مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 594
المشاهدات: 44718
تحميل: 6429


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44718 / تحميل: 6429
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 12

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

_________________________________________________

بتأويل ، وقيل : صلاة الله رحمته ومن الملائكة طلب رحمته.

ويدلّ على الأوّل ما رواه أبو بصير قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن هذه الآية؟ فقلت : كيف صلاة الله على رسوله؟ فقال : يا أبا محمّد تزكيته له في السماوات العلى ، فقلت : قد عرفت صلاتنا عليه فكيف التسليم؟ فقال : هو التسليم له في الأمور وأمرنا بالصّلاة عليه أمرّ بقول : اللّهم صلّى على محمّد وآل محمّد.

وقال صاحب الكنز : الصّلاة وإن كانت من الله الرحمة المراد بها الاعتناء بإظهار شرفه ورفعة شأنّه ، ومن هنا قال بعضهم : تشريف الله محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : « إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أبلغ من تشريف آدم بالسجود له والتسليم ، قيل : المراد به التسليم بمعنى الانقياد له ، كما في قوله :( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً ممّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (١) وقيل : هو قولهم السلام عليك أيّها النبيّ قاله الزمخشري والقاضي في تفسير بهما ، وذكره الشيخ في تبيانه وهو الحق لقضية العطف ، ولأنّه المتبادر إلى الفهم عرفا ، ولرواية كعب المتقدمة وغيرها.

ثمَّ قال : استدلّ بعض شيوخنا على وجوب التسليم المخرج من الصّلاة بما تقريره شيء من التسليم واجب ، ولا شيء منه في غير الصّلاة بواجب ، فيكون وجوبه في الصّلاة وهو المطلوب ، أما الصغرى فلقوله : « سَلِّمُوا » الدال على الوجوب ، وأمّا الكبرى فللإجماع : وفيه نظر لجواز كونه بمعنى الانقياد كما تقدم ، سلمنا لكنه سلام على النبيّ ، لسياق الكلام ، وقضية العطف ، وأنتم لا تقولون أنّه المخرج من الصّلاة بل المخرج غيره.

واستدلّ بعض شيوخنا المعاصرين على أنّه يجبّ إضافة السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته إلى الأخير بما تقريره السلام على النبيّ واجب ، ولا

____________________

(١) النساء : ٦٥.

١٢١

_________________________________________________

شيء منه في غير التشهد الأخير بواجب ، ينتج أنّه فيه واجب ، وبيان المقدمتين تقدم.

قيل عليه : أنّه خرق للإجماع لنقل العلّامة الإجماع على استحبابه ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يعلمه الأعرابي في كيفيّة التشهّد ، ولا هو في حديث حمّاد في صفة الصّلاة عن الصادقعليه‌السلام فلو وجب لزم تأخّر البيان عن وقت الحاجة وهو باطل اتفاقاً ، ولضبط الأصحاب الواجبات في الصّلاة ولم يعدوه فيها ، ولعدم دلالة الآية عليه صريحا ، ولو دلت لم تدلّ ، على الفورية ، ولا على التكرار ، ولا على كونه في الصّلاة ، ولا على كونه آخرها ، ولا على كونه بصيغة مخصوصة.

ويمكن الجواب عن الأوّل بمنع الإجماع على عدم وجوبه ، والإجماع المنقول على شرعيته وراجحيته وهو أعم من الوجوب والندب.

وعن الثاني والثالث بأن عدم النقل لا يدلّ على العدم ، مع أن حديث حمّاد ليس فيه إشعار بالعبارة المتنازع فيها بالوجوب وجودا وعدما ، مع إمكان الدخول في التشهد لأنّه قال : فلـمّا فرغ من التشهد سلم.

وعن الرابع بأنّه معارض بوجوب التسليم المخرج عن الصّلاة ، فإن كثيراً من الأصحاب لم يعدّه من الواجبات ، مع الفتوى بوجوبه.

وعن الخامس قد بينا فيما تقدم أن سياق الكلام وقضية العطف تدلّ على أن المراد السلام على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وعن السادس بأن الفورية والتكرار استفيداً من خارج الآية ، وهو أنّه لـمّا ثبت كونه جزءا من الصّلاة فكلّ ما دل على فوريتها وتكرارها يدلّ على فوريته وتكراره تضمناً.

وعن السابع والثامن والتاسع بما تقرر في بيان الكبرى إذ لا قائل بالوجوب في غير الصّلاة ولا في غير التشهد الأخير ، ولا بغير الصيغة.

١٢٢

_________________________________________________

وبالجملة الذي يغلب على ظنّي الوجوب ويؤيّده ما رواه أبو بصير عن الصّادقعليه‌السلام قال : إذا كنت إماماً فإنّما التسليم أن تسلم على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وأيضاً رواية الشيخ في التهذيب عن أبي كهمش عن الصادقعليه‌السلام قال : سألته إذا جلست للتشهد فقلت وأنا جالس السّلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته انصراف هو؟ قال : لا ، ولكن إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو انصراف ، وهي ظاهرة في أنّه من التشهد ، والإجماع حاصل منّا على وجوبه.

وعن الحلبيّ عن الصادقعليه‌السلام قال : كلـمّا ذكرت الله والنبيّ فهو من الصّلاة ودلّت الآية على الوجوب ، فيكون الواجب فيها وهو المطلوب ، انتهى كلامهقدس‌سره .

ومن الغرائب أنّ بعض من كان في عصرنا كان يقول بتحريم هذا السّلام في الصّلاة وأنّه مبطل لها ، وهما قد أبعدا في الإفراط والتفريط والحقّ استحبابه ، وقد دلت الأخبار المعتبرة المنقولة عن أهل البيتعليهم‌السلام تعقيب الصّلاة عليهم بالسّلام ، بل هو من شعار المخالفين حيث تركوا الصّلاة على الآل في غير الصّلاة وأردفوها بالتسليم وقالواصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٢٣

(باب)

(ما يجب من ذكر الله عزَّ وجلَّ في كلّ مجلس)

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن خلف بن حمّاد ، عن ربعي بن عبد الله بن الجارود الهذلي ، عن الفضيل بن يسار قال قال

_________________________________________________

باب ما يجب من ذكر الله في كلّ مجلس

كأنّ مراده الاستحباب المؤكّد وإن أمكن الاستدلال على الوجوب من بعض الأخبار.

الحديث الأول : صحيح.

وكونه حسرة لا يدلّ على الوجوب لأنّ ترك كلّ ما يوجب الأجر في الآخرة سبب للحسرة والندأمّة في القيامة ، والمراد بالذكر كلّ ما يصير سبباً لحظور الله سبحانه بالبال وإطاعة أو أمرّ الله وترك نواهيه ، وذكر أوامرّ الله سبحانه ونواهيه ، والتفكّر في كلّ ما يجوز التفكّر فيه من صفات الله سبحانه ومحامده ، وتذكّر جميع ذلك بالقلب واللّسان ، وذكر أصفياء الله من أنبيائه وحججه ، وذكر مناقبهم وفضائلهم ودلائل إمامتهم ، فقد ورد في الأخبار : إذا ذكر الله ، وإذا ذكر أعداؤنا ذكر الشّيطان كما سيأتي ، وذكر المعاد والحشرّ والحساب والصراط والميزان والجنّة والنار ، وذكر أحكام الله تعالى وما يدلّ عليها من الكتاب والسنة وحفظ آثار الرسول وأئمة الهدىعليهم‌السلام ونشرّ أخبارهم ، وجميع الطاعات والعبادات ، كلّ ذلك من ذكر الله إذا كان موافقاً لـمّا أمرّ الله به مع تصحيح النيّة عن الرياء والمراء أعاذنا الله وسائر المؤمنين منهما.

وأمّا العبادات المبتدعة والأذكار المخترعة وما لم يكن خالصاً لله ، فليس من ذكر الله في شيء لأنّ الله سبحانه يقول :( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) (١) ومعلوم أنّ

____________________

(١) البقرة : ١٥٢.

١٢٤

أبو عبد اللهعليه‌السلام : ما من مجلس يجتمع فيه أبرار وفجّار ، فيقومون على غير ذكر الله عزَّ وجلَّ إلّا كان حسرة عليهم يوم القيامة.

٢ - حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا الله عزَّ وجلَّ ولم يذكرونا إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة ثمَّ قال قال أبو جعفرعليه‌السلام إن ذكرنا من ذكر الله وذكر عدونا من ذكر الشيطان.

٣ - وبإسناده قال قال أبو جعفرعليه‌السلام من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى

_________________________________________________

تلك الأعمال ليست موجبة لذكر الله له بالرحمة بل هي أسباب للبعد من الله واستحقاق اللعنة ، والذكر هنا أعم من أن يكون بالقلب واللسان معا وهو أفضل أنواعه ، أو بالقلب فقط أو باللسان فقط ، وهذا أدونها وأضعفها وإن كان لا يخلو من فائدة.

الحديث الثاني : موثق.

قوله : ثمَّ قال أبو جعفر ، كذا في أكثر النسخ ، والظّاهر تكرار قال كما في بعض النسخ ، وعلى الأوّل يمكن أن يكون ثمَّ للترتيب المعنوي للاختلاف ظاهراً بين الكلامين ، فإن الأوّل يدلّ على المغايرة بين الذكرين ، واشتراط الأوّل بالثاني ، والثاني يدلّ على اتحادهما وإن كان بعد التأمل يظهر عدم الاختلاف ويحتمل أيضاً أن يكون السماع من الصّادق في حياة الباقرعليه‌السلام وقيل : الواو في قوله : ولم يذكرونا ، حاليّة إشارة إلى أن ذكر الله لا يتصور بدون ذكرنا ، وقال : ثمَّ قال كلام أبي بصير ، وكان الوالد والولدعليهما‌السلام حاضرين في المجلس ، فذكر الولدعليه‌السلام أولا الكلام السّابق ، ثمَّ ذكر الوالدعليه‌السلام ما قال توضيحاً لكلام الولد صلوات الله عليهما.

والحاصل أن من لم يعرفهم لم يعرف الله تعالى.

الحديث الثالث : كالسابق.

« إن يكتال » على بناء المعلوم ، قال في المصباح : كلت الزيد الطعام كيلاً

١٢٥

فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه : سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عمّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

_________________________________________________

من باب باع يتعدّى إلى مفعولين ، وتدخل اللام على المفعول الأوّل فيقال : كلت له الطّعام ، والاسم الكلية بالكسر ، والمكيال ما يكال به ، واكتلت منه وعليه إذا أخذت وتولّيت الكيل بنفسك يقال : كال الدّافع واكتال الآخذ ، انتهى.

والمعنى من أراد أن يأخذ الثواب من الله على الوجه الأكمل من غير نقص فليقرأ هذه الآية ، فهو كناية عن كثرة الثواب وعظمته وكأنّه على التمثيل ، واحتمل الحقيقة كما يوزن بالميزان في القيامة.

وروي في مجمع البيان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه : « سُبْحانَ رَبِّكَ » إلى قوله : « رَبِّ الْعالَمِينَ ».

وفي قرب الإسناد للحميري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقلّ في دبر كلّ صلاة سُبْحانَ رَبِّكَ « إلخ ».

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليكن آخر قوله : « سُبْحانَ رَبِّكَ » إلى قوله « رَبِّ الْعالَمِينَ » فإن له من كلّ مسلّم حسنة ، وروي أيضاً مرسلاً عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال : كفارات المجالس أن تقول عند قيامك وذكر الآيات الثلاث : سبحان ربّك ، قال الطبرسي (ره) : أي تنزيها لربك مالك العزة يعزَّ من يشاء من الأنبياء والأولياء ، لا يملك أحد إعزاز أحد سواه ، فسبحانه عمّا يصفونه ممّا لا يليق به من الصفات ، وهو قولهم باتخاذ الأولاد والشريك « وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ » أي سلام وأمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم ، وقيل : هو خبر معناه أمرّ أي سلموا عليهم كلّهم لا تفرقوا بينهم « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين وخالقهم ، والمنعم عليهم ، وأخلصوا له الثناء والحمد ، ولا تشركوا به أحدا فإن النعم

١٢٦

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مكتوب في التوراة الّتي لم تغيّر أن موسىعليه‌السلام سأل ربّه فقال يا ربّ أقريب أنت منّي فأناجيك أم بعيدٌ

_________________________________________________

كلّها منه.

وسيأتي في الروضة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال لرجل من أهل الشام : إن الله تعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا كان قبل عزه عزَّ ، وذلك قوله : «سُبْحانَ رَبِّكَ ربّ الْعِزَّةِ عمّا يَصِفُونَ ».

وروى الصدوق في التوحيد أنّه جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفرعليه‌السلام فسأله عن أوّل ما خلق الله فإن بعض من سألته قال القدرة ، وقال بعضهم : العلم ، وقال بعضهم : الروح؟ فقالعليه‌السلام : ما قالوا شيئاً أخبرك إن الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا عزَّ لأنّه كان قبل عزه ، وذلك قوله سبحانه : «سُبْحانَ رَبِّكَ ربّ الْعِزَّةِ عمّا يَصِفُونَ » وكان خالقا ولا مخلوق ، الخبر.

الحديث الرابع : صحيح.

« في التوراة الّتي لم تغيّر » يدلّ على أنّ التوراة الّتي في أيدي أهل الكتاب مغيرة محرفة ، وإن كتب الله كما أنزلت عندهمعليهم‌السلام كالقرآن المجيد « أقريب أنت مني » كان الغرض السؤال من آداب الدّعاء مع علمه بأنّه أقربّ إلينا من حبل الوريد بالعلم والقدرة والعلية أي أتحب أن أناجيك كما يناجي القريب أو أناديك كما ينادي البعيد؟ وبعبارة أخرى إذا نظرت إليك فأنت أقربّ من كلّ قريب ، وإذا نظرت إلى نفسي أجدني في غاية البعد عنك ، فلا أدري في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى حالك.

ويحتمل أن يكون السؤال للغير أو من قبلهم كسؤال الرؤية ، فإن أكثرهم كانوا مجسمة ولذا قالوا : « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ».

١٢٧

فأناديك فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلّا سترك فقال الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فأحبهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.

٥ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن حسين بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عزَّ وجلَّ ولم يصلّوا على نبيهم إلّا كان ذلك المجلس حسرة و وبالاً عليهم.

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بذكر الله وأنت تبول فإن ذكر الله

_________________________________________________

وقوله : « أنا جليس من ذكرني » أي أنا كالجليس في العلم بنجواهم فلا حاجة إلى رفع الصوت ، أو ينبغي أن يلاحظوا في الذكر جهة قربي وهو أنسب بأدب الدّعاء ، ويدلّ على أن الأنسب بالذكر الأسرار لا الإجهار ، إلّا أن يكون الغرض التذكير لا الذكر فقط كالأذان والخطبة ونحوهما ، فيرفع صوته بقدر الحاجة.

« من في سترك » أي تحت عرشكّ يوم لا ستر غيره أو يستر الله عيوبه « فأذكرهم » أي بالرحمة والمغفرة أو في الملإ الأعلى بالثناء الجميل« يتحابون » أي يحبون أو يظهرون حبّ كلّ منهم لصاحبه « في » أي حبهم خالص لي أو في رضاي وطاعتي إذا أردت » فيه استعارة تمثيلية ، أي وجودهم سبب لعدم إرادة عذابهم فكأني أردت عذابهم فصرفته عنهم لذكرهم.

الحديث الخامس : مجهول.

وفي القاموس الوبال الشدة والثقل.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ويدلّ على استحباب الذكر في حال الجنابة والخلاء وسائر الأحوال

١٢٨

عزَّ وجلَّ حسن على كلّ حال فلا تسأم من ذكر الله

٧ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسىعليه‌السلام يا موسىعليه‌السلام لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كلّ حال فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مكتوب في التوراة الّتي لم تغيّر أن موسى سأل ربّه فقال إلهي أنّه يأتي عليَّ مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى إن ذكري حسن على كلّ حال

٩ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال ، عن بعض أصحابه عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ لموسى أكثر ذكري بالّليل والنهار وكن عند ذكري خاشعاً وعند بلائي صابراً واطمئن عند

_________________________________________________

الخسيسة ، وربمّا يستدلّ به على جواز قراءة القرآن للجنب والحائض كما يأتي في محلّه إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع : كالسابق.

« فإنّ كثرة المال تنسى الذنوب ، لأنّ الإنسان يطغى إذا استغنى ، وكثرة المال موجبة لحسبه والغفلة عن ذنوبه ، بل يسول له الشّيطان أن وفور المال لقربّه من ربّه ، فلا يبالي بكثرة ذنوبه ، وترك الذكر على أي حال كان موجب لقساوة القلب وغلظته ، والقلب القاسي بعيد عن ربّه.

الحديث الثامن : صحيح بل هو تتمة للحديث الرابع كما لا يخفى.

« أن أذكرك » هو بتقدير من والظرف متعلّق بكلّ من أعزّك وأجلّك.

الحديث التاسع : مرسل.

« خاشعاً » أي مع التذلّل والمسكنة وحضور القلب ، قال الراغب : بخشوع

١٢٩

ذكري واعبدني ولا تشرك بي شيئاً ، إليَّ المصير ، يا موسى اجعلني ذخرك وضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات

_________________________________________________

الضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة أكثر ما يستعمل فيما يوجده في القلب ، ولذلك قيل في ما روي : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

« واطمئنّ عند ذكري » إشارة إلى قوله تعالى : « إلّا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » ومثله في الكتاب العزيز كثير ، قال الراغب : الطمأنينة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج ، قال تعالى :( وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ) (١) ( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٢) ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي ) (٣) وهي أن لا تصير أمارة بالسوء ، وقال : « إلّا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » تنبيها على أن بمعرفة الله والإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس المسؤول بقوله : « وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » وقوله تعالى :( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٤) وقال :( وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها ) (٥) .

وقال البيضاوي :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) (٦) أنا به واعتمادا عليه ورجاء منه ، أو بذكر رحمته بعد القلب من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات «إلّا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » تسكن إليه « ولا تُشْرِكْ بِي شيئاً » في العبادة أو الأعمّ إلى المصير في الآخرة أو في الدارين « اجعلني ذخرك » أي ما تدخره ليوم فاقتك في الدنيا والآخرة ، قال في المصباح : ذخرته ذخرا من باب نفع والاسم الذخر بالضم إذا أعددته ليوم الحاجة إليه وادخرت على افتعلت مثله فهو مذخور وذخيرة أيضاً.

« من الباقيات » إشارة إلى قوله تعالى : «الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا

____________________

(١) أنفال : ١٠. (٤) النحل : ١٠٦.

(٢) البقرة : ٢٦٠. (٥) يونس : ٧.

(٣) الفجر : ٢٧. (٦) الرعد : ٢٨.

١٣٠

١٠ - وبإسناده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ لموسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالّليل والنهار ولا تتبع الخطيئة في معدنها فتندم فإن الخطيئة موعد أهل النّار.

_________________________________________________

وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً » وقال البيضاوي : الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الخيرات الّتي تبقى ثمرتها أبد الآباد ويندرج فيها ما فسرت من الصلوات الخمس وأعمال الحجّ وصيام شهر رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر والكلام الطيب.

الحديث العاشر : كالسابق.

« اجعل لسانك من وراء قلبك » أي تأمل أو لا فيما أردت أن تتكلم به في حسنه وعاقبته ثمَّ تكلم فإنك إن فعلت ذلك سلمت عن الخطإ والندم ، أو لا تتكلم بشيء من التلاوة والذكر إلّا مع تعقل القلب وتذكره أو لا تقل شيئاً ليس في قلبك الإذعان به نفاقا أو قولا بغير علم.

وقوله : « ولا تتبع » إما بصيغة النهي الحاضر من باب علم أو من باب الافتعال أو الأفعال ، والموعد إما مصدر ميمي أو اسم مكان وإضافة الموعد أما إضافة إلى الفاعل أو المفعول كما قيل ، فالكلام يحتمل وجوها.

الأوّل : لا تجالس أهل الخطيئة الذين هم معدنها فتشرك معهم فتندم عليها ، فإن الخطيئة محل وعد أهل النّار ، فإنهم إنما يعدون ويجتمعون للاشتراك في الخطايا من الملاهي وأكلّ لحوم المؤمنين بالغيبة وذكر الدنيا وما يلهى عن الله ، وقيل : المراد أن عمدة الخطيئة الوعد مع الأشرار وأهل النّار.

الثاني : ما قيل : كان المراد بمعدن الخطيئة السفاهة والجهالة أو كلّ ما يتولد منه الخطايا والشرور كرذائل النفس وأهوائها ، وبالجملة نهي عن اتباع الخطيئة بالتحرّز عن الأصول المتولدة هي منها.

الثالث : أن يكون الغرض النهي عن حضور مواضع هي مظنة ارتكاب الخطيئة

١٣١

١١ - وبإسناده قال فيما ناجى الله به موسىعليه‌السلام قال يا موسى لا تنسني على كلّ حال فإنَّ نسياني يميت القلب.

١٢ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن غالب بن عثمان ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ يا ابن آدم اذكرني في ملاء أذكرك في ملاء خير من ملئك.

_________________________________________________

فإن الخطيئة موعد أهل النار في الآخرة أي عقابها ، والحاصل أنّ أهل النّار إنّما يدخلونها ويعدّون من أهلها لخطاياهم ، فمن شرك معهم في الخطيئة يدخل مدخلهم والأوّل أظهر.

الحديث الحاديعشر : كالسابق.

وكأنّ موت القلب بسلب اليقين ومرضه بالشكّ والنفاق ، كما قال سبحانه :( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ) (١) وبذكر الله تحيي القلوب الميتة وتشتد فيها اليقين.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وفي القاموس الملأ كجبل الأشراف والعلية والجماعة والقوم ذوو الشارة ، والمراد بالملأ الأوّل الجماعة من الناس ، وبالملأ الثاني الملائكة ، ولعلّ المراد بذكر الله في الملإ الثناء عليه تعالى بحيث يسمعهم ويذكرهم لا الذكر فيما بينهم لتصحّ المطابقة بين القرينتين ، وهذه الرّواية رواها العامّة أيضاً ففي صحيح مسلم إن ذكرني عبدي في ملإ ذكرته في ملإهم خير منهم ، وقال القرطبي : يعني بهم الملائكةعليهم‌السلام وفيه تفضيل الملائكة على بني آدم وهو أحدّ القولين ، انتهى.

وقال عياض : اضطرب العلماء أيّهما أفضل الملائكة أو الأنبياء على جميعهم السلام ، واستدلّ الأولون بهذا الحديث وأجاب الآخرون تارة بأن المعنى ذكرته

____________________

(١) النحل : ١٠٦.

١٣٢

١٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ من ذكرني في ملاء من النّاس ذكرته في ملإ من الملائكة.

(باب)

(ذكر الله عز وجل كثيراً)

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن ابن القدَّاح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من شيء إلّا وله حدّ ينتهي إليه إلّا الذكر فليس له حدّ ينتهي إليه فرض الله عزَّ وجلَّ الفرائض فمن أداهن فهو

_________________________________________________

بذكر خير من ذكره ، وهو بعيد من اللّفظ ، وأخرى بأن هذا الحديث خبر واحد ، وردّ بلفظ العموم وخبر الواحد لا يفيد القطع ، وفي التمسّك بالعام خلاف انتهى.

وأقول : كون مجموع الملأ أشرف من جماعة كلّهم أو أكثرهم غير المعصومين لا ينافي كون بعض آحاد البشرّ أفضل من جميع الملائكة ، على أنّه يحتمل أن يكون المراد بالملأ ملأ أرواح النبييّن والمرسلين أو المشتمل عليها لكن الخبر الآتي يأبى عنه ظاهراً.

الحديث الثالث عشر : مرسل.

باب ذكر الله عز وجل كثيراً

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« ما شيء » أي ممّا كلّف الإنسان به « ينتهي » على صيغة المعلوم ، والضمير المستتر راجع إلى الشيء « وإلّا الذكر » في الأوّل استثناء متّصل من ضمير له ، وفي الثاني استثناء منقطع من قوله الفرائض وشهر رمضان والحجّ ، والمراد بالفرائض

١٣٣

حدُّهنَّ ؛ وشهر رمضان فمن صامه فهو حدّه والحجُّ فمن حجَّ فهو حدُّه إلّا الذكر فإن الله عزَّ وجلَّ لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدَّا ينتهي إليه ثمَّ

_________________________________________________

الصّلوات الخمس « فهو حدّهنّ » الضمير راجع إلى مصدر أدّاهنّ وهو مبتدأ ، وقائم مقام عائد الموصول بتقدير فتأديته إيّاهن ، وكذا قوله : فهو حدّه ، الضمير فيه راجع إلى مصدر صامه بتقدير فصومه إياه ، وكذا في الثالث عائد إلى مصدر حج بتقدير فحجّه ، والحدّ خبر في الجميع.

«اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كثيراً » قال القرطبي في تفسير هذه الآية : هذا السياق يدلّ على وجوب الذكر الكثير لأنّه لم يكتف به حتّى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتّى وصفه بالكثير ، وهذا السياق لا يكون في المندوب ، فظهر أن الذكر الكثير واجب ، ولم يقل أحدّ بوجوب اللساني دائما فيرجع إلى ذكر القلب ، وذكر الله تعالى دائما في القلب يرجع إما إلى الإيمان بوجوده ، وصفات كماله وهو بحسب إدامته في القلب ذكراً أو حكما في حال الغفلة ، لأنّه لا ينفك عنه إلّا بنقيضه وهو الكفر ، وأمّا أن يرجع إلى ذكر الله تعالى عند الأخذ في الفعل فأنّه يجبّ أن لا يقدم أحد على فعل أو قول حتّى يعرف حكم الله فيه ، ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائما فيجبّ ذكر الله دائماً.

وقال الطبرسيقدس‌سره : روى ابن عبّاس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من عجز عن الّليل أن يكابده وجبن عن العدو أن يجاهده ، وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عزَّ وجلَّ ، ثمَّ اختلف في معنى الذكر الكثير فقيل : أن لا ينسأ أبداً عن مجاهد ، وقيل : أن يذكره سبحانه بصفاته العلى وأسمائه الحسنى ، وينزهه عمّا لا يليق به ، وقيل : هو أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر على كلّ حال عن مقاتل ، وقد ورد عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا : من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله ذكرا كثيراً ، وعن زرارة وحمران ابني أعين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من سبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام فقد ذكر الله ذكراً كثيراً.

١٣٤

تلا هذه الآية «يا أيّها الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذكراً كثيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » فقال لم يجعل الله عزَّ وجلَّ له حدا ينتهي إليه قال وكان أبيعليه‌السلام كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وأنّه ليذكر الله وآكلّ معه الطعام وأنّه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقاً بحنكه

_________________________________________________

وروى الواحدي بإسناده عن الضحاك عن ابن عبّاس قال : جاء جبرئيل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمّد قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله عدد ما علم وزنة ما علم وملأ ما علم ، فأنّه من قالها كتب الله له بها ست خصال : كتب من الذاكرين الله كثيراً ، وكان أفضل من ذكره بالّليل والنهار ، وكن له غرسا في الجنّة ، وتحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة ، وينظر الله إليه ، ومن نظر إليه لم يعذبه.

« وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » أي ونزهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به ، بالغداة والعشي ، والأصيل العشي ، وقيل : يعني به صلاة الصبح وصلاة العصر عن قتادة ، وقيل : صلاة الصبح وصلاة العشاء الآخرة.

وخصهما بالذكر لأنّ لهما مزية على غيرهما من أن ملائكة الّليل والنهار يجتمعون فيهما ، وقال الكلبي : أما بكرة فصلاة الفجر ، وأمّا أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغربّ والعشاء الآخرة ، وسمّي الصّلاة تسبيحا لـمّا فيها من التسبيح والتنزيه « ما يشغله ذلك من ذكر الله » أي الذكر القلبي ، كان يجد ذلك بنور الإمامة أو من شواهد أحواله ، أو عند تكلم الغير كان مشغولا بالذكر ، فإذا تم كلام السّائل شرع في الجواب أو كان كلامه دائماً مشتملا على الذكر.

وقوله : وكنت أرى أي في غير بعض تلك الأحوال « لازقاً بحنكه » لأن اللام أكثر حروف تلك الكلمة الطيبة ، وفيها يلزم اللسان بالحنك ، وليس فيها شيء من الحروف الشفوية ، وهذا أحد وجوه نسبة هذا الذكر من بين سائر الأذكار إلى

١٣٥

يقول لا إله إلّا الله وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتّى تطلع الشمس ويأمرّ بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منّا أمره بالذكر والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عزَّ وجلَّ فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السّماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقلّ بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في

_________________________________________________

ذاته المقدسة إذ يمكن المتكلم بها على وجه لا يطلع عليها غيره تعالى.

وفي القاموس : الحنك محركة باطن أعلى الفم من داخل ، والأسفل من طرف مقدم اللحيين ، وكان يجمعنا يدلّ على استحباب الاجتماع للذكر والدّعاء والتلاوة ، والذكر هنا لا يشمل التلاوة ، ويدلّ على أنّها أفضل من الذكر والدّعاء ، وروى العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله إلّا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده.

وقال بعضهم : المراد بالسكينة الوقار والطمأنينة وقال بعضهم : المراد بها الرحمة ، ورد بذكر الرحمة قبلها وقال في النهاية فيه : كما ترون الكوكب الدري في أفق السّماء أي الشديد الإنارة كأنّه نسب إلى الدر تشبيها بصفائه ، وقال الفراء : الكوكب الدري عند العربّ هو العظيم المقدار ، وقيل : هو أحدّ الكوكب الخمسة السيارة ، انتهى.

وقد قرأ في الآية على وجوه كثيرة بالهمزة وبدونه ، قال البيضاوي : كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ مضيء متلألئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى الدر أو فعيل كمريق من الدر فأنّه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلّا أنّه قلبت همزته ياءا ، ويدلّ عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل ، وقراءة أبي عمرو والكسائي دريء كشريب ، وقد قرأ به مقلوباً ، انتهى.

١٣٦

درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخيرٌ لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم فقالوا بلى فقال ذكر الله عزَّ وجلَّ كثيراً ثمَّ قال جاء رجل إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال من خير أهل المسجد فقال أكثرهم لله ذكراً وقال - رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أعطي لسانا ذاكرا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة وقال في قوله تعالى : «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال لا تستكثر

_________________________________________________

« وخير لكم من الدينار والدرهم » أي من إنفاقهما في سبيل الله أو من جمعهما موافقا لعقول أهل الدنيا لعظمها عندهم أو تنبيها لهم على خطائهم ، في ذلك حيث يختارونهما على المطالب العالية الباقية الأخرويّة ، وإن كان ذلك بينا عند كلّ عاقل ، ومثل ذلك شائع في عرف الناس.

« أكثرهم لله ذكراً » تقديم الظرف للحصر « ومن أعطي لسانا ذاكراً » أما مع ذكر القلب أو الأعم ولا ريب في أن الجمع بينهما أتمّ وأكمل ومع الاكتفاء بأحدهما فالقلب أفضل لأنّه الأصل ، والقربّ فيه أكمل وإن كان الخبر يوهم خلافه.

« خير الدّنيا » لأنّ من شغله ذكر الله عن حاجته كفىّ الله مهماته وخير الآخرة ظاهر ، وقال في قوله تعالى : «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال : الضميران في قال أوّلاً وثانياً إما راجعان إلى الرسول أو إلى الإمام أو الأوّل راجع إلى الإمام والثاني إلى الرسول ، فعلى الأولين قال ثانياً تكرار وتأكيداً للأوّل وعلى الأخير الظرف أعني في قوله متعلّق بقوله قال ثانياً.

« وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال البيضاوي : ولا تعط مستكثرا نهي عن الاستعزاز وهو أن يهب شيئاً طامعاً في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهياً خاصاً به لقولهعليه‌السلام المستعزز يثاب من هبته والموجب له ما فيه من الحرص والضنة أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثراً إيّاها ، أو على الناس بالتبليغ مستكثراً به الأجر منهم ، أو مستكثراً إياه وقرأ تستكثر بالسكون للوقف أو بالإبدال من تمن على أنّه من

١٣٧

ما عملت من خير لله.

_________________________________________________

منّ بكذا وتستكثره بمعنى تجده كثيراً أو بالنّصب على إضمار أن وقرأ بها ، وعلى هذا يجوز أن يكون الرّفع بحذفها وإبطال عملها كما روي وأحضر الوغا بالرّفع ، انتهى.

وقيل : كأنّه إشارة إلى أن لا تمنن من منه بكذا وتستكثر بدل منه ، وأن ما صدر من الخير لله سواء كان عبادته أو الإحسّان إلى عباده يجبّ أن لا تستكثر لأن استكثاره يوجب إخراج النفس عن حدّ التقصير وعجبها وإحباط أجرها.

وأقول : اتفق القراء على الرّفع إلّا الحسن فأنّه قرأ بالجزم والأعمش فأنّه قرأ بالنّصب ، وقال الطبرسي (ره) : قال ابن جني الجزم في تستكثر يحتمل أمرين :

أحدهما : أن يكون بدلا من تمنن فكأنّه قال : لا تستكثر ، والآخر أن يكون لا تستكثر فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات ، وأمّا تستكثر بالنّصب فبان مضمرة ، وذلك أن يكون بدلا من قوله : ولا تمنن في المعنى ، إلّا ترى أن معناه لا يكن منك من فاستكثار ، فكأنّه قال : لا يكن منك من أن تستكثر فتضمرّ أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلا عن المن في المعنى الذي دل عليه الفعل ، انتهى.

وقيل : الخبر محمول على رواية الرّفع ، وهو حال عن المستتر في لا تمنن ، والمن بمعنى النقص والإعياء ، أو بمعنى القطع ، والنهي متوجه إلى القيد وهو الاستكثار ولذا قالعليه‌السلام في التفسير : لا تستكثر ، فالمنهي عنه النقص والقطع الذين يكونان من جهة الاستكثار لا من جهة أخرى ، قال في القاموس : من عليه منا أنعم ، واصطنع عنده صنيعة ومنّة ، والحبل قطعه والناقة حسرها ، والسّير فلانا أضعفه وأعياه ، والشيء نقص والمنّان من أسماء الله تعالى وهو المعطي ابتداء وأجر غير ممنون غير محسوب ، ولا مقطوع ، وأقول : يظهر ممّا ذكرنا وجوه أخر لتأويل الخبر فلا تغفل.

١٣٨

٢ - حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيراً.

٣ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد وعدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد جميعاً ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أكثر ذكر الله عزَّ وجلَّ أحبّه الله ومن ذكر الله كثيراً كتبت له براءتان براءة من النّار وبراءة من النفاق.

٤ - محمّدُ بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن أبي بكر ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال تسبيح فاطمة الزّهراءعليها‌السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عزَّ وجلَّ : «اذْكُرُوا اللهَ ذكراً كثيراً ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي أسامة زيد الشحّام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشاء ، عن داود الحمّار ، عن

_________________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

ويدلّ على مدح الذكر في الخلوة خلافا للمنافقين الذين يذكرون الله عند الناس ، ويتركون في الخلوات.

الحديث الثالث : صحيح.

وكان المراد بقوله : ذكر الله كثيراً إما ذكره أوّلاً ، وإنّما هو تفنن في العبارة ، أو المراد بأحدهما المداومة وبالآخر الإكثار ولو مرة ، وقيل : المراد بالأوّل التكرار والاستمرار من الثاني ، وبالثاني موافقة القلب مع اللسان كما سيأتي في الخبر الثاني من باب ذكر الله في السر.

الحديث الرابع : مجهول بسنده الأوّل ، صحيح بسنده الثاني.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور ، وداود الحمّار ذكره الشيخ في

١٣٩

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من أكثر ذكر الله عزَّ وجلَّ أظله الله في جنته.

(باب)

(أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يموت المؤمن بكلّ ميتة إلّا الصاعقة - لا تأخذه وهو يذكر الله عزَّ وجل.

٢ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن

_________________________________________________

الفهرست بلا مدح وتوثيق.

« أظله الله في جنته » أي أسكنه في قصورها ومنازلها وتحت أشجارها وقبابها ، أو في ظل رحمة الله ، فيها كناية عن اختصاصه فيها برحماته الخاصة ، قال في النهاية في الحديث : سبعة يظلهم الله بظله وفي حديث آخر : سبعة في ظل العرش أي في ظل رحمته ، وقال الكرماني في شرح البخاري أضافه إليه للتشريف أي ظل عرشه أو ظل طوبى أو ظل الجنّة ، وقال النووي : قيل : الظل عبارة عن الراحة والنعيم ، نحو هو في عيش ظليل ، والمراد وظل الكرامة لا ظل الشمس ، وقيل : أي كنه من المكاره ووهج الموقف.

باب أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً

الحديث الأوّل : مجهول.

والميتة بالكسر حالة الموت ونوعه ، قال في المصباح : الميتة بالكسر الحال والهيئة ، ومات ميتة حسنة ، وقال : الصاعقة النازلة من الرعد ولا تصيب شيئاً إلّا دكته وأحرقته ، ويدلّ على أن الصاعقة في حال الذكر لا يصيب المؤمن.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

من قرأ مائة آية أي في كلّ يوم وليلة ، أو في كلّ منهما ، ويدلّ على أن

١٤٠