مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول13%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32006 / تحميل: 5345
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٢

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

(باب)

(من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان عمن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال جبرئيلعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لمن قال من أمتك ـ لا إله إلا الله وحده وحده وحده.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده

الحديث الأول : مرسل ، وفي النهاية فيه فطوبى للغرباء ، طوبى اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها ، وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الواو ياء وفيه طوبى للشام المراد بها ههنا فعلى من الطيب لا الجنة ، ولا الشجرة ، وقال : يقال جلس وحده ، ورأيته وحده أي منفردا ، وهو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر ، وعند أهل الكوفة على الظرف كأنك قلت أوحدته رؤيتي إيجادا أي لم أر غيره وهو أبدا منصوب انتهى ، والحاصل أن الوحدة مصدر ، ونصبه هنا إما بنيابة الظرف بتقدير مع وحده ، أو بنيابة الحال بتقدير منفردا وحده ، وعلى التقديرين هنا للتأكيد ، والتكرير للمبالغة ، والإشارة إلى الوحدة في الخلق ، واستحقاق العبادة والتفرد في الأمر والحكم ، أو إلى نفي الشرك في الألوهية ، والنبوة ، والإمامة فإن إنكارهما من الشرك كما مر ، أو إلى توحيد الذات ، والصفات والأفعال.

٢٠١

(باب)

(من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشراً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عمرو بن عثمان وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ليث المرادي ، عن عبد الكريم بن عتبة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشرا

أقول : في أكثر النسخ في عنوان الباب اختصار وفي بعضها ذكر جميع ما في الخبر.

الحديث الأول : صحيح ، وعتبة بضم العين وسكون التاء ، ورواه البرقي في المحاسن ، عن أبيه ، وعمرو بن عثمان ، وأيوب بن نوح جميعا ، عن ابن المغيرة إلى آخر الخبر ، إلا أنه ليس فيه « ويميت ويحيي ».

وأقول : هذه التهليلات باختلافها متواترة بالمعنى رواها العامة ، والخاصة في مواطن متعددة ، فمما رواه العامة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من قال ـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ـ عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل » قال الآبي : فيه دلالة على أن العرب تسترق.

« له الملك » إشارة إلى قوله تعالى( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) فالملك الحقيقي مختص به ، والملك الظاهري الواقعي من النبوة والإمامة بيده ، والملك الذي يحصل بالتغلب أيضا بتقديره ، وتمكينه ، يعطيه من يشاء برفع الموانع ، وأن يخليه واختياره لا بأن يجبره عليه ، ويصرفه عمن يشاء« وله الحمد » أي الحمد مختص به ، لأن النعمة كلها مخلوقة له ، وهو مسبب الأسباب ، ومولى النعم. وكلها بتقديره ، وتدبيره« يحيي ويميت ويميت ويحيي » كان الإحياء أو لا في الدنيا ،

٢٠٢

وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عمن ذكره ، عن عمر بن محمد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من صلى الغداة فقال قبل أن ينفض ركبتيه عشر مرات : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

_________________________________________

والإماتة أولا فيها ، والإماتة الثانية في القبر فتدل ضمنا على إحياء أخر ، ولما كانت مدة تلك الحياة قليلة ، لم يذكرها صريحا ، والإحياء ثانيا في الآخرة ، وإنما لم يتعرض للأحياء والأمانة في الرجعة لعدم عمومها وشمولها لكل أحد ، مع أنه يحتمل أن تكون الأمانة الثانية إشارة إليه ، ولا يبعد أن يكون المراد بكل من الفقرتين ، جنسي الإماتة والإحياء ، والتكرير لبيان استمرارهما ، وكثرتهما« بيده الخير » أي كلما يصدر عنه فهو خير ، وإن كان بحسب الظاهر شرا ، كما ورد في الدعاء ، الخير في يديك ، والشر ليس إليك.

« كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم » لعل المراد باليوم اليوم مع ليلته ، فيكون ما قاله قبل طلوع الشمس ، كفارة لذنوب الليل ، وما قاله قبل غروبها كفارة لذنوب اليوم ، ولو كان المراد اليوم فقط كان ناظرا إلى قبل غروبها ، وأحال الأول على الظهور ، والظاهر أن المراد بالذنوب أعم من الصغيرة والكبيرة ، وقيل : لا يبعد تخصيصها بالصغيرة لأن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة ، أو فضل الله تعالى ، ويؤيد هذا التخصيص ، قوله في الخبر الآتي ، ولم تحط به كبيرة من الذنوب.

الحديث الثاني : مرسل.

« قبل أن ينقض ركبتيه » النقض الهدم ، وأستعير هنا لتغيير وضع الركبتين عن الحالة التي كانتا عليها في حال التشهد ، والتسليم ، وفي بعض النسخ أن يقبض وهو قريب من الأول ، والمراد قبضهما بإرادة القيام ،قوله « إلا من جاء بمثل عمله »

٢٠٣

وفي المغرب مثلها لم يلق الله عز وجل عبد بعمل أفضل من عمله إلا من جاء بمثل عمله.

(باب)

(من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن)

(محمداً عبده ورسوله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كتب الله له ألف ألف حسنة.

_________________________________________

إن قيل : الاستثناء يفيد ، أن عمل من جاء بمثل عمله ، أفضل من عمله ، والمثلية تقتضي المساواة فبينهما تناف ، قلت : المراد بالأفضلية هنا المساواة مجازا ، كما يقال : ليس في البلد أفضل من زيد ، والمراد نفي المساواة ، وأنه أفضل ممن عداه ، وهذا شائع فالمعنى لم يلق الله عز وجل عبد بعمل مساو لعمله في الفضيلة والكمال ، إلا من جاء بمثل عمله ، وقيل : المراد في المستثنى بعض ما جاء بمثل عمله ، فإن الاستثناء لا يفيد العموم في المستثنى ، فالأفضل من جاء بمثل عمله ، وزاد عليه ، والأول أظهر والمراد بالملاقاة عند الموت أو في القيامة.

باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده إلخ

الحديث الأول : حسن على الظاهر ، إذ الظاهر أن سعيدا هو ابن غزوان لرواية ابن أبي عمير عنه ألف حسنة ، في بعض النسخ ألف ألف حسنة ، ويمكن أن تكون نسبة الكتابة إلى الله على المجاز لأنه الأمر بذلك ، والكاتب هو الملك.

٢٠٤

(باب)

(من قال عشر مرات في كل يوم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

(إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال في كل يوم عشر مرات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً كتب الله له خمسة وأربعين ألف حسنة ومحا عنه خمسة وأربعين ألف سيئة ورفع له خمسة وأربعين ألف درجة.

وفي رواية أخرى وكن له حرزا في يومه من السلطان والشيطان ولم تحط

_________________________________________

باب من قال عشر مرات في كل يوم أشهد إلخ

الحديث الأول : ضعيف ورواه الصدوق في التوحيد ، وثواب الأعمال ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران مثله إلا أن في الجميع خمسا وأربعين ألف ألف ، وفي الأخير ورفع له في الجنة ، وفي صدر الخبر من قال في يوم ، وفي بعض النسخ يومه ، وزاد في أخره وكان كمن قرأ القرآن في يومه اثنتي عشرة مرة ، وبنى الله له بيتا في الجنة ، وقيل : لو لم تكن له سيئة ، لا يبعد القول بأنه يعوض عن محو السيئة حسنة ، ولم أر بذلك تصريحا من الأصحاب ، وجزم بذلك الخطابي من علماء العامة ، وقد يقال : المراد بالسيئة الصغيرة ، إذ محو الكبائر عندهم مشروط بالتوبة ، وفيه نظر ، بل الظاهر أنها تشمل الكبيرة أيضا.

قوله عليه‌السلام « ولم تحط به كبيرة » أي لم تستول عليه بحيث يشمل جملة أحواله ناظرا إلى قوله تعالى «مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » والحاصل : أن هذه

٢٠٥

به كبيرة من الذنوب.

(باب)

(من قال يا الله يا الله ـ عشر مرات ـ)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن أيوب بن الحر أخي أديم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال يا الله يا الله عشر مرات قيل له لبيك ما حاجتك.

_________________________________________

الكلمات تصير سببا لعدم الإصرار على الكبيرة ، وعدم استيلاء الشيطان ، والتضرر من السلطان.

باب من قال يا الله عشر مرات

الحديث الأول : صحيح.

« قيل له لبيك » هذا من تنزلاته بالنسبة إلى عبيده ، ويحتمل أن يكون القائل هو الله تعالى ، أو الملك الموكل من قبله بقضاء حاجة العبد ، وقيل : إن كان القائل هو الله سبحانه ، فهو للاستنطاق ، وإن كان غيره يحتمل الاستفهام أيضا ، وأقول : الظاهر أنه استعارة تمثيلية لبيان استعداده واستئهاله لقبول حاجته ، وفي القاموس ألب ، أقام كلب ، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد الباب ، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي ، وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبه أي محبة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص.

٢٠٦

(باب)

(من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى الأرميني ، عن أبي عمران الخراط ، عن الأوزاعي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال في كل يوم ـ لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله عبودية ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا أقبل الله عليه بوجهه ولم يصرف وجهه عنه حتى يدخل الجنة.

_________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً

في العنوان اختصار

الحديث الأول : مجهول.

« وحقا » حال مؤكدة من الله ، لأنه في حكم المفعول به ، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي حق حقا جيء به لتأكيد مضمون الجملة ، والتكرير للمبالغة في التأكيد ، أو إشارة إلى مدلولي كلمة التوحيد أي لا خالق سواه حقا ولا معبود سواء حقا وقوله « عبودية ورقا » كل منهما مفعول له لفعل محذوف ، أي أقولها لعبوديتي ورقيتي ، ويحتمل أن يكونا نائبين للمفعول المطلق ، أي أقولها قولا ناشئا من جهة العبودية ، والرقية ، وفي القاموس : العبودية ، والعبادة الطاعة ، وقال : الرق بالكسر الملك ، وفي المصباح : الرق بالكسر العبودية ، وهو مصدر رق الشخص يرق من باب ضرب فهو رقيق ، وكذاقوله « إيمانا وصدقا » يحتمل النصب بالعلية والمصدرية ، أي أقولها لأني مؤمن صادق مصدق ، أو آمنت إيمانا ، وصدقت فيه صدقا. وقيل الجمع بينهما للإشعار بالتوافق بين اللسان والقلب ، وإقبال الله تعالى عليه بوجهه ، وعدم صرف وجهه عنه كناية عن توفيقه ، وتأييده ، وتسديده ، وإفاضة رحماته عليه ، وحفظه ، وعصمته عما يوجب دخول النار حتى يدخله الجنة بفضله.

٢٠٧

(باب)

(من قال يا رب يا رب)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن أيوب بن الحر أخي أديم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال عشر مرات يا رب يا رب قيل له لبيك ما حاجتك.

٢ ـ أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران قال مرض إسماعيل بن أبي عبد اللهعليه‌السلام فقال له أبو عبد اللهعليه‌السلام قل يا رب يا رب عشر مرات فإن من قال ذلك نودي لبيك ما حاجتك.

_________________________________________

باب من قال يا رب يا رب

الحديث الأول : صحيح.

« والرب » أقرب الأسماء إلى الاسم الأعظم ، ولذا لم يذكر الله تعالى دعاء من أدعية الأنبياء ، والصالحين إلا افتتحها به كقوله « رَبَّنا ظَلَمْنا » « رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً » « رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا » « رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا » « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا » « رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا » « رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ » « رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً » « فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا » ومثله كثير ، وفيه استعطاف لما فيه من الدلالة على تربية كل شيء ، وتكميله ، وحفظه ، وإخراجه من حد النقص إلى الكمال بحسب ما يليق بحاله ، كما عرفت.

الحديث الثاني : مجهول. ويمكن أن يقرأرب بكسر الباء بأن يكون تخفيف يا ربي والكسرة تدل على الياء المحذوفة ، أو بالرفع بأن يكون منادي مفرد.

٢٠٨

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن معاوية ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من قال يا رب يا الله يا رب يا الله حتى ينقطع نفسه قيل له لبيك ما حاجتك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله مخلصاً)

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي الحسن السواق ، عن أبان بن تغلب

_________________________________________

الحديث الثالث : صحيح ، وفي بعض النسخ يا ربي الله ، وفي بعضها يا ربي يا الله ، وفي أكثرها يا رب يا الله.

باب من قال لا إله إلا الله مخلصاً

الحديث الأول : موثق ، وأبو الحسن هو علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم مولى عمر بن سعد بن أبي وقاص لعنه الله ، وقال النجاشي : كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية ثبت معتمد على ما يرويه.

قوله عليه‌السلام « من شهد فيه » إشارة إلى أن مجرد القول بدون القصد ، والاعتقاد لا يمكن في ترتب الجزاء لأن الشهادة لا تكون الأمن صميم القلب ، وقوله « مخلصا » حال مؤكدة من فاعل شهد ، أي مخلصا لله دينه كما قال تعالى «مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » وإخلاص الدين أن لا يشوبه بشيء من الشرك كنفي الرسالة ، والولاية ، وإنكار المعاد ، وسائر ما علم من الدين ضرورة وقد بينعليه‌السلام ذلك في آخر الخبر حيث قال« تسلب لا إله إلا الله عمن ليس على هذا الأمر » وهذا الأمر إشارة إلى دين الحق الذي عمدته الإقرار بجميع الأئمةعليهم‌السلام وبما بينوهعليهم‌السلام من أصول الدين ، وعقائدهم الحقة ، كما روى الصدوق في المجالس ، والعيون بإسناده عن إسحاق بن راهويه قال لما وافى أبو الحسن الرضاعليه‌السلام نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع

٢٠٩

عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة قال قلت له إنه يأتيني من كل صنف

_________________________________________

إليه أصحاب الحديث ، فقالوا له يا بن رسول الله ، ترحل عنا ، ولا تحدثنا بحديث فنستفيد منك ، وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه ، وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر ، يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد ، يقول : سمعت أبي محمد بن علي ، يقول : سمعت أبي علي بن الحسين ، يقول : سمعت أبي الحسين بن علي ، يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت جبرئيلعليه‌السلام يقول : سمعت الله عز وجل يقول : لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها.

بل يدل بعض الأخبار على أنه يدخل في الإخلاص بعض الأعمال أيضا كما روى الصدوق في ثواب الأعمال ، بإسناده الصحيح ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ، وإخلاصه أن يحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله ، وروي أيضا هذا المضمون ، عن زيد بن أرقم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وروى أيضا زر بن حبيش قال : سمعت حذيفة يقول : لا إله إلا الله ترد غضب الرب جل جلاله عن العباد ، ما كانوا لا يبالون ما انتقص من دنياهم إذا سلم دينهم ، فإذا كانوا لا يبالون ما انتقص من دينهم إذا سلمت دنياهم ثم قالوها ردت عليهم ، وقيل كذبتم ولستم بها صادقين. فاستبان أنه ليس المراد بالإخلاص هنا ترك الرياء فقط ، كما فهمه الأكثر ، وقيل : لما دلت ظواهر الآيات والروايات على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة ، واقتضى هذا الحديث أمنهم تعين فيه التأويل صونا لظاهر الشرع عن التناقض ، فتأوله بعضهم أن ذلك قبل نزول الفرائض ، وأما بعده فالعاصي بالمشية وقال بعضهم : هذا التأويل وإن كان مستبعدا من جهة قوله « إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث » لأن الغرض منه الترغيب في هذه الكلمة الشريفة ولا شبهة في أنهم نشأوا بعد نزول الفرائض ، ومن جهة عموم من شهد لكنه قد مر في باب ، بعد باب

٢١٠

من الأصناف أفأروي لهم هذا الحديث قال نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين فتسلب لا إله إلا الله منهم إلا من كان على هذا الأمر.

_________________________________________

أن الإيمان قبل الإسلام ما يؤيده حيث قال الباقرعليه‌السلام في حديث طويل : ثم بعث الله عز وجل محمداصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكة عشر سنين ، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا أدخله الله الجنة بإقراره ، وهو إيمان التصديق ، ولم يعذب الله أحدا ممن مات ، وهو متبع لمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك الأمن أشرك بالرحمن ، وأوله بعضهم بحمله على من مات ولم يعص.

ثم قال : ويؤيده أن لهذا الحكم أعني ترتب وجوب دخول الجنة على الشهادة بالتوحيد شروطا كما أشارعليه‌السلام إلى بعضها ، بقوله « إلا من كان على هذا الأمر » وبعضها الشهادة بالرسالة ، وهي غير مذكورة فيحتمل أن يكون عدم العصيان أيضا من الشروط.

وأوله البخاري بمن مات وهو ثابت ، يريد أن من كان آخر كلامه هذه الكلمة الشريفة وجبت له الجنة ، لأنها مكفرة للذنوب التي صدرت قبلها.

وقيل : لا يحتاج الحديث إلى التأويل لأن المؤمن العاصي إن غفر له ابتداء يلتحق بغير العاصي فيدخل الجنة مثله ، وإن نفذ فيه الوعيد يدخل النار على ما شاء الله ، ثم لا بد له من دخول الجنة ، فوجوب دخول الجنة على ظاهره إذ لا بد للقائل بالشهادتين من دخولها ، إما ابتداء أو بعد الجزاء.

قوله عليه‌السلام « فتسلب » المراد بالسلب إما نسيانها أو عدم ترتب أثرها عليها ، أو عدم انطلاق لسانه بها ، كما أنهم في القيامة يريدون أن يسجدوا وهم لا يستطيعون «وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ »(١) .

__________________

(١) القلم : ٤٣.

٢١١

(باب)

(من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا دعا الرجل فقال بعد ما دعا ـ ما شاء

_________________________________________

باب من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله

الحديث الأول : صحيح.

« بعد ما دعا » كلمة ما مصدرية« ما شاء الله » قال البيضاوي : أي الأمر ما شاء الله ، أو ما شاء الله كائن ، على أن « ما » موصولة ، أو أي شيء شاء الله كائن ، على أنها شرطية ، والجواب محذوف.

وقال الطبرسي : رحمه الله تعالى « ما شاءَ اللهُ » يحتمل أن يكون ما رفعا وتقديره ـ الأمر ما شاء الله ـ فيكون موصولا والضمير العائد إليه تكون محذوفا لطول الكلام ، ويجوز أن يكون التقدير ـ ما شاء الله كائن ـ ويحتمل أن تكون « ما » في موضع نصب على معنى الشرط والجزاء ، ويكون الجواب محذوفا وتقديره ـ أي شيء شاء الله كان ـ ومثله في حذف الجواب قوله( فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ ) (١) والمعنى ما شاء الله كان وإني إن تبعت في جمعي وعمارتي فليس ذلك إلا بقوة الله وتيسيره ، ولو شاء لحال بيني وبين ذلك ولنزع البركة عنه ، فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله ولا يكون له إلا ما شاء الله ، انتهى.

وأقول : في أكثر النسخ في هذا الخبر « ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » وفي بعضها « لا حول ولا قوة إلا بالله » كالخبر الآتي.

وقال في النهاية : الحول هيهنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك

__________________

(١) الأنعام : ٣٥.

٢١٢

الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل استبسل عبدي واستسلم لأمري اقضوا حاجته.

_________________________________________

المعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشية الله تعالى ، وقيل : الحول الحيلة والأول أشبه ومنه الحديث « اللهم بك أصول وبك أحول » أي أتحرك ، وقيل : احتال ، وقيل : أدفع وأمنع من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر ، وقال فيه : ذكر الحوقلة هي لفظة مبنية من« لا حول ولا قوة إلا بالله » كالبسملة من « بسم الله » والحمد له من « الحمد لله » ، فهكذا ذكره الجوهري بتقديم اللام على القاف ، وغيره يقول « الحوقلة » بتقديم القاف علي اللام ، والمراد بهذه الكلمات إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور وهو حقيقة العبودية ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : معناه لا حول عن معصية الله ، إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله ، إلا بمعونة الله.

وأقول : هذا المعنى الأخير مروي عن الباقر والصادقعليهما‌السلام وقد مر في كتاب التوحيد ، وسئل أمير المؤمنينعليه‌السلام عن هذه الكلمة فقال : إنا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك به منا كلفنا ، ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا ، وفي القاموس : الحول والحيل والحولة والحيلة الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف والحولة القوة والتحول والانقلاب ، وقال الراغب : حالت الدار تغيرت ، والحال لما يختص به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة في نفسه وجسمه أو قنياته ، والحول ماله من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة ، ومنه قيل « لا حول ولا قوة إلا بالله ».

وفي طرق العامة قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن قيس : ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ، قال بلى يا رسول الله قال : « لا حول ولا قوة إلا بالله » قال المازري في ضبط هذه الكلمة خمس لغات فتح الكلمتين بلا تنوين ، ورفعهما منونتين ، و

٢١٣

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن جميل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله سبعين مرة صرف عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسر ذلك الخنق قلت جعلت فداك وما

_________________________________________

فتح الأول ونصب الثانية ، ورفعها منونة ، والخامس عكس الرابع ، وفي القاموس :أبسله لكذا عرضه ورهنه أو أبسله أسلمه للهلكة ولعمله وبه وكله إليه ، ونفسه للموت وطنها كاستبسل ، واستبسل طرح نفسه للحرب يريد أن يقتل أو يقتل ، وبالجملة هو كناية عن غاية التسليم والانقياد وإظهار العجز في كل ما أراد بدون تقدير رب العباد.

الحديث الثاني : مرسل.

« سبعين مرة » أي في مجلس واحد أو في اليوم بليلته ، كما قيل سبعين نوعا وإن قضيت عليه وأبرمت ، ولكن لم تبلغ الإمضاء ، وفي القاموس :خنقه خنقا ككتف فهو خنق أيضا وخنيق ومخنوق كخنقه فاختنق ، والخناق كغراب داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب انتهى ، ومنشأه غلبة الدم والسوداء.

« قلت جعلت فداك وما الخنق » قيل ـ الواو في الحكاية دون المحكي ، وعطف الإنشاء على الإخبار إذا كان له محل من الإعراب جائز ـ ولا يخفى ما فيه« لا يقتل بالجنون » تفسير لصرف المفهوم من الكلام السابق « فيخنق » على بناء المجهول بالنصب.

وأقول : كان المعنى أن مقصودي من الخنق ، هذا النوع منه وهو الذي يحصل من الجنون كالصرع ، وكلما كان الأيسر أشد كان أبلغ في المبالغة ، ومنهم من قرأ لا« يعتل » بالعين واللام المشددة من الاعتلال ، أو بالفاء واللام المخففة من فتله يفتله لواه كفتله فهو فتيل ومفتول ، والحبون بالحاء المهملة والباء الموحدة جمع الحبن بالكسر كالحمول جمع الحمل ، وهو خراج كالرمل وما يعتري في الجسد

٢١٤

الخنق قال لا يعتل بالجنون فيخنق

(باب)

(من قال أستغفر الله الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

(ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وأتوب إليه)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الصمد ، عن الحسين بن حماد ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه ـ أستغفر الله الذي( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) وأتوب إليه ثلاث

_________________________________________

فيقيح ويرم ، والحبن محركة داء في البطن يعظم منه ويرم كذا في القاموس ، وأقول : لا يخفى ما فيه من التكلف والتصحيف.

باب من قال أستغفر الله الذي إلخ

الحديث الأول : مجهول.

« في دبر صلاة الفريضة » الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ومأول عند غيرهم بصلاة العبادة الفريضة ، فهي من إضافة الجزئي إلى الكلي ، مثل بنو هاشم نجباء قريش ، لأن الفريضة شاملة للزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والتاء للفريضة للنقل عن الوصفية إلى الاسمية مأخوذ من الفرض بمعنى القطع ، لاقتطاعها عن سائر العبادات بنوع تشديد وتأكيد كما قيل.

وقال في النهاية : في حديث الدعاء« من قال عقيب الصلاة وهو ثان رجله » أي عاطف رجله في التشهد قبل أن ينهض ، وفي حديث آخر ، من قال قبل أن يثني رجله ، هذا ضد الأول في اللفظ ومثله في المعنى لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالته التي هي عليها في التشهد ، انتهى وقال الطيبي : ويثني رجليه من صلاة المغرب ، والصبح أي يعطفهما ويغيرهما عن هيئة التشهد.

وأقول : في بعض النسخ « ذا الجلال » بالنصب وفي بعضها بالرفع ، فعلى الأول

٢١٥

مرات غفر الله عز وجل له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

_________________________________________

الظاهر نصب الحي والقيوم أيضا فالكل أوصاف للجلالة ، وعلى الثاني : فالظاهر رفع الكل أما لكونها أوصافا للضمير على مذهب الكسائي إذ المشهور بين النحاة أن الضمير لا يوصف ، وأجاز الكسائي وصف ضمير الغائب في نحو قوله تعالى «لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » وقولك مررت به المسكين ، والجمهور يحملون مثله على البدلية إذ يجوز الإبدال من ضمير الغائب اتفاقا ، ويحتمل نصب الأولين ورفع ذو على المدح ، كما أنه في الأول يحتمل رفع الأولين ونصب ذا على المدح. قال البيضاوي : في قوله تعالى «ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.

وقال الطبرسي (ره) : « ذُو الْجَلالِ » أي ذو العظمة والكبرياء ، واستحقاق الحمد والمدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان ، وإنعامه الذي هو أصل كل إنعام ، « وَالْإِكْرامِ » يكرم أنبياءه وأولياءه بألطافه وإفضاله مع عظمته وجلاله ، وقيل : معناه أنه أهل أن يعظم وينزه عما لا يليق بصفاته كما يقول الإنسان لغيره ـ أنا أكرمك عن كذا وأجلك عنه ـ كقوله « أَهْلُ التَّقْوى » أي أهل أن يتقى.

وقال الراغب : الجلالة عظم القدر والجلالة بغير الهاء التناهي في ذلك ، وخص بوصف الله تعالى فقيل : « ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » ولم يستعمل في غيره والجليل العظيم القدر ووصفه تعالى بذلك أما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه ، أو لأنه يجل عن الإحاطة به ، أو لأنه يجل عن أن يدرك بالحواس ، وقال : الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو ـ إن ربي غني كريم ـ والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو جعل ما يوصل إليه شريفا كريما وقوله : ذو الجلال والإكرام منطو على المعنيين ، انتهى وقيل : الجلال إشارة إلى الصفات السلبية والإكرام

٢١٦

(باب)

(القول عند الإصباح والإمساء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن غالب بن عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : «وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة.

_________________________________________

إلى الصفات الكمالية الذاتية الوجودية.

باب القول عند الإصباح والإمساء

الحديث الأول : مجهول.

والآية في سورة الرعد هكذا( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (١) وقال الطبرسي (قدس‌سره ) : « مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » يعني الملائكة وسائر المكلفين « طَوْعاً وَكَرْهاً » اختلف في معناه علي قولين :

أحدهما : أن معناه أنه يجب السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا ، والكافر يسجد له كرها بالسيف ، عن الحسن ، وقتادة ، وابن زيد.

والثاني : أن المعنى لله يخضع من في السماوات والأرض إلا أن المؤمن يخضع له طوعا ، والكافر يسجد له كرها لأنه لا يمكنه أن يمتنع عن الخضوع لله تعالى لما يحل به من الآلام والأسقام عن الجبائي « وَظِلالُهُمْ » أي ويسجد ظلالهم لله « بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » أي العشيات ، قيل : المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد معه ظله ، قال الحسن : يسجد ظل الكافر ولا يسجد الكافر ، ومعناه عند أهل التحقيق : أنه يسجد شخصه دون قلبه ، لأنه لا يريد بسجوده عبادة من حيث إنه يسجد للخوف ، وقيل : إن الظلال على ظاهرها والمعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب ، وانقيادها للتسخير بالطول والقصر.

__________________

(١) الرعد : ١٥.

٢١٧

...........................................................................

_________________________________________

وقال النيسابوري : إن كان السجود بمعنى وضع الجبهة فذلك ظاهر في المؤمنين لأنهم يسجدون له طوعا أي بسهولة ونشاط ، وكرها أي على تعب واصطبار ومجاهدة ، وأما في حق الكافرين فمشكل وتوجيهه أن يقال : المراد حق له أن يسجد لأجله جميع المكلفين من الملائكة والثقلين فعبر عن الوجوب بالوقوع وإن كان بمعنى الانقياد ، والخضوع ، والاعتراف بالإلهية ، وترك الامتناع عن نفوذ مشية فيهم فلا إشكال نظيره قوله : « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » وأما قوله « وَظِلالُهُمْ » فقد قال جمع من المفسرين كمجاهد ، والزجاج ، وابن الأنباري لا بعد في أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها الله وتخضع له كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحة ، وظل المؤمن يسجد لله طوعا ، وهو طائع وظل الكافر يسجد لغير الله كرها ويسجد لله طوعا ، وقال آخرون : المراد بسجود الظلال تقلصها وامتدادها حسب ارتفاع الشمس وانحطاطها ، فهي منقادة مستسلمة لما أتاح الله لها في الأحوال ، وتخصيص الغدو والآصال بالذكر لغاية ظهورها وازديادها في الوقتين ، وقال : في التأويل ولله يسجد من في السماوات والأرض والملائكة بين أرواح الأنبياء والأولياء ، والصلحاء طوعا ، ومن أرواح الكافرين والمنافقين والشياطين كرها بالدليل والتسخير تحت الأحكام والتقدير ، وظلالهم أي نفوسهم ، فإن النفوس ظلال الأرواح وليس السجود من شأنها لأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم الرب فإنها تسجد بتبعية الأرواح ( معنى آخر ) ولله يسجد من في سماوات القلوب من صفات القلوب والأرواح والعقول طوعا ، ومن في أرض النفس من صفات النفس والقوي الحيوانية والسبعية والشيطانية كرها ، وظلالهم وهي آثارها ونتائجها. ( آخر ) ولله يسجد الأرواح في الحقيقة وظلالهم وهي أجسادهم بالتبعية وهذا السجود بمعنى وضع الجبهة وخص الوقتان بالذكر لأن آثار القدرة فيهما أكثر ، وإن أريد الانقياد والتسخير احتمل أن يراد بالوقتين وقت الانتباه والنوم ،

٢١٨

...........................................................................

_________________________________________

ففي الأول يطلع شمس الروح من أفق الجسد ، وفي الثاني تغرب فيه ، انتهى.

وقال الراغب : السجود أصله التطأمن والتذلل ، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوانات والجمادات وذلك ضربان ، سجود باختيار وليس ذلك إلا للإنسان وبه يستحق الثواب ، نحو قوله «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا » أي تذللوا له ، وسجود بتسخير وهو للإنسان والحيوان والنبات وعلى ذلك قوله تعالى «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » وقوله تعالى «يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » فهذا سجود تسخير ، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة ، وأنها خلق فاعل حكيم ، وقوله تعالى «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » ينطوي على النوعين من السجود التسخير والاختيار ، وقوله تعالى «وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ » فذلك على سبيل التسخير وقال في الظل قوله تعالى «أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا » إلخ أي إنشاؤه ، يدل على وحدانية الله تعالى وينبئ عن حكمته ، وقوله عز وجل «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ إلخ » قال الحسن أما ظلك فيسجد الله ، وأما أنت فتكفر به ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بالظلال عالم المثال ، أو عالم الأرواح سواء قيل بتجردها أم كونها أجساما لطيفة ، كما روي عن الصادقعليه‌السلام أن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قام قائمنا أهل البيت ورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ في الولادة ، وروي أيضا أن الله خلق الخلق فخلق من أحب ، وكان ما أحب أن خلقه من طينة من النار ثم بعثهم في الظلال ، فقلت : وأي شيء الظلال ، فقال : ألم تر إلى فلك في الشمس شيء وليس بشيء ، ومثله في الأخبار كثير وقد مر شرحها فالمراد بالظلال أرواحهم أو أجسادهم المثالية ، أو أمثلتهم على القول بعالم المثال ، فكلما يصدر عن أجسادهم من السجود

٢١٩

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنود الليل من حيث

_________________________________________

وغيرها يصدر عن أمثلتهم فهي تابعة للأجساد في كل ما يصدر عن العباد.

ولنرجع إلى شرح هذا الخبر فنقول : كأنهعليه‌السلام فسر السجود بالخضوع والتذلل والانقياد والدعاء ، أعم من أن يكون بالمقال أو بلسان الحال ، فإنها كلها خاضعة له منقادة لمشيته وإرادته ، لا تقدر على الامتناع مما أراد منها ، وتسأله سبحانه عما تستعد له بلسان إمكانها وافتقارها فتستجاب لها كما قال سبحانه( يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (١) وقال تعالى( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) (٢) قيل أي بلسان استعداداتكم وقابلياتكم ، والمؤمنون يسألونه بلسان المقال أيضا ، وضمير هي راجع إلى كل واحد ، والتأنيث باعتبار الخبر ، وكونهما ساعتا إجابة ، لأنه يقدر ما يقع في كل من اليوم والليل في مفتتحهما « والغدو » بضمتين جمع الغدوة وهي البكرة ، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس « والآصال » جميع الأصيل وهو ما بين صلاة العصر إلى الغروب.

الحديث الثاني : ضعيف.

« واللعائن » جمع لعان بالكسر كشمائل جمع شمال ، وفي القاموس : لعنه كمنعه طرده وأبعده ، فهو لعين وملعون ، والاسم اللعان« يبث جنود الليل » كان فيه حذفا ، أي وجنود النهار بقرينة السياق ، وفي بعض النسخ « جنوده » وهو أظهر ، ويؤيده ما رواه في الفقيه ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن إبليس إنما يبث جنود الليل ، من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبث جنود النهار ، من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس ، وذكر أن نبي الله كان يقول : أكثروا ذكر الله إلى آخر الخبر.

__________________

(١) الرحمن : ٢٩.

(٢) إبراهيم : ٣٤.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

وعن الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الـمُحْرم يستاك ، قال : « نعم ولا يُدْمي »(١) .

وعن معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك »(٢) .

وعن عمر بن يزيد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « لا بأس بحكّ الرأس واللحية ما لم يلق الشعر ، وبحكّ الجسد ما لم يُدْمه »(٣) .

وسأل يعقوبُ بن شعيب - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يغتسل ، فقال : « نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه »(٤) .

مسألة ٢٨٠ : ينبغي للمُحْرم أن يغسل رأسه وبدنه برفق بحيث لا يسقط منه شي‌ء من شعر رأسه ولحيته إجماعاً ، وفَعَله(٥) عليعليه‌السلام ، وعمر ، وابنه ، وبه قال جابر وسعيد بن جبير والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي(٦) ، إلّا أنّه لا يجوز له الارتماس في الماء بحيث يغيبه فيه ، عند علمائنا ، وبه قال مالك(٧) - خلافاً لباقي العامّة(٨) - لما فيه من تغطية الرأس.

احتجّوا : بما رواه ابن عباس ، قال : ربما قال لي عمر ونحن مُحْرمون‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ / ١٠٧٩.

(٥) في المغني والشرح الكبير : ورخص فيه عليّ.

(٦) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المحلّى ٧ : ٢٤٧ ، المجموع ٧ : ٣٥٥ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٣٩.

(٧) المنتقى - للباجي - ٢ : ١٩٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦١

بالجحفة : تعال أباقيك(١) أيّنا أطول نفساً في الماء(٢) .

ولأنّه ليس بستر معتاد ، فأشبه صبّ الماء عليه(٣) .

وحديث عمر لا حجّة فيه ، مع احتمال أن يكون في ابتداء الإِحرام ؛ لأنّه في الميقات الذي يحرم منه ، فالظاهر أنّ غسله للإِحرام ، والفرق : أنّ في الارتماس تغطيةَ الرأس دون الصبّ.

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له غسل رأسه بالسدر والخطمي ونحوهما - وبه قال جابر بن عبد الله والشافعي وأصحاب الرأي(٤) - ولا فدية عليه.

وعن أحمد رواية : أنّ عليه الفدية ، وبه قال مالك وأبو حنيفة(٥) .

وقال أبو يوسف ومحمّد : عليه صدقة(٦) .

لنا : ما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال في الـمُحْرم الذي أوقصه بعيره : ( اغسلوه بماء وسدر ، وكفّنوه في ثوبيه ، ولا تحنّطوه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يُحشر يوم القيامة ملبّياً )(٧) أمر بغسله بالسدر مع بقاء حكم الإِحرام عليه ، ولهذا منعه من الطيب وتخمير رأسه.

احتجّوا : بأنّه تستطاب رائحته ، ويزيل الشعث ، ويقتل الهوامّ(٨) .

____________________

(١) بقاه بقْياً : انتظره ورصده. لسان العرب ١٤ : ٨١ « بقي ».

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٦٣.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

(٤) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، المدونّة الكبرى ١ : ٣٨٩ ، بداية المجتهد ١ : ٣٢٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ١٩١ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٠٤ ، المجموع ٧ : ٣٥٥.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٩٦ و ٣ : ٢٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٦٥ / ٩٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٠ / ٣٠٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ١٩٦ ، سنن الدارمي ٢ : ٥٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٧٠ ، مسند أحمد ١ : ٢١٥ ، المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٤.

(٨) المغني ٣ : ٢٧٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٣.

٣٦٢

ونمنع التلذّذ بالرائحة ، وينتقض بالفاكهة ، وإزالة الشعث تحصل بالتراب والماء مع موافقته على تسويغه.

مسألة ٢٨١ : يجوز للمُحْرم دخول الحمّام إجماعاً ، ولا يدلك جسده فيه بقوّة لئلّا يدميه أو يزيل شعره ؛ للأصل.

ولما رواه العامّة عن ابن عباس : أنّه دخل حمّام الجحفة ، وقال : ما يعبأ الله بأوساخكم شيئاً(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « لا بأس أن يدخل الـمُحْرم الحمّام ولكن لا يتدلّك»(٢) .

إذا ثبت هذا ، فالأفضل تركه ؛ لاشتماله على الترفّه ( وإزالة الشعث )(٣)

ولما رواه عقبة أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الـمُحْرم يدخل الحمّام ، قال : « لا يدخل »(٤) وإنّما حملناه على الكراهة ، جمعاً بين الأخبار.

البحث الثالث عشر : قتل هوامّ الجسد‌

مسألة ٢٨٢ : لا يجوز للمُحْرم قتل القمل والصئبان(٥) والبراغيث وغير ذلك من هوامّ الجسد - وهو إحدى الروايتين عن أحمد(٦) - لاشتماله على الترفّه وإزالة الشعث ، فكان حراماً ، كالطيب.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٤٦٣ ، وفي سنن البيهقي ٥ : ٦٣ : بأوساخنا ، وفي ترتيب مسند الشافعي ١ : ٣١٤ / ٨١٦ : بأوسخنا.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٨١ ، التهذيب ٥ : ٣١٤ / ١٠٨١ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١١.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « ن ».

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨٦ / ١٣٤٩ ، الإستبصار ٢ : ١٨٤ / ٦١٢.

(٥) الصؤابة : بيضة القملة ، والجمع : الصؤاب والصئبان. الصحاح ١ : ١٦٠ « صأب ».

(٦) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

٣٦٣

ولقول الصادقعليه‌السلام : « الـمُحْرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّداً ، وإن قتل شيئاً من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاماً قبضةً بيده »(١) .

ولا فرق بين أن يقتله أو يلقيه عن بدنه إلى الأرض أو يقتله بالزئبق وشبهه ؛ لأنّ تحريم قتله ليس معلّلاً بحرمته ، بل للترفّه بفقده ، فعمّ المنع إزالته كيف كان.

ولأنّ حماد بن عيسى سأل الصادقعليه‌السلام : عن الـمُحْرم يبين القملة من جسده فيلقيها ، فقال : « يطعم مكانها طعاماً »(٢) .

وفي الرواية الاُخرى عن أحمد : يُباح قتله(٣) .

إذا عرفت هذا ، فإنّه يجوز له تحويلها من مكان من جسده إلى مكان آخر منه ؛ لاشتمال دوامها في موضع واحد على أذى كثير.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « فإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٤) .

مسألة ٢٨٣ : لو قتل قملةً ، فَعَل حراماً ، ووجب عليه فدية كف من طعام - وبه قال عطاء(٥) - لأنّه فَعَل إزهاق نفس محرَّمة ، فكان عليه صدقة ، كالصيد.

ولقول الصادقعليه‌السلام : « يُطعم مكانها طعاماً »(٦) بمجرد الإِلقاء ؛ لأنّه مظنّة القتل لها ، فأشبه رمي الصيد وجهل حاله.

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ - ١٩٧ / ٦٦١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

(٣) المغني ٣ : ٢٧٢ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٦ - ٣٣٧ / ١١٦١ ، الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١.

(٥) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٣٦ / ١١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٩٦ / ٦٥٩.

٣٦٤

وقال مالك : يفدي بحفنة من طعام. وهو مروي عن ابن عمر(١) .

وقال إسحاق : يتصدّق بتمرة فما فوقها(٢) .

وقال أحمد في إحدى الروايتين : يتصدّق بمهما كان من قليل وكثير ، وهو قول أصحاب الرأي(٣) .

وفي الرواية الاُخرى : لا شي‌ء عليه ، وبه قال سعيد بن جبير وطاوس وأبو ثور وابن المنذر(٤) .

مسألة ٢٨٤ : يجوز له أن ينحّي عن نفسه القراد والحَلَمَة ، ويلقي القراد عنه وعن بعيره ؛ لما رواه معاوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « و الـمُحْرم يلقي عنه القِرْدان(٥) كلّها إلّا القملة فإنّها من جسده ، وإن أراد أن يحوّل قملةً من مكان إلى مكان فلا يضرّه »(٦) .

وقال الشيخرحمه‌الله : يجوز للمُحْرم أن يلقي القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلَمَة(٧) ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « إنّ القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير »(٨) .

البحث الرابع عشر : قطع شجر الحرم‌

مسألة ٢٨٥ : أجمع علماء الأمصار على تحريم قطع شجر الحرم غير الإِذخر‌ وما أنبته الآدمي من البقول والزروع والرياحين.

وبالجملة فالتحريم متعلّق بما نبت بنفسه دون ما يستنبت.

____________________

(١) المغني ٣ : ٢٧٣ - ٢٧٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٢ - ٤ ) المغني ٣ : ٢٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣١٢.

(٥) في المصدر : « الدواب » بدل « القردان ».

(٦) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩١ ، التهذيب ٥ : ٣٣٧ / ١١٦١.

(٧) التهذيب ٥ : ٣٣٨.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١٠٧.

٣٦٥

لما رواه العامّة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من قولهعليه‌السلام : ( لا يُختلى شوكها ولا يُعضد شجرها )(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

واعلم أنّ النابت إمّا شجر أو غيره.

أمّا الشجر : فيحرم قطع كلّ شجر رطب حرمي وقلعه ، فخرج بالرطب : الشجر اليابس ، فإنّه لا شي‌ء في قطعه ، كما لو قطع صيداً ميّتاً.

وخرج بالحرمي أشجار الحِلّ ، فلا يجوز أن يقلع شجرة من أشجار الحرم وينقلها إلى الحِلّ محافظة على حرمتها ، فإن فَعَل ، فعليه الردّ.

أمّا لو نقل من بقعة من الحرم إلى بقعة اُخرى منه ، فإنّه لا يؤمر بالردّ ، ويضمن لو تلفت بالنقل.

ولا فرق في التحريم بين أن ينقله إلى الحِلّ أو الحرم.

ولو نبتت في الموضع المنقول إليه ، فإن كان في الحرم ، فلا جزاء فيه ؛ لأنّه لم يُتلفها ولم يُزِلْ حرمتها.

ولو كان في الحِلّ ، فكذلك عند الشافعي ؛ لأنّه لم يتحقّق منه الإِتلاف(٣) .

ومقتضى مذهبنا : وجوب الردّ ، فإن تلفت ضمن ، وإلّا فلا ؛ لأنّه أزال حرمتها بالنقل ، فوجب الردّ.

وأمّا غير الشجر كالحشيش ، فلا يجوز قطعه ؛ للخبر(٤) ، ولو قَطَعه ضمنه.

____________________

(١) أورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٣٦١ - ٣٦٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٧٧.

(٢) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٨ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٨.

(٤) تقدّم في صدر المسألة.

٣٦٦

مسألة ٢٨٦ : يحرم قطع الشوك والعوسج وشبهه من الأشجار المؤذية‌ - وبه قال أحمد(١) - لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يعضد شجرها )(٢) .

وقال الشافعي : لا يحرم - وبه قال عطاء ومجاهد وعمرو بن دينار - لأنّه مُؤذٍ ، فأشبه السباع من الحيوان(٣) .

ونمنع المساواة ، والفرق : إمكان الاحتراز غالباً عن الشوك ، وقلّة ضرره ، بخلاف السباع ، ولأنّها تقصد الأذى.

وليس له أخذ ورق الشجر - وبه قال أحمد(٤) - لقولهعليه‌السلام : ( لا يُخبط(٥) شوكها ولا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّ ما حرم أخذه حرم كلّ شي‌ء منه ، كريش الطائر.

وقال الشافعي : له أخذه ؛ لأنّه لا يضرّ به(٧) . وكان عطاء يرخّص في أخذ ورق السنا(٨) للإِسهال ، ولا ينزع من أصله(٩) ، ورخص فيه عمرو بن دينار(١٠) .

ونمنع عدم تضرّر الشجرة به ، فإنّه يضعفها ، وربما أدّى إلى تلفها.

وكذا يحرم أغصان الشجرة ؛ لأنّ منفعتها به أقوى من منفعة الورق.

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٢) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٤٨ ، المغني ٣ : ٣٦٤ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٥) الخبط : خبط ورق العضاة من الطلح ونحوه ، يخبط ، يُضرب بالعصا فيتناثر. لسان العرب ٧ : ٢٨١ « خبط ».

(٦) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٤٩ ، المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٨) السنا : نبت يتداوى به. لسان العرب ١٤ : ٤٠٥ « سنا ».

(٩ و ١٠) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

٣٦٧

مسألة ٢٨٧ : تجب في قطع الشجر الفدية‌ عند أكثر علمائنا(١) - وبه قال ابن عباس وعطاء وأبو حنيفة وأحمد والشافعي في أصحّ قوليه(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تُنزع فأراد نزعها ، نزعها وكفّر بذبح بقرة يتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

ولأنّه ممنوع من إتلافه ؛ لحرمة الحرم ، فكان مضموناً عليه ، كالصيد.

وقال بعض علمائنا : لا ضمان فيه وإن حرم(٥) - وبه قال مالك وأبو ثور وداود وابن المنذر والشافعي في القديم(٦) - لأصالة البراءة.

[ و ](٧) لأنّ الإِحرام لا يوجب ضمان الشجر ، فكذلك الحرم.

مسألة ٢٨٨ : يحرم قطع حشيش الحرم إذا كان رطباً ؛ للخبر ، إلّا ما استثني من الإِذخر وما أنبته الآدميون ؛ لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( لا يُحْتش حشيشها )(٨) .

____________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٨ ، المسألة ٢٨١ ، والمبسوط ٢ : ٣٥٤ ، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٤ ، والقاضي ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٢٢٣.

(٢) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ - ٣٨٠ ، الْأُم ٢ : ١٠٨ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٣ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ و ٤٥١.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) قال به ابن إدريس في السرائر : ١٣٠.

(٦) المغني ٣ : ٣٦٧ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٤٥١ ، حلية العلماء ٣٠ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١.

(٧) أضفناها لأجل السياق.

(٨) المغني ٣ : ٢٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩.

٣٦٨

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « إنّ علي بن الحسينعليهما‌السلام كان يتّقي الطاقة من العُشْب ينتفها من الحرم » قال : « وقد نتف طاقة وهو يطلب أن يعيدها في مكانها »(١) .

ورأى زين العابدينعليه‌السلام شخصا يقلع العشب من حول الفسطاط ، فقالعليه‌السلام : « إنّ هذا لا يقلع »(٢) .

وقال الشافعي : لا يجوز قطعه مطلقاً ؛ للخبر ، فإن قَطَعه ، فعليه قيمته إن لم يخلف ، وإن أخلف فلا ، بخلاف الشجر ؛ فإنّ الغالب فيه الإِخلاف ، فأشبه سنّ الصبي(٣) .

إذا عرفت هذا ، فلو كان يابساً ، لم يكن في قطعه شي‌ء ، كما في الشجر.

نعم لا يجوز قلعه ، فإن قَلَعه ، فعليه الضمان ؛ لأنّه لو لم يقلع لنبت ثانياً ، ذكره بعض الشافعية(٤) ، ولا بأس به.

مسألة ٢٨٩ : يجوز للمُحْرم أن يترك إبله لترعى في حشيش الحرم ، وتسريح البهائم فيه لترعى وإن حرم عليه قلعه عند علمائنا - وبه قال عطاء والشافعي(٥) - لما رواه العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إلّا علف الدوابّ )(٦) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « يُخلّى البعير في‌

____________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢٢.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٤١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢.

(٥) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٢ - ٤٥٣.

(٦) أورده الماوردي في الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، والشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٠٩ ، المسألة ٢٨٢.

٣٦٩

الحرم يأكل ما شاء »(١) .

ولأنّ الهدايا في زمن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تدخل الحرم وتكثر فيه ، ولم ينقل أنّه [ كانت ](٢) تُشدّ(٣) أفواهها.

ولأنّ الحاجة ماسّة إلى ذلك ، فكان سائغاً ، كالإِذخر.

وقال أحمد وأبو حنيفة : لا يجوز ؛ لأنّ ما حرم إتلافه لا يجوز أن يرسل عليه ما يتلفه ، كالصيد(٤) .

والفرق : الحاجة ، ولأنّ الصيد منهي عن قتله مباشرةً وتولّداً ، بخلاف الحشيش.

ولو اختلى الحشيش ليعلفه البهائم ، فللشافعية وجهان :

أحدهما : الجواز ، كما لو سرحها فيه.

والثاني : المنع ؛ لقولهعليه‌السلام : ( لا يختلى خلاها )(٥) (٦) .

مسألة ٢٩٠ : شجر الفواكه والنخل يجوز قلعه ، سواء أنبته الله تعالى أو الآدميون ، وسواء كانت مُثمرةً ، كالنخل والكرم ، أو غير مثمرة ، كالصنوبر والخلاف - وبه قال أبو حنيفة(٧) - لأنّ تحريم الحرم مختص بما كان وحشياً من‌

____________________

(١) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٥ ، الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧١٩ ، التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٢٩.

(٢) أضفناها لأجل السياق.

(٣) في النسخ الخطية والحجرية : شدّ. وما أثبتناه هو الصحيح.

(٤) المغني ٣ : ٣٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ ، المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٤ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٢ - ٣٢٣ ، الحاوي الكبير ٤ : ٣١٢ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ١٩ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٧ / ١٣٥٣ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٣‌

(٧) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١٠ - ٢١١ ، المغني ٣ : ٣٦٢ - ٣٦٣.

٣٧٠

الصيد ، فكذا من الشجر.

وقول الصادقعليه‌السلام : « لا ينزع من شجر مكة إلّا النخل وشجر الفواكه »(١) .

وكذا يجوز قلع ما أنبته الإِنسان من شجر الفواكه كلّها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٢) .

وبه قال أبو حنيفة ؛ تشبيهاً للمستنبتات بالحيوان الإِنسي وبالزرع(٣) .

قال الشيخرحمه‌الله : وما أنبته الله تعالى في الحِلّ إذا قلعه المـُحلّ ونَقَله إلى الحرم ثم قَطَعه ، فلا ضمان عليه ، وما أنبته الله إذا نبت في ملك الإِنسان ، جاز له قلعه ، وإنّما لا يجوز له قلع ما نبت في المباح(٤) .

وقال الشافعي : كلّ ما ينبت في الحرم فهو حرام سواء أنبته الله تعالى أو الآدميّون(٥) ؛ لعموم قولهعليه‌السلام : ( لا يُعضد شجرها )(٦) .

ولأنّها شجرة تنبت في الحرم ، فأشبه ما لم ينبته الآدميون.

والحديث قد استثني فيه في بعض الروايات ( إلّا ما أنبته الآدمي ).

ولأنّ أدلّتنا أخصّ.

وللفرق بين الأهلي من الشجر ، كالنخل والجواز واللوز ، والوحشي ،

____________________

(١) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧٢٠ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ - ٣٨٠ / ١٣٢٤.

(٢) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٣) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢١١ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٢.

(٤) المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٥٤.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١١ و ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٤٧ و ٤٥٠.

(٦) صحيح البخاري ٣ : ١٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٩٨٩ / ٤٤٨ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٢ / ٢٠١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢١١ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٠٣٨ / ٣١٠٩ ، سنن البيهقي ٥ : ١٩٥.

٣٧١

كالدَّوْح(١) والسَّلَم(٢) ، كالصيد.

إذا عرفت هذا ، فسواء كان الشجر الذي أنبته الآدمي ممّا جنسه أن يُنبته الآدميّون أو لم يكن جنسه من ذلك يجوز قلعه مطلقاً - خلافاً للشافعي(٣) - لعموم قول الصادقعليه‌السلام : « إلّا ما أنبتّه أنت وغرسته »(٤) .

ولا بأس بقطع شجر الإِذخر إجماعاً.

وكذا لا بأس بعودي المحالة للحاجة إلى ذلك.

ولقول الباقرعليه‌السلام : « رخص رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في قطع عودي المـَحالَة - وهي البكرة التي يُستقى بها(٥) - من شجر الحرم والإِذخر »(٦) .

وكذلك لا بأس بأن يقلع الإِنسان شجرة تنبت في منزله بعد بنائه له ، ولو نبتت قبل بنائه ، لم يجز له قلعها ؛ لقول الصادقعليه‌السلام في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم ، فقال : « إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها ، وإن كانت نبتت في منزله فله قلعها(٧) »(٨) .

ويجوز أن يقلع اليابس من الشجر والحشيش ، لأنّه ميّت فلم تبق له حرمة ، وكذا قطع ما انكسر ولم يبن ؛ لأنّه قد تلف ، فهو بمنزلة الميّت والظفر المنكسر.

____________________

(١) الدوح جمع الدوحة ، وهي : الشجرة العظيمة من أيّ الشجر كان. الصحاح ١ : ٣٦١ « دوح ».

(٢) السَّلَم : شجر من العظاة ، واحدتها سَلَمة. الصحاح ٥ : ١٩٥٠ « سلم ».

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

(٤) تقدّمت الإِشارة إلى مصادره في ص ٣٦٥ ، الهامش (٢)

(٥) النهاية - لابن الأثير - ٤ : ٣٠٤ « محل ».

(٦) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣٠.

(٧) في المصدر : « وهو له فليقلعها » بدل « فله قلعها ».

(٨) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٧.

٣٧٢

ويجوز أخذ الكَمْأَة(١) والفقْع(٢) من الحرم ، لأنّه لا أصل له ، فهو كالثمرة الموضوعة على الأرض.

ولو انكسر غصن شجرة أو سقط ورقها ، فإن كان بغير فعل الآدمي ، جاز الانتفاع به إجماعاً؛ لتناول النهي القطع وهذا لم يقطع ، وإن كان بفعل آدمي ، فالأقرب جوازه(٣) ؛ لأنّه بعد القطع يكون كاليابس ، وتحريم الفعل لا ينافي جواز استعماله.

ومنعه بعض العامّة ؛ قياساً على الصيد يذبحه المـُحْرم(٤) .

وقال آخرون : يباح لغير القاطع ، والفرق : أنّ الصيد يُعتبر في ذبحه الأهليةُ ، وهي منفية عن المـُحْرم ، بخلاف قطع الشجرة ؛ فإنّ الدابّة لو قطعته جاز الانتفاع به(٥) .

مسألة ٢٩١ : الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، حرم قطعها وقطع غصنها ؛ لأنّها في الحرم.

ولما رواه معاوية بن عمّار - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحِلّ ، فقال : « حرم فرعها لمكان أصلها » قال : قلت : فإنّ أصلها في الحلّ وفرعها في الحرم ، قال : « حرام أصلها لمكان فرعها »(٦) والغصن تابع.

وإن كان بالعكس ، فكذلك.

وسوّغ بعض العامّة قطع الغصن في الأخير ؛ لأنّه تابع لأصله ، كالتي‌

____________________

(١) الكَمْأَة واحدها : كَمْءٌ ، وهو نبات ينقّض الأرض فيخرج. لسان العرب ١ : ١٤٨ « كمأ ».

(٢) الفقْع - بالفتح والكسر - : الأبيض الرخو من الكَمْأَة ، وهو أردأها. لسان العرب ٨ : ٢٥٥ « فقع ».

(٣) في « ف » : الجواز.

(٤ و ٥) المغني ٣ : ٣٦٥ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٨.

(٦) الكافي ٤ : ٢٣١ / ٤ ، الفقيه ٢ : ١٦٥ / ٧١٧ ، التهذيب ٥ : ٣٧٩ / ١٣٢١.

٣٧٣

قبلها(١) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه في الحرم.

وإذا كان الأصل في الحِلّ والغصن في الحرم فقَطَع واحدٌ الغصنَ ، ضمنه.

ولو قطع آخرٌ الأصلَ بعد قطع الغصن ، فالأقرب عدم التحريم ؛ لأنّ المقتضي له هو استتباع قطع الغصن لقطعه وقد زال بقطع الغصن.

ولو كان بعض الأصل في الحِلّ وبعضه في الحرم ، ضمن الغصن ، سواء كان في الحِلّ أو الحرم ، تغليباً لحرمة الحرم ، كما لو وقف صيد بعض قوائمه في الحِلّ وبعضها في الحرم.

مسألة ٢٩٢ : لو قلع شجرةً من الحرم فغرسها في مكان آخر منه فماتت ، ضمنها ؛ لإِتلافه.

ولو غرسها في مكان آخر من الحرم فنبتت ، لم يكن عليه ضمان ؛ لعدم الإِتلاف ولم تزل حرمتها.

ولو غرسها في الحِلّ فنبتت ، وجب عليه ردّها ؛ لأنّه أزال حرمتها ، فإن تعذّر ردّها ، أو ردّها ويبست ، ضمنها.

ولو غرسها في الحِلّ فقلعها غيره منه ، قال بعض العامّة : يضمن الثاني ؛ لأنّه المتلف لها ، بخلاف الصيد إذا نفّره إنسان من الحرم فقتله الآخر في الحلّ ، فإنّ الضمان على المنفّر ؛ لأنّ الشجر لا ينتقل بنفسه ، ولا تزول حرمته بإخراجه ، ولهذا يجب على قالعه ردّه ، وأمّا الصيد فإنّه يكون تارة في الحِلّ واُخرى في الحرم ، فمن نفّره فقد أذهب حرمته ، فوجب عليه جزاؤه ، والشجر لا تفوت حرمته بالإِخراج ، فكان الضمان على المـُتْلف ؛ لأنّه أتلف‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ - ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢.

٣٧٤

شجراً من الحرم(١) .

مسألة ٢٩٣ : يضمن المـُحْرم الشجرة الكبيرة ببقرة ، والصغيرة بشاة ، والحشيش بقيمته ، والغصن بأرشه - وبه قال الشافعي وأحمد(٢) - لما رواه العامّة عن ابن عباس أنّه قال : في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة(٣) .

والدوحة : الشجرة الكبيرة ، والجزلة : الشجرة الصغيرة.

ومن طريق الخاصّة : قول أحدهماعليهما‌السلام : « إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم ولم تنزع ، فإن أراد نزعها نزعها ، وكفّر بذبح بقرة ، وتصدّق بلحمها على المساكين »(٤) .

وقال أصحاب الرأي : يضمن الجميع بالقمية ؛ لأنّه لا مقدّر فيه ، فأشبه الحشيش(٥) .

وليس بجيّد ؛ لأنّه أحد نوعي ما يحرم إتلافه ، فكان فيه مقدّر ، كالصيد.

ولو قطع غصناً أو قلع حشيشاً فعاد عوضه ، فالوجه : بقاء الضمان ؛ لأنّ الثاني غير الأول.

إذا عرفت هذا ، فالمرجع في الصغر والكبر إلى العرف.

وقال بعض الشافعية : ضبط الشجرة المضمونة بالشاة أن تقع قريبةً من‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٦٩ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨١.

(٢) الْأُم ٢ : ٢٠٨ ، مختصر المزني : ٧١ ، الوجيز ١ : ١٢٩ ، فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٥ - ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٥١ و ٤٩٦ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٧٩ و ٣٨٠.

(٣) المغني ٣ : ٣٦٧ - ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨١ / ١٣٣١.

(٥) المبسوط - للسرخسي - ٤ : ١٠٣ ، الهداية - للمرغيناني - ١ : ١٧٥ ، المحلّى ٧ : ٢٦١ ، المغني ٣ : ٣٦٨ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٠ ، المجموع ٧ : ٤٩٦.

٣٧٥

سُبْع الكبيرة ، فإنّ الشاة من البقرة سُبْعُها(١) .

والمتوسّطة صغيرة ؛ لأصالة البراءة ، ولأنّ اسم الصغيرة يتناول ما ليست بكبيرة.

مسألة ٢٩٤ : حدّ الحرم - الذي لا يحلّ الصيد فيه ولا قطع شجره‌ - بريد في بريد ؛ لما رواه زرارة - في الصحيح - عن الباقرعليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : « حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويُعضد شجره إلّا الإِذخر أو يصاد طيره ، وحرّم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة ما بين لابتيها صيدها ، وحرّم ما حولها بريداً في بريد أن يختلى خلاها ويعضد شجرها إلّا عودي الناضح(٢) »(٣) .

مسألة ٢٩٥ : قال الشيخرحمه‌الله : واعلم أنّ للمدينة حرماً مثل حرم مكّة‌ ، وحدّه ما بين لابتيها ، وهو من ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين(٤) .

واللابة : الحرّة ، والحرّة : الحجارة السوداء.

وفي هذا الكلام اضطراب ، وينبغي أن يقال : وحدّه من ظلّ عائر إلى ظلّ وعير ، لا يُعْضد شجرها ، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلّا ما صيد بين الحرّتين ، لأنّ الحرّتين غير ظلّ عائر وظلّ وُعير ، والحرّتان بين الظلّين ؛ لأنّه قال : لا يعضد الشجر فيما بين الظلّين ، ولا بأس أن يؤكل الصيد إلّا ما صيد بين الحرّتين ، فدلّ على دخول الحرّتين في الظلّين ، وإلّا تناقض الكلام ، ولو كانت الحرّتان هُما حدّ حرم المدينة الأول ، لما حلّ الصيد في شي‌ء من حرم المدينة.

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١١ ، المجموع ٧ : ٤٥١.

(٢) في المصدر : « عودي محالة الناضح ».

(٣) التهذيب ٥ : ٣٨١ - ٣٨٢ / ١٣٣٢.

(٤) النهاية : ٢٨٦ - ٢٨٧ ، المبسوط - للطوسي - ١ : ٣٨٦.

٣٧٦

والشيخ -رحمه‌الله - عوّل في التحريم على رواية زرارة عن الباقرعليه‌السلام ، السابقة(١) .

والشافعي ألحق حرم المدينة بحرم مكة في التحريم في أصحّ الوجهين عنده ، وبه قال مالك وأحمد(٢) - وهو المشهور عندنا - لما روى العامّة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ( إنّ إبراهيم حرّم مكة وإنّي حرّمت المدينة مثل ما حرّم إبراهيم مكة ، لا ينفّر صيدها ولا يُعْضد شجرها ولا يُخْتلى خلاها )(٣) .

وروي أنّه قال : ( إنّي اُحرّم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها(٤) أو يُقْتل صيدها )(٥) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ مكة حرم الله حرّمها إبراهيم ، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم لا يُعْضد شجرها ، وهو ما بين ظلّ عائر إلى ظلّ وُعير [ و ](٦) ليس صيدها كصيد مكة يؤكل هذا ولا يؤكل ذاك وهو بريد »(٧) .

____________________

(١) سبقت في المسألة (٢٩٤).

(٢) الوجيز ١ : ١٢٩ - ١٣٠ ، فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، حلية العلماء ٣ : ٣٢٣ ، المهذّب - للشيرازي - ١ : ٢٢٦ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ و ٤٩٧ ، المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٢ - ٣٨٣.

(٣) أورده - كما في المتن - الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٣ - ٥١٤ ، وفي صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٢ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٨ بتفاوت واختصار.

(٤) في « ط ، ف ، ن » والطبعة الحجرية : أغصانها. وذلك تصحيف ، وما أثبتناه من المصادر.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٢ / ١٣٦٣ ، وسنن البيهقي ٥ : ١٩٧ ، وأورده الرافعي في فتح العزيز ٧ : ٥١٤.

(٦) أضفناها من المصدر.

(٧) الكافي ٤ : ٥٦٤ - ٥٦٥ / ٥ ، التهذيب ٦ : ١٢ / ٢٣.

٣٧٧

وقال أبو حنيفة : لا يحرم(١) . وهو الوجه الثاني للشافعي(٢) .

وعلى قول التحريم عند الشافعي ففي ضمان صيدها وشجرها قولان :

الجديد - وبه قال مالك - لا يضمن ؛ لأنّه ليس بمحلّ النسك ، فأشبه مواضع الحمى ، وإنّما أثبتنا التحريم ؛ للنصوص.

والقديم - وبه قال أحمد - أنّه يضمن.

وعلى هذا فما جزاؤه؟ وجهان :

أحدهما : أنّ جزاءه كجزاء حرم مكة ؛ لاستوائهما في التحريم.

والثاني - وبه قال أحمد - أنّ جزاءه أخذ سلب الصائد وقاطع الشجر ؛ لما روي أنّ سعد بن أبي وقاص أخذ سَلَب رجل قتلَ صيداً في المدينة ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ( من رأى رجلاً يصطاد بالمدينة فليسلبه )(٣) .

وهذا ليس بشي‌ء على مذهبنا.

وعلى هذا ففيما يُسلب للشافعي وجهان :

الذي أورده أكثر أصحابه أنّه يسلب منه ما يسلبه القاتل من قتيل الكفّار.

والثاني : لا ينحى بهذا نحو سَلَب القتيل في الجهاد ، وإنّما المراد من السَّلَب هاهنا الثياب فحسب(٤) .

وعلى الوجهين ففي مصرفه وجهان مشهوران لهم :

أظهرهما : انّه للسالب كسَلَب القتيل ، وقد روي أنّهم كلّموا سعداً في هذا السَّلَب ، فقال : ما كنت لأردّ طعمةً أطعمنيها رسول الله صلّى الله عليه‌

____________________

(١) المغني ٣ : ٣٧٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٣ ، المجموع ٧ : ٤٩٧.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥١٣ ، المجموع ٧ : ٤٨٠.

(٣) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨٠ - ٤٨١ و ٤٩٧ ، وراجع : المنتقى - للباجي - ٢ : ٢٥٢ ، والمغني ٣ : ٣٧١ - ٣٧٢ ، والشرح الكبير ٣ : ٣٨٤ و ٣٨٥.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١.

٣٧٨

وآله.

والثاني : أنّه لمحاويج المدينة وفقرائها ، كما أنّ جزاء صيد مكة لفقرائها.

ولهم وجه ثالث : أنّه يوضع في بيت المال ، وسبيله سبيل السهم المـُـرصد للمصالح(١) .

مسألة ٢٩٦ : صيدُ وَجٍّ وشجرهُ مباح - ووجّ : وادٍ بالطائف ، وليس المراد منه نفس البلد - قاله علماؤنا ، وبه قال أحمد(٢) ؛ لأصالة الإِباحة ، وعدم شغل الذمّة من واجب أو عقوبة.

وقال الشافعي : إنّه محرَّم ؛ لما روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ( صيدُ وَجّ وعضاهها محرَّم )(٣) (٤) والعضاة كلّ شجر عظيم له شوك.

ونمنع صحة الحديث ؛ فإنّ أحمد طعن فيه(٥) .

وللشافعي قول آخر : إنّه مكروه(٦) .

وعلى الأول هل يتعلّق به ضمان؟ بعض الشافعية مَنَع منه ؛ إذ لم يرد في الضمان نقل ، لكن يؤدّب ، وبعضهم قال : نعم ، وحكمه حكم حرم المدينة(٧) .

وأمّا النقيع(٨) فليس بحرم ، لكن حماه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لإِبل‌

____________________

(١) فتح العزيز ٧ : ٥١٤ ، المجموع ٧ : ٤٨١ - ٤٨٢.

(٢) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٦٥ ، سنن البيهقي ٥ : ٢٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٢١٥ - ٢١٦ / ٢٠٣٢.

(٤) فتح العزيز ٧ : ٥١٩ - ٥٢٠ ، المجموع ٧ : ٤٨٣ ، المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٥) المغني ٣ : ٣٧٣ ، الشرح الكبير ٣ : ٣٨٦.

(٦) فتح العزيز ٧ : ٥١٨.

(٧) فتح العزيز ٧ : ٥٢٠‌

(٨) النقيع : موضع قرب المدينة كان لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حماه لخيله ، وكان يجتمع فيه =

٣٧٩

الصدقة ونَعَم الجزية(١) ، فلا تُملك أشجاره وحشيشه.

وفي وجوب الضمان على من أتلفها للشافعية وجهان :

أحدهما : لا يجب ، كما لا يجب في صيده شي‌ء.

وأظهرهما عندهم : الوجوب ؛ لأنّه ممنوع منه ، فكانت مضمونةً عليه ، بخلاف الصيد ؛ فإنّ الاصطياد فيه جائز ، وعلى هذا فضمانها القيمة ، ومصرفه مصرف نعم الصدقة والجزية(٢) .

مسألة ٢٩٧ : قد بيّنّا تحريم قطع شجر الحرم‌ إذا كان نابتا بنفسه دون ما يستنبت.

وللشافعي في الثاني قولان : أحدهما : التحريم. والثاني : الكراهة ، فيندرج في التحريم قطع الطرفاء والأراك والعضاة وغيرها من أشجار الفواكه ؛ لأنّها تنبت بنفسها(٣) . وكذا العوسج عند الشافعية(٤) .

لكن سوّغ أصحابنا قطع شجر الأراك وذي الشوك ، كالعوسج وشبهه.

ثم فرّع الشافعية على إباحة ما يستنبت : أنّه لو استنبت بعض ما ينبت بنفسه على خلاف الغالب ، أو نبت بعض ما يستنبت ، لهم خلاف في إلحاقه بأيّ الصنفين :

حكى الجويني عن الأصحاب : النظر إلى الجنس والأصل ، فأوجب الضمان في الصورة الاُولى دون الثانية.

وحكى غيره : أنّ النظر إلى القصد والحال ، فيعكس الحكم فيهما(٥) .

____________________

= الماء. معجم البلدان ٥ : ٣٠١ « نقيع » النهاية - لابن الأثير - ٥ : ١٠٨.

(١) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ ، وسنن البيهقي ٥ : ٢٠١.

(٢) فتح العزيز ٧ : ٥٢١ - ٥٢٢.

(٣ و ٤ ) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠ ، وفيهما نسب تحريم قطع العوسج إلى بعض الشافعية.

(٥) فتح العزيز ٧ : ٥١٢ ، المجموع ٧ : ٤٥٠.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

561

562

563

564

565

566

567

568

569

570

571

572

573

574

575

576

577

578

579

580

581

582

583

584

585

586

587

588

589

590

591

592

593

594