مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول6%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31982 / تحميل: 5345
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال لا يكتب الملك إلا ما سمع وقال الله عز وجل : «وَاذْكُرْ

_________________________________________

المقابل للنسيان ، لأن الذكر بهذا المعنى ثابت له تعالى سواء ذكره العبد أم لا ، أو المراد أذكرك من حيث لا يطلع عليه أحد فإن العبد إذا ذكره تعالى بحيث لا يطلع عليه أحد كما قال تعالى : «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » فأخبر سبحانه بأنه انفرد بعلم بعض ما يجازي به عباده الصالحين.

أقول : لا ريب أن المراد بالذكر المواضع الذكر بالجميل ، وبما يتضمن تعظيم المذكور لا مطلق الذكر« اذكرني في ملإك » قيل : إشارة إلى الذكر الجلي ويندرج فيه فعل الطاعات ظاهرا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا« أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين » أي أظهر ذكرك إياي للملائكة والروحانيين ليثنوا عليك أو أظهر ثواب ذكرك لهم أو أظهر فضلك وشرفك على الإطلاق وقال في النهاية :بصبص الكلب بذنبه إذا حركة ، وإنما يفعل ذلك من خوف أو طمع« وكن في ذلك حيا » أي كن حاضر القلب ولا تكن ساهيا غافلا فإن القلب الساهي الغافل عن ذكره تعالى وعن إدراك الحق ميت والقلب العاقل الذاكر حي ، وقوله تعالى : «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ »(١) «وإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى »(٢) إشارة إلى هذين القلبين.

الحديث الرابع : حسن كالصحيح.

« لا يكتب الملك إلا ما سمع » أي من الأذكار فإن الملك يكتب غير المسموعات من أفعال الجوارح أيضا والغرض بيان عظمة ذكر القلب لبعده عن الرياء فإنه لا يطلع عليه الملك فكيف سيره ، ولا ينافي ذلك ما مر في باب من يهم بالحسنة والسيئة أن الملك يعرف قصد الحسنة والسيئة بريح نفس الإنسان ، لأنه يمكن أن يكون ذلك لتعلقه بالأفعال الظاهرة الصادرة من الجوارح.

__________________

(١) الأنعام : ١٢٢.

(٢) النمل : ٨٠.

١٤١

رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً » فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير الله عز وجل لعظمته.

_________________________________________

« وقال الله » قيل : هذا بيان لعظمة ذكر القلب بوجهين : الأول أن في تتمة الآية «وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » وتقديم ذكر القلب على القول يدل على رجحان عظمة ذكر القلب ، والثاني تخصيص التضرع والخيفة بذكر القلب يدل على أن عمدة التضرع والخيفة فيه لا في ذكر اللسان ، وقوله : فلا يعلم ، تفريع ويحتمل البيان.

وقال في مجمع البيان « وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ » خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به عام ، وقيل : هو خطاب لمستمع القرآن ، والمعنى « واذكر ربك في نفسك بالكلام من التسبيح والتهليل والتحميد ، وروى زرارة عن أحدهماعليهما‌السلام قال : معناه إذا كنت خلف إمام تأثم به فأنصت « وسبح » في نفسك يعني في ما لا يجهر الإمام فيه بالقراءة ، وقيل : معناه واذكر نعمة ربك بالتفكر في نفسك وقيل : أراد ذكره في نفسك بصفاته العليا وأسمائه الحسنى « تَضَرُّعاً وَخِيفَةً » يعني بتضرع وخوف يعني في الدعاء ، فإن الدعاء بالتضرع والخوف من الله تعالى أقرب إلى الإجابة وإنما خص الذكر بالنفس لأنه أبعد من الرياء عن الجبائي « وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ » معناه ارفعوا أصواتكم قليلا فلا تجهروا بها جهارا بليغا حتى يكون عدلا بين ذلك كما قال : « وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها » وقيل : إنه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه عن ابن عباس « بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » أي بالغدوات والعشيات ، والمراد به دوام الذكر واتصاله وقيل : إنما خص هذين الوقتين لأنهما حال فراغ الناس عن طلب المعاش فيكون الذكر فيهما ألصق بالقلب « وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ » عما أمرتك به من الدعاء والذكر.

وقيل : إن الآية متوجهة إلى من أمر بالاستماع للقرآن والإنصات وكانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالدعاء عند ذكر الجنة والنار ، وفي الآية دليل

١٤٢

(باب)

(ذكر الله عز وجل في الغافلين)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الذاكر لله عز وجل في الغافلين كالمقاتل في المحاربين.

_________________________________________

على أن الذين يرفعون أصواتهم عند الدعاء ويجهرون به مخطئون ، انتهى.

وأقول : حاصل الخبر أن العمل إذا وقع موافقا لأمره سبحانه يترتب عليه الثواب قطعا والذكر في النفس مما أمر الله به للآية ، والملك لا يكتب من الذكر إلا ما سمع وكان يمكنه سبحانه أن يضع لذلك علامة يعرفها الملك فيكتبه ، فعدم ذلك دليل إما على شدة اعتنائه بهذا العمل حيث لم يكل ثوابه إلى غيره كوفور ثوابه بحيث لا يعرف ذلك غيره ، كما قال تعالى : «فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ » وهذا الوجه في غاية الانطباق على الخبر وأحسن مما قيل فيه ، ويؤيده عدم ذكر تتمة الآية فتفطن.

باب ذكر الله عز وجل في الغافلين

الحديث الأول : حسن موثق.

قوله : « في المحاربين » أي الهاربين أو الحاضرين في الحرب الذين لم يحاربوا وفي بعض النسخ في الهاربين كما سيأتي ، وقيل : كلمة « في » في الأول ظرفية ، وفي الثاني للسببية ، أي كما أن حرب غير الفارين يدفع ضرر العدو عن الفارين لئلا يعاقبوهم ، وكذلك ذكر الذاكرين يدفع ضرر الشيطان عن الغافلين.

وأقول : كان الغرض التشبيه في كثرة الثواب أو رفع نزول العذاب على الغافلين ، وهو من قبيل تشبيه الهيئة بالهيئة أو المفرد بالمفرد.

١٤٣

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ذاكر الله عز وجل في الغافلين كالمقاتل عن الفارين والمقاتل عن الفارين له الجنة.

(باب)

(التحميد والتمجيد)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي سعيد القماط ، عن المفضل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي احمد الله

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور وقد مر.

باب التحميد والتمجيد

قال الراغب : المجد السعة في الكرم والجلالة والكرم إذا وصف الله به ، فهو اسم إحسانه وإنعامه المتظاهر نحو « فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » وأصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت في مرعى كثير واسع ، والقرآن المجيد وصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية ، وقوله : ذو العرش المجيد ، لسعة فيضه وكثرة جوده ، والتمجيد من العبد لله بالقول وذكر الصفات الحسنة.

وأقول : مراده هنا الأدعية المشتملة على كثير من صفات الجلال والإكرام.

الحديث الأول : مختلف فيه ، وقال الشهيد الثاني (ره) وغيره : عدي سمع باللام مع أنه متعد بنفسه ، لأنه ضمن معنى استجاب فعدي بما تعدى به كما أن قوله تعالى : «لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى » ضمن معنى يصفون تعدى بإلى ، وقال السيد (ره) في المدارك : هذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء ، وفي هذه الرواية تصريح بكونها دعاء ، وقال في النهاية : في دعاء الصلاةسمع الله لمن حمده ، أي أجاب حمده وتقبله : يقال : اسمع دعائي ، أي أجب لأن غرض السائل الإجابة والقبول ، ومنه الحديث : اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع ،

١٤٤

فإنه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك يقول سمع الله لمن حمده.

٢ ـ عنه ، عن علي بن الحسين ، عن سيف بن عميرة ، عن محمد بن مروان قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل فقال أن تحمده.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي الحسن الأنباري ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يحمد الله في كل يوم ثلاثمائة مرة وستين مرة عدد عروق الجسد يقول : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كثيرا على كل حال.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه وحميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد جميعا ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام

_________________________________________

أي لا يستجاب ، ولا يعتد به ، فكأنه غير مسموع ، انتهى.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم : أي أجاب الله دعاء من حمده.

ثم اعلم أنه قد يستدل بهذا الخبر على وجوب قول سمع الله لمن حمده في الصلاة لأنهعليه‌السلام أخبر أن كل مصل يقوله ، فمن لم يقله لا يكون مصليا ، وإلا لزم الكذب في كلامهعليه‌السلام ، ويرد عليه أنه يمكن أن يكون مبنيا على الغالب أو يكون المراد بالصلاة الكاملة منهافقوله : « يقول » استئناف بياني ، ويحتمل أيضا أن يكون يقول جملة حالية فهو في قوة الجملة الشرطية كما قيل.

الحديث الثاني : مجهول.

الحديث الثالث : كالسابق.

الحديث الرابع : حسن موثق.

وفي أكثر النسخالحسين بن محمد والظاهر الحسن مكبرا لأن حميدا يروي عن الحسن بن محمد بن سماعة ، وهو يروي عن أحمد الميثمي كما مر مرارا.

ولا تنافي بين هذا الخبر وبين الخبر السابق إلا أنه لم يذكر المساء في الخبر السابق ، فيمكن أن يكون قولهعليه‌السلام . ثانيا بعد غروب الشمس ، وهو داخل في

١٤٥

يقول قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إن في ابن آدم ثلاثمائة وستين عرقا منها مائة وثمانون متحركة ومنها مائة وثمانون ساكنة فلو سكن المتحرك لم ينم ولو تحرك الساكن لم ينم وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أصبح قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ

_________________________________________

الليل ، ويؤيده الخبر الآتي حيث قال شكر ليلته ، وإن كان قد يطلق على ما بعد الزوال أو العصر.

فلا حاجة إلى ما قيل : هذا مفصل والسابق عليه مجمل ، والمجمل يحمل على المفصل مع احتمال حمل السابق على أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول العدد المذكور في كل يوم ، وحمل هذا على أنه كان يقوله في بعض الأيام مرتين ، مرة في الصباح ومرة في المساء ، وفي لفظة إذا إشعار به لأنها للإجمال والمهملة في حكم الجزئية ، انتهى.

ثم أنه في أكثر النسخلم ينم بالنون أي لا يعتريه النوم من الوجع وفي بعضها بالتاء أي لا يكون تام الصحة خاليا من المرض أو لا يتم أمره ولا يتأتى منه كما ينبغي ، واللام في الحمد إما للاستغراق أو للجنس ، واللام للملكية أو للاختصاص وعلى التقادير تدل على أن جميع النعم يرجع إليه وهو النعم على الإطلاق كما قال سبحانه «وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ » وإن كان شكرا لوسائط أيضا حسنا للأمر به.

« والرب » في الأصل بمعنى التربية وهو تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ثم وصف به للمبالغة ، وقيل : هو نعت من ربه يربه فهو رب ثم سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ، ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيدا كقوله : « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ ».

والعالم اسم لما يعلم به كالخاتم والقالب غلب فيما يعلم به الصانع ، وهو كل ما سواه من الجواهر والأعراض فإنها لا مكانها وافتقارها إلى مؤثر واجب لذاته تدل على وجوده ، وإنما جميع ليشمل ما تحته من الأجناس المختلفة ، وغلب

١٤٦

كثيرا على كل حال ثلاثمائة وستين مرة وإذا أمسى قال مثل ذلك.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن منصور بن العباس ، عن سعيد بن جناح قال حدثني أبو مسعود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال

_________________________________________

العقلاء منهم فجمعه بالياء والنون كسائر أوصافهم ، وقيل : اسم لذوي العلم من الملائكة والثقلين وتناوله لغيرهم على سبيل الاستتباع ، وقيل : عنى به الناس هيهنا فإن كل واحد منهم عالم من حيث أنه يشتمل على نظائر ما في العالم الكبير من الجواهر والأعراض يعلم بها الصانع كما يعلم بما أبدعه في العالم الكبير ، ولذلك سوى في النظر فيهما. قال تعالى : «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ».

« كثيرا » أي أحمده حمدا كثيراعلى كل حال ، إذ ليس من حال إلا وله سبحانه على عبده نعم لا تحصى ، بل ما نعده من المصائب والبلايا هو من نعمه تعالى ، وهو المستحق للحمد في السراء والضراء والشدة والرخاء.

الحديث الخامس : ضعيف.

« فقد أدى شكر يومه » من النعماء الواصلة إليه في ذلك اليوم ، والحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها ، والمدح هو الثناء على الجميل مطلقا والشكر مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا فهو أعم منهما من وجه ، وأخص من وجه آخر.

ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة وأدل على مكانها لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح من الاحتمال ، جعل رأس الشكر والعمدة فيه فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الحمد رأس الشكر ، وما شكر الله من لم يحمده فلذا اكتفىعليه‌السلام لشكر نعم اليوم بتكرير هذه الكلمة الجامعة لجميع المحامد.

ويخطر بالبال لخصوص هذا العدد أن أصول النعم إما دنيوية أو أخروية ظاهرة أو باطنة ، كما قال سبحانه : «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً » فتصير

١٤٧

أربع مرات إذا أصبح : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فقد أدى شكر يومه ومن قالها إذا أمسى فقد أدى شكر ليلته.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن حسان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كل دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر إنما التحميد

_________________________________________

أربعا ، أو يقال : النعم إما إفاضة رحمة ، أو عافية من بلية ، وكل منهما إما في دين أو دنيا فتصير أربعا ، ويؤيده ما روي عن الصادقعليه‌السلام بأسانيد قال : إذا أصبحت وأمسيت فقل عشر مرات اللهم ما أصبحت بي من نعمة أو عافية في دين أو دنيا فمنك وحدك لا شريك لك ، لك الحمد ولك الشكر بها علي حتى ترضى وبعد الرضا ، فإنك إذا قلت ذلك كنت قر أديت شكر ما أنعم الله به عليك في ذلك اليوم وفي تلك الليلة.

الحديث السادس : ضعيف.

وفي النهاية فيه : كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه بحمد اللهفهو أبتر ، أي أقطع ، والتبر القطع انتهى.

والمراد به النقض أو القطع من أصله ، أو القطع من القبول أو الصعود« أنت الأول » أي السابق على الأشياء كلها فإنه موجدها ومبدعها ، وهو مفيد للحصر ، فلذا فرع عليهقوله : فليس قبلك شيء ، والآخر الباقي وحده بعد أن يفنى الخلق كلها ، وقيل : أي الذي هو منتهى السلوك فإنه منه بدأ وإليه يعود ، وقيل : الآخر بحسب الغايات وحصر الآخرية المطلقة بحسبها دل على أنه منتهى كل غاية ، ومرجع كل حاجة ، ولذلك فرع عليهقوله : فليس بعدك شيء ، إذ كل من بعده شيء في سلسلة رفع المقامات والحاجات ليس هو منتهاها.

وبالجملة أشار بالفقرة الأولى إلى أنه الأول باعتبار ابتداء الوجودات ، وبالفقرة الثانية إلى أنه الآخر باعتبار انتهاء الغايات ، فدائرة الإمكان تبتدئ منه في الوجود ، وتنتهي إليه في الحاجة ، وتلخيص القول في ذلك أن أوليته وآخريته

١٤٨

ثم الثناء قلت ما أدري ما يجزي من التحميد والتمجيد قال يقول : « اللهم

_________________________________________

سبحانه تحتمل وجوها.

الأول : أن يكون المراد الأسبقية بحسب الزمان ، بناء على كون الزمان أمرا موهوما كما ذهب إليه المتكلمون ، أو الزمان التقديري كما ذكره الطبرسيقدس‌سره ، أي لو فرضنا وقدرنا قبل حدوث الزمان زمانا آخر كان الواجب تعالى أسبق وأقدم ، إذا لقول بالزمان الموجود القديم مخالف لما أجمع عليه المليون من حدوث العالم ، وكذا الآخرية المراد بها أنه الموجود بعد الأشياء بأحد المعنيين ، فيدل على أنه سبحانه ينفي الأشياء جميعا ويوجدها قبل القيامة كما يدل عليه كثير من الآيات ، وصرح به أمير المؤمنينعليه‌السلام في بعض خطبه المشهورة.

الثاني : أن يكون المراد بآخريته تعالى بقاؤه ذاتا وصفة ، بحيث لا يتطرق إليه تغير وتحول من هيئة إلى هيئة ومن حال إلى حال ، ومن صفة إلى صفة ، وكل ما سواه في معرض الزوال والفناء ، والتغير كما مر في صحيحة ابن أبي يعفور وغيرها في كتاب التوحيد.

الثالث : أن يكون المراد بالأول القديم لا الأسبق ، وبالآخر الأبدي فلا ينافي أبدية الجنة والنار وأهلهما ، لكن لا بد من تكليف في التفريع والحصر.

الرابع : أن يكون المراد بهما الأولية والآخرية بحسب العلية ، أي هو علة العلل ومبدء المبادئ ، وهو الآخر أي غاية الغايات كما هو مصطلح الحكماء ، أو أنه منتهى سلسلة العلل ذهنا فإنك إذا فتشت عن علة شيء ثم عن علة علته ينتهي إليه سبحانه ، فأوليته عين آخريته ولا يختلفان إلا بالاعتبار.

الخامس : أنه مبدء السلوك العارف ومنتهاه ، فإن بتوفيقه تعالى يبتدأ وإليه ينتهي ، أو أنه أول الأشياء معرفة وأظهرها ، ومنتهى مراتب الكمال عرفانه على وجه الكمال بالنظر إلى كل استعداد وقابلية ، ويقرب منه ما قاله بعض العارفين : هو الأول بحسن تعريفه ، إذ لو لا فضله لما بدا لك من إحسانه ما عرفته ،

١٤٩

أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء وأنت العزيز الحكيم ـ.

_________________________________________

والآخر بإكمال اللطف ، وقيل : هو الأول بإحسانه والآخر بغفرانه.

« وأنت الظاهر » أي الغالب القادر على جميع الأشياء ، فلما حصره فيه قال :« فلا شيء فوقك » يغلبك ويقدر عليك ، وقيل : أي الظاهر بالدلائل والآثار ، فليس فوقه شيء في الظهور« وأنت الباطن » قال في النهاية : الباطن هو المحتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم ، فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم ، وقيل : هو العالم بما بطن ، يقال : بطنت الأمر إذا عرفت باطنه ، انتهى.

« فليس دونك شيء » أي في الخفاء ليس شيء دونك يحول بينك وبين الأشياء ، والأظهر عندي أن المعنى ليس أقرب منك شيء بالأشياء ، قال الجوهري : يقال هذا دون هذا أي أقرب منه فهو مؤيد للمعنى الثاني للباطن ، وما قيل : إن المعنى ليس دونك شيء لم يبلغه علمك ، أو ليس غيرك شيء تكون له تلك الصفة فلا يخفى ما فيهما.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : الأول السابق على الأشياء كلها ، والآخر الباقي وحده بعد فناء الخلق « الظاهر » الجلي وجوده بآياته الباهرة في أرضه وسمائه « والباطن » المحتجب كنه ذاته عن نظر الخلق بحجب كبريائه ، وإليه أشار من قال : الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، والظاهر بالقدرة والباطن عن الفكرة ، وقيل : الأول بلا مطلع ، والآخر بلا مقطع ، والظاهر بلا اقتراب والباطن بلا حجاب.

قال الشيخ أبو حامد : اعلم أنه تعالى إنما خفي مع ظهوره لشدة ظهوره ، وظهوره بسبب بطونه ، ونوره هو حجاب نوره ، وكل ما جاوز حده انعكس إلى ضده ، وحظ العبد أن يهتم بأمره فيبتدر أوله ويدبر آخره ، ويصلح باطنه وظاهره.

١٥٠

٧ ـ وبهذا الإسناد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام ما أدنى ما يجزي من التحميد قال تقول ـ الحمد لله الذي علا فقهر ـ والحمد لله الذي ملك فقدر والحمد لله الذي

_________________________________________

وقال الشيخ أبو القاسم : أشار بهذه الأسماء إلى صفات أفعاله فهو الأول بإحسانه ، والآخر بغفرانه ، والظاهر بنعمته ، والباطن برحمته ، وقيل : هو الأول بحسن تعريفه ، إذ لو لا فضله بما بدا لك من إحسانه لما عرفته وهو الآخر بإكمال اللطف كما كان أولا بابتداء العرف ، وهو الظاهر بما يفيض عليك من العطاء والنعماء ، والباطن بما يدفع عنك من فنون البلاء ، وصنوف اللأواء ، وقيل : الظاهر لقوم فلذلك وحدوه ، والباطن عن قوم فلذلك جحدوه.

وللمفسرين أيضا كلمات في ذلك تركناها حذرا من الإطناب ، وقال بعضهم : احتجت المعتزلة به لمذهبهم أن الأجسام تفنى لأن معنى الآخر الباقي بعد فناء خلقه ، ومذهب أهل السنة خلافه ، وأن المراد الآخر بصفاته بعد ذهاب صفاتهم.

« وأنت العزيز الحكيم » هما من أسمائه تعالى ، والعزيز هو الغالب القوي الذي لا يغلب ، والرفيع المنيع الذي لا يعادله شيء ولا يماثله أحد ، والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة ، يقال : عز يعز بالكسر إذا صار عزيزا ، وبالفتح إذا اشتد ، والحكيم هو الذي يقضي بالحق ، والذي يحكم الأشياء ويتقنها بأكمل التقدير وأحسن التقدير والتصوير ، والذي لا يفعل القبيح ولا يخل بالأصلح والذي يضع الأشياء في مواضعها والذي يعلم الأشياء كما هي.

الحديث السابع : كالسابق.

« الحمد لله الذي علا » أي فوق الممكنات بالشرف والرتبة والعلية ، والقدرة والقوة ، فقهرهم بالإيجاد والإفناء ، وغلبهم بالأعدام والإبقاء ، فلا يملكون المنع والدفع ، ولا الضرر ولا النفع ، وقيل : علوه تعالى عبارة عن تنزهه عن صفات المصنوعين وسمات المخلوقين ، وعن الأشباه والأضداد ، والامتثال والأنداد ، فتفرع القهر عليه ظاهر ، وقيل : التفريع باعتبار علم الخلائق ، فهو من قبيل تفريع

١٥١

بطن فخبر والحمد لله الذي [ يميت الأحياء و ] يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »

_________________________________________

المدلول على الدليل ومفعول القهر محذوف ليفيد العموم ، أيفقهر كل شيء ، والأظهر أن الفاء للتفريع أي علوه بالذات والصفات على جميع الممكنات صار علة لقهره جميع من دونه من المخلوقات على ما أراد.

« والحمد لله الذي ملك » جميع الأشياء بنفوذ إرادته في كل ما أراد« فقدر » واختص بالقدرة الكاملة المطلقة وأما غيره سبحانه فإذا اتصف بالقدرة من جهة اتصف بالعجز من جهة أخرى ، فلا يتصف بالقدرة على الإطلاق إلا الحكيم الخلاق.

وعن بعض المحققين أن الملك الحق هو الغني مطلقا في ذاته وصفاته عن كل ما سواه ، ويحتاج إليه كل ما سواه إما بواسطة أو بغيرها ، فهو المالك والملك بالحقيقة ، وكل ما سواه ممكن محتاج في وجوده وسائر صفاته إلى غيره ، فليس الملك والمالك حقيقة إلا هو تبارك وتعالى.

وقيل : أي ملك رقاب الأكاسرة وأعناق القياصرة وذمام المخلوقات ، وتمام المصنوعات فقدر على إمضاء ما أراد وإجراء ما شاء عليهم من الإحياء والإماتة ، والإبقاء والإزالة ، والصحة والسقم وغيرها من الأمور المعلومة لنا وغير المعلومة.

« والحمد لله الذي بطن فخبر » قال الوالدقدس‌سره : أي علم بواطن الأمور فجازاهم بعلمه ، أو أنه لتجرده علم بواطن الأمور كما قال تعالى :( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) وقال في النهاية : الخبير هو العالم بما كان وبما يكون ، خبرت الأمر أخبره إذا عرفته على حقيقته ، وقال غيره : الخبير العليم بالخفايا الباطنة يحيي الموتى بعد إماتتهم في القبر والحشر ، أو الأعم الشامل لإحياء المواد الحيوانية بإفاضة الأرواح ، أو بإحياء الأرض أيضا بعد موتها بالنبات ، وإحياء القلوب الميتة بإفاضة المعارف الإيمانية.

__________________

(١) الملك : ١٤.

١٥٢

(باب الاستغفار)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير الدعاء الاستغفار

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن حسين بن سيف ، عن أبي جميلة ، عن عبيد بن زرارة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا أكثر العبد من الاستغفار رفعت صحيفته وهي تتلألأ

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ياسر ، عن الرضاعليه‌السلام قال مثل الاستغفار مثل ورق على شجرة تحرك فيتناثر والمستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربه

_________________________________________

باب الاستغفار

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« خير الدعاء الاستغفار » لأن الغفران أهم المطالب وأعظمها ، أو لأنه يصير سببا لرفع السيئات التي هي أعظم حجب إجابة الدعوات.

الحديث الثاني : ضعيف.

يقالتلألأ البرق إذا لمع.

الحديث الثالث : مجهول على المشهور حسن عندي لأن ياسرا كان خادم الرضاعليه‌السلام وهو مدح عظيم ، وله مسائل عنهعليه‌السلام وهو أيضا لا يخلو من مدح.

« تحرك » على بناء المفعول من التفعيل ، والضمير للشجرة« فتتناثر » أي الورق فشبهعليه‌السلام الهيئة المنتزعة من الاستغفار وسقوط السيئات به بهيئة شجرة تحركه الريح أو إنسان في فصل الخريف فتفرق منه الأوراق وتنتثر ، في القاموس : نثر الشيء ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا كنثره فانتثر ، وتنثر وتناثر ،

١٥٣

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان لا يقوم من مجلس وإن خف حتى يستغفر الله عز وجل خمسا وعشرين مرة

_________________________________________

ثم بينعليه‌السلام أن الاستغفار إنما ينفع مطلقا أو كاملا إذا لم يكن مع الإصرار والتهاون بالذنب ، وعدم الندامة ، فإنه مع ذلك شبيه والعياذ بالله بمن يستهزئ بربه.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

« وإن خف » أي كان زمان جلوسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلا وقد مر بعض الكلام في معنى استغفارهمعليهم‌السلام ، وقيل : دعاؤه واستعاذته واستغفارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع معافاته وعصمته إنما هو تعليم للخلق ، وإبلاغ في العبودية والخوف ، وقيل : قد كان يحصل له فترات وغفلات من الذكر الذي شأنه الدوام عليه ، فعد ذلك ذنبا واستغفر منه ، وقيل : كان استغفارا لأمته بسبب ما اطلع عليه من أحوالهم ، كما روي عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن الله تعالى حملني ذنوب شيعة علي فغفرها لي ، وقيل : سببه النظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراتهم وتأليف المؤلفة ونحو ذلك من معاشرة الأزواج والأكل والشرب والنوم وذلك مما يحجبه ويحجزه عن عظيم مقامه فرآه ذنبا بالنسبة إلى ذلك المقام العلي وهو حضوره في حضرة القدس ومشاهدته ومراقبته وفراغه مع الله مما سواه فيستغفر لذلك وإن كانت تلك الأمور من أعظم الطاعات.

وقيل : سببه تغشى السكينة قلبه لقوله تعالى :( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ ) (١) فالاستغفار لإظهار العبودية والافتقار والشكر لما أولاه ، وقيل : سببه حالات حسنة وافتقار ، فالاستغفار شكر لها قال المحاسبي : خوف المقربين خوف إجلال وإعظام ، وقيل : سببه شيء يعتري القلوب الصافية مما يحدث في النفس

__________________

(١) الفتح : ٢٦.

١٥٤

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يستغفر الله عز وجل في كل يوم سبعين مرة ويتوب إلى الله عز وجل سبعين مرة قال قلت كان يقول ـ أستغفر الله وأتوب إليه قال كان يقول أستغفر الله أستغفر الله سبعين مرة ويقول وأتوب إلى الله وأتوب إلى الله سبعين مرة ـ.

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن

_________________________________________

من الملالة والحديث والغفلة فيشوشها.

وقد مر أن أحسن الوجوه في ذلك وجهان خطرا ببالي.

الأول : أنهمعليهم‌السلام لما كانوا أبدا مترقين في مراتب القرب والحب والعرفان والإيقان ولعله يحصل لهم ذلك في كل يوم سبعين مرة أو أكثر ، فلما صعدوا درجة استغفروا من الدرجة السابقة وإن كانت فوق متمنيات جميع العارفين والواصلين.

والثاني : أنه لما كان الممكن وأعماله وأحواله كلها في درجة النقص وكل كمال حصل فيهم فهو من مفيض الخيرات والسعادات ، فإذا نظروا إلى عظمته سبحانه على ما تجلت لهم في مراتب عرفانهم وإلى عجزهم عن الإتيان بما يليق بذاته الأقدس عدوا أنفسهم مقصرين في المعرفة والعبادة ، فقالوا سبحانك ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك وأوقفوا أنفسهم الكاملة في حد التقصير ، واستغفروا لجميع ذلك من العليم الخبير ولي في ذلك تحقيقات جليلة لا يناسب فهم أكثر الخلق فاكتفيت بالقليل عن الكثير ، وأستغفر الله سبحانه مما أبديته في هذا المقام الخطير.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : مجهول.

« قال الله » أقول : قال تعالى قبل هذه الآية( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ

١٥٥

حسين بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الاستغفار وقول ـ لا إله إلا الله خير العبادة قال الله العزيز الجبار : «فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ».

_________________________________________

تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ ) (١) ثم قال : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ ».

قال في مجمع البيان قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى أقم على هذا العلم وأثبت عليه ، وأعلم في مستقبل عمرك ما تعلمه الآن ، ويدل عليه ما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة.

وقيل : إنه يتعلق بما قبله على معنى إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا إله إلا الله ، أي يبطل الملك عند ذلك فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله.

وقيل : إن هذا إخبار بموتهعليه‌السلام ، والمراد فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده ، وقيل : أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ضيق الصدر من أذى قومه ، فقيل له : فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله « وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ » الخطاب له والمراد به الأمة ، وإنما خوطبعليه‌السلام بذلك لتستن أمته بسنته ، وقيل : أن المراد بذلك الانقطاع إلى الله تعالى ، فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب.

وقد صح الحديث بالإسناد عن حذيفة قال : كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي ، فقلت : يا رسول الله إني لأخشى أن يدخلني لساني النار ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأين أنت من الاستغفار ، إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة وقال تعالى بعد ذلك : « وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ » قال الطبرسي : أكرمهم الله بذلك إذ أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم ، وهو الشفيع المجاب فيهم.

وقال البيضاوي : أي إذا علمت سعادة المؤمنين وشقاوة الكافرين فاثبت على ما أنت عليه من العلم بالوحدانية وتكميل النفس بإصلاح أحوالها وأفعالها ويفصحها

__________________

(١) محمّد : ١٨.

١٥٦

(باب)

(التسبيح والتهليل والتكبير)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وأبي أيوب الخزاز جميعا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال جاء الفقراء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله إن الأغنياء لهم ما يعتقون وليس لنا ولهم ما يحجون وليس

_________________________________________

بالاستغفار لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ولذنوبهم بالدعاء لهم والتحريص على ما يستدعي غفرانهم ، وفي إعادة الجار وحذف المضاف إشعار بفرط احتياجهم ولكثرة ذنوبهم وأنها جنس آخر فإن الذنب ما له تبعة ما بترك الأولى.

فإذا عرفت هذا فاستشهادهعليه‌السلام بالآية إما لكون كثرة الذكر سببا لزيادة العلم واليقين ، أو لأن المراد بالآية القول مع العلم أو القول فقط ، لظهور حصول العلم في المخاطب ، أو المراد الاستدامة على هذه العقيدة وأعظم أسبابها تكرار الذكر.

والأفضلية إما لاختيارهما للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو للتفريع على ما سبق في الآيات من ذكر القيامة فعلم أن أنهما أنفع الأشياء لها ، أو لما كان هي أهم العقائد فما يدل عليه أفضل الأذكار.

باب التسبيح والتهليل والتكبير

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« من سياق مائة بدنة » أي استصحابها من الميقات لإحرام الحج أو العمرة لتذبح في منى أو مكة ، وفيه فضل عظيم وقد ساق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عمره الحديبية وفي حجة الوداع وإنما أطلق عليه السياق لأنها لا تركب ولا تحمل لأنها إنما سيقت لله ، ومع الإشعار والتقليد خرجت عن ملكه ، فإنما تساق لتذبح لله في محله.

والبدنة تطلق غالبا على الإبل ، قال في المصباح : البدنة قالوا هي ناقة أو

١٥٧

لنا ولهم ما يتصدقون وليس لنا ولهم ما يجاهدون وليس لنا فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من كبر الله عز وجل مائة مرة كان أفضل من عتق مائة رقبة ومن سبح الله مائة مرة كان أفضل من سياق مائة بدنة ومن حمد الله مائة مرة كان أفضل من حملان مائة فرس في سبيل الله بسرجها ولجمها وركبها ومن قال لا إله إلا الله مائة

_________________________________________

بقرة ، وزاد الأزهري : أو بعير ذكر ، ولا تقع البدنة على الشاة.

وقال بعض الأئمة : البدنة هي الإبل خاصة ، ويدل عليه قوله تعالى : «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها » سميت بذلك لعظم بدنها وإنما ألحقت البقرة بالإبل بالسنة وهو قولهعليه‌السلام تجزئ البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، إذ لو كانت البدنة بالوضع تطلق على البقرة لما شاع عطفها ، لأن المعطوف غير المعطوف عليه ، ونقل البغوي أيضا : أن البدنة لا تطلق على الشاة ، قالوا : وإذا أطلقت البدنة في الفروع فالمراد البعير ذكرا كان أو أنثى.

« من حملان مائة فرس » الحملان بضم الحاء وسكون الميم مصدر أي من أن يركب ويحمل مائة إنسان على مائة فرس تامة الأدوات قال في النهاية في حديث تبوك قال أبو موسى : أرسلني أصحابي إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسأله الحملان ، الحملان مصدر حمل يحمل حملانا وذلك أنهم أنفذوه يطلب منه شيئا يركبون عليه ، ومنه تمام الحديث قال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أنا حملتكم والله حملكم ، أراد إفراده تعالى بالمن عليهم ، وقيل : لما ساق الله إليه هذه الإبل وقت حاجتهم كان هو الحامل لهم عليها.

قوله عليه‌السلام « بسرجها » كذا فيما عندنا من النسخ فيدل على أنه يجمع السرج على السرج بضمتين ، ولم أجده في كتب اللغة وقال في المصباح : سرج الدابة معروف وجمعه سروج ، مثل فلس وفلوس ، والسراج المصباح ، والجمع سرج ، مثل كتاب وكتب ، وقال :اللجام للفرس قيل : عربي ، وقيل : معرب والجمع لجم مثل كتاب وكتب.

وفي القاموس :الركاب من السرج كالغرز من الرحال ، والجمع ككتب

١٥٨

مرة كان أفضل الناس عملا ذلك اليوم إلا من زاد قال فبلغ ذلك الأغنياء

_________________________________________

وقال : الغرز ركاب من جلد ، وقيل : في قوله : إلا من زاد تنبيه على أن ما زاد على هذا العدد يكون له الأجر بحساب ذلك ، لأنه ليس من العبادات التي نهى الشارع عن الزيادة في عددها فيه نظر.

« كان أفضل الناس عملا » أي ليس أحد أفضل منه لأن من عمل مثل فعله لم يكن هذا أفضل منه إلا أن يقال أنه داخل في المفضل ، فالمفضل عليه غيره.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ » ظاهره أن الفقراء لا يبلغون فضل الأغنياء مع أن ثواب فقرهم وصبرهم عليه عظيم كما مر في الأخبار الكثيرة وأيضا قد دلت الأخبار على أن من تمنى شيئا من الخير ولم يتيسر له يمنحه الله الكريم ثواب ذلك ، فيمكن أن يكون عدم ذكر ذلك لهم ليكون أعظم لأجرهم أو لتأديبهم بترك ما يوهم الحسد ، وعدم الرضا بقضاء الله ، وقيل : ظاهره تفضيل الغناء على الفقر لأنه لما استووا في عمل الذكر واختص الأغنياء من العبادات المالية بما عجز الفقراء عنه قال « ذلِكَ فَضْلُ اللهِ » فالإشارة بذلك إلى الفضل الذي اختصوا به ، وإنما قلنا ظاهر في ذلك لإمكان أن يجعل سبق الفقراء بالذكر المذكور وتقدمهم على الأغنياء فضيلة اختصوا بها دون الأغنياء ، ويجعل ذلك إشارة إليها فيفيد تفضيل الفقر على الغناء لكنه عدول عن الظاهر.

ولا يمكن ترجيح هذا بقوله كان أفضل الناس عملا ذلك اليوم إلا من زاد بناء على حمل الناس على العموم وحمل الزيادة على الزيادة في الذكر ، فمن اتصف بالزيادة المالية داخل في المفضل عليه ، وغير خارج بالاستثناء لأنا نمنع عموم الناس لأنه يستلزم تفضيل الشيء على نفسه ، بل المراد به من لم يماثله في الذكر ، ونمنع أيضا تخصيص الزيادة بالزيادة في الذكر ، لجواز أن يكون المراد بها الزيادة المطلقة الشاملة للزيادة في الذكر وغيره من الأعمال التي تشتمل الحقوق المالية.

ولبعض الأفاضل في تحقيق الفقر والغناء كلام لا بأس أن نورده في هذا المقام ،

١٥٩

فصنعوه قال فعاد الفقراء إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا يا رسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه فقال ـ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ.

_________________________________________

وهو أن الفقر والغناء ثلاثة.

الأولى : الغني والفقير اللذين يفعل كل منهما الواجب عليه فقط.

الثانية : أن يفعل كل منها ما هو مقدوره كان يصبر الفقير ويؤثر على غيره ويحج الغني ويعتق ويتصدق.

الثالثة : الفقر والغناء وصفان كليان من حيث كون كل منهما قابلا للأمر إما الغناء فقابل لتحصيل القرب بالمالية ، وأما الفقر فقابل للصبر ، وكل واحد من هذه الثلاثة يصح أن يكون محلا للخلاف ، أما الأولى فلأنه يمكن أن يقال فيها هل فضل القربات المالية الواجبة أرجح من صبر الفقير أو صبره أرجح ، وأما الثانية وهي الأنسب بهذا الحديث ، فكذلك بنحو ما تقدم ، وأما الثالثة فكذلك فإنه يصح أن يقال هل قابلية فعل الخيرات والقربات المالية أرجح من قابلية تحصيل الصبر والسلامة من عهدة الغناء وتكاليفه أو العكس فتأمل ، ورجح بحسب ما ظهر لك من الروايات وغيرها ، انتهى.

وأقول : الأظهر عندي أن الفقر والغناء والصحة والقسم والعزة والذلة والشهرة والخمول وسائر تلك الأحوال المتقابلة لكل منها جهات كثيرة ومختلف. بحسب الأحوال والأشخاص والأزمان ، ولا يعلم جميع ذلك إلا علام الغيوب ، ولا يفعل شيئا من ذلك بعباده بلطفه الشامل إلا ما علم صلاحهم فيه بعلمه الكامل ، فوظيفة العبد أن يكل جميع ذلك إلى مولاه ، ويتوكل عليه ويرضي بقضائه ، ويصبر على بلائه ويشكره على نعمائه ، ولا يختار لنفسه ما لا يعلم عاقبته ، فالغني للغني أصلح ، وإلا لم يفعله به مولاه ، والفقر للفقير أفضل وإلا لم يفعله به من خلقه ورباه وهكذا جميع أحوال العالمين «فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ »(١) .

__________________

(١) الأعراف : ١٤٤.

١٦٠

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن حماد ، عن ربعي ، عن فضيل ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سمعته يقول أكثروا من التهليل والتكبير فإنه ليس شيء أحب إلى الله عز وجل من التهليل والتكبير.

٣ ـ علي ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام التسبيح نصف الميزان والحمد لله يملأ الميزان والله أكبر

_________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور صحيح عندي.

وأفضلية التهليل لدلالتها على التوحيد الكامل ، والتكبير لدلالتها على الاتصاف بجميع الصفات الكمالية ، والتنزه عن جميع سمات النقص على وجه لا يصل إليه العقول ، والأفهام فهما متضمنان لمعرفة الله الملك العلام على وجه الكمال ، والتمام.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« التسبيح نصف الميزان » قيل : لعل السر في ذلك ، إن لله سبحانه صفات ثبوتية جمالية ، وصفات سلبية جلالية ، وإنما يملأ ميزان العبد بالإتيان بهما جميعا ، والتسبيح إتيان بالثانية فحسب فهو نصف الميزان ، والتحميد إتيان بهما جميعا لوروده على كل ما كان كمالا فهو يملأ الميزان ، وهما لا يتجاوزان ميزان العبد لأنهما إنما يكونان منه بقدر فهمه وعلمه ومعرفته ، وأما التكبير فلما كان تفضيلا مجملا يكفي فيه العلم الإجمالي بالمفضل عليه ، فهو يملأ ما بين السماء والأرض.

وقيل :الحمد لله يملأ الميزان إما بنفسه أو مع التسبيح ، فهو على الأول ضعف التسبيح ، وعلى الأخير مثله ، ومن طريق العامة الحمد لله يملأ الميزان ، قال المازري : الحمد ليس بجسم فيقدر بمكيال ويوزن بمعيار ، فقيل هو كناية عن تكثير العدد أي حمدا لو كان يقدر بمكيال ، ويوزن بميزان لملأه ، وقيل هو لتكثير أجوره ، وقيل هو على التعظيم والتفخيم لشأنه ، وقد جاء من طريق العامة أن

١٦١

يملأ ما بين السماء والأرض.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن ضريس الكناسي ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال مر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله برجل يغرس غرسا في حائط له فوقف له وقال ألا أدلك على غرس أثبت أصلا وأسرع

_________________________________________

الميزان له كفتان ، كل كفة طباق السماوات والأرض. وجاء أيضا أن الحمد لله يملأه ، وقيل : القول الأول ـ وهو أنه لتكثير العدد ـ أظهر لمجيء سبحان الله عدد خلقه ، وظاهر أنه لتكثير العدد.

الحديث الرابع : صحيح.

وفي المصباحغرست الشجرة غرسا من باب ضرب ، فالشجر مغروس ، ويطلق عليه أيضا غرس ، وقال : الحائط البستان ، وقال :ينعت الثمار ينعا من بابي نفع وضرب أدركت ، والاسم الينع بضم الياء وفتحها فهي يانعة ، وأ ينعت بالألف مثله انتهى. ونسبة الإيناع هنا إلى الشجرة مجازا وأستعير لوصول الشجرة حد الإثمار ، « وأبقى » أي أبقى ثمرا أو أصل الشجرة« على فقراء المسلمين » إما متعلق بالصدقة ، أو بالمقبوضة أهل الصدقة بدل من الفقراء ، أو صفة لها أي ممن يستحق أخذ الزكاة.

وأقول : المشهور أن سورة الليل مكية ، وهذا الخبر يدل على أنها مدنية ، ويؤيده ما رواه الطبرسي (ره) بإسناده عن ابن عباس ، أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال ، وكان الرجل إذا جاء فدخل الدار وصعد النخلة ليأخذ منها التمر فربما سقطت التمرة ، فيأخذها صبيان الفقير ، فينزل الرجل من النخلة حتى يأخذ التمر من أيديهم ، فإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه حتى يخرج التمر من فيه ، فشكى ذلك الرجل إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخبره بما يلقى من صاحب النخلة ، فقال له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذهب ، ولقي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب النخلة ، فقال : تعطني نخلتك المائلة التي فرعها في دار فلان ، ولك بها نخلة في الجنة فقال له الرجل : إن لي نخلا كثيرا ، وما فيه نخلة أعجب إلى ثمرة منها ، قال

١٦٢

إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى قال بلى فدلني يا رسول الله فقال إذا أصبحت وأمسيت فقل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فإن لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات قال فقال الرجل فإني أشهدك يا رسول الله أن حائطي هذا صدقة مقبوضة على

_________________________________________

ثم ذهب الرجل فقال رجل كان يسمع الكلام من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يا رسول الله أتعطيني بما أعطيت الرجل نخلة في الجنة أن أنا أخذتها ، قال نعم ، فذهب الرجل ولقي صاحب النخلة فساومها منه ، فقال له أشعرت إن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة فقلت له : يعجبني ثمرها ، وأن لي نخلا كثيرا فما فيه نخلة أعجب إلى ثمرة منها ، فقال له الآخر : أتريد بيعها فقال : لا ، إلا أن أعطي بها ما لا أظنه أعطي ، قال : فما مناك ، قال : أربعون نخلة ، فقال الرجل : جئت بعظيم ، تطلب نخلتك المائلة ، أربعين نخلة ، ثم سكت عنه ، فقال له : أنا أعطيك أربعين نخلة ، فقال له ، أشد إن كنت صادقا ، فمر إلى ناس فدعاهم فأشهد له بأربعين نخلة ، ثم ذهب إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن النخلة قد صارت في ملكي ، فهي لك فذهب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى صاحب الدار ، فقال له : النخلة لك ولعيالك ، فأنزل الله تعالى «وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى » السورة.

وعن عطاء قال : اسم الرجل ، أبو الدحداح ، ثم قال : والأولى أن تكون الآيات محمولة على عمومها في كل من يعطي حق الله في ماله ، وكل من يمنع حقه سبحانه.

وروى العياشي ذلك بإسناده ، عن سعد الإسكاف ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال « فَأَمَّا مَنْ أَعْطى » مما أتاه الله ، « وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » أي بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى أكثر من ذلك ، وفي رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد « فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » قال لا يريد شيئا من الخير إلا سير الله له « وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ » بما أتاه الله « وَاسْتَغْنى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى » بأن الله يعطي بالواحد عشرا إلى أكثر من ذلك ،

١٦٣

فقراء المسلمين أهل الصدقة فأنزل الله عز وجل آيات من القرآن : «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ».

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير العبادة قول لا إله إلا الله.

_________________________________________

وفي رواية أخرى إلى مائة ألف فما زاد « فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى » قال لا يريد شيئا من الشر إلا يسر له قال : ثم قال أبو جعفرعليه‌السلام « وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى » أما والله ما تردى من جبل ، ولا تردى من حائط ، ولا تردى في بئر ، ولكن تردى في نار جهنم.

فعلى هذا يكونقوله « وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » معناه بالعدة الحسنى وقيل بالجنة التي هي ثواب المحسنين.

وقوله « فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » معناه فستهون عليه الطاعة مرة بعد مرة ، وقيل معناه سنهيؤه ، ونوفقه للطريقة اليسرى ، أي سنسهل عليه فعل الطاعة حتى يقوم إليه بجد ، وطيب نفس ، وقيل معناه ينسره للخصلة اليسرى أو للحالة اليسرى وهي دخول الجنة ، واستقبال الملائكة إياه بالتحية ، والبشرى.

« وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ » أي منن بماله الذي لا يبقى له ، وبخل بحق الله فيه ، « وَاسْتَغْنى » أي التمس الغناء بذلك المنع لنفسه ، وقيل : معناه أنه عمل عمل من هو مستغن عن الله ، وعن رحمته « وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى » أي بالجنة ، والثواب ، والوعد بالخلف « فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى » هو على مزاوجة الكلام ، والمراد به التمكين ، أي تخلى بينه وبين الأعمال الموجبة للعذاب ، والعقوبة.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

١٦٤

(باب)

(الدعاء للإخوان بظهر الغيب)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغراء ، عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال أوشك دعوة وأسرع إجابة دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب.

_________________________________________

باب الدعاء للإخوان بظهر الغيب

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« وأوشك » مبتدأ مضاف إلى الدعوة ،وأسرع معطوف عليه ، والمضاف محذوف أي وأسرعها ، وإجابة غير كما قيل : ويحتمل أن يقرأ كلاهما بالإضافة فيقدر قوله وإجابته في أخر الكلام بقرينة أول الكلام ، أي هذا الدعاء أقرب الدعوات من الله ، وإجابته أسرع الإجابات ، ويمكن أن يقرأ كلاهما بالتمييز فيكون دعاء المرء مبتدأ ، وأوشك خبره ، والمراد بالدعوة الحصول أو السماع مجازا ، وعلى التقادير السابقة إما أسرع تأكيد لأوشك ، أو المراد بأوشك مزيد التوفيق للدعاء ، أو المراد أنه إذا دعي للأخ لا يحتاج إلى المبالغة والتطويل لحصول الإجابة بل يكفيه أيسر دعاءبظهر الغيب ، أي في حاله مستظهرا بذلك متقويا به.

قال في النهاية : فيه « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى » أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى ، والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام ، وتمكينا كان صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال ، تقول : قرأت القرآن على ظهر قلبي ، أي قراءة من حفظي.

وقال في المصباح : قيل : ظهر الغيب ، وظهر القلب ، والمراد نفس الغيب ونفس القلب ، لكنه أضيف للإيضاح ، والبيان ، وقال النووي دعا بظهر الغيب ، أي

١٦٥

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه.

٣ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تبارك وتعالى : «وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » قال هو المؤمن يدعو لأخيه

_________________________________________

بغيبة المدعو ، وفي سر ، وقال الطبيبي إنما كان أسرع إجابة ، لأنه أقرب إلى الإخلاص ، ويعينه الله في دعائه ، لأن الله تعالى في عون العبد ما دام في عون أخيه ، وأقول : الباء بمعنى في.

الحديث الثاني : صحيح ، وفي القاموس أدرت الريح السحاب حلبته.

الحديث الثالث : ضعيف.

« وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا » قال البيضاوي : أي يستجيب الله لهم فحذف اللام كما حذف في وإذا كالوهم ، والمراد إجابة الدعاء أو الإثابة على الطاعة ، فإنها كدعاء وطلب لما يترتب عليه ، أو يستجيبون الله بالطاعة إذا دعاهم إليها ، « وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » على ما سألوا ، أو استحقوا واستوجبوا له بالاستجابة.

وقال الطبرسي (ره) : أي يجيبهم إلى ما يسألونه ، وقيل : معناه يجيبهم في دعاء بعضهم لبعض ، عن معاذ بن جبل ، وقيل : معناه يقبل طاعاتهم وعباداتهم ، ويزيدهم من فضله على ما يستحقونه من الثواب ، وقيل : معناه ويستجيب الذين الذين آمنوا ، بأن يشفعهم في إخوانهم ، ويزيدهم من فضله ، ويشفعهم في إخوان إخوانهم عن ابن عباس.

وروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيقوله « وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ » الشفاعة لمن وجب له النار ممن أحسن إليهم في الدنيا « هو المؤمن » الضمير راجع إلى الموصول ، واللام في المؤمن للعهد الذهني ، ولذا وصف بالحكمة وهو

١٦٦

بظهر الغيب فيقول له الملك آمين ويقول الله العزيز الجبار ولك مثلا ما سألت وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عبد الله الواسطي ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي خالد القماط قال قال أبو جعفرعليه‌السلام

_________________________________________

يدعو لأنه في قوة النكرة ، وقوله « يقول » كلام الإمامعليه‌السلام وقيل هو كلام الملك للخبر الآتي ، ولا حاجة إلى هذا التكلف فإنه يمكن الجمع بين قول الله وقول الملك ، وعدم الذكر لا يدل على العدم ، ويحتمل أن يكون ما في الخبر الآتي كلام ملك أخر.

قوله « وقد أعطيت ما سألت » أي لأخيك فيكون امتنانا عليه باستجابة دعائه في حق أخيه ، أو المعنى أعطيناك ما سألت لأخيك مضاعفا لحبك إياه ، وقيل : الأخ شامل للواحد والجماعة من المؤمنين أحياء كانوا أم أمواتا ، والظاهر من الملك هو الموكل به لكتب أعماله وحفظه عن الشياطين ، كما دل عليه الخبر الآتي ، وقيل : المراد به ملائكة السماء ، وقيل : إذا قال الملك الموكل به ذلك قاله من فوقه حتى ينتهي إلى ملائكة السماء ، وقيل : المراد به الملائكة المستغفرون لمن في الأرض كما جعل الله سبحانه ملائكة يصلون على من يصلي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وملائكة يدعون لمن ينتظر الصلاة ، كذلك جعل ملائكة يؤمنون على دعاء المؤمنين وما منهم إلا وله مقام معلوم.

واختلفوا في أن آمين هل هو دعاء أم لا ، فقيل : بالثاني لأنه اسم للدعاء وهو اللهم استجب والاسم مغاير لمسماه ، وقيل : بالأول لأنها اسم فعل ، وأسماء الأفعال أسماء لمعاني الأفعال لا لألفاظها ، كما حققه الشيخ الرضي ، ومن أدلته أن العرب تقول صه مثلا ، وتريد معنى اسكت ، ولا يخطر ببالهم لفظة اسكت بل قد لا تكون مسموعة للقائل أصلا.

الحديث الرابع : ضعيف.

١٦٧

أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به آمين ولك مثلاه.

٥ ـ علي بن محمد ، عن محمد بن سليمان ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن جعفر بن محمد التميمي ، عن حسين بن علوان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجل عليه مثل الذي دعا لهم به

_________________________________________

« وأسرع » أفعل تفضيل وهو مبتدأ و« نجحا » تميز ، و« للإجابة » صفة لقوله نجحا ، أو متعلق به ، وما قيل ـ إن أسرع فعل ماض والدعاء منصوب ،ودعاء الأخ مرفوع بالفاعلية ـ بعيد و « النجح » بالضم الظفر بالشيء ، وقوله « ولك مثلاه » إما خبر أو دعاء.

ولا ينافي ذلك ما سيأتي أنه نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف ، لأن الضعف بمقتضى دعائه ، والزائد تفضل منه تعالى لمن يشاء ، كما قيل : أو لأن الضعف أقل المراتب ، ومائة ألف ضعف أكثرها ، وبينهما مراتب متفاوتة بحسب تفاوت الداعي والمدعو له ، وقيل : يحتمل أن تكون علة الضعف أن الدعاء للغير يتضمن عملين صالحين ، أحدهما : الدعاء والضراعة إلى الله تعالى ، والثاني : دعاؤه لأخيه ومحبته له ، وطلب الخير له ، ولذلك كان هذا الدعاء مستجابا يؤجر عليه مرتين.

ثم بعض السلف كان إذا أراد أن يدعو لنفسه بشيء دعا لأخيه المؤمن بتلك الدعوة ، طمعا لحصول المطلوب مع زيادة لما رأى أنها مستجابة ، ويدل عليه فعل عبد الله بن جندب كما سيجيء ، وكان بعضهم يقول : هذا خلاف الأولى ، والأولى أن يدعو لنفسه ولغيره ، ثم الدعاء على الغير ليس مثل الدعاء له في تأمين الملك وطلب المثلين عليه.

الحديث الخامس : مجهول.

« إلا رد الله » أي يتضاعف ما سأل لهم ، بعدد جميع المؤمنين الذين كانوا في الدنيا ، ويكونون بعد ذلك ، فيعطى جميع ذلك و« سحبه » كمنعه جره على وجه

١٦٨

من كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة إن العبد ليؤمر به إلى النار ـ يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه فيشفعهم الله عز وجل فيه فينجو.

٦ ـ علي ، عن أبيه قال رأيت عبد الله بن جندب في الموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض فلما صدر الناس قلت له يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك قال والله ما دعوت إلا لإخواني وذلك أن أبا الحسن موسىعليه‌السلام ـ أخبرني أن من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة ، عن ثوير قال سمعت علي بن الحسينعليه‌السلام يقول إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير قالوا نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير قد أعطاك الله عز وجل مثلي ما سألت له وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه ولك

_________________________________________

الأرض ومنه سحب ذيله فانسحب ، و« التشفيع » قبول الشفاعة.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

و« الموقف » في الأول اسم مكان ، والمراد به عرفات ، وفي البقية مصدر ميمي وعبد الله بن جندب بضم الجيم ، وسكون النون ، وضم الدال وفتحها ، من ثقات أصحاب الصادق ، والكاظم ، والرضاعليهم‌السلام ، ولجلالته وعلو شأنه قالعليه‌السلام مناسبا لحاله ، إن دعاءه يضاعف مائة ألف ضعف ، كما عرفت في وجه الجمع ، وفي المصباحصدرت عن الموضع صدرا ، من باب قتل رجعت.

الحديث السابع : مجهول ويمكن أن يعد حسنا.

« مثل ما سألت » وفي بعض النسخ مثلي بالتثنية في الموضعين ، ولعلقوله

١٦٩

الفضل عليه وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا له بئس الأخ أنت لأخيك كف أيها المستر على ذنوبه وعورته واربع على نفسك واحمد الله الذي ستر عليك واعلم أن الله عز وجل أعلم بعبده منك.

_________________________________________

«ولك الفضل عليه » يؤيد الأفراد أي وإن كنت في العطاء ، والثناء مثله ، لكن لك الفضل عليه ، حيث أحسنت إليه ، وصرت سببا لحصول ما سألت له ، وعلى نسخة التثنية أيضا لعله هو المراد ، وعلى النسختين ، يحتمل أن يكون إشارة إلى تضاعف العطاء ، والثناء فلا تنافي نسخة الإفراد ، سائر الأخبار الدالة على تضاعف ما سأل ، وأما في الثناء فالفضل ظاهر فإنه لا نسبة بين ثناء الله في الملإ الأعلى ، وثناء العبد في الأرض و« المستر » على بناء المجهول من التفعيل ، أو الأفعال ، وما قيل إنه على بناء الفاعل فهو بعيد ، و« العورة » العيب ، وما يستحيي منه ، وقال الجوهريربع الرجل يربع ، إذا وقف وتحبس ، ومنه قولهم أربع على نفسك وأربع على طلعك أي أرفق بنفسك وكف انتهى ، والمعنى اقتصر على النظر في حال نفسك ، ولا تلتفت إلى غيرك.

واعلم أن الله أعلم بعبده منك فإن علم صلاحه وصلاح سائر عباده في دفعه يدفعه ، وفي ابتلائه يبتليه ، وفي عافيته يعافيه ، ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى تعليمك وقيل : المعنى إن كان الباعث على الدعاء ، أو ذكره بسوء طلب الاستجابة ، فبئس ما قصدت في حق أخيك ، ولا يستجاب لك ، وإن كان الباعث إظهار براءتك من العيب فكفاك هذا العيب ، وهو الدعاء على أخيك وذكرك إياه بالسوء وإن كان الغرض عرض حاله على الله فهو أعلم به منك.

١٧٠

(باب)

(من تستجاب دعوته)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن عيسى بن عبد الله القمي قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ثلاثة دعوتهم مستجابة الحاج فانظروا كيف تخلفونه والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه.

٢ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام يقول : خمس دعوات لا يحجبن عن الرب تبارك وتعالى دعوة الإمام المقسط ودعوة المظلوم يقول الله

_________________________________________

باب من تستجاب دعوته

الحديث الأول : حسن.

« ثلاثة » مبتدأ مثل كوكب أنقض الساعة ، وفي المصباح خلفت فلانا على أهله ، وماله خلافة صرت خليفته ، واستخلفته جعلته خليفة ، وتخلفونه بضم اللام أي أحسنوا خلافتهم في أهلهم ، ومالهم ، ودارهم ، وعقارهم ، ليدعوا لكم فإن دعاءهم مستجاب ، وفي القاموسالغيظ الغضب ، أو أشده ، أو سورته ، وأو له غاظه يغيظه فاغتاظ ، وغيظه فتغيظ ، وأغاظه وغايظه ، وقالضجر منه وبه كفرح ، وتضجر تبرم فهو ضجر ، وأضجرته فأنا مضجر ، وكلاهما من باب الأفعال أنسب أي لا تغيظوهم ليدعوا عليكم ، فنظر منه أن استجابة دعائهم أعم من أن يكون للإنسان أو عليه.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

و « الحجب » كناية عن عدم الاستجابة ، و« المقسط » العادل ، والمراد إمام الصلاة ، ويحتمل إمام الكل« ولو بعد حين » أي مدة طويلة فإن الله يمهل الظالم

١٧١

عز وجل لأنتقمن لك ولو بعد حين ودعوة الولد الصالح لوالديه ودعوة الوالد الصالح لولده ودعوة المؤمن لأخيه بظهر الغيب فيقول ولك مثله

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إياكم ودعوة المظلوم فإنها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله عز وجل إليها فيقول ارفعوها حتى أستجيب له وإياكم ودعوة الوالد فإنها أحد من السيف

_________________________________________

ولا يهمله فيقول أي الرب تعالى.

الحديث الثالث : كالسابق.

« فإنها ترفع فوق السحاب » كان السحاب كناية عن موانع إجابة الدعاء ، أو الحجب المعنوية الحائلة بينه وبين ربه ، أو هي كناية عن الحجب فوق العرش ، أو تحته على اختلاف الأخبار ، ويمكن حمله على السحاب المعروف ، على الاستعارة التمثيلية ، لبيان كمال الاستجابة ، والمراد بالنظر ، نظر الرحمة والعناية وإرادة القبول.

وأقول : روي في المشكاة ، نقلا عن الترمذي ، بإسناده عن أبي هريرة ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاثة لا ترد دعوتهم ، الصائم حين يفطر ، والإمام العادل ، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ، ويفتح لها أبواب السماء ، ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين.

وقال القتيبي : الغمام شيء يشبه السحاب الأبيض فوق السماء السابعة إذا سقط انشقت السماوات والأرض ولم تبقيا على حالهما قال الله تعالى «يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ »(١) أي عنه.

وقال البيضاوي : رفعها فوق الغمام ، وفتح أبواب السماء لها ، مجاز عن إثارة الآثار العلوية ، وجمع الأسباب السماوية على انتصاره بالانتقام من الظالم ،

__________________

(١) الفرقان : ٢٥.

١٧٢

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبي يقول اتقوا الظلم فإن دعوة المظلوم تصعد إلى السماء.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قدم أربعين من المؤمنين ثم دعا استجيب له.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن علي بن النعمان ، عن عبد الله بن طلحة النهدي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أربعة لا ترد لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء وتصير إلى العرش الوالد لولده والمظلوم على من ظلمه والمعتمر حتى يرجع والصائم حتى يفطر.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ليس شيء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب

_________________________________________

وإنزال البأس عليه.

الحديث الرابع : موثق.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح ، ويدل على أن الدعاء لأربعين من المؤمنين موجب لإجابة الدعاء لنفسه ، ومن قرأ بتخفيف الدال أي أتاهم وشرك معهم في الدعاء فقد أبعد.

الحديث السادس : مجهول.

و « الفتح » كناية عن القبول ، أو محمول على الحقيقة ، وكذا الصيرورة إلى العرش يحتملهما ، وفي بعض النسخ « أو تصير » فالترديد من الراوي أو هي بمعنى إلى أن ، أو الترديد باعتبار اختلاف مراتب الإجابة والقبول.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

وقيل« لغائب » متعلق بقوله « أسرع إجابة ».

١٧٣

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله دعا موسىعليه‌السلام وأمن هارونعليه‌السلام وأمنت الملائكةعليهم‌السلام فقال الله تبارك وتعالى : «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما » ومن غزا في سبيل الله استجيب له كما استجيب لكما يوم القيامة.

(باب)

(من لا تستجاب دعوته)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حسين بن مختار ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال صحبته بين مكة والمدينة فجاء سائل فأمر أن يعطى ثم جاء آخر فأمر أن يعطى ثم جاء آخر فأمر أن يعطى ثم جاء الرابع فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام يشبعك الله ثم التفت إلينا فقال أما إن عندنا ما نعطيه ولكن

_________________________________________

الحديث الثامن : كالسابق.

« قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما » يظهر من الخبر أن الداعي وإن كان موسىعليه‌السلام حيث قال قبل ذلك «وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ »(١) الآية أشرك هارون في الإجابة ، لأنه كان يؤمن على دعائه فيدل على أن الداعي والمؤمن شريكان في الدعاء ، والأجر « فَاسْتَقِيما » أي فأثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة وإلزام الحجة ، ولا تستعجلا فإن ما طلبتما كائن ، ولكن في وقته« ومن غزا » عطف على قوله قد أجيبت.

باب من لا تستجاب دعوته

الحديث الأول : حسن موثق.

« يشبعك الله » على بناء الأفعال جملة دعائية« في غير حقه » أي ما يجب أو يستحب صرفه ، فإن الإسراف في الخيرات أيضا غير محمود ، والظاهر أن السائلين

__________________

(١) يونس : ٨٨.

١٧٤

أخشى أن نكون كأحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم دعوة رجل أعطاه الله مالا فأنفقه في غير حقه ثم قال اللهم ارزقني فلا يستجاب له ورجل يدعو على امرأته أن يريحه منها وقد جعل الله عز وجل أمرها إليه ورجل يدعو على جاره وقد جعل الله عز وجل له السبيل إلى أن يتحول عن جواره ويبيع داره.

٢ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن عبد الله بن إبراهيم ، عن جعفر بن إبراهيم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أربعة لا تستجاب لهم دعوة رجل جالس في بيته يقول اللهم ارزقني فيقال له ألم آمرك بالطلب ورجل كانت له امرأة فدعا عليها فيقال له ألم أجعل أمرها إليك ورجل كان له مال فأفسده فيقول اللهم ارزقني فيقال له ألم آمرك بالاقتصاد ألم آمرك بالإصلاح ثم قال( وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً ) (١) ورجل كان له مال فأدانه

_________________________________________

كانوا من المخالفين ، والمستضعفين ، فلذا اكتفىعليه‌السلام بالثلاثة ومنع الرابعة ، وإلا فهم كانوا يؤثرون شيعتهم على أنفسهم ، أو كان هذا التعليم الحكم ، وبيان عدم لزوم أكثر من ذلك توسعة على المؤمنين« أن يريحه منها » أي بالموت أو الأعم.

الحديث الثاني : مجهول سندية.

« الرجل جالس » اللام للعهد الذهني ، فهو في حكم النكرة ، وجالس صفته ، و« الاقتصاد » التوسط بين الإسراف والتقتير ، والإسراف صرف المال زائدا على القدر الجائز شرعا ، وعقلا ، والقتر والقتور التضييق ، يقال قتر على عياله قترا وقتورا من باب قعد ، وضرب ضيق في النفقة ، وأقتر إقتارا وقتر تقتيرا مثله ، وقيل : الإسراف هو الإنفاق في المحارم ، والتقتير منع الواجب ، والقوام بالفتح العدل ، والاعتدال ، والوسط ، وقرئ بالكسر وهو ما يقام به الحاجة لا يفضل منها ولا ينقص ، وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بفتح الباء وكسر التاء ، ونافع ، وابن

__________________

(١) الفرقان : ٦٧.

١٧٥

بغير بينة فيقال له ألم آمرك بالشهادة.

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عمران بن أبي عاصم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله.

٣ ـ الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عبد الله بن سنان ، عن الوليد بن صبيح قال سمعته يقول ثلاثة ترد عليهم دعوتهم رجل رزقه الله مالا فأنفقه في غير وجهه ثم قال يا رب ارزقني فيقال له ألم أرزقك ورجل دعا على امرأته وهو لها ظالم فيقال له ألم أجعل أمرها بيدك ورجل جلس في بيته وقال يا رب ارزقني فيقال له ألم أجعل لك السبيل إلى طلب الرزق.

(باب)

(الدعاء على العدو)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يحيى بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن إسحاق بن عمار قال شكوت إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام جارا لي وما ألقى منه قال فقال لي ادع عليه قال ففعلت فلم أر شيئا فعدت إليه فشكوت إليه ـ فقال لي ادع عليه قال فقلت جعلت فداك قد فعلت فلم أر شيئا فقال كيف دعوت عليه فقلت إذا لقيته دعوت

_________________________________________

عامر ولم يقتروا من أقتر« ألم أمرك بالشهادة » أي الإشهاد على الدين كما في آية. المداينة وغيرها.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور ، والضمير راجع إلى الصادقعليه‌السلام « وهو لها ظالم » بسبب الدعاء عليها ، لأن دعاءه عليها مع قدرته على التخلص بوجه آخر ظلم.

باب الدعاء على العدو

الحديث الأول : ضعيف.

« وما ألقي منه » أي من الأذى ، قيل ولعله كان عدوا دينيا له ، وإنما كان

١٧٦

عليه قال فقال ادع عليه إذا أدبر وإذا استدبر ففعلت فلم ألبث حتى أراح الله منه.

٢ ـ وروي ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال إذا دعا أحدكم على أحد قال اللهم اطرقه ببلية لا أخت لها وأبح حريمه.

_________________________________________

يؤذيه من هذه الجهة ، وإلا لما استحق ذلك منه ،قوله عليه‌السلام « إذا أدبر وإذا استدبر » لعل المراد بالإدبار أول ما ولى ، وبالاستدبار الذهاب وللبعد في الأدبار ، ويحتمل أن يكون المراد بالثاني ، إرادة الأدبار فيكون بعكس الأول ، وقيل المراد بالاستدبار الغيبة ، وهو بعيد.

قال في القاموس : دبر ولى ، كأدبر واستدبر ، ضد استقبل ، وفي بعض النسخ إذا أقبل واستدبر وهو أظهر ، وفي بعض النسخ إذا مكرر وقيل : حتى أراح بتقدير حتى أن أراح ، وحتى متعلق بالمنفي لا بالنفي والحاصل تحقق الإراحة من غير مرور زمان.

الحديث الثاني : مرسل ، وربما يقرأ روى بصيغة المعلوم فالضمير المستتر لاستحق ، والخبر مثل الأول ضعيف ، وهو بعيد ، وفي بعض النسخ اللهم اطرقه بليلة ، وفي بعضها ببلية ، و« الطرق » يكون بمعنى الدق ، والضرب ، والطروق أن يأتي ليلا ، والطوارق النوائب التي تنزل بالليل ، وتطلق على مطلق النوائب ، والفعل في الجميع كنصر ، فعلى النسخة الثانية ، المعنى الأول أنسب ، وعلى النسخة الأولى ، المعاني الآخر أظهر ، قال في النهاية : فيه نهي المسافر أن يأتي أهله طروقا ، أي ليلا ، وكل آت بالليل طارق ، وقيل : أصل الطروق من الطرق ، وهو الدق ، وسمي الآتي بالليل طارقا ، لاحتياجه إلى دق الباب ، ومنه الحديث أعوذ بك من طوارق الليل إلا طارقا يطرق بخير ، وفيه فرأى عجوزا تطرق شعرا هو ضرب الصفوف والشعر بالقضيب لينتقش هو انتهى.

١٧٧

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن مالك بن عطية ، عن يونس بن عمار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إن لي جارا من قريش من آل محرز قد نوه باسمي وشهرني كلما مررت به قال هذا الرافضي يحمل الأموال إلى جعفر بن محمد قال فقال لي فادع الله عليه إذا كنت في صلاة الليل وأنت ساجد في السجدة الأخيرة من الركعتين الأوليين فاحمد الله عز وجل ومجده وقل اللهم إن فلان بن فلان قد شهرني ونوه بي وغاظني وعرضني للمكاره اللهم اضربه بسهم عاجل تشغله به عني اللهم وقرب أجله واقطع أثره وعجل ذلك يا رب

_________________________________________

والحاصل على الأولى. أنزل عليه أو لا يبقى بعدها إلى ليلة أخرى ـ فالطروق مجاز كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « اللهم اشدد وطأتك على مضر » ويمكن أن يقرأ حينئذ على بناء الأفعال ، وعلى الثانية المعنى دقة وأضربه ببلية لا شبيه لها في الشدة ، والصعوبة« وأبح حريمه » الحريم ما يختص بالرجل ، ولا يحل لغيره التصرف فيه إلا بإذنه كحريم الدار ، والبئر والحرمة ما لا يحل انتهاكه وقد تحرم بصحبة وحرمة الرجل حرمه وأهله وهو كناية عن استيلاء الأعادي عليه وهتك عرضه وكشف معائبه وإذلاله وإنما يدعى بذلك لمن يستحق ذلك من الكفار والمخالفين.

الحديث الثالث : مجهول ، ومحرز بضم الميم وكسر الراء اسم رجلين من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحدهما : ابن زهير ، والآخر ابن نضلة.

وفي القاموس« نوهه » وبه دعاه ورفعه ، وفي المصباح ناه بالشيء نوها ، من باب قال ونوه به تنويها رفع ذكره وعظمه ، وفي حديث عمر « أنا أول من نوه بالعرب » أي رفع ذكرهم بالديوان ، والإعطاء ، وقال شهرت زيدا بكذا وشهرته بالتشديد مبالغة ، وفي النهاية :الشهرة طهور الشيء في شنعة حتى يشهره الناس ، وقال الجوهري :الغيظ غضب كامن للعاجز يقال : غاظه فهو مغيظ« والسهم » أستعير للبلية التي توجب هلاكه ، و« الأثر » بالتحريك ما بقي من رسم الشيء ، وقد يطلق على ما بقي في الأرض من أثر القدم فيحتمل أن يكون المراد قطع جميع آثاره من

١٧٨

الساعة الساعة قال فلما قدمنا الكوفة قدمنا ليلا فسألت أهلنا عنه قلت ما فعل فلان فقالوا هو مريض فما انقضى آخر كلامي حتى سمعت الصياح من منزله وقالوا قد مات.

٤ ـ أحمد بن محمد الكوفي ، عن علي بن الحسن التيمي ، عن علي بن أسباط ، عن يعقوب بن سالم قال كنت عند أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له العلاء بن كامل إن فلانا يفعل بي ويفعل فإن رأيت أن تدعو الله عز وجل فقال هذا ضعف بك قل اللهم

_________________________________________

أولاده وأمواله ودياره ، بل ذكره بين الناس كما هو الشائع بين العجم ، أو يكون كناية عن موته ، فإن مات لا يبقى له أثر قدم في الأرض ، قال في النهاية : في الحديث من سره أن يبسط الله في رزقه ، وينسئ في أثره ، فليصل رحمه ، الأثر الأجل وسمي به لأنه يتبع العمر وأصله من أثر مشيه في الأرض ، فإن من مات لا يبقى له أثر فلا يرى لإقدامه في الأرض أثر ، ومنه قوله للذي مر بين يديه وهو يصلي « قطع صلاتنا قطع الله أثره » دعاء عليه بالزمانة لأنه إذا زمن انقطع مشيه فانقطع أثره.

الحديث الرابع : موثق.

« يفعل بي ويفعل » أي يبالغ في الإضرار بي ويكرره ، ولا يكف شره عني« فإن رأيت » الجزاء محذوف ، أي إن رأيت المصلحة في الدعاء لي فعلت.

« هذا ضعف بك » هذا الكلام يحتمل وجوها.

الأول : أن يكون هذا إشارة إلى إضرار العدو ، والمراد بالضعف قلة الورع والتقوى ، وضعف الدعاء ، والتوسل بالله ، والتوكل عليه والحمل على المجاز من حمل السبب على المسبب.

الثاني : أن يكون إشارة إلى ذلك أيضا ويكون المراد الضعف في التقية ، وحسن المعاشرة والسعي في إرضاء الخصم.

الثالث : أن يكون هذا إشارة إلى إتيانه ، وطلب الدعاء منهعليه‌السلام أي هذا من ضعف يقينك ، حيث لا تتضرع إلى الله ، وتتوسل إليه ، وتأتيني وتسألني

١٧٩

إنك تكفي من كل شيء ولا يكفي منك شيء فاكفني أمر فلان بم شئت وكيف شئت ومن حيث شئت وأنى شئت.

_________________________________________

الدعاء.

الرابع : أن يكون هذا إشارة إلى ما يفهم من الكلام ضمنا أنه دعا ولم ير الإجابة فتوسل بهعليه‌السلام فالمعنى أن عدم الاستجابة ، لضعف علمك بآداب الدعاء ، وشرائطه ثم علمه الدعاء لذلك « إنك تكفي من كل شيء ، ولا يكفي منك شيء » أي يمكن الاستغناء بك من كل شيء ، ولا يستغني بغيرك منك ، أو يمكن كفاية ضرر كل شيء بك ، ولا يمكن كفاية ضررك وعقابك بشيء.

قال في المصباح المنير :كفى الشيء يكفي كفاية فهو كاف إذا حصل به الاستغناء عن غيره ، واكتفيت بالشيء استغنيت به ، أو قنعت به( وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ) (١) أغناهم من القتال.

وفي النهاية : من قرأ الآيتين من أخر البقرة في ليلة ، كفتاه أي اغتناه عن قيام الليل ، وقيل : أراد أنهما أقل ما يجزي من القراءة في قيام الليل ، وقيل : تكفيان الشر وتقيان المكروه ، ومنه الحديث سيفتح الله عليكم ، ويكفيكم الله أي يكفيكم القتال بما فتح عليكم ، والكفاة الخدم الذين يقومون بالخدمة ، جمع كاف ، ومنه حديث أبي مريم فأذن لي إلى أهلي بغير كفى ، أي بغير من يقوم مقامي يقال : كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه ، ومنه الحديث « وأكفي من لم يشهد الحرب وأحارب عنه ».

وقال الراغب : الكفاية ، ما فيه سد الخلة ، وبلوغ المراد في الأمر ، قال عز وجل «وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ » وقال «إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ » ويقال كافيك من رجل ، كقولك حسبك من رجل ، و« بم » إشارة إلى سبب الأخذ ، والكفاية ، و« كيف » إلى كيفيتهما ، و« حيث » إلى مكانهما و« أنى » إلى زمانهما ، فهي

__________________

(١) الأحزاب : ٢٥.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594