مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول10%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 31977 / تحميل: 5345
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الدعاء

(باب)

(فضل الدعاء والحث عليه )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة

_________________________________________

كتاب الدعاء

باب فضل الدعاء والحث عليه

قال في المصباح : دعوت الله أدعوه دعاء ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير ، ودعوت زيدا ناديته وطلبت إقباله ، انتهى.

وقد يطلق الدعاء على الذكر أيضا كما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الدعاء الحمد لله ، قال الطيبي : لأنه سؤال لطيف يدق مسلكه ، ومنه قول أمية : إذا أثنى عليك المرء يوما كفاك من تعرضه الثناء ، ويمكن أن يراد به اهدنا الصراط ، انتهى.

وقال في النهاية في حديث عرفة أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفات لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، إنما سمي التهليل والتحميد والتمجيد دعاء لأنه بمنزلته في استيجاب ثواب الله وجزائه كالحديث الآخر : إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلون.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

١

عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عز وجل يقول : «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » قال هو الدعاء وأفضل العبادة الدعاء قلت إن

_________________________________________

وقال الله تعالى في سورة المؤمن :( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) قال الطبرسي (ره) : يعني إذا اقتضت المصلحة أجابتكم وكل من يسأل الله تعالى شيئا ويدعوه فلا بد أن يشترط المصلحة في ذلك إما لفظا أو إضمارا ، وإلا كان قبيحا ، لأنه ربما كان داعيا بما تكون فيه مفسدة ولا يشترط انتفاؤها فيكون قبيحا ، وقيل : معناه وحدوني واعبدوني أثبكم عن ابن عباس ، ويدل عليه قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

الدعاء هو العبادة ولما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة لتجانس اللفظ.

« إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي » ودعائي « سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » أي صاغرين ذليلين.

وقال البيضاوي : ادْعُونِي اعبدوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ أثب لكم لقوله : إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي ، وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلا منزلته للمبالغة ، والمراد بالعبادة الدعاء فإنه من أبوابها انتهى.

والخبر يدل على أن المراد بها المعنى الأخير ، وضمير هو راجع إلى العبادة لكونه مصدرا أو لتذكير الخير ، وعبر عن الدعاء بالعبادة للإشعار بفضله ، وأنه من جملة العبادات وإيماء إلى أنه ينبغي أن يدعو الإنسان وإن لم تدع إليه حاجة ضرورية ، ولا يكون غرضه منحصرا في الإجابة ، بل يكون عمدة غرضه في الدعاء التقرب إليه تعالى وإطاعة أمره ، ولا يترك الدعاء مع إبطاء الإجابة.

فإن قيل : فعلى هذا يلزم وجوب الدعاء وكونه من الفرائض ، وكون تركه من الكبائر لوعيد النار عليه؟

قلت : لا استبعاد في ذلك فإن الدعاء في الجملة واجب ، وأقله في سورة الحمد

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

٢

« إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ » قال الأواه هو الدعاء.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل وابن محبوب جميعا ، عن حنان بن سدير ، عن أبيه قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام أي العبادة أفضل فقال ما من شيء أفضل عند الله عز وجل من أن يسئل ويطلب مما عنده وما أحد أبغض

_________________________________________

فترك الدعاء رأسا من الكبائر ، على أن الوعيد مترتب على الاستكبار وهو في درجة الكفر ، ويؤيد الأول قول سيد الساجدين صلوات الله عليه في الصحيفة الكاملة : فسميت دعاءك عبادة وتركه استكبارا وتوعدت على تركه دخول جهنم داخرين.

« إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ » قال الطبرسي (ره) : أي دعاء كثير الدعاء والبكاء عن ابن عباس وهو المروي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقيل : الأواه الرحيم بعباد الله ، وقيل : هو الذي إذا ذكره النار قال أوه ، وقيل : الأواه المؤمن بلغة الحبشة وقيل : الموقن المستيقن ، وقيل : العفيف ، وقيل : هو الراجع عن كل ما يكره الله ، وقيل : هو الخاشع المتضرع ، ورواه عبد الله بن شداد عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقيل : هو المسبح الكثير الذكر لله ، وعن أبي عبيدة هو المتأوه شفقا وفرقا المتضرع يقينا بالإجابة ولزوما للطاعة.

قال الزجاج : وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روى في الأواه «حَلِيمٌ » يقال بلع من حلم إبراهيمعليه‌السلام أن رجلا قد أذاه وشتمه فقال له : هداك الله ، وقيل : الحليم السيد عن ابن عباس ، وأصله أنه الصبور على الأذى الصفوح عن الذنوب.

الحديث الثاني : حسن موثق.

« ويطلب مما عنده » الظرف متعلق بالفعلين ، وإنما أتى بمن التبعيضية لأن طلب جميع ما عنده اعتداء في الدعاء ، بل طلب للمحال« عن عبادته » أي عن الدعاء الذي هو من أعظم العبادات ، وقوله : ولا يسأل كأنه بيان للاستكبار ، وإشارة إلى أن المراد بالاستكبار في الآية ترك السؤال وعدم الاهتمام فيه ، وإلا فحقيقته لا يكاد يوجد من أحد.

٣

إلى الله عز وجل ممن يستكبر عن عبادته ولا يسأل ما عنده.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن ميسر بن عبد العزيز ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال لي يا ميسر ادع ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة ولو أن عبدا سد فاه

_________________________________________

وهذه الأخبار يدفع أقوال الصوفية القائلين بأن ترك الدعاء أحسن مطلقا أو في بعض الأحوال ، قال الطيبي في شرح المشكاة : دلت الأحاديث الصحيحة على استحباب الدعاء والاستعاذة ، وعليه أجمع العلماء وأهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار ، وذهب طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء ، وقال آخرون منهم : إن دعا للمسلمين فحسن وإن خص نفسه فلا ، ومنهم من قال : إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب وإلا فلا ، ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسنة في الأمر بالدعاء والأخبار عن الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

الحديث الثالث : صحيح.

« ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه » الأمر حدوث الحوادث وتدبيره ، وفرغ على بناء المجهول ، والظرف قائم مقام الفاعل ، والنهي عن هذا القول يحتمل ، وجهين :

أحدهما : بطلانه فإن هذا قول اليهود وبعض الحكماء ، بل لا بد من الإيمان بالبداء ، والله سبحانه كل يوم في شأن ، ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، فالقدر والقضاء لا يمنعان الدعاء لأنه يمكن تغيير ما قدر في لوح المحو والإثبات ، مع أن الدعاء أيضا من أسباب القضاء ، وكذا الأمر بالدعاء أيضا منها.

والثاني : أن يكون المراد بالفراغ من الأمر تعلق علمه سبحانه بما هو كائن ، وثبوت جميع ذلك في اللوح المحفوظ ، فمن علم الله أنه يموت في سنة كذا يستحيل أن يموت قبلها أو بعدها ، وإلا لزم أن يكون علمه تعالى جهلا ، فهذا الكلام صحيح لكن ذلك لا يمنع الأمر بالدعاء والإتيان به ، وترتب الفائدة عليه ، فالمراد بالنهي عن القول النهي عن جعل ذلك مانعا عن الدعاء وسببا للاعتقاد بعدم فائدته كما

٤

ولم يسأل لم يعط شيئا فسل تعط يا ميسر إنه ليس من باب يقرع إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.

_________________________________________

مر تحقيقه في كتاب العدل.

ونذكر ههنا أيضا مجملا ، وحاصل الخبر أنهعليه‌السلام أجاب عن ذلك بوجهين :

أحدهما : أن الدعاء في نفسه مطلوب لأنه عبادة جليلة تؤدي إلى منزله رفيعة عند الله تعالى ، لا تنال تلك المنزلة إلا بمسألة ودعاء وتضرع.

والثاني : أن الكائن قد يزيد وينقص ويمحو إذا كان مشروطا بشرط مثلا يقدر عمره بثلاثين سنة إن لم يصل رحمه ، وبستين إن وصلها ، ويقدر رزقه يوم كذا بدرهم إن لم يدع ولم يطلب الزيادة ، وبدرهمين إن دعاها وطلبها وهكذا سائر المطالب.

والحاصل أن لوجود الكائنات وعدمها شروطا وأسبابا ، وأبي الله سبحانه أن يجري الأشياء إلا بالأسباب ، ومن جملة الأسباب لبعض الأمور الدعاء ، فما لم يدع لم يعط ذلك الشيء ، وأما علمه سبحانه فهو تابع للمعلوم ولا يصير سببا لحصول الأشياء وقضاؤه تعالى وقدره ليسا قضاء لازما وقدرا حتما ، وإلا لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي كما مر عن أمير المؤمنينعليه‌السلام .

قال الغزالي : فإن قيل : فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء ، والدعاء سبب لرد البلاء ، ووجود الرحمة كما أن الترس سبب لدفع السلاح ، والماء سبب لخروج النبات من الأرض ، فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان كذلك الدعاء والبلاء ، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح ، وقد قال تعالى :( وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) (١) فقدر الله تعالى الأمر وقدر سببه ، وفي الدعاء من الفوائد ما ذكرنا من حضور القلب والافتقار وهما نهاية العبادة والمعرفة ، انتهى.

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

٥

٤ ـ حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ ، عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من لم يسأل الله عز وجل من فضله فقد افتقر.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر فإن الدعاء هو العبادة إن الله

_________________________________________

وقيل : هذه الشبهة ترد على من يزعم أنه لا فاعل إلا الله ولا مؤثر سواه ، وأنه يفعل بلا شرط ولا سبب ولا غرض ، وكما ترد عليهم هذه الشبهة ترد عليهم أن لا فائدة في السعي إلى جميع الأعمال ، مثل الصوم والصلاة والحج والزكاة وغيرها ، لأن كل مقدر كائن قطعا ، ولا مدخل لسعي العباد فيه ، وهم أجابوا عنها بتكلفات فقال السمعاني : معرفة هذا الباب التوقيف لا النظر ، فمن نظر ضل وحار وهذا لا يزيل الشبهة بل هو اعتراف بورودها ، وقال الآبي : والقضاء وإن سبق بمكان كل ما هو كائن لكن استحقاق العبد للثواب وحصول المطالب ليس بذاته ، بل موقوف على العمل والدعاء ، بمعنى أن الفائز بالمقاصد مسير للدعاء والعمل ، والمحروم مسير لتركهما ، كما قالعليه‌السلام : كل مسير لما خلق له ، وقال محيي الدين البغوي : والكحل وإن كان مفروغا منه ، إلا أن الله تعالى أمر بالصلاة والصوم ، ووعد بأنها نجا من النار ، والدعاء بالنجاة مثلا من جملة تلك العبادات ، فكما لا يحسن ترك الصلاة اتكالا على ما سبق من القدر ، فكذلك لا يترك الدعاء بالمعافاة انتهى.

وسيأتي بعض القول فيه في الأخبار الآتية إنشاء الله.

الحديث الرابع : ضعيف ، ويدل على اشتراط سعة الرزق بالدعاء للمؤمنين أو مطلقا والأول أظهر.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

« فإن الدعاء هو العبادة » روي في المشكاة نقلا عن أحمد والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجد عن النعمان بن بشير قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الدعاء هو

٦

عز وجل يقول : «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » وقال «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ».

_________________________________________

العبادة ، ثم قرأ :( وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) (١) وقال الطيبي : أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر ، وإن العبادة ليست غير الدعاء.

ثم قال : قال البيضاوي : لما حكم بأن الدعاء هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة من حيث أنه يدل على أن فاعله مقبل بوجهه إلى الله تعالى معرض عما سواه ، لا يرجو ولا يخاف إلا منه استدل عليه بالآية فإنها تدل على أنه أمر مأمور به إذا أتى به المكلف قبل منه لا محالة ، وترتب عليه المقصود ترتب الجزاء على الشرط ، والمسبب على السبب ، وما كان كذلك كان أتم العبادات وأكملها.

وأقول : يمكن أن تحمل العبادة على المعنى اللغوي أي الدعاء ليس إلا إظهار غاية التذلل والافتقار ، والاستكانة قال الله تعالى : «يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُ » الجملتان واردتان على الحصر وما شرعت العبادات إلا للخضوع عند الباري ، وإظهار الافتقار إليه ، وينصر هذا التأويل ما بعد الآية المتلوة «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ » ح يث عبر عن عدم الافتقار والتذلل بالاستكبار ووضع عبادتي موضع دعائي ، وجعل جزاء ذلك الاستكبار الصغار والهوان ، انتهى.

وأقول : سياق هذا الخبر الذي نقلوه ، والمراد به ما مر أن الدعاء في نفسه عبادة حيث سماه في هذه الآية عبادة وأمر الله بها ، فعلى تقدير عدم الإجابة أيضا ينبغي الإيقان به إطاعة لأمره تعالى كسائر العبادات ، وتركه موجب للذل والصغار ، ودخول النار كما دلت عليه الآية ، مع أنه سبحانه وعد الإجابة ولا يخلف الله في وعده.

ولا ينافي ذلك التقدير فإن الدعاء أيضا مقدر وترتب الحصول على الدعاء أيضا مقدر ، فظهر وجه تغيير الترتيب في الآية ، وقيل : فإن الدعاء نقض إجمالي

__________________

(١) المؤمنون : ٦٠.

٧

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن أبي نجران ، عن سيف التمار قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول عليكم بالدعاء فإنكم لا تقربون بمثله ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها إن صاحب الصغار هو صاحب الكبار.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبيه ، عن رجل قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام الدعاء هو العبادة التي قال الله عز وجل : «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي » الآية ادع الله عز وجل ولا تقل إن الأمر قد فرغ منه.

قال زرارة إنما يعني لا يمنعك إيمانك بالقضاء والقدر أن تبالغ بالدعاء وتجتهد فيه أو كما قال ـ.

_________________________________________

بدليل نقلي ، والمعنى أن المراد بالعبادة في قوله تعالى : «يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي » ليس إلا الدعاء ، وقوله : وقال ، جملة حالية بتأويل قد ، أي صدر الآية تدل على أن المراد بالعبادة الدعاء.

الحديث السادس : صحيح.

« وإن تدعو بها » بدل اشتمال لصغيرة والصغيرة الحاجات الحقيرة السهلة الحصول ، والغرض رفع توهم أن الإنسان مستقل في الحاجات الصغيرة ويمكنه تحصيلها بدون تقديره ، وتيسيره تعالى ، ويدل على أن الدعاء أعظم وسائل القرب إليه تعالى.

الحديث السابع : مجهول مرسل.

« لا يمنعك » في بعض النسخ لا يملك من الإملال أي لا يجعلك ملولا ذا سأمة ، والحاصل أنه لا منافاة بين الأمر بالدعاء والقضاء والقدر كما عرفت ، لأنه يجوز المحو والإثبات قبل الإمضاء مع أن الدعاء أيضا من أسباب القضاء وهو أيضا مقدر وقوله : أو كما قال من كلام عبيد ، شك في أن زرارة قال هذا الكلام بعينه أو ما يؤدي معناه.

٨

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام أحب الأعمال إلى الله عز وجل في الأرض الدعاء وأفضل العبادة العفاف قال وكان أمير المؤمنينعليه‌السلام رجلا دعاء.

_________________________________________

الحديث الثامن : ضعيف ، والمرادبالعفاف إما العفة عن السؤال عن المخلوقين أو عفة البطن والفرج عن الحرام ، أو مطلق العفة عن الحرام ، والأوسط أظهر ، وعلى الأول يرجع إلى الدعاء ، وعلى الأخيرين ربما يتوهم التنافي بينه وبين كون الدعاء أحب الأعمال إذ لا فرق بين الأحبية والأفضلية بحيث رفع به التنافي.

ويمكن أن يجاب بوجوه : الأول أن الدعاء أفضل الأعمال الوجودية والعفاف أفضل التروك ، الثاني : أن تكون أفضلية كل منهما بالنسبة إلى غير الآخر ، الثالث : أن تكون أفضلية كل منهما من جهة خاصة ، فإن لكل منهما تأثيرا خاصا لا يقوم الآخر مقامه ، كما أن للماء تأثيرا في قوام البدن لا يقوم غيره مقامه ، وكذا الخبز واللحم وغيرهما ، فيصح أن يقال كل منهما أفضل من غيره من هذه الجهة.

وبمثل تلك الوجوه يمكن الجمع بين هذه الأخبار وبين ما ورد في أفضلية غيرهما من الأعمال ، وفي خصوص الصلاة والحج وأمثالهما يمكن الجمع بوجه آخر من حيث اشتمالها على الدعاء فتأمل.

وقيل : يمكن تقدير المضاف في العبادة أي أفضل شرائط العبادة ولا يخفى بعده ،« والدعاء » بالفتح والتشديد صيغة مبالغة أي كثير الدعاء.

٩

(باب)

(أن الدعاء سلاح المؤمن)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

٢ ـ وبهذا الإسناد قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام الدعاء مفاتيح النجاح

_________________________________________

باب أن الدعاء سلاح المؤمن

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« سلاح المؤمن » أي حربته لدفع الأعادي الظاهرة والباطنة« عمود الدين » أي بالدعاء يوفق الله المؤمنين وبه يهتدي إلى الدين القويم ، كما قال تعالى : «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ » كما أن الصلاة المشتمل عليه عمود الدين وقيل : أي هو عمدة العباداتونور السماوات والأرض أي منورهما إذ به يظهر آثار الخير فيهما أو به اهتدى أهلهما ، ووفقوا لمعرفته تعالى ومعرفة أوليائه ، أو المعنى أن نظامهما ووجودهما وبقائهما بالدعاء ، إذ هو من عمدة العبادات ، وهي سبب لإيجاد المخلوقات كما قال تعالى :( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) وقال سبحانه :( قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ) (٢) ولو لم يخلقوا لم يخلق السماوات والأرض.

الحديث الثاني : كالسابق.

وفي المصباحأنجحت الحاجة إنجاحا وأنجح الرجل أيضا إذا قضيت له الحاجة والاسم النجاح بالفتح ، وقال : الإقليد : المفتاح لغة يمانية وأصله بالرومية أقليدس والجمع أقاليد والمقاليد الخزائن ، وفي القاموس الإقليد المفتاح كالمقلاد والمقلد

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

(٢) الفرقان : ٧٧.

١٠

ومقاليد الفلاح وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي وفي المناجاة سبب النجاة وبالإخلاص يكون الخلاص فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع.

٣ ـ وبإسناده قال قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم قالوا بلى قال تدعون ربكم بالليل والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن

_________________________________________

وكسكيت ومصباح الخزانة ، وضاقت مقاليده ضاقت عليه أموره ، وكمبر مفتاح كالمنجل ، وقال :الفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير وحمل الجمع على المفرد باعتبار اشتماله على أنواع كثيرة بحسب مراتبها وما يتعلق بها من المطالب.

وفيه إشعار بأن الدعاء مفتاح لجميع المقاصد الأخروية والدنيوية« عن صدر نقي » أي عن الحسد والغل والكبر وسائر الصفات الذميمة« وقلب تقي » أي متق عن الشهوات المهلكة وإرادة المحرمات ، وإنما نسب التقوى إلى القلب للإشعار بأن التقوى الكامل ما صدر عن القلب لا عن الجوارح فقط كما قال تعالى :( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) (١) وفيه إشارة إلى بعض شرائط الدعاء.

« سبب النجاة » أي من مكاره الدنيا وشدائد الآخرة ، وبالإخلاص في الدعاء أو في جميع العبادات بخلوصها عن شوائب الرياء والأغراض الدنيةيكون الخلاص من المهالك الدنيوية والأخروية ، وقيل : الوصول إلى الله تعالى أو إلى المطلوب.

قال في النهاية : خلص فلان إلى فلان وصل إليه ، وخلص أيضا سلم ونجا« فإذا اشتد الفزع » أي الخوف من البلايا والأعداء وشدائد الدنيا والآخرة« فإلى الله المفزع » مصدر ميمي بمعنى الاستغاثة والاستعانة.

الحديث الثالث : كالسابق أيضا والإدرار الإكثار ، والدر اللبن ويستعار للخير ، ويقال : در اللبن إذا كثر وسأل ، وفي النهاية : ومنه أدروا لقحة المسلمين

__________________

(١) الحجّ : ٣٢.

١١

ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنينعليه‌السلام الدعاء ترس المؤمن ومتى تكثر قرع الباب يفتح لك.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابنا ، عن الرضاعليه‌السلام أنه كان يقول لأصحابه عليكم بسلاح الأنبياء فقيل وما سلاح الأنبياء قال الدعاء.

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي سعيد البجلي قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الدعاء أنفذ من السنان.

٧ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الدعاء أنفذ من السنان الحديد.

(باب)

(أن الدعاء يرد البلاء والقضاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان

_________________________________________

أراد فيئهم وخراجهم فاستعار له اللقحة والدرة ، قيل : ويفهم منه أن الدعاء وإن لم يشتمل على طلب دفع العدو وكثرة الرزق سبب لهما.

الحديث الرابع : ضعيف.

الحديث الخامس : مرسل.

الحديث السادس : مجهول.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

« من السنان الحديد » أي إلحاد النافذ قال الجوهري : وقد حد السيف يحد حدة أي صار حادا وحديدا.

باب أن الدعاء يرد البلاء والقضاء

الحديث الأول : كالصحيح.

وفي المصباح :نقضت البناء هدمته ، ونقضت الحبل أيضا حللت برمة ، ومنه

١٢

قال سمعته يقول إن الدعاء يرد القضاء ينقضه كما ينقض السلك وقد أبرم إبراما.

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا الحسنعليه‌السلام يقول إن الدعاء يرد ما قد قدر وما لم يقدر قلت وما قد قدر عرفته فما لم يقدر قال حتى لا يكون.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن بسطام الزيات ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن الدعاء يرد القضاء وقد نزل من السماء

_________________________________________

يقال : نقضت ما أبرم إذا أبطلته وأنقض هو بنفسه ، وقال : أبرمت العقد إبراما أحكمته فانبرم هو وأبرمت الشيء دبرته والسلك بالكسر الخيط.

وقوله : يرد بصيغة المضارعفقوله ينفضه استئناف بياني أو خبر بعد خبر أو حال وربما يقرأ برد بالباء الموحدة وصيغة المصدر فيكون متعلقا بالدعاء ، فقوله : ينقضه ، خبر وهو تكلف وقوله : ينقض على بناء المجهول ، ومن قرأ على بناء المعلوم وقال المستتر راجع إلى الموصول في كما فقد بالغ في التعسف ، والمستتر فيأبرم على المجهول إما راجع إلى السلك أو إلى القضاء ، وإبرامه تسبب أكثر أسبابه ، فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس.

الحديث الثاني : كالسابق.

« ما قدر قدر » أي كتب في لوح المحو والإثبات ، أو في ليلة القدر أو تسبب أسبابه القريبة« عرفته » أي فائدة الدعاء وتأثيره ،فما لم يقدر ما فائدة الدعاء وتأثيره فيه لم أعرفهحتى لا يكون الضمير راجع إلى التقدير ، أي لا يحصل التقدير ، وقيل : إيجاده تعالى للشيء يتوقف على علمه بذلك الشيء ومشيته وإرادته ، وتقديره وقضائه وإمضائه وفي مرتبة المشية إلى الإمضاء تجري البداء فيمكن الدفع بالدعاء.

الحديث الثالث : صحيح.

ولعل المرادبنزوله من السماء أخبار الأنبياء والأوصياءعليهم‌السلام به ، أو نزول الملك

١٣

وقد أبرم إبراما.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي همام إسماعيل بن همام ، عن الرضاعليه‌السلام قال قال علي بن الحسينعليه‌السلام إن الدعاء والبلاء ليترافقان إلى يوم القيامة إن الدعاء ليرد البلاء وقد أبرم إبراما.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال كان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول الدعاء يدفع البلاء النازل وما لم ينزل

_________________________________________

لإجرائه أو إحداث الأسباب الأرضية لحدوثه أو نزول آلة العذاب كما في قوم يونس.

الحديث الرابع : صحيح.

« ليترافقان » كذا في أكثر النسخ بالراء ثم القاف ، أي هما متلازمان قررهما الله تعالى معا ليكون البلاء داعيا إلى الدعاء ، والدعاء صارفا للبلاء فكأنهما رفيقان ، أو من الرفق واللطف والاستعانة فكان البلاء يرفق بالدعاء ويدعوه ، ويعينه والدعاء يرفق بالبلاء فيزيله ، وفي بعض النسخ ليتوافقان بالواو ثم القاف ثم الفاء وهو أظهر أي يتدافعان ويتخاصمان ويتقاتلان.

في القاموس : المواقفة أي أن تقف معه ويقف معك في حرب أو خصومة وتواقفا في القتال ، انتهى.

ويؤيده ما رواه العامة من النبي أن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان في الهواء رواه الزمخشري في الفائق ، وقال : يعتلجان أي يصطرعان ، فيتدافعان وفي عدة الداعي فيتوافقان بتقديم الفاء على القاف وهو القاف وهو قريب من النسخة الأولى.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

وروي في المشكاة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لا يرد القضاء إلا الدعاء ، وقال الطيبي في الشرح : القضاء الأمر المقدر.

وفي تأويل الحديث وجهان : أحدهما : أن يراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول

١٤

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال قال لي ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت بلى قال الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما وضم أصابعه.

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول الدعاء يرد القضاء بعد ما أبرم إبراما فأكثر من الدعاء فإنه مفتاح كل رحمة ونجاح كل حاجة ولا ينال ما عند الله عز وجل إلا بالدعاء وإنه ليس باب يكثر قرعه إلا يوشك أن يفتح لصاحبه.

_________________________________________

المكروه ويتوقاه ، فإذا وافق الدعاء دفع الله عنه فيكون تسميته بالقضاء على المجاز ، وثانيهما : أن يراد به الحقيقة فيكون معنى رد الدعاء بالقضاء تهوينه وتيسير الأمر فيه ، حتى يكون القضاء النازل كأنه لم ينزل به ، ويؤيده الحديث أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل أما نفعه مما نزل فصبره عليه وتحمله له ورضاه به حتى لا يكون في نزوله متمنيا خلاف ما كان ، وأما نفعه مما لم ينزل فهو أن يصرفه عنه أو يمده قبل النزول بتأييده من عنده ، حتى يخف معه أعباء ذلك إذا نزل به.

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

« لم يستثن » أي لم يقل إنشاء الله لانحلال الوعد وعدم لزوم العمل به كما مر في باب الوعد ، أو لم يستثن فردا منه وضم الأصابع إلى الكف لبيان شدة الإبرام كما هو الشائع في العرف ، وقيل : لعل المرادبالقضاء المبرم هو الحكم بالتيام أجزاء المقضي وانضمام بعضها ببعض ، كما يرشد إليه ضم الأصابع.

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

ونجاح بالكسر عطف على الكل ، أو بالرفع عطفا على مفتاح ، فالحمل للمبالغة« ولا ينال ما عند الله » قيل : كأنه يعني به إذا أشكل الأمر واعتاض الخطب فإنه من علامات كونه منوطا بالدعاء وأنه لا يحصل إلا به ، وفيه ما فيه.

١٥

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد قال قال أبو الحسن موسىعليه‌السلام عليكم بالدعاء فإن الدعاء لله والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضي ولم يبق إلا إمضاؤه ـ فإذا دعي الله عز وجل وسئل صرف البلاء صرفة.

٩ ـ الحسين بن محمد رفعه ، عن إسحاق بن عمار قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن الله عز وجل ليدفع بالدعاء الأمر الذي علمه أن يدعى له فيستجيب ولو لا ما

_________________________________________

الحديث الثامن : صحيح.

والإمضاء مقارن للحصول فلا يمكن دفعه.

الحديث التاسع : مرفوع« أن يدعى له » على بناء المجهول ، وأن إما مصدرية وهو بدل اشتمال لضمير علمه ، وقوله فيستجيب عطف على ليدفع أي فيستجيب الدعاء الآتي في هذا الوقت ، أو مخففة عن المثقلة واسمه ضمير الشأن المحذوف ويدعى خبره ، والضمير المستتر نائب الفاعل ، وراجع إلى الله ، وضمير له راجع إلى الأمر ، وأن يدعى له منصوب محلا بدل اشتمال لضمير علمه ، وقوله : فيستجيب مرفوع ومعطوف على يدعى.

وحاصله أنه سبحانه يدفع البلاء الذي استحق العبد نزوله إذا علم أن العبد يدعو الله لكشفه بعد ذلك ، فلا ينزله لما سيقع منه من الدعاء فيؤثر الدعاء قبل وقوعه في دفع البلاء ، وقيل : لعل الغرض في توجيه ذلك الأمر وهو البلاء إلى العبد مع علمه بأنه يدفعه بالدعاء هو تحريك العبد إليه في جميع الأوقات ، فإنه يجوز في كل وقت أن يكون البلاء متوجها إليه ويبعثه على الدعاء ، انتهى.

ولا يخفى أنه على ما قررنا لا حاجة إلى هذا التكلف.

« ولو لا ما وفق العبد » ما موصولة ، ووفق بالتشديد على بناء المفعول والعائد محذوف ، أي وفق له ، ومن البيان الموصول أو مصدرية ووفق على المعلوم أو المجهول ، ومن بمعنى اللام صلة وفق والأول أظهر« لأصابه منه » أي من الأمر

١٦

وفق العبد من ذلك الدعاء لأصابه منه ما يجثه من جديد الأرض.

(باب)

(أن الدعاء شفاء من كل داء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أسباط بن سالم ، عن علاء بن كامل قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام عليك بالدعاء فإنه شفاء من كل داء.

_________________________________________

الذي هو بمعنى البلاء ، أو من الله أو من العبد بسبب سوء أعماله ، فعلى الأول من للتبعيض ، وعلى الأخيرين للابتداء والتعليل.

وفي القاموس :الجث القطع وانتزاع الشيء من أصله ، وقال الجوهري : اجتثه اقتلعه ، وقال :الجديد : وجه الأرض انتهى.

وقال تعالى :( كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ ) (١) وقال في الوافي : أشار بهذا الحديث إلى السر في دفع البلاء بالدعاء ، وأنه كيف يجتمع مع الإبرام فبينعليه‌السلام أن الدعاء والاستجابة أيضا من الأمر المقدر المعلوم إذا وقعا.

باب أن الدعاء شفاء من كل داء

الحديث الأول : مجهول.

« من كل داء » أي من الأدواء الجسمانية والروحانية والصعبة والسهلة ولبعضها أدعية مأثورة والحمل للمبالغة.

__________________

(١) إبراهيم : ٢٦.

١٧

(باب)

(أن من دعا استجيب له)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن عبد الله بن ميمون القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الدعاء كهف الإجابة كما أن السحاب كهف المطر.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما أبرز عبد يده إلى الله العزيز الجبار

_________________________________________

باب أن من دعا استجيب له

الحديث الأول : مجهول.

« الدعاء كهف الإجابة » أي مخزن الإجابة ومحلها ومظنها كما أن السحاب محل المطر ومظنته ، وفي المصباح : الكهف بيت منقور في الجبل والجمع كهوف ، وفلان كهف لأنه يلجأ إليه كالبيت على الاستعارة ، وفي القاموس : الكهف كالبيت المنقور في الجبل والوزر والملجإ ، انتهى.

وقيل : شبهبالسحاب إشارة إلى أنه محل المطر إلا أنه قد لا ينزل لعدم المصلحة ، وكذلك الدعاء قد لا يستجاب في الدنيا لعدم المصلحة ويعطى عوضه في الآخرة.

الحديث الثاني : ضعيف.

والحياء انقباض النفس عن القبيح خوفا من الذم وإذا نسب إليه تعالى يراد به الترك اللازم الانقباض ، وقيل : أستعير الاستحياء للمنافاة لعظمته وقدرته وعزته تعالى. وقال الطيبي : الحياء تغير وانكسار يعتري الإنسان من تخوف ما يعاب به ويذم وهو على الله محال فيحمل على التمثيل مثل تركه تعالى تخييب العبد وإنه لا يرد

١٨

إلا استحيا الله عز وجل أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.

_________________________________________

يده صفرا من عطائه لكرمه(١) بترك من يترك إذ المحتاج إليه حياء منه ، وقال :صفر الشيء بالكسر أي خلا والمصدر صفر بالتحرك ويستوي فيه المذكر والمؤنث والتثنية والجمع ، وفي المصباح بيت صفر وزان حمل أي خال من المتاع ، وهو صفر اليدين ليس فيهما شيء مأخوذ من الصفر وهو الصوت الخالي من الحروف ، وصفر الشيء من باب تعب إذا خلا فهو صفر وأصفر بالألف لغة.

وفي القاموس : الصفر مثلثة وككتف وزبر : الخالي. وفيه إشعار بأنه تعالى إما يستجيب هذه الحاجة إن علم صلاحه فيه أو يجعل في يده ما هو خير له من تلك الحاجة ، ويدل على استحباب مسح الرأس والوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء ، وقد ورد النهي عنه في صلاة الفريضة فهو محمول على غيره.

ولندفع هنا شبهة

تحظر ببال أكثر الناس أنه سبحانه وعد إجابة الدعاء وخلف الوعد عليه تعالى محال كما عرفت ، وأيضا ورد ذلك في كثير من الآيات والأخبار ويمتنع صدور الكذب عنه تعالى وعن حججهعليهم‌السلام .

ويمكن الجواب عنه بوجوه : الأول : أن الوعد مشروط بالمشية أي أجيب إن شئت ، ويدل عليه قوله :( فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ ) (٢) .

الثاني : ما قيل : إنه أراد بالإجابة لازمها وهو السماع فإنه من لوازم الإجابة فإنه يجيب دعوة المؤمن في الحال ويؤخر إعطاءه ليدعوه ويسمع صوته فإنه يحبه.

الثالث : أنها مشروطة بكونها مصلحة وخيرا إذ الحكيم لا يترك ما هو موجب لصلاح أحوال العباد بما هو مقتضى شهواتهم كما قال سيد الساجدين صلوات الله عليه : يا من لا تبدل حكمته الوسائل ، وذلك كما إذا قال كريم أنا لا أرد سائلا ثم أتى

__________________

(١) هكذا.

(٢) الأنعام : ٤١.

١٩

...........................................................................

_________________________________________

سفيه وطلب منه ما يعلم أنه يقتله والسائل لم يعلم ذلك أو أتى صبي جاهل وطلب أفعى لحسن نقشه ونعومته ولا يعلم أنه يقتله ولا يبالي بذلك فالحكمة والجود يقتضيان منعهما لا إعطاءهما ، ولو أعطاهما ذمه العقلاء.

فظهر أنه لا بد أن يكون هذا الوعد من الحكيم مشروطا ومنوطا بالمصلحة ، فإن قيل : فإذا كان هكذا فما فائدة الدعاء فإن ما كان صلاح العباد فيه يأتي أمنه لا محالة. قلت : يمكن أن يكون مع الدعاء الصلاح في الإعطاء ومع عدمه الصلاح في منعه.

فعلى هذا المطالب ثلاثة أقسام :

الأول : أن تكون المصلحة في الإعطاء على كل حال كالرزق الضروري وأمثاله.

الثاني : أن لا تكون المصلحة في الإعطاء بوجه.

الثالث : أن تكون المصلحة في العطاء مع الدعاء وفي العدم مع عدمه.

وإنما يظهر أثر الدعاء في الثالث ، ولما لم يكن لعامة الخلق التميز بين تلك الأقسام فلذا أمروا بالدعاء عموما فيما لم يكن عدم المصلحة فيه ظاهرا ولم يكن ممتنعا عقلا أو عادة أو محرما شرعا ليحصل بذلك القرب والثواب ، فإن لم يستجب ينبغي أن لا ييأس ويعلم أنه سبحانه إنما لم يستجب لما علم أنه ليس له في ذلك مصلحة ، أو لإخلاله ببعض شرائط الدعاء أو غير ذلك.

الرابع : أن لكل عبادة شرائط لحصولها وموانع عن قبولها ، فلما لم تتحقق الشرائط ولم ترتفع الموانع لم يترتب عليها آثارها الدنيوية والأخروية كالصلاة إذا ورد فيها : من صلى دخل الجنة ، أو زيد في رزقه مثلا ، فإذا صلى بغير وضوء أو فعل ما يبطلها أو يحبطها لم تترتب عليها آثارها الدنيوية والأخروية ، وإذا قال الطبيب : السقمونيا مسهل ، فإذا شرب الإنسان معه ما يبطل عمله كالأفيون فهو لا يبطل قول الطبيب ولا ينافي حكمه في ذلك.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

٨ - فصل:

في بيان ظهور آياته في الاخبار بالغائبات

وفيه: ستة أحاديث

٢٢٦ / ١ - عن ابن عبّاسرضي‌الله‌عنه ، قال: قلت لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلم، وهو متوجه إلى البصرة: يا أمير المؤمنين، إنّك في نفر يسير، فلو تنحّيت حتّى يلحق بك الناس. فقال: « يجيئكم من غد في فجكم هذا، من ناحية الكوفة ثلاثة كراديس، في كلّ كردوس خمسة آلاف وستمائة وخمس وستون رجلاً ».

قال: قلت: ما أصابني والله أعظم من [ تلك ] الضيقة.

قال: فلمّا أن صلّيت الفجر قلت لغلامي: اسرج لي. قال: فتوجّهت نحو الكوفة، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فسرت نحوها، فلمّا أن دنوت منهم صيح بي: من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس؛ فكفوا، فقلت لهم: لمن هذه الراية؟ قالوا: لفلان. قلت: كم أنتم؟ فقالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلا.

قال: فمضوا، ومضيت على وجهي، فإذا أنا بغبرة قد ارتفعت، قال: فدنوت منهم، فصيح بي: من أنت؟ فقلت: أنا ابن عبّاس.

__________________

١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢: ١٨٧ نحوه. وعنه مدينة المعاجز: ١٤١ و ٣٩٨.

٢٦١

فأمسكوا، فقلت: لمن هذه الراية؟ قالوا: لربيعة. فقلت: من رئيسها؟ قالوا: زيد بن صوحان العبديّ. فقلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً.

قال: فمضوا، ومضيت على وجهي، فإذا بغبرة قد ارتفعت، فأخذت نحوها، فصيح بي من أنت؟ قلت: أنا ابن عبّاس. فسكتوا عنّي، فقلت: لمن هذه الراية؟ فقالوا: لفلان، رئيسها الأشتر، قال: قلت: كم أنتم؟ قالوا: طوي الديوان عند الجسر على خمسة آلاف وستمائة وخمسة وستين رجلاً.

فرجعت إلى العسكر، فقال لي أمير المؤمنين: « من أين أقبلت؟ » فأخبرته، وقلت له: إنّي لمّا سمعت مقالتك اغتممت، مخافة أن يجيء الأمر على خلاف ما قلت.

قال: فقال: « نظفر بهؤلاء القوم غداً إن شاء الله تعالى، ثمّ نقسّم مالهم فيصيب كلّ رجل منا خمسمائة ».

قال: فلمّا أن كان من الغد أمرهم أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن لا يحدثوا شيئاً حتّى يكون المبتدأ منهم، فأقبلوا يرمون رجال أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأتوه، فقال لهم: « ما رأيت أعجب منكم! تأمروني بالحرب والملائكة لم تنزل بعد؟! ».

فلمّا كان الزوال دعا بدرع رسول الله (ص) فلبسها وصبها عليه، ثمّ أقبل على(١) القوم، فهزمهم الله تعالى، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه للخزان: « اقسموا المال على الناس خمسمائة خمسمائة » فقسّموها، ففضل من المال ألفا درهم، فقال للخازن: « أي شيء بقي عندك؟ » فقال: ألفا درهم.

فقال: « أعطيت الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية خمسمائة

__________________

(١) في ر، ع: ثمّ قاتل.

٢٦٢

خمسمائة، وعزلت لي خمسمائة؟ » قال: لا.

قال: « فهذه لنا » فلم تزدد(١) درهم، ولم تنقصن درهم.

٢٢٧ / ٢ - عن عليّ بن النعمان، ومحمّد بن سنان، رفعاه إلى أبي عبد الله صلوات الله عليه، قال: « إنّ عائشة قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل، حتّى ابعثه إليه. فأتيت برجل، فمثل بين يديها، فرفعت رأسها وقالت: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قال لها: كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي فَضُرِبتُ ضربة بالسيف، فيسبق السيف الدم.

ثمّ قالت: فأنت له، فاذهب بكتابي هذا، فادفعه إليه، ظاعناً رأيته أو مقيماً، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً على بغلة رسول الله (ص) متنكباً قوسه، معلقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنّهم طيور صواف.

ثمّ قالت له: إن عرض عليك طعامه وشرابه فلا تتناول(٢) منه شيئاً فإنّ فيه السحر فمضيت واستقبلته راكباً، فناولته الكتاب ففض خاتمه، ثمّ قرأه وقال: « هذا والله ما لا يكون » فثنى رجله ونزل، فأحدق به أصحابه، ثمّ قال: أسألك، قال: نعم. قال: « وتجيبني » قال: نعم.

قال: « أنشدك بالله، هل قالت: التمسوا لي رجلاً شديد العداوة لهذا الرجل؟ » قال: نعم. « فأتيت بك، فقالت لك: ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ قلت: كثيراً ما أتمنى على ربّي أنّه وأصحابه في وسطي وأضرب بالسيف ضربة فيسبق السيف الدم؟ »

__________________

(١) في ص: يبق.

٢ - بصائر الدرجات: ٢٦٣ / ٤، الخرائج والجرائح ٢: ٧٢٤ / ٢٨، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٦٠، مدينة المعاجز: ١١٦ / ٣١٢، اثبات الهداة ٢: ٤٣٤ / ١٠٠.

(٢) في ر، ك، م: تبغي.

٢٦٣

ثمّ قال: « أنشدك بالله، أقالت لك اذهب بكتابي هذا فادفعه إليه ظاعناً كان أو مقيماً، أما إنّك إن وافيته ظاعناً رأيته راكباً بغلة رسول الله (ص)، متنكباً قوسه، معلقاً كنانته بقربوس سرجه، وأصحابه خلفه كأنهم طير صواف؟ » قال: اللهم نعم.

قال: « أنشدك بالله، هل قالت لك: إن عرض عليك طعامه وشرابه، فلا تتناول(١) منه شيئاً، فإنّ فيه السحر؟ » قال: اللّهم نعم.

قال: « أفمبلغ أنت عني؟ » قال: اللّهمّ نعم، فإنّي قد أتيتك وما على وجه الأرض خلق أبغض إليَّ منك، وأنا الساعة ما على وجه الأرض خلق أحبّ إليّ منك، فمرني بما شئت.

قال: « ادفع إليها كتابي، وقل لها: ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك بلزوم بيتك، فخرجت تترددين في العساكر. وقل لطلحة والزبير: ما أنصفتما الله ولا رسوله حيث خلّفتما حلائلكما في بيوتكما وأخرجتما حليلة رسول الله (ص) ».

فجاء بكتابه حتّى طرحه إليها(٢) ، وبلّغها رسالته، ثمّ رجع إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فأصيب بصفين، فقالت: ما نبعث إليه أحد إلاّ أفسده علينا.

٢٢٨ / ٣ - عن صعصعة بن صوحان العبديّ، قال: لمّا قاتل أبو بكر مسيلمة. وأسرت الحنفية، وجيء بها إلى المدينة، ووقفت بين يدي أبي بكر.

٢٢٩ / ٤ - وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي الله

__________________

(١) في ر، ك، م: تبغي.

(٢) في ر، ك، م: عندها.

٣ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٨٩، عن دعبل الخزاعي مفصلاً، مدينة المعاجز: ٣٥٠ / ٨٩.

٤ - الخرائج والجرائح ٢: ٥٨٩، عن دعبل الخزاعي مفصلاً، مدينة المعاجز: ٣٥٠ / ٨٩.

٢٦٤

عنه ذلك أيضاً، في حديث طويل، وأنا أذكر منه نقاوته: فقال: لمّا وقفت دنا إليها طلحة والزبير فطرحا عليها ثوبهما، فلمّا رأت ذلك قامت وقالت: لست بعريانة فتكسواني فقيل لها: إنّهما يتزايدان عليك، فأيّهما زاد عليك أخذك من السبي. قالت: لا يكون ذلك أبداً، ولا يملكني، ولا يكون لي بعل إلاّ من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خروجي من بطن أمّي.

فسكت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، وورد عليهم ما بهر عقولهم، وبقوا في دهشة، فقال أبو بكر: مالكم ينظر بعضكم إلى بعض؟ فقال الزبير: لقولها الذي سمعت، جارية من سادات قومها ولم يكن لها عادة بما لقيت، وقد داخلها الفزع فلا تلوموها إذ قالت ما لا تحصله.

قالت: والله ما داخلني الفزع ولا الجزع، وما قلت إلاّ حقاً ولا نطقت إلاّ فصلاً وما كذبت ولا كذّبت. فأخذ أبو بكر وعمر يتحاوران الكلام وأخذ ثوبه من طرحه عليها، وجلست ناحية من القوم، فجاء أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وآله فوقف ونظر إليها، ثمّ ناداها: « يا خولة » فوثبت فقالت: لبيك.

قال: « لمّا كانت أمّك حاملاً بك، وضربها الطلق، واشتدّ بها الأمر دعت الله وقالت: اللّهمّ سلّمني من هذا الولد(١) سالماً كان أو هالكاً؛ وسبقت الدعوة لك بالنجاة، فناديت من تحتها: لا إله إلاّ الله، يا أمّاه لم تدعين عليَّ وعمّا قليل سيملكني سيّد، يكون لي منه ولد؟! فكتبت أمّك ذلك الكلام في لوح نحاس، فدفنته في الموضع الذي سقطت فيه، فلمّا كانت تلك الليلة التي قبضت فيها أمّك أوصت إليك بذلك، فلمّا كان في وقت سبيك أخذت اللوح وشددتيه على عضدك

__________________

(١) في ع: المولود.

٢٦٥

الأيمن؛ هاتي اللوح فأنا صاحبه، وأنا أبو ذلك الغلام الميمون واسمه ( محمّد ) ».

قال: فأخرجته، فأخذه أبو بكر ودفعه إلى عمر(١) حتّى قرأه عليهم، فلمّا قرأ بكت طائفة، وحركت أخرى، واهتدت(٢) إليه، فما خالف ما في اللوح كلام عليّ صلوات الله عليه حرفاً وقالوا بأجمعهم: صدق الله، وصدق رسوله إذ قال: « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ».

فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن، بارك الله لك فيها.

وفي الحديث طول، وأنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه قد تزوّجها وأمهرها، ولم يطأها بملك اليمين.

٢٣٠ / ٥ - عن عبد الله بن عبّاس، قال: جلس أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأخذ البيعة بذي قار، وقال: « يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون ولا ينقصون » فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، ويفسد الأمر علينا، حتّى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل وتسعاً وتسعين رجلاً، ثمّ انقطع مجيء القوم. فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟ فبينما أنا متفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل حتّى دنا، وإذا هو رجل عليه قباء صوف، ومعه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: امدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنينعليه‌السلام : « وعلى ما تبايعني؟ »

__________________

(١) في هامش ر، ك: عثمان.

(٢) في ر، م: واهتزت.

٥ - ارشاد المفيد: ١٦٦، الخرائج والجرائح ١: ٣٠٠، ارشاد القلوب: ٢٢٤، باختصار، إعلام الورى: ١٧٠، رجال الكشي ١: ٣١٥ / ١٥٦، اثبات الهداة ٢: ٤٥٢ / ١٦٧، مدينة المعاجز: ١٤١ ح ملحق ح ٣٩٧.

٢٦٦

قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتّى أموت أو يفتح الله على يديك.

فقال: « ما اسمك؟ » فقال: أويس القرني قال: « أنت أويس القرني؟ » قال: نعم.

قال: « الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول الله (ص) أنّي أدرك رجلاً من أمّته يقال له ( أويس القرني ) يكون من حزب الله وحزب رسوله، يموت على الشهادة، ويدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر » قال ابن عباس: فسرى ذلك عنّي.

٢٣١ / ٦ - عن سويد بن غفلة، قال: إنّ رجلاً جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القرى فرأيت خالد بن عرفطة قد مات بها، فاستغفر له. فقال أمير المؤمنين: « إنّه لم يمت، ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز » فقام رجل من تحت المنبر فقال: والله يا أمير المؤمنين، إنّي لك شيعة، وإنّي لك محب!. فقال: « ومن أنت؟ » قال: أنا حبيب بن جماز: قال: « إياك أن تحملها، ولتحملنها، فتدخل بها من هذا الباب » وأومى بيده إلى باب الفيل، فلمّا مضى أمير المؤمنين، ومضى الحسن بن عليّ من بعده صلوات الله عليهم، وكان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان من ظهوره، بعث ابن زياد لعنه الله عمر بن سعد إلى الحسين صلوات الله عليه، وجعل خالد بن عرفطة على مقدّمته(١) وحبيب بن جماز صاحب رايته، فسار بها حتّى دخل

__________________

٦ - بصائر الدرجات: ٣٩٨ / ١١، الاختصاص: ٢٨٠، الخرائج والجرائح ٢: ٧٤٥ / ٦٣، مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٧٠، ارشاد القلوب: ٢٢٥، اعلام الورى: ١٧٥، الهداية الكبرى: ١٦١، شرح نهج البلاغة ٢: ٢٨٦، ارشاد المفيد: ١٩٠، مدينة المعاجز: ١١٩ ح ٣١٩.

(١) في هامش ر، ص، ع: ميمنته.

٢٦٧

المسجد من باب الفيل.

وحديث رشيد الهجري وميثم التمار مشهور عند عامّة الأصحاب، فلا نذكره.

وكذلك حديث حبيب بن عبد الله الأزديّ في أخبار أصحاب النهروان.

وحديث الإخبار عن كربلاء، والإشارة إلى موضع القتال ومصارع الرجال، وغير ذلك.

وقد اقتصرنا على طرف من آياته صلوات الله عليه، وقليلٍ من معجزاته.

٢٦٨

٩ - فصل:

في بيان ظهور آياته في أشياء شتى

وفيه: اثنا عشر حديثاً

٢٣٢ / ١ - عن رزين الأنماطيّ، عن أبي عبد الله صلوات الله عليه، عن أبيه، عن آبائه،عليهم‌السلام : « أنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه دخل الكوفة فأقام بها أياماً، فبينما هو يدور في طرقها، فإذا هو بيهوديّ قد وضع يده على رأسه، وهو يقول: معاشر الناس، أفبحكم الجاهلية تحكمون، وبه تأخذون، وطريقاً لا تحفظون. فدعا به أمير المؤمنين صلوات الله عليه فوقف بين يديه، وقال له: « ما حالك يا أخا اليهود؟ » فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي رجل تاجر خرجت من ساباط المدائن ومعي ستون حماراً، فلمّا حضرت موضع كذا أخذ ما كان معي اختطافاً، ولا أدري أين ذهب بها.

فقال أمير المؤمنين: « لن يذهب منك شيء؛ يا قنبر اسرج لي فرسي »(١) فأسرج له فرسه، فلمّا ركبه قال: « يا قنبر، ويا أصبغ بن نباتة، خذا بيدي اليهوديّ وانطلقا به أمامي » فانطلقا به حتّى صارا إلى الموضع الذي ذكره فخطَّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه بسوطه خطة،

__________________

١ - عنه في مدينة المعاجز: ٤٩ / ٩٥.

(١) في في ر، ش، ص، ع، ك: دابتي.

٢٦٩

فقال لهم: « قوموا في وسط هذه الخطة، ولا تجاوزوها فتخطفكم الجنّ ».

ثمّ قنع فرسه واقتحم في الصحراء وقال: « والله معاشر ولد الجنّ من ولد الحارث بن السيّد - وهو إبليس - إن لم تردّوا عليه أحمره لنخلعن ما بيننا وبينكم من العهد والميثاق، ولأضربنكم بأسيافنا حتّى تفيئوا إلى أمر الله ». فإذا أنا بقعقعة اللجم، وصهيل الخيل، وقائل يقول: الطاعة لله ولرسوله ولوصيه. ثمّ انحدر في الصحراء ستون حمارا بأحمالها، لم يذهب منها شيء، فأدّاها إلى اليهوديّ.

فلمّا دخل الكوفة قال له اليهودي: ما اسم محمّد ابن عمك في التوراة؟ وما اسمك فيها؟ وما اسم ولديك؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله: « سل استرشاداً ولا تسأل تعنتاً، عليك بكتاب التوراة، اسم محمّد فيها طاب طاب، واسمي ايليا، واسم ولديَّ شبر وشبير ».

فقال اليهوديّ: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّك وصيه من بعده، وأنّ ما جاء به وجئت به حق.

٢٣٣ / ٢ - عن عمّار بن الحضرميّ، عن زاذان(١) أبي عمرو أنّ رجلاً حدّث عليّاً صلوات الله عليه وآله بحديث، فقال: « ما أراك إلاّ كذبتني » فقال: « لم أفعل. فقال: « أدعو الله عليك إن كنت كذبتني » قال: ادع. فدعا عليه، فما برح حتّى أعمى الله عينيه.

٢٣٤ / ٣ - عن عباد بن عبد الله الأسديّ، قال: سمعت عليّاً

__________________

٢ - عنه في مدينة المعاجز: ١٣٩ / ٣٩٢.

(١) زاذان، اختلف في كنيته على أقوال: أبو عمرة، أبو عمروة، وفي ك: أبو عمير، راجع « معجم رجال الحديث ٧: ٢١٢ ».

٣ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٣٢ نحوه، مدينة المعاجز: ١٣٨ / ٣٨٦، شرح النهج لابن أبي الحديد ٢: ٢٨٧، صدر الرواية.

٢٧٠

صلوات الله عليه يقول - وهو في الرحبة -: « أنا عبد الله وأخو رسول الله، ولا يقولها بعدي إلاّ كاذب »(١) .

قال: فقام رجل من غطفان وقال: أنا أقول كما قال هذا الكاذب، أنا عبد الله وأخو رسول الله فخنق(٢) مكانه.

٢٣٥ / ٤ - قال أبو جعفر محمّد بن عمر الجرجانيّ: حدّثني ابن البواب، عن الحسن بن زيد، وحدّثنيه ابن أبي السلميّ، قال: قال: إن ابن أبي غاضية طلبنا نشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله فهربت، فبعث إليّ محمّد بن صفوان - من ولد أبي خلف الجمحيّ - أن أعرني بغلتك. فقلت: لئن أعرتك بغلتي إنّي لكم شبه.

قال: فمشى - والله - على رجليه أربعة أميال، فوافى خالداً عامل هشام بن عبد الملك على المدينة فشتم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله على المنبر، فقال لابن صفوان: قم يا ابن صفوان. فقام وصعد مرقاة من المنبر، ثمّ استقبل القبلة بوجهه وقال: اللّهمّ من كان يسب عليّاً لترة(٣) يطلبها عنده، أو لذحل(٤) فإنّي لا أسبه إلاّ فيك ولقد كان صاحب القبر يأتمنه وهو يعلم أنّه خائن.

وكان في المسجد رجل فغلبته عينه، فرأى أنّ القبر انفرج(٥) ، وخرجت منه كف قائل يقول: إن كنت كاذباً فعليك لعنة الله(٦) ، وإن

__________________

(١) في هامش ر، ع، ك: كافر.

(٢) في ش، ص، ع، م: فمسخ.

٤ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٣٢٣، مختصراً، مدينة المعاجز: ١٣٨ / ٨٧.

(٣) الترة: التبعة أو الثأر « النهاية - وتر - ٥: ١٤٩، لسان العرب - وتر - ٥: ٢٧٤ ».

(٤) الذحل: الثأر، وقيل: العداوة والحقد « لسان العرب - ذحل - ١١: ٢٥٦ ».

(٥) في م: انفتح.

(٦) في ع: فلعنك الله.

٢٧١

كنت كاذبا فأعماك الله.

فنزل الجمحيّ من المنبر فقال لابنه، وهو جالس إلى ركن البيت: قم. فقام إليه فقال: أعطني يدك أتكئ عليها. فمضى به إلى المنزل.

فلمّا خرجا من المسجد نحو المنزل قال لابنه: هل نزل بالناس شرّ وغشيهم ظلمة؟ قال: كيف ذلك؟ قال: لأنّي لا أبصار شيئاً.

قال: ذلك والله بجرأتك على الله، وقولك الكذب على منبر رسول الله (ص). فما زال أعمى حتّى مات، لعنة الله عليه.

٢٣٦ / ٥ - عن أنس، قال: كنت عند رسول الله (ص) أنا وأبو بكر وعمر في ليلة ظلماء مكفهرة، فقال (ص): « ائتوا باب عليّ » فأتيناه(١) فنقر أبو بكر الباب نقراً خفياً، فخرج عليّ صلوات الله عليه وآله متأزرا بإزار من صوف، مرتديا بمثله، في كفّه سيف رسول الله (ص)، فقال لنا: « أحدث حدث؟ » فقلنا: خير، أمرنا رسول الله (ص) أن نأتي بابك، وهو بالأثر.

فإذا قد أقبل رسول الله (ص) فقال: « يا عليّ » قال: « لبيك ».

قال: « أخبر أصحابي بما أصابك البارحة ». قال عليّ: « يا رسول الله إنّي لاستحيي » فقال رسول الله (ص): « إنّ الله لا يستحيي من الحقّ ».

فقال عليّ صلوات الله عليه وآله: « يا رسول الله، أصابتني جنابة البارحة من فاطمة، وطلبت في البيت ماءً فلم أجده، فبعثت الحسن

__________________

٥ - مناقب المغازلي: ٩٤، مناقب الخوارزمي: ٢١٦، مثله، الطرائف: ٨٥ / ١٢٠، مصباح الأنوار: ١٦٥ / ٣٥، غاية المرام: ٦٣٧، وعنه معالم الزلفى: ٤١٠ ح ٩١.

(١) في ص، ك: اطلبوا عليّاً فخرجنا إليه.

٢٧٢

كذا والحسين كذا، فأبطا عليّ، فاستلقيت على قفاي، فإذا أنا بهاتف من سواد البيت: قم يا عليّ وخذ السطل؛ واغتسل، وإذا أنا بسطل مملوء من الماء، وعليه منديل من سندس، فأخذت السطل، واغتسلت، ومسحت بدني بالمنديل، ورددت المنديل على رأس السطل، فقام السطل في الهواء، فأصابت قطرة منه هامتي، فوجدت بردها على فؤادي ».

فقال النبيّ (ص): « بخ بخ يا ابن أبي طالب، أصبحت وخادمك جبرئيل، أمّا الماء فمن نهر الكوثر، وأمّا السطل والمنديل فمن الجنّة، كذا أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ».

٢٣٧ / ٦ - عن أحمد بن عمّارة، عن عبد الله بن عبد الجبّار، قال: أخبرني مولاي وسيّدي الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن عليّ صلوات الله عليهم، قال: « كنت مع أبي على شاطئ الفرات، فنزع قميصه وغاص في الماء، فجاء موج فأخذ القميص، فخرج أمير المؤمنينعليه‌السلام وإذا بهاتف يهتف: يا أمير المؤمنين، خذ ما عن يمينك. فإذا منديل فيه قميص ملفوف، فأخذ القميص ولبسه، فسقطت من جيبه رقعة، مكتوب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، هدية من الله العزيز الحكيم إلى عليّ بن أبي طالب، هذا قميص هارون بن عمران( كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ ) (١) ».

٢٣٨ / ٧ - عن الحسين بن عبد الرحمن التمّار، قال: انصرفت

__________________

٦ - مناقب ابن شهرآشوب ٢: ٢٢٩، مائة منقبة: ٩٦، مدينة المعاجز: ١٦ / ١٤، إثبات الهداة ٢: ٤٦٠ / ٢٠١.

(١) سورة الدخان / الآية: ٢٨.

٧ - تأويل الآيات ٢: ٨٣٧ / ٥، عنه مدينة المعاجز ١١٠ ح ٢٩٣.

٢٧٣

عن مجلس بعض الفقهاء، فمررت بسليمان الشاذكونيّ، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من مجلس فلان العالم. قال: فما قوله؟ قلت: شيئاً من مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه. فقال: والله لأحدثنك بفضيلة سمعتها من قرشي عن قرشي.

قال: رجفت قبور البقيع على عهد عمر بن الخطّاب فضجّ أهل المدينة من ذلك، فخرج عمر ومعه أهل المدينة إلى المصلى يدعون الله تعالى ليسكن عنهم الرجفة، فما زالت تزيد في كلّ يوم إلى أن تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وعزم أهلها بالنقلة عنها، قال عمر انطلقوا بنا إلى أبي الحسن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله. فمضى إليه ودخل عليه ومعه أهل المدينة، فلمّا بصر به قال: يا أبا الحسن، أما ترى إلى قبور البقيع ورجفتها، حتّى قد تعدى ذلك إلى حيطان المدينة، وقد عزم أهلها بالنقلة عنها، والخروج منها؟

فقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: « عليّ بمائة من أصحاب رسول الله (ص) » فجاؤوا بهم، فاختار من المائة عشرة، فجعلهم خلفه، وجعل التسعين خلفهم، ودعا سلمان، وأبا ذر، والمقداد بن الأسود الكنديّ، وعمّاراً فجعلهم أمامه، فلم يبق بالمدينة بنت عاتق إلاّ خرجت إلى البقيع، حتّى إذا توسطه ضرب الأرض برجله، وقال: « مالك مالك مالك » ثلاثاً فسكنت الرجفة، وقال أمير المؤمنين: « صدق حبيبي رسول الله (ص)، فلقد أنبأني بهذا الخبر، وبهذا اليوم، وباجتماع الناس له ».

٢٣٩ / ٨ - في كلام آخر عن التمّار، رفعه بإسناده، قال: كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مع بعض أصحابه في مسجد الكوفة، فقال له رجل: بأبي أنت وأمّي، إنّي لأتعجب من هذه الدنيا

__________________

٨ - بصائر الدرجات: ٣٩٥ / ٣، الاختصاص: ٢٧٠.

٢٧٤

التي في أيدي هؤلاء القوم(١) ، وليست عندكم؟! فقال: « أترى أنّا نريد الدنيا ولا نعطاها؟ ».

ثمّ قبض قبضة من الحصى، فإذا هي جواهر، فقال: « ما هذا؟ » قال: هذا من أجود الجواهر. فقال: « لو أردنا هذا لكان، ولكنا لم نرد » ثمّ رمى بالحصى فعاد كما كان.

٢٤٠ / ٩ - عن الحسن البصريّ، قال: أتانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله - وكنت يومئذ غلاماً قد أيفعت - فدخل منزله - في حديث طويل - ثمّ خرج وتبعه الناس، فلمّا صار إلى الجبانة نزل واكتنفه الناس، فخطَّ بسوطه خطة، فأخرج منها ديناراً، ثمّ خطَّ خطة أخرى فأخرج منها ديناراً آخر، حتّى أخرج منها ثلاثة دنانير، فقلّبها في يده حتّى أبصارها الناس، ثمّ ردّها وغرسها بابهامه، ثمّ قال: « ليليك بعدي محسن أو مسيء ».

ثمّ ركب بغلة رسول الله (ص) وانصرف إلى منزله، وأخذنا العلامة(٢) وصرنا إلى الموضع حتّى إذا بلغنا الرشح(٣) فلم نصب شيئا، فقلنا للحسن: ما ترى ذلك من أمير المؤمنينعليه‌السلام ؟ فقال: « أمّا أنا فلا أرى أن كنوز الأرض تسير إلاّ لمثله ».

٢٤١ / ١٠ - عن إبراهيم بن محمّد الأشعريّ، عمّن رواه، قال: إنّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله وسلّم أراد أن يبعث بمال إلى البصرة، فعلم بذلك رجل من أصحابه، فقال في نفسه: لو أتيته فسألته

__________________

(١) في ص: الناس، وفي ر: الفلاح.

٩ - بصائر الدرجات: ٣٩٥ / ٤، الاختصاص: ٢٧١.

(٢) في المخطوطات: الفلاح، وما أثبتناه من المصادر.

(٣) الرشح: أي وصلوا في الحفر إلى الماء في قعر الأرض.

١٠ - بصائر الدرجات: ٢٦٠ / ٢٠ نحوه.

٢٧٥

أن يبعث معي بهذا المال، فإذا دفعه إليّ أخذت طريق الكرخة(١) فذهبت به.

فأتاه وقال: بلغني أنّك تريد أن تبعث بمال إلى البصرة؟ قال: « نعم » قال: فادفعه إليّ فأبلغه، واجعل لي ما تجعل لمن تبعثه. فقد عرفت صحبتي.

قال: فقال له أمير المؤمنين صلوات الله عليه: « خذ طريق الكرخة »(٢) .

٢٤٢ / ١١ - حدّث أبو مهاجر زيد بن رواحة العبديّ، قال: دخلت الكوفة بعد موت الحجّاج فدخلت المسجد الجامع وأنا أقول: الحمد لله الذي أخلى منه الديار والآثار، وجعل مصيره إلى النار؛ فسمعني رجل كان هناك جالساً إلى بعض سواري المسجد، فقال لي: يا رجل، خف الله تعالى على نفسك، واحبس على لسانك، فإنّك في أرض مسبعة، وأوطان موحشة، فإن يك خائناً فقد هلك، وإن يك حامداً فقد ملك.

قال: فأنست به وجلست إليه فتحدّثنا ساعة، ورأيت جماعة منكبة على رجل وهو يحدّثهم، وهم يسمعون منه، ويكتبون عنه، فقلت لصاحبي: من هذا الرجل؟ فقال: رجل شهد مع أمير المؤمنين صلوات الله عليه البصرة وصفّين والنهروان، والناس يسمعون منه، ويأخذون عنه، وهو رجل له أصل وشرف ولب وعقل.

فقلت له: هل لك أن تدنو منه، فلعلنا نسمع منه شيئاً ننتفع به. قال: نعم. فدنونا منه، فإذا هو يحدِّث عن أمير المؤمنين صلوات الله

__________________

(١، ٢) في المخطوطات: المكرخة، وما أثبتناه من المصادر.

والكرخة: مدينة بخوزستان عامرة صغيرة، انظر « أحسن التقاسيم: ٣٦، ٣١٢ ».

١١ - مدينة المعاجز: ٩٨ / ٢٥١، ذيله الرواية.

٢٧٦

عليه، ويقول: سمعت، ورأيت؛ فاغتنمت(١) ، وأقبلت عليه، وأمهلته حتّى انفضَّ عنه أكثر من كان عنده، وقلت له: أنا رجل من أهل البصرة، خرجت لطلب العلم، وأحببت أن أسمع منك شيئاً أحدِّث به عنك.

فقال: يا أهل البصرة، ما أجرأ الناس على الله تعالى وعلى رسوله (ص)، وعلى هتك الدين وفتنة المسلمين! ألا بشر عليكم أهل الغدر والنكث، بتوثبكم على أهل الحقّ والصدق، وإنّ أوّل الفتنة في هذا الدين من بين أفنيتكم وأنديتكم ولمّا ضربت بجرانها وكنانها، تراغى إليها الأكابر، واصطلى بها الأصاغر، فأذكوا شواظَّها، وألكوا في دلاظها(٢) ، حتّى إذا عمّهم عارها وشنارها رماها الله تعالى بأمير المؤمنينعليه‌السلام وسيّد الوصيّين وأخي رسول ربّ العالمين، فأقشع به عنكم الإفك، وجلى به عنكم الشرك، وقتل به أهل النكث والإفك، وقامت به حجّة الحق، وما كنتم بررة راشدين، ولا جهلة مسترشدين، ولقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير، واستحببتم العمى على الهدى، فبعداً للقوم الظالمين.

قال: فأمسكت عنه حتّى فرغ من كلامه، ثمّ قلت: أيّها الشيخ، لقد عممت أهل البصرة، وقد كان فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والسعيد والشقي، ولقد نصر الله تعالى وليّه ودينه منهم بقوم كما قال الله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٣) قد كشف الله لهم عن قلوبهم وأبصارهم حتّى

__________________

(١) في ر، ك: فاغتمدت، وفي م، وهامش ك: فاغتممت.

(٢) وألكوا في دلاظها: المراد أنهم لاكوا هذه الفتنة وعلكوها، انظر لسان العرب ٧ / ٤٤٤ مادة ( دلظ )، وج ١٠ / ٣٩١ ( الك )، وفي بعض النسخ: أفكوا. والمراد: تقلبوا أو احترقوا في نار هذه الفتنة. انظر لسان العرب: ١٠: ٣٩١ ( أفك ).

(٣) سورة ق الآية: ٣٧.

٢٧٧

عرفوا الحقّ من الباطل، والمحق من المبطل، فجاهدوا في الله مع وليّه حقّ الجهاد.

قال: صدقت ولقد كان معنا منهم يومئذ قوم صبروا ونصروا، فمن أنت؟ قلت: أنا رجل من عبد القيس. فقال: أهلاً بك ومرحباً، بأبي قومك ويومك. ثمّ أدناني وقرّبني، وأقبل عليّ، ثمّ قال لي: والله، لأحدّثنك بما تقرّ به عينك، وتقوى به بصيرتك، ويزداد به إيمانك.

ثمّ قال: قم بنا، وأخذ بيدي إلى منزله، وأكرمني، وأحسن ضيافتي، وقال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول: « قيّدوا العلم بالكتابة » وقام، وأخرج صحيفة من جلد أبيض، فيه كتابة فقرأ عليَّ: « حدّثني ربيعة بن سالم الهمدانيّ، قال: لمّا كان اليوم الذي قتل فيه عمّار بن ياسررضي‌الله‌عنه وكان ابتدأنا من صفين حرباً وطعناً، فاستندت إلى قفة(١) كانت هناك، وأشرفت على الناس، وقد تزحزحوا عن مقاماتهم، وهم يتكفؤون تكفؤ السفينة بأهلها، فمن بين متقدّم لقتال، ومتأخر عن كلال، ما يسمع إلاّ صهيل الخيل، وغمغمة الرجال، وقعقعة اللجم، واصطكاك القنا باختلافها، وخفق الرايات، وقد أخذ العدو الماء، وحفظ الموارد، والناس معطشون، وقد مدّت الخيل أعناقها ولجمها، وعضت على الشكائم، وقلقلت في مواقفها، وقهقرت على أكفالها، وصهلت لأوجالها، وتداعى الناس بآبائهم ( واعتزوا بأنسابهم )(٢) والناس ملتفون، والنساء على المطايا خلال الصفوف يُحرضنّ الرجال على القتال، وقراء القرآن يتلون ما ذكره الله تعالى في كتابه من فضل الجهاد والمجاهدين والصبر عند مواقف الصدق، وقد سمحوا بالأنفس والأموال كأن قد عاينوا الثواب، واستيقنوا

__________________

(١) القفة: الشجرة اليابسة البالية. « النهاية - ٤: ٦١ ».

(٢) في هامش ر: واعتزلوا نسائهم.

٢٧٨

المآب، وأقبلت قبيلة همدان برايتها مع سعيد بن قيس كأنّها سحابة مودقة.

قال ربيعة: فاتكيت على رمحي، ورفعت(١) طرفي إلى السّماء، وقلت في نفسي: يا ربّ، هذا أخو نبيّك ووصيّه، وأحبّ الخلق(٢) إليه، وأزلفهم لديه، وأقربهم منه، وأنصرهم له، وأعلمهم بالدّين، وأنصحهم للمسلمين، وأهداهم للحقّ، وأعلمهم بالكتاب، وأعملهم به، وبما يأتي ويذر، فثبّت كلمته، وقصهم على دعوته، إنّ هذا الأمر ما يرد بهذا الخلق، ولله الخلق والأمر، يصيب برحمته من يشاء، اللهمّ وقد ضعفت عن حمل ذلك، فافتح اللهم لي ما تثبّت به قلبي، وتشرح به صدري، وتطلق به لساني، وتذهب به نزغ الشيطان الرجيم، وهمزه وكيده ووسوسته وخيله ورجله.

قال ربيعة: فلمّا استتم الدعاء إذا أنا بمقرعة بين كتفي، فالتفت فإذا أنا بأمير المؤمنينعليه‌السلام وهو على بغلة رسول الله (ص) وبيده عنزة(٣) رسول الله (ص)، وكأنّ وجهه كدائرة القمر إذا أبدر، فقال لي: « يا ربيعة، لشد ما جزعت، إنّما الناس رائح ومقيم، فالرائح من يحببه هذا اللقاء إلى جنّة المأوى، وإلى سدرة المنتهى، وإلى جنّة عرضها كعرض السّماء والأرض، أعدّت للمتقين؛ والمقيم بين اثنين: إمّا نعم مقلّة، أو فتنة مضلّة، يا ربيعة، حيّ على معرفة ما سألت ربا »

ومَرَّ يفري الأرض فرياً واتبعته حتّى خرج عن العسكر، وجازه بميل أو نحوه، وثنى رجله عن البغلة، ونزل وخر على الأرض للدُّعاء، يقلّب كفّيه بطناً وظهراً، فما ردّ يده حتّى نشأت قطعة سحابة كأنّها

__________________

(١) في ر: رجعت.

(٢) في ص، ع: الناس.

(٣) العنزة: مثل نصف الرمح أو أكبر. « النهاية ٣: ٣٠٨ ».

٢٧٩

هقل(١) نعام تدب بين(٢) السماء والأرض، حتّى أظلّتنا، فما عدا ظلّها مركبنا، حتّى(٣) هطلت بشيء كأفواه القرب، وشرب فرسي. من تحت حافره، وملأت مزادي، وارتويت، ورويت، فرسي، ثمّ عاد فركب بغلته، وعادت السحابة من حيث جاءت، وعدت إلى العسكر، فتركني وانغمس في الناس.

٢٤٣ / ١٢ - عن عاصم بن شريك، عن أبي البختري، عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: « أتى أمير المؤمنينعليه‌السلام منزل عائشة، فنادى: « يا فضة، ائتينا بشيء من ماء نتوضأ به، » فلم يجبه أحد، ونادى ثلاثاً، فلم يجبه أحد، فولّى عن الباب يريد منزل الموفقة السعيدة الحوراء الإنسية فاطمةعليها‌السلام ، فإذا هو بهاتف يهتف ويقول: يا أبا الحسن دونك الماء فتوضأ به. فإذا هو بإبريق من ذهب مملوء ماء عن يمينه، فتوضأ، ثمّ عاد الإبريق إلى مكانه، فلمّا نظر إليه رسول الله (ص) قال: « يا عليّ ما هذا الماء الذي أراه يقطر كأنّه الجمان(٤) ؟ ».

قال: « بأبي أنت وأمّي، أتيت منزل عائشة فدعوت فضة تأتينا بماء للوضوء ثلاثاً فلم يجبني أحد، فوليت، فإذا أنا بهاتف يهتف وهو يقول: يا عليّ دونك الماء. فالتفت فإذا أنا بإبريق من ذهب مملوء ماء ».

فقال: « يا عليّ تدري من الهاتف؟ ومن أين كان الإبريق؟ »

__________________

(١) الهقل: الغني من النعام. « القاموس المحيط - هقل - ٤: ٧١ ».

(٢) في م: بدت من.

(٣) في ر: ثم.

١٢ - أمالي الصدوق: ١٨٧ نحوه؛ مائة منقبة لابن شاذان: ٩٩ منقبة ٤٢ نحوه، عنه معالم الزلفى: ٤١١، ومدينة المعاجز: ٩٦ ح ٢٤٦.

(٤) الجمانة: حبّة تعمل من الفضة كالدرّة، وجمعها جمان. « الصحاح ٥: ٢٠٩٢ ».

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594