يفرح به ، وأيضاً فإذا علم أنّ شيئاً منها لا يبقى فلا ينبغي أن يهتمّ له بل يجب أن يهتمّ لأمر الآخرة الّتي تدوم ولا تبيد ، انتهى.

ولا يخفى أن ما ذكرهقدس‌سره لا يتفرّع على الكتابة في اللوح ، ولا مدخل لها في ذلك ، وقال البيضاوي : ضمير يخلقها للمصيبة أو للأرض أو للأنفس ، وقال في قوله : «لِكَيْلا تَأسوء » فإن من علم أن الكلّ مقدّر هان عليه الأمر ، والمراد منه نفي الأسي المانع من التسليم لأمر الله ، والفرح الموجب للبطر والاختيال ولذلك عقبه بقوله : «وَاللهُ لا يحبّ كلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ » إذ قل من يثبت نفسه في حال الضراء والسراء ، انتهى.

وأقول : الظاهر أن التعليل مبني على أن الإنسان إذا علم أن الله سبّحانه قدر الخير والشرّ له قبل أن يخلقه ، وعلم أن الله تعالى فياض جواد حكيما ، لا يفعل إلّا الأصلح بعباده ، لا يأسى على المصائب كثيراً لعلمه بأن صلاحه فيه ، وأن الله تعالى لجودة وحكمته يعوضه عن ذلك ، وأيضاً إنّما يأسف الإنسان غالباً لظنه أنّه كان يمكنه السعي في رفع ذلك فقصر فيه ، وإذا علم أن ذلك بتقديره سبّحانه وكان يقع لا محالة لا يأسف من تلك الجهة ، وكذا إذا أعطاه الله نعمة وعلم أنّها بتقدير الله تعالى وليس من سعيه حثه ذلك على الشكر والتذلل لله سبّحانه ، ولا يطغى ولا يختال ويخاف سلب النعمة كما حكى الله تعالى عن قارون حيث قال : «إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي »(١) وزعم أنذه إنّما حصل له ما أعطاه الله لسعيه لا بتقديره سبّحانه وفضله ، ولذلك طغى وبغى.

وإذا عرفت ذلك فقولهعليه‌السلام : إن فينا قول الله ، يحتمل أن يكون المراد به إنا داخلون في حكم هذه الآية ولا تشملنا الآية الأخرى ، فلا يكون المعنى اختصاصها بهم وإذا حملنا على الاختصاص فيحتمل وجهين

______________________

(١) سورة القصص : ٧٨.

٣٥٤

( باب )

( أن الله يدفع بالعامل عن غير العامل )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عليُّ بن معبد ، عن عبد الله بن القاسم ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله ليدفع بمن يصلّي من شيعتنا عمّن لا يصلّي من شيعتنا ولو أجمعوا على ترك الصّلاة لهلكوا وإن الله

____________________________________________________________________

الأوّل : أن يكون وجه التخصيص أنّهم العاملون والمنتفعون بها ، فصارت لهم خلقاً وسجية ، ويؤيّده أنّه روى عليُّ بن إبراهيم لهذا الخبر تتمّة ، وهي قوله : «إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأسوء عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ » فنحن الذين لا ناسي على ما فاتنا من أمر الدّنيا ، ولا نفرح بما أوتينا ، وهذا الاختصار المخل من المصنف (ره) غريب إلّا أن يقال رواه عليُّ بن إبراهيم على الوجهين.

الثاني : أن يكون وجه الاختصاص علمهم بما كتب لهم في اللوح المحفوظ ، والدّرجات الّتي حصلت لهم بإزائها كما مرّ في باب الصبر عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : إنا صبر وشيعتنا أصبر منا ، لأنا نصبر على ما نعلم ، وشيعتنا يصبرون على ما لا يعملون ، وقد مرّ تأويل غريب لهذه الآية في باب شأن إنا أنزلناه في ليلة القدر يظهر منه الاختصاص بهم على وجه الكمال.

باب(١)

الحديث الأول : ضعيف.

والمراد بالهلاك نزول عذاب الاستئصال ، وظاهره أن المراد بالآية عن بعضهم بسبب بعض ، فيكون الناس و بعضهم منصوبين بنزع الخافض ، أو يقال : المراد دفع

______________________

(١) وفي بعض النسخ كنسخة المتن عنوان الباب هكذا « باب أن الله يدفع بالعامل من غير العامل ».

٣٥٥

ليدفع بمن يحجُّ من شيعتنا عمّن لا يحجُّ ولو أجمعوا على ترك الحجِّ لهلكوا وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحج ولو أجمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله عزوجلّ «وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكنّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ »(١) فو الله ما نزلت إلّا فيكم ولا عنى بها غيركم.

( باب )

( أن ترك الخطيئة أيسر من [ طلب ] التوبة )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن الحكم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي العبّاس البقباق قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام قال أمير المؤمنينعليه‌السلام ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً والموت

____________________________________________________________________

بعض الناس أي الظالمين أو المشركين عن بعض ببركة بعض ، فيكون المدفوع عنه متروكا في الكلام « فو الله ما نزلت » أي الآية ودفع الله العذاب عن بعضهم بسبب بعض مخصوصة بالشيعة لا يشركهم غيرهم.

باب(٢)

الحديث الأول : مرسل.

« أيسر من طلب التوبة » إشارة إلى أنّ شرائط قبول التوبة كثيرة كما مرت الإشارة إليه في قول أمير المؤمنينعليه‌السلام فأصبح خائفاً من ذنبه راجياً لربّه ، وأيضاً بعد إدراك لذة الذَّنب والتدنس به ربما لم تطاوع نفسه في التوبة لا سيّما إذا بلغ حدّ الطبع والرين « حزناً طويلاً » بعد الموت أو الأعمّ « والموت فضح الدّنيا » لكشفه عن مساويها وغرورها وعدم وفائه لأهلها ، وقيل : يعني أن بعد الموت يظهر عيوب الدّنيا ولا يخفى بعده ، وعلى التقديرين فيه حث على ذكر الموت فإنه هادم

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٢.

(٢) وفي بعض النسخ كنسخة المتن عنوان الباب هكذا « باب أنّ ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة ».

٣٥٦

فضح الدُّنيا ، فلم يترك لذي لبّ فرحاً.

( باب الاستدراج )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عبد الله بن جندب ، عن سفيان بن السمط قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الله إذا أراد بعبد خيراً فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكّره الاستغفار وإذا أراد بعبد شرّاً فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار ويتمادى بها وهو قول الله عزّ وجلّ : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ

____________________________________________________________________

اللّذات والمنبّه عن الغفلات.

باب الاستدراج

قال في القاموس : استدراج الله تعالى العبد أنّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة وأنساه الاستغفار وأن يأخذه قليلاً ولا يباغته.

الحديث الأوّل : مجهول.

« لينسئه » أي الربّ تعالى ، وفي بعض النسخ بالتاء أي النعمة وعلى التقديرين اللام لام العاقبة «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ » بإيصال النعم إليهم عند اشتغالهم بالمعاصي ، والاستدراج قيل : هو الأخذ على الغرة من حيث لا يعلم وقيل : هو أن يتابع على عبده النعم إبلاغاً للحجة ، والعبد مقيم على الإساءة ، مصر على المعصية ، فيزداد بتواتر النعم عليه غفلة ومعصية ، وذهاباً إلى الدّرجة القصوى منها فيأخذه الله بغتة على شدّة حين لا عذر له ، كما ترى الراقي في الدّرجة ، فيتدرج شيئاً فشيئاً حتّى يبلغ إلى العلو فيسقط منه.

وفيه تخويف للمنعم عليه بالاغترار والنسيان ، وحمل ذلك على اللطف والإحسّان وتذكير « له » باحتمال أن يكون ذلك استدراجاً ليأخذه على العزّة والشدّة ، وقد قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : ليركم الله من النعمة وجلين ، وقالعليه‌السلام : إنه من

٣٥٧

مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ »(١) بالنعم عند المعاصي.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن بعض أصحابه قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الاستدراج فقال هو العبد يذنب الذَّنب فيملى له وتجدد له عندها النعم فتلهيه عن الاستغفار من الذنوب فهو مستدرج من حيث لا يعلم.

____________________________________________________________________

وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك إدراجاً فقد آمن مخوفاً.

الحديث الثاني : مرسل.

« هو العبد » أي حال العبد ، والإملاء الإمهال قال تعالى : «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ »(٢) وقال في مجمع البيان في قوله تعالى : «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » أي إلى الهلكة حتّى يقعوا فيه بغتة ، وقيل : يجوز أن يريد عذاب الآخرة أي نقربهم إليه درجة درجة حتّى يقعوا فيه ، وقيل : هو من المدرجة وهي الطريق ودرج أي مشى سريعاً أي سنأخذهم من حيث لا يعلمون أي طريق سلكوا ، فإن الطرق كلها عليُّ ومرجع الجميع إلى ، ولا يغلبني غالب ، ولا يستبقني سابق ، ولا يفوتني هارب ، وقيل : إنه من الدرج أي سنطويهم في الهلاك ونرفهم عن وجه الأرض ، يقال : طويت أمر فلان إذا تركته وهجرته ، وقيل : معناه كلـمّا جددوا خطيئة جددنا لهم نعمة ، ولا يصحّ قول من قال : أن معناه يستدرجهم إلى الكفر والضلال ، لأنّ الآية وردّت في الكفّار ، وتضمنت أنه يستدرجهم في المستقبل ، لأنّ السين يختص المستقبل ، ولأنّه جعل الاستدراج جزاء على كفرهم وعقوبة ، فلا بد أن يريد معنى آخر غير الكفر.

وقال : «وَأُمْلِي لَهُمْ » معناه وأمهلهم ولا أعاجلهم بالعقوبة فإنهم لا يفوتوني ولا يفوتني عذابهم «إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ » أي عذابي قويّ منيع لا يدفعه دافع ، وسماه كيدا

______________________

(١) سورة الأعراف : ١٨٢.

(٢) سورة القلم : ٤٥.

٣٥٨

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن عمّار بن مروان ، عن سماعة بن مهران قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ » قال هو العبد يذنب الذَّنب فتجدد له النعمة معه تلهيه تلك النعمة عن الاستغفار من ذلك الذنب.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كم من مغرور بما قد أنعم الله عليه وكم من مستدرج بستر الله عليه وكم من مفتون بثناء الناس عليه.

____________________________________________________________________

لنزوله بهم من حيث لا يشعرون ، وقيل : أراد أنّ جزاء كيدهم متين.

الحديث الثالث (١) : ضعيف.

« كم من مغرور » كم خبريّة مرفوعة محلا بالابتداء وخبرها محذوف إن كان الظرف في قوله « بما » لغوا ومتعلقّاً بمغرور بتقدير كم من مغرور بما أنعم الله عليه كائن ، وخبرها الظرف إن كان مستقرا ، أو كم منصوبة محلا على طريقة ما أضمرّ عامله على شريطة التفسير باشتغال فعل بضمير متعلّق به ، مثل زيدا مررت بغلامه ، وهكذا في سائر المواضع ، أي كم غافل عن مال حاله ، وعقوبات الله في الدّنيا والآخرة بما أنعم الله عليه فظنّ أنه لكرامته على الله أنعم عليه ، وكم من رجل ستر الله عيوبه عن الناس أو عن نفسه أيضاً استدراجاً فظنّ كماله وقربّه عند الله ، وكم رجل افتتن ووقع في مهاوي العجب بثناء الناس عليه ، فغفل عن عيوب نفسه ، وظنّ مدح النّاس حقّاً.

______________________

(١) كذا في جميع النسخ والظاهر أنه سقط من نسخة الشارح (ره) أو قلمه الشريف الحديث الثالث الموجود في المتن وقد مرّ نظير هذا السقط في الأجزاء السّابقة أيضاً ، واحتمال سقطه من قلم النسّاخ بعيد لأنّ النسخ الموجودة عندنا أحدها بخط الشارح تماماً وقد سقط منها أيضاً ، وعلى كلّ حال هذا الحديث بحسب المتن هو الحديث الرابع لا الثالث.

٣٥٩

( باب )

( محاسبّة العمل )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن الحسن بن محبوب ، عن عليُّ بن رئاب ، عن أبي حمزة ، عن عليُّ بن الحسينعليه‌السلام قال كان أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول إنما الدهر ثلاثة أيام أنت فيما بينهن مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبداً فإن كنت عملت فيه خيراً لم تحزن لذهابه وفرحت بما استقبلته منه وإن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه وتفريطك فيه وأنت في يومك الذي أصبحت فيه من غد في غرة ولا تدري لعلك لا تبلغه وإن بلغته لعلّ حظك فيه في التفريط مثل حظك في الأمس الماضي عنك.

فيوم من الثلاثة قد مضى أنت فيه مفرط ويوم تنتظره لست أنت منه على يقين من ترك التفريط وإنما هو يومك الذي أصبحت فيه وقد ينبغي لك أن عقلت

____________________________________________________________________

باب أي نادر أيضاً(١)

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« ثلاثة أيّام » أحدها اليوم الّذي هو فيه ينبغي أن يعمل فيه ، والثاني : اليوم الذي قبل هذا اليوم وهو يشمل كلّ يوم قبله وهو المراد بالأمس الماضي لا خصوص يوم واحدّ قبله ، الثالث : اليوم الآتي بعد هذا اليوم ، وهو كذلك يشمل جميع الأيام الآتية وهو المراد بالغد « بما استقبلته منه » أي بعمل صالح استقبلته ولاقيته بسبب ذلك اليوم ، أو الثواب الذي تستقبله وتنتظره في الآخرة بسبب ذلك العمل ، ولعلّه أظهر « من غد » أي بسبّبه أو بالنسبّة إليه كقوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، أو متعلّق بغرة.

والغرة بالكسر الغفلة أي اغتررت بالغد وسوفت العمل إليه غافلاً عن أنك لا تعلم وصولك إليه ، وعدم تفريطك فيه « وإنّما هو يومك » الضمير راجع إلى ما بيده

______________________

(١) كذا في النسخ.

٣٦٠