مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 594
المشاهدات: 44719
تحميل: 6429


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44719 / تحميل: 6429
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 12

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عنبسة العابد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن لم تكن بك بكاء فتباك.

٩ - عنه ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن سعيد بن يسار بيّاع السابري قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام إنّي أتباكى في الدّعاء وليس لي بكاء قال نعم ولو مثل رأس الذُّباب.

_________________________________________________

الثاني : أن يحمل خبر المنع على ما إذا كان لغير التباكي ، وأمّا رفع التنافي بين الحكمين فيمكن بالوجه الأخير وإن كان بعيداً من كلامهم ، أو بأن يقال : إذا كان التباكي للبكاء للأمور الأخرويّة فيكون البكاء حقيقة لها لا للأمور التي تذكرها أو بأن يحمل على أن التذكر لتغيير حالة القلب من القساوة إلى الرقة ، فإذا رق القلب فبكاؤه للأمور الأخرويّة والفرق بين الوجهين الأخيرين لا يخفى على المتأمّل.

الحديث الثامن : صحيح.

وفي بعض النسخ إن لم يكن بك بكاء وهو ظاهر ، وفي بعضها إن لم تك بكاء ، وفي بعضها إن لم تكن بكاء ، وعلى الأخيرين يحتمل وجهين : الأوّل : أن يكون تك أو تكن بصيغة الخطاب ، وبكاء بفتح الباء وتشديد الكاف للمبالغة ، والمراد به من يقدّر على البكاء بسهولة أو كثير البكاء ، فإنّه يكون كذلك ويحتمل الغيبة وتخفيف الكاف وفتح الباء ، فكان تامة.

والتباكي حمل النفس على البكاء ، والسّعي في تحصيله بما مرّ ، وقيل : المراد به إظهار البكاء والتشبه بالباكين في الهيئة وهو أيضاً حسن ، فإن من تشبه بقوم فهو منهم ، والأوّل أظهر ، قال الجوهري تباكى تكلف البكاء.

الحديث التاسع : موثق.

« إن أتباكى » الاستفهام مقدّر وقد لا يقدّر فيقرأ نعم بكسر النون وسكون العين وفتح الميم ، فعل مدح وهذا ممّا يشعر بالمعنى الأوّل فتأمل.

٦١

١٠ - عنه ، عن أحمد بن محمّد ، عن عليّ بن الحكم ، عن عليّ بن أبي حمزة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام لأبي بصير إن خفت أمرا يكون أو حاجة تريدها فابدأ بالله ومجده وأثن عليه كما هو أهله وصل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وسل حاجتك وتباك ولو مثل رأس الذباب إن أبيعليه‌السلام كان يقول إن أقرب ما يكون العبد من الرب

_________________________________________________

الحديث العاشر : ضعيف على المشهور.

« إن خفت أمراً يكون » أي خفت وقوع أمرّ مكروه يحدث بعد ذلك« أو حاجة » منصوب وهو من قبيل ما أضمرّ عامله على شريطة التفسير ، والتقدير تريد حاجة ، وقيل : التقدير أو خفت فوات حاجة تريدها ، ولا يخفى ما فيه.

والفاء في قوله « فمجده » للبيان والتمجيد ذكر مجده سبحانه ووصفه بالصفات الحسنة ، وفي النهاية في أسماء الله تعالى المجيد والماجد ، والمجد في كلام العرب الشرف الواسع ، ورجل ماجد مفضّال كثير الخير شريف ، والمجيد فعيل منه للمبالغة ، وقيل : هو الكريم الفعال ، وقيل : إذا قارن شرف الذات حسن الفعال سمّي مجدا ، وفعيل أبلغ من فاعل فكأنّه يجمع معنى الجليل والوهاب والكريم ، ومنه حديث قراءة الفاتحة ، مجدني عبدي أي شرفني وعظمني ، انتهى.

« والثناء » المدح والذكر الجميل ، وهما متغايران بحسب المفهوم متقاربان بحسب الصدق ، وقوله : « كما هو أهله » متعلّق بالتمجيد والأثناء معاً ، والمراد بحسب الطاقة والقدرة لا بحسب الواقع ، فإنّه خارج عن طاقة البشرّ ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ورد عن الحججعليهم‌السلام في ذلك كما سيأتي و « مثل » منصوب على المفعولية أي ولو أن تبكي مثل وفي بعض النسخ بمثل.

وأقرب اسم إن وما مصدرية ، وإضافة أقرب إلى الكون مع أنه وصف الكائن على المجاز ، ومن متعلّق بالقرب وليست تفضيلية ، والواو في قوله « وهو ساجد » حاليّة ، والجملة الحاليّة قائمة مقام خبر إن المحذوف بتقدير في زمان السجود والبكاء ، نظير أخطب ما يكون الأمير قائماً.

٦٢

عزَّ وجلَّ وهو ساجدٌ باك.

١١ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسماعيل البجلي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنَّ لم يجئك البكاء فتباك فإن خرج منك مثل رأس الذّباب فبخ بخ.

_________________________________________________

قال الشيخ الرّضيرضي‌الله‌عنه في شرحه على الكافية إن كانت الحال جملة اسميّة فعند غير الكسائي يجبّ معها وأو الحال ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد إذ الحال فضلة ، وقد وقعت موقع العمدة فتجب معها علامة الحاليّة ، لأن كلّ واقع غير موقعه ينكر ، وجوز الكسائي تجردها عن الواو لوقوعها موقع خبر المبتدأ ، فتقول : ضربي زيداً أبوه قائم.

الحديث الحادي عشر : مجهول.

وقال في النهاية فيه : قال رجل : بخّ بخّ هي كلمة يقال عند المدح والرّضا بالشيء ، وتكرر للمبالغة ، وهي مبينة على السكون فإن وصلت جررت ونونت فقال بخّ بخّ ، وربما شددت وبخبخت الرّجل إذا قلت له ذلك ، ومعناه التعظيم للأمرّ وتفخيمه.

وفي القاموس : بخ أي عظم الأمرّ وفخم يقال وحدها ويكرر بخّ بخّ ، الأوّل منون والثاني مسكن ، وقل في الأفراد بخ ساكنة وبخ مكسورة ، وبخ منونة وبخ منونة مضمومة ، ويقال : بخّ بخّ مسكنين وبخّ بخّ منونين ، وبخّ بخّ مشددين كلمة تقال عند الرّضا والإيجاب بالشيء أو الفخر والمدح.

٦٣

(باب)

(الثناء قبل الدعاء)(١)

١ - أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحارث بن المغيرة قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة حتّى يبدأ بالثناء على الله عزَّ وجلَّ والمدح له والصّلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم يسأل الله حوائجه.

٢ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن محمّد بن مسلم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إنَّ في كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه : إن المدحة قبل المسألة فإذا دعوت الله عزَّ وجلَّ فمجّده قلت كيف أمجّده؟

_________________________________________________

باب

إنّما لم يذكر العنوان لمناسبته للأبواب السّابقة واشتماله على آداب الدّعاء ومكمّلاته وكونها من أنواع مختلفة.

الحديث الأول : صحيح.

« وإيّاكم » للتحذير قال في النهاية : قد يكون « أيّا » بمعنى التحذير ، ومنه الحديث إياي وكذا ، أي نح عني كذا ونحني عنه ومفعول أراد محذوف ويدلّ عليه قوله شيئاً من حوائج الدنيا وأن يسأل منصوب وهو المحذور منه ، ويحتمل أن يكون أن يسأل مفعول أراد ويكون الحذر منه محذوفا مثله بقرينته والأوّل أظهر.

« وحتّى » للاستثناء ، وقوله : ثم يسأل منصوب معطوف على يبدأ ، وكان الثناء بتعداد النعم والمدح بذكر الصّفات الذاتيّة.

الحديث الثاني : موثق كالصحيح.

« والمدحة » بالكسر مصدر وقال في المصباح : مدحته مدحا من باب نفع أثنيت

____________________

(١) ليس هذا العنوان في بعض النسخ ، وفي بعضها [ باب البداية بالثناء ] وفي بعضها [ اذا أراد أحدكم أن يسأل ربّه ].

٦٤

قال : تقول : «يا من هو أقرب إلي مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ يا فعإلّا لـمّا يُرِيدُ يا من

_________________________________________________

عليه بما فيه من الصفات الجميلة ، خلقية كانت أو اختيارية ، ولهذا كان المدح أعم من الحمد ، قال الخطيب التبريزي : المدح من قولهم انمدحت الأرض إذا اتسعت ، فكان معنى مدحته وسعت شكره.

« يا من هو أقرب» مأخوذ من قوله تعالى :( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (١) قال البيضاوي : أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه من حبل الوريد تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبه وحبل الوريد مثل في القرب ، قال : والموت أدنى لي من الوريد ، والحبل العرق وإضافته للبيان ، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها متصلان بالوتين يردان من الرأس إليه.

وقيل : سمّي وريداً لأن الروح ترده ، وقال الطبرسي (ره): « نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ » بالعلم « مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » وهو عرق يتفرق في البدن يخالط الإنسان في جميع أعضائه ، وقيل : هو عرق الحلق عن ابن عبّاس ومجاهد ، وقيل : هو عرق متعلّق بالقلب يعني نحن أقرب إليه من قلبه عن الحسن ، وقيل : معناه نحن أعلم به ممن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب ، وقيل : معناه نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه وقربه منه ، وقيل : معناه نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركا ، انتهى.

وأقول : لعلّ المعنى الذي قبل المعنى الأخير أقرب المعاني ففي النسبة إلى حبل الوريد إيماء إلى جهة قربه سبحانه فإن الحياة تزول عند قطعه ، فربما يتوهّم أنه علة لها فأشار إلى أنه تعالى أقرب من جهة العلية من هذا العرق ، فإن الموجد والمحيي والمبقي هو الله سبحانه ، وهو خلق هذا العرق وجعله من شرائط الحياة فهو سبحانه أقرب من جهة العلية وأقوى منه وهو مسبب الأسباب وعلة العلل.

____________________

(١) ق : ١٦.

٦٥

يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، يا من هو بالمنظر الأعلى يا من هو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ».

_________________________________________________

« يا من يحول » إشارة إلى قوله سبحانه :( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) (١) وقيل فيه وجوه :

الأوّل : أنّه تمثيل لغاية قربه تعالى من العبد ، لقوله : «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ » فإن الحائل بين الشيء وغيره أقرب إلى ذلك الشيء من ذلك الغير.

الثاني : أنّه تنبيه على أنّه مطلع على مكنونات القلوب ما عسى يغفل عنه صاحبها ، وهو قريب من الأوّل ، وروي عن محمّد بن إسحاق أنّه قال : معناه لا يستطيع القلب أن يكتم الله شيئا.

الثالث : أنّه حث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها قبل أن يحول الله بين المرء وقلبه بالموت أو غيره ، أو قبل أن يحول الله بين المرء والانتفاع بقلبه بالموت ، فلا يمكنه استدراك ما فات فبادروا إلى الطاعات قبل الحيلولة.

الرابع : أنّه تصوير وتخييل لتملكه على العبد قلبه فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويبدله بالذكر نسيانا وبالنسيان ذكرا وبالخوف أمنا وبالأمن خوفاً كما روي عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عرفت الله بفسخ العزائم وورد في الدّعاء : يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، وروي قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء.

الخامس : ما رواه العياشي عن يونس بن عمّار قال : إن الله يحول بين المرء وقلبه ، معناه لا يستيقن القلب إن الحق باطل أبدا ولا يستيقن القلب إن الباطل حق أبدا ، وروي أيضاً عن هشام بن سالم عنهعليه‌السلام قال : معناه يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق ، وحاصله أنّه سبحأنّه يتم حجته على عباده ويعطيهم المعرفة إما مطلقا أو إذا خلوا أنفسهم عن الأغراض الباطلة وصاروا طالبين للحق

____________________

(١) الأنفال : ٢٤.

٦٦

_________________________________________________

كما قال تعالى :( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (١) .

السّادس : أن المعنى يذهله عمّا هو مخزون في قلبه.

« يا من هو بالمنظر الأعلى » في القاموس : المنظر والمنظرة ما نظرت إليه فأعجبك أو ساءك ، ومنظري ومنظراني حسن المنظر ، والنظر محركة الفكر في الشيء تقدّره وتقيسه ، والمناظر أشراف الأرض ، انتهى.

ولعلهعليه‌السلام شبه المكانة والدرجة الرفيعة المعنوية بالأمكنة المرتفعة الصورية فهو إما كناية عن اطلاعه على جميع المخلوقات فإن من كان على مكان يشرف على ما تحته ويطلع عليه أو عن تسلطه واقتداره على ما تحته من الممكنات أو عن عدم وصول العقول والأفهام إلى ساحة عرفأنّه ، أي منظره أعلى من أن يدركه أحدّ ، ويحتمل أن يكون المنظر من النظر بمعنى الفكر أي هو أرفع من أن تدركه أنظار الخلق كما روي وارتفع فوق كلّ منظر ، ويحتمل أن يكون مصدراً ميمياً أي هو متلبس بالنظر الذي هو أعلى الأنظار أو بمعنى ما ينظر إليه من الشخص كما يقال : فلان حسن المنظر أي منظره أعلى من أن يدرك ، وقيل : أي هو سبحأنّه منظور جميع الممكنات إذ نظر جميعها في ذواتها ولوازمها وآثارها وخواصها في سلسلة الأسباب والعلل إليه جل شأنّه وهو أعلى من الجميع.

« يا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » المشهور أن الكاف زائدة قال البيضاوي : أي ليس مثله شيء يزاوجه ويناسبه ، والمراد من مثله ذاته كما في قولهم مثلك لا يفعل كذا على قصد المبالغة في نفيه عنه فأنّه إذا نفى عمّن يناسبه ويسد مسده كان نفيه عنه أولى ، ومن قال الكاف فيه زائدة لعله عني أنّه يعطي معنى ليس مثله لكنه آكد لـمّا ذكرناه ، وقيل : مثل صفته أي ليس كصفته صفة.

وقال الراغب : المثل يقال على وجهين أحدهما : بمعنى المثل نحو شبه وشبه ،

____________________

(١) العنكبوت : ٦٩.

٦٧

٣ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن أبيه ، عن ابن سنان ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إنّما هي المدحة ثم الثناء ثم الإقرار بالذَّنب ثم المسألة ، أنّه والله ما خرج عبدٌ من ذنب إلّا بالإقرار.

_________________________________________________

قال بعضهم : وقد يعبّر بهما عن وصف الشيء نحو قوله : «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ »(١) والثاني عبارة عن المشابه لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان ، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة وذاك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط ، والشبه يقال فيما يشاركه في الكيفية فقط ، والشكلّ يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط ، والمثل عام في جميع ذلك ، ولهذا لـمّا أراد الله تعالى نفي التشبيه من كلّ وجه خصه بالذكر فقال : ليس كمثله شيء ، وأمّا الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنّه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف فنفى بليس الأمرين جميعاً ، وقيل : المثل ههنا بمعنى الصفة ومعناه ليس كصفته صفة تنبيها على أنّه وإن وصف بكثير ممّا يوصف به البشرّ فليست تلك الصفات له على حسب ما تستعمل في البشر.

وقوله :( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى ) (٢) أي لهم الصفات الذميمة وله الصّفات العلى.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور صحيح عندي.

ولعلّ المراد بالمدحة ما يدلّ على عظمة ذاته وصفاته بلا ملاحظة نعمة وبالثناء الاعتراف بنعمائه وآلائه والشكر عليها وضمير هي راجع إلى آداب الدّعاء بقرينة المقام.

قوله : أنّه وأمّته هذا مبنّي على أنّ الخروج من الذنوب من شرائط إجابة الدّعاء ، ويؤيّده قوله تعالى :( إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ) (٣) .

____________________

(١) الرعد : ٣٥.

(٢) النحل : ٦٠.

(٣) المائدة : ٢٧.

٦٨

٤ - وعنه ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام مثله إلّا أنّه قال ثم الثناء ثم الاعتراف بالذنب.

٥ - الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الحسن بن علي ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا أردت أن تدعو فمجد الله عزَّ وجلَّ واحمده وسبحه وهلله وأثن عليه وصل على محمّد النبيّ وآله ثم سل تعط.

٦ - أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن عيص بن القاسم قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربّه وليمدحه

_________________________________________________

الحديث الرابع : موثق كالصحيح.

وضمير عنه راجع إلى أحمد والاعتراف والإقرار متقاربان بل مترادفان.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور.

والخمس الأوّل متقاربة ، ويحتمل العموم والخصوص في بعضها ، وقد يقال : التمجيد هو الله أكبر ، والتحميد هو الحمد لله ، والتسبيح سبحان الله ، والتهليل هو لا إله إلّا الله ، والثناء هو عدّ نعم الله عليه ، ولا يبعد تعميمها ليشمل ما يؤدي تلك المعاني كما يطلق التمجيد على الحوقلة.

الحديث السادس : صحيح.

وفي النهاية في أسماء الله تعالى العزيز هو الغالب القوي الذي لا يغلب ، والعزة في الأصل القوة والشدة والغلبة ، وقال في أسمائه تعالى الجبّار ، ومعناه الذي يقهر العباد على ما أراد من أمرّ ونهي ، يقال : جبر الخلق وأجبرهم ، وأجبر أكثر وقيل : هو العالي فوق خلقه ، وفي العدَّةٌ الجواد هو المنعم المحسن الكثير الإنعام والإحسان ، والفرق بينه وبين الكريم أن الكريم الذي يعطي مع السؤال ، والجواد الذي يعطي من غير سؤال ، وقيل : بالعكس.

والجود السخاء ورجل جواد أي سخيّ ، ولا يقال لله تعالى سخي لأنّ أصل

٦٩

فإنَّ الرّجل إذا طلب الحاجة من السلطان هيّأ له من الكلام أحسن ما يقدّر عليه

_________________________________________________

السخاوة يرجع إلى اللّين ، يقال : أرض سخاويّة وقرطاس سخاويّ إذا كان لينا وسمّي السخي سخياً للينه عند الحوائج.

وأقول : روي في الخصال والعيون أنّه سأل رجل أبا الحسنعليه‌السلام وهو في الطواف فقال له : أخبرني عن الجواد فقال : إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنّه إن أعطى عبداً أعطاه ما ليس له ، وإن منع منع ما ليس له.

وقال في النهاية : الأحد هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر ، وهو اسم بني لنفي ما معه من العدد ، تقول : ما جاءني أحدّ ، والهمزة فيه بدل من الواو ، وأصله وحدّ لأنّه من الوحدة ، وفي حديث الدّعاء أنّه قال له سعد وكان يشير في دعائه بإصبعين أحدّ أحدّ أي أشرّ بإصبع واحدة ، لأن الذي تدعو إليه واحدّ ، وهو الله تعالى وقال : الواحدّ هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر.

قال الأزهري : الفرق بين الواحدّ والأحدّ أن الأحدّ بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول : ما جاءني أحدّ ، والواحدّ اسم بني لمفتتح العدد ، تقول : جاءني واحدّ من الناس ، ولا تقول : جاءني أحدّ من الناس ، ولا تقول : جاءني أحدّ فالواحدّ منفرد بالذات في عدم المثل والنظير ، والأحدّ منفرد بالمعنى وقيل : الواحدّ هو الذي لا يتجزى ولا يثني ولا يقبل الانقسام ولا نظير له ولا مثل ولا يجمع هذين الوصفين إلّا الله تعالى.

وقال في العدَّةٌ : الواحد والأحد اسمان يشملهما نفي الأبعاض عنهما. والأجزاء ، والفرق من وجوه : الأوّل : أن الواحد هو المتفرد بالذات والأحد هو المتفرد بالمعنى ، الثاني : أن الواحد أعم موردا لكونه يطلق على من يعقل وغيره ، ولا

٧٠

فإذا طلبتم الحاجة فمجّدوا الله العزيز الجبّار وامدحوه وأثنوا عليه تقول : « يا

_________________________________________________

يطلق الأحد إلّا على من يعقل ، الثالث : أنّ الواحد يدخل في الضرب والعدد ، ويمتنع دخول الأحد في ذلك.

روى الصدوق (ره) في التوحيد عن الصّادقعليه‌السلام قال : قال الباقرعليه‌السلام الأحد الفرد المتفرّد والحد والواحد بمعنى واحدّ وهو التفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الإقرار بالوحدة وهو الانفراد والواحد المتباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحدّ بشيء ومن ثم قالوا إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد ، لأن العدد لا يقع على الواحد ، بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله أحدّ أي المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته متعال عن صفات خلقه.

وقال البيضاوي : الصمد السيّد المصمود إليه في الحوائج من صمد إذا قصد وهو الموصوف به على الإطلاق لأنّه يستغني عن غيره مطلقا وكلّ ما عداه يحتاج إليه في جميع جهاته.

وفي النهاية الصمد هو السيّد الذي انتهى إليه السؤدد ، وقيل : الدائم الباقي وقيل : الذي لا جوف له ، وقيل : الذي يصمد في الحوائج إليه أي يقصد ، وروي في التوحيد عن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام عن الحسين بن عليعليهما‌السلام أنّه قال : الصمد الذي لا جوف له ، والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد الذي لا يأكلّ ولا يشرب ، والصمد الذي لا ينام ، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال.

وعنهعليه‌السلام قال : كان محمّد بن الحنفيةرضي‌الله‌عنه يقول : الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره ، وقال غيره : الصمد المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير ، وقال الباقرعليه‌السلام : الصمد السيّد المطاع الذي ليس فوقه آمرّ وناه.

وعن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : الصمد الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ

٧١

أجود من أعطى ويا خير من سئل ، يا أرحم من استُرحم ، يا أحد يا صمد يا من

_________________________________________________

شيء ولا يعزب عنه شيء وبإسناده عن أبي البختري قال : قال زيد بن عليعليه‌السلام قال : الصمد الذي إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضداداً وأشكالاً وأزواجاً وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكلّ ولا مثل ولا ند.

وعنه عن الصادقعليه‌السلام قال : إن أهل البصرة كتبوا إلى الحسينعليه‌السلام يسألونه عن الصمّد فكتب إليهم أنّه سبحانه قد فسر الصمّد فقال : لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد ، وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنفس ولا يتشعب منه البدوات كالسنة والنوم الخطرة والهم والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرجاء والرّغبة والسامة والجوع والشبع ، تعالى عن أن يخرج منه شيء وأن يتولد منه شيء كثيف أو لطيف ، ولم يولد ولم يتولد من شيء كما تخرج الأشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الأشجار ولا كما تخرج الأشياء اللطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الأذن والشم من الأنف والذوق من الفم والكلام من اللسان والمعرفة والتميز من القلب والنار من الحجر ، لا بل هو الله الصمّد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدّع الأشياء وخالقها ومنشئ الأشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشية ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمّد الذي لم يلد ولم يولد ، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ، ولم يكن له كفوا أحدّ فيعازه في سلطانه.

وجملة القول فيه أنّه إما فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده أي السيّد المقصود إليه في جميع الحوائج أو هو بمعنى الصمت أي الذي لا جوف له.

وقال بعض اللغويين هو الأملس من الحجر ، لا يقبل الغبار ، ولا يدخله شيء ولا يخرج منه شيء فعلى الأوّل عبارة عن وجوب الموجود والاستغناء المطلق واحتياج كلّ شيء في جميع أموره إليه أي الذي يكون عنده ما يحتاج إليه كل

٧٢

لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ يا من لم يتّخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً ، يا من

_________________________________________________

شيء ويكون رفع حاجة الكلّ إليه ولم يفقد في ذاته شيئاً ممّا يحتاج إليه الكلّ وإليه يتوجّه كلّ شيء بالعبادة والخضوع ، وهو المستحقّ لذلك.

وأمّا على الثاني فهو عبارة عن أنّه إحدىّ الذات أحدي المعنى ليست له أجزاء ليكون بين الأجزاء جوف ولا صفات زائدة فيكون بينهما وبين الذات جوف ، أو عن أنّه الكامل بالذات ليس فيه جهة استعداد وإمكان ولا خلو له عمّا يليق به ، فلا يكون له جوف يصلح أن يدخله ما ليس له في ذاته فيستكمل به ، فالجوف كناية عن الخلو عمّا يصحّ اتّصافه به.

وأمّا على الثالث فهو كناية عن عدم الانفعال والتأثر عن الغير وكونه محلا للحوادث ، كما روي عن الصادقعليه‌السلام أنّه سئل عن رضا الله وسخطه فقال : ليس على ما يوجد من المخلوقين ، وذلك أن الرّضا دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، لأن المخلوق أجوف معتمل مركب للأشياء فيه مدخل وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه لأنّه واحد واحدي الذات واحدي المعنى.

وقد بسطنا القول في ذلك في كتاب التوحيد من البحار.

« يا من لَمْ يَلِدْ » لتنزهه عن الشهوة ، والافتقار إلى الصاحبة والولد ، والمجانسة لشيء والولد يجانس الوالد ، وفيه رد على من أثبت له ولدا كاليهود والنصارى والمشركين القائلين بأن الملائكة بنات الله وَلَمْ يُولَدْ لأنّه لا يفتقر إلى شيء ولا سبقه عدم.

وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ أي ولم يكن له كفوا أحدّ أي ولم يكن أحدّ يكافئه أو يماثله عن صاحبة ولا غيرها وكان أصله أن يؤخر الظرف لأنّه صلة لكن لـمّا كان المقصود نفي المكافاة عن ذاته تعالى قدم تقديما للأهم.

ويجوز أن يكون حالا من المستكن في كفوا أو خبراً ويكون كفوا حال من أحد.

٧٣

_________________________________________________

وقال الطّبرسيقدس‌سره سأل رجل عليّاًعليه‌السلام عن تفسير سورة التوحيد فقال هُوَ اللهُ أَحدّ بلا تأويل عدد ، الصمّد بلا تبعيض بدد ، لَمْ يَلِدْ فيكون موروثاً هالكاً ، وَلَمْ يُولَدْ فيكون إلها مشاركا ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ من خلقه كُفُواً أَحدّ ، وقال ابن عبّاس لَمْ يَلِدْ فيكون والدا ، وَلَمْ يُولَدْ فيكون ولداً ، وقيل لَمْ يَلِدْ ولدا فيرث عنه ملكه ، وَلَمْ يُولَدْ فيكون قد ورث الملك عن غيره ، وقيل لَمْ يَلِدْ فيدلّ على حاجته ، فإن الإنسان يشتهي الولد لحاجته إليه ، وَلَمْ يُولَدْ فيدلّ على حدوثه ، وذلك من صفات الأجسام ، وفي هذا رد على القائلين بأن عزيرا والمسيح ابن الله تعالى ، وأن الملائكة بنات الله ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ ، كفوا له أي عديلا ونظيرا يماثله

وفي هذا رد على من أثبت له مثلاً في القدم وغيره من الصفات ، وقيل : معناه ولم تكن له صاحبة وزوجة فتلد منه لأن الولد يكون من الزوجة فكني عنها بالكفو ، لأن الزوجة تكون كفوا لزوجها.

وقيل : أنّه سبحانه بين التوحيد بقوله اللهُ أَحدّ ، وبين العدل بقوله : اللهُ الصمّد ، وبين ما يستحيل عليه من الوالد والولد بقوله : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وبين ما لا يجوز عليه من الصفات بقوله : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ ، وفيه دلالة على أنّه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو في مكان ولا جهة.

وقال بعض أرباب اللسان : وجدنا أنواع الشرك ثمانية : النقص والتقلب والكثرة والعدد وكونه علة ومعلولاً ، والأشكال والأضداد ، فنفى الله سبحانه عن صفة نوع الكثرة والعدد بقوله : هو الله ، ونفى التقلب والنقص بقوله : اللهُ الصمّد ، ونفى العلّة والمعلول بقوله : لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، ونفى الأشكال والأضداد بقوله : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحدّ فحصلت الوحدانيّة البحت.

« ولا ولداً » اتخاذ الولد هو أن يجعل أحدا من عبيده بمنزلة الولد ، فذكر

٧٤

يَفْعَلُ ما يَشاءُ ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ ويقضي ما أحبَّ يا من يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يا من هو بالمنظر الأعلى يا من لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ يا سميع يا بصير وأكثر من أسماء الله عزَّ وجلَّ فإن أسماء الله كثيرة وصل على محمّد وآله وقل اللهم أوسع علي من رزقك الحلال ما أكف به وجهي وأؤدي به عن أمانتي وأصل به رحمي

_________________________________________________

عدم الولد لا يغني عنه« يا من يَفْعَلُ ما يَشاءُ » بمجرّد المشيّة بلا آلة ولا روية ولا تعب ولا مشقّة « ويَحْكُمُ ما يُرِيدُ » الحكم القضاء بالعدل أي يحكم بلا مانع بالعدل بين العباد ما يشاء من الفقر والغناء والصحة والسقم وغيرها ، ويقضي ما أحبَّ على وفق الحكمة « يا سميع » أي من يسمع بغير جارحة ولا يعزب عن إدراكه مسموع « يا بصير » أي الذي يشاهد الأشياء كلّها ظاهرها وخافيها بغير جارحة.

« من رزقك الحلال » هو ما كان حصوله بطريق مشروع بظاهر الشرع لا الحلال الواقعي فأنّه قوت المصطفين.

واختلفوا في أن الحرام رزق أم لا؟ فذهب إلى كلّ فريق ، فالحلال على الأوّل تقييد وعلى الثاني تأكيد« ما أكف به وجهي » أي عن ذل السؤال « وأؤدي به عن أمانتي» كذا في أكثر نسخ الكتاب وسائر كتب الأدعية وفي بعض النسخ عني أمانتي ، ويؤيّده ما رواه السيّد بن طاوس في كتاب الإقبال بإسناده عن الكاظم والصادقعليهما‌السلام في الدّعاء عقيب كلّ فريضة في شهر رمضان : « واجعل فيما تقضي وتقدر أن تطيل عمري وتوسع على رزقي وتؤدي عني أمانتي وديني ، وفي رواية أخرى أيضاً عن الصادق مثل ذلك ، وعلى الأخير لا يحتاج إلى تكلف وعلى الأوّل كلمة من أما زائدة أو بمعنى من أو للبدل كما في قوله تعالى :( لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شيئاً ) (١) أو بتضمين معنى التجاوز والإعراض ، أو للتعليل إن كان المراد بالأمانة ضد الخيانة أي أؤدي به الحقوق بسبب أمانتي.

في القاموس : الأمانة ضد الخيانة و «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ » أي الفرائض المفروضة

____________________

(١) البقرة : ٤٨.

٧٥

ويكون عوناً لي في الحجّ والعمرة

وقال إنَّ رجلاً دخل المسجد فصلّى ركعتين ثمَّ سأل الله عزَّ وجلَّ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عجل العبد ربّه وجاء آخر فصلّى ركعتين ثم أثنى على الله عزَّ وجلَّ وصلّى على النبيّ [ وآله ] فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سل تعط

٧ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي

_________________________________________________

أو النيّة الّتي تعتقدها فيما تظهره باللسان من الإيمان وتؤدّيه من جميع الفرائض في الظاهر لأن الله تعالى ائتمنه عليها ولم يظهرها لأحدّ من خلقه ، فمن أضمرّ التوحيد مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة.

وفي النهاية : الأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان ، وقد جاء في كلّ منها حديث ، وفي حديث أشراط الساعة والأمانة مغتما أي يرى من في يده أمانة أن الخيانة فيها غنيمة قد غنمها ، وفيه : استودع الله دينك وأمانتك أي أهلك ومن تخلفه بعدك منهم ومالك الذي تودعه وتستحفظه أمينك ووكيلك.

وقال الطيبي في شرح المشكاة : فيه فإنكم أخذتموهن بأمانة الله أي بعهده وهو ما عهد إليهم من الرفق والشفقة ، انتهى.

والظّاهر أن المراد هنا أداء بما ائتمنه عليه الناس وما لزمه من حقوقهم الّتي يمكن تداركها بالمال ، وربمّا يقرأ أؤدي بتخفيف الدال من قولهم آدى يؤدي كآوى يؤوي إذا قوي فعن بمعنى على ، فقال : المراد بالأمانة العبادات والقوة عليها وأداؤها موقوف على الرّزق ، وفي الخبر لو لا الخبز ما صلينا ولا صمنا.

« عجل العبد ربّه » حيث سأله قبل أن يجده ويثني عليه ، وتعديته إلى المفعول به لتضمين معنى السؤال ، وفيه دلالة على أن الحمد والثناء والصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصلاة غير كافية للسؤال عقيبها « سل تعطه » كان الهاء للسكت ، وفي بعض النسخ بدونها.

الحديث السابع : مجهول.

٧٦

كهمس قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول دخل رجل المسجد فابتدأ قبل الثناء على الله والصّلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عاجل العبد ربّه ثم دخل آخر فصلّى وأثنى على الله عزَّ وجلَّ وصلّى على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله سل تعطه ثم قال إنَّ في كتاب عليعليه‌السلام إنَّ الثناء على الله والصلاة على رسوله قبل المسألة وإنَّ أحدكم ليأتي الرّجل يطلب الحاجة فيحب أنَّ يقول له خيرا قبل أن يسأله حاجته

٨ - عليُّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عثمان بن عيسى عمّن حدثه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت آيتان في كتاب الله عزَّ وجلَّ أطلبهما فلا أجدهما قال وما هما قلت قول الله عزَّ وجلَّ : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ » فندعوه ولا نرى إجابة قال أفترى الله عزَّ وجلَّ أخلف وعده قلت لا قال فمم ذلك قلت لا أدري قال لكني أخبرك من أطاع الله عزَّ وجلَّ فيما أمره ثم دعاه من جهة الدّعاء أجابه قلت وما جهة الدّعاء قال - تبدأ فتحمد الله وتذكّر نعمه عندك ثم تشكره ثم تصلّي

_________________________________________________

ومضمونه ظاهر ممّا سبق وقوله : « إن في كتاب علي» من كلام الصادقعليه‌السلام .

الحديث الثامن : مرسل.

من « أطاع الله تعالى فيما أمره » أي جميع أوامره ، لأن الله تعالى قال :( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (١) أو إشارة إلى قوله تعالى :( وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها ) (٢) « ثم دعاه من جهة الدّعاء » إشارة إلى أن الوعد مشروط بحصول شروط ورفع موانع ، ومن جملة الشروط ما ذكرهعليه‌السلام في هذا الخبر ، فقد يكون عدم حصول خصوص الأمرّ الذي دعا له لعدم تحقق هذه الشرائط وقد يكون لموانع تمنع من حصوله ، مع أن الاستجابة الموعودة أعم من أن يكون بإعطاء عين المسؤول أو ما هو أفضل منه عاجلاً أو آجلاً.

____________________

(١) البقرة : ٤٠.

(٢) الأعراف : ١٨٠.

٧٧

على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ثمَّ تذكر ذنوبك فتقرّ بها ثم تستعيذ منها فهذا جهة الدّعاء ثم قال وما الآية الأخرى قلت قول الله عزَّ وجلَّ : «وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » وإني أنفق ولا أرى خلفا قال أفترى الله عزَّ وجل

_________________________________________________

« وتستعيذ منها » وفي بعض النسخ وتستغفر منها وعلى الأوّل هو مستلزم للندأمّة والتوبة ، وقيل : كان الاستعاذة كناية عن التوبة ، وفيه دلالة على أن الدّعاء محجوب بدون شرطه كما لا تصح صلاة بغير طهور ، ومن جملة شرائطه التوبة عن الذنوب كلّها ، والعزم على عدم العود إليها ، وهذا الشرط لمن له صلاح ولله تعالى فيه عناية ، حيث يمنع إجابة دعائه تأديبا له حتّى يخلص له النيّة ، ويطهر نفسه عن الذنوب المكدرة لصفاء قلبه ويدخل نفسه في خلص عباده وإلّا فسيجيء أن دعاء العدو قد يكون أسرع إجابة من دعاء المحب حبا لسماع صوته وبغضاً لسماع صوت العدو.

وقال بعض العامّة : ومن شرائط قبوله أن لا يشتغل به في وقت مستحق لغيره كما لو اشتغل به في وقت وجوب فريضة فلا يتقبل من غاصب لأنّه في كلّ آن مكلف بالاشتغال بالرد.

وقال بعضهم : الصواب خلاف ما ذكر ، وأنّه يصح من المشتغل به في وقت عبادة أخرى ويأثم بالترك أو بتأخير تلك العبادة.

«وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ » قال في مجمع البيان : أي وما أخرجتم من أموالكم في وجوه البر فأنّه سبحانه يعطيكم خلفه وعوضه ، إما في الدنيا بزيادة النعمة وأمّا في الآخرة بثواب الجنة ، يقال : أخلف الله له وعليه إذا أبدل له ما ذهب عنه « وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ » لأنّه يعطي لمنافع عباده لا لدفع ضرر أو جر نفع لاستحالة المنافع والمضار عليه ، وقال الكلبي : ما تصدقتم به في خير فهو يخلفه إما أن يجعله لكم في الدنيا أو يدخره لكم في الآخرة.

وروي عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : كلّ معروف صدقة ، وما وقى الرجل

٧٨

أخلف وعده ؟ قلت لا قال فممَّ ذلك ؟ قلت لا أدري ، قال لو أن أحدكم اكتسب المال من حلّه وأنفقه في حلّه لم ينفق درهما إلّا أخلف عليه

٩ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط عمّن ذكره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من سرَّه أن يستجاب له دعوته فليطب مكسبه

_________________________________________________

به عرضه فهو صدقة ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلفها ضامنا إلّا ما كان من نفقة في بنيان أو معصية ، وعن أبي إمامة قال : إنّكم تأولون هذه الآية في غير تأويلها «وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ »(١) وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول وإلّا صمتا إياكم والسرف في المال والنفقة ، فعليكم بالاقتصاد فما افتقر قوم قط اقتصدوا ، انتهى.

وأقول : ظاهر الخبر أن الوعد بالإخلاف إنما هو في الدنيا ، ويمكن أن يكون على سبيل التنزل أي لو كان مقصوراً على الدنيا فهو أيضاً مشروط بشرط ويمكن أن يكون التخلف للإخلال بالشرط.

« من حلّه » الحل بالكسر وتشديد اللام ضد الحرام ، والضمير في الموضعين إما راجع إلى المال أو إلى أحدكم.

الحديث التاسع : ضعيف على المشهور.

« والمكسب » إما مصدر ميمي أو اسم مكان والفعل كضرب ، وطيب المكسب. هو أن يكون من حلال ، والمراد ما يصرفه في المأكل والملبس أو مطلقاً وهو أظهر.

____________________

(١) سبأ : ٣٩.

٧٩

(باب)

(الاجتماع في الدعاء)

١ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عبد الله الواسطي ، عن درست بن أبي منصور ، عن أبي خالد قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام ما من رهط أربعين رجلاً اجتمعوا فدعوا الله عزَّ وجلَّ في أمرّ إلّا استجاب الله لهم ،

_________________________________________________

باب الاجتماع في الدّعاء

الحديث الأوّل : ضعيف.

وفي المصباح : الرهط ما دون العشرة من الرجال ليست فيهم امرأة وسكون الهاء أفصحّ من فتحها ، وهو جمع لا واحدّ له من لفظه ، وقيل : الرهط من سبعة إلى عشرة وما دون التسعة إلى الثلاثة نفر ، وقال أبو زيد : الرهط والنفر ما دون العشرة من الرجال ، وقال ثعلب أيضاً : الرهط والنفر والقوم والمعشرّ والعشيرة معناهم الجمع لا واحدّ لهم من لفظهم ، وهو للرجال دون النساء ، وقال ابن السكيت الرهط والعشير بمعنى ، ويقال : الرهط ما فوق العشرة إلى الأربعين قاله الأصمعي ، ونقله ابن فارس أيضاً ورهط الرّجل قومه وقبيلته الأقربون.

وفي النهاية : الرهط هم عشيرة الرّجل وأهله من الرجال ما دون العشرة ، وقيل : إلى الأربعين ، ولا تكون فيهم امرأة ولا واحدّ له من لفظه ، ويجمع على أرهط وأرهاط وأراهط جمع الجمع ، انتهى.

وقيل : المراد هنا الجماعة المتفقون في مقصد وأربعين بدل من الرهط ، وقوله : فأربعة مجرور بدلا من الرهط المحذوف بتقدير فما من رهط أربعة أو مرفوع بالابتداء ويدعون خبره والمستثنى منه في قوله : إلّا استجاب محذوف أي ما دعوا إلّا استجاب وقوله : « فواحد » مرفوع بالابتداء ولا ينافي تنكيره مثل قولهم

٨٠