مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 594
المشاهدات: 44745
تحميل: 6429


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44745 / تحميل: 6429
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 12

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بريد بن معاوية العجلي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكراً قال قلت وما الذَّاكر ؟ قال : من قرأ مائة آية.

٣ - حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن ميتة المؤمن قال يموت المؤمن بكلّ ميتة يموت غرقاً ويموت بالهدم ويبتلى بالسبع ويموت بالصاعقة ولا تصيب ذاكر الله عزَّ وجلَّ.

(باب)

( الاشتغال بذكر الله عز وجل)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الله عزَّ وجلَّ يقول : من شغل بذكري عن مسالّتي أعطيته أفضل ما أعطي من سألني.

_________________________________________________

الذكر الذي لا تصيبه الصّاعقة أعمّ من أن يكون تحقيقاً أو تقديراً ، والحاصل أنّه إذا كان معدوداً عند الله من الذاكرين لا من الغافلين لا تصيبه الصاعقة ، أو يقال من قرأ في كلّ يوم مائة آية بشرائطها فهو بحيث لا يغفل عن الله إذا رجع إلى نفسه ، وإن منعه شغل آخر عنه فهو أبداً في حكم الذاكر.

الحديث الثالث : موثّق « ولا تصيب » أي الصّاعقة.

باب الاشتغال بذكر الله عز وجل

أي عن طلب الحاجة منه.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قيل : دل على أن من شغل بذكره تعالى خالصاً من غير أن يجعله وسيلة للسؤال عن حاجته وقضائها قضى الله حاجته ، ووجه التفضيل حينئذ ظاهر ، ويمكن التعميم بحيث يشمل أيضاً من أراد السؤال ونسيه ، وأقول : يمكن حمله على أنّه بعد النسيان صارت نيته خالصة.

١٤١

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عزَّ وجلَّ فيبدأ بالثناء على الله والصّلاة على محمّد وآل محمّد حتّى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إيّاها.

(باب)

(ذكر الله عز وجل في السر)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي البلاد عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال الله عزَّ وجلَّ : من

_________________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

باب ذكر الله عز وجل في السر

الحديث الأوّل : مرسل.

« من ذكرني سرّاً » أي في قلبه أو في الخلوة أو بالإخفات الذي يقابل الجهر « ذكرته علانية » أي في القيامة بإظهار شرفه وفضله أو توفير ثوابه أو في الملإ الأعلى كما مرّ ، أو ذكره بالجميل في الدنيا على ألسن العباد ، وقيل : لعلّ المراد به إظهار حاله وشرفه في المخلوقين من الملائكة والناس أجمعين وقال بعضهم : الذكر ثلاثة ذكر باللسان ، وذكر بالقلب ، وهذا نوعان أحدهما الفكر في عظمة الله سبحانه وجلاله وملكوته وآيات أرضه وسمائه والثاني ذكره عند أمره ونهيه فيمتثل الأمرّ ويجتنب النهي ويقف عند ما يشكلّ ، وأرفع الثلاثة الفكر لدلالة الأحاديث الواردة على فضل الذكر الخفي وأضعفها الذكر باللسان ، ولكن له فضل كثير على ما جاء في الآثار ، وقيل : الخلاف إنما هو في الذكر بالقلب بالتهليل والتسبيح ونحوهما ، وفي الذكر باللسان به لا في الذكر الخفي الذي هو الفكر ، وفي الذكر باللسان ، فإن الفكر لا يقاربّه ذكر اللسان ، فكيف يفاضل معه.

١٤٢

ذكرني سرِّا ذكرته علانية.

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن عمرو ، عن أبي المغراء الخصاف رفعه قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام من ذكر الله عزَّ وجلَّ في السرّ فقد ذكر الله كثيراً إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عزَّ وجلَّ :

_________________________________________________

ثمَّ هذا الخلاف إذا كان القلب في ذكر اللسان حاضراً ، وأمّا إذا كان لاهيا فذكر اللسان لغو لا ذكر ، فمن رجح ذكر القلب قال : لأن عمل السر أفضل ، ومن فضل ذكر اللسان قال : لأن فيه زيادة عمل الجوارح على عمل ذكر القلب ، وزيادة العمل تقتضي زيادة الأجر ، واعترض عليه بأن ما ذكر من أنّه لا بد من حضور القلب كأنّه أراد به النيّة ، فإن خلا الذكر عن النيّة فهو لغو ثمَّ إن صحبته النيّة من الشروع إلى التمام فهو الغاية والمطلوب ، وإن صحبته في الشروع وعزبت في الأثناء فالظاهر أنّه إذا كان أصل العمل خالصاً لله تعالى وعلى ذلك عقد فلا يضره ما يعرض من الخطرات الّتي تقع في القلب ولذلك اعتبروا النيّة الحكمية في الوضوء والصّلاة ونحوهما دون الفعلية.

أقول : فيما ذكر من الأسئلة والأجوبة أنظار يطول الكلام بذكرها ، ثمَّ اختلفوا في أن ذكر القلب هل تعلمه الملائكة وتكتبه؟ فقيل : نعم ، لأن الله تعالى يجعل عليه علامة ، وقيل : لا لأنهم لا يطلعون عليه ، وقد مرّ ما يؤيد الطرفين لا سيما في باب المصافحة.

الحديث الثاني : ضعيف.

والخصاف كأنّه الذي يخصف النعل والآية وردت في المنافقين حيث قال : «إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصّلاة قامُوا كُسالى يُراؤُنَ

١٤٣

«يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلّا قليلاً ».

٣ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن ابن فضّال رفعه قال قال الله عزَّ وجلَّ لعيسىعليه‌السلام : يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملا الآدميين يا عيسى ألن لي قلبك وأكثر

_________________________________________________

النَّاسَ »(١) الآية ، وفي المجمع قاموا كسالى أي متثاقلين « يُراؤُنَ النَّاسَ » يعني أنهم لا يعملون شيئاً من أعمال العبادات على وجه القربة وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم وحذرا من القتل وسلب الأموال ، وإذا رأوهم المسلمون صلوا ليروهم أنهم يدينون بدينهم وإن لم يرهم أحدّ لم يصلوا « وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إلّا قليلاً » أي ذكراً قليلاً ، ومعناه لا يذكرون الله عن نية خالصة ، ولو ذكروه مخلصين لكان كثيراً وو إنّما وصف بالقلة لأنّه لغير الله عن الحسن وابن عبّاس ، وقيل : لا يذكرون إلّا ذكراً يسيرا نحو التكبير والأذكار الّتي تجهر بها ويتركون التسبيح وما يخافت به من القراءة وغيرها عن الجبائي ، وقيل : إنما وصف الذكر بالقلة لأنّه سبحانه لم يقبله ، وكلـمّا يرد الله فهو قليل ، وقال البيضاوي( إلّا قليلاً ) إذ المرائي لا يفعل إلّا بحضرة من يرائيه وهو أقل أفعاله أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى الذكر بالقلب ، وقيل : المراد بالذكر الصّلاة ، وقيل : الذكر فيها فإنّهم لا يذكرون فيها غير التكبير والتسليم.

الحديث الثالث : مرفوع.

« اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي» النفس هنا مجاز كما في قوله سبحانه : «تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » قال البيضاوي : تعلم ما أخفية في نفسي كما تعلم ما أعلنه ، ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك ، وقوله : في نفسك للمشاكلة ، وقيل : المراد بالنفس الذات.

أقول : كون المراد بالنفس الذات عندي أظهر كما قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت

____________________

(١) النساء : ١٤٢.

١٤٤

ذكري في الخلوات واعلم أنَّ سروري أن تبصبص إليَّ وكن في ذلك حيّاً ولا تكن ميّتاً.

_________________________________________________

كما أثنيت على نفسك ويقال : اختار الله لنفسه أسماء لأن النفس قد تطلق ويراد بها ما وضع الله في ذوات الأنفس من الحيوان والإنسان يدعوه إلى ما يشتهيه من مثل الأكلّ والشربّ والجماع ، قال تعالى :( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) وقد يراد بها ذات الشيء وعينه ، تقول : اشتريت لنفسي وبنيت لنفسي ، ومثله قولك : أخذته لنفسي وأخذت منه حق نفسي ولها معان غير ما ذكر أحدث بعضها المتفلسفون الباحثون في النفس والعقل والروح ، وقال الراغب : النفس الرّوح في قوله عزَّ وجلَّ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (٢) وقال تعالى :( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) (٣) وقوله تعالى :( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) (٤) وقوله عزَّ وجلَّ :( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) (٥) فنفسه ذاته ، وهذا وإن كان قد حصل من حيث اللّفظ مضاف ومضاف إليه يقتضي المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة ، فلا شيء من حيث المعنى سواه تعالى من الاثنوية من كلّ وجه ، وقال بعض الناس : إن إضافة النفس إلى الله تعالى إضافة الملك ، ويعني بنفسه نفوسنا وأضاف إليه على سبيل الملك ، انتهى.

وقيل : النفس تطلق على الدم وعلى نفس الحيوان وعلى الذات وعلى الغيب. ومنه قوله تعالى : «وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » أي في غيبك والأوّلان يستحيلان في حقه تعالى دون ، وقيل : المراد بالذكر النفساني في قوله اذكر في نفسك ذكر لا يعرفه غير الذَّاكر ، وفي قوله : أذكرك في نفسي ، جزاء ذلك الذكر يعني أجازيك وأرجعك لأجل الذكر ، فسمّي جزاء الذكر ذكراً وليس المراد به الذكر

____________________

(٢) البقرة : ٢٣٥.

(٣) المائدة :١١٦.

(٤) آل عمران : ٣٠.

١٤٥

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال لا يكتب الملك إلّا ما سمع وقال الله عزَّ وجلَّ : «وَاذْكُرْ

_________________________________________________

المقابل للنسيان ، لأن الذكر بهذا المعنى ثابت له تعالى سواء ذكره العبد أم لا ، أو المراد أذكرك من حيث لا يطلع عليه أحدّ فإن العبد إذا ذكره تعالى بحيث لا يطلع عليه أحدّ كما قال تعالى : «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » فأخبر سبحانه بأنّه انفرد بعلم بعض ما يجازي به عباده الصالحين.

أقول : لا ريب أن المراد بالذكر المواضع الذكر بالجميل ، وبما يتضمن تعظيم المذكور لا مطلق الذكر « اذكرني في ملإك » قيل : إشارة إلى الذكر الجلي ويندرج فيه فعل الطاعات ظاهراً والأمرّ بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً « أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين » أي أظهر ذكرك إياي للملائكة والروحانيين ليثنوا عليك أو أظهر ثواب ذكرك لهم أو أظهر فضلك وشرفك على الإطلاق وقال في النهاية : بصبص الكلب بذنبه إذا حركة ، وإنّما يفعل ذلك من خوف أو طمع « وكن في ذلك حيّاً » أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهيا غافلاً فإنّ القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى وعن إدراك الحق ميت والقلب العاقل الذَّاكر حي ، وقوله تعالى : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ »(١) «وإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى »(٢) إشارة إلى هذين القلبين.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« لا يكتب الملك إلّا ما سمع » أي من الأذكار فإن الملك يكتب غير المسموعات من أفعال الجوارح أيضاً والغرض بيان عظمة ذكر القلب لبعده عن الرياء فأنّه لا يطلع عليه الملك فكيف سيره ، ولا ينافي ذلك ما مرّ في باب من يهم بالحسنة والسيئة أن الملك يعرف قصد الحسنة والسيئة بريح نفس الإنسان ، لأنّه يمكن أن يكون ذلك لتعلقه بالأفعال الظاهرة الصادرة من الجوارح.

____________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) النمل : ٨٠.

١٤٦

رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تضرّعاً وَخِيفَةً » فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرّجل غير الله عزَّ وجلَّ لعظمته.

_________________________________________________

« وقال الله » قيل : هذا بيان لعظمة ذكر القلب بوجهين : الأوّل أن في تتمة الآية «وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » وتقديم ذكر القلب على القول يدلّ على رجحان عظمة ذكر القلب ، والثاني تخصيص التضرّع والخيفة بذكر القلب يدلّ على أن عمدة التضرّع والخيفة فيه لا في ذكر اللسان ، وقوله : فلا يعلم ، تفريع ويحتمل البيان.

وقال في مجمع البيان « وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ » خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به عام ، وقيل : هو خطاب لمستمع القرآن ، والمعنى « واذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح والتهليل والتحميد ، وروى زرارة عن أحدهماعليهما‌السلام قال : معناه إذا كنت خلف إمام تأثمَّ به فأنصت « وسبح » في نفسك يعني في ما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة ، وقيل : معناه واذكر نعمة ربك بالتفكّر في نفسك وقيل : أراد ذكره في نفسك بصفاته العليا وأسمائه الحسنى « تضرّعاً وَخِيفَةً » يعني بتضرّع وخوف يعني في الدّعاء ، فإن الدّعاء بالتضرّع والخوف من الله تعالى أقربّ إلى الإجابة وإنّما خص الذكر بالنفس لأنّه أبعد من الرياء عن الجبائي « وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » معناه ارفعوا أصواتكم قليلاً فلا تجهروا بها جهاراً بليغاً حتّى يكون عدلا بين ذلك كما قال : « وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها » وقيل : أنّه أمرّ للإمام أن يرفع صوته في الصّلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عبّاس « بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » أي بالغدوات والعشيات ، والمراد به دوام الذكر واتصاله وقيل : إنما خص هذين الوقتين لأنّهما حال فراغ الناس عن طلب المعاش فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب « وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ » عمّا أمرتك به من الدّعاء والذكر.

وقيل : إن الآية متوجهة إلى من أمرّ بالاستماع للقرآن والإنصات وكانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدّعاء عند ذكر الجنّة والنّار ، وفي الآية دليل

١٤٧

(باب)

(ذكر الله عزَّ وجلَّ في الغافلين)

١ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الذَّاكر لله عزَّ وجلَّ في الغافلين كالمقاتل في المحاربين.

_________________________________________________

على أنّ الّذين يرفعون أصواتهم عند الدّعاء ويجهرون به مخطئون ، انتهى.

وأقول : حاصل الخبر أنّ العمل إذا وقع موافقا لأمره سبحانه يترتب عليه الثواب قطعاً والذكر في النفس ممّا أمرّ الله به للآية ، والملك لا يكتب من الذكر إلّا ما سمع وكان يمكنه سبحانه أن يضع لذلك علأمّة يعرفها الملك فيكتبه ، فعدم ذلك دليل إما على شدّة اعتنائه بهذا العمل حيث لم يكلّ ثوابه إلى غيره كوفور ثوابه بحيث لا يعرف ذلك غيره ، كما قال تعالى : «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » وهذا الوجه في غاية الانطباق على الخبر وأحسن ممّا قيل فيه ، ويؤيّده عدم ذكر تتمة الآية فتفطنّ.

باب ذكر الله عز وجل في الغافلين

الحديث الأول : حسن موثق.

قوله : « في المحاربين » أي الهاربين أو الحاضرين في الحربّ الذين لم يحاربوا وفي بعض النسخ في الهاربين كما سيأتي ، وقيل : كلمة « في » في الأوّل ظرفية ، وفي الثاني للسببيّة ، أي كما أنّ حرب غير الفاريّن يدفع ضرر العدوّ عن الفاريّن لئلّا يعاقبوهم ، وكذلك ذكر الذاكرين يدفع ضرر الشّيطان عن الغافلين.

وأقول : كان الغرض التشبيه في كثرة الثواب أو رفع نزول العذاب على الغافلين ، وهو من قبيل تشبيه الهيئة بالهيئة أو المفرد بالمفرد.

١٤٨

٢ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاكر الله عزَّ وجلَّ في الغافلين كالمقاتل عن الفارّين والمقاتل عن الفارّين له الجنّة.

(باب)

(التحميد والتمجيد)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن المفضّل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك علّمني دعاء جامعاً ،فقال لي : احمد الله

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور وقد مر.

باب التحميد والتمجيد

قال الراغب : المجد السعة في الكرم والجلالة والكرم إذا وصف الله به ، فهو اسم إحسأنّه وإنعامه المتظاهر نحو « فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » وأصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت في مرعى كثير واسع ، والقرآن المجيد وصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيويّة والأخرويّة ، وقوله : ذو العرش المجيد ، لسعة فيضه وكثرة جوده ، والتمجيد من العبد لله بالقول وذكر الصفات الحسنة.

وأقول : مراده هنا الأدعية المشتملة على كثير من صفات الجلال والإكرام.

الحديث الأول : مختلف فيه ، وقال الشهيد الثاني (ره) وغيره : عدي سمع باللام مع أنّه متعد بنفسه ، لأنّه ضمن معنى استجاب فعدي بما تعدى به كما أن قوله تعالى : «لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى » ضمن معنى يصفون تعدى بإلى ، وقال السيّد (ره) في المدارك : هذه الكلمة محتملة بحسب اللّفظ للدعاء والثناء ، وفي هذه الرواية تصريح بكونها دعاء ، وقال في النهاية : في دعاء الصّلاة سمع الله لمن حمده ، أي أجاب حمده وتقبله : يقال : اسمع دعائي ، أي أجب لأن غرض السّائل الإجابة والقبول ، ومنه الحديث : اللّهمّ إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع ،

١٤٩

فأنّه لا يبقى أحدّ يصلّي إلّا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده.

٢ - عنه ، عن علي بن الحسين ، عن سيف بن عميرة ، عن محمّد بن مروان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أي الأعمال أحبُّ إلى الله عزَّ وجلَّ فقال أن تحمده.

٣ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الحسن الأنباري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحمد الله في كلّ يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة عدد عروق الجسد يقول : الْحَمْدُ لِلَّهِ ربّ الْعالَمِينَ كثيراً على كلّ حال.

٤ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه وحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمّد جميعاً ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________________

أي لا يستجاب ، ولا يعتد به ، فكأنّه غير مسموع ، انتهى.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : أي أجاب الله دعاء من حمده.

ثمَّ اعلم أنّه قد يستدلّ بهذا الخبر على وجوب قول سمع الله لمن حمده في الصّلاة لأنّهعليه‌السلام أخبر أن كلّ مصل يقوله ، فمن لم يقله لا يكون مصليا ، وإلّا لزم الكذب في كلامهعليه‌السلام ، ويرد عليه أنّه يمكن أن يكون مبنيا على الغالب أو يكون المراد بالصّلاة الكاملة منها فقوله : « يقول » استئناف بياني ، ويحتمل أيضاً أن يكون يقول جملة حاليّة فهو في قوة الجملة الشرطية كما قيل.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : كالسابق.

الحديث الرابع : حسن موثق.

وفي أكثر النسخ الحسين بن محمّد والظّاهر الحسن مكبرا لأن حميدا يروي عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، وهو يروي عن أحمد الميثمي كما مرّ مرارا.

ولا تنافي بين هذا الخبر وبين الخبر السّابق إلّا أنّه لم يذكر المساء في الخبر السّابق ، فيمكن أن يكون قولهعليه‌السلام . ثانياً بعد غروب الشمس ، وهو داخل في

١٥٠

يقول : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقا منها مائة وثمانون متحرّكة ومنها مائة وثمانون ساكنة فلو سكن المتحرّك لم ينم ولو تحرّك الساكن لم ينم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أصبح قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ ربّ الْعالَمِينَ

_________________________________________________

الّليل ، ويؤيّده الخبر الآتي حيث قال شكر ليلته ، وإن كان قد يطلق على ما بعد الزوال أو العصر.

فلا حاجة إلى ما قيل : هذا مفصّل والسّابق عليه مجمل ، والمجمل يحمل على المفصّل مع احتمال حمل السّابق على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول العدد المذكور في كلّ يوم ، وحمل هذا على أنّه كان يقوله في بعض الأيام مرتين ، مرة في الصباح ومرة في المساء ، وفي لفظة إذا إشعار به لأنّها للإجمال والمهملة في حكم الجزئية ، انتهى.

ثمَّ أنّه في أكثر النسخ لم ينم بالنون أي لا يعتريه النوم من الوجع وفي بعضها بالتاء أي لا يكون تام الصحة خاليا من المرض أو لا يتمّ أمره ولا يتأتى منه كما ينبغي ، واللام في الحمد إما للاستغراق أو للجنس ، واللام للملكية أو للاختصاص وعلى التقادير تدلّ على أن جميع النعم يرجع إليه وهو النعم على الإطلاق كما قال سبحانه «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ » وإن كان شكراً لوسائط أيضاً حسناً للأمرّ به.

« والربّ » في الأصل بمعنى التربية وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً ثمَّ وصف به للمبالغة ، وقيل : هو نعت من ربّه يربّه فهو ربّ ثمَّ سمّي به المالك لأنّه يحفظ ما يملكه ويربيه ، ولا يطلق على غيره تعالى إلّا مقيداً كقوله : « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ».

والعالم اسم لـمّا يعلم به كالخاتم والقالب غلب فيما يعلم به الصانع ، وهو كلّ ما سواه من الجواهر والأعراض فإنّها لا مكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدلّ على وجوده ، وإنّما جميع ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلب

١٥١

كثيراً على كلّ حال ثلاثمائة وستين مرة وإذا أمسى قال مثل ذلك.

٥ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن منصور بن العبّاس ، عن سعيد بن جناح قال حدثني أبو مسعود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال

_________________________________________________

العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم ، وقيل : اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع ، وقيل : عنى به الناس هيهنا فإن كلّ واحد منهم عالم من حيث أنّه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير ، ولذلك سوى في النظر فيهما. قال تعالى : «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ».

« كثيراً » أي أحمده حمداً كثيراً على كلّ حال ، إذ ليس من حال إلّا وله سبحانه على عبده نعم لا تحصى ، بل ما نعده من المصائب والبلايا هو من نعمه تعالى ، وهو المستحق للحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء.

الحديث الخامس : ضعيف.

« فقد أدى شكر يومه » من النعماء الواصلة إليه في ذلك اليوم ، والحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها ، والمدح هو الثناء على الجميل مطلقاً والشكر مقابلة النعمة قولاً وعملاً واعتقاداً فهو أعم منهما من وجه ، وأخص من وجه آخر.

ولـمّا كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح من الاحتمال ، جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد رأس الشكر ، وما شكر الله من لم يحمده فلذا اكتفىعليه‌السلام لشكر نعم اليوم بتكرير هذه الكلمة الجامعة لجميع المحامد.

ويخطر بالبال لخصوص هذا العدد أن أصول النعم إما دنيويّة أو أخرويّة ظاهرة أو باطنة ، كما قال سبحانه : «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » فتصير

١٥٢

أربع مرَّات إذا أصبح : الْحَمْدُ لِلَّهِ ربّ الْعالَمِينَ فقد أدى شكر يومه ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.

٦ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن حسّان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كلّ دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر إنما التحميد

_________________________________________________

أربعا ، أو يقال : النعم إما إفاضة رحمة ، أو عافية من بلية ، وكلّ منهما إما في دين أو دنيا فتصير أربعا ، ويؤيّده ما روي عن الصادقعليه‌السلام بأسانيد قال : إذا أصبحت وأمسيت فقل عشرّ مرَّات اللّهمّ ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتّى ترضى وبعد الرّضا ، فإنك إذا قلت ذلك كنت قر أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة.

الحديث السادس : ضعيف.

وفي النهاية فيه : كلّ أمرّ ذي بال لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر ، أي أقطع ، والتبر القطع انتهى.

والمراد به النقض أو القطع من أصله ، أو القطع من القبول أو الصعود « أنت الأوّل » أي السّابق على الأشياء كلّها فأنّه موجدها ومبدعها ، وهو مفيد للحصر ، فلذا فرع عليه قوله : فليس قبلك شيء ، والآخر الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كلّها ، وقيل : أي الذي هو منتهى السلوك فأنّه منه بدأ وإليه يعود ، وقيل : الآخر بحسب الغايات وحصر الآخرية المطلقة بحسبها دل على أنّه منتهى كلّ غاية ، ومرجع كلّ حاجة ، ولذلك فرع عليه قوله : فليس بعدك شيء ، إذ كلّ من بعده شيء في سلسلة رفع المقامات والحاجات ليس هو منتهاها.

وبالجملة أشار بالفقرة الأولى إلى أنّه الأوّل باعتبار ابتداء الوجودات ، وبالفقرة الثانية إلى أنّه الآخر باعتبار انتهاء الغايات ، فدائرة الإمكان تبتدئ منه في الوجود ، وتنتهي إليه في الحاجة ، وتلخيص القول في ذلك أن أوليته وآخريته

١٥٣

ثمَّ الثناء ، قلت : ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد قال يقول : « اللهم

_________________________________________________

سبحانه تحتمل وجوهاً.

الأوّل : أن يكون المراد الأسبقية بحسب الزمان ، بناء على كون الزمان أمرا موهوما كما ذهب إليه المتكلمون ، أو الزمان التقديري كما ذكره الطبرسيقدس‌سره ، أي لو فرضنا وقدرنا قبل حدوث الزمان زمانا آخر كان الواجب تعالى أسبق وأقدم ، إذا لقول بالزمان الموجود القديم مخالف لـمّا أجمع عليه المليون من حدوث العالم ، وكذا الآخرية المراد بها أنّه الموجود بعد الأشياء بأحد المعنيين ، فيدلّ على أنّه سبحانه ينفي الأشياء جميعاً ويوجدها قبل القيامة كما يدلّ عليه كثير من الآيات ، وصرّح به أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه المشهورة.

الثاني : أن يكون المراد بآخريته تعالى بقاؤه ذاتا وصفة ، بحيث لا يتطرق إليه تغيّر وتحول من هيئة إلى هيئة ومن حال إلى حال ، ومن صفة إلى صفة ، وكلّ ما سواه في معرض الزوال والفناء ، والتغيّر كما مرّ في صحيحة ابن أبي يعفور وغيرها في كتاب التوحيد.

الثالث : أن يكون المراد بالأوّل القديم لا الأسبق ، وبالآخر الأبدي فلا ينافي أبدية الجنّة والنّار وأهلهما ، لكن لا بد من تكليف في التفريع والحصر.

الرابع : أن يكون المراد بهما الأولية والآخرية بحسب العلية ، أي هو علة العلل ومبدء المبادئ ، وهو الآخر أي غاية الغايات كما هو مصطلح الحكماء ، أو أنّه منتهى سلسلة العلل ذهنا فإنك إذا فتشت عن علة شيء ثمَّ عن علة علته ينتهي إليه سبحانه ، فأوليته عين آخريته ولا يختلفان إلّا بالاعتبار.

الخامس : أنّه مبدء السلوك العارف ومنتهاه ، فإن بتوفيقه تعالى يبتدأ وإليه ينتهي ، أو أنّه أوّل الأشياء معرفة وأظهرها ، ومنتهى مراتب الكمال عرفأنّه على وجه الكمال بالنظر إلى كلّ استعداد وقابلية ، ويقربّ منه ما قاله بعض العارفين : هو الأوّل بحسن تعريفه ، إذ لو لا فضله لـمّا بدا لك من إحسانه ما عرفته ،

١٥٤

أنت الأوّل فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم -

_________________________________________________

والآخر بإكمال اللطف ، وقيل : هو الأوّل بإحسأنّه والآخر بغفرانه.

« وأنت الظاهر » أي الغالب القادر على جميع الأشياء ، فلـمّا حصره فيه قال : « فلا شيء فوقك » يغلبك ويقدّر عليك ، وقيل : أي الظاهر بالدلائل والآثار ، فليس فوقه شيء في الظهور « وأنت الباطن » قال في النهاية : الباطن هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم ، فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، وقيل : هو العالم بما بطن ، يقال : بطنت الأمرّ إذا عرفت باطنه ، انتهى.

« فليس دونك شيء » أي في الخفاء ليس شيء دونك يحول بينك وبين الأشياء ، والأظهر عندي أن المعنى ليس أقربّ منك شيء بالأشياء ، قال الجوهري : يقال هذا دون هذا أي أقربّ منه فهو مؤيد للمعنى الثاني للباطن ، وما قيل : إن المعنى ليس دونك شيء لم يبلغه علمك ، أو ليس غيرك شيء تكون له تلك الصفة فلا يخفى ما فيهما.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : الأوّل السّابق على الأشياء كلّها ، والآخر الباقي وحده بعد فناء الخلق « الظاهر » الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه وسمائه « والباطن » المحتجب كنه ذاته عن نظر الخلق بحجب كبريائه ، وإليه أشار من قال : الأوّل قبل كلّ شيء والآخر بعد كلّ شيء ، والظّاهر بالقدرة والباطن عن الفكرة ، وقيل : الأوّل بلا مطلع ، والآخر بلا مقطع ، والظّاهر بلا اقتراب والباطن بلا حجاب.

قال الشيخ أبو حامد : اعلم أنّه تعالى إنّما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره ، وظهوره بسبب بطونه ، ونوره هو حجاب نوره ، وكلّ ما جاوز حده انعكس إلى ضده ، وحظ العبد أن يهتمّ بأمره فيبتدر أوله ويدبر آخره ، ويصلح باطنه وظاهره.

١٥٥

٧ - وبهذا الإسناد قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ما أدنى ما يجزي من التحميد ؟ قال : تقول :« الحمد لله الذي علا فقهر والحمد لله الّذي ملك فقدر والحمد لله الذي

_________________________________________________

وقال الشيخ أبو القاسم : أشار بهذه الأسماء إلى صفات أفعاله فهو الأوّل بإحسانه ، والآخر بغفرانه ، والظّاهر بنعمته ، والباطن برحمته ، وقيل : هو الأوّل بحسن تعريفه ، إذ لو لا فضله بما بدا لك من إحسانه لـمّا عرفته وهو الآخر بإكمال اللطف كما كان أوّلاً بابتداء العرف ، وهو الظاهر بما يفيض عليك من العطاء والنعماء ، والباطن بما يدفع عنك من فنون البلاء ، وصنوف اللأواء ، وقيل : الظاهر لقوم فلذلك وحدوه ، والباطن عن قوم فلذلك جحدوه.

وللمفسرين أيضاً كلمات في ذلك تركناها حذرا من الإطناب ، وقال بعضهم : احتجت المعتزلة به لمذهبهم أن الأجسام تفنى لأن معنى الآخر الباقي بعد فناء خلقه ، ومذهب أهل السنة خلافه ، وأن المراد الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم.

« وأنت العزيز الحكيم » هما من أسمائه تعالى ، والعزيز هو الغالب القوي الذي لا يغلب ، والرفيع المنيع الذي لا يعادله شيء ولا يماثله أحدّ ، والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة ، يقال : عزَّ يعزَّ بالكسر إذا صار عزيزاً ، وبالفتح إذا اشتد ، والحكيم هو الذي يقضي بالحق ، والذي يحكم الأشياء ويتقنها بأكمل التقدير وأحسن التقدير والتصوير ، والذي لا يفعل القبيح ولا يخل بالأصلح والذي يضع الأشياء في مواضعها والذي يعلم الأشياء كما هي.

الحديث السابع : كالسابق.

« الحمد لله الذي علا » أي فوق الممكنات بالشرف والرتبة والعلية ، والقدرة والقوة ، فقهرهم بالإيجاد والإفناء ، وغلبهم بالأعدام والإبقاء ، فلا يملكون المنع والدفع ، ولا الضرر ولا النفع ، وقيل : علوه تعالى عبارة عن تنزهه عن صفات المصنوعين وسمات المخلوقين ، وعن الأشباه والأضداد ، والامتثال والأنداد ، فتفرع القهر عليه ظاهر ، وقيل : التفريع باعتبار علم الخلائق ، فهو من قبيل تفريع

١٥٦

بطن فخبر والحمد لله الّذي [ يميت الأحياء و ] يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »

_________________________________________________

المدلول على الدليل ومفعول القهر محذوف ليفيد العموم ، أي فقهر كلّ شيء ، والأظهر أن الفاء للتفريع أي علوه بالذات والصفات على جميع الممكنات صار علة لقهره جميع من دونه من المخلوقات على ما أراد.

« والحمد لله الذي ملك » جميع الأشياء بنفوذ إرادته في كلّ ما أراد « فقدر » واختص بالقدرة الكاملة المطلقة وأمّا غيره سبحانه فإذا اتصف بالقدرة من جهة اتصف بالعجز من جهة أخرى ، فلا يتصف بالقدرة على الإطلاق إلّا الحكيم الخلاق.

وعن بعض المحققين أن الملك الحق هو الغني مطلقاً في ذاته وصفاته عن كلّ ما سواه ، ويحتاج إليه كلّ ما سواه إما بواسطة أو بغيرها ، فهو المالك والملك بالحقيقة ، وكلّ ما سواه ممكن محتاج في وجوده وسائر صفاته إلى غيره ، فليس الملك والمالك حقيقة إلّا هو تبارك وتعالى.

وقيل : أي ملك رقاب الأكاسرة وأعناق القياصرة وذمام المخلوقات ، وتمام المصنوعات فقدر على إمضاء ما أراد وإجراء ما شاء عليهم من الإحياء والإماتة ، والإبقاء والإزالة ، والصحة والسقم وغيرها من الأمور المعلومة لنا وغير المعلومة.

« والحمد لله الذي بطن فخبر » قال الوالدقدس‌سره : أي علم بواطن الأمور فجازاهم بعلمه ، أو أنّه لتجرده علم بواطن الأمور كما قال تعالى :( إلّا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) وقال في النهاية : الخبير هو العالم بما كان وبما يكون ، خبرت الأمرّ أخبره إذا عرفته على حقيقته ، وقال غيره : الخبير العليم بالخفايا الباطنة يحيي الموتى بعد إماتتهم في القبر والحشر ، أو الأعم الشامل لإحياء المواد الحيوانية بإفاضة الأرواح ، أو بإحياء الأرض أيضاً بعد موتها بالنبات ، وإحياء القلوب الميتة بإفاضة المعارف الإيمانية.

____________________

(١) الملك : ١٤.

١٥٧

(باب الاستغفار)

١ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير الدّعاء الاستغفار

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن حسين بن سيف ، عن أبي جميلة ، عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ

٣ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ياسر ، عن الرّضاعليه‌السلام قال مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرّك فيتناثر والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه

_________________________________________________

باب الاستغفار

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« خير الدّعاء الاستغفار » لأن الغفران أهم المطالب وأعظمها ، أو لأنّه يصير سبباً لرفع السيئات الّتي هي أعظم حجب إجابة الدعوات.

الحديث الثاني : ضعيف.

يقال تلإلّا البرق إذا لمع.

الحديث الثالث : مجهول على المشهور حسن عندي لأن ياسرا كان خادم الرّضاعليه‌السلام وهو مدح عظيم ، وله مسائل عنهعليه‌السلام وهو أيضاً لا يخلو من مدح.

« تحرّك » على بناء المفعول من التفعيل ، والضمير للشجرة « فتتناثر » أي الورق فشبهعليه‌السلام الهيئة المنتزعة من الاستغفار وسقوط السيئات به بهيئة شجرة تحركه الريح أو إنسان في فصل الخريف فتفرق منه الأوراق وتنتثر ، في القاموس : نثر الشيء ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر ، وتنثر وتناثر ،

١٥٨

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتّى يستغفر الله عزَّ وجلَّ خمسا وعشرين مرة

_________________________________________________

ثمَّ بينعليه‌السلام أن الاستغفار إنما ينفع مطلقاً أو كاملا إذا لم يكن مع الإصرار والتهاون بالذنب ، وعدم الندأمّة ، فأنّه مع ذلك شبيه والعياذ بالله بمن يستهزئ بربه.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« وإن خفّ » أي كان زمان جلوسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلاً وقد مرّ بعض الكلام في معنى استغفارهمعليهم‌السلام ، وقيل : دعاؤه واستعاذته واستغفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع معافاته وعصمته إنما هو تعليم للخلق ، وإبلاغ في العبوديّة والخوف ، وقيل : قد كان يحصل له فترات وغفلات من الذكر الذي شأنّه الدوام عليه ، فعد ذلك ذنبا واستغفر منه ، وقيل : كان استغفارا لأمته بسبب ما اطلع عليه من أحوالهم ، كما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى حملني ذنوب شيعة علي فغفرها لي ، وقيل : سببه النظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراتهم وتأليف المؤلفة ونحو ذلك من معاشرة الأزواج والأكلّ والشربّ والنوم وذلك ممّا يحجبه ويحجزه عن عظيم مقامه فرآه ذنباً بالنسبة إلى ذلك المقام العلي وهو حضوره في حضرة القدس ومشاهدته ومراقبته وفراغه مع الله ممّا سواه فيستغفر لذلك وإن كانت تلك الأمور من أعظم الطاعات.

وقيل : سببه تغشى السكينة قلبه لقوله تعالى :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ ) (١) فالاستغفار لإظهار العبوديّة والافتقار والشكر لـمّا أولاه ، وقيل : سببه حالات حسنة وافتقار ، فالاستغفار شكر لها قال المحاسبي : خوف المقرّبين خوف إجلال وإعظام ، وقيل : سببه شيء يعتري القلوب الصافية ممّا يحدث في النفس

____________________

(١) الفتح : ٢٦.

١٥٩

٥ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستغفر الله عزَّ وجلَّ في كلّ يوم سبعين مرة ويتوب إلى الله عزَّ وجلَّ سبعين مرّة قال قلت كان يقول - أستغفر الله وأتوب إليه قال كان يقول أستغفر الله أستغفر الله سبعين مرّة ويقول وأتوب إلى الله وأتوب إلى الله سبعين مرّة -

٦ - أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن

_________________________________________________

من الملالة والحديث والغفلة فيشوشها.

وقد مرّ أن أحسن الوجوه في ذلك وجهان خطرا ببالي.

الأوّل : أنهمعليهم‌السلام لـمّا كانوا أبداً مترقين في مراتب القربّ والحب والعرفان والإيقان ولعلّه يحصل لهم ذلك في كلّ يوم سبعين مرّة أو أكثر ، فلـمّا صعدوا درجة استغفروا من الدرجة السّابقة وإن كانت فوق متمنيات جميع العارفين والواصلين.

والثاني : أنّه لـمّا كان الممكن وأعماله وأحواله كلّها في درجة النقص وكلّ كمال حصل فيهم فهو من مفيض الخيرات والسعادات ، فإذا نظروا إلى عظمته سبحانه على ما تجلت لهم في مراتب عرفانهم وإلى عجزهم عن الإتيان بما يليق بذاته الأقدس عدوا أنفسهم مقصرين في المعرفة والعبادة ، فقالوا سبحانك ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك وأوقفوا أنفسهم الكاملة في حدّ التقصير ، واستغفروا لجميع ذلك من العليم الخبير ولي في ذلك تحقيقات جليلة لا يناسب فهم أكثر الخلق فاكتفيت بالقليل عن الكثير ، وأستغفر الله سبحانه ممّا أبديته في هذا المقام الخطير.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : مجهول.

« قال الله » أقول : قال تعالى قبل هذه الآية( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلّا السَّاعَةَ أَنْ

١٦٠