مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 594
المشاهدات: 44750
تحميل: 6429


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44750 / تحميل: 6429
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 12

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

في هذه السّاعة يعني زوال الشمس.

٥ - عنه ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا رقَّ أحدكم فليدع فإن القلب لا يرق حتّى يخلص.

٦ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرَّة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير وقت دعوتم

_________________________________________________

جبرئيل هل زالت؟ فأجاب بلا نعم ، وقال : قطعت الشمس بين قوليّ لا ونعم مسيرة خمسمائة عام.

الحديث الخامس : حسن موثق.

« إذا رقّ أحدكم » أي قلب أحدكم والرقة ضد القساوة وعلامتها البكاء والدمعة ، والرقة أيضاً الرحمة ، في المصباح : رقّ الشيء يرق من باب ضرب خلاف غلظ ، وفي القاموس : الرقة بالكسر الرحمة رققت له أرق والاستحياء والدقة ، وترقق له رقّ له قلبه.

وقال الجوهري : خلص الشيء بالفتح يخلص خلوصاً أي صار خالصاً وخلص إليه الشيء وصلّ ، والإخلاص أيضاً في الطاعة ترك الرياء ، وقد أخلصت الله الدين ، انتهى.

والحاصل أن الرقة علامة خلوص القلب من الغدر والحسد والأفكار الباطلة والخيالات الشاغلة ، وتوجهه إلى الله وإعراضه عمّا سواه أو الوصول إليه تعالى وإلى قربه ، والخلوص علامة الإجابة وسببها.

الحديث السادس : ضعيف.

وقال الجوهري : السحر قبيل الصبح ، وكذا ذكر الفيروزآبادي وغيره أيضاً ، وقد جوز بضمتين أيضاً.

٤١

الله عزَّ وجلَّ فيه الأسحار ؛ وتلا هذه الآية في قول يعقوبعليه‌السلام : «سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي » [ و ] قال : أخّرهم إلى السحر.

_________________________________________________

وقال الطبرسي (ره) في قوله تعالى :( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) (١) الأسحار جمع سحر وهو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر ، وأصله الخفاء لخفاء الشخص في ذلك الوقت ، انتهى.

وقال الراغب : السّحر والسّحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، وجعل اسما كذلك الوقت ، ويقال : لقيته بأعلى سحرين.

وأقول : وردت أخبار كثيرة في قوله تعالى : «وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ » أنه الاستغفار في صلاة الوتر ، فيومئ إلى امتداده بامتداد وقت الوتر لكنه إيماء خفي ويشير إلى الأوّل قوله تعالى :( إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ) (٢) ثم قال بعد ذلك :

( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ ) (٣) وقال البيضاوي في هذه الآية : أخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف ، أو يعلم أنه عفا عنهم ، فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ، ويؤيده ما روي أنه استقبل قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتّى نزل جبرئيل وقال : إن الله قد أجاب دعوتك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة.

وقال الطبرسي (ره) إنّما لم يستغفر لهم في الحال لأنه أخرهم إلى سحر ليلة الجمعة عن ابن عبّاس ، وطاوس وروي ذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقيل : أخرهم إلى وقت السحر لأنّه أقرب إلى إجابة الدّعاء عن ابن مسعود وغيره ، وروي أيضاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام وقيل : إنّه كان يستغفر لهم كلّ ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة عن وهب ، وقيل : إنّه كان يقوم ويصف أولاده خلفه عشرين سنة

____________________

(١) آل عمران : ١٧.

(٢) القمر : ٣٤.

(٣) القمر : ٣٨.

٤٢

٧ - الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس - فإذا أراد ذلك قدم شيئاً فتصدَّق به وشم شيئاً من طيب وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله.

٨ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن علي بن حديد رفعه

_________________________________________________

يدعو ويؤمنون على دعائه واستغفاره لهم حتّى نزل قبول توبتهم ، وروي أن جبرئيل علمه دعاء فاستجيب لهم.

الحديث السابع : مجهول.

ويمكن أن يعد حسناً لأن سعدان له أصل ويدلّ على أشياء من شرائط الدّعاء ودواعي الإجابة.

الأوّل : كونه عند زوال الشمس عن وسط السماء.

الثاني : التصدق قبل الدّعاء ولو بقليل.

الثالث : استعمال الطيب وكان الشم هنا كناية عن استعمال قليل من الطيب والتطيب به لا الاكتفاء بمحض الشم ونظيره حديث أم عطية الخافضة ، قال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أشمي ولا تنهكي شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة والنهك بالمبالغة فيه ، أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها ، كذا في النهاية.

الرابع : كون الدّعاء في المسجد ، ويمكن أن يكون المراد هنا مسجد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله : « ودعا في حاجته بما شاء الله » أي من التحميد والثناء والصلاة فهذا أيضاً يدلّ على كثير من الآداب إجمالا.

الحديث الثامن : سنده الأوّل ضعيف والثاني صحيح.

وسعيد هو ابن يسار ، ورواه الصدوق في الخصال في باب الثلاثة عن أبيه عن محمّد بن يحيى العطار عن الحسين بن إسحاق التاجر عن علي بن مهزيار عن علي بن حديد مثله ، إلّا أنّه زاد بعد قوله : ودمعت عيناك ، ووجلَّ قلبك فدونك ودونك

٤٣

إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك فدونك دونك فقد قصد قصدك.

قال ورواه محمّد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن سعيد مثله.

٩ - عنه ، عن الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن صندل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال إن الله عزَّ وجلَّ يحب من عباده

_________________________________________________

اسم فعل بمعنى خذ قال الجوهري : يقال في الإغراء بالشيء دونكه ، قال تميم للحجاج أقبرنا صالحا وكان قد صلبه وقال : دونكموه ، وقال : القصد إتيان الشيء تقول قصدته وقصدت له وقصدت إليه بمعنى ، وقصدت قصده نحوت نحوه ، وفي القاموس : القصد استقامة الطريق والاعتماد والأم قصده ، وله وإليه وضد الإفراط ، وفي المصباح قصدت الشيء وله وإليه قصداً من باب ضرب طلبته بعينه وإليه قصدي ومقصدي وقصد في الأمر قصداً توسط وطلب الأسد ، ولم يجاوز الحد.

وهو على قصد أي رشد وطريق سهل ، وقصدت قصده أي نحوه.

إذا عرفت هذا فالظاهر أن قصد على بناء المفعول وقصدك مفعول مطلق نائب الفاعل والإضافة إلى المفعول إذا ظهرت تلك العلامات فعليك بطلب الحاجات والاهتمام في الدّعاء للمهمات فقد أقبل الله عليك بالرحمة وتوجه نحوك للإجابة ، أو أقبلت الملائكة إليك للشفاعة أو لقضاء الحاجة بأمره سبحانه.

وقيل : القصد بمعنى المقصود أي أقبل الله والملائكة إلى مقصودك وربمّا يقرأ أقصد بصيغة المعلوم ، وقال : قصدك مرفوع بالفاعلية والإضافة إلى الفاعل أي استقام قصدك إلى المطلوب ولا يخفى بعدهما وظهور الأوّل.

الحديث التاسع : ضعيف.

« وهي السدس الأوّل من أول النصف» أي النصف الثاني وظاهره أن المراد سدس النصف لا سدس الكلّ ، وسيأتي هذا الخبر في كتاب الصلاة في باب

٤٤

المؤمنين كلَّ [ عبد ] دعّاء فعليكم بالدّعاء في السحر إلى طلوع الشمس فإنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وتقسم فيها الأرزاق وتقضى فيها الحوائج العظام.

١٠ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إنَّ في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثم يصلي ويدعو الله عزَّ وجلَّ فيها إلا استجاب له في كلّ ليلة قلت أصلحك الله وأي ساعة هي من الليل قال إذا مضى نصف الليل وهي السدس الأوّل من أول النصف.

_________________________________________________

صلاة النّوافل بهذا السّند إلا أنّ فيه عن عمر بن أذينة عن عمر بن يزيد وهو أظهر ، وفي متنه هكذا إذا مضى نصف الليل في السدّس الأوّل من النصف الباقي ، لكن رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن عمر ابن يزيد مثله ، إلى قوله : قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي ، وروي أيضاً عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي أيوب الخراز عن عبيدة النيسابوري ، قال ، قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : جعلت فداك إن الناس يروون عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلا استجيب له ، قال : نعم ، قلت : متى هي؟ قال : ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي قلت : ليلة من الليالي أو كلّ ليلة؟ فقال : كلّ ليلة ، فهذان الخبران يدلان على أن المراد سدس الكل.

٤٥

(باب)

(الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والابتهال)

(والاستعاذة والمسألة)

١ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ،

_________________________________________________

باب الرغبة والرهبة والتضرع والتبتل والاستعاذة والمسألة

قال في النهاية : في حديث الدّعاء رغبة ورهبة إليك ، يقال : رغب يرغب رغبة إذا حرص على الشيء وطمع فيه ، والرغبة السؤال والطّلب ، والرهبة الخوف والفزع أعمل لفظ الرغبة وحدها ولو أعملها معا قال رغبة إليك ورهبة منك ، ولكن لـمّا جمعهما في النظم حمل أحدهما على الآخر ، وقال : التضرّع التذلل والمبالغة في السؤال : والرغبة ، يقال : ضرع يضرع بالكسر والفتح وتضرّع إذا خضع وذل ، وقال : يقال تبله يبتله تبلاً إذا قطعه ، وفيه لا رهبانية ولا تبتل ، التبتل الانقطاع عن النساء وترك النكاح ، وامرأة بتول منقطعة عن الرجال لا شهوة لها فيهم ، وبها سميت مريم أم عيسىعليه‌السلام وسميت فاطمة البتول لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً وديناً وحسباً ، وقيل : لانقطاعها إلى الله تعالى.

وقال وفي حديث الدّعاء والابتهال أن تمد يديك جميعا وأصله التضرّع والمبالغة في الدّعاء.

وقال الجوهري : تضرّع إلى الله أي ابتهل ، قال الفراء : جاء فلان يتضرّع ويتعرض بمعنى إذا جاء يطلب إليك الحاجة ، وقال : التبتل الانقطاع عن الدنيا إلى الله ، وكذلك التبتيل ومنه قوله تعالى :( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) (١) وقال : الابتهال التضرّع ويقال في قوله تعالى «ثُمَّ نَبْتَهِلْ » أي نخلص في الدّعاء.

الحديث الأول : صحيح على الظاهر إذ الأظهر أن أبا إسحاق هو ثعلبة بن

____________________

(١) المزّمّل : ٨.

٤٦

عن سيف بن عميرة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء والرهبة أن تجعل ظهر كفيّك إلى السماء.

_________________________________________________

ميمون.

قوله : « الرغبة » هذا ونظائره يحتمل وجهين : الأوّل : أن يكون المعنى أنه إذا كان الغالب عليه في حال الدّعاء الرغبة والرجاء ينبغي أن يفعل هكذا ، فإنه يظن أن يد الرحمة انبسطت فيبسط يده ليأخذه ، وإذا كان الغالب عليه الخوف وعدم استئهاله للإجابة يجعل ظهر كفيه إلى السماء إشارة إلى أنه لكثرة خطاياه مستحق للحرمان وإن كان مقتضى كرمه وجوده الفضل والإحسان.

الثاني : أن يكون المعنى أنه إذا كان مطلوبه طلب منفعة ينبغي أن يبسط بطن كفيه إلى السماء لـمّا مروان كان مطلوبه دفع ضرر وبلاء يخاف نزوله من السماء يجعل ظهرها إليها كأنه يدفعها بيديه ، ولا يخفى أن فيما عدا الأولين الأوّل أنسب ، والخبر الخامس يؤيد الثاني.

ويمكن الجمع بين المعنيين بحمل الأولين على الثاني والبقية على الأوّل ، ويحتمل حمل الأولين على المطالب الدنيويّة وما بعدهما على المناجاة ، والمطالب الأخرويّة والحمل إما بتقدير مضاف أي أدب الرغبة مثلاً أو هذه الأسماء صارت في عرف الشرع أسماء لتلك الأفعال أو أطلق عليها مجازا لدلالتها عليها.

وقوله : « وَتَبَتَّلْ » قال الدّعاء أي إشارة إليه أو التقدير مدلول قوله ، وقوله : « قال » كلام الراوي اعترض بين المبتدأ والخبر.

وقال الطبرسي (ره) : التبتل الانقطاع إلى عبادة الله وإخلاص العمل له وأصله من بتلت الشيء قطعته ومنه البتولعليها‌السلام لانقطاعها إلى عبادة الله عزَّ وجلَّ ، ثم قال : والمعنى أخلص له إخلاصا عن ابن عبّاس وغيره يعني في الدّعاء والعبادة وقيل : انقطع إليه انقطاعا وقيل : توكلّ إليه توكلا ، وقيل : تفرغ لعبادته وروى محمّد بن مسلم وزرارة وحمران عن أبي جعفر وأبي عبد اللهعليه‌السلام إن التبتل هنا

٤٧

وقوله : « وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً » قال الدّعاء بإصبع واحدة تشير بها والتضرّع تشير بإصبعيك وتحركهما والابتهال رفع اليدين وتمدهما وذلك عند الدمعة ثم ادع.

_________________________________________________

رفع اليدين في الصلاة ، وفي رواية أبي بصير هو رفع يدك إلى الله وتضرّعك إليه ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المعنى أن هذا أفضل أنواع التبتل الذي ذكره الله عزَّ وجلَّ ، والإشارة يحتمل الرقع والخفض والتحريك يمينا وشمالا ، والخبر الثالث يدلّ على الأوّل ، وعلى الأوّل اليد اليسرى أنسب ، وعلى الثاني اليمنى كما سيأتي.

والمراد بالإصبعين الجمع بينهما ، وقيل : الرفع والخفض إشارة إلى أنه لا أدري أترفعني أم تضعني وكذا التحريك يمينا وشمالا إشارة إلى أنه لا يدري أنه من أصحاب اليمين أو من أصحاب الشمال ، وقيل : الرفع والخفض إشارة إلى أن الروح يجرني إليك ، والتعلّق الجسماني يجرني إلى السفل ولا يمكنني الانقطاع إليك إلا بجذباتك.

وأقول : يحتمل أن يكون الأوّل إلحاحاً في الطلب كما هو دأب الملحين من السائلين لا سيما إذا كان السائل لا يقدر على النطق ، وفي عدَّةٌ الداعي كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع يديه إذا ابتهل ودعا ، كما يستطعم المسكين ، وفيما أوحى الله إلى موسىعليه‌السلام ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل البعد المستصرخ إلى سيده ، فإذا فعل ذلك رحمته وأنا أكرم القادرين.

والثاني إشارة إلى التحير في أمره ، وذلك عند تعارض آيات الخوف والرجاء ، والنظر إلى بعده عن درجة القبول والكمال ، وشدة كرم مولاه الذي هو منتهى الآمال ، فإذا أقبلت الدمعة واشتد الرجاء فالمناسب له أن يمد يديه إلى القبلة أو إلى السماء لأخذ العطاء ، والمد هنا يحتملها.

٤٨

٢ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتضرّعونَ » فقال الاستكانة هو الخضوع والتضرّع هو رفع اليدين والتضرُّع بهما.

٣ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن خالد والحسين بن

_________________________________________________

وقولهعليه‌السلام : « ثمّ ادع » عطف على مقدّر أي أفعل ما ذكرت في الأخير أو في جميع المراتب المتقدمة ثم ادع.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

والآية في سورة المؤمنين هكذا : «وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ ، وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ » قال في مجمع البيان : معناه إنا أخذنا هؤلاء الكفار بالجدب وضيق الرزق والقتل بالسيف «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ » أي ما تواضعوا وما انقادوا «وَما يَتضرّعونَ » أي وما يرغبون إلى الله في الدّعاء ، وقال أبو عبد اللهعليه‌السلام الاستكانة في الدّعاء والتضرّع رفع اليد في الصّلاة ، انتهى.

وقيل : استكان من باب الافتعال وأصله افتعل من السكون ، فالمد شاذ حصل بالإشباع ، وقيل : من باب الاستفعال وأصله استغفل من كان فالمد قياس ووجه بأنّه يقال استكان إذا ذلّ وخضع ، أي صار له كون خلاف كونه الأوّل كما يقال : استحال إذا تغير من حال إلى حال إلا أن استحال عام في كلّ حال ، واستكان خاص هو الخضوع ، وتذكير الضمير باعتبار الخير أو لأنّه مصدر والتضرّع بهما أي بالإشارة بالإصبعين وتحريكما كما مرّ أو الأعم منها ومن الابتهال.

الحديث الثالث : مرسل.

والضمير في قال للراوي ، وفي ذكر للإمام ، وهكذا الرهبة أيضاً كلام الراوي أو هو كلام الإمام بتقدير القول ، أي قال وهكذا الرهبة ، ويؤيده أن السيّد بن

٤٩

سعيد ، جميعاً ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبيّ ، عن أبي خالد ، عن مروك بيّاع اللّؤلؤ عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ذكر الرغبة وأبرز باطن راحتيه إلى السماء وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيّه إلى السماء وهكذا التضرّع وحرك أصابعه يمينا وشمالا وهكذا التبتّل ويرفع أصابعه مرَّة ويضعها مرَّة ، وهكذا الابتهال ومدَّ يده تلقاء وجهه إلى القبلة ولا يبتهل حتّى تجري الدَّمعة.

_________________________________________________

طاوس روى هذا الخبر مرسلاً عن سعيد بن يسار قال قال الصّادقعليه‌السلام هكذا الرّغبة ، وأبرز راحتيه إلى السماء إلى آخر الخبر مثله ، إلّا أنّه قال في التبتّل يرفع إصبعه مرّة.

قولهعليه‌السلام : « ويرفع » كان العدول هنا إلى المضارع لإفادة التكرار ، ولا يبتهل على بناء المجهول أو المعلوم نفياّ أو نهياً ، والمراد بالأصابع إما سبابتا اليدين مجازا أو مجموع الأصابع وهو بعيد.

ثم إن الاختلاف الذي يتراءى في هذه الأخبار يمكن رفعه بحمل بعضها على بعض أو القول بتعدد أنواع كلّ منها ، وأقول : روي في المشكاة نقلا من مسند أبي داود بإسناده عن ابن عبّاس قال : المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ، والاستغفار إن تشير بإصبع واحدة والابتهال أن تمد يديك جميعاً وفي رواية قال : والابتهال هكذا ورفع يديه وجعل ظهورهما مما يلي وجهه ، وعن أحمد بإسناده عن ابن عمر أنه يقول : إن رفعكم أيديكم بدعة ما زاد رسول الله على هذا يعني إلى الصدر ، وقال الطيبي : المسألة مصدر بمعنى السؤال ، والمضاف محذوف ليصح الحمل أي أدب السؤال ، وطريقه رفع اليدين وأدب الاستغفار الإشارة بالسبابة سبا للنفس الأمارة والشيطان والتعوذ منهما إلى الله تعالى ، ولعل المراد من الابتهال دفع ما يتصوره من مقابلة العذاب فيجعل يديه كالترس ليستره عن المكروه.

وقال بعضهم : العادة فيمن طلب شيئاً أن يبسط الكف إلى المدعو متواضعا

٥٠

٤ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن العلاء ، عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول مر بي رجل وأنا أدعو في صلاتي بيساري فقال يا أبا عبد الله بيمينك فقلت يا عبد الله إن لله تبارك وتعالى حقّاً على هذه كحقه على هذه.

وقال الرَّغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما والرَّهبة تبسط يديك وتظهر

_________________________________________________

متخاشعا ، وفيمن أراد كف مكروه أن يرفع ظهر كفه إشارة إلى الدافع.

الحديث الرابع : صحيح.

« في صلاتي بيساري » أي برفع يساري مع اليقين أو بدونها ، كما ورد في صلاة الوتر أنه يرفع اليسرى ويعد باليمين أو بالتضرّع وتحريك الأصابع بيساري وكان السائل الجاهل نظر إلى أن اليمين أشرف وغفل عن أن لجميع البدن قسطا من العذاب والاستعاذة منه ، ولكلها حاجة إلى الرب في الوجود والبقاء والتربية ، بل الشمال أنسب في هذا المقام ، إذ كاتب السيئات في جهة الشمال والمعاصي كلها تأتي من جهة شمال النفس وهي جهة الميل إلى الشهوات واللذات والأعمال الدنية الخسيسة ترتكب بها وجوابهعليه‌السلام كان بعد الصلاة.

ويحتمل أن يكون المراد بقولهعليه‌السلام « في صلاتي » في تعقيب صلاتي ويؤيده ما سيأتي في باب الدّعاء في أدبار الصلوات من قال بعد كلّ صلاة وهو أخذ بلحيته بيده اليمنى « يا ذا الجلال والإكرام ارحمني من النار » ثلاث مرات ويده اليسرى مرفوعة بطنها إلى ما يلي السماء إلى آخر الخبر وكثير من هذه الآداب مذكورة فيه فارجع إليه.

وروى السيّد في كتاب الإقبال من أدعية كلّ يوم من رجب وذكر الدّعاء قال : ثم مدعليه‌السلام يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدّعاء وهو يلوذ بسبابته اليمنى إلى آخر الخبر.

« والرغبة تبسط » أي أن تبسط وفي القاموس الرسل بالكسر الرفق والتؤدة

٥١

ظهرهما ، والتضرّع تحرّك السبّابة اليمنى يميناً وشمالاً والتبتّل تحرّك السبّابة اليسرى ترفعها في السماء رسلا وتضعها والابتهال تبسط يديك وذراعيك إلى السماء والابتهال حين ترى أسباب البكاء.

٥ - عنه ، عن أبيه أو غيره ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي - عبد اللهعليه‌السلام قال : سألته عن الدُّعاء ورفع اليدين فقال : على أربعة أوجه أما التعوّذ فتستقبل القبلة بباطن كفيّك وأمّا الدّعاء في الرّزق فتبسط كفيّك وتفضي

_________________________________________________

كالرّسلة والترسّل ، وبالفتح السّهل من السّير انتهى.

فيمكن أن يقرأ هنا بالكسر أي برفق وتأنّ وبالفتح بأن يكون صفة مصدر محذوف أي رفعاً رسلاً ، وذراعك بالنصب عطفاً على يدك أو بالرفع والجملة حاليّة وهذا الخبر كالتفسير للأخبار السّابقة.

الحديث الخامس : مرسل.

والظّاهر أنّ المراد بالتعوّذ التحرّز من شرّ الأعادي ، ويمكن تعميمه بحيث يشمل شرّ الأعادي الباطنة أيضاً من النفس والشّيطان ، بل من العقوبات الأخرويّة والدنيويّة وهي حالة غاية الاضطرار فإن من رأى حجراً أو سيفاً أو سنانا أو شبهها يتترس بيديه هكذا لدفعها عن كرائم بدنه.

ويحتمل أن ذكر الرّزق في الثاني على المثال والتخصيص لكون غالب رغبات عامة الخلق له ، وتقضى بباطنها إلى السّماء أي تجعل ، باطنهما نحوها ، في المصباح الفضاء بالمد المكان الواسع ، وأفضى الرّجل بيده إلى الأرض مسها بباطن راحته وأفضيت إلى الشيء وصلت إليه انتهى. ويقال : أفضي إليه بسره أي أظهره له وكأنّه هنا أنسب.

قولهعليه‌السلام : « ممّا يلي وجهك » ظاهره الدفع والخفض وهو مخالف لـمّا مر في الخبر السّابق وهو بعينه ما مر في التبتّل ، وكأنّه لهذا عدّها أربعاً ، والمراد أنّها مترادفان فهذا اصطلاح آخر ، وقيل : المراد تحريك السبّابة يميناً وشمالاً

٥٢

بباطنهما إلى السّماء وأمّا التبتّل فإيماء بإصبعك السبّابة وأمّا الابتهال فرفع يديك تجاوز بهما رأسك ودعاء التضرُّع أن تحرّك إصبعك السبّابة ممّا يلي وجهك وهو دعاء الخيفة.

٦ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيّوب ، عن محمّد بن مسلم قال سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ : «فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتضرّعونَ » قال الاستكانة هي الخضوع والتضرُّع رفع اليدين والتضرُّع بهما.

٧ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حمّاد ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم وزرارة قالا قلنا لأبي عبد اللهعليه‌السلام كيف المسألة إلى الله تبارك وتعالى قال تبسط كفيّك قلنا : كيف الاستعاذة ؟ قال تفضي بكفيّك والتبتّل الإيماء بالإصبع ،

_________________________________________________

قريباً من وجهه ، ولذا لم يعدّه من أقسام الرّفع فأنواع الرّفع أربعة والتضرّع خارجة منها وله وجه.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله ممّا يلي وجهه أن يستر وجهه بهما ، وهو يناسب الخيفة ، وفي أكثر نسخ العدَّةٌ فقال على خمسة أوجه ، وكأنّه جعله كذلك ليطابق الأقسام ، ويحتمل أن تكون نسخته هكذا.

الحديث السادس : صحيح وقد مرّ في الثاني باختلاف في أوّل السّند وكأنّه أخذ هذا من كتاب ابن محبوب وما مرّ من كتاب ابن أبي عمير ، وقال في العدَّةٌ وفي حديث آخر الاستكانة في الدّعاء أن يضع يديه على منكبيه ، وفي فلاح السّائل وفي حديث آخر عن الصادقعليه‌السلام أنّ الاستكانة في الدّعاء أن يضع يديه على منكبيه حين دعائه.

الحديث السابع : حسن كالصحيح.

« تفضي بكفيّك » أي تجعل باطنهما نحو الفضاء ، كما يفضي الرّجل باطن كفيه إلى الجدار ، والحاصل تجعل باطن كفيّك مقابل القبلة كما مرّ.

٥٣

والتضرّع تحريك الإصبع ، والابتهال أن تمدَّ يديك جميعاً.

_________________________________________________

فائدة

قال العارف الربّاني في العدَّة هذه الهيئات المذكورة إمّا تعبدّ لعلّة لا نعلمها أو لعلّ المراد ببسط كفيّه في الرّغبة كونه أقرب إلى حال الراغب في بسط آماله وحسن ظنّه بإفضاله ورجائه لنواله ، فالراغب يسأل بالأمان فيبسط كفيّه لـما يقع فيهما من الإحسان.

والمراد في الرّهبة بجعل ظهر الكفيّن إلى السّماء ، كون العبد يقول بلسان الذلّة والاحتقار لعالم الخفيّات والأسرار آناماً أقدم على بسط كفىّ إليك وقد جعلت وجههما إلى الأرض ذلا وخجلاً بين يديك ، والمراد في التضرّع بتحريك الأصابع يميناً وشمالاً أنّه تأسى بالثاكلّ عند المصاب الهائل ، فإنّها تقلب يديها وتنوح بهما إقبالاً وإدباراً ويميناً وشمالاً ، والمراد بالتبتّل برفع الأصابع مرة ووضعها أخرى بأنّ معنى التبتّل الانقطاع فكأنّه يقول بلسان حاله لمحقق رجائه وآماله : انقطعت إليك وحدك كما أنت أهله من الإلهيّة فيشير بإصبعه وحدها من دون الأصابع على سبيل الوحدانيّة.

والمراد في الابتهال بمدّ يديه تلقاء وجهه إلى القبلة أو مد يديه وذراعيه إلى السّماء ، أو رفع يديه وتجاوزهما رأسه بحسب الروايات أنّه نوع من أنواع العبودية والاحتقار والذلّة والصغار ، أو كالغريق الرافع يديه الحاسر عن ذراعيه المتشبث بأذيال رحمته والمتعلّق بذوائب رأفته التي أنجت الهالكين وأغاثت المكروبين ووسعت العالمين وهذا مقام جليل فلا يدّعيه العبد إلا عند العبرة وتزاحم الأنين والزفرة ووقوفه موقف العبد الذليل واشتغاله بخالقه الجليل عن طلب الآمال والتعرّض للسؤال.

والمراد في الاستكانة برفع يديه على منكبيه أنّه كالعبد الجاني إذا حمل إلى

٥٤

(باب البكاء)

١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من شيء إلا وله كيل ووزن إلّا الدّموع فإنَّ القطرة تطفئ بحاراً من نار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق

_________________________________________________

مولاه وقد أوثقه قيد هواه ، وقد تصفّد بالأثقال وناخ بلسان الحال هذه يداي قد عللتها بين يديك بظلمي وجرأتي عليك.

وأقول : أخذه (ره) من كتاب فلاح السّائل الجليل قدوة العارفين رضي الدّين علي بن طاوس نور الله ضريحه بتغيير يسير في وسطه.

باب البكاء

الحديث الأول : مجهول.

« إلّا وله كيل ووزن » لعلّ المراد أنّ ثواب العبادات وإن كان كلّها يجري على جهة التفضل وزائداً على ما يظنّ أنّه يستحقه لكن يناسبه في ميزان العقل والقياس بحسب كثرة العمل وقلته وسهولته وصعوبته وغير ذلك ، بخلاف البكاء فإن القليل منه يترتب عليه آثار عظيمة ومثوبات جسمية لا يحيط بها ميزان العقل ومكيال القياس ، وقيل : الكيل والوزن إما مصدر أن يقال كال الطعام يكيله كيلا ووزنه يزنه وزنا إذا قاسه بالمكيال والميزان ، أو اسم لـمّا يكال به الطعام.

وللعبارة وجهان : الأوّل أن كلّ عبادة يعتبر كيلها ووزنها ويجزي على وجه الاستحقاق بمثلها كيلاً بكيل ووزنا بوزن وإن وقعت الزيادة فهي تفضل إلّا الدمع فإنّه وإن كان خفيفاً قليلاً يستحقّ صاحبه أجراً جزيلاً لا يعلم قدره إلّا الله عز وجلّ.

الثاني : أنّ الدّمع لكونه عظيماً لا يحيط به الكيل والوزن ، ولا يمكن

٥٥

وجهاً قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه الله على النار ولو أن باكيا بكى في أمة لرحموا.

_________________________________________________

أن يقدّر بهما ، فلذلك يوجب أجراً جزيلاً ، وقال في القاموس : اغرورقت عيناه دمعتا كأنّها غرقت في دمعها ، انتهى.

والمراد هنا امتلاء العين بالماء قبل أن يجري على الوجه ، وفي القاموس : رهقه كفرح غشيه ولحقه أو دنا منه سواء أخذه أو لم يأخذه ، وقال الجوهري : رهقه بالكسر يرهقه رهقاً أي غشيه من قوله تعالى :( وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ ) (١) وقال : القتر جمع القترة وهي الغبار ومنه قوله تعالى :( تَرْهَقُها قَتَرَةٌ ) (٢) وقال الراغب : وقوله تعالى : «تَرْهَقُها قَتَرَةٌ » نحو غبرة وهي شبه دخان يغشى الوجه من الكرب.

وقال البيضاوي في قوله تعالى : «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ » لا يغشاها قتر غبرة فيها سواد ، ولا ذلّة هوان ، والمعنى لا يرهقهم ما يرهق أهل النار أو لا يرهقهم ما يوجب ذلك حزن وسوء حال ، وضمير وجهه راجع إلى صاحب العين كالآية وفي القاموس : فاض الماء يفيض فيضاً كثر حتّى سأل كالوادي ، وضمير فاضت إما راجع إلى الدموع أو العين بالإسناد المجازي كالفيّاض ، وضمير حرمة إمّا راجع إلى الباكي أو إلى الوجه ، وفي بعض النسخ حرّمهما فالضمير راجع إلى العين ، وتحريمه يستلزم تحريم الشخص ، بل المبالغة فيه أكثر ، فإن الكناية أبلغ ، ولأنّه يدلّ على أنّه لا يرى النار بعينه فيأوّل بأنّه لا يراها رؤية مخوفة.

« في أمّة » أي يكون فيهم أو في حقّهم فالرّحمة تشمل الدارين إن كانوا مؤمنين ، أو في الدّنيا إن لم يكونوا مؤمنين.

____________________

(١) يونس : ٢٦.

(٢) عبس : ٤١.

٥٦

٢ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ومنصور بن يونس ، عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما من عين إلّا وهي باكية يوم القيامة إلّا عيناً بكت من خوف الله وما اغرورقت عين بمائها من خشية الله عزَّ وجلَّ إلّا حرم الله عزَّ وجلَّ سائر جسده على النار ولا فاضت على خده فرهق ذلك الوجه قَتَرٌ وَلا ذلّة وما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدمعة فإن الله عزَّ وجلَّ يطفئ باليسير منها البحار من النار فلو أن عبداً بكى في أمّة لرحم الله عزَّ وجلَّ تلك الأمّة ببكاء ذلك العبد.

٣ - عنه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال ما من قطرة أحبَّ إلى الله عزَّ وجلَّ من قطرة دموع في سواد الّليل مخافة من الله لا يراد بها غيره.

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

ومضمونه قريب من الخبر السّابق ، والتفاوت بينهما في شيئين :

أحدهما : التقييد بالخشية من الله في هذا الخبر دون السّابق ، وهذا هيّن.

وثانيهما : ترتب عدم الرهق على الاغريراق والتحريم على الفيضان ، فيدلّ على أنّ التحريم أعلى وأكثر نفعاً من عدم الرهق ، وهنا بالعكس ، والاختلاف الأوّل أي التقييد بالخشية لا يؤثر في ذلك ولا ينفع كما توهّم إلّا أن يقال : لـمّا كان في الأخير مقيداً بخوف الله يترتب الأنفع على الأدنى ، واكتفي في الأعلى بثواب الأدنى اختصاراً وتفننا في الكلام ، وظهور أن الأعلى أكثر ثواباً ، ولـمّا كان الراوي واحدا وكذا المرويّ عنه ، الظاهر أنّ الاختلاف من وهم بعض الرواة ، وهذا الخبر بحسب ظاهر النظر أوفق بما مرّ إذ عدم الرهق يستلزم التحريم بدون العكس كما لا يخفى.

الحديث الثالث : كالسابق.

« لا يراد بها غيره » أي غير الله ، أو غير الاحتراز من عذابه.

٥٧

٤ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن منصور بن يونس ، عن صالح بن رزين ومحمّد بن مروان وغيرهما ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كلّ عين باكية يوم القيأمّة إلّا ثلاثة عين غُضّت عن محارم الله وعين سهرت في طاعة الله وعين بكت في جوف الّليل من خشية الله.

٥ - ابن أبي عمير ، عن جميل بن درَّاج ودرست ، عن محمّد بن مروان قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول ما من شيء إلّا وله كيل ووزن إلّا الدّموع ، فإنَّ القطرة منها تطفئ بحاراً من النار فإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قَتَرٌ وَلا ذلّة فإذا فاضت حرَّمه الله على النار ولو أنَّ باكياً بكى في أمّة لرُحموا.

_________________________________________________

الحديث الرابع : مجهول.

ويمكن أن يعدّ حسناً موثقاً لرواية منصور عن جماعة وإن كانوا مجاهيل « عين » أي أحدها عين غضّت على بناء المجهول ، في القاموس : غض طرفه خفضه واحتمل المكروه و « المحارم » جمع المحرّم على بناء المفعول من التحريم ، أي ما حرم الله النظر إليه.

« وعين سهرت » كعلمت أي تركت النوم قدراً معتدّاً به ، زيادة عن العادة في طاعة الله كالصلاة والتلاوة والدّعاء ، ومطالعة العلوم الدينيّة ، وفي طريق الجهاد والحج والزّيارات وكلّ طاعة لله سبحانه ، وجوف الّليل وسطه الذي يعتاد أكثر الناس النوم فيه ، وقال في النهاية : فيه قيل له : أي الّليل أسمع ، قال : جوف الّليل الآخر أي ثلثه الآخر ، وهو الجزء الخامس من أسداس الّليل ، وهو لا يستلزم السّهر الكثير فصحّ التقابل.

الحديث الخامس : مجهول.

وابن أبي عمير معطوف على السّند السّابق ، وقد مرّ في الحديث الأوّل إلّا باختلاف في وسط السّند ، حيث ذكر مكان منصور بن يونس جميل بن درّاج ، ودرست وهذا من المصنف غريب.

٥٨

٦ - ابن أبي عمير ، عن رجل من أصحابه قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسىعليه‌السلام أنَّ عبادي لم يتقرَّبوا إلي بشيء أحبَّ إلي من ثلاث خصال قال موسى يا رب وما هن قال يا موسى الزهد في الدنيا والورع عن المعاصي والبكاء من خشيتي قال موسى يا رب فما لمن صنع ذا فأوحى الله عزَّ وجلَّ إليه يا موسى أما الزاهدون في الدنيا ففي الجنة وأمّا البكاءون من خشيتي ففي الرفيع الأعلى لا يشاركهم أحدٌ وأمّا الورعون عن معاصيّ فإنّي أفتّش النّاس ولا أفتّشهم.

٧ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن إسحاق بن عمّار قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني وربما

_________________________________________________

الحديث السادس : حسن كالصحيح.

والزهد في الدّنيا عدم الرغبة في أموال الدّنيا ، واعتباراتها وما يشغل عن الله فيها ، وقد مرّ معناه في أبواب المكارم والرّفيع الأعلى هو المكان الرفيع الذي هو أرفع المنازل في الجنّة ، وهو مسكن الأنبياء والأولياء من أعلى علّيين وهم الرفيق الأعلى « وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً » وفي جامع الأصول : فإنّها الرفيع أي السّماء وقيل : سماء الدّنيا ، والتفتيش الطلب والفحص عن أحوال الناس والمراد بعدم التفتيش إدخالهم الجنّة بغير حساب.

الحديث السابع : موثق

ويدلّ على استحباب حمل النفس على البكاء ولو بذكر من مات من أولاده وأقاربه وأحبّائه بل ما فات عنه من أمواله ونزل به من البلايا ، وبإطلاقه يشمل حال الصّلاة ، ويمكن حمله على غيرها لكن ورد في بعض الأخبار التصريح بالتعميم بل بالتخصيص بها كما روى الصدوق عن منصور بن يونس أنّه سأل الصادقعليه‌السلام عن الرّجل يتباكى في الصّلاة المفروضة حتّى يبكي؟ قال : قرّة عين والله ، وقال : إذا كان ذلك فاذكرني عنده ، وروى الشيخ عن سعيد بيّاع السّابري قال : قلت

٥٩

ذكرت بعض من مات من أهلي فأرقُّ وأبكي فهل يجوز ذلك ؟ فقال : نعم فتذكّرهم فإذا رققت فابك وادع ربّك تبارك وتعالى.

_________________________________________________

لأبيعبد اللهعليه‌السلام أيتباكى الرّجل في الصّلاة؟ فقال : بخّ بخّ ولو مثل رأس الذباب.

وقال العلامة (ره) في المنتهى البكاء جائز في الصّلوة إن كان خوفاً من الله تعالى وخشية من النار لا يقطعها عمداً ولا سهواً ، وإن كان لأمور الدنيا لم يجز وأبطل الصلاة سواء غلب عليه أو لا. ويدلّ على جواز الأوّل قوله تعالى :( إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا ) (١) وروى الجمهور ، عن مطرف عن أبيه قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ، ثم ذكر رواية الصدوق المتقدمة وغيرها ثم قال : وأمّا المنع من الثاني فلأنّه ليس من أفعال الصلاة فكان قاطعاً كالكلام.

ويؤيّده ما رواه الشيخ عن النعمان بن عبد السلام عن أبي حنيفة قال : سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال : إن كان بكاء لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الأعمال في الصلاة ، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة ، وظاهر الأصحاب أنّه مجمع عليه ، وتوقف فيه المحقق الأردبيلي وأكثر من تأخر عنه لضعف الرواية وهو في محله.

واعلم أن الأكثر جوزوا التباكي في الصلاة ، وقد سمعت الأخبار في ذلك ، والغالب الشائع من أفراده تذكر المصائب الدنيويّة بل صرحوا بذلك فيتراءى التنافي بين الحكمين ، بل بين الروايات.

ويمكن رفع التنافي بين الرّوايات بوجهين :

الأوّل : حمل التباكي في الصّلوة على ما إذا كان بتذكّر الشدائد والعقوبات الأخرويّة ، وما كان مصرّحاً بتذكر الأمور الدنيويّة على غير الصّلاة كهذا الخبر.

____________________

(١) مريم : ٥٨.

٦٠