مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 32345
تحميل: 8811


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32345 / تحميل: 8811
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وفكرت فيما فرَّطت في الأمس الماضي ممّا فاتك فيه من حسنات إلّا تكون اكتسبّتها ومن سيّئات إلّا تكون أقصرت عنها وأنت مع هذا مع استقبال غد على غير ثقة من أن تبلغه وعلى غير يقين من اكتساب حسنة أو مرتدع عن سيّئة محبطة فأنت من يومك الذي تستقبل على مثل يومك الّذي استدبرت فاعمل عمل رجل

____________________________________________________________________

من الأيّام وما يمكنه العمل فيه بقرينة المقام ، وقيل : إلى الباقي من الثلاثة ، وقيل : إلى الدهر ، وقيل : إلى اليوم.

« وقد ينبغي لك إن عملت » هذا الكلام يحتمل وجوها : الأوّل : أن يكون بفتح أن فهو فاعل ينبغي ، الثاني : أن يكون الفاعل مقدرا بقرينة فاعمل ، الثالث : أن يكون مضمون جملة الشرط وهو « إن عقلت » والجزاء وهو « فاعمل » فاعل ينبغي ولا يخلو شيء منها من التكلف ولعلّ الأوّل أظهر.

و « ممّا فاتك » الظاهر أن من لبيان الموصول ، وقيل : من للتبعيض ، وما عبارة عن الزمان ، وفيه متعلّق بفرطت ، والضمير فيه راجع إلى ما في قوله : ما فرطت ومن في قوله : من حسنات ، لتبيين ما في فرطت وإلّا في الموضعين مركب من أن الناصبة ولا النافية أدغمت النون في اللام ، وبدل اشتمال للموصول فيما فرطت ، وتكون زائدة لعدم صحة إدخال لا النافية على الماضي بلا إرادة التكرار ، والواو في قوله : وأنت حالية ، والعامل في الحال لا تكون في الموضعين على التنازع.

وأنت إلى قوله : استدبرت داخل في المفكر فيه ولذا كرر مع ذكره سابقا ، وأنت مبتدأ و « مع هذا » حال عن فاعل الظرف في قوله : مع استقبال ، الذي هو خبر المبتدأ ، و المرتدع بفتح الدال مصدر ميمي و الإحباط إبطال العمل الصالحة الماضية.

« على مثل يومك » أي على مثل ما أنت من يومك الذي استدبرت ، وقال في

٣٦١

ليس يأمل من الأيّام إلّا يومه الّذي أصبح فيه وليلته فاعمل أو دع والله المعيّن على ذلك.

____________________________________________________________________

الوافي : إن عقلت بفتح الهمزة إن أثبت الواو بعده ، وإلّا فبالكسر ، وفي بعض النسخ وددت بدل فكرت من دون واو ، وعليها فالكسر متعيّن وأ لا في الموضعين للتحضيض انتهى.

وقوله : وليلته كأنّه إشارة إلى أن ما ذكرنا من اليوم المراد به اليوم واللّيلة فإنه لم يذكر الليالي وهو من العمرّ ، أو إلى أن اليوم المراد به مقدار من الزمان اختص بوصف أو واقعة كما هو الشائع بين العرب ، كيوم القيامة ويوم الأحزاب فقد يطلق على السنين والشهور ، والساعة من اليوم أو اللّيلة ، كما أطلق اليوم هنا على ما مضى من العمر ، وعلى ما بقي منه ، فاليوم الذي هو فيه هو الساعة الّتي هو فيها سواء كان من اليوم أو الليلة.

قال في المصباح : والعرب قد تطلق اليوم ويريد الوقت والحين نهاراً كان أو ليلاً ، فنقول : ذخرتك لهذا اليوم ، أي لهذا الوقت الذي افتقرت فيه إليك ، ولا يكادون يفرقون بين قولهم يومئذ وحينئذ وساعتئذ ، انتهى.

وقيل : الواو في قوله وليلته للتقسيم ، إشارة إلى أن هذا الوعظ قد ينتفع به في اليوم وقد ينتفع به في اللّيلة ، وفيه اختصار لأنّ التقدير وعمل رجل ليس يأمل من الليالي إلّا ليلته الّتي أمسى فيها ، انتهى.

وما ذكرنا أظهر ، وتكرير فاعمل للتأكيد أي بينت لك هذه الموعظة وأوضحت لك ما يوجب نجاتك فإن شئت فاعمل وإن شئت دع فهو قريب من التهديد ، مثل قوله تعالى : «اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ »(١) وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اعمل ما شئت فإنك ميت « والله المعيّن على ذلك » أي على العمل ، وما قيل : إن فاعمل ثانياً على بناء الأفعال ، وأودع على أفعل التفضيل مفعوله فهو في غاية البعد والركاكة.

______________________

(١) سورة فصلت : ٤٠.

٣٦٢

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمرّ اليماني ، عن أبي الحسن الماضي صلوات الله عليه قال : ليس منّا من لم يحاسبّ نفسه

____________________________________________________________________

الحديث الثاني : حسن.

« ليس منّا » أي من شيعتنا أو محبّينا أو محبوبينا.

واعلم أنّ أفضل الأعوان على طاعة الله والاجتناب عن معاصيه والتزود ليوم المعاد محاسبّة النفس ، أي يتفكر عند انتهاء كلّ يوم وليلة بل كلّ ساعة فيما عمل فيه من خير أو شرّ ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حاسبّوا أنفسكم قبل أن تحاسبّوا ، وزنوها قبل أن توزنوا وتجهزوا للعرض الأكبر ، وعن الحسن بن عليُّعليهما‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يكون العبد مؤمناً حتّى يحاسبّ نفسه أشدّ من محاسبّة الشريك شريكه ، والسيّد عبده ، وفيما أوصى به أمير المؤمنين ابنه الحسن صلوات الله عليهما : يا بني للمؤمن ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربّه وساعة يحاسبّ فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها فيما يحلّ ويحمد.

وفي تفسير الإمام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلّا أخبركم بأكيس الكيسين وأحمق الحمقاء؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أكيس الكيسين من حاسبّ نفسه وعمل لـمّا بعد الموت ، وأحمق الحمقاء من اتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، فقال الرّجل : يا أمير المؤمنين(١) وكيف يحاسبّ الرّجل نفسه؟ قال : إذا أصبح ثمّ أمسى رجع إلى نفسه وقال : يا نفس إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبداً والله يسائلك عنه فيما أفنيته؟ وما الذي عملت فيه أذكرت الله أم حمدتيه؟ أقضيت حقّ أخ مؤمن؟ أنفست عنه كربته

______________________

(١) يظهر منه أنّ الراوي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هو أمير المؤمنينعليه‌السلام ، لكنّ في صحة إسناد التفسير إلى الإمامعليه‌السلام وإثباته كلام مذكور في محلّه ومن أراد الوقوف على البحث فيه فليراجع مقدّمة تفسير مجمع البيان - ط الإسلامية - بقلم الأستاد المرحوم الشيخ أبو الحسن الشعراني رضوان الله عليه.

٣٦٣

في كلّ يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن النعمان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي النعمان العجلي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال يا أبا النعمان لا يغرنك الناس من نفسك فإن الأمر يصل إليك دونهم ولا تقطع نهارك بكذا وكذا فإن معك من يحفظ عليك عملك وأحسن فإني لم أر شيئاً أحسن دركا

____________________________________________________________________

أحفظتيه يظهر الغيب في أهله وولده؟! أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه؟ أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك أأعنت مسلمّاً؟ ما الذي صنعت فيه؟ فيذكر ما كان منه ، فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد الله عزّ وجلّ وكبره على توفيقه ، وإن ذكر معصية أو تقصيراً استغفر الله عزّ وجلّ وعزم على ترك معاودته ، ومحاً ذلك عن نفسه بتجديد الصّلاة على محمّد وآله الطيبين ، وعرض بيعة أمير المؤمنين على نفسه وقبولها ، وإعادة لعن شانئيه وأعدائه ودافعيه عن حقوقه ، فإذا فعل ذلك قال الله تعالى : لست أناقشك في شيء من الذنوب مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي.

الحديث الثالث : مجهول بسنديه.

« لا يغرنك الناس من نفسك » المراد بالناس المادحون الذين لم يطلعوا على عيوبه ، والواعظون الذين يبالغون في ذكر الرحمة ، ويعرضون عن ذكر العقوبات تقربا عند الملوك والأمراء والأغنياء « فإن الأمر » أي الجزاء والحساب والعقوبات المتعلقة بأعمالك « تصل إليك » لا إليهم وإن وصل إليهم عقاب هذا الإضلال « بكذا وكذا » أي بقول اللغو والباطل. فإن معك من يحفظ عليك عملك فإن القول من جملة العمل ، كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام من عد كلامه من عمله قل كلامه إلّا فيما يعنيه ، وقالعليه‌السلام لمن يتكلّم بالباطل : يا هذا إنك تملي على كاتبيك كتاباً ، ويحتمل أن يكون كذا وكذا أعمّ من القول والفعل « وأحسن » أي أفعل الحسنات ، أو أحسن إلى نفسك وإلى غيرك ، والأوّل هنا أظهر ، قال الراغب : الإحسّان يقال على وجهين أحدهما الإنعام على الغير ، يقال : أحسن إلى

٣٦٤

ولا أسرع طلباً من حسنة محدثة لذنب قديم.

عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي النعمان مثله.

٤ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال اصبروا على الدّنيا فإنّما هي ساعة فما مضى منه فلا تجدّ له ألـمأ ولا سروراً وما لم يجئ فلا تدري ما هو

____________________________________________________________________

فلان ، والثاني إحسان في فعله ، وذلك إذا علم علـمّا حسنا أو عمل عملاً حسنا ، وعلى هذا قول أمير المؤمنينعليه‌السلام الناس أبناء ما يحسنون أي ما يعلمونه وما يعملونه من الأفعال الحسنة ، وفي المصباح : أدركته إذا طلبته فلحقته والدرك بفتحتين وسكون الراء لغة من أدركت الشيء ، وفي القاموس : الدرك محرّكة اللحاق أدركه لحقّه ، انتهى.

أي تدرك الحسنة الذَّنب القديم فتكفره ، وقيل : إنما أخر سرعة الطلب عن حسن الدرك مع أنّه مقدم في الحدوث لأنّ الترقي في النفي بتأخير المقدم في الحدوث ، وفي الإثبات بالعكس.

وأقول : قد ينظر إلى الترتيب في الوجود فيهما ، كقوله تعالى : «لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ »(١) .

الحديث الرابع : مرسل.

« فإنّما هي » أي الدّنيا ، والمراد ما بيدك منها أو مدة الصبر أو المصابرة ساعة ، يدلّ على أن اليوم في الخبر الأوّل هو الساعة كما مرّ « فلا تجدّ له ألـمّا » لينضمّ إلى ألم تلك الساعة فيتضاعف « ولا سروراً » حتّى تقيس تلك الساعة بها ، فيصير سبّباً لترك الصبر « وما لم يجيء فلا تدري ما هو » أي لا تدري تصل إليه

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٥٥.

٣٦٥

وإنّما هي ساعتك الّتي أنت فيها فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيها عن معصية الله.

٥ - عنه ، عن بعض أصحابنا رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام احمل نفسك لنفسك فإن لم تفعل لم يحملك غيرك.

٦ - عنه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لرجل إنك قد جعلت طبيب نفسك وبيّن لك الداء وعرفت آية الصحة ودللت على الدواء فانظر كيف قيامك على نفسك.

____________________________________________________________________

أم لا ، ومع الوصول لا تعلم حالك فيه « وإنما هي » أي الدّنيا الّتي يلزمك الصبر فيها.

الحديث الخامس : مرفوع.

وضمير عنه هنا وفيما بعده راجع إلى أحمد بن محمّد « احمل نفسك » أي عن مواضع المذلة والهوان في الدّنيا والآخرة لنفسك للوصول إلى الجنّة والدّرجات العالية على مركوب الطاعات ، والأعمال الصالحة ، والوجهان متقاربان ، وما يعمله الغير إن كان بالوصيّة فهو من أعماله وإن لم يكن بالوصيّة فلا ينفع كثيراً ولا يعتمد على وقوعه.

الحديث السادس : كالسّابق ، و الداء الأخلاق الذميمة والذنوب المهلكة ، وآية الصحة العلامات الّتي بينها الله وبين رسوله والعترة الهادية صلوات الله عليه وعليهم كقوله تعالى : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ » ، «الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ » إلى آخر الآيات ، وسائر ما ورد في صفات المؤمنين والموقنين والمتقين والمفلحين ، وقد مرّ كثير منها في باب صفات المؤمن وغيره ، و الدواء التوبة والاستغفار ومجالسة الأخيار ، ومجانبة الأشرار والزهد في الدّنيا ، والتضرع إلى الله والتوسل به والتوكلّ عليه ، وتتبع علل النفس وعيوبها وأمراضها ، ومعالجة كلّ منها بضدّها.

وقد أشار أمير المؤمنينعليه‌السلام إلى ذلك بقوله :

دواؤك فيك وما تشعر

وداؤك منك وما تبصر

٣٦٦

٧ - عنه ، رفعه قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لرجل اجعل قلبك قريناً براً أو ولداً وأصلاً واجعل عملك والداً تتبعه واجعل نفسك عدوا تجاهدها واجعل مالك عارية تردُّها.

____________________________________________________________________

وتحسبّ أنّك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

وأنت الكتاب المبين الّذي

بأحرفه يظهر المضمر

فلا حاجة لك في خارج

يخبّر عنك بما سطّروا

فانظر كيف قيامك على نفسك في معالجة أدوائها وإن قصرت في ذلك فقد قتلت نفسك ، ومن قتل نفسه فجزاؤه جهنّم خالداً.

الحديث السابع : كالسّابق.

والقرين : البارّ المصاحب الصّالح المشفق الذي يهديك إلى ما ينفعك ويمنعك عمّا يضرّك ، و الولد الواصل هو الذي ينفعك ويعينك في دنياك وآخرتك ، فشبّه القلب أي العقل المتعلّق بهما للمشاركة بينه وبينهما في هذا المعنى.

« واجعل عملك » في بعض النسخ بتقديم الميم على اللام وفي بعضها بالعكس ولعلّه أنسبّ ، وعلى الأوّل المراد به العمل الصالح ، والمراد بالنفس النفس الأمارة بالسّوء كما روي أعدى عدوك نفسك الّتي بين جنبيك ، وقد مرّ تحقيقها ، وشبه المال بالعارية في مشقّة ضبطها ، وعدم الانتفاع بها غالباً ، والانتقال بغيره بعد الموت ، أي ينبغي أن لا يتعلق قلبك به كما لا يتعلق القلب بالعارية.

وقال في المصباح : تعاوروا الشيء واعتوروه تداولوه ، و العارية من ذلك والأصل فعلية بفتح العيّن وهو اسم من الإعارة وعارة مثل أطعته إطاعة وطاعة ، وأجبته إجابة وجابة.

وقال الليث : سميت العارية لأنها عار على طالبها ، وقال الجوهري مثله ، وبعضهم يقول مأخوذة من عار الفرس إذا ذهب من صاحبه لخروجها وهما غلط ، لأنّ العارية من الواو لأنّ العرب تقول هم يتعاورون العواري ويتعورونها بالواو وإذا

٣٦٧

٨ – [ و ] عنه ، رفعه قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام اقصر نفسك عمّا يضرها من قبل أن تفارقك واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك فإن نفسك رهينة بعملك.

٩ - عنه ، عن بعض أصحابه رفعه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام كم من طالب للدنيا لم يدركها ومدرك لها قد فارقها فلا يشغلنك طلبها عن عملك والتمسها من معطيها ومالكها فكم من حريص على الدّنيا قد صرعته واشتغل بما أدرك منها

____________________________________________________________________

أعار بعضهم بعضاً ، والعار وعار الفرس من الياء فالصحيح ما قال الأزهري ، والعارية بتشديد الياء وقد تخفّف في الشعر.

الحديث الثامن : كالسّابق أيضاً.

« أقصر » على بناء الأفعال « من قبل أن تفارقك » أي النفس ، فإن الخطاب ظاهراً إلى البدن أي قبل الموت الذي يسلب الاختيار عنك واسع في فكاكها عن العذاب والارتهان به ، وقال الراغب : الرهن ما يوضع وثيقة للدين والرهان مثله وأصلهما مصدر ، يقال : رهنت الشيء وأرهنته رهانا فهو رهين ومرهون ، وقيل في قوله : «كلّ نَفْسٍ بِما كَسبّتْ رَهِينَةٌ »(١) أنه فعيل بمعنى فاعل أي ثابتة مقيمة ، وقيل : بمعنى مفعول أي كلّ نفس مقامة في جزاء ما قدم من عمله ولـمّا كان الرهن يتصور منه حبسه أستعير ذلك للمحتبس أي شيء كان قال : كلّ نفس بما كسبّت رهينة.

الحديث التاسع : كالسّابق.

« كم من طالب » كم خبرية للتكثير ، ومرفوعة محلا بالابتداء و قوله : لم يدركها خبره ، وحاصله أن طالب الدّنيا مردد بين أمرين إمّا أن لا يدركها فيضل سعيه ويبطل عمله ، وإمّا أن يدركها ويتعلق قلبه بها ثمّ يفارقها فتبقى عليه حسرتها فينتفع به غيره ، والحساب والعقاب عليه « قد صرعته » أي قتلته وألقته على الأرض أو ألقته من أوج العزّ على حضيض المذلة والهوان ، يقال : صارعته فصرعته والصريع القتيل ، والمسجون الحقيقي في سجن الأبد من حبسته دنياه عن طلب آخرته فهو

______________________

(١) سورة المدثر : ٣٨.

٣٦٨

عن طلب آخرته حتّى فني عمره وأدركه أجله.

وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام المسجون من سجنته دنياه عن آخرته.

١٠ - وعنه رفعه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال إذا أتت على الرّجل أربعون سنة قيل له خذ حذرك فإنك غير معذور وليس ابن الأربعين بأحقّ بالحذر من ابن العشرين فإنَّ الّذي يطلبهما واحدّ وليس براقد فاعمل لـمّا أمامك من الهول

____________________________________________________________________

مسجون عن القيام بمصالح نفسه أبداً.

الحديث العاشر : كالسّابق أيضاً.

« قيل له » أي بلسان الحال أو يناديه ملك ، وتظهر الفائدة بعد أخبار الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام « خذ حذرك » في القاموس : الحذر بالكسر ويحرك الاحتراز ، وقال الراغب : الحذر احتراز عن مخيف ، يقال : حذر حذراً وحذرته قال عزّ وجلّ : «يَحْذَرُ الْآخِرَةَ »(١) «وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ »(٢) وقال : «خُذُوا حِذْرَكُمْ »(٣) أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره.

« فإنّك غير معذور » أي لا يقبل عذرك بغلبة الشهوة ، فإنّها تنكسر بعد الأربعين ، ولا بقلة التجربة وضعف العقل فإنّهما يكملان في الأربعين ، في المصباح : عذرته فيما صنع عذراً من باب ضرب دفعت عنه اللؤم فهو معذور ، أي غير ملوم.

ثمّ أشارعليه‌السلام إلى عدم المعذورية قبل ذلك وقلة التفاوت في الإنسان لئلّا يجترئ الإنسان قبل الأربعين في المعاصي بقوله : وليس ابن الأربعين بأحقّ بالحذر من ابن العشرين ، أي مثلاً وذلك لأنّ الأحقية إمّا باعتبار أن طالبهما متعدد ، فيمكن أن يتفاوت الطلب ويتفاوت بتفاوته الحذر بالشدّة والضعف ، أو باعتبار أن طالبهما واحد لكنه صالح للرقاد والغفلة فيغفل عن الثاني دون الأوّل ، أو باعتبار أن طلب الموت لأحدهما أقرب من طلبه للآخر ، وليس شيء من هذه الاعتبارات هنا فانتفت الأحقية كثيراً ، فظهر أن هذا من ألطافه سبّحانه حيث يوسّع الأمر

______________________

(١) سورة الزمر : ٩.(٢) سورة آل عمران : ٢٨. (٣) سورة النساء : ٧١.

٣٦٩

ودع عنك فضول القول.

١١ - عنه ، عن عليّ بن الحكم ، عن حسّان ، عن زيد الشحام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام خذ لنفسك من نفسك خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوّة قبل الضّعف وفي الحياة قبل الممات.

١٢ - عنه ، عن عليُّ بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن النهار إذا جاء قال يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربك يوم القيامة فإنّي لم آتك فيما مضى ولا آتيك فيما بقي وإذا جاء اللّيل قال مثل ذلك.

١٣ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد ، عن شعيب بن عبد الله

____________________________________________________________________

قليلاً قبل الأربعين ، فلا ينبغي أن يغترّ الإنسان بذلك.

والمراد بترك فضول القول عدم التكلّم وعدم استماعه ، لأنّ ذلك مفسد للسان والسمع والقلب ، ومانع عن إدراك الحقّ وعن ذكر الله ، وكأنه من باب التشبيه بالأدنى على الأعلى أي فكيف الاشتغال بالمحرّمات بهما وبسائر الجوارح ، ويمكن أن يراد به الاغترار والتسويف في العمل بأن يقول : الله كريم يغفر الذنوب أو سأفعل بعد ذلك عند المشيب ، وأمثال ذلك ممّا يوجب ترك العمل.

الحديث الحادي عشر : صحيح.

ولـمّا كان كلّ من السقم والضعف بكبر السن والموت مانعاً من الأعمال الحسنة وكانت القدرة في أضدادها أمرعليه‌السلام بالمبادرة إلى تلك الأعمال في حال الاقتدار عليها ، فإن الفرصة غنيمة.

الحديث الثاني عشر : مرسل.

والقول إمّا بلسان الحال وهو قول الملك الموكلّ باليوم ، وقد يقال أن للأيّام والساعات والشهور والسنين شعوراً لكنه بعيد من طور العقل.

الحديث الثالث عشر : ضعيف.

٣٧٠

عن بعض أصحابه رفعه قال : جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال يا أمير المؤمنين أوصني بوجه من وجوه البرّ أنجو به قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أيّها السائل استمع ثمّ استفهم ثمّ استيقن ثمّ استعمل واعلم أنَّ النّاس ثلاثة : زاهدٌ وصابرٌ وراغبٌ فإمّا الزاهد فقد خرجت الأحزان والأفراح من قلبه فلا يفرح بشيء من الدُّنيا ولا يأسى على شيء منها فاته فهو مستريح وإمّا الصّابر فإنّه يتمنّاها بقلبه فإذا

____________________________________________________________________

« استمع » أي ما يلقى عليك من الكتاب والسنّة أو ما ألقيه عليك في هذا الوقت والأمور الأربعة مترتّبة فإنّ العمل موقوف على اليقين ، واليقين موقوف على الفهم ، والفهم موقوف على الاستماع من أهل العلم.

« واعلم أنّ النّاس ثلاثة » وجه الحصر أنّ الإنسان إمّا أن يخرج حبّ الدنيا من قلبه أو لا ، والثاني إمّا أن يمنع نفسه عن تحصيلها أو لا ، فالأوّل زاهد والثاني صابر ، والثالث راغب.

فقد خرجت الأفراح والأحزان ، أي الدنيويّة من قلبه و الأسي بالفتح والقصر الحزن ، أسي يأسى من باب علم أسي فهو آس وهو إشارة إلى ما مرّ عن عليُّ بن الحسينعليه‌السلام حيث قال : إلّا وإن الزهد في آية من كتاب الله عزّ وجلّ : «لِكَيْلا تَأسوء عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ »(١) .

والحاصل أن قلب الزاهد متعلّق بالله ويأمر الآخرة لا بالدّنيا ، فلا يفرح بشيء منها يأتيه ولا يحزن على شيء منها فاته ، لأنّ الفرح بحصول محبوب والحزن بفواته ، وشيء من الدّنيا ليس بمحبوب عند الزاهد.

« فهو مستريح » أي في الدّنيا والآخرة إمّا الدّنيا فلفراغه من مشاق الكسبّ وشدائد الصبر على فواته ، وإمّا الآخرة فلنجاته من الحساب والعقاب ، و الشناءة كالشناعة : البغض ، والمراد هنا قباحتها في نظر عقله وإن مال طبعه إليها ، و الحزم الأخذ بالثقة ، والنظر في العاقبة وقال الفيروزآبادي : العرض بالكسر النفس ، وجانب الرّجل يصونه من نفسه وحسبّه أن ينتقص ويثلب أو سواء كان في نفسه أو

______________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٣٧١

نال منها ألجم نفسه عنها لسوء عاقبتها وشنآنها لو اطلعت على قلبه عجبت من عفته وتواضعه وحزمه وإمّا الراغب فلا يبالي من أين جاءته الدّنيا من حلها أو من حرامها ولا يبالي ما دنس فيها عرضه وأهلك نفسه وأذهب مروءته فهم في غمرَّة يضطربون.

١٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن سنان ، عن محمّد بن حكيم عمّن حدَّثه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : لا يصغر ما ينفع يوم القيامة ولا يصغر ما يضر يوم القيامة فكونوا فيما أخبركم الله عزّ وجلّ كمن عاين.

١٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعليُّ بن محمّد القاساني جميعاً ، عن القاسم بن محمّد ، عن سليمان المنقري ، عن حفص بن غياث قال سمعت أبا عبد الله يقول إن قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك إلّا يثني عليك الناس وما عليك أن تكون

____________________________________________________________________

سلفه أو من يلزمه أمره أو موضع المدح والذمّ منه أو ما يفتخر به من حسبّ وشرف.

« وأهلك » عطف على دنس أو لا يبالي ، والمروّة آداب نفسانيّة تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات ، والغمرَّة الرحمة والشدّة والانهماك في الباطل ، ومعظم البحر ، وكأنّهعليه‌السلام شبّهه ، بمن غرق في البحر يضطرب ولا يمكنه الخروج منه.

الحديث الرابع عشرّ : ضعيف على المشهور.

وصغر ككرم وفرح صار صغيراً ويمكن أن يقرأ على المجهول من بناء التفعيل أي لا يعد صغيراً كمن عاين هو مرتبة عيّن اليقين كما مرّ.

الحديث الخامس عشرّ : (١)

« إن قدرت إن لا تُعرف فافعل » هذا ممّا يدلّ على أنّ العزلة أفضل من

______________________

(١) كذا في جميع النسخ التي عندنا.

٣٧٢

مذموماً عند النّاس إذا كنت محموداً عند الله ، ثمّ قال قال أبي عليُّ بن أبي طالبعليه‌السلام :

____________________________________________________________________

المعاشرة ، واختلف العلماء في ذلك ، والآيات والأخبار أيضاً متعارضة فمن قال العزلة أحسن نظر إلى آفات المعاشرة من الحسد والعداوة والبغضاء والغيبة والنميمة والرياء وحب الدّنيا وعدم فراغ القلب للذكر والفكر وتضييع العمر ، وعدم الانتفاع بمعاشرة أكثر الخلق وأشباه ذلك ، ومن قال المعاشرة أفضل نظر إلى فوائد المعاشرة من التعليم والتعلم والاهتداء بسيرة العلماء وأخلاقهم ، وتحصيل المثوبات العظيمة من زيارة الإخوان وعيادتهم وتشييع جنائزهم والسعي في قضاء حوائجهم وهداية الخلق وإحياء مراسم الدين والحضور في الجماعات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأمثال ذلك ، وكلّ ذلك يفوت بالعزلة.

فالحقّ القول بالتفصيل في الأشغال والأحوال والأزمان والأشخاص فالعزلة المطلوبة عن شرار الخلق إذا يئس عن هدايتّهم كما قال إبراهيمعليه‌السلام عند اليأس عن هدايتّهم : «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ »(١) لا العزلة التامّة بحيث يترك الأمور الواجبة كالتعليم والتعلم وحضور الجمعات والجماعات وسائر ما أشرنا إليه سابقاً ، والمعاشرة إنّما تكون مطلوبة إذا كانت متضمنة لمنفعة دينية خالية عن المفاسد المذكورة وغيرها.

وأيضاً ذلك يختلف باختلاف الأشخاص ، فالعلماء والفقهاء إذا اعتزلوا صار سبّباً لضلالة الخلق وحيرتهم واستيلاء شياطين الجن والإنس عليهم ، وكثير من سائر الخلق لا ضرورة في معاشرتهم.

وأيضاً الأزمنة مختلفة ، فقد ورد في الخبر : سيأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلّا النومة كما أن سيد الساجدين صلوات الله عليه اعتزل الخلق لفساد الزمان واستيلاء بني أمية على الخلق والباقر والصادقعليهما‌السلام عملاً بخلاف ذلك لتمكنّهم من

______________________

(١) سورة مريم : ٤٨.

٣٧٣

لاخير في العيش إلّا لرجلين رجل يزداد كلّ يوم خيراً ورجل يتدارك منيّته بالتوبة وأنى له بالتوبة والله لو سجد حتّى ينقطع عنقه ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلّا بولايتنا أهل البيت إلّا ومن عرف حقّنا ورجا الثواب فينا ورضي بقوته نصف مد في كلّ يوم وما ستر عورته وما أكنَّ رأسه وهم والله في ذلك خائفون وجلون

____________________________________________________________________

هداية الخلق.

وبالجملة ينبغي أن يكون الإنسان طبيب نفسه ، فإنّه أعرف بأدوائها وعارفا بزمانه وأهله ، فإذا عرف أن صلاحه في العزلة اعتزل اعتزالا لا يضر بحاله ، وإذا علم أن صلاحه في المعاشرة اختارها على وجه لا يضرّ بنياته وأعماله وينبغي أن ينظر في أحوال أهل زمانه فيختار للأخوة والمصاحبة من كان مصلحا لأحواله ولا يكون مضيعاً لعمره كما سيأتي تحقيقه في كتاب العشرة إن شاء الله ، وقد بسطنا الكلام في ذلك بعض البسط في كتاب عيّن الحياة والله الموفق.

وإمّا هذا الخبر فالظاهر أن الراوي وهو حفص بن غياث لـمّا كان عامّياً قاضياً من قبل هارون طالباً للشهرة عند الولاة وخلفاء الجور ، ولذا عدل عن الحقّ واتبع أهل الضلال ، وكان المناسب بحاله ترك الشهرة والاعتزال أمرهعليه‌السلام بذلك.

« لا خير في العيش » أي عيش الدنيا ويحتمل الأعمّ من عيش الدنيا والآخرة والمراد بالرّجل الأوّل من لم يذنب أصلاً أو إلّا نادرا وبالثاني من يبتلي بالمعاصي ثمّ يتوب وهو المفتن التواب كما مر.

ثمّ بينعليه‌السلام إن قبول التوبة مشروط بحسن الاعتقاد لئلا يغترّ السامع بذلك فإنه كان من أهل الضلال ، وإلّا بالتخفيف حرف تنبيه « ورجا الثواب » كان خبر الموصول مقدّر وقيل : استفهام للتقليل « ونصف » مجرور بالبدلية « لقوّته » أو منصوب بالحالية أو تميز مثل قولهم : رضيت بالله ربا ، و « في كلّ يوم » صفة نصف مد ، « وما ستر » عطف على قوته والواو في قوله وهم للحالية ، وقيل : للاستئناف ، والضمير في قوله : وهم راجع إلى أصحاب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين لم يرتدوا بعده وهو بعيد ،

٣٧٤

ودُّوا أنّه حظّهم من الدُّنيا وكذلك وصفهم الله عزَّ وجلَّ فقال : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ »(١) ثمّ قال ما الذي آتوا آتوا والله مع الطّاعة المحبّة والولاية وهم في ذلك خائفون ليس خوفهم خوف شك ولكنّهم خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا وطاعتنا

١٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن مهزم ، عن الحكم بن سالم قال دخل قوم فوعظهم ثمّ قال ما منكم من أحدّ إلّا وقد عاين الجنّة وما فيها وعاين النّار وما فيها إن كنتم تصدقون بالكتاب.

____________________________________________________________________

والجمع بين الخوف والوجلّ للإشارة إلى الآيات الواردة في ذلك.

« ودّوا أنّه حظّهم » أي هم راضون بما قدّر لهم من الدّنيا لا يريدون أكثر من ذلك لئلا يطغوا «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا » قال في مجمع البيان : أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدّقة وقيل : أعمال البر كلّها «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ » أي خائفة عن قتادة ، وقال الحسن : المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، والمنافق جمع إساءة وأمتا ، وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : معناه خائفة أن لا يقبل منهم ، وفي رواية أخرى يؤتى ما آتى وهو خائف راج ، وقيل : إن في الكلام حذفاً وإضماراً ، وتأويله وجلة أن لا يقبل منهم لعلمهم أنّهم إلى ربّهم راجعون ، أي لأنّهم يوقنون بأنّهم يرجعون إلى الله تعالى يخافون أن لا يقبل منهم ، وإنما يخافون ذلك لأنّهم لا يأمنون التفريط.

الحديث السادس عشر : مجهول بالحكم وهو غير مذكور في كتب الرجال وإبراهيم الراوي عنه من أصحاب الصادقعليه‌السلام والكاظمعليه‌السلام فالمروي عنه في الخبر يحتمل الصادق والباقرعليهما‌السلام واحتمال الكاظمعليه‌السلام بعيد ، والمعنى أن في القرآن المجيد أحوال الجنّة ودرجاتها وما فيها وأوصاف النّار ودركاتها وما فيها ، والله سبّحانه أصدق الصادقين ، فمن صدق بالكتاب كان كمن عاينهما وما فيهما ومن عاينهما ترك المعصية قطعاً فمن ادعى التصديق بالكتاب وعصى ربّه فهو كاذب في دعواه ، وتصديقه ليس في درجة اليقين.

______________________

(١) سورة المؤمنون : ٦٢.

٣٧٥

١٧ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول لا تستكثروا كثير الخير وتستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتّى يصير كثيراً وخافوا الله في السرّ حتّى تعطوا من أنفسكم النصف وسارعوا إلى طاعة الله واصدقوا الحديث وأدوا الأمانة فإنما ذلك لكم ولا تدخلوا فيما لا يحلّ لكم فإنما ذلك عليكم.

١٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول ما أحسن الحسنات بعد السيّئات وما أقبح السيئات بعد الحسنات.

____________________________________________________________________

الحديث السابع عشر : موثق.

وقد مضى صدره في باب استصغار الذَّنب « لا تستكثروا كثير الخير » فإنّه يوجب العجب والفخر والإدلال والاعتقاد لخروج النفس عن حدّ التقصير ، وكلّ ذلك مهلك كما مرّ « وخافوا الله في السرّ » إنّما خص السرّ بالذكر لأنّ الناس يتسامحون في السرّ ما لا يتسامحون في العلانية ، وأيضاً هو يستلزم الخوف في العلانية بدون العكس ، وهو أشدّ على النفس أيضاً « حتّى تعطوا من أنفسكم النصف » أي الإنصاف بأنكم خفتم الله أو تنصفوا من أنفسكم ولم تحتاجوا إلى حاكم يحكم بينكم.

« فإنّما ذلك لكم » كان المراد لا ينفعكم إلّا ذلك ، وكذا قوله عليكم ، أو للإشعار بأنّهم لـمّا لم يعلموا بهذا العلم فكأنهم لا يعلمونه ، وقيل : هذا وإن كان بينا لكنّ ذكره للتنبيه عن الغفلة.

الحديث الثامن عشرّ : حسن كالصحيح.

« وما أحسن الحسنات » إلى آخره ، قيل : هذا كلام موجز يندرج فيه التوبة بعد المعصية ، والمعصية بعد التوبة ، وكلّ خير بعد شرّ ، وكلّ شرّ بعد خير سواء كانا ضدين كالإحسّان والإساءة أم لا كالصّلاة والزنا.

٣٧٦

١٩ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضّال عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنكم في آجال مقبوضة وأيام معدودة والموت يأتي بغتة من يزرع خيراً يحصد غبطة ومن يزرع شرّاً يحصد ندامة ولكلّ زارع ما زرع ولا يسبّق البطيء منكم حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له من أعطي خيراً فالله أعطاه ومن وقي شرّاً فالله وقاه.

____________________________________________________________________

الحديث التاسع عشر : مرسل.

« في آجال » أي أعمّار « مقبوضة » أي يقبض منها آنا فآنا وساعة فساعة ، وهي في النقص دائماً أو لقلّتها وسرعة نفادها كأنّها قبضت والأوّل أظهر ، « وأيام معدودة » أي عدت وقدرت لا تزيد ولا تنقص « والموت يأتي بغتة » أي لا يعلم وقت نزوله وتتسبّب أسبّابه من غير علم منكم بها ، أو قد يأتي فجأة ، والبغتة بالفتح والتحريك الفجأة ، والغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة ، وأن يتمنى غيره حاله ، وفي الكلام تمثيل أو استعارة تبعية ، والحصاد ترشيح ، والتنكير في غبطة وندامة للتعظيم « ولكلّ زارع ما زرع » أي لا يحصل له إلّا ما زرعه إشارة إلى قوله تعالى : «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إلّا ما سَعى »(١) .

« لا يسبّق البطيء منكم حظه » الفعل على بناء الفاعل ، وحظه مرفوع بالفاعلية والبطيء منصوب بالمفعولية أي لا يصير بطوءه سبّبا لأنّ يفوته حظه ، أي ما قدر له من الرزق.

وأقول : يمكن أن يقرأ على بناء المفعول ، فالبطيء مرفوع وحظه منصوب بنزع الخافض ، أي لا يسبّقه غيره إلى حظه ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ، وما يتوهّم أنه زاد بسعيه باطل ، إذ لعلّه مع عدم هذا السعي أيضاً يصل إليه ، أو يقال : أن السعي إنّما ينفع في الزيادة إذا كانت مقدرة فلا يترك التوسل إلى الله والتوكلّ عليه ، ولا يعتمد على سعيه فإنا نرى من يسعى أكثر من سعيه ، ولا يحصل له شيء.

______________________

(١) سورة النجم : ٣٩.

٣٧٧

٢٠ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن بن عليُّ بن أبي عثمان ، عن واصل ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء رجل إلى أبي ذر فقال يا أبا ذر ما لنا نكره الموت فقال لأنكم عمرتم الدّنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب فقال له فكيف ترى قدومنا على الله فقال إمّا المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله وإمّا المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه قال فكيف ترى حالنا عند الله قال اعرضوا أعمالكم على الكتاب إن الله يقول - «إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ »(١) قال فقال الرّجل فأين رحمة الله قال رحمة الله «قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ».

قال أبو عبد اللهعليه‌السلام وكتب رجل إلى أبي ذررضي‌الله‌عنه يا أبا ذر أطرفني بشيء من العلم فكتب إليه أن العلم كثير ولكنّ إن قدرت أن لا تسيء إلى من تحبه فافعل قال فقال له الرّجل وهل رأيت أحداً يسيء إلى من يحبه فقال له نعم نفسك أحبّ الأنفس إليك فإذا أنت عصيت الله فقد أسأت إليها.

____________________________________________________________________

والحاصل أنّه ليس مستقلاً في التحصيل ، بل هو داخل تحت قضاء الربّ الجليل ، ولذا قال بعده : من أعطى خيراً فالله أعطاه ، وقيل : لا ينافيه وجدان الحريص زيادة ، لأنّ تلك الزيادة ليست من قوته المفتقرة هو إليه في البقاء بل هو لغيره والحساب عليه وما ذكرنا أظهر.

الحديث العشرون : ضعيف سندا ومتنه يدلّ على صحته.

« عمرتم الدّنيا » من باب قتل أو التفعيل أي سعيتم في عمارتها وهو ضد أخربتم والعمران بضمّ العيّن المعمور.

« يرد » بالتخفيف على بناء المعلوم من الورود ، أو بالتشديد على بناء المجهول من الرد وهو أنسبّ « رحمة الله قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ » أي لا بد في الرحمة من استحقاقها ولو بصحة المذهب وحسن العقيدة ، وفي المصباح : الطرفة ما يستطرف أي يستملح

______________________

(١) سورة الإنفطار : ١٤.

٣٧٨

٢١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول اصبروا على طاعة الله وتصبّروا عن معصية الله فإنما الدّنيا ساعة فما مضى فليس تجدّ له سروراً ولاحزناً

____________________________________________________________________

والجمع طرف مثل غرفة وغرف ، وأطرف إطرافا جاء بطرفة وقال الجوهري : الطارف والطّريف من المال المستحدث والاسم الطرفة وأطرف فلان إذا جاء بطرفة.

الحديث الحادي والعشرون : موثق.

« اصبروا على طاعة الله » لـمّا كانت اللذة في فعل المعصية أكثر منها في ترك الطّاعة كان الصبر على المعصية أشق على النفس من الصبر على فعل الطّاعة ، فلذا قال في الطّاعة اصبروا في المعصية تصبروا وهو تكلّف الصبر وحمل النفس عليه كما هو مقتضى البابين وإن لم يفرق اللغويون بينهما ، قال الفيروزآبادي : الصبر نقيض الجزع صبر يصبر فهو صابر وتصبر واصطبروا صبر.

وقال الراغب : الصبر حبس النفس على ما يقتضيه العقل أو الشرع أو عمّا يقتضيان حبسها عنه ، فالصبر لفظ عام وربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فإن كان حبس النفس لمصيبة سمّي صبراً لا غير ، ويضاده الجزع وإن كان في محاربة سمي شجاعاً ويضاده الجبن وإن كان في نائبه مضجرة سمي رحب الصدر ويضاده التضجر ، وإن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا.

وقد سمى الله تعالى كلّ ذلك صبراً ونبّه عليه بقوله : «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ »(١) وساق الكلام إلى قوله : «اصْبِرُوا وَصابِرُوا » أي احبسوا أنفسكم على العبادة وجاهدوا أهواءكم وقوله : عزّ وجلّ «وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ »(٢) أي تحمل الصبر بجهدك ، وقوله تعالى : «أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا »(٣) أي تحمّلوه من الصبر

______________________

(١) سورة البقرة : ١٧٣.

(٢) سورة مريم : ٦٥.

(٣) سورة الفرقان : ٧٥.

٣٧٩

ومالم يأت فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعة الّتي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت.

٢٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الخضر لموسىعليه‌السلام يا موسى إن أصلح يوميك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب فإنك موقوف ومسئول وخذ موعظتك

____________________________________________________________________

في الوصول إلى مرضات الله ، انتهى.

« فليس تعرفه » أي لا تعرف حالك فيه تبلغ إليه أم لا ، ومع البلوغ لا تعلم أنك فيه على حزن أو سرور ، على طاعة أو معصية « فكأنك قد اغتبطت » على بناء المعلوم أي عن قريب تصير بعد الموت في حالة حسنة يغبطك الناس لها ويتمنون حالك ولا تبقى عليك مرارة صبرك ، في القاموس : الغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة وقد اغتبط ، والحسد ، وتمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها.

وأقول : لا يبعد أن يكون بالعيّن المهملة على بناء المفعول أي اغتنم الفرصة ولا تعتمد على العمرّ فكأنك قدمت فجأة على غفلة بلا عمل ولا توبة ، قال في النهاية : كلّ من مات بغير عمله فقد اغتبط ، ومات فلان غبطة أي شابا صحيحاً ، وفي بالي إني وجدت في بعض نسخ الحديث هكذا.

الحديث الثاني والعشرون : مرسل.

« أن أصلح يوميك » المراد باليوم ما مرّ أنّه مقدار من الزمان اختص بواقعة والمراد هنا يوم الدّنيا ويوم الآخرة ، واليوم الذي أمامه الآخرة ، وكونه أصلح المراد به أنه أحرى وأولى بأن يراعى ويسعى في أصلاًحه ، ويتوقع النفع منه ، فإنه أبدي والدّنيا فان ، ومنافع الأوّل ولذاته أشدّ وأخلص وأقوى من لذات الآخر.

« فانظر أي يوم هو » أي يوم راحة أو يوم تعب ومشقّة ، أو المراد باليوم الثاني يوم القيامة ، وبقوله : فانظر أي يوم هو ، أي تذكر أحوال هذا اليوم وأهواله

٣٨٠