مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30802
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30802 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

من الدَّهر فإنَّ الدَّهر طويلٌ قصيرٌ ، فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك ليكون أطمع لك في الآخرة فإنّ ما هو آت من الدّنيا كما هو قد ولى منها.

____________________________________________________________________

وصعوبته والسّؤال والحساب فيه ، فأعدّ له الجواب وحاسبّ نفسك قبل ذلك ، وخذ موعظتك من الدَّهر وأهله بالتفكر في فنائها وسرعة انقضائها ، وكون لذّاتها فانية مشوبة بالآلام الكثيرة ، والنظر في عواقب السعداء والأشقياء.

« فإن الدَّهر طويل قصير » هذه الفقرة تحتمل وجوها : الأوّل : أن دهر الموعظة طويل لأنه يمكنه أن يعتبر ويتفكر في أحوال السعداء والأشقياء من أوّل الدَّهر إلى زمانه فكأنّه قد عاش معهم جميعاً كما قال أمير المؤمنين في وصيّة للحسنعليهما‌السلام : ودهر العمل واللّذات الّتي فيها قصير.

الثاني : أن الدَّهر من جهة الموعظة طويل يمكنه الاتعاظ بأقل زمان لأنّ الدَّهر دائماً في الانقلاب ، ومن جهة العمل قصير ينبغي اغتنام الفرصة فيه.

الثالث : أنه للمحسنين طويل لأنّه يمكنهم اكتساب السعادات العظيمة في أقل زمان ، فهم في أعمارهم القليلة يعملون أعمالاً كثيرة ، وتبقى منهم آثار جليلة ، وللمسيئين قصير لأنه تفني لذاتّهم وتبقى عليهم تبعاتّهم ولا ينتفعون بشيء من أعمارهم.

الرابع : أن المعنى أن تمام العمرّ وإن كان طويلاً لكنّ ما بيده منها قصير ، وهو الساعة الّتي هو فيها لأنّ ما مضى قد خرج من يده ، وما يأتي لا يعلم حاله فيه كما مرّ مراراً ، وقيل : المعنى أنه وإن كان طويلا لكنّ نظرا إلى انقطاعه قصير.

وأقول : هذه الفقرات سيأتي أمثالها في مناجاة الله تعالى لموسىعليه‌السلام في الروضة حيث قال : يا موسى ما أريد به وجهي فكثير قليله ، وما أريد به غيري فقليل كثيره وإن أصلح أيامك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو ، فأعد له الجواب فإنك موقوف به ومسئول ، وخذ موعظتك من الدَّهر وأهله فإن الدَّهر طويله قصير وقصيره طويل

٣٨١

____________________________________________________________________

وكلّ شيء فان فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك ، لكي يكون أطمع لك في الآخرة لا محالة ، فإن ما بقي من الدّنيا كما ولي منها ، وكلّ عامل يعمل على بصيرة ومثال فكن مرتادا لنفسك يا بن عمران.

فالظاهر منه أن طويله قصير لفنائه وسرعة انقضائه ، وقصيره طويل لإمكان تحصيل السعادات العظيمة في القليل منه ، وإن احتمل بعض الوجوه الأخر.

« فاعمل كأنّك ترى ثواب عملك » أي إذا أخذت موعظتك من الدَّهر ، وعرفت فناءها وسرعة انقضائها ينبغي أن تقبل على عملك الموجب لتحصيل المثوبات الأخروية لك مع اليقين بترتب الثواب كأنك تراه فإن من كان كذلك يكون قلبه فارغا عن حب الدّنيا ، والميل إلى شهواتها ، فيكون عمله مع حضور القلب ورعاية آدابها فيكون أطمع له في الأجر ، واللام للتعدية.

والحاصل أنّه يكون عمله في درجة الكمال ومظنّة القبول ، وإن كان الأولى بالنسبّة إليه أن يعد نفسه مقصراً ، ولا يعتمد على عمله ، أو المعنى أنّك إذا كنت في اليقين بحيث كأنك ترى بعينك ثواب عملك تكون تلك الحالة ادعى لك على العمل الذي هو موجب لحصول الأجر ، فأشار إلى الحرص على العمل بذكر لازمه ، وهو الطمع في الأجر ، وعلى التقادير يدلّ على أن قصد الثواب لا ينافي الإخلاص ، بل كماله ، فإن ما هو آت من الدّنيا كما قد ولى منها أي في سرعة الانقضاء وعدم الاعتماد عليه في البقاء ، فهو تعليل لأخذ الموعظة أو له ولـمّا يترتّب عليه من العمل الخالص والحرص عليه ، أو لرؤية ثواب الآخرة وقرب حصوله فإن بقية العمرّ في عدم الوثوق عليه كالماضي ، فالآخرة قريبة منك كأنك تراه وتسعى إليه ، أو للأمر بالعمل الخالص في الحال لمرور الماضي بالتقصير وعدم الوثوق على الآتي كما مرّ ، وقيل : أي لا تكن في تدبير ما يأتي من العمرّ بتحصيل المال كما أنّك لا تتفكر فيما مضى.

٣٨٢

٢٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب بن يزيد عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قيل لأمير المؤمنينعليه‌السلام عظنا وأوجز فقال الدُّنيا حلالها حساب وحرامها عقاب وأنّى لكم بالروّح ولـمّا تأسّوء بسنّة نبيّكم

____________________________________________________________________

الحديث الثالث والعشرون : ضعيف على المشهور.

« حلالها حساب » الحمل على المبالغة ، وظاهره أنّه تعالى يحاسبّ العبد بما كسبّ من الحلال ، وصرف فيه.

وينافيه بعض الأخبار كما سيأتي في كتاب الأطعمة عن الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : ثلاثة أشياء لا يحاسبّ عليهن المؤمن طعام يأكله ، وثوب يلبسه ، وزوجة صالحة تعاونه ويحصن بها فرجه ، وعن أبي حمزة عنهعليه‌السلام قال : الله أكرم وأجل من أن يطعمكم طعإمّا فيسوغكموه ثمّ يسألكم عنه ، ولكنّ يسألكم عمّا أنعم عليكم بمحمّد وآل محمّد ، وروى العياشي بإسناده في حديث طويل قال سأل أبو حنيفة أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله تعالى : «ثمّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ »(١) فقال له : ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال : القوت من الطعام ، والماء البارد ، فقال : لئن أوقفك الله بين يديه يوم القيامة حتّى يسألك عن كلّ أكلة أكلتها ، أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه؟ قال : فما النعيم جعلت فداك؟ قال : نحن أهل البيت الذي أنعم الله بنا على العباد ، وبنا ائتلفوا بعد ما كانوا مختلفين وبنا ألف الله بين قلوبهم ، فجعلهم إخواناً بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم الله للإسلام وهو النعمة الّتي لا تنقطع ، والله مسائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم به عليهم ، وهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعترتهعليهم‌السلام .

واختلفت العامّة في ذلك فقال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلّا أهل النّار ، وقال أكثرهم : يسأل الكلّ عن كلّ نعيم ، وقيل : النعيم المسؤول عنه الصحة والفراغ وقيل : الأمن والصحة ، روي ذلك عن ابن مسعود ومجاهد ، وروي ذلك في أخبارنا

______________________

(١) سورة التكاثر : ٨.

٣٨٣

تطلبون ما يطغيكم ولا ترضون ما يكفيكم.

____________________________________________________________________

أيضاً ، وقيل : يسئل عن كلّ نعيم إلّا ما خصّه الحديث وهو قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثة لا يسأل عنها العبد ، خرقة يواري بها عورته ، أو كسرة يسدّ بها جوعته ، أو بيت يكنّه من الحرّ والبرد.

وأقول : يمكن الجمع بين الأخبار بحمل أخبار عدم الحساب على المؤمنين ، وأخبار الحساب على غيرهم وهو الظاهر من أكثر الأخبار ، أو الأولى على ما يصرف في الأمور الضروريّة كالمأكلّ والمشرب والملبس والمسكن والمنكح ، والأخرى على ما زاد على الضرورة كجمع الأموال زائداً على ما يحتاج إليه ، أو صرفها فيما لا يدعوه إليه ضرورة ، ولا يستحسن شرعاً ، كما يومئ إليه بعض الأخبار.

ويمكن حمل أخبار الحساب على التقيّة والأولى الأيمان بالحساب مجملاً ، فإنّه من ضروريات الدين ، والسكوت عمّا لا يعلم من التفاصيل.

والمراد بالروّح الراحة والخلاص من أهوال القيامة وبسنة النبي طريقته في ترك الدّنيا والزهد فيها ، وترك طلب الفضول ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهمّ ارزق محمّداً وآل محمّد العفاف والكفاف ، أو الأعمّ منها فإن من صرف عمره في طلب فضول الدّنيا لا يمكنه الإتيان بها.

« تطلبون ما يطغيكم » إشارة إلى قوله تعالى : «إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى »(١) .

______________________

(١) سورة العلق : ٧.

٣٨٤

( باب )

( من يعيب الناس )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إنَّ أسرع الخير ثواباً البر وإن أسرع الشرّ عقوبة البغي وكفى

____________________________________________________________________

باب من يعيب الناس

يرجع حاصل أخبار هذا الباب إلى المنع من تتّبع عيوب الناس وتعييرهم وذمّهم.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

والظاهر أنّ المراد بالبرّ الإحسان إلى الغير ، وقد يطلق على مطلق أعمال الخير ، و بالبغي الظلم والتطاول على الناس ، وقد يطلق على الزنا ، والظاهر هنا الأوّل ، ويحتمل أن يكون المراد الخروج على الإمام ، وسرعة الثواب والعقاب فيهما باعتبار أن نفع الأوّل وضرر الثاني يلحقهم في الدّنيا ، وعيباً تميز وتعدية العمى بعن كأنّه لتضمين معنى التغافل والإعراض ، والتعدية بعلى كما في سائر الأخبار أظهر وأشهر كقوله تعالى : «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ »(١) وعلى ما هنا المستتر في يعمى راجع إلى المرء ، والبارز في عنه إلى الموصول ، وعلى ما في سائر الروايات بالعكس ، وكان نسبّة العمى إلى الأمر والنبإ من قبيل المجاز في الإسناد.

وقال الجوهري : العمى ذهاب البصر ، وقد عمّي فهو أعمى ، وتعامي الرّجل أرى من نفسه ذلك ، وعمّي عليه الأمر إذا التبس ، ومنه قوله : «فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ » ورجل عمّي القلب أي جاهل ، انتهى.

______________________

(١) سورة القصص : ٦٦.

٣٨٥

بالمرء عيباً أن يبصر من النّاس ما يعمى عنه من نفسه أو يعيّر الناس بما لا يستطيع تركه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

____________________________________________________________________

« أو يعيّر الناس » اعلم أنّ تعبير الغير من أعظم العيوب ، ويوجب ابتلاءه بذلك العيب كما مرّ في الأخبار ، فينبغي أن يرجع إلى نفسه ، فإن وجدّ فيها عيبا اشتغل به وبأصلاًحه ورفعه ، ولا يترك نفسه ويذم غيره ، وإن عجز عن أصلاًحه فينبغي أن يعذر غيره ، وإن لم يجدّ في نفسه عيبا فهو من أعظم عيوبه ، فإن تبرئة النفس من العيب جهل ، وهو ينشأ من عمى القلب قال تعالى حاكيا عن يوسف الصديق : «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بالسّوء إلّا ما رَحِمَ رَبِّي »(١) .

ثمّ الظاهر أن المراد بما يعمى عنه من نفسه وما لا يستطيع تركه أعمّ من أن يكون من جنس ما في الغير أو لم يكن ، مع احتمال المماثلة وعلى التقديرين لا ينبغي أن يعيب صاحبه لأنّ عيبه إمّا أن يكون مثل عيب صاحبه أو أكبر منه أو أصغر ، فإن كان أحدّ الأولين فينبغي أن يكون له في عيبه لنفسه شغل عن عيب صاحبه ، وإن كان الأخير فيضيف إلى عيبه الأصغر عيبا آخر أكبر وهو التعيير والغيبة ، وما كان المراد بعدم الاستطاعة هنا ما يصعب عليه تركه ، ولذلك لا يتركه لا أنه ليس له قدرة على الترك أصلاً ، فإنه حينئذ لا يكون مكلفا به.

« أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه » أي لا يهمه ولا ينفعه والضمير المنصوب إمّا راجع إلى المرء أو الجليس ، والأوّل أظهر أي يؤذيه بشيء لا فائدة له فيه ، فإن هذا أشدّ وأقبح أو لا فائدة للجليس فيه ، فإنّه إن كان لنفعه كالنهي عن المنكر أو الأمر بالخيرات فهو حسن ، ويحتمل أن يكون المراد كثيرة الكلام بما ليس فيه طائل فإن ذلك يؤذي الجليس العاقل.

قال في النهاية : يقال هذا الأمر لا يعنيني أي لا يشغلني ويهمني ، ومنه الحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه أي ما لا يهمه.

______________________

(١) سورة يوسف : ٥٣.

٣٨٦

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليُّ بن النعمان ، عن ابن مسكان ، عن أبي حمزة قال سمعت عليُّ بن الحسينعليه‌السلام يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن الحسين بن إسحاق ، عن عليُّ بن مهزيار ، عن حمّاد بن عيسى ، عن الحسين بن مختار ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال كفى بالمرء عيبا أن يتعرف من عيوب الناس ما يعمى عليه من أمر نفسه أو يعيب على النّاس أمراً هو فيه لا يستطيع التحول عنه إلى غيره أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبي عبد الرَّحمن الأعرج وعمرّ بن أبان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر وعليُّ بن الحسين صلوات الله عليهم قإلّا إن أسرع الخير ثواباً البر وأسرع الشرّ عقوبة البغي وكفى بالمرء عيباً أن ينظر في عيوب غيره ما يعمى عليه من عيب نفسه أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه أو ينهى النّاس عمّا لا يستطيع تركه.

____________________________________________________________________

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : مرسل.

الحديث الرابع : صحيح وراويه هو راوي الحديثين الأوّلين.

٣٨٧

( باب )

( أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهلية )

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إنَّ ناساً أتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد ما أسلموا فقالوا يا رسول الله أيؤخذ الرّجل منا بما كان عمل في الجاهليّة بعد

____________________________________________________________________

باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهليّة(١)

الحديث الأول : صحيح.

والمراد بالإسلام الحسن أن يكون مقروناً بالإقرار بجميع أصول الدين ، ليخرج المخالفون وأضرابهم ، و بصحّة يقين الإيمان أن لا يكون مشوباً بشك ونفاق ، وقال في المغرب : رجل سخف وفيه سخف ، وهو رقة العقل من قولهم : ثوب سخيف إذا كان قليل الغزل ، وقد سخف سخافة ، انتهى.

وكأنّ المراد هنا ما كان مشوباً بشكّ ونفاق ، قال في النهاية : الجبّ القطع ومنه الحديث : إن الإسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجبّ ما قبلها ، أي يقطعان ويمحو أن ما كان قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب ، انتهى.

فالإسلام الحسن يجب جميع ما وقع في أيام الكفر من حقّ الله وحقّ البشرّ إلّا ما خرج بدليل ، مثل مال المسلم الموجود في يده ، وقيل : الظاهر أن هذا حال الحربي الذي أسلم ، وإمّا الذمي فلا يسقط إسلامه ما وجب من دم أو مال أو غيره لأنّ حكم الإسلام جار عليه على الظاهر ، والإسلام السخيف لا يجب ما قبله ، لأنّه ليس بإسلام حقيقة فيؤخذ بالكفر الأوّل والآخر ، والعمل فيهما.

وفيه دلالة على أن الكافر مكلف بالفروع كما أنه مكلف بالأصول ، ويمكن

______________________

(١) هكذا عنوان المتن في نسخ الكافي ، لكنّ في نسخ مرآة العقول الّتي عندنا عنوان الباب هكذا : « باب وهو في جبّ الإسلام ما قبله وشرائطه ».

٣٨٨

إسلامه فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حسن إسلامه وصح يقين إيمانه لم يؤاخذه الله تبارك وتعالى بما عمل في الجاهليّة ومن سخف إسلامه ولم يصحّ يقين إيمانه أخذه الله تبارك وتعالى بالأوّل والآخر.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الجوهري ، عن المنقري ، عن فضيل بن عياض قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرّجل يحسن في الإسلام أيؤاخذ بما عمل في الجاهليّة فقال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر.

____________________________________________________________________

أن يراد بالإسلام الحسن الإسلام الثابت الذي لا يعقبه ارتداد ، وبالإسلام السخيف ما يعقبه ارتداد ، فإذا ارتد يؤخذ بكفره الأوّل والآخر.

ثمّ قال : وهذا التفسير لا يخلو من مناقشة ، لأنّ الإسلام قد جب الأوّل فكيف يؤخذ بعد الارتداد بالأوّل ويحكم بعود الزائل من غير سبّب ، ويمكن أن يدفع بأن السبّب هو الارتداد لأنه إذا ارتد حبطت أعماله ، ومن جملة أعماله إسلامه السّابق فإذا أبطل إسلامه السّابق بطل جبه ، وإذا بطل جبه يؤخذ بالكفر الأوّل أيضاً ، ضرورة أن المسبّب ينتفي بانتفاء سبّبه.

على أنّه يمكن أن يقال : الذي يجب ما قبله هو الإسلام بشرط الاستمرار فإذا قطع الاستمرار بالارتداد ، علم أن هذا الإسلام لم يجب ما قبله ، فلا يلزم عود الزائل ، بل اللازم ظهور عدم زواله بذلك الإسلام.

ومنهم من فسر حسن الإسلام بالطّاعة بأن يكون معه أعمال صالحة ، والإسلام السخيف ما كان مع المخالفة ، وجعل قوله : وصح يقين إيمانه وصفاً آخر للإسلام ، ولا يخفى ضعفه ، لأنهّ يوجب أن يكون جب الإسلام ما قبله موقوفاً على الطّاعة والعمل ، وليس الأمر كذلك إذ لا دليل عليه ولم يقل به أحد.

الحديث الثاني : ضعيف ومضمونه قريب من الأول.

وكان المراد بالإساءة الإساءة المخرجة من الإيمان كما عرفت.

٣٨٩

( باب )

( أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب وغيره ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من كان مؤمناً فعمل خيراً في إيمانه ثمّ أصابته فتنة فكفر ثمّ تاب بعد كفره كتب له وحوسب بكلّ شيء كان عمله في إيمانه ولا يبطله الكفر إذا تاب بعد كفره.

____________________________________________________________________

باب أن الكفر مع التوبة لا يبطل العمل(١)

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وإطلاقه يدلّ على أن توبة المرتدّ مقبولة وإن كان فطريّاً ، وعلى المشهور مخصوصة بالملي لبعض الروايات الدالة على أن توبة الفطري غير مقبولة وقد مرّ تحقيقه.

______________________

(١) كذا عنوان المتن في النسخة المصححة التي عندنا من الكافي لكنّ في نسخة الشارح (ره) التي هي بخطه هكذا « باب وفيه بيان حال من آمن ثم ارتد ثمّ تاب » وفي النسخة المطبوعة والمنقول عن بعض المتن « باب توبة المرتد ».

٣٩٠

( باب )

( المعافين من البلاء )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن ابن محبوب [ وغيره ] ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن لله عزّ وجلّ ضنائن يضن بهم عن البلاء فيحييهم في عافية ويرزقهم في عافية ويميتّهم في عافية ويبعثهم في عافية ويسكنهم الجنّة في عافية.

____________________________________________________________________

باب(١)

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وقال الشيخ البهائي (ره) في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة الثمالي نظر لا يخفى ، وقال الجزري : في النهاية فيه أن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافية ، ويميتّهم في عافية ، الضنائن الخصائص واحدهم ضنينة ، فعيلة بمعنى مفعولة ، من الضن وهو ما تختصه وتضن به أي تبخل ، لمكانة منك وموقعه عندك ، يقال : فلان ضنّي من بين إخواني وضنتي أي اختص به وأضنّ بمودته ، وقال الجوهري : ضننت بالشيء أضن به ضنّاً وضنانة إذا بخلت وهو ضنين به. وقال الغراء : وضننت بالفتح أضن لغة ، وفلان ضني من بين إخواني وهو شبه الاختصاص ، وفي الحديث : إن الله ضنّاً من خلقه ، الخبر ، وقال الفيروزآبادي : الضنين البخيل يضن بالفتح والكسر ضنانة وضنّاً بالكسر ، وهو ضني بالكسر أي خاصّ بي ، وضنائن الله خواصّ خلقه ، انتهى.

وقيل : المعنى يضنّ بالبلاء عنهم ، فإنّ البلاء نعمة كأنّه يضنّ بها عنهم ولا يخفى بعده.

______________________

(١) كذا في النسخ الموجودة عندنا من الشرح لكن في نسخة الكافي هكذا « باب المعافين من البلاء ».

٣٩١

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول إن الله عزّ وجلّ خلق خلقاً ضن بهم عن البلاء خلقهم في عافية وأحياهم في عافية وأماتّهم في عافية وأدخلهم الجنّة في عافية.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه وعدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن جعفر بن محمّد ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله عزّ وجلّ ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته ويحبوهم بعافيته ويدخلهم الجنّة برحمته تمرّ بهم البلايا والفتن لا تضرهم شيئاً.

( باب )

( ما رفع عن الأمة )

١ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أبي داود المسترقِّ قال حدَّثني عمرو بن مروان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع عن

____________________________________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

الحديث الثالث : مجهول.

وفي القاموس حبا فلاناً أعطاه بلا جزاء ولا منّ ، والاسم الحباء ككتاب والحياة مثلثّة.

باب ( ما رفع عن الأمة )(١)

وهو مشتمل على ما لا يؤاخذ الله هذه الأمة به

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« رفع عن أمّتي » لعلّ المراد رفع المؤاخذة والعقاب ، ويحتمل أن يكون المراد في بعضها رفع أصله أو تأثيره أو حكمه التكليفيّ ولعلّ مفهوم قوله : عن أمّتي

______________________

(١) ليس هذا العنوان موجوداً في النسخ التي عندنا من الشرح بل الموجود فيها هكذا « باب وهو مشتمل على ».

٣٩٢

أمّتي أربع خصال : خطأها ونسيانها وما أكرهوا عليه وما لم يطيقوا وذلك

____________________________________________________________________

غير مراد في بعضها ، فالمراد اختصاص المجموع بهذه الأمّة وإن اشترك البعض بينها وبين غيرها ، فالخطأ كما إذا أراد رمي صيد فأصاب إنساناً ، وكخطا المفتي والطبيب والمراد هنا رفع الإثمّ ، فلا ينافي الضمان في الدّنيا ، وإن كان ظاهره عدم الضمان أيضاً ، وكذا رفع الإثمّ بالنسيان لا ينافي وجوب الإعادة عند نسيان الركن وسجدة السهو ، والتدارك عند نسيان بعض الأفعال.

وقيل : يفهم من الرفع أنهما يورثان الإثمّ والعقوبة ، ولكنه تعالى تجاوز عنهما رحمة وتفضلا ، و الإكراه أعمّ من أن يكون في أصول الدين أو فروعه ممّا يجوز فيه التقيّة ، لا فيما لا تقية فيه كالقتل.

« وما لم يطيقوا » أي التكاليف الشاقة الّتي رفعت عن هذه الأمة.

ثمّ استشهد للخصال الأربع وعدم المؤاخذة بها بالآيات وهي قوله تعالى : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا » قال في مجمع البيان : قيل فيه وجوه :

الأوّل : أن المراد بنسينا تركنا كقوله تعالى : «نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ »(١) أي تركوا إطاعة الله فتركهم من ثوابه ، والمراد بأخطأنا أذنبنا لأنّ المعاصي توصف بالخطاء من حيث إنها ضد للصواب.

والثاني : أن معنى قوله : إن نسينا إن تعرضنا لأسباب يقع عندها النسيان عن الأمر أو الغفلة عن الواجب ، أو أخطأنا أي تعرضنا لأسباب يقع عندها الخطأ ويحسن الدعاء بذلك كما يحسن الاعتذار منه.

والثالث : أن معناه لا تؤاخذنا إن نسينا أي إن لم نفعل فعلا يجب فله على سبّيل السهو والغفلة «أَوْ أَخْطَأْنا » أي فعلنا فعلاً يجب تركه من غير قصد ، ويحسن هذا في الدّعاء على سبيل الانقطاع إلى الله سبّحانه ، وإظهار الفقر إلى مسائلته

______________________

(١) سورة التوبة : ٦٧.

٣٩٣

قول الله عزَّ وجلَّ : «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ »(١) وقوله «إِلاَّ

____________________________________________________________________

والاستعانة به ، وإن كان مأموناً منه المؤاخذة بمثله ، ويجري ذلك مجرى قوله فيما بعد : «وَلا تُحَمِّلْنا » على أحدّ الأجوبة.

والرابع : ما روي عن ابن عبّاس وعطاء أن معناه لا تعاقبنا إن عصيناك جاهلين أو متعمدين.

وقوله : «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً » قيل فيه وجهان : الأوّل : أن معناه لا تحمل علينا عملاً نعجز عن القيام به ، وتعذبنا يتركه ونقضه عن ابن عبّاس وغيره والثاني : أن معناه لا تحمل علينا ثقلا يعني لا تشدّد الأمر علينا «كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا » أي على الأمم الماضية والقرون الخالية ، لأنهم كانوا إذا ارتكبوا خطيئة عجلت عليهم عقوبتها ، وحرم عليهم بسبّبها ما أحل لهم من الطعام كما قال تعالى : «فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ »(٢) وأخذ عليهم العهود والمواثيق وكلفوا من أنواع التكاليف ما لم تكلف هذه الأمّة تخفيفا عنها.

«رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » قيل فيه وجوه : الأوّل : أن معناه ما يثقل علينا تحمله من أنواع التكاليف والامتحان ، مثل قتل النفس عند التوبة ، وقد يقول الرّجل لأمر يصعب عليه : إنّي لا أطيقه ، والثاني : أن معناه ما لا طاقة لنا به من العذاب عاجلاً وآجلاً.

والثالث : أنّه على سبّيل التعبد وإن كان سبّحانه لا يكلف ولا يحمل أحداً ما لا يطيقه ، انتهى.

وقال بعضهم : فإن قلت : الآية دلت على المؤاخذة والإثمّ بالخطإ والنسيان ، وإلّا فلا فائدة للدعاء بعدم المؤاخذة ، فكيف تكون دليلاً على الرفع المذكور؟ قلت : أولا قال بعض المحقّقين السّؤال والدعاء قد يكون للواقع والغرض منه بسط

______________________

(١) سورة البقرة : ٢٨٦. (٢) سورة النساء : ١٦٠.

٣٩٤

مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ »(١)

____________________________________________________________________

الكلام مع المحبوب ، وعرض الافتقار لديه ، كما قال خليل الرَّحمن وابنه إسماعيلعليهما‌السلام : «رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا » مع أنّهما لا يفعلان غير المقبول ، وثانياً أنه قد صرح بعض المفسّرين بأن الآية دلت على أن الخطأ والنسيان سبّبان للإثمّ والعقوبة ، ولا يمتنع عقلاً المؤاخذة بهما إذ الذَّنب كالسم ، فكما أن السم يؤدي إلى الهلاك وإن تناوله خطأ كذلك الذَّنب ، ولكنه عزّ وجلّ وعد بالتجاوز عنه رحمة وتفضلا وهو المراد من الرفع ، فيجوز أن يدعو الإنسان به استدامة لها وامتدادا بها.

وقال بعضهم معنى الآية : ربّنا لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى خطاء أو نسيان من تقصير ، وقلة مبالاة ، فإن الخطأ والنسيان أغلب ما يكونان من عدم الاعتناء بالشيء وهذا وإن كان رافعا للإيراد المذكور لكنّ فيه شيء لا يخفى على المتأمل.

والأصر الذَّنب والعقوبة وأصله من الضيق والحبس ، يقال أصره يأصره إذا حبسه وضيق عليه ، وقيل : المراد به الحمل الثقيل الذي يحبس صاحبه في مكانه ، والتكاليف الشاقة مثل ما كلف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب ، وخمسين صلاة في اليوم واللّيلة ، وصرف ربع المال للزكاة أو ما أصابهم من الشدائد والمحن.

وقوله : «رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ » تأكيد لـمّا قبله ، وطلب للإعفاء من التكاليف الشاقة الّتي كلف بها الأمم السّابقة ، لا طلب للإعفاء عن تكليف ما لا يتعلق به قدرة البشرّ أصلاً ، فلا دلالة فيه على جواز التكليف بما لا يطاق ، الذي أنكره العدلية وجوزه الأشاعرة باعتبار أنه لو لم يجز لم يطلبوا الإعفاء عنه.

وقوله : إلّا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، معناه إلّا من أكره على قبيح مثل كلـمّة الكفر وغيرها «وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » غير متغيّر عن اعتقاد الحقّ ، وفيه دلالة على أنه لا إثمّ على المكره.

______________________

(١) سورة النحل : ١٩.

٣٩٥

٢ - الحسين بن محمّد ، عن محمّد بن أحمد النهدي رفعه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وضع عن أمّتي تسع خصال الخطأ والنسيان وما لا

____________________________________________________________________

لا يقال : الاستثناء من قوله تعالى «مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ » ومن شرطيّة محذوفة الجزاء ، أي فهو مفتر للكذب لا على أنه غير آثم؟

لأنا نقول : المستثنى منه في معرض الذمّ والوعيد ، وهما منفيان عن المكره بحكم الاستثناء ، فلا يكون المكره من أهل الذمّ والوعيد ، فلا يكون آثما.

الحديث الثاني : مرفوع.

« وما لا يعلمون » ظاهره معذورية الجاهل مطلقاً ، ويدلّ عليه فحاوي كثير من الآيات والأخبار ، ولا يبعد العمل به إلّا فيما أخرجه الدليل لكنّ أكثر الأصحاب اقتصروا في العمل به على مواضع مخصوصة ، ذكروها في كتب الفروع كالصّلاة مع نجاسة الثوب والبدن ، أو موضع السجود ، أو في الثوب والمكان المغصوبين ، أو ترك الجهر والإخفات في موضعهما ، والنكاح في العدَّة وأمثالها ، ولو قيل : المراد عدم المؤاخذة لا عدم ترتب الأحكام ، فمع عدم التقصير في التفحص ظاهره العموم في جميع الموارد ، لكنّ ظاهر الوضع والرفع عدم ترتب الأحكام أيضاً.

« وما اضطروا إليه » سواء كان سبّب الاضطرار من قبل الله تعالى كما في أكلّ الميتة في المخمصة ، وشرب الماء النجس عند الاضطرار ، والتداوي بالحرام للمريض عند انحصار الدواء ، أو من قبل نفسه أو من الغير كمن جرح نفسه أو جرحه غيره في شهر رمضان ، واضطر إلى الإفطار ولكنّ في التداوي بالحرام لا سيّما الخمرّ أخبار كثيرة بالمنع ، وكذا في شرب النبيذ والخمرّ عند الإكراه ، وسيأتي القول فيها في محله إن شاء الله.

وقد عرفت اختلاف الأخبار في التقيّة في البراءة عن أهل البيتعليهم‌السلام ووجه الجمع بينها ، وإمّا الطيرة فقال الجوهري : الطيرة مثال العنبة هي ما يتشأم به من الفال الرديء ، وفي الحديث أنّه كان يحبّ الفال ويكره الطيرة وقال في النهاية فيه

٣٩٦

يعلمون وما لا يطيقون وما اضطرُّوا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة

____________________________________________________________________

لاعدوى ولا طيرة بكسر الطاء وفتح الياء ، وقد تسكن هي التشؤم بالشيء وهو مصدر تطير يقال تطيّر طيرة وتخير خيرة ، ولم يجيء من المصادر هكذا غيرها ، وأصله فيما يقال التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ، وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله ونهى عنه ، وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع ودفع ضر.

وقد تكرر ذكرها في الحديث اسما وفعلا ، ومنه الحديث : ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والحسد والظنّ ، قيل : فما نصنع؟ قال : إذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقّق ، ومنه الحديث الآخر : الطيرة شرك وما منا إلّا ولكنّ الله يذهبه بالتوكل.

هكذا جاء الحديث مقطوعا ولم يذكر المستثنى أي إلّا وقد يعتريه التطير وتسبّق قلبه الكراهة ، فحذف اختصاراً واعتمادا على فهم السامع وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعاً أو يدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبه ، فكأنهّم أشركوه مع الله تعالى في ذلك.

وقوله : ولكنّ الله يذهبه بالتوكلّ معناه أنه إذا خطر له عارض التطير فتوكلّ على الله تعالى وسلم إليه ولم بعمل بذلك الخاطر غفره الله تعالى ، ولم يؤاخذه به.

وقال في المصباح : تطير من الشيء وأطير منه والاسم الطيرة وزان عنبة وهي التشاؤم ، وكانت العرب إذا أرادت المضي لمهم مرت بمجاثمّ الطير وإثارتها لتستفيد هل تمضي أو ترجع ، فنهى الشارع عن ذلك وقال : لا هام ولا طيرة ، انتهى.

وأقول : إذا عرفت هذا فكون الطيرة موضوعة يحتمل وجوها :

الأوّل : وضع المؤاخذة والعقاب عن هذا الخطور ، فإنه لا يكاد يمكن رفعها عن النفس وكفارته أن لا يعمل بمقتضاها ويتوكلّ على الله تعالى ، ولذا قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٩٧

في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد.

____________________________________________________________________

إذا تطيرت فامض.

الثاني : رفع تأثيرها عن هذه الأمّة ببركة ما وصل إليهم عن الرسول والأئمّةعليهم‌السلام من عدم الاعتناء به ، والتوكلّ على الله والأدعية والأذكار الدافعة لذلك.

الثالث : أن المراد بوضعها رفعها والمنع عن العمل بها ، والرجز عنها كما فهمه صاحب النهاية وغيره ، فلا يكون على سياق سائر الفقرات ، والأظهر في هذا الخبر المعنى الأول.

وإمّا تأثيرها فالأخبار مختلفة في ذلك ، والذي يقتضيه الجمع بينها أن مع تأثر النفس بها قد يكون لها تأثير ومع عدم الاعتناء بها والتوكلّ على الله فلا تأثير لها.

« والوسوسة في التفكر » سيأتي إن شاء الله عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : ثلاث لم ينج منها نبي فمن دونه : التفكر في الوسوسة في الخلق ، والطيرة والحسد إلّا أن المؤمن لا يستعمل حسده.

وعلى التقديرين يحتمل هذه الفقرة وجوها :

الأوّل : أن يكون المراد وساوس الشيطان بسبب التفكر في أحوال الخلق ، وسوء الظنّ بهم بما يشاهد منهم ، فإن هذا شيء لا يمكن دفعه عن النفس ، لكنّ يجب عليه أن لا يحكم بهذا الظنّ ، ولا يظهره ولا يعمل بموجبه بالقدح فيهم ، ورد شهادتهم ونحو ذلك ، ويؤيده الخبر الذي رواه في النهاية ، حيث ذكر مكانها : الظنّ وقال : وإذا ظننت فلا تحقّق أي لا تجزم.

وقال في النهاية أيضاً فيه : إياكم والظنّ ، فإن الظنّ أكذب الحديث ، أراد الشك يعرض لك في شيء فتحققه وتحكم به ، وقيل : أراد إياكم وسوء الظنّ وتحقيقه دون مبادئ الظنون الّتي لا تملك وخواطر القلوب الّتي لا تدفع ومنه الحديث

٣٩٨

____________________________________________________________________

وإذا ظننت فلا تحقّق.

الثاني : التفكّر في الوساوس الّتي تحدث في النفس في مبدء خلق الأشياء ، وأن الله سبّحانه من خلقه وكيف وجد وأين هو؟ ممّا لو تفوه به لكان كفراً وشركاً ويؤيده الأخبار الكثيرة الّتي مضت في باب الوسوسة ، وحديث النفس ، وقد روت العامّة في صحاحهم أنّه سئل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوسوسة؟ فقال : تلك محض الإيمان وفي رواية أخرى يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا وكذا حتّى يقول : من خلق ربّك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته.

الثالث : أن يتفكّر في القضاء والقدر ، وخلق أعمال العباد والحكمة في خلق بعض الشرور في العالم ، كخلق إبليس والمؤذيات ، وفي تمكين الأشرار على الأخيار وخلق الكفّار وخلق جهنم وتأبيد الكفّار فيها وغير ذلك ممّا لا يخلو أحدّ عنها وذلك كله معفوّ إذا لم يستقر في النفس ، ولم يحصل بسبّبه شك في حكمة الخالق وعدله ، وكون العباد غير مجبورين فيما كلفوا به أو بتركه ولعلّ الأوّل هنا أظهر وإن كان للثاني شواهد كثيرة.

وروى الصدوق (ره) في الخصال والتوحيد بسند صحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع عن أمّتي تسعة : الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه والحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة ، والقيد بعدم النطق بالشفة لا ينافي شيئاً من المعاني ، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد بدل على أن الحسد ليس معصية مع عدم الإظهار وهو خلاف المشهور ، ويؤيده قولهعليه‌السلام في خبر الروضة : لم يخل منها نبي فمن دونه وهو أنسبّ بسعة رحمة الله ، ونفي الحرج في الدين ، فإنّه قل من يخلو عن ذلك ، فما ورد في ذم الحسد وعقوباته يمكن حمله على ما إذا كان مع الإظهار ، ويمكن أن يكون متعلقاً بالوسوسة أيضاً بل بالطيرة أيضاً ، ويؤيده رواية الصدوق ، بل في

٣٩٩

( باب )

( أن الإيمان لا يضر معه سيئة والكفر لا ينفع معه حسنة )

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن يعقوب بن شعيب قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام هل لأحدّ على ما عمل ثواب على الله موجب إلّا المؤمنين قال : لا.

____________________________________________________________________

رواية الصّدوق أيضاً يمكن تعلّقه بالثلاثة.

ثمّ اعلم أن التسع المذكورة في هذا الخبر لا ينافي الأربع في الخبر السّابق فإنهعليه‌السلام اكتفى فيه بالأهم أو المراد بالأوّل ما ورد في ظواهر الآيات رفعها ، مع أنّه يمكن إدخال ما لم يذكر فيه فيما لا يطيقون على ما فسّر به ، فإنّ التحرّز عنها في غاية العسر والشدّة.

باب

أن الإيمان لا يضر معه سيئة والكفر لا ينفع معه حسنة(١)

الحديث الأول : صحيح.

« على الله بوجوب » كذا في أكثر النسخ ، والوجوب بمعنى اللزوم لازم ، والأظهر « موجب » كما ينسبّ إلى بعض النسخ ، إلّا أن يكون المفعول بمعنى الفاعل كما قيل في قوله تعالى : «حجاباً مستوراً »(٢) قيل : أي ساتراً نعم قال الفيروزآبادي : وجب عياله وفرسه عودهم أكلة واحدة ، وهو لا يناسبّ المقام إلّا بتكليف شديد ، لكنّه في كلام السائل ، والحاصل أنّه هل أوجب الله ثواباً على نفسه بمقتضى وعده إلّا للمؤمنين فإنّه لا يجب على الله ثواب مع قطع النظر عن الوعد كما مرّ تحقيقه خلافاً للمعتزلة ونادر من الإماميّة.

فقالعليه‌السلام لا ، لأنّ الله تعالى وعد على العمل بشرائطه الّتي ثواباً فإذا

______________________

(١) هذا العنوان غير موجود في النسخ الموجودة عندنا من كتاب مرآة العقول.

(٢) سورة الإسراء : ٤٥.

٤٠٠