مرآة العقول الجزء ١١

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 407

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 407
المشاهدات: 30822
تحميل: 8708


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 407 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 30822 / تحميل: 8708
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 11

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_________________________________________________

وقال الرازي في تفسير قوله تعالى : «بَلى مَنْ كَسبّ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ »(١) اختلف أهل القبلة في وعيد أصحاب الكبائر فمن الناس من قطع بوعيدهم وهم فريقان ، منهم من أثبت الوعيد المؤبد وهو قول جمهور المعتزلة والخوارج ، ومنهم من أثبت وعيداً منقطعاً ، ومن الناس من قطع بأنّه لا وعيد لهم وهو قول شاذ ، والقول الثالث إنا نقطع بأنه سبّحانه يعفو عن بعض العصاة وعن بعض المعاصي ، لكنا نتوقف في حقّ كلّ أحد على التعيين أنه هل يعفو عنه أم لا ، ونقطع بأنه إذا عذب أحدا منهم فإنه لا يعذبه أبدا بل يقطع عذابه وهو قول أكثر الصحابة والتابعين وأهل السنة والجماعة وأكثر الإمامية ، وبسط الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه ولا يناسبّ ذكرها في هذا المقام ، ويرجع حاصل أجوبته عن دلائل الخصم إلى أن آيات العفو مخصصة ومقيدة لآيات العقاب.

وقال في قوله تعالى : «إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ »(٢) كلاما طويلاً في ذلك ثمّ قال في آخر كلامه : فإمّا قولك إنه لو لم يفعل لصار كاذباً أو مكذبا نفسه ، فجوابه أن هذا إنّما يلزم لو كان الوعيد ثابتا جزماً من غير شرط ، وعندي جميع الوعيدات مشروط بعدم العفو ، فلا يلزم من تكره دخول الكذب في كلام الله ، انتهى.

وممّا يدلّ على أنهم يعدونه خبرا أنهم يحكمون بوجوب الاستثناء فيما يعدّه الإنسان أو يخبر بإيقاعه ، إمّا بالقول أو بالضمير ، قال السيد المرتضىرضي‌الله‌عنه عند تأويل قوله تعالى : «وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ »(٣) الآية ، فإمّا قول بعضهم أن ذنبه من حيث لم يستشهد بمشية الله لـمّا قال : تلد كلّ واحدة منهن غلاماً فهذا غلط ، لأنّهعليه‌السلام وإن لم يستثن ذلك فقد استثناه ضميراً واعتقاداً ، إذ لو كان قاطعاً مطلقاً للقول

______________________

(١) سورة البقرة : ٨١.

(٢) سورة آل عمران : ٩.

(٣) سورة ص : ٣٤.

٤١

_________________________________________________

لكان كاذباً ، أو مطلقاً لـمّا لا يأمن أن يكون كذبا ، وذلك لا يجوز عند من جوز الصغائر على الأنبياء.

ونحوه قال الشيخ الطبرسيقدس‌سره في تأويل تلك الآية ، وهذا الكلام وإن كان فيما ظاهره الخبر لكنّ سيأتي منهما رضي الله عنهما ما يدلّ على أنهم لا يفرقون في ذلك بين الوعد والخبر.

وأقول : كلام كثير من أصحابنا جار هذا المجرى ، وسلموا كون الوعد أو الوعيد خبرا فعلى هذا يشكلّ القول بجواز مخالفة الوعد من غير عذر ومصلحة ، وإمّا الوعيد فتكون مخالفته من قبيل الكذب المجوز للمصلحة إذ لا خلاف في أن خلف الوعيد ليس بحرام بل هو حسن ، فيكون جوازه مشروطا بمصلحة مجوزة للكذب ، والقول بهذا أيضاً مشكلّ فإن العبد إذا استحقّ من المولى تأديباً وأوعده ذلك من غير مصلحة في ذلك الوعيد ، ثمّ عفاً عنه يكون كذباً بغير مصلحة وحراماً ، ولا أظنّ أحداً قال بذلك إلّا أن يقال العفو من الصفات الحسنة والأفعال الجميلة ، فإذا صادف الكذب يصير به حسنا ، وفيه بعد.

وأيضاً لو كان قبح خلف الوعد من جهة الكذب لزم إذا قال رجل أركب غدا مخبرا بذلك من غير أن يعد أحدا ثمّ بدا له ولم يركب أن يكون عاصيا ، ولعله ممّا لم يقل به أحدّ ، فالأولى جعلهما من قبيل الإنشاء لا الخبر ، فلا يوصفان بالصدق والكذب ، وإطلاقهما عليهما على التوسع والمجاز.

وممّا ينبه على ذلك أن الصدق والمكذب إنّما يطلقان على ما يتصف بهما حين القول ، لا ما يكون تصديقه وتكذيبه باختيار القائل ، وليس هذا دليلا ولكنه منبه ويمكن المناقشة فيه.

فإن قيل : لم لم يعد أهل العربية الوعد من أقسام الإنشاء؟ قلت : مدارهم على ذكر الإطلاقات اللغوية ومصطلحاتّهم ، ولذا لم يعدوا بعت واشتريت وأنكحت

٤٢

_________________________________________________

وآجرت وأمثالها من أنواع الإنشاء ، لأنها من الحقائق الشرعيّة لا من الحقائق اللغوية.

قال الشّهيدقدس‌سره : الإنشاء أقسام القسم والأمر والنهي والترجي والعرض والنداء قيل : وهذه تبنى على كونّها إنشاء في الإسلام والجاهليّة ، وإمّا صيغ العقود فالصحيح أنّها إنشاء ، وقال بعض العامّة : هي أخبار على الوضع اللغوي والشرع قدم مدلولاتها قبل النطق بها لضرورة تصديق المتكلم بها والإضمار أولى من النقل ، وهو تكلف.

ثمّ اعلم أنّه على تقدير القول بالوجوب ، فالظاهر أنّه يستثنى منه أمور : الأوّل : الاستثناء بالمشية ، وقول إن شاء الله فإنه يحلّ النذور والأيمان المؤكدة كما صرح به في الأخبار ويدلّ عليه قوله تعالى : «وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إلّا أَنْ يَشاءَ اللهُ »(١) .

قال الطبرسيقدس‌سره قد ذكر في معناه وجوه : أحدها أنّه نهي من الله لنبيه عليه وآله السلام أن يقول أفعل شيئاً في الغد إلّا أن يقيد ذلك بمشية الله تعالى ، فيقول : إن شاء الله ، قال الأخفش : وفيه إضمار القول ، فتقديره إلّا أن تقول إن شاء الله ، فلـمّا حذف تقول فقل إن شاء الله إلى لفظ الاستقبال ، فيكون هذا تأديباً من الله لعباده وتعليما لهم أن يعلقوا ما يخبرون به بهذه اللفظة حتّى يخرج عن حد القطع ، فلا يلزمهم كذب أو حنث إذا لم يفعلوا ذلك لمانع ، وهذا معنى قول ابن عباس.

وثانيها : أن قوله أن يشاء الله بمعنى المصدر وتعلق بما تعلق به على ظاهره ، وتقديره ولا تقولن إنّي فاعل شيئاً غدا إلّا بمشية الله ، عن الفراء وهذا وجه حسن يطابق الظاهر ، ولا يحتاج فيه إلى بناء الكلام على محذوف ، ومعناه لا تقل إنّي

______________________

(١) سورة الكهف : ٢٤.

٤٣

_________________________________________________

أفعل إلّا ما يشاء الله ويريده ، وإذا كان الله تعالى لا يشاء إلّا الطاعات فكأنّه قال لا تقل إني أفعل إلّا الطاعات ، ولا يطعن على هذا بجواز الإخبار عمّا يفعل من المباحات الّتي لا يشاءها الله تعالى ، لأنّ هذا النهي نهي تنزيه لا نهي تحريم ، بدلالة أنّه لو لم يقل ذلك لم يأثمّ بلا خلاف.

وثالثها : أنّه نهي عن أن يقول الإنسان سأفعل غداً وهو يجوز الاخترام قبل أن يفعل ما أخبر به فلا يوجد مخبره على ما أخبر به فهو كذب ، ولا يأمن أيضاً أن لا يوجدّ مخبره بحدوث شيء من فعل الله تعالى نحو المرض والعجز ، أو بأن يبدو له هو في ذلك فلا يسلم خبره من الكذب إلّا بالاستثناء الذي ذكره الله تعالى ، فإذا قال إني صائر غداً إلى المسجد إن شاء الله أمن من أن يكون خبره هذا كذبا لأنّ الله إن شاء أن يلجئه إلى المصير إلى المسجدّ غداً حصل المصير إليه منه لا محالة ، فلا يكون خبره هذا كذبا وإن لم يوجد المصير منه إلى المسجد لأنّه لم يوجد ما استثناه في ذلك من مشية الله تعالى عن الجبائي ، وقد ذكرنا فيما قبل ما جاء في الرواية أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن قصّة أصحاب الكهف وذي القرنين فقال : أخبركم عنه غدا ولم يستثن فاحتبس عنه الوحي أيإمّا حتّى شق عليه ، فأنزل الله هذه الآية يأمره بالاستثناء بمشية الله.

وقوله : «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ »(١) فيه وجهان أحدهما أنه كلام متصل بما قبله ثمّ اختلف في ذلك فقيل : معناه «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ » الاستثناء ثمّ تذكرت فقل إنشاء الله ، وإن كان بعد يوم أو شهر أو سنة عن ابن عبّاس ، وقد روي ذلك عن أئمتناعليهم‌السلام ، ويمكن أن يكون الوجه فيه أنّه إذا استثني بعد النسيان فإنّه يحصل له ثواب المستثنى من غير أن يؤثر الاستثناء بعد انفصال الكلام في الكلام ،

______________________

(١) سورة الكهف : ٢٤.

٤٤

_________________________________________________

وفي إبطال الحنث وسقوط الكفّارة في اليمين وهو الأشبه بمراد ابن عبّاس في قوله ، وقيل : فاذكر الاستثناء ما لم تقم من المجلس عن الحسن ومجاهد ، وقيل : فاذكر الاستثناء إذا تذكرت ما لم ينقطع الكلام وهو الأوجه ، وقيل : معناه «وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ » الاستثناء بأن تندم على ما قطعت عليه من الخبر عن الأصم ، والآخر أنه كلام مستأنف.

ثمّ قال (ره) : قال السيد الأجل المرتضى قدس الله روحه : اعلم أن للاستثناء الداخل على الكلام وجوها مختلفة فقد يدخل في الأيمان والطلاق والعتاق وسائر العقود وما يجري مجراها من الإخبار ، فإذا دخل في ذلك اقتضى التوقف عن إمضاء الكلام والمنع من لزوم ما يلزم به ، ولذلك يصير ما يتكلّم به كأنه لا حكم له ، وكذلك يصح على هذا الوجه أن يستثني الإنسان في الماضي فيقول : قد دخلت الدار إن شاء الله ليخرج بهذا الاستثناء من أن يكون كلامه خبراً قاطعاً أو يلزم به حكما ، وإنمّا لم يصح دخوله في المعاصي على هذا الوجه ، لأنّ فيه إظهار الانقطاع إلى الله تعالى والمعاصي لا يصح ذلك فيها.

وهذا الوجه أحدّ ما يحتمله تأويل الآية ، وقد يدخل الاستثناء في الكلام ويراد به اللطف والتسهيل وهذا الوجه يختص بالطاعات ، ولهذا جرى في قول القائل لأقضين غدا ما عليُّ من الدين أو لأصلين غداً إنشاء الله مجرى أن يقول إني فاعل إن لطف الله فيه وسهلة ، ومتى قصد الحالف هذا الوجه لم يحنث إذا لم يقع منه الفعل أن يكون حانثاً أو كاذباً لأنه إذا لم يقع منه الفعل علمنا أنه لم يلطف فيه لأنه لا لطف له.

وهذا الوجه لا يصح أن يقال في الآية لأنّه يختص الطاعات والآية تتنأوّل كلـمّا لم يكن قبيحا بدلالة إجماع المسلمين على حسن ما تضمنته في كلّ فعل لم يكن قبيحاً.

٤٥

_________________________________________________

وقد تدخل الاستثناء في الكلام ويراد به التسهيل والأقدار والتخلية والبقاء على ما هو عليه من الأحوال ، وهذا هو المراد إذا دخل في المباحات.

وهذا الوجه يمكن في الآية ، وقد يدخل إستثناء المشيّة في الكلام وإن لم يرد به شيء من المتقدّم ذكره ، بل يكون الغرض الانقطاع إلى الله من غير أن يقصد به إلى شيء من هذه الوجوه ، ويكون هذا الاستثناء أيضاً غير معتدّ به في كونه كاذباً أو صادقاً لأنّه في الحكم كأنّه قال : لا فعلن كذا إن وصلت إلى مرادي مع انقطاعي إلى الله وإظهاري الحاجة إليه.

وهذا الوجه أيضاً يمكن في الآية ومتى تؤمّل جملة ما ذكرناه من الكلام عرف به الجواب عن المسألة الّتي يسأل عنها من يذهب إلى خلاف العدل من قولهم : لو كان الله تعالى إنّما يريد الطاعات من الأعمال دون المعاصي لوجب إذا قال الذي عليه الدين وطالبه به : والله لأعطينك حقّك غداً إن شاء الله ، أن يكون كاذباً أو حانثاً إذا لم يفعل لأنّ الله قد شاء ذلك منه عندكم وإن كان لم يقع ، ولكان يجب أن تلزمه به الكفّارة وأن لا يؤثّر هذا الاستثناء في يمينه ، ولا يخرجه من كونه حانثاً كما أنّه لو قال : والله لأعطينّك حقّك إن قام زيد فقام ولم يعطه فيكون حانثاً ، وفي التزام هذا الحنث خروج عن الإجماع « انتهى » وسيأتي تمام الكلام فيه في الاستثناء بالمشيّة إن شاء الله.

وأقول : قد أطبق الأصحاب على أنّه يجوز للحالف الاستثناء في يمينه بمشية الله ، والمشهور أنّه يقتضي عدم انعقاد اليمين ، وفصّل العلّامة في القواعد فحكم بانعقاد اليمين مع الاستثناء إن كان المحلوف عليه واجباً أو مندوباً وإلّا فلا ، ومستند المشهور وإن كان ضعيفاً لكنه منجبر بالشهرة بين الأمة ، وأيضاً ظاهراً لأكثر عدم الفرق بين قصد التعليق والتبرّك ، وربّما يقصر الحكم على التعليق ، وأيضاً المشهور أن الاستثناء إنّما يكون باللفظ واستوجه في المختلف الاكتفاء بالنية وفيه نظر ،

٤٦

_________________________________________________

وورد في الأخبار جواز الاستثناء إلى أربعين يوماً ، ولعلّه في العمل بالسنّة لا التأثير في اليمين كما ذكره الطبرسي وسيأتي الكلام في جميع ذلك إن شاء الله.

ولا يبعد جريان جميع تلك الأحكام هنا بتقريب ما مرّ وكما يظهر من كلام السيّدرضي‌الله‌عنه ، وكما يومئ إليه الخبر : الأوّل : من تشبيهه بالنذر ، الثاني : ما إذا كان الأمر الموعود حراماً ، فإنّه لا ريب في عدم جواز الوفاء به ووجوب الخلف. الثالث : إذا كان الأمر الموعود مرجوحاً ديناً أو دنيا فإنّه لا يبعد جواز الخلف فيه ، فإن اليمين والنذر والعهد مع كونها عدَّة مؤكدة مع الله وعهداً موثقاً مقروناً باسمه سبّحانه يجوز مخالفته فهذا يجوز الخلف فيه بطريق أولى ، وأيضاً يشمل تلك الأخبار ما يتضمّن عدَّة لمؤمن أو مؤمنة ، وقد ورد في أخبار كثيرة إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها ، وفي بعضها إذا حلف الرّجل على شيء والذي حلف عليه إتيانه خيراً من يمينك فدعها ، وفي بعضها إذا حلف الرّجل على شيء والذي حلف عليه إتيانه خير من تركه فليأت الذي هو خير ولا كفّارة عليه ، وفي خبر آخر من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فأتى ذلك فهو كفّارة يمينه وله حسنة ، فعلى هذا لو وعده فيما فعله مكروه أو خلافه مستحب يجوز له الخلف ، وإمّا إذا كان خلافه راجحاً بحسب الدّنيا ، فإن تضمّن ضرراً بدنيّا بالنسبّة إلى الواعد أو غيره من المؤمنين أو هتك عرض له بينا بالنسبّة إلى الواعد فيجوز الخلف فيه ، بل يجب في بعض الصور وإن تضمّن ضرراً مالياً قليلاً لا يضّر بحال الواعد ، فالظاهر عدم جواز الخلف على تقدير الوجوب وإلّا يلزم أن لا يجب الوفاء في الوعد بالمال أصلاً.

نعم إذا تضمّن تفويت مال بغير جهة شرعية كالسرقة والغصب وفوت الغريم ونحو ذلك ، فلا يبعد القول بالجواز كما جوزوا قطع الصلاة الواجبة له ، بل جوز بعض الأصحاب ترك الحج أيضاً لذلك ، وجوزوا لذلك التيمم وترك طلب الماء للطهارة.

٤٧

_________________________________________________

الرابع : ما كان فعله راجحاً ديناً بحيث لا يصل إلى حدّ الوجوب ومرجوحاً دنيا هل يجوز الخلف فيه؟ ظاهراً لأصحاب عدم جواز الخلف في اليمين ، ويظهر من كثير من الأخبار الجواز كقول أبي عبد اللهعليه‌السلام في صحيحة زرارة : كلـمّا كان لك منفعة في أمر دين أو دنيا فلا حنث عليك ، وقول أبي جعفرعليه‌السلام في موثقة زرارة : كلّ يمين حلفت عليها لك فيها منفعة في أمر دين أو دنيا فلا شيء عليك فيها ، وإنما تقع عليك الكفّارة فيما حلفت عليه فيما لله فيه معصية أن لا تفعله ثمّ تفعله ، وفي الحسن كالصحيح عن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أي شيء لا نذر في معصية؟ قال : فقال : كلّ ما كان لك فيه منفعة في دين أو دنيا فلا حنث عليك فيه ، فإذا كان في اليمين والنذر كذلك ففي الوعد كذلك ، بتقريب ما مرّ مع ما ورد في الخبر من تشبيهه بالنذر.

الخامس : ما كان مباحاً متساوي الطرفين فالمشهور في اليمين الانعقاد ، وفي النذر عدمه ، وظاهر كثير من الأخبار أنّ اليمين أيضاً لا ينعقد كما روي عن زرارة أنه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام : أي شيء الذي فيه الكفّارة من الأيمان؟ فقال : ما حلفت عليه ممّا فيه البر فعليك الكفّارة إذا لم تف به ، وما حلفت عليه ممّا فيه المعصية فليس عليك فيه الكفّارة إذا لم تف به ، وما حلفت عليه ممّا فيه المعصية فليس عليك فيه الكفّارة إذا رجعت عنه ، وما كان سوى ذلك ممّا ليس فيه بر ولا معصية فليس بشيء ، وقد ورد مثله بأسانيد جمة فالظاهر بتقريب ما مرّ عدم الوجوب في الوعد ، ويدلّ عليه أيضاً تسميته نذراً في الخبر الأوّل ، إذ قولهعليه‌السلام : نذر ، الظاهر أن المراد به النذر الشرعي لا اللغوي لقوله : لا كفّارة ، فلـمّا لم يكن نذراً شرعياً فالغرض التشبيه به في الاشتراك في الأحكام ، وقوله : لا كفّارة له ، بمنزلة الاستثناء إذ هو بقوّة إلّا أنّه لا كفّارة له ، كما هو الظاهر من السياق ، والاستثناء دليل العموم ، فالكلام في قوّة أنه بحكم النذر ، ومشترك معه في الأحكام إلّا في

٤٨

_________________________________________________

الكفارة ، فيجري فيه أحكام النذر.

السّادس : أنّه لا حكم له مع عدم القصد كالنذر واليمين.

السّابع : أنّه لا حكم له مع الجبر والإكراه والتقية ، وحفظ عرض مؤمن أو ماله أو دمه ، وكلـمّا يجوز فيه اليمين ، وينحلّ به النذر كلّ ذلك بتقريب ما مرّ ، ووجوه أخرى لا تخفى.

الثامن : أنّ النيّة فيه على قصد الحقّ والعبرة به كاليمين.

التاسع : وعد الأهل كما مرّ في باب الكذب عن عيسى بن حسّان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام حيث قال : كلّ كذب مسئول عنه صاحبه يوماً إلّا كذباً في ثلاثة ، إلى أن قال : أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتم لهم ، ويمكن أن يستدلّ به على السادس والثامن ، وقد مرّ الكلام في تسميته كذباً ، ولو حمل على الحقيقة ، وقيل : بأن قبحه للكذب فأخبار جواز الكذب للمصلحة كثيرة ، وقد سبّق بعضها ، والخبر يومئ إلى جواز الخلف لقليل من المصالح الدنيويّة ، فكيف الدينية.

ثمّ اعلم أن كلـمّا ذكرنا فإنّما هو في الوعد ، وأمّا الوعيد فلا ريب في حسن الخلف فيه عقلا ونقلا كما مرّ بعض الكلام فيه في وعيد الله سبحانه ، والأخبار الدالّة على الوجوب أو الرجحان إنما هي في الوعد لا الوعيد ، والخبر الأوّل أيضاً ورد بلفظ العدَّة وقد مرّ في كلام الجوهري أنها في الوعد بالخير ، والخبر الثاني ظاهر والأخبار الواردة بحسن العفو عن الوعيد قولاً وفعلا عن أئمة الهدىعليهم‌السلام أكثر من أن تحصى.

واعلم أيضاً أنّ الوعد على تقدير القول بوجوب الوفاء به الظاهر أنّه لا يوجب شغل ذمّة للواعد ولا حقّاً لازماً للموعود له يمكنه الاستعداء به والأخذ منه قهراً ، بل الأظهر عندي في اليمين أيضاً كذلك ، بل حقّ لله عليه يلزمه الوفاء به ، وبهذا يظهر الفرق بين ما إذا كان في ضمّن عقد لازم أو لم يكن ، ويمكن حمل كلام بعض

٤٩

( باب )

( من حجب أخاه المؤمن )

١ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن حسّان وعدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد جميعاً ، عن محمّد بن عليُّ ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضل بن عمرّ قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أيّما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله عزَّ وجلّ

_________________________________________________

الأصحاب حيث حكموا بالفرق على هذا الوجه أيضاً وإن كان بعيداً ، والله تعالى يعلم حقائق الأحكام وحججه الكرام عليهم الصّلاة والسّلام.

وقد أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنّه ممّا يعمُّ به البلوى ، ولم أر من الأصحاب من تصدّى لتحقيقه ، وفي بالي إن وفّقني الله تعالى أن أكتب فيه رسالة مفردة والله الموفّق.

باب من حجب أخاه المؤمن

الحديث الأول : ضعيف.

« كان بينه وبين مؤمن حجاب » أي مانع من الدخول عليه إمّا باغلاق الباب دونه أو إقامة بوّاب على بابه يمنعه من الدخول عليه ، وقال الراغب : الضرب إيقاع شيء على شيء ، ولتصوّر اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها كضرب الشيء باليد والعصا ونحوهما ، وضرب الأرض بالمطر ، وضرب الدّراهم اعتباراً بضربّه بالمطرقة ، وقيل له الطبع اعتباراً بتأثير السكة فيه ، وضرب الخيمة لضرب أوتادها بالمطرقة وتشبيها بضرب الخيمة قال : «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ »(١) أي التحفتهم الذلة التحاف الخيمة لمن ضربت عليه ومنه أستعير : «فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ »(٢) وقال : «فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ »(٣) إلى آخر ما قال في ذلك.

______________________

(١) سورة آل عمران : ١١٢.

(٢) سورة الكهف : ١١.

(٣) سورة الحديد : ١٣.

٥٠

بينه وبين الجنّة سبّعيّن ألف سور ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام.

٢ - عليُّ بن محمّد ، عن محمّد بن جمهور ، عن أحمد بن الحسين ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن محمّد ، عن محمّد بن سنان قال كنت عند الرضا صلوات الله عليه فقال لي يا محمّد إنه كان في زمن بني إسرائيل أربعة نفر من المؤمنين فأتى واحدّ منهم الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم فقرع الباب فخرج إليه الغلام فقال أين مولاك فقال ليس هو في البيت فرجع الرّجل ودخل الغلام إلى مولاه فقال له من كان الذي قرع الباب قال كان فلأنّ فقلت له لست في المنزل فسكت ولم يكترث

_________________________________________________

« مسيرة ألف عام » أي من أعوام الدّنيا ، ويحتمل عام الآخرة ، ثمّ الظاهر منه إرادة هذا العدد حقيقة ، ويمكن حمله على المجاز والمبالغة في بعده عن الرحمة والجنّة ، أو على أنه لا يدخلها إلّا بعد زمان طويل تقطع فيه تلك المسافة البعيدة ، وعلى التقادير لعلّه محمول على ما إذا كان الاحتجاب للتكبّر والاستهانة بالمؤمن وتحقيره ، وعدم الاعتناء بشأنه لأنه معلوم أنه لا بد للمرء من ساعات في اليوم والليلة يشتغل فيها الإنسان بأصلاًح أمور نفسه ومعاشه ومعاده ، لا سيّما العلماء لاضطرارهم إلى المطالعة والتفكر في المسائل الدينيّة وجمعها وتأليفها وتنقيحها ، وجمع الأخبار وشرحها وتصحيحها وغير ذلك من الأمور الّتي لا بد لهم من الخوض فيها والاعتزال عن الناس والتخلي في مكان لا يشغله عنها أحدّ ، والأدلة في مدح العزلة والمعاشرة متعارضة وسيأتي تحقيقها إنشاء الله ، وقد يقال المراد بالجنّة جنة معينة يدخل فيها من لم يحجب المؤمن.

الحديث الثاني : ضعيف.

« كان فلان » قيل : كان تامّة أو فلان كناية عن اسم غير منصرف كأحمد ، وأقول : يحتمل تقدير الخبر أي كان فلان قارع الباب ، وفي القاموس : ما اكترث له ما أبالي به.

٥١

ولم يلم غلامه ولا اغتمَّ أحدٌ منهم لرجوعه عن الباب وأقبلوا في حديثهم فلـمّا كان من الغد بكّر إليهم الرَّجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة لبعضهم فسلّم عليهم وقال أنا معكم فقالوا له نعم ولم يعتذروا إليه وكان الرّجل محتاجا ضعيف الحال فلـمّا كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلتهم فظنوا أنه مطر فبادروا فلـمّا استوت الغمامة على رءوسهم إذا مناد ينادي من جوف الغمامة أيتها النار خذيهم وأنا جبرئيل رسول الله فإذا نار من جوف الغمامة قد اختطفت الثلاثة النفر وبقي الرّجل مرعوباً يعجب ممّا نزل بالقوم ولا يدري ما السبب ؟ فرجع إلى المدينة فلقي يوشع بن نونعليه‌السلام فأخبره الخبر وما رأى وما سمع فقال يوشع بن نونعليه‌السلام إمّا علمت أن الله سخط عليهم بعد أن كان عنهم راضيا وذلك بفعلهم بك فقال وما فعلهم بي فحدَّثه يوشع فقال الرّجل فأنا أجعلهم في حل وأعفو عنهم قال لو كان هذا قبل لنفعهم

_________________________________________________

« فلـمّا كان من الغد » قيل : كان تامّة والمستتر راجع إلى أمر الدهر ومن بمعنى في ، وفي القاموس : بكر عليه وإليه وفيه بكوراً وبكر وابتكر وأبكر وباكره أتاه بكرة ، وكلّ من بادر إلى شيء فقد أبكر إليه في أي وقت كان ، وقال : الضيعة العقار والأرض المغلة.

« ولم يعتذروا إليه » ربما يفهم منه أنّه عرف أنّهم كانوا في البيت ولم يأذنوا له ، وفيه نظر بل الظاهر من آخر الخبر خلافه ، ويدلّ على أنه لو صدر عن أحدّ مثل هذه البادرة كان عليه أن يبادر إلى الاعتذار وأنه مع رضاه يسقط عنهم الوزر.

« ضعيف الحال » أي قليل المال « قد أظلّتهم » أي قربت منهم ، أو الشمس لـمّا كانت في جانب المشرق وقعت ظلّها عليهم قبل أن تحاذي رؤوسهم « فظنوا أنه » أي سبّب حدوث الغمامة « مطر ، فبادروا » ليصلوا إلى الضيعة قبل نزول المطر ، و النفر لـمّا كان في معنى الجمع جعل تميزا للثلاثة « وإمّا السّاعة فلا » أي لا ينفعهم ليردوا إلى الدّنيا « وعسى أن ينفعهم » أي في البرزخ والقيامة.

٥٢

فأمّا الساعة فلا وعسى أن ينفعهم من بعد.

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بكر بن صالح ، عن محمّد بن سنان ، عن مفضل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أيّما مؤمن كان بينه وبين مؤمن حجاب ضرب الله بينه وبين الجنّة سبّعيّن ألف سور غلظ كلّ سور مسيرة ألف عام ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام.

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قلت له جعلت فداك ما تقول في مسلم أتى مسلـماً زائراً [ أو طالب حاجة ] وهو في منزله فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه قال يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلـماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن له ولم يخرج إليه لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا فقلت جعلت فداك في لعنة الله حتّى يلتقيا ؟ قال : نعم يا أبا حمزة.

_________________________________________________

الحديث الثالث : ضعيف ، وقد مرّ مثله إلّا أنه لم يكن فيه « غلظ السور ».

الحديث الرابع : مجهول.

« أيّما مسلم » قيل : أيّ مبتدأ وما زائدة بين المضاف والمضاف إليه ، وأتى مسلـماً خبره ، والجملة شرطيّة وجملة لم يزل جزائيّة ، والضمير راجع إلى المسلم الثاني ، ولو كان أتي صفة ولم يزل خبراً لم يكن للمبتداء عائداً ، ولعلّ المراد بالالتقاء الاعتذار أو معه وهو محمول على ما مرّ من عدم العذر أو الاستخفاف.

٥٣

( باب )

( من استعان به أخوه فلم يعنه )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد وأبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن حسّان ، عن محمّد بن عليُّ ، عن سعدان ، عن حسين بن أمين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته [ إلّا ] ابتلي بمعونة من يأثمّ عليه ولا يؤجر.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أيّما رجل من شيعتنا أتى رجلاً من إخوانه

_________________________________________________

باب من استعان به أخوه فلم يعنه

الحديث الأول : ضعيف.

وقوله : والقيام إمّا عطف تفسير للمعونة ، أو المراد بالمعونة ما كان من عند نفسه ، وبالقيام ما كان من غيره « إلّا ابتلي » كذا في أكثر النسخ ، فكلمة إلّا إمّا زائدة أو المستثنى منه مقدر أي ما فعل ذلك إلّا ابتلي ، وقيل : من للاستفهام الإنكاري ، وفي بعض النسخ ابتلي بدون كلمة إلّا موافقاً لـمّا في المحاسن وثواب الأعمال وهو أظهر ، وضمير عليه راجع إلى من بتقدير مضاف أي على معونته ، وفاعل يأثمّ راجع إلى من بخل ، ويحتمل أن يكون راجعاً إلى من في من يأثمّ ، وضمير عليه للباخل ، والتعدية بعلى لتضمين معنى القهر ، أو على بمعنى في أي بمعونة ظالم يأخذ منه قهراً وظلـمّا ، ويعاقب على ذلك الظلم و قوله : ولا يؤجر أي الباخل على ذلك الظلم لأنه عقوبة ، وعلى الأوّل قوله : ولا يؤجر إمّا تأكيد أو لدفع توهّم أن يكون آثما من جهة ومأجوراً من أخرى.

الحديث الثاني : صحيح.

٥٤

فاستعان به في حاجته فلم يعنه وهو يقدر إلّا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا ، يعذّبه الله عليها يوم القيامة.

٣ - أبو عليّ الأشعريّ ، عن محمّد بن حسّان ، عن محمّد بن أسلم ، عن الخطّاب بن مصعب ، عن سدير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لم يدع رجل معونة أخيه المسلم حتّى يسعى فيها ويواسيه إلّا ابتلي بمعونة من يأثمّ ولا يؤجر.

٤ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله ، عن عليُّ بن جعفر ، عن [ أخيه ] أبي الحسنعليه‌السلام قال سمعته يقول من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عزّ وجلّ.

_________________________________________________

والاستثناء يحتمل الوجوه الثلاثة المتقدمة ، و قوله : يعذّبه الله صفة حوائج وضمير عليها راجع إلى الحوائج ، والمضاف محذوف ، أي عليُّ قضائها ، ويدلّ على تحريم قضاء حوائج المخالفين ، ويمكن حمله على النواصب أو على غير المستضعفين جمعاً بين الأخبار وحمله على الإعانة في المحرّم بأن يكون يعذّبه الله قيداً احترازيّاً بعيد.

الحديث الثالث : ضعيف.

« حتّى يسعى » متعلّق بالمعونة فهو من تتمّة مفعول يدع ، والضمير في يأثمّ راجع إلى الرّجل ، والعائد إلى من محذوف ، أي على معونته.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« مستجيراً به » أي لدفع ظلم أو لقضاء حاجة ضروريّة « فقد قطع ولاية الله » أي محبّته لله أو محبّة الله له أو نصرة الله له أو نصرته لله ، أو كناية عن سلب إيمانه فإن الله ولّي الذين آمنوا ، والحاصل أنّه لا يتولّى الله أموره ولا يهديه بالهدايات الخاصّة ولا يعينه ولا ينصره.

٥٥

( باب )

( من منع مؤمناً شيئاً من عنده أو من عند غيره )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وأبو عليُّ الأشعري ، عن محمّد بن حسّان جميعاً ، عن محمّد بن عليُّ ، عن محمّد بن سنان ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أيّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره أقامه الله يوم القيامة مسودّاً وجهه مزرقة عيناه مغلولة يداه

_________________________________________________

باب من منع مؤمناً شيئاً من عنده أو من عند غيره

الحديث الأول : ضعيف.

« مزرقة عيناه » بضمّ الميم وسكون الزاي وتشديد القاف من باب الأفعال من الزرقة ، وكأنّه إشارة إلى قوله تعالى : «وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً »(١) وقال البيضاوي : أي زرق العيون وصفوا بذلك لأنّ الزرقة أسوأ ألوان العيّن وأبغضها إلى العرب ، لأنّ الروم كانوا أعدى أعدائهم وهم زرق ، ولذلك قالوا في صفة العدوّ أسود الكبد أصهب السبّال أزرق العيّن أو عمياء ، فإن حدقة الأعمى تزرق ، انتهى.

وقال في غريب القرآن : «يَوْمَئِذٍ زُرْقاً » لأنّ أعينهم تزرق من شدة العطش ، وقال الطيبي فيه : أسودان أزرقان ، أراد سوء منظرهما وزرقه أعينهما والزرقة أبغض الألوان إلى العرب ، لأنها لون أعدائهم الروم ، ويحتمل إرادة قبح المنظر وفظاعة الصورة ، انتهى.

وقيل : لشدّة الدهشة والخوف تنقلب عينه ولا يرى شيئاً ، وإلى في قوله إلى عنقه بمعنى مع ، أو ضمّن معنى الانضمام ، ويدلّ على وجوب قضاء حاجة المؤمن

______________________

(١) سورة طه : ١٠٢.

٥٦

إلى عنقه فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثمَّ يؤمر به إلى النار.

٢ - ابن سنان ، عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام يا يونس من حبس حقّ المؤمن أقامه الله عزّ وجلّ يوم القيامة خمسمائة عام على رجليه حتّى يسيل عرقه أو دمه وينادي مناد من عند الله هذا الظالم الذي حبس عن الله حقه قال فيوبخ أربعين يوماً ثمّ يؤمرّ به إلى النار.

٣ - محمّد بن سنان ، عن مفضل بن عمرّ قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من كانت له دار فاحتاج مؤمن إلى سكناها فمنعه إيّاها قال الله عزّ وجلّ يا ملائكتي أبخل عبدي على عبدي بسكنّى الدار الدّنيا وعزتي وجلالي لا يسكن جناني أبداً.

_________________________________________________

مع القدرة ، وربّما يحمل على ما إذا منعه لإيمانه أو استخفافاً به وكان المراد بالمؤمن المؤمن الكامل.

الحديث الثاني : كالأول.

والمراد بحقّ المؤمن الديون والحقوق اللازمة أو الأعمّ منها وممّا يلزمه أداؤه من جهة الإيمان على سياق سائر الأخبار « خمسمائة عام » أي مقدارها من أعوام الدّنيا « أودية » في بعض النسخ أو دمه فالترديد من الراوي ، وقيل أو للتقسيم أي إن كان ظلمه قليلاً يسيل عرقه وإن كان كثيراً يسيل دمه والموبخ المؤمنون أو الملائكة أو الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام أو الأعمّ ، وفيه دلالة على أن حقّ المؤمن حقّ الله عزّ وجلّ لكمال قربّه منه أو لأمره تعالى به.

الحديث الثالث : كالسابق.

وظاهر هذه الأخبار وجوب إعانة المؤمنين بكلّ ما يقدر عليه وإسكانهم وغير ذلك ممّا لم يقل بوجوبه أحدّ من الأصحاب ، بل ظاهرها كون تركها من الكبائر وهو حرج عظيم ينافي الشريعة السمحة ، وقد يأوّل بكون المنع من أجل الإيمان فيكون كافراً ، أو على ما إذا وصل اضطرارا المؤمن حدا خيف عليه التلف

٥٧

٤ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن أحمد بن محمّد بن عبد الله ، عن عليُّ بن جعفر قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من الله عزّ وجلّ ساقها إليه فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصولٌ بولاية الله عزّ وجلّ وإن رده عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة مغفور له أو معذَّب ، فإن عذره الطالب كان أسوء حالاً قال وسمعته يقول من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله تبارك وتعالى.

_________________________________________________

أو الضرر العظيم الذي تجب إعانته عنده ، أو يراد بالجنان جنّات معيّنة لا يدخلها إلّا المقربون.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

وقد مرّ سنداً ومتناً في باب قضاء حاجة المؤمن إلى قوله : كان أسوأ حإلّا إلّا أن فيه : مغفورا له أو معذبا ، ومضى ما بعده في الباب السّابق ، نقول زائدا على ما مضى أن قوله : فقد وصله بولايتنا ، يحتمل أن يكون المراد أنّه وصل ذلك الفعل بولايتنا ، أي جعله سبّبا لولايتنا وحبنا له ، وهو أي الفعل أو الولاية بتأويل سبّب لولاية الله ، ويمكن أن يكون ضمير الفاعل في وصل راجعاً إلى الفعل ، والمفعول إلى الرّجل أي وصل ذلك الفعل الرّجل الفاعل له بولايتنا « كان أسوء حإلّا » أي المطلوب أو الطالب كما مرّ والأوّل أظهر ، فالمراد بقوله عذره ، قبل عذره الذي اعتذر به ، ولا أصل له.

وكون حال المطلوب حينئذ أسوء ظاهر ، لأنّه صدّقة فيما ادعى كذباً ولم يقابله بتكذيب وإنكار يستخفّ وزره ، وإمّا على الثاني فقيل كونه أسوء لتصديق الكاذب ولتركه النهي عن المنكر ، والأولى أن يحمل على ما إذا فعل ذلك للطمع وذلة النفس لا للقربة وفضل العفو.

٥٨

( باب )

( من أخاف مؤمناً )

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن عيسى ، عن الأنصاري ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزّ وجلّ يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه.

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي إسحاق الخفاف ، عن بعض الكوفّيين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من روَّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار ومن روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل

_________________________________________________

باب من أخاف مؤمنا ً

الحديث الأول : مجهول ، ولو كان عبد الغفار بن القاسم الثقة فالحديث صحيح.

« يوم لا ظلّ إلّا ظله » أي إلّا ظلّ عرشه والمراد بالظل الكنف أي لا ملجأ ولا مفزع إلّا إليه ، قال الراغب : الظل ضد الضح وهو أعمّ من الفيء ، ويعبر بالظل عن العزة والمناعة وعن الرفاهة ، قال تعالى : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ »(١) أي في عزة ومناعة ، وأظلني فلان أي حرسني ، وجعلني في ظله أي في عزه ومناعته «وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً »(٢) كناية عن غضارة العيش.

الحديث الثاني : مجهول.

« ليصيبه منه » أي من السّلطان « مكروه » أي ضرر يكرهه « فلم يصبه » « فهو في النار » أي يستحقّها أي لم يعف عنه ، و الروع : الفزع ، والترويع : التخويف

______________________

(١) سورة المرسلات : ٤١.

(٢) سورة النساء : ٥٧.

٥٩

فرعون في النّار.

٣ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّ وجلّ يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه: آيسٌ من رحمتي.

( باب النميمة )

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أنبّئكم بشراركم ؟ قالوا بلى يا رسول الله ، قال المشّاؤون بالنميمة المفرِّقون بين الأحبة الباغون

_________________________________________________

« في النار » قيل أي في نار البرزخ ، حيث قال : «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشدّ الْعَذابِ »(١) .

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

وقال في النهاية : الشطر النصف ، ومنه الحديث : من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة ، قيل هو أن يقول : اق في اقتل ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كفى بالسّيف شا ، يريد شاهداً وفي القاموس : الشطر نصف الشيء وجزؤه ، وأقول : يحتمل أن يكون كناية عن قلّة الكلام أو كان يقول نعم مثلاً في جواب من قال أقتل زيداً؟ وكان بين العينين كناية عن الجبهة.

باب النميمة

الحديث الأول : صحيح.

« المشّاؤون بالنميمة » إشارة إلى قوله تعالى : «وَلا تُطِعْ كلّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ ، هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ معتدّ أَثِيمٍ ، عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ »(٢) قال البيضاوي

______________________

(١) سورة غافر : ٤٦.

(٢) سورة القلم : ١٠ - ١٣.

٦٠