مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31983 / تحميل: 5345
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه : سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

_________________________________________

من باب باع يتعدى إلى مفعولين ، وتدخل اللام على المفعول الأول فيقال : كلت له الطعام ، والاسم الكلية بالكسر ، والمكيال ما يكال به ، واكتلت منه وعليه إذا أخذت وتوليت الكيل بنفسك يقال : كال الدافع واكتال الآخذ ، انتهى.

والمعنى من أراد أن يأخذ الثواب من الله على الوجه الأكمل من غير نقص فليقرأ هذه الآية ، فهو كناية عن كثرة الثواب وعظمته وكأنه على التمثيل ، واحتمل الحقيقة كما يوزن بالميزان في القيامة.

وروي في مجمع البيان عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه : « سُبْحانَ رَبِّكَ » إلى قوله : « رَبِّ الْعالَمِينَ ».

وفي قرب الإسناد للحميري عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في دبر كل صلاة سُبْحانَ رَبِّكَ « إلخ ».

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليكن آخر قوله : « سُبْحانَ رَبِّكَ » إلى قوله « رَبِّ الْعالَمِينَ » فإن له من كل مسلم حسنة ، وروي أيضا مرسلا عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : كفارات المجالس أن تقول عند قيامك وذكر الآيات الثلاث :سبحان ربك ، قال الطبرسي (ره) : أي تنزيها لربك مالك العزة يعز من يشاء من الأنبياء والأولياء ، لا يملك أحد إعزاز أحد سواه ، فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات ، وهو قولهم باتخاذ الأولاد والشريك « وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ » أي سلام وأمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم ، وقيل : هو خبر معناه أمر أي سلموا عليهم كلهم لا تفرقوا بينهم « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين وخالقهم ، والمنعم عليهم ، وأخلصوا له الثناء والحمد ، ولا تشركوا به أحدا فإن النعم

١٢١

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسىعليه‌السلام سأل ربه فقال يا رب أقريب أنت مني فأناجيك أم بعيد

_________________________________________

كلها منه.

وسيأتي في الروضة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنه قال لرجل من أهل الشام : إن الله تعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا كان قبل عزه عز ، وذلك قوله : «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ».

وروى الصدوق في التوحيد أنه جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفرعليه‌السلام فسأله عن أول ما خلق الله فإن بعض من سألته قال القدرة ، وقال بعضهم : العلم ، وقال بعضهم : الروح؟ فقالعليه‌السلام : ما قالوا شيئا أخبرك إن الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا عز لأنه كان قبل عزه ، وذلك قوله سبحانه : «سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ » وكان خالقا ولا مخلوق ، الخبر.

الحديث الرابع : صحيح.

« في التوراة التي لم تغير » يدل على أن التوراة التي في أيدي أهل الكتاب مغيرة محرفة ، وإن كتب الله كما أنزلت عندهمعليهم‌السلام كالقرآن المجيد« أقريب أنت مني » كان الغرض السؤال من آداب الدعاء مع علمه بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد بالعلم والقدرة والعلية أي أتحب أن أناجيك كما يناجي القريب أو أناديك كما ينادي البعيد؟ وبعبارة أخرى إذا نظرت إليك فأنت أقرب من كل قريب ، وإذا نظرت إلى نفسي أجدني في غاية البعد عنك ، فلا أدري في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى حالك.

ويحتمل أن يكون السؤال للغير أو من قبلهم كسؤال الرؤية ، فإن أكثرهم كانوا مجسمة ولذا قالوا : « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ».

١٢٢

فأناديك فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك فقال الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فأحبهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن حسين بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عز وجل ولم يصلوا على نبيهم إلا كان ذلك المجلس حسرة ووبالا عليهم.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا بأس بذكر الله وأنت تبول فإن ذكر الله

_________________________________________

وقوله : « أنا جليس من ذكرني » أي أنا كالجليس في العلم بنجواهم فلا حاجة إلى رفع الصوت ، أو ينبغي أن يلاحظوا في الذكر جهة قربي وهو أنسب بأدب الدعاء ، ويدل على أن الأنسب بالذكر الأسرار لا الإجهار ، إلا أن يكون الغرض التذكير لا الذكر فقط كالأذان والخطبة ونحوهما ، فيرفع صوته بقدر الحاجة.

« من في سترك » أي تحت عرشك يوم لا ستر غيره أو يستر الله عيوبه« فأذكرهم » أي بالرحمة والمغفرة أو في الملإ الأعلى بالثناء الجميل« يتحابون » أي يحبون أو يظهرون حب كل منهم لصاحبه« في » أي حبهم خالص لي أو في رضاي وطاعتيإذا أردت » فيه استعارة تمثيلية ، أي وجودهم سبب لعدم إرادة عذابهم فكأني أردت عذابهم فصرفته عنهم لذكرهم.

الحديث الخامس : مجهول.

وفي القاموسالوبال الشدة والثقل.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ويدل على استحباب الذكر في حال الجنابة والخلاء وسائر الأحوال

١٢٣

عز وجل حسن على كل حال فلا تسأم من ذكر الله

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أوحى الله عز وجل إلى موسىعليه‌السلام يا موسىعليه‌السلام لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى سأل ربه فقال إلهي إنه يأتي علي مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى إن ذكري حسن على كل حال

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابه عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عز وجل لموسى أكثر ذكري بالليل والنهار وكن عند ذكري خاشعا وعند بلائي صابرا واطمئن عند

_________________________________________

الخسيسة ، وربما يستدل به على جواز قراءة القرآن للجنب والحائض كما يأتي في محله إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع : كالسابق.

« فإن كثرة المال تنسى الذنوب ، لأن الإنسان يطغى إذا استغنى ، وكثرة المال موجبة لحسبه والغفلة عن ذنوبه ، بل يسول له الشيطان أن وفور المال لقربه من ربه ، فلا يبالي بكثرة ذنوبه ، وترك الذكر على أي حال كان موجب لقساوة القلب وغلظته ، والقلب القاسي بعيد عن ربه.

الحديث الثامن : صحيح بل هو تتمة للحديث الرابع كما لا يخفى.

« أن أذكرك » هو بتقدير من والظرف متعلق بكل من أعزك وأجلك.

الحديث التاسع : مرسل.

« خاشعا » أي مع الذلل والمسكنة وحضور القلب ، قال الراغب : بخشوع

١٢٤

ذكري واعبدني ولا تشرك بي شيئا إلي المصير يا موسى اجعلني ذخرك وضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات

_________________________________________

الضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة أكثر ما يستعمل فيما يوجده في القلب ، ولذلك قيل في ما روي : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

« واطمأن عند ذكري » إشارة إلى قوله تعالى : «أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » ومثله في الكتاب العزيز كثير ، قال الراغب : الطمأنينة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج ، قال تعالى :( وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ) (١) ( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٢) ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي ) (٣) وهي أن لا تصير أمارة بالسوء ، وقال : « أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » تنبيها على أن بمعرفة الله والإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس المسؤول بقوله : « وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » وقوله تعالى :( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٤) وقال :( وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها ) (٥) .

وقال البيضاوي :( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) (٦) أنا به واعتمادا عليه ورجاء منه ، أو بذكر رحمته بعد القلب من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات «أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » تسكن إليه « ولا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً » في العبادة أو الأعم إلى المصير في الآخرة أو في الدارين« اجعلني ذخرك » أي ما تدخره ليوم فاقتك في الدنيا والآخرة ، قال في المصباح : ذخرته ذخرا من باب نفع والاسم الذخر بالضم إذا أعددته ليوم الحاجة إليه وادخرت على افتعلت مثله فهو مذخور وذخيرة أيضا.

« من الباقيات » إشارة إلى قوله تعالى : «الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا

__________________

(١) أنفال : ١٠.

(٢) البقرة : ٢٦٠.

(٣) الفجر : ٢٧.

(٤) النحل : ١٠٦.

(٥) يونس : ٧.

(٦) الرعد : ٢٨.

١٢٥

١٠ ـ وبإسناده ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عز وجل لموسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار ولا تتبع الخطيئة في معدنها فتندم فإن الخطيئة موعد أهل النار.

_________________________________________

وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً » وقال البيضاوي : الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الخيرات التي تبقى ثمرتها أبد الآباد ويندرج فيها ما فسرت من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام شهر رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب.

الحديث العاشر : كالسابق.

« اجعل لسانك من وراء قلبك » أي تأمل أو لا فيما أردت أن تتكلم به في حسنه وعاقبته ثم تكلم فإنك إن فعلت ذلك سلمت عن الخطإ والندم ، أو لا تتكلم بشيء من التلاوة والذكر إلا مع تعقل القلب وتذكره أو لا تقل شيئا ليس في قلبك الإذعان به نفاقا أو قولا بغير علم.

وقوله : « ولا تتبع » إما بصيغة النهي الحاضر من باب علم أو من باب الافتعال أو الأفعال ، والموعد إما مصدر ميمي أو اسم مكان وإضافة الموعد أما إضافة إلى الفاعل أو المفعول كما قيل ، فالكلام يحتمل وجوها.

الأول : لا تجالس أهل الخطيئة الذين هم معدنها فتشرك معهم فتندم عليها ، فإن الخطيئة محل وعد أهل النار ، فإنهم إنما يعدون ويجتمعون للاشتراك في الخطايا من الملاهي وأكل لحوم المؤمنين بالغيبة وذكر الدنيا وما يلهى عن الله ، وقيل : المراد أن عمدة الخطيئة الوعد مع الأشرار وأهل النار.

الثاني : ما قيل : كان المراد بمعدن الخطيئة السفاهة والجهالة أو كل ما يتولد منه الخطايا والشرور كرذائل النفس وأهوائها ، وبالجملة نهي عن اتباع الخطيئة بالتحرز عن الأصول المتولدة هي منها.

الثالث : أن يكون الغرض النهي عن حضور مواضع هي مظنة ارتكاب الخطيئة

١٢٦

١١ ـ وبإسناده قال فيما ناجى الله به موسىعليه‌السلام قال يا موسى لا تنسني على كل حال فإن نسياني يميت القلب.

١٢ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عز وجل يا ابن آدم اذكرني في ملإ أذكرك في ملإ خير من ملئك.

_________________________________________

فإن الخطيئة موعد أهل النار في الآخرة أي عقابها ، والحاصل أن أهل النار إنما يدخلونها ويعدون من أهلها لخطاياهم ، فمن شرك معهم في الخطيئة يدخل مدخلهم والأول أظهر.

الحديث الحادي عشر : كالسابق.

وكانموت القلب بسلب اليقين ومرضه بالشك والنفاق ، كما قال سبحانه :( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ) (١) وبذكر الله تحيي القلوب الميتة وتشتد فيها اليقين.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وفي القاموسالملأ كجبل الأشراف والعلية والجماعة والقوم ذوو الشارة ، والمراد بالملأ الأول الجماعة من الناس ، وبالملأ الثاني الملائكة ، ولعل المراد بذكر الله في الملإ الثناء عليه تعالى بحيث يسمعهم ويذكرهم لا الذكر فيما بينهم لتصح المطابقة بين القرينتين ، وهذه الرواية رواها العامة أيضا ففي صحيح مسلم إن ذكرني عبدي في ملإ ذكرته في ملإهم خير منهم ، وقال القرطبي : يعني بهم الملائكةعليهم‌السلام وفيه تفضيل الملائكة على بني آدم وهو أحد القولين ، انتهى.

وقال عياض : اضطرب العلماء أيهما أفضل الملائكة أو الأنبياء على جميعهم السلام ، واستدل الأولون بهذا الحديث وأجاب الآخرون تارة بأن المعنى ذكرته

__________________

(١) البقرة : ١٠.

١٢٧

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عز وجل من ذكرني في ملإ من الناس ذكرته في ملإ من الملائكة.

(باب)

(ذكر الله عز وجل كثيراً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض الله عز وجل الفرائض فمن أداهن فهو

_________________________________________

بذكر خير من ذكره ، وهو بعيد من اللفظ ، وأخرى بأن هذا الحديث خبر واحد ، ورد بلفظ العموم وخبر الواحد لا يفيد القطع ، وفي التمسك بالعام خلاف انتهى.

وأقول : كون مجموع الملأ أشرف من جماعة كلهم أو أكثرهم غير المعصومين لا ينافي كون بعض آحاد البشر أفضل من جميع الملائكة ، على أنه يحتمل أن يكون المراد بالملأ ملأ أرواح النبيين والمرسلين أو المشتمل عليها لكن الخبر الآتي يأبى عنه ظاهرا.

الحديث الثالث عشر : مرسل.

باب ذكر الله عز وجل كثيراً

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« ما شيء » أي مما كلف الإنسان به« ينتهي » على صيغة المعلوم ، والضمير المستتر راجع إلى الشيء« وإلا الذكر » في الأول استثناء متصل من ضمير له ، وفي الثاني استثناء منقطع من قوله الفرائض وشهر رمضان والحج ، والمرادبالفرائض

١٢٨

حدهن وشهر رمضان فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا الذكر فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم

_________________________________________

الصلوات الخمس« فهو حدهن » الضمير راجع إلى مصدر أداهن وهو مبتدأ ، وقائم مقام عائد الموصول بتقدير فتأديته إياهن ، وكذاقوله : فهو حده ، الضمير فيه راجع إلى مصدر صامه بتقدير فصومه إياه ، وكذا في الثالث عائد إلى مصدر حج بتقدير فحجه ، والحد خبر في الجميع.

«اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً » قال القرطبي في تفسير هذه الآية : هذا السياق يدل على وجوب الذكر الكثير لأنه لم يكتف به حتى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتى وصفه بالكثير ، وهذا السياق لا يكون في المندوب ، فظهر أن الذكر الكثير واجب ، ولم يقل أحد بوجوب اللساني دائما فيرجع إلى ذكر القلب ، وذكر الله تعالى دائما في القلب يرجع إما إلى الإيمان بوجوده ، وصفات كماله وهو بحسب إدامته في القلب ذكرا أو حكما في حال الغفلة ، لأنه لا ينفك عنه إلا بنقيضه وهو الكفر ، وإما أن يرجع إلى ذكر الله تعالى عند الأخذ في الفعل فإنه يجب أن لا يقدم أحد على فعل أو قول حتى يعرف حكم الله فيه ، ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائما فيجب ذكر الله دائما.

وقال الطبرسيقدس‌سره : روى ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من عجز عن الليل أن يكابده وجبن عن العدو أن يجاهده ، وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عز وجل ، ثم اختلف في معنى الذكر الكثير فقيل : أن لا ينسأ أبدا عن مجاهد ، وقيل : أن يذكره سبحانه بصفاته العلى وأسمائه الحسنى ، وينزهه عما لا يليق به ، وقيل : هو أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر على كل حال عن مقاتل ، وقد ورد عن أئمتناعليهم‌السلام أنهم قالوا : من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله ذكرا كثيرا ، وعن زرارة وحمران ابني أعين عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من سبح تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام فقد ذكر الله ذكرا كثيرا.

١٢٩

تلا هذه الآية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » فقال لم يجعل الله عز وجل له حدا ينتهي إليه قال وكان أبيعليه‌السلام كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه

_________________________________________

وروى الواحدي بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس قال : جاء جبرئيل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما علم وزنة ما علم وملأ ما علم ، فإنه من قالها كتب الله له بها ست خصال : كتب من الذاكرين الله كثيرا ، وكان أفضل من ذكره بالليل والنهار ، وكن له غرسا في الجنة ، وتحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة ، وينظر الله إليه ، ومن نظر إليه لم يعذبه.

« وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » أي ونزهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به ، بالغداة والعشي ، والأصيل العشي ، وقيل : يعني به صلاة الصبح وصلاة العصر عن قتادة ، وقيل : صلاة الصبح وصلاة العشاء الآخرة.

وخصهما بالذكر لأن لهما مزية على غيرهما من أن ملائكة الليل والنهار يجتمعون فيهما ، وقال الكلبي : أما بكرة فصلاة الفجر ، وأما أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، وسمي الصلاة تسبيحا لما فيها من التسبيح والتنزيه« ما يشغله ذلك من ذكر الله » أي الذكر القلبي ، كان يجد ذلك بنور الإمامة أو من شواهد أحواله ، أو عند تكلم الغير كان مشغولا بالذكر ، فإذا تم كلام السائل شرع في الجواب أو كان كلامه دائما مشتملا على الذكر.

وقوله : وكنت أرى أي في غير بعض تلك الأحوال« لازقا بحنكه » لأن اللام أكثر حروف تلك الكلمة الطيبة ، وفيها يلزم اللسان بالحنك ، وليس فيها شيء من الحروف الشفوية ، وهذا أحد وجوه نسبة هذا الذكر من بين سائر الأذكار إلى

١٣٠

يقول لا إله إلا الله وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في

_________________________________________

ذاته المقدسة إذ يمكن المتكلم بها على وجه لا يطلع عليها غيره تعالى.

وفي القاموس :الحنك محركة باطن أعلى الفم من داخل ، والأسفل من طرف مقدم اللحيين ، وكان يجمعنا يدل على استحباب الاجتماع للذكر والدعاء والتلاوة ، والذكر هنا لا يشمل التلاوة ، ويدل على أنها أفضل من الذكر والدعاء ، وروى العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده.

وقال بعضهم : المراد بالسكينة الوقار والطمأنينة وقال بعضهم : المراد بها الرحمة ، ورد بذكر الرحمة قبلها وقال في النهاية فيه : كما ترونالكوكب الدري في أفق السماء أي الشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر تشبيها بصفائه ، وقال الفراء : الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار ، وقيل : هو أحد الكوكب الخمسة السيارة ، انتهى.

وقد قرأ في الآية على وجوه كثيرة بالهمزة وبدونه ، قال البيضاوي : كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ مضيء متلألئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى الدر أو فعيل كمريق من الدر فإنه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياءا ، ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل ، وقراءة أبي عمرو والكسائي دريء كشريب ، وقد قرأ به مقلوبا ، انتهى.

١٣١

درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم فقالوا بلى فقال ذكر الله عز وجل كثيرا ثم قال جاء رجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال من خير أهل المسجد فقال أكثرهم لله ذكرا وقال ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أعطي لسانا ذاكرا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة وقال في قوله تعالى : «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال لا تستكثر

_________________________________________

« وخير لكم من الدينار والدرهم » أي من إنفاقهما في سبيل الله أو من جمعهما موافقا لعقول أهل الدنيا لعظمها عندهم أو تنبيها لهم على خطائهم ، في ذلك حيث يختارونهما على المطالب العالية الباقية الأخروية ، وإن كان ذلك بينا عند كل عاقل ، ومثل ذلك شائع في عرف الناس.

« أكثرهم لله ذكرا » تقديم الظرف للحصر« ومن أعطي لسانا ذاكرا » أما مع ذكر القلب أو الأعم ولا ريب في أن الجمع بينهما أتم وأكمل ومع الاكتفاء بأحدهما فالقلب أفضل لأنه الأصل ، والقرب فيه أكمل وإن كان الخبر يوهم خلافه.

« خير الدنيا » لأن من شغله ذكر الله عن حاجته كفى الله مهماته وخير الآخرة ظاهر ، وقال في قوله تعالى : «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال : الضميران في قال أولا وثانيا إما راجعان إلى الرسول أو إلى الإمام أو الأول راجع إلى الإمام والثاني إلى الرسول ، فعلى الأولين قال ثانيا تكرار وتأكيدا للأول وعلى الأخير الظرف أعني في قوله متعلق بقوله قال ثانيا.

« وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال البيضاوي : ولا تعط مستكثرا نهي عن الاستعزاز وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به لقولهعليه‌السلام المستعزز يثاب من هبته والموجب له ما فيه من الحرص والضنة أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثرا إياها ، أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم ، أو مستكثرا إياه وقرأ تستكثر بالسكون للوقف أو بالإبدال من تمن على أنه من

١٣٢

ما عملت من خير لله.

_________________________________________

من بكذا وتستكثره بمعنى تجده كثيرا أو بالنصب على إضمار أن وقرأ بها ، وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها كما روي وأحضر الوغا بالرفع ، انتهى.

وقيل : كأنه إشارة إلى أن لا تمنن من منه بكذا وتستكثر بدل منه ، وأن ما صدر من الخير لله سواء كان عبادته أو الإحسان إلى عباده يجب أن لا تستكثر لأن استكثاره يوجب إخراج النفس عن حد التقصير وعجبها وإحباط أجرها.

وأقول : اتفق القراء على الرفع إلا الحسن فإنه قرأ بالجزم والأعمش فإنه قرأ بالنصب ، وقال الطبرسي (ره) : قال ابن جني الجزم في تستكثر يحتمل أمرين :

أحدهما : أن يكون بدلا من تمنن فكأنه قال : لا تستكثر ، والآخر أن يكون لا تستكثر فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات ، وأما تستكثر بالنصب فبان مضمرة ، وذلك أن يكون بدلا من قوله : ولا تمنن في المعنى ، ألا ترى أن معناه لا يكن منك من فاستكثار ، فكأنه قال : لا يكن منك من أن تستكثر فتضمر أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلا عن المن في المعنى الذي دل عليه الفعل ، انتهى.

وقيل : الخبر محمول على رواية الرفع ، وهو حال عن المستتر في لا تمنن ، والمن بمعنى النقص والإعياء ، أو بمعنى القطع ، والنهي متوجه إلى القيد وهو الاستكثار ولذا قالعليه‌السلام في التفسير : لا تستكثر ، فالمنهي عنه النقص والقطع الذين يكونان من جهة الاستكثار لا من جهة أخرى ، قال في القاموس : من عليه منا أنعم ، واصطنع عنده صنيعة ومنة ، والحبل قطعه والناقة حسرها ، والسير فلانا أضعفه وأعياه ، والشيء نقص والمنان من أسماء الله تعالى وهو المعطي ابتداء وأجر غير ممنون غير محسوب ، ولا مقطوع ، وأقول : يظهر مما ذكرنا وجوه أخر لتأويل الخبر فلا تغفل.

١٣٣

٢ ـ حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من أكثر ذكر الله عز وجل أحبه الله ومن ذكر الله كثيرا كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن أبي بكر ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال تسبيح فاطمة الزهراءعليها‌السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عز وجل : «اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي أسامة زيد الشحام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن داود الحمار ، عن

_________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

ويدل على مدح الذكر في الخلوة خلافا للمنافقين الذين يذكرون الله عند الناس ، ويتركون في الخلوات.

الحديث الثالث : صحيح.

وكان المرادبقوله : ذكر الله كثيرا إما ذكره أولا ، وإنما هو تفنن في العبارة ، أو المراد بأحدهما المداومة وبالآخر الإكثار ولو مرة ، وقيل : المراد بالأول التكرار والاستمرار من الثاني ، وبالثاني موافقة القلب مع اللسان كما سيأتي في الخبر الثاني من باب ذكر الله في السر.

الحديث الرابع : مجهول بسنده الأول ، صحيح بسنده الثاني.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور ، وداود الحمار ذكره الشيخ في

١٣٤

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أكثر ذكر الله عز وجل أظله الله في جنته.

(باب)

(أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة ـ لا تأخذه وهو يذكر الله عز وجل.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن

_________________________________________

الفهرست بلا مدح وتوثيق.

« أظله الله في جنته » أي أسكنه في قصورها ومنازلها وتحت أشجارها وقبابها ، أو في ظل رحمة الله ، فيها كناية عن اختصاصه فيها برحماته الخاصة ، قال في النهاية في الحديث : سبعة يظلهم الله بظله وفي حديث آخر : سبعة في ظل العرش أي في ظل رحمته ، وقال الكرماني في شرح البخاري أضافه إليه للتشريف أي ظل عرشه أو ظل طوبى أو ظل الجنة ، وقال النووي : قيل : الظل عبارة عن الراحة والنعيم ، نحو هو في عيش ظليل ، والمراد وظل الكرامة لا ظل الشمس ، وقيل : أي كنه من المكاره ووهج الموقف.

باب أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً

الحديث الأول : مجهول.

والميتة بالكسر حالة الموت ونوعه ، قال في المصباح : الميتة بالكسر الحال والهيئة ، ومات ميتة حسنة ، وقال :الصاعقة النازلة من الرعد ولا تصيب شيئا إلا دكته وأحرقته ، ويدل على أن الصاعقة في حال الذكر لا يصيب المؤمن.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

من قرأمائة آية أي في كل يوم وليلة ، أو في كل منهما ، ويدل على أن

١٣٥

بريد بن معاوية العجلي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قال قلت وما الذاكر قال من قرأ مائة آية.

٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ميتة المؤمن قال يموت المؤمن بكل ميتة ـ يموت غرقا ويموت بالهدم ويبتلى بالسبع ويموت بالصاعقة ولا تصيب ذاكر الله عز وجل.

(باب)

( الاشتغال بذكر الله عز وجل)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عز وجل يقول من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي من سألني.

_________________________________________

الذكر الذي لا تصيبه الصاعقة أعم من أن يكون تحقيقا أو تقديرا ، والحاصل أنه إذا كان معدودا عند الله من الذاكرين لا من الغافلين لا تصيبه الصاعقة ، أو يقال من قرأ في كل يوم مائة آية بشرائطها فهو بحيث لا يغفل عن الله إذا رجع إلى نفسه ، وإن منعه شغل آخر عنه فهو أبدا في حكم الذاكر.

الحديث الثالث : موثق« ولا تصيب » أي الصاعقة.

باب الاشتغال بذكر الله عز وجل

أي عن طلب الحاجة منه.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قيل : دل على أن من شغل بذكره تعالى خالصا من غير أن يجعله وسيلة للسؤال عن حاجته وقضائها قضى الله حاجته ، ووجه التفضيل حينئذ ظاهر ، ويمكن التعميم بحيث يشمل أيضا من أراد السؤال ونسيه ، وأقول : يمكن حمله على أنه بعد النسيان صارت نيته خالصة.

١٣٦

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عز وجل فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إياها.

(باب)

(ذكر الله عز وجل في السر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي البلاد عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عز وجل من

_________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

باب ذكر الله عز وجل في السر

الحديث الأول : مرسل.

« من ذكرني سرا » أي في قلبه أو في الخلوة أو بالإخفات الذي يقابل الجهر« ذكرته علانية » أي في القيامة بإظهار شرفه وفضله أو توفير ثوابه أو في الملإ الأعلى كما مر ، أو ذكره بالجميل في الدنيا على ألسن العباد ، وقيل : لعل المراد به إظهار حاله وشرفه في المخلوقين من الملائكة والناس أجمعين وقال بعضهم : الذكر ثلاثة ذكر باللسان ، وذكر بالقلب ، وهذا نوعان أحدهما الفكر في عظمة الله سبحانه وجلاله وملكوته وآيات أرضه وسمائه والثاني ذكره عند أمره ونهيه فيمتثل الأمر ويجتنب النهي ويقف عند ما يشكل ، وأرفع الثلاثة الفكر لدلالة الأحاديث الواردة على فضل الذكر الخفي وأضعفها الذكر باللسان ، ولكن له فضل كثير على ما جاء في الآثار ، وقيل : الخلاف إنما هو في الذكر بالقلب بالتهليل والتسبيح ونحوهما ، وفي الذكر باللسان به لا في الذكر الخفي الذي هو الفكر ، وفي الذكر باللسان ، فإن الفكر لا يقاربه ذكر اللسان ، فكيف يفاضل معه.

١٣٧

ذكرني سرا ذكرته علانية.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن عمرو ، عن أبي المغراء الخصاف رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام من ذكر الله عز وجل في السر فقد ذكر الله كثيرا إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل :

_________________________________________

ثم هذا الخلاف إذا كان القلب في ذكر اللسان حاضرا ، وأما إذا كان لاهيا فذكر اللسان لغو لا ذكر ، فمن رجح ذكر القلب قال : لأن عمل السر أفضل ، ومن فضل ذكر اللسان قال : لأن فيه زيادة عمل الجوارح على عمل ذكر القلب ، وزيادة العمل تقتضي زيادة الأجر ، واعترض عليه بأن ما ذكر من أنه لا بد من حضور القلب كأنه أراد به النية ، فإن خلا الذكر عن النية فهو لغو ثم إن صحبته النية من الشروع إلى التمام فهو الغاية والمطلوب ، وإن صحبته في الشروع وعزبت في الأثناء فالظاهر أنه إذا كان أصل العمل خالصا لله تعالى وعلى ذلك عقد فلا يضره ما يعرض من الخطرات التي تقع في القلب ولذلك اعتبروا النية الحكمية في الوضوء والصلاة ونحوهما دون الفعلية.

أقول : فيما ذكر من الأسئلة والأجوبة أنظار يطول الكلام بذكرها ، ثم اختلفوا في أن ذكر القلب هل تعلمه الملائكة وتكتبه؟ فقيل : نعم ، لأن الله تعالى يجعل عليه علامة ، وقيل : لا لأنهم لا يطلعون عليه ، وقد مر ما يؤيد الطرفين لا سيما في باب المصافحة.

الحديث الثاني : ضعيف.

والخصاف كأنه الذي يخصف النعل والآية وردت في المنافقين حيث قال : «إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ

١٣٨

«يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً ».

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال رفعه قال قال الله عز وجل لعيسىعليه‌السلام : يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين يا عيسى ألن لي قلبك وأكثر

_________________________________________

النَّاسَ »(١) الآية ، وفي المجمع قاموا كسالى أي متثاقلين « يُراؤُنَ النَّاسَ » يعني أنهم لا يعملون شيئا من أعمال العبادات على وجه القربة وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم وحذرا من القتل وسلب الأموال ، وإذا رأوهم المسلمون صلوا ليروهم أنهم يدينون بدينهم وإن لم يرهم أحد لم يصلوا « وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً » أي ذكرا قليلا ، ومعناه لا يذكرون الله عن نية خالصة ، ولو ذكروه مخلصين لكان كثيرا وو إنما وصف بالقلة لأنه لغير الله عن الحسن وابن عباس ، وقيل : لا يذكرون إلا ذكرا يسيرا نحو التكبير والأذكار التي تجهر بها ويتركون التسبيح وما يخافت به من القراءة وغيرها عن الجبائي ، وقيل : إنما وصف الذكر بالقلة لأنه سبحانه لم يقبله ، وكلما يرد الله فهو قليل ، وقال البيضاوي( إِلاَّ قَلِيلاً ) إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه وهو أقل أفعاله أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى الذكر بالقلب ، وقيل : المراد بالذكر الصلاة ، وقيل : الذكر فيها فإنهم لا يذكرون فيها غير التكبير والتسليم.

الحديث الثالث : مرفوع.

« اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي » النفس هنا مجاز كما في قوله سبحانه : «تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » قال البيضاوي : تعلم ما أخفية في نفسي كما تعلم ما أعلنه ، ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك ، وقوله : في نفسك للمشاكلة ، وقيل : المراد بالنفس الذات.

أقول : كون المراد بالنفس الذات عندي أظهر كما قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت

__________________

(١) النساء : ١٤٢.

١٣٩

ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي وكن في ذلك حيا ولا تكن ميتا.

_________________________________________

كما أثنيت على نفسك ويقال : اختار الله لنفسه أسماء لأن النفس قد تطلق ويراد بها ما وضع الله في ذوات الأنفس من الحيوان والإنسان يدعوه إلى ما يشتهيه من مثل الأكل والشرب والجماع ، قال تعالى :( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) وقد يراد بها ذات الشيء وعينه ، تقول : اشتريت لنفسي وبنيت لنفسي ، ومثله قولك : أخذته لنفسي وأخذت منه حق نفسي ولها معان غير ما ذكر أحدث بعضها المتفلسفون الباحثون في النفس والعقل والروح ، وقال الراغب : النفس الروح في قوله عز وجل( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (٢) وقال تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) (٣) وقوله تعالى :( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) (٤) وقوله عز وجل :( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) (٥) فنفسه ذاته ، وهذا وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف ومضاف إليه يقتضي المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة ، فلا شيء من حيث المعنى سواه تعالى من الاثنوية من كل وجه ، وقال بعض الناس : إن إضافة النفس إلى الله تعالى إضافة الملك ، ويعني بنفسه نفوسنا وأضاف إليه على سبيل الملك ، انتهى.

وقيل : النفس تطلق على الدم وعلى نفس الحيوان وعلى الذات وعلى الغيب. ومنه قوله تعالى : «وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » أي في غيبك والأولان يستحيلان في حقه تعالى دون ، وقيل : المراد بالذكر النفساني في قوله اذكر في نفسك ذكر لا يعرفه غير الذاكر ، وفي قوله : أذكرك في نفسي ، جزاء ذلك الذكر يعني أجازيك وأرجعك لأجل الذكر ، فسمي جزاء الذكر ذكرا وليس المراد به الذكر

__________________

(١) يوسف : ٥٣.

(٢) الأنعام : ٩٣.

(٣) البقرة : ٢٣٥.

(٤) المائدة : ١١٦.

(٥) آل عمران : ٣٠.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، عن حماد بن عثمان ، عن المسمعي قال لما قتل داود بن علي المعلى بن خنيس قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأدعون

_________________________________________

هنا بمعنى متى للزمان ، لا بمعنى كيف ، ولا بمعنى أين لئلا يلزم التكرار ، كذا قيل ، والظاهر أن معنى« من حيث شئت » من أي جهة وناحية شئت ، و« أنى شئت » في أي مكان شئت ، فالفرق بينهما ظاهر قال في القاموس حيث كلمة دالة على المكان ، كحين في الزمان ، ويثلث أخره.

وأقول : الجوهري ، وغيره اكتفوا بالضم والفتح ، وقالوا لا يضاف إلا إلى جملة ، وقال الراغب : حيث عبارة من مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله « وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ ».

الحديث الخامس : ضعيف عند الأكثر ، وعندي أنه صحيح لأن المسمعي يطلق على ثلاثة ، عبد الله بن عبد الرحمن الأصم ، وهو ضعيف لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن عيسى بن عبيد من أصحاب الرضا والجواد ، فروايته عن الصادقعليه‌السلام بعيد ، ومحمد بن عبد الله المسمعي ، وهو أيضا وإن كان مجهولا ، أو ضعيفا ، لكنه ليس في هذه المرتبة ، لأنه يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى ، ويطلق على مسمع بن عبد الملك ، وهو ثقة ، يروي عن الصادقعليه‌السلام فالظاهر أنه هو المراد هنا ، فالحديث صحيح ، ومعتب بضم الميم ، وفتح العين ، وتشديد التاء المكسورة.

والمعلى بن خنيس كان مولى الصادقعليه‌السلام ، واختلفوا فيه ، ضعفه النجاشي وابن الغضائري ، وقال الشيخ الطوسي ره في كتاب الغيبة : إنه كان من قوام أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وكان محمودا عنده ومضى على منهاجه ، وروى الكشي روايات كثيرة تدل على مدحه ، وأنه من أهل الجنة.

والأقوى عندي أنه كان من خواص أصحاب الصادقعليه‌السلام ، ومحل إسراره وذمه يرجع إلى أنه كان يروي أخبارا مرتفعة ، لا يدركها عقول أكثر الخلق ، ومعجزات غريبة لا توافق فهم أكثر الناس ، وكان مقصرا في التقية لشدة حبه لهم

١٨١

الله على من قتل مولاي وأخذ مالي فقال له داود بن علي إنك لتهددني بدعائك ؛

_________________________________________

عليهم‌السلام ، ولعل من ورائه الشفاعة ، ويظهر من الأخبار أن القتل كان كفارة له ، وسببا لرفع درجاته.

وروى الكشي ، عن ابن أبي يعفور ، عن حماد الناب ، عن المسمعي قال : لما أخذ داود بن علي ، المعلى بن خنيس حبسه فأراد قتله فقال له المعلى : أخرجني إلى الناس ، فإن لي دينا كثيرا ومالا ، حتى أشهد بذلك ، فأخرجه إلى السوق ، فلما اجتمع الناس قال : أيها الناس أنا معلى بن خنيس ، فمن عرفني فقد عرفني ، اشهدوا أني ما أترك من مال ، عين أو دين ، أو أمة ، أو عبد ، أو دار ، قليل أو كثير ، فهو لجعفر بن محمد ، قال : فشد عليه صاحب شرطة داود فقتله ، فقال : فلما بلغ ذلك أبا عبد اللهعليه‌السلام خرج يجر ذيله حتى دخل على داود بن علي ، وإسماعيل ابنه خلفه فقال : يا داود قتلت مولاي ، وأخذت مالي فقال : ما أنا قتلته ، ولا أخذت مالك ، فقال : والله لأدعون على من قتل مولاي وأخذ مالي ، قال : ما قتلته ولكن قتله صاحب شرطتي فقال : بإذنك ، أو بغير إذنك ، فقال : بغير إذني فقال : يا إسماعيل شانك به ، فخرج إسماعيل والسيف معه ، حتى قتله في مجلسه ، قال : حماد فأخبرني المسمعي ، عن معتب ، قال : فلم يزل أبو عبد اللهعليه‌السلام ليلة ساجدا وقائما قال فسمعته في آخر الليل وهو ساجد يقول : « اللهم إني أسألك بقوتك القوية وبجلالك الشديد. وبعزتك التي جل خلقك لها ذليل ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تأخذه الساعة » قال : فو الله ما رفع رأسه من سجوده حتى سمعنا الصائحة فقالوا مات داود بن علي فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : إني دعوت الله عليه بدعوة بعث الله إليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة انشقت مثانته.

وبإسناده عن إسماعيل بن جابر ، أنه قال : لما سمع أبو عبد اللهعليه‌السلام قتل المعلى قال : أما والله لقد دخل الجنة.

وعن الوليد بن صبيح ، قال : قال داود بن علي : لأبي عبد اللهعليه‌السلام ما أنا قتلته

١٨٢

قال حماد قال المسمعي فحدثني معتب أن أبا عبد اللهعليه‌السلام لم يزل ليلته راكعا وساجدا فلما كان في السحر سمعته يقول وهو ساجد ـ اللهم إني أسألك بقوتك

_________________________________________

يعني المعلى ، قال : فمن قتله قال السيرافي ، وكان صاحب شرطته قال : أقدنا منه قال : قد أقدتك ، قال : فلما أخذ السيرافي ، وقدم ليقتل جعل يقول يا معشر المسلمين يأمروني بقتل الناس فأقتلهم لهم ثم يقتلوني ، فقتل السيرافي.

وروى أيضا بإسناده عن حفص التمار قال دخلت على أبي عبد الله أيام طلب المعلى بن خنيس ، فقال لي يا حفص إني أمرت المعلى فخالفني ، فابتلي بالحديد ، إني نظرت إليه يوما ، وهو كئيب حزين فقلت : يا معلى كأنك ذكرت أهلك ، وعيالك قال أجل ، قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال أراني في أهل بيتي ، وهذه زوجتي ، وهذا ولدي ، قال : فتركته حتى تملأ منهم ، واستترت منه حتى نال ما ينال الرجل من أهله ، ثم قلت : ادن مني فدنا مني فمسحت وجهه فقلت : أين تراك ، فقال : أراني معك في المدينة قال فقلت يا معلى إن لنا حديثا من حفظه ، حفظه الله على دينه ، ودنياه ، يا معلى لا تكونوا أسراء في أيدي الناس بحديثنا ، إن شاءوا آمنوا عليكم ، وإن شاءوا قتلوكم ، يا معلى أنه من كتم الصعب من حديثنا ، جعله الله نورا بين عينيه ، وزوده قوة في الناس ، ومن أذاع الصعب من حديث لم يمت حتى يعضه السلاح ، أو يموت بخبل ، يا معلى أنت مقتول فاستعد.

وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : وجرى ذكر المعلى بن خنيس ، فقال : يا أبا محمد اكتم على ما أقول لك في المعلى ، قلت : افعل فقال أما إنه لا ينال درجتنا ، إلا مما ينال منه داود بن علي ، قلت : وما الذي يصيبه من داود ، قال : يدعو به فيأمر به فيضرب عنقه ، ويصلبه قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قال : ذلك في قابل فلما كان قابل والي المدينة ، فقصد قصد المعلى فدعاه ، وسأله عن شيعة أبي عبد اللهعليه‌السلام وأن يكتبهم له ، فقال : ما أعرف من أصحاب أبي عبد اللهعليه‌السلام أحدا

١٨٣

القوية وبجلالك الشديد الذي كل خلقك له ذليل أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تأخذه الساعة الساعة فما رفع رأسه حتى سمعنا الصيحة في دار داود بن علي فرفع أبو عبد اللهعليه‌السلام رأسه وقال إني دعوت الله بدعوة بعث الله عز وجل عليه ملكا فضرب رأسه بمرزبة من حديد انشقت منها مثانته فمات.

_________________________________________

وإنما أنا رجل اختلف في حوائجه ، ولا أعرف له صاحبا ، قال : تكتمني أما إنك إن كتمتني قتلتك ، فقال له المعلى : بالقتل تهددني ، والله والله ، لو كانوا تحت قدمي ما رفعت قدمي عنهم ، وإن أنت قتلتني لتسعدني وأشقيك وكان كما قال أبو عبد اللهعليه‌السلام (١) يغادر منه قليلا ، ولا كثيرا ، وقد مضت الأخبار في أنهعليه‌السلام نهى المعلى عن الإذاعة في باب الإذاعة ، وغيره ، ومر أيضا بكاؤهعليه‌السلام له ، وترحمه عليه.

قوله « بقوتك القوية » القوة ، والقدرة متقاربتان ، ووصف القوة بالقوية للتأكيد إشارة إلى كمالها ، واستيلائها على جميع الممكنات ، وعدم تطرق العجز إليها« وبجلالك الشديد » أي القوي الغالب المرتفع على كل شيء ، والجلال العظمة ، ومن أسمائه تعالى الجليل ، قال في النهاية : هو الموصوف بنعوت الجلال الحاوي بجميعها ، وهو راجع إلى كمال الصفات ، كما أن الكبير راجع إلى كمال الذات ، والعظيم إلى كمال الذات ، والصفات ، وقال : المحال بالكسر الكيد ، وقيل : المكر ، وقيل : القوة ، والشدة ، وميمه أصلية ، ورجل محل أي ذو كيد.

وقال الجوهري :« الإرزبة » التي يكسر بها المدر فإن قلتها بالميم خففت قلت : المرزبة ، وفي القاموس : الأرزبة والمرزبة مشددتان ، والأولى فقط عصية من حديد ، وفي النهاية : المرزبة بالتخفيف المطرقة الكبيرة التي تكون للحداد ، ومنه حديث الملك وبيده مرزبة ، ويقال لها الأرزبة أيضا بالهمزة والتشديد و« المثانة » العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لم يغادر منه ».

١٨٤

(باب المباهلة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم ، عن أبي مسروق ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل : «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » فيقولون نزلت في أمراء السرايا فنحتج عليهم بقوله عز وجل : «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ » إلى آخر الآية فيقولون نزلت في المؤمنين ونحتج عليهم بقول الله عز وجل : «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى » فيقولون نزلت في قربى المسلمين قال فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذه وشبهه إلا ذكرته فقال لي إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة قلت وكيف أصنع قال أصلح نفسك ثلاثا وأظنه قال وصم و

_________________________________________

باب المباهلة

الحديث الأول : حسن ، وفي النهاية« السرية » طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو ، وجمعها السرايا ، سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر ، وخيارهم من الشيء السري النفيس ، وقيل : سموا بذلك ، لأنهم ينفذون سرا وخفية ، وليس بالوجه لأن لام السر راء ، وهذه ياء ، وأقول : قد مر جهات أجوبة تلك الشبه في كتاب الحجة فلا نعيدها.

وفي النهاية« المباهلة » الملاعنة ، وهو أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولون لعنة الله على الظالم منا ، ومنه حديث ابن عباس من شاء باهلته أن الحق معي.

قال : « أصلح نفسك ثلاثا » أي ثلاث ليال بأيامهن ، ولو كان المراد الأيام لقال ثلاثة ، والغالب في التواريخ ، وأمثالها اعتبار الليالي ، والإصلاح بالتوبة ، والاستغفار والدعاء ، والاشتغال بالأعمال الصالحة ، ولخصوص الثلاثة مدخلا عظيما في ذلك ، كما اعتبرت في أقل الاعتكاف ، والكفارات وصوم الحاجة ، والاستسقاء وغيرها

١٨٥

اغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان فشبك أصابعك من يدك اليمنى في أصابعه ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا و

_________________________________________

« وأظنه قال : وصم » أي في الأيام الثلاثة« واغتسل » أي في اليوم الثالث قبل الخروج ، والظاهر أنه عطف على أصلح لا على صم ، فلا يكون داخلا في المظنون وإن كان محتملا ، ومنه يظهر أن ما ورد في عداد الأغسال من غسل المباهلة ، وحمله الأصحاب على غسل يوم مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، نصارى نجران يحتمل هذا أيضا بل هو أظهر لعدم الحاجة إلى تقدير اليوم إلا أن يكون لهم قرينة من غير هذه الرواية ، والبروز الخروج.

وفي المغرب« الجبانة » المصلى العام في الصحراء ، وفي المصباح : الجبانة مثقل الباء ، وثبوت الهاء أكثر من حذفها هي المصلى في الصحراء ، وربما أطلقت على المقبرة ، لأن المصلي غالبا يكون في المقبرة ، وفي القاموس : الجبان ، والجبانة مشددتين المقبرة ، والصحراء ، والمنبت الكريم ، أو الأرض المسوية في ارتفاع ، وقيل : المراد المكان المرتفع لينظر الناس إليهما ، ويشهدوا بذلك ، وهو بعيد« في أصابعه » أي أصابع يده اليمنى أيضا ، و« التشبيك » إما بإدخال الأصابع في الأصابع ، أو بأخذ الأصابع بالأصابع كالمصافحة ، والأول أظهر« تم أنصفه » بأن يبدأ في اللعن بنفسه ،فقوله وأبدا عطف تفسير له.

« عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ » أي يعلم ما لا تشاهده حواس الخلق ، وما تشاهده حواسهم ، ولا يعلمون ، وما يعلمون ، وقال البيضاوي : الغيب مصدر وصف به للمبالغة كالشهادة في قوله تعالى( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) (١) والعرب تسمى المطمئن من الأرض ، والخمصة التي تلي الكلية ، غيبا أو فيعل فعيل خفف كقيل ، والمراد به الخفي الذي لا يدركه الحسن ، ولا تقتضيه بديهة العقل ، وهو قسمان قسم لا

__________________

(١) الرعد : ٩.

١٨٦

ادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم رد الدعوة عليه فقل وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما ثم قال لي فإنك لا تلبث أن ترى ذلك فيه فو الله ما وجدت خلقا

_________________________________________

دليل عليه ، وهو المعنى بقوله تعالى «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ » وقسم نصب عليه دليل كالصانع وصفاته ، واليوم الآخر وأحواله ، وهو المراد به في قوله سبحانه « يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ » إذا جعلته صلة للإيمان انتهى وقيل : يعلم ما يغيب عنكم ، وما تشهدونه ، وقيل : إنما قدم الغيب على الشهادة ، لأن علمه تعالى بالأشياء قبل خلقها علم بالغيب فقط ، وبعد خلقها علم بالشهادة أيضا.

وقوله « الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ » إن كانا بدلين فهما مبنيان على الضم كالمنادى المنفرد ، وإن كانا نعتين فهما منصوبان ، وإن كانا عطفي بيان فيحتمل الرفع والنصب عند الأخفش ، والنصب متعين عند غيره ، وفي القاموس« الحسبان » بالضم جمع الحساب ، والعذاب ، والبلاء والشر ، والصاعقة وكأنه إشارة إلى قوله تعالى( وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ ) (١) أي بعذاب أليم سواه وقال تعالى في قصة صاحب الجنة الكافر( وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ ) (٢) قال البيضاوي : أي مرامي جمع حسبانة وهي الصواعق ، وقيل : هو مصدر بمعنى الحساب ، والمراد به التقدير بتخريبها أو عذاب حساب الأعمال السيئة ، وقيل : الحسبان عذاب الاستئصال ، والعذاب الأليم ما لم يكن سببا للاستيصال ، وإن ترى بتقدير حتى أن ترى ويتعلق بالمنفي لا بالنفي.

قوله « فو الله » الظاهر أنه من كلام أبي مسروق بتقدير قال ، ويحتمل أن يكون كلام الإمامعليه‌السلام « يجيبني إليه » أي يرضى بأن يباهلني بمثل هذا لخوفهم

__________________

(١) الأنفال : ٣٢.

(٢) الكهف : ٤٠.

١٨٧

يجيبني إليه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال الساعة التي تباهل فيها ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن مخلد أبي الشكر ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام مثله.

٣ ـ أحمد ، عن بعض أصحابنا في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي العباس ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المباهلة قال تشبك أصابعك في أصابعه ثم تقول اللهم إن كان فلان جحد حقا وأقر بباطل فأصبه بحسبان من السماء أو بعذاب من عندك وتلاعنه سبعين مرة.

_________________________________________

على أنفسهم وعليهم ، أو ظنهم بأني على الحق كما امتنع نصارى نجران عن المباهلة لذلك.

الحديث الثاني : ضعيف بسنده الأول مجهول بسنده الثاني.

« يباهل » بالياء على بناء المجهول ، أو بالتاء على بناء المخاطب المعلوم ، وحمل على أن المباهلة فيها أفضل لأنه وقت استجابة الدعاء ، وكان دعوة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل نجران إلى المباهلة كانت في هذه الساعة.

الحديث الثالث : مرسل موقوف.

و « تلاعنه سبعين مرة » والظاهر كون العدد في مجلس واحد ، وقيل : يعني إن لم تقع الاستجابة في المرة الأولى ، لاعنه مرة ثانية وهكذا.

الحديث الرابع : صحيح.

١٨٨

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن أبي جميلة ، عن بعض أصحابه قال إذا جحد الرجل الحق فإن أراد أن تلاعنه قل اللهم رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم إن كان فلان جحد الحق وكفر به فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما.

(باب)

(ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار

_________________________________________

الحديث الخامس : ضعيف موقوف.

و « جحد » إما على بناء المجهول ، والضمير المرفوع في أراد ، وفي يلاعنه راجعان إلى الرجل ، أو على بناء المعلوم ، والضميران راجعان إلى القائل بالحق بقرينة المقام ، قال الجوهري : الجحود الإنكار مع العلم يقال : جحده حقه وبحقه جحدا وجحودا.

باب ما يمجد به الرب تبارك وتعالى نفسه

الحديث الأول : مرسل.

« حين تكون الشمس » قيل : أي حين تكون الشمس من جانب المشرق إلى الصلاة الأولى ، وهي الظهر مقدارها حين تكون من جانب المغرب وقت العصر إلى الغروب ، وهو قريب من ثمن الدور ، ومثله في آخر الليل إلى طلوع الفجر فإنه قال أول ساعات الليل في الثلث الباقي ، أو أول الثلث الباقي ، ولو قال ذلك لكان المقدار قريبا من سدس الدور وهو أكثر من ثلاث ساعات انتهى ، وهو بعيد بل الظاهر أن أول ساعات النهار حين كان ارتفاع الشمس عن الأفق من جانب المشرق بقدر ارتفاعها من الأفق في وقت العصر في جانب المغرب ، وأول ساعات الليل من أول الثلث الثالث من الليلة الشرعية إلى آخرها وهو طلوع الفجر الثاني ، ولا بعد

١٨٩

عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن لله عز وجل ثلاث ساعات في الليل

_________________________________________

في كون الساعات الثلاث في الليل أطول من ساعات النهار ، لكون عبادة الليل وساعاته أشرف كما قال تعالى( إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ) (١) أنا لا تسلم كون تلك الساعات أطول ، لأنها إنما تكون ثلثا بالنسبة إلى الليل الشرعي وهو أقصر من الليل النجومي بقريب من ساعتين فمع انضمامهما إلى الليل الشرعي يصير الثلث ربعا فتفطن.

ثم الظاهر أن قوله « من المشرق » من كلام الراوي وكذا « من المغرب » وأيضا ظاهر أن كلا من الفقرتين تحديد لتمام الثلث بأن يكون الثلث في كل منهما متوالية ، وكونه تحديدا للساعة الأولى فقط كما قيل بعيد جدا ويدل على أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار ، وقد يقال : دلالة فيه على ذلك ، لأنه قال : في الثلث الباقي لأول الثلث الباقي فيمكن أن تكون تلك الساعات بين هذا الثلث ، ولا يخفى بعده.

وتفصيل القول في شرح الخبر : أنه قد يقسم مجموع الليل والنهار ، أربعا وعشرين ساعة متساوية وتسمى بالساعات المسوية ، وقد يقسم كل من الليل والنهار ، اثني عشرة ساعة متساوية في أي فصل كان ، وتسمى بالساعات المعوجة ، وكأنها المراد هنا ، وقد يطلق على مقدار قليل من الليل أو النهار ، اختص بحكم أو حالة ، كما ورد أن ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ساعة ، وأن بين العشاءين ساعة ، فليست هي من الساعات المسوية ، ولا المعوجة.

قال في المصباح :الساعة الوقت من ليل ، أو نهار ، والعرب تطلقها ، وتريد بها الوقت ، والحين وإن قل وعليه قوله تعالى «لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(٢) ومنه قولهعليه‌السلام من راح في الساعة الأولى الحديث ، ليس المراد الساعة التي ينقسم عليها النهار القسمة الزمانية ، بل المراد مطلق الوقت ، وهو السبق ، وإلا لاقتضى

__________________

(١) المزّمّل : ٦.

(٢) الأعراف : ٣٤.

١٩٠

وثلاث ساعات في النهار يمجد فيهن نفسه فأول ساعات النهار حين تكون الشمس هذا الجانب يعني من المشرق مقدارها من العصر يعني من المغرب إلى الصلاة الأولى وأول ساعات الليل في الثلث الباقي من الليل إلى أن ينفجر الصبح يقول إني أنا

_________________________________________

أن يستوي من جاء في أول الساعة الفلكية ومن جاء في آخرها لأنهما حضرا في ساعة واحدة وليس كذلك بل من جاء في أولها أفضل ممن جاء في آخرها انتهى.

وإنما خص هذين الوقتين ، لأنهما وقت غفلة أكثر الناس بالنوم ، والاستراحة ، والقيلولة فهم غافلون عن ذكر الله ، فالرب الذي لا يغفل ، ولا يكل ولا ينام ، ولا يموت يمجد نفسه في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، بل يظهر مجده وعظمته وتفرده بالجلال ، والكبرياء في تلك الساعات ، وأنه لا يشبههم في تلك الحالات.

« يمجد فيهن » أي في كل واحدة منهن كما يدل عليه الخبر الآتي« فأول » الفاء للبيان ، ومرفوع بالابتداء و« حين » خبره ، و« هذا الجانب » مفعول فيه لتكون ، و« مقدارها » خبر تكون بتقدير على مقدار ارتفاعها ، وقيل« من » في ثلاثة مواضع بمعنى ـ في ـ وفي الرابعة للتبعيض ، والمرادبالمشرق النصف الأول من قوس النهار ، وبالمغرب النصف الآخر منه ، وقوله « إلى صلاة الأولى » ظرف مستقر ، وهو خبر مبتدإ محذوف يفهم من الكلام السابق لأن معنى أول ساعات النهار حين تكون بمعنى ساعات النهار من حين تكون الحر ، وعلى هذا القياس.

قوله « إلى أن ينفجر » كذا قيل ، ويمكن تقدير فعل أي تنتهي إلى صلاة الأولى أو تمتد إليها ، و « صلاة الأولى » صلاة الظهر لأنها أول صلاة فرضها الله كما ورد في الأخبار ، وقيل إن كانت الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة كما هو مذهب الكوفيين ، فهو باعتبار أنها أول صلاة وجبت على الأمة لسبق نزول( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (١) على نزول( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (٢)

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) هود : ١١٤.

١٩١

الله رب العالمين إني أنا الله العلي العظيم إني أنا الله العزيز الحكيم إني أنا الله الغفور الرحيم إني أنا الله الرحمن الرحيم إني أنا الله مالك يوم الدين ،

_________________________________________

وإن كانت بتقدير صلاة الساعة الأولى ، كما هو مذهب البصريين ، فهو باعتبار أن أول خلق العالم كانت الشمس في نصف نهار وسط الدنيا ، كما روي عن الرضاعليه‌السلام .

فإن قيل : هذه الساعات تختلف باختلاف عروض البلاد ، فالمعتبر في ذلك أي عرض ، وأي بلد.

قلت : يحتمل أن يكون المعتبر قبة الأرض ، أو مكة ضاعف الله شرفها ، ولو حمل على أن المراد بالتمجيد ظهور تقدسه ، وجلاله لطريان أضداد تلك الصفات على العباد فلا يبعد كون التمجيد في كل بلد في هذا النوع من الأوقات فتدبر.

« إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ » الله ، أشهر أسمائه تعالى ، وأعلاها محلا في الذكر والدعاء ، ولذا ابتدأ به في القرآن المجيد ، وفي فقرات هذا التمجيد ، وهو اسم للذات الواجب بالذات المستحق لجميع المحامد ، والكمالات ، و « الرب » قيل هو مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ كل شيء إلى كماله اللائق به شيئا فشيئا ، والوصف به للمبالغة كزيد عدل ، وقيل : صفة مشبهة من ربه يربه ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ، ويربيه لينتقل من حد النقص إلى حد الكمال ، و « العالم » هو كل ما سوى الله تعالى من المجردات ، والجسمانيات ، وفيه دلالة على افتقار الممكن إلى المؤثر في البقاء.

« إني أنا الله العلي العظيم » العلي المتنزه عن صفات الممكن ، وقد يكون بمعنى العالي فوق خلقه بالغلبة ، والقدرة عليهم ، وبمعنى المتعالي عن الأشباه ، والأنداد و « العظيم » ذو العظمة ، وهو راجع إلى كمال الذات ، والصفات و« العزيز » الغالب الذي لا يغلب ، ولا يعادله شيء و« الحكيم » الذي يعلم الأشياء كما هي ، أو يحكم خلقها ويتقنها بلطف التدبير ، وحسن التقدير و« الغفور » كثير المغفرة للسيئات ، وعظيم التجاوز عن العقوبات و« الرحيم » شديد الرحمة بجميع عبادة ،

١٩٢

إني أنا الله لم أزل ولا أزال إني أنا الله خالق الخير والشر إني أنا الله خالق الجنة والنار إني أنا الله بديء كل شيء وإلي يعود إني أنا الله الواحد الصمد إني أنا الله عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ إني أنا الله الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ

_________________________________________

أو بالمؤمنين في الدنيا ، والآخرة و« الرحمن » ذو الرحمة الشاملة لجميع الخلق في الدنيا بإيصال الأرزاق ، وتيسر الأسباب ، ودفع البليات ، وقضاء الحاجات مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ الدين الجزاء أي مالك الأمور كلها ، والمتصرف فيها يوم الجزاء إذ لا مالك فيه غيره ، حذف المفعول به ، وأقيم الظرف مقامه ، وجعل مفعولا به على سبيل الاتساع والتجوز« لم أزل ولا أزال » إذ لا بداية لوجوده ولا نهاية له.

« خالق الخير والشر » أي مقدرهما ، أو خالق النور والظلمة ، أو خالق الحياة ، والموت ، أو خالق الغناء ، والفقر ، والصحة ، والسقم ، وغيرها من الصفات المتضادة« خالق الجنة ، والنار » قيل الظاهر أن الخالق من حيث هو مضاف صفة الله ، لا خبر بعد خبر ، وحينئذ وجب أن يكون بمعنى الماضي لتكون الإضافة معنوية مفيدة للتعريف لا بمعنى الحال ، أو الاستقبال فيفهم منه أن الجنة والنار مخلوقتان وهذا يجري في سائر الإضافات الواقعة في هذا التمجيد« بدئ كل شيء » البديء كالبديع الأول كالبدء ، والله سبحانه أول كل شيء بالعلية ، وعليه عوده بعد الفناء وبالحاجة في حال البقاء و« الغيب والشهادة » قيل هما الآخرة والدنيا ، وما غاب عن الحس وما حضر ، أو السر ، والعلانية ، أو عالم المجردات ، وعالم الجسمانيات و «الْمَلِكُ » هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين.

وفي النهاية في أسماء الله تعالى : الْقُدُّوسُ ـ هو الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص ، وفعول من أبنية المبالغة ، وقد تفتح القاف ، وليس بالكثير ، ولم يجيء منه إلا قدوس وسبوح وذروح ، وفي القاموس : هو الطاهر ، أو المبارك.

و « السَّلامُ » في الأصل مصدر ، ووصفه تعالى به للمبالغة ، ومعناه السلامة عما يلحق الخلق من العيب والفناء ، والحاجة ، والعناء وقيل : للجنة دار السلام

١٩٣

الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، إني أنا الله الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ، لي الأسماء الحسنى إني

_________________________________________

لأن أهلها سالمون من الآفات ، أو لأنها داره عز وجل ، ومن أسمائه « الْمُؤْمِنُ » لأنه الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق ، أو يؤمنهم في القيامة عذابه فهو من الأمان ، والأمن ضد الخوف ، ومن أسمائه « الْمُهَيْمِنُ » قيل : هو الرقيب الحافظ لكل شيء ، وقيل : هو الشاهد علي الخلق ، وقيل : المؤتمن ، وقيل : القائم بأمور الخلق ، وتدبيرهم ، وقيل : أصله مؤيمن أبدلت الهاء من الهمزة ، وهو يفعل من الأمانة ، والْعَزِيزُ المنيع الذي لا يغلب ، أو لا يعادله شيء ، أو لا مثل له ، ولا نظير ، والْجَبَّارُ من أبنية المبالغة ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمر ونهي ، وغيرهما من الأمور التي ليس لهم فيها اختيار ، ولا قدرة على تغييرها ، وقيل : هو العالي فوق خلقه ، وقيل : هو الذي يجبر مفاقر الخلق ، وكسرهم ، ويكفيهم أسباب الرزق ، ويصلح أحوالهم ، والْمُتَكَبِّرُ العظيم من الكبر بالكسر ، وهو العظمة وهي عبارة عن كمال الذات ، والصفات ، وقيل : هو المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه.

« الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ » قال الشيخ البهائي ره : قد يظن أن الثلاثة مترادفة لأنها بمعنى الإيجاد والإنشاء فذكرها للتأكيد ، وليس كذلك بل هي أمور متخالفة ألا ترى أن البنيان يحتاج إلى تقدير في الطول ، والعرض ، وإلى إيجاد بوضع الأحجار والأخشاب على نهج خاص ، وإلى تزيين ، ونقش وتصوير فهذه أمور ثلاثة مترتبة يصدر عنه جل شأنه في إيجاد الخلائق من كتم العدم ، فله سبحانه باعتبار كل منها اسم على ذلك الترتيب.

« لي الأسماء الحسنى » هي التي لا نقص فيها ، ولا في مفهومها ، أو مترتب عليها الآثار الحسنة ، وفي العدة :الكبير السيد يقال لكبير القوم سيدهم ، وفي النهاية : في أسماء الله تعالى المتكبر ، والكبير أي العظيم ذو الكبرياء ، وقيل :المتعالي عن صفات الخلق ، وقيل : المتكبر على عتاة خلقه ، والتاء فيه للتفرد ،

١٩٤

أنا الله الكبير المتعال قال ثم قال أبو عبد اللهعليه‌السلام من عنده والكبرياء رداؤه فمن نازعه شيئا من ذلك أكبه الله في النار ثم قال ما من عبد مؤمن يدعو بهن

_________________________________________

والتخصص لا تاء التعاطي والتكلف ، والكبرياء العظمة ، والملك ، وقيل : هي عبارة عن كمال الذات ، وكمال الوجود ، ولا يوصف بها إلا الله تعالى ، وقد تكرر ذكرهما في الحديث ، وهما من الكبر بالكسر وهو العظمة ، ويقال : كبر بالضم يكبر أي عظم فهو كبير.قوله « من عنده » الضمير راجع إلى الصادقعليه‌السلام أي ليس هذا من تتمة الدعاء ، وقال في النهاية في الحديث : « قال الله تبارك وتعالى : العظمة إزاري ،والكبرياء ردائي » ضرب الإزار والرداء مثلا في انفراده بصفة العظمة ، والكبرياء أي ليستا كسائر الصفات التي قد يتصف بها الخلق مجازا كالرحمة ، والكرم ، وغيرهما ، وشبههما بالإزار ، والرداء لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان ، ولأنه لا يشاركه في إزاره ، وردائه أحد فكذلك الله لا ينبغي أن يشركه فيهما أحد ، ومثله الحديث الآخر « تأزر بالعظمة وتردى بالكبرياء وتسر بل بالعزة ».

قوله عليه‌السلام « أكبه الله » كذا في النسخ ، والمشهور أن كب متعد وأكب لازم على خلاف القياس المطرد ، قال في المصباح : كببت الإناء كبا من باب قتل قلبته على رأسه ، وكببت زيدا كبا أيضا ألقيته على وجهه وأكب هو بالألف ، وهو من النوادر التي تعدى ثلاثيها وتقصر رباعيها ، وفي التنزيل «فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي (١) النَّارِ » «أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ »(٢) وأكب على كذا بالألف لازمه لكن قال في القاموس كبه قلبه ، وصرعه كأكبه ، وكبكبه فأكب وهو لازم متعد و« قلبه » مرفوع ، وهو فاعل مقبلا ، وقضى على بناء المفعول وشقي يشقي شقاء

__________________

(١) النمل : ٩٠.

(٢) الملك : ٢٢.

١٩٥

مقبلا قلبه إلى الله عز وجل إلا قضى حاجته ولو كان شقيا رجوت أن يحول سعيدا.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن بكير ، عن عبد الله بن أعين ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى يمجد نفسه في كل يوم وليلة ثلاث مرات فمن مجد الله بما مجد به نفسه ثم كان في حال شقوة حوله الله عز وجل إلى سعادة يقول أنت الله لا إله إلا أنت رب العالمين أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز العلي الكبير أنت الله لا إله إلا أنت مالك يوم الدين أنت الله لا إله إلا أنت الغفور الرحيم أنت الله لا إله إلا أنت العزيز الحكيم أنت الله لا إله إلا أنت منك بدأ الخلق وإليك يعود أنت الله الذي لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال أنت الله الذي لا إله إلا أنت خالق الخير والشر أنت الله لا إله إلا أنت خالق الجنة والنار أنت الله لا إله إلا أنت أحد صمد «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » أنت الله لا إله إلا أنت الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ

_________________________________________

ضد سعد ، والشقوة بالكسر ، والشقاوة بالفتح الاسم منه ، والسعادة حسن العاقبة والشقاوة سوء العاقبة إما في الدنيا أو في الآخرة ، والمراد هنا في الآخرة ، وقد ينسبان إلى العمل ، والحالة كما في الخبر الآتي.

الحديث الثاني : حسن موثق ، وفي ثواب الأعمال ، عن زرارة بن أعين ، وفيه مكان« العزيز الكبير » العلي الكبير ، وفيه « لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفوا أحد » ، وفي أخره « أنت الله الخالق البارئ المصور ، لك الأسماء الحسنى يسبح لك ما في السماوات ، والأرض ، وأنت العزيز الحكيم ».

قوله عليه‌السلام : « منك بدأ الخلق » مهموزا على صيغة فعل الماضي أي ابتداء

١٩٦

ـ إلى آخر السورة ـ أنت الله لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء رداءك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول ما من شيء أعظم ثوابا من شهادة أن لا إله إلا الله إن الله عز وجل لا يعدله شيء ولا يشركه في الأمور أحد.

٢ ـ عنه ، عن الفضيل بن عبد الوهاب ، عن إسحاق بن عبيد الله ، عن عبيد الله بن الوليد الوصافي رفعه قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قال لا إله إلا الله

_________________________________________

خلقهم ، أو على صيغة المصدر ، وقد يقرأ غير مهموز أي ظهر الخلق.

باب من قال لا إله إلا الله

الحديث الأول : ضعيف على مشهور.

« إن الله لا يعدله شيء » كأنه تعليل لما مضى فإنه إذا لم يعدل الله شيء ، لا يعدل ما يتعلق بألوهيته ووحدانيته شيء ، وهذا الذكر أعظم ما يتعلق به من الأذكار إذ تدل على اتصافه بجميع الصفات الكمالية ، وعلى نفي الشريك ، والأنداد عنه ، وعلى احتياج كل موجود سواه إليه ، ولذا صارت من بين جميعها سببا للدخول في الإسلام ، وتوقف عليها صحة سائر العبادات ويحتمل أن يكون بيانا لكيفية التهليل الذي ليس شيء أعظم ثوابا منه بأن يكون المقصود منه هذا المعنى الذي هو التوحيد الكامل ، وعلى هذا الوجه يمكن أن يقرءان بالفتح عطف بيان لقوله : « إن لا إله إلا الله » وفي توحيد الصدوق ، وثواب الأعمال لأن الله فهو يؤيد الأول « لا يعدله شيء » أي في كمال الذات ، والصفات« ولا يشركه في الأمور أحد » في صفات الأعمال له الحكم ، والأمر ، وفي ثواب الأعمال في الأمر.

الحديث الثاني : مجهول مرفوع.

١٩٧

غرست له شجرة في الجنة من ياقوتة حمراء منبتها في مسك أبيض أحلى من العسل وأشد بياضا من الثلج وأطيب ريحا من المسك فيها أمثال ثدي الأبكار تعلو عن سبعين حلة.

_________________________________________

« من ياقوتة » من ابتدائية وقيل بيانية أي من ياقوتة واحدة« منبتها » وصف لأرض الجنة في طيبها ، وريحها« أحلى من العسل » أي ثمرتها أحلى ، أو وصف للشجرة باعتبار ثمرتها فالإسناد مجازي ، وقد يقرأ منبتها بضم الميم وفتح الباء أي الثمرة التي تنسب منها« أمثال ثدي الأبكار » قد يقرأ ثدي كحلي بضم الثاء ، وكسر الدال ، وتشديد الياء جمع الثدي ، وفي ثواب الأعمال فيها ثمار أمثال أثداء الأبكار وفي القاموس : الثدي ويكسر خاص بالمرأة أو عام ، ويؤنث ، والجمع أثد ، وثدي كحلي« تعلو » أي ترتفع منفصلا ، أو منفتحا أو كاشفا أو علوا ناشياعن سبعين حلة والحاصل أن في جوف هذه الثمرة سبعون حلة يلبسها أهل الجنة وهذا نوع آخر من ثمرها غير ما مر.

وقيل المراد أن ثمرتها شبيهة بثدي بكر تكون تحت سبعين حجابا تحفظها عن الغبار والكثافة ، ونظر الأجانب مبالغة في صفاء تلك الثمرة ، وطراوتها ، وفي نسخ ثواب الأعمال تفلق بالفاء ثم القاف أي تشق ، وهو أظهر ، ولا استبعاد في كون الحلة أيضا من ثمرات الجنة ، ويؤيده ما رواه الصدوق ره في المجالس بإسناده عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال إن في الجنة شجرة يخرج من أعلاها الحلل ، ومن أسفلها خيل بلق مسرجة ملحمة ذوات أجنحة لا تروث ، ولا تبول ، إلى آخر الخبر.

وروى البرقي في المحاسن ، بإسناده عن الباقر ، والصادقعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي نفس محمد بيده أن في الجنة لشجرا يتصفق بالتسبيح بصوت لم يسمع الأولون ، والآخرون بمثله يثمر ثمرا كالرمان تلقى الثمرة إلى الرجل فيشقها عن سبعين حلة الخبر ، والتشبيهان متقاربان ، فإن الرمان شبيه بالثدي ، وهو مؤيد لنسخة ثواب الأعمال.

١٩٨

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير العبادة قول لا إله إلا الله.

وقال خير العبادة الاستغفار وذلك قول الله عز وجل في كتابه : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».

_________________________________________

وروى السيد بن طاوس ، في كشف اليقين بإسناده إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أدخلت الجنة رأيت الشجرة تحمل الحلي ، والحلل أسفلها خيل بلق ، وأوسطها الحور العين ، وفي أعلاها الرضوان ، قلت يا جبرئيل لمن هذه الشجرة ، قال : هذه لابن عمك أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام إذا أمر الله الخليقة بالدخول إلى الجنة ، يؤتى بشيعة علي حتى ينتهي بهم إلى هذه الشجرة فيلبسون الحلي ، والحلل ، ويركبون الخيل البلق ، وينادي مناد هؤلاء شيعة علي صبروا في الدنيا على الأذى فحبوا هذا اليوم ، ومثله كثير ، وفي القاموس : الحلة بالضم إزار ورداء برداء ، وغيره ، ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة ، وقد مر شرح آخر الخبر في باب الاستغفار.

وقيل : يحتمل أن يكون المراد أن مجموع التوحيد ، والاستغفار من حيث المجموع خير العبادة.

لكن فيه شيء ، لأنك قد عرفت أن التوحيد وحده خير العبادة فما الفائدة في ضم الاستغفار معه ، والحكم على المجموع بالخيرية.

ويمكن الجواب : بأن الخيرية تقبل التشكيك فهذا الفرد منها أكمل من السابق.

ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد منهما خير العبادة ، أما الأول : فلما عرفت ، وأما الثاني : فلأن الاستغفار في نفسه عبادة ، لكونه غاية الخشوع والتذلل ، والرجعة إليه سبحانه ، ومع ذلك سبب لمحو الذنوب الصغيرة ، والكبيرة جميعا الذي يوجب طهارة النفس ، وحصول القرب إليه سبحانه لأن المعصية مانعة منه ، وأما غيره من العبادات وإن كان مكفرا للذنوب ، لكن ليس بهذه المثابة.

١٩٩

(باب)

(من قال لا إله إلا الله والله أكبر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى رفعه ، عن حريز ، عن يعقوب القمي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ثمن الجنة لا إله إلا الله والله أكبر.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله والله أكبر

الحديث الأول : مرفوع.

« الله أكبر » أي من كل شيء أو من أن يوصف ، والبائع هو الله سبحانه ، والمشتري هو العبد ، والثمن هذه الكلمة الشريفة مع شرائطها ، ومنها الإقرار بالرسالة والولاية لأهلهما ، قال في النهاية : في حديث الأذان الله أكبر معناه الكبير فوضع أفعل موضوع فعيل ، وقيل : معناه الله أكبر من كل شيء ، أي أعظم فحذفت من لوضوح معناها ، وأكبر خبر ، والإخبار لا ينكر حذفها ، وقيل معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه ، وعظمته ، وإنما قدر له ذلك وأول ، لأن أفعل فعلى يلزمه الألف واللام ، أو الإضافة كالأكبر وأكبر القوم انتهى ، وأقول : قد مر معناه في كتاب التوحيد.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594