مرآة العقول الجزء ١٢

مرآة العقول0%

مرآة العقول مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 594

مرآة العقول

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي ( العلامة المجلسي )
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
تصنيف: الصفحات: 594
المشاهدات: 44713
تحميل: 6429


توضيحات:

المقدمة الجزء 1 المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20 الجزء 21 الجزء 22 الجزء 23 الجزء 24 الجزء 25 الجزء 26
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 594 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44713 / تحميل: 6429
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء 12

مؤلف:
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون الله عزَّ وجلَّ عشر مرَّات إلّا استجاب الله لهم ، فإن لم يكونوا أربعة فواحدّ يدعو الله أربعين مرة فيستجيب الله العزيز الجبّار له

٢ - عدَّةٌ من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن محمّد بن علي ، عن يونس بن يعقوب ، عن عبد الأعلى ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ما اجتمع أربعة رهط قط على أمرّ واحدّ فدعوا [ الله ] إلّا تفرَّقوا عن إجابة

_________________________________________________

كوكب انتقضّ الساعة ، ويدعو خبره.

وأقول : ربما يتوهّم التنافي بين هذا وبين ما مرّ من كون دعاء السر أكثر ثواباً ، ويمكن أن يجاب بوجهين :

أولهما : أن كون الاجتماع ادعى للإجابة لا ينافي كونه أقل ثواباً.

والثاني : أن يكون هذا لمن أمن الرياء وما مضى لمن لم يأمن ، مع أنّه يمكن أن يدخل في زمرتهم ويخفى الدّعاء عنهم لكنه بعيد.

وقيل : الظاهر أنّه لا بد من دعاء كلّ واحد سواء كان الدّعاء واحداً أو متعدداً ، فإذا اجتمعوا في طلب الرّزق مثلاً ودعا كلّ منهم دعاء مأثوراً غير ما دعا الآخرون من الأدعية المأثورة فيه يتحقق الاجتماع إذا دعا واحد وأمن الباقون كما يدلّ عليه خبر آخر.

ثم الظاهر أنّه يعتبر في دعاء الأربعة ، عشرّ مرات ودعاء الواحد ، أربعين مرة أن يكون ذلك في مجلس واحد ، لأن ذلك قائم مقام اجتماع الأربعين.

الحديث الثاني : كالسّابق وإن كان أقوى.

« أربعة رهط » أي رجال كقوله تعالى :( تِسْعَةُ رَهْطٍ ) (١) ولا ينافي ذلك كون مظنّة الإجابة في الأربعين ، أكثر ، أو يحمل على ما إذا دعا كلّ منهم عشرّ مرّات ، وقد يحمل الرهط على العشرة فيصير المجموع أربعين.

____________________

(١) النمل : ٤٨.

٨١

٣ - عنه ، عن الحجال ، عن ثعلبة ، عن علي بن عقبة ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان أبيعليه‌السلام إذا حزنه أمرّ جمع النساء والصبيان ثم دعا وأمنوا

٤ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال الداعي والمؤمن في الأجر شريكان

_________________________________________________

الحديث الثالث : مرسل.

« إذا أحزنه أمر » في بعض النسخ إذا حزنه ، وفي النهاية : فيه كان إذا حزنه أمرّ صلّى ، أي إذا نزل به مهم أو أصابه غمّ ، ومنه حديث علي نزلت كراية الأمور وحوازب الخطوب جمع حازب وهو الأمرّ الشديد : وقال آمين وأمين بالمد والقصر ، والمد أكثر اسم مبني على الفتح ، معناه اللهم استجيب لي ، وقيل : معناه كذلك فليكن يعني الدّعاء ، يقال : أمن فلان يؤمّن تأميناً.

وقال في المصباح : أمين بالقصر في الجواز والمدّ إشباع بدليل أنّه لا يوجد في العربية كلمة على فاعيل ومعناه اللهم استجب. وقال أبو حاتم : معناه كذلك يكون ، وعن الحسن البصري أنّه اسم من أسماء الله تعالى ، والموجود في مشاهير الأصول المعتمدة أن التشديد خطأ وقال بعضهم : التشديد لغة وهو وهم قديم ، انتهى.

وهذا الخبر يومئ إلى أن الرهط في الأخبار أعم من النساء والصبيان ويمكن حمل تلك الأخبار علي اجتماع الأجانب ، وهذا الخبر على الأهل والعيال ويؤيّد الأوّل ما ورد من إخراج الأطفال والنساء في الاستسقاء فإنهم محل رحمة جبار الأرض والسماء.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

٨٢

(باب)

(العموم في الدعاء)

١ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن ابن القدَّاح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دعا أحدكم فليعمَّ ، فإنّه أوجب للدُّعاء

_________________________________________________

باب العموم في الدعاء

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« فليعم » على بناء المجرد من باب نصر أي يدخل المؤمنين في دعائه وظاهره الدخول في اللّفظ ففيه رخصة لتغيير الدعوات المنقولة من لفظ المتكلم مع الغير ، ويمكن الاكتفاء بالقصد أو يدعو بعد تلاوة الدّعاء المنقول تشريكهم في دعائه فأنّه أوجب للدعاء ، قيل : اللام للتعدية.

وأقول : كأنّه من الوجوب لا من الجوب والإجابة أي ألزم للدعاء ولزوم الدّعاء استحقاقه للإجابة ، قال في النهاية : فيه أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الّليل أجوب دعوة؟ قال : جوف الّليل الغابر أجوب ، أي أسرع إجابة كما يقال : أطوع ، من الطاعة ، وقياس هذا أن يكون من جانب لا من أجاب ، لأن ما زاد على العقل الثلاثي لا يبني منه أفعل من كذا إلّا في أجوف جاءت شاذة ، قال الزمخشري : كأنّه في التقدير : من جابت الدعوة بوزن فعلت بالضم كطالت أي صارت مستجابة كقولهم في فقير وشديد كأنهما من فقر وشدد وليس ذلك بمستعمل ، ويجوز أن يكون من جبت الأرض إذا قطعتها بالسّير على معنى أمضى دعوة وأنفذ إلى مظان القبول. انتهى.

فيحتمل أن يكون في الرواية أجوب وما ذكرنا أظهر.

٨٣

(باب)

( من أبطأت عليه الإجابة)

١ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال قلت لأبي الحسنعليه‌السلام جعلت فداك إنّي قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من إبطائها شيء فقال يا أحمد إياك والشّيطان أن يكون له عليك سبيل حتّى يقنطك إن أبا جعفر صلوات الله عليه كان يقول : إن المؤمن يسأل الله عزَّ وجلَّ حاجة فيؤخر عنه تعجيل إجابته حبا لصوته واستماع نحيبه ثم قال والله ما أخر الله عزَّ وجلَّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجل لهم فيها وأي شيء الدنيا إن أبا جعفرعليه‌السلام كان يقول ينبغي

_________________________________________________

باب من أبطأت عليه الإجابة

الحديث الأول : صحيح.

وأبو الحسن هو الرّضاعليه‌السلام وأبو جعفر هو الباقرعليه‌السلام ، وقيل : كذا وكذا كناية عن العدد المركب مع العطف كإحدى وعشرين.

« من إبطائها شيء » أي شبهة في وعده تعالى مع عدم الإجابة أو خفت أن لا أكون مستحقا للإجابة لشقاوتي أو حصول اليأس من روح الله ، وقوله : « أن يكون » بدل اشتمال للشيطان.

قولهعليه‌السلام : « فيؤخّر عنه » على بناء المعلوم ونسبة التأخير إلى التعجيل مع أن الظاهر نسبته إلى الإجابة ، إما باعتبار أن المراد بتعجيل الإجابة إعطاء أثر القبول في الدنيا ، أو باعتبار أن المراد بالتأخير المنع أو باعتبارهما معا كذا قيل. والنحيب أشدّ البكاء ، وكأنّ حبّه تعالى ذلك كناية عن كون ذلك أصلح للمؤمن وبين ذلك بقوله : والله ما أخر الله. وكلمة « ما » في ما أخر الله مصدرية ، وفي « ما يطلبون » موصولة ، وفي « ممّا » إما موصولة أو مصدريّة ، و « من » في قوله : من هذه ، بيانية

٨٤

للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرَّخاء نحواً من دعائه في الشدّة ليس إذا أعطي فتر فلا تمل الدّعاء فأنّه من الله عزَّ وجلَّ بمكان وعليك بالصبر وطلب الحلال وصلة الرَّحم وإيّاك ومكاشفة الناس فإنا أهل البيت نصل من قطعنا ونحسن إلى من أساء إلينا فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة إن صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل

_________________________________________________

أو تبعيضية.

« فأنّه » أي الدّعاء من الله عزَّ وجلَّ « بمكان » أي بمنزلة عظيمة رفيعة يجبّ اشتغال عبده المؤمن به في جميع الأحوال ، وقيل : في هذا الكلام إشارة إلى وجوه كثيرة لتأخير الإجابة :

الأوّل : تحقير الدنيا وكون التأخير إلى الآخرة أصلح للمؤمن ، وإليه أشار تعالى بقوله :( وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشرّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً ) (١) .

الثاني : علم الله تعالى أن إجابته يصير سبباً لفتوره في الدّعاء بسبب الرخاء ، وفيه إشارة إلى أن من شرائط الإجابة عدم تركه الدّعاء في الحالين.

الثالث : قلة صبره عن ترك المعاصي وفعل الواجبات ، أو هو إشارة إلى أن من شرائط الإجابة أن يكون صابراً عند تأخرها راجيا لها ملحا في الدّعاء.

الرابع : عدم طيب مكسبه كما مرّ أو هو إشارة إلى أن من شرائط الإجابة عدم كون الدّعاء متضمنا ًلطلب الحرام.

الخامس : قطع الرحم ، أو إشارة إلى عدم تضمن الدّعاء قطعها.

السادس : من أسباب تأخير الإجابة مكاشفة الناس ، وفي القاموس : كاشفة بالعداوة : بأداة بها.

« العاقبة الحسنة » أي عاقبة ذلك حسنة في الدنيا والآخرة ، وفي بعض النسخ بالفاء أي نعافي بذلك من شرور الدنيا وأهلها ، والثواب الجزيل في الآخرة. ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى عدم الاهتمام في الدّعاء على العدو.

____________________

(١) الإسراء : ١١.

٨٥

فأعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق الّتي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها أخبرني عنك لو أني قلت لك قولاً أكنت تثق به منّي ؟ فقلت له جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه قال فكن بالله أوثق فإنّك على موعد من الله أليس الله عزَّ وجلَّ يقول : «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ » وقال : «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ » وقال :

_________________________________________________

وقوله : « إن صاحب النعمة » ، إشارة إلى عدم الاهتمام في الدّعاء على العدو وقوله إن صاحب النعمة إشارة إلى وجه سابع من وجوه تأخيره الإجابة وإن تعجيلها يصير سبباً لزيادة الحرص على الدنيا وصغر النعمة عنده وهما من أسوإ مأثم الأخلاق.

وقولهعليه‌السلام : « إذا كثرت النعم » إشارة إلى وجه ثامن لأن كثرة المال والجاه تصير سبباً لوجوب حقوق كثيرة من الله ومن الخلق وهو على خطر عظيم في ترك تلك الحقوق والتقصير ، فيمكن أن يفتتن بحسب الدنيا ويصير مقصرا في أداء الحقوق فيصير قرين قارون.

« وما يخاف» على بناء المجهول أظهر وضمير فيها راجع إلى الحقوق ، وقيل : الواو في قوله : وما يخاف للتقسيم أي هو مردد بين أمرين إما أن لا يؤدي الحقوق فيعاقب بذلك ، أو يؤديها فيبتلى بالعجب ولا يخلو من بعد.

« فإنّك على أعلى موعد من الله » أي أنت وأمثالك من الشيعة ، ولذا قال سبحانه « إِذا دَعانِ » فإن المخالفين لم يعرفوا الله فلا يدعون الله ، وقد مرّ في كتاب التوحيد : إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنّما يعرف غيره ، وقد ورد أيضاً في الخبر إنما تدعون من لا تعرفون.

« لا تَقْنَطُوا » في الزمرّ : «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ

٨٦

«وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً » فكن بالله عزَّ وجلَّ أوثق منك بغيره ولا تجعلوا في أنفسكم إلّا خيراً فأنّه مغفور لكم.

٢ - عنه ، عن أحمد ، عن علي بن الحكم ، عن منصور الصيقل قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام ربمّا دعا الرّجل بالدّعاء فاستجيب له ثم أخر ذلك إلى حين

_________________________________________________

رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعاً »(١) وقد روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفرعليه‌السلام أنّه قال : أنزل الله هذه الآية في شيعة ولد فاطمة خاصة ، فإذا لم يستجب لهم في الدنيا ينبغي أن لا يقنطوا من رحمة الله في الآخرة لأنّه وعدهم غفران الذنوب في الآخرة ، فإذا لم يقض حوائجهم في الدنيا ينبغي أن لا ييأسوا ولا يقنطوا ويرجوا العوض في العقبى ، وقال في سورة البقرة :( الشّيطان يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢) .

فإذا عرفت حقارة الدنيا وقد وعدك الله المغفرة والفضل اللذين هما أعظم منها فلا تبال بعدم حصول مقصودك في الدنيا ، واعلم أن عدم قضاء حاجتك في الدنيا لعلمه بأنّه ليس صلاحك في قضائها فلا تقنط من رحمة الله ولا تظن به إلّا خيرا ولا تشك في أن الله سبحانه ينجز وعده وإن لم يظهر لك في الدنيا أثره.

وفي هذا الخبر فوائد كثيرة وحقائق غزيرة لمن نظر فيها بعين اليقين.

الحديث الثاني : مجهول.

وفي القاموس : صقله جلاء فهو مصقول وصقيل ، والصيقل : شحاذة السيوف وجلاؤها « ربما دعا الرجل » فيه تقدير استفهام وثم للتعجب. وكان المراد بالاستجابة هنا تقديرها ، وذلك إشارة إلى حصولها وظهور أثرها ، وقيل ، إشارة إلى الإجابة المفهومة من الاستجابة ولا يظهر الفرق بينهما في اللغة.

قال الجوهري : الإجابة والاستجابة بمعنى ، يقال : استجاب الله دعاءه ، وقال الكرماني في شرح البخاري : في قوله : من يدعوني فاستجيب ، السين ليست للطلب بل

____________________

(١) الزمر : ٥٣.

(٢) البقرة : ٢٦٨.

٨٧

قال: فقال :نعم قلت : ولم ذاك ، ليزداد من الدُّعاء ؟ قال : نعم.

٣ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق بن أبي هلال المدائني ، عن حديد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن العبد ليدعو فيقول الله عزَّ وجلَّ للملكين قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته فإني أحبَّ أن أسمع صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى عجلوا له حاجته فإني أبغض صوته.

٤ - ابن أبي عمير ، عن سليمان صاحب السابري ، عن إسحاق بن عمّار قال

_________________________________________________

بمعنىأجيب ليزداد بتقدير الاستفهام والازدياد لازم ، فقوله : من الدّعاء في مقام التميز كقولهم : عزَّ من قائل. وقد قال تعالى :( لِيَزْدادُوا إِثْماً ) (١) وقيل : من للسببية ، أي ليزيد قدرهم ومنزلتهم بسبب الدّعاء.

الحديث الثالث : كالسابق.

« فيقول الله عزَّ وجلَّ للملكين » أي الكاتبين للأعمال ، أو لملكين آخرين موكلّين بذلك ، وقيل هما الملكان اللذان مضى ذكرهما في باب فضل اليقين ، حيث قال أمير المؤمنين عليعليه‌السلام لسعيد بن قيس : أنّه ليس من عبد إلّا وله من الله عزَّ وجلَّ حافظ وواقية معه ملكان يحفظأنّه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كلّ شيء.

وضمير الجمع في احبسوا وعجلوا إشارة إلى أن في كلّ يوم وكلّ ليلة ملكان موكلان غير الموكلّين في اليوم السابق والليلة السابقة من زمان الحبس والتعجيل ، والخطاب لكلّ ملك بلفظ المفرد نظير قوله تعالى :يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ »(١) مع أن الخطاب إلى كلّ رسول في زمانه بلفظ المفرد.

« احبسوه بحاجته » أي احبسوه في الدّعاء بسبب حاجته أو تأخير إجابتها.

الحديث الرابع : كالسابق.

____________________

(١) آل عمران : ١٧٨.

٨٨

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : قال يستجاب للرَّجل الدُّعاء ثمَّ يؤخّر قال : نعم عشرين سنة.

٥ - ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان بين قول الله عزَّ وجلَّ : «قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما » وبين أخذ فرعون أربعين عاما.

٦ - ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول إن المؤمن ليدعو فيؤخّر إجابته إلى يوم الجمعة.

٧ - علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غير واحد من أصحابنا قال قال أبو عبد اللهعليه‌السلام إن العبد الولي لله يدعو الله عزَّ وجلَّ في الأمرّ ينوبه فيقول للملك الموكلّ به اقض لعبدي حاجته ولا تعجلها فإني أشتهي أن أسمع نداءه وصوته وإن العبد العدو لله ليدعو الله عزَّ وجلَّ في الأمرّ ينوبه فيقال للملك الموكلّ به اقض لعبدي حاجته وعجلها فإني أكره أن أسمع نداءه وصوته.

قال فيقول الناس ما أعطي هذا إلّا لكرامته ولا منع هذا إلّا لهوانه.

٨ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن

_________________________________________________

ويستجاب بتقدير الاستفهام وعدم ذكر الزائد عن لعشرين لندرته.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : حسن موثق.

« إلى يوم الجمعة » ليخصه بفضل الدّعاء يوم الجمعة ويضاعف له فيه.

الحديث السابع : مرسل كالحسن.

وقال الجوهري : نابه أمرّ وانتابه أي أصابه والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر قوله : وعجلها أي قد يكون التعجيل لذلك ، فلا يعجب المرء بتعجيل ظهور أثر دعائه ولا يقنط من تأخيره وإلّا فكثيراً ما يظهر أثر دعاء الأنبياء والأوصياء والأولياء من غير تأخير لظهور كرامتهم ولكونه معجزاً لهم.

الحديث الثامن : صحيح وقد مرّ مضمونه.

٨٩

سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزَّ وجلَّ ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدّعاء قلت له كيف يستعجل قال يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة.

٩ - الحسين بن محمّد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المؤمن ليدعو الله عزَّ وجلَّ في حاجته فيقول الله عزَّ وجلَّ أخروا إجابته شوقا إلى صوته ودعائه فإذا كان يوم القيامة

_________________________________________________

والحاصل أنّه ينبغي أن لا يفتر عن الدّعاء لبطء الإجابة فأنّه إما أن يكون التأخير لعدم المصلحة في هذا الوقت فسيعطى ذلك في وقت متأخر في الدنيا أو سوف يعطى عوضه في الآخرة ، وعلى التقديرين فهو في خير لأنّه مشغول بالدّعاء الذي هو أعظم العبادات ويترتب عليه أجزل المثوبات ، ورجاء رحمة في الدنيا والآخرة وهذا أيضاً من أشرف الحالات.

الحديث التاسع : مجهول بل حسن ، لأن الشيخ قال في سعدان له أصل.

و « شوقاً » مفعول له لقوله فيقول وضمير « أنّه » للشأن أو راجع إلى المؤمن ، ومن في قوله « ممّا » للسببية ، وفي قوله : من حسن ، للبيان ، وقيل : الشوق إنّما يتعلّق بشيء أدرك من وجه ولم يدرك من وجه آخر ، فإن غير المدرك أصلاً ، والمدرك من جميع الوجوه لا يتصور الشوق إليه فإن من غاب عنه محبوبة وبقي عنده خياله يشتاق إليه وكذا لو رآه لم يتصور أن يشتاق إليه إلّا أن يراه من وجه دون وجه ، كان يرى وجهه دون شعره ويراه في ظلمة ، فأنّه حينئذ يشتاق إلى استكمال رؤيته بإشراق الضوء عليه ، ففي كلّ مشتاق جهتان جهة إدراك وجهة جهل فالشوق نقص وهو ممتنع عليه سبحانه. وأجيب بأن الشوق يستلزم المحبة وإذا نسب إليه سبحانه يراد به ذلك اللازم.

وأقول : المحبة أيضاً فيه عزَّ وجلَّ مجاز وحاصله أنّه سبحانه يعلم صلاح العبد في تأخير الإجابة وكثرة الدّعاء فيؤخرها ليكثر دعاءه ويثيبه على ذلك ، فما

٩٠

قال الله عزَّ وجلَّ : عبدي دعوتني فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا قال فيتمنى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدّنيا ممّا يرى من حسن الثّواب.

(باب)

(الصلاة على النبي محمد وأهل بيتهعليهم‌السلام )

١ - عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن

_________________________________________________

ذكره القائل قياس للغائب على الشاهد ، مع أن ما ذكره في الشاهد أيضاً ممنوع.

قولهعليه‌السلام : « فيتمنى المؤمن » قيل : إن قلت عدم ظفر المتمنّي بما تمنّاه ألم ولا ألم في الجنّة. قلت : لا نسلم أنّ ذلك ألم ولو سلم فقد وقع هذا الألم في يوم القيامة على أنّه ألم لمن لم ينل ثواب ذلك ولعلّه بتمنّيه ذلك ينال ثوابه أيضاً.

باب الصلاة على محمّد وأهل بيته

الحديث الأوّل : حسن كالصحيح.

وآل النبيّ عند الإماميّة عترته الطاهرة وأصحاب العصمة ولا وجه لتخصيص الشهيد الثاني (ره) ، أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، وللعأمّة فيه اختلاف كثير ، فقيل : آله أمته ، وقيل : عشيرته ، وقيل : من حرم عليه أخذ الزكاة من بني هاشم وبني عبد المطلب ، وقد بينا معنى الآل فيما سبق ، والسر في حجب الدّعاء بدون الصلاة أمور :

الأوّل : أنّ العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه وعرض بالمجموع على الله سبحانه والصلاة غير محجوبة فالدّعاء أيضاً غير محجوب لأن الله تعالى كريم يستحيي أن يقبل جزء المفروض(١) ويرد الجزء الآخر ، وقد قرر سبحانه هذا بين عباده أيضاً فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة وكان بعضها معيبا يجبّ عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع ، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط وكان هذا أحدّ أسرار الجماعة

____________________

(١) هكذا في النسخ ، والظاهر « المعروض ».

٩١

_________________________________________________

في الصلاة والاجتماع في الدعاء.

الثاني : أن من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول والعادات أن يهدي تحفا إلى المقربين لديه والمكرمين عليه لكي يشفعوا له عنده بل لو لم يشفعوا أيضاً وعلم السلطان ذلك يقضي حاجته ، وبعبارة أخرى من أحبه السلطان وأكرمه ورفع منزلته يجبّ أن يكرمه الناس ويثنوا عليه فإذا فعل استحق العطاء من السلطان ، وإذا لم يظهر ذلك منه استحق الحرمان.

الثالث : أن الصلاة عليه وآله يصير سبباً لتكفير السيئات المانعة عن قبول الدعوات.

الرابع : أن حبهم وولاءهم والإقرار بفضلهم من أعظم أركان الإيمان فبالصلاة عليهم والتوسل به يكمل الإيمان ، ولا ريب أن كمال الإيمان يوجب مزيد القرب من الرحمن وتوفير الفضل والإحسان كما أن الثناء على الله سبحانه يقدم على الدّعاء لذلك بالجنان واللسان.

الخامس : أن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات والقابل من فيوض الفائضة من بدو الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات ، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى ، إذ لا بخل في المبدأ وإنّما النقص من القابل وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهيّة فإذا أفيض عليهم فبتطفلهم يفيض على سائر الموجودات ، فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله سبحانه يصلي عليهم ولا يرد هذا الدّعاء لأن المبدأ فياض والمحل قابل وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق ، كما إذا جاء أعرابي أو كردي غير مستأهل لشيء من الإكرام إلى باب سلطان نافذ حكمه الأنام ، فأمرّ له ببسط الموائد واختصّه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل وسخافة الرأي بخلاف

٩٢

_________________________________________________

ما إذا أمر بذلك لأحد من مقرّبي حضرته وأمراء جنده أو لرسول أحدّ من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكلّ منها يكون مستحسناً بل لو منع منها يكون مستقبحاً بظاهر النظر.

السادس : أنّهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربّنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا لعدم ارتباطنا بساحة جبروته وبعدنا عن حريم ملكوته فلا بد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية وحالات بشرية يكون لهم بالجهات الأوّل ارتباط بالجناب الأعلى يأخذون عنه ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.

ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه وظاهراً من نوع البشرّ وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون : « إِنَّما أَنَا بَشرّ مِثْلُكُمْ » لئلا ينفر عنهم أمتهم وليقبلوا منهم ويأنسوا بهم. فكذلك في إفاضة سائر الفيوض والكمالات هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات فكلّ فيض وجود يبتدأ بهم صلوات الله عليهم ثمَّ ينقسم على سائر الخلق ، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها وللفيوض إلى مقسمها لتنقسم على سائر البرايا بحسب استعداداتها وقابلياتها.

وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة والفرائد الطريفة.

وقال في النهاية : الصلاة أصلها في اللغة الدّعاء فسّميت العبادة المخصوصة ببعض أجزائها ، وقيل : إن أصلها في اللغة التعظيم ، وسميت العبادة المخصوصة صلاة لـمّا فيها من تعظيم الرب تعالى ، فأما قولنا : اللّهم صل على محمّد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل : المعنى لـمّا أمرّ الله سبحانه بالصلاة عليه ولم تبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله تعالى وقلنا : اللهم صلّ أنت على محمّد لأنك أعلم بما يليق

٩٣

أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : لا يزال الدّعاء محجوباً حتّى يصلّى على محمّد وآل محمد.

_________________________________________________

به ، انتهى.

والمشهور أن الصلاة من الله سبحانه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن العبد الدّعاء ، وقال صاحب الوافي : معنى صلاة الله على نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إفاضة أنواع الكرامات ولطائف النعم عليه.

وأمّا صلاتنا عليه وصلاة الملائكة عليه فهو سؤال وابتهال في طلب تلك الكرأمّة ورغبة في إفاضتها عليه ، وأمّا استدعاؤهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة من أمته فلأمور :

منها : أن الدّعاء مؤثر في استدرار فضل الله ونعمته ورحمته وما وعد الرسول من الحوض والشفاعة والوسيلة وغير ذلك من المقامات المحمودة غير محمودة على وجه لا يتصور الزيادة فيها والاستمداد من الأدعية استزادة لتلك الكرامات.

ومنها : ارتياحهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به كما قال : إني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.

ومنها : الشفقة على الأمّة بتحريصهم على ما هو حسنة في حقهم وقربة لهم وأمّا مضاعفّة الله صلواته على المصلي عليه بسبب صلاته عليه ، فلان الصلاة عليه ليست حسنة واحدة بل هي حسنات متعددة إذ هي تجديد الإيمان بالله أو لا ثمَّ بالرسول ثانياً ثمَّ التعظيم له ثالثا ثمَّ العناية بطلب الكرامات له رابعاً ثمَّ تجديد الإيمان باليوم الآخر وأنواع كراماته خامسا ثمَّ تذكر ذلك سادساً ، ثمَّ تعظيم القرب سابعاً ، ثمَّ الابتهال والتضرّع في الدّعاء ثامنا ، والدّعاء مخ العبادة ، ثمَّ الاعتراف بأن الأمرّ كله لله ، وأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن جل قدره فهو عبد له محتاج إلى فضله ورحمته وإلى مدد أمته ، وأنّه ليس له من الأمرّ شيء تاسعاً ، ثمَّ جميع ذلك في شأن أهل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن ضمهم معه عاشراً.

فهذه عشرّ حسنات سوى ما ورد به الشرع أن الحسنة الواحدة بعشرّ أمثالها والسيئة بمثلها.

٩٤

٢ - عنه ، عن أبيه ، عن النوفليّ ، عن السكونيّ ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من دعا ولم يذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رفرف الدّعاء على رأسه فإذا ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله رفع الدّعاء.

٣ - أبو علي الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن صفوان ، عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أن رجلاً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« ولم يذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي قولا ، وشموله للذكر القلبي بعيد ، وقال الجوهري : رفرف الطائر : إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه انتهى.

وأستعير هنا لانفصال الدّعاء عن الداعي وعدم وصوله إلى محل الاستجابة.

الحديث الثالث : صحيح.

« أجعل » بصيغة المتكلم وحده ، واللام للاختصاص أو الملكية ، وهذا الخبر مع قطع النظر عن الخبر الآتي يحتمل وجوها :

الأوّل : ما سيأتي في الخبر ، فإذا جعل ثلث صلواته له ، معناه أنّه يجعل المقصود بالذات في ثلث دعواته الدّعاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة عليه ، فكأنّه جعل ثلث دعواته له ، فأنّه جعل الدّعاء له مقدماً ثمَّ أتبعه بالدّعاء لنفسه فكأنّه جعل ثلث صلاته له ، وكذا النصف والكل.

الثاني : أن يكون المعنى أجعل ثلث دعواتي الصلاة عليك أو نصفها أو كلّها بمعنى أنّه لا يدعو لنفسه وكلـمّا أراد أن يدعو لحاجته يترك ذلك ويصلي بدله على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

الثالث : ما قيل : أن المراد بالاختصاص هنا الاتصال والمراد بالصلاة الثناء على نفسه بالدّعاء واتصال نصف الدّعاء بالرسول عبارة عن أن يصلي على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدعو بعده ثلاث دعوات لنفسه والنصف أن يدعو بعد الصلاة عليه دعائين لنفسه ، والكلّ أن يدعو بعد كلّ صلاة إلّا دعاء واحداً لنفسه.

٩٥

_________________________________________________

والقرينة على إرادة هذا المعنى أنّه قال في الثاني نصف صلواتي ولم يقل ثلثي صلواتي لأنّه يحصل الكسر حينئذ أو الاختلاف بأن يدعو بعد صلاة دعاءاً واحداً وبعد أخرى دعائين.

ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنّه يرجع إلى ما ذكرنا أولا ولا تكلف فيه.

ثمَّ اعلم أنّه روي في المصباح والمشكاة نقلا عن الترمذي بإسناده عن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال : ما شئت ، قلت : الربع؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك. قلت : النصف؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قلت : فالثلثين ، قال : ما شئت فهو خير لك ، قلت : أجعل لك صلاتي كلها؟ قال : إذا يكفي همك ويكفر لك ذنبك.

وقال الطيبي في شرح المشكاة نقلاً عن بعضهم : المعنى كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي ولم يزل يفاوضه ليوقفه على حدّ من ذلك ولم ير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحدّ له في ذلك حدا لئلّا يلتبس الفضيلة بالفريضة أولاً ، ثمَّ لا يغلق عليه باب المزيد ثانياً ، فلم يزل يجعل الأمر فيه إليه مراعياً للترغيب والحث على المزيد حتّى قال : إذن أجعل لك صلاتي كلّها ، أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي ، فقال : إذا يكفي همك أي ما يهمك من أمرّ دينك ودنياك ، وذلك لأن الصلاة عليه مشتمل على ذكر الله تعالى وتعظيم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه وإيثاره بالدّعاء له على نفسه وما أعظمها من خلال جليلة الأخطار وأعمال كريمة الأعصار. وأدى هذا الحديث تابعاً في المعنى لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكاية عن ربّه عزَّ وجلَّ : من شغله ذكري عن مسالّتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.

ثمَّ قال : وأقول ، قد تقرر أن العبد إذا صلّى مرة على النبيّ صلّى الله عزَّ وجلَّ عليه عشراً ، وأنّه إذا صلّى وفق للموافقة لله تعالى ، ودخل في زمرة الملائكة

٩٦

فقال : يا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إني أجعل لك ثلث صلواتي لا بل أجعل لك نصف صلواتي لا بل أجعلها كلّها لك فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تكفىّ مئونة الدنيا والآخرة.

٤ - محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف ، عن أبي أسأمّة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام « ما معنى أجعل صلواتي كلّها لك » ؟ فقال : يقدّمه بين يدي كلّ حاجة فلا يسأل الله عزَّ وجلَّ شيئاً حتّى

_________________________________________________

المقرّبين في قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبيّ ) (١) فأنّه يؤدّي هذا دعاءه لنفسه ، انتهى.

وقال بعضهم : « كم أجعل لك من صلاتي » هي هنا الدّعاء والورد ، يعني لي زمان أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان في الدّعاء لك. قوله : « أجعل لك صلاتي كلّها » أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي. وفيه : أن الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من الدّعاء لنفسه لأن فيه ذكر الله وتعظيم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شغله ذكره عن مسألة أعطي أفضل ويدخل فيه كفاية ما يهمّه في الدارين.

قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا تكفىّ » إذن جواب وجزاء ، والمؤنة ما يحتاج إليه وفيه صعوبة أي إذا كان الأمرّ كما ذكرته يكفيّك الله مؤنتك في الدنيا والآخرة ، فحذف الفاعل وأقيم المفعول الأوّل مقامه.

وفي النهاية : كفاه الأمرّ إذا قام مقامه فيه ، وقال الجوهري : المؤنة يهمز ولا يهمز وهي فعولة ، وقال الفراء : هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدة ، ويقال : مفعلة من الأون وهو الخرج والعدل لأنّه ثقل على الإنسان ومانت القوم أمانهم مانة إذا احتملت مؤنتهم ، وقال : كفاه مؤنته كفاية وكفاك الشيء يكفيّك ، واكتفيت به واستكفيته الشيء فكفانيه.

الحديث الرابع : صحيح أيضاً. وقد عرفت معناه في أوّل الوجوه الّتي ذكرناه في الخبر السابق. وكان غرضهعليه‌السلام الرد على العأمّة فيما فهموه من الرواية التي

____________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

٩٧

يبدأ بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلّي عليه ثمَّ يسأل الله حوائجه.

٥ - عدَّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن

_________________________________________________

رووه كما عرفت، « وحتّى » للاستثناء ، وقوله : « فيصلّي » منصوب وكذا يسأل. وقيل : الجمع في حوائجه كالجمع في يا أيّها الرسل كما عرفت.

وأقول : يحتمل أن يكون مرادهعليه‌السلام الابتداء بالصلاة في كلّ وقت يشرع في الدّعاء وإن سأل بعده أكثر من حاجة واحدة وما ذكره أيضاً حسن.

قوله : « يقدمه » الضمير راجع إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى الصلاة فما قيل : إن تذكير الضمير هنا باعتبار المعنى وهو الدّعاء وتأنيثه سابقا باعتبار اللّفظ محل نظر. وكذا ما قيل : لعلّ المراد - بكلّ الصلاة - الصلاة الكاملة في الفضل والأجر وهي الواقعة قبل السؤال وبنصفها ما دونها بهذا القدر في الفضل وهي الواقعة في وسط السؤال ، وبثلثها ما انحط منها بهذه النسبة وهي الواقعة بعد الفراغ من السؤال ، وبالجملة ففيه إشارة إلى تفاوت مراتب الصلاة في الفضل والكمال والأجر ، وستأتي الإشارة إلى جهة تكلفه.

الحديث الخامس : ضعيف.

ورواه العامة أيضاً بأسانيد.

قال في النهاية : فيه : لا تجعلوني كقدح الراكب، أي لا تؤخروني في الذكر. لأنّ الراكب يعلق قدحه في آخر رحلّه عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه.

قال حسان : « كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ».

وقال في باب الغين والميم : فيه « لا تجعلوني كغمرّ الراكب ، صلّوا علىّ أوّل الدّعاء وأوسطه وآخره » الغمرّ - بضم الغين وفتح الميم - القدح الصغير ، أراد أنّ الراكب يحمل رحلّه وأزواده ويترك قعبه إلى آخر ترحاله ثمَّ يعلقه على رحلّه كالعلاوة فليس عنده بمهم فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الّذي

٩٨

ابن القدَّاح ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجعلوني كقدح الراكب فإنَّ الراكب يملأ قدحه فيشربّه إذا شاء اجعلوني في أوّل الدّعاء وفي

_________________________________________________

لا يقدم في المهام ويجعل تبعاً. انتهى.

وقال في الفائق : أراد لا تؤخّروني في الذكر لأنّ الراكب يؤخّر القدح إلى أن يرفع كلّ شيء بسبب ما فيه من الماء. وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربّه ثمَّ يعلقه في آخر رحلّه عند فراغه من ترحاله ويجعله من خلفه.

وأقول : يظهر من هذا الخبر معنى آخر وهو أن وجه الشبه أن الراكب لا يذكر قدحه إلّا إذا عطش وأراد أن يشرب فحينئذ يملأه ويشربّه ، وأمّا في سائر الأوقات فهو عنه في غفلة. وقيل « في » في المواضع بمعنى « مع » والمعنى إذا كان لك حوائج فصل قبل كلّ دعاء ولا تكتف بالصلاة مرة قبل جميع الدعوات ، فوجه الشبه النسيان في أكثر الأوقات ، انتهى.

وأقول : ظاهر الخبر أنّه ليس الغرض من التشبيه ما فهمه المخالفون بل المعنى لا تجعلوني كقدح الراكب لا يذكره إلّا إذا عطش واضطر إليه ، فيلتفت إليه ويشرب منه ، وأمّا في سائر الأوقات فهو غافل عنه كما مرّ ، أو الغرض أن الراكب يملأ القدح أولا ويشربّه كلـمّا اضطر إليه فلا تجعلوا الصلاة كذلك بأن تصلوا أولاً وتكفوا بذلك في سائر الدعوات ، فقوله : إذا شاء متعلّق بيشربّه فقط ، أو المعنى ينبغي أن لا يكون غرضكم من الصلاة التوسل بها إلى الإجابة فقط فتذكروها في أوّل الدّعاء ثمَّ تبالغوا في حاجتكم وتهتموا بها ، بل ينبغي أن يكون اهتمامكم بالصلاة أكثر فتكرروها في أوّل الدّعاء ووسطه وآخره ، وتجعلوها مقصودكم الحقيقي كما أومأنا إليه في الخبر الأول.

فشبهعليه‌السلام الصلاة الّتي جعلها وسيلة الإجابة بالقدح وملئها فإنها وسيلة للشرب عند الحاجة والمقصود الحقيقي هو الشرب ، ويمكن تطبيقه على ما فهمه اللغويون بتكلف بأن يكون قوله : يملأ قدحه ، لبيان علة تأخير تعليق القدح فإنّه

٩٩

آخره وفي وسطه.

٦ - عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه وحسين بن أبي العلاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال إذا ذكر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصلاة عليه فأنّه من صلّى على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة واحدة صلّى الله عليه ألف صلاة في ألف صفّ من

_________________________________________________

مملوء من الماء ويحتمل عنده احتياجه إليه فلذا يؤخّر تعليقه ، ولـمّا كان أصل المثل مشهورا لم يذكرهعليه‌السلام .

فقوله : إن شاء متعلّق بالشرب ، ويمكن تعلقه بيملأ أيضاً ويكون الغرض ما ذكروه أيضاً أي إنّما يعلقه في آخر رحلّه لأنّه ليس الاحتياج إليه مستمرا بل قد يحتاج أحياناً بأن يعطش فيأخذه ويملأه ويشرب منه ، فلا تجعلوا الصلاة هكذا. والفرق بين الوجوه وتطبيقها على الخبر لا يخفى على المتأمل.

الحديث السادس : ضعيف.

« فأكثروا الصلاة عليه » الإكثار محمول على الاستحباب إجماعا. وصلاته عليه في ألف من الملائكة تحتمل وجوها :

الأوّل : وهو الظاهر أن يثني ويصلّي عليه بكلام يسمعه ألف صف من الملائكة ، فهم أيضاً يصلون عليه بصلاته جل جلاله.

الثاني : أنّه يأمرهم بالصلاة عليه والنسبة إليه تعالى لأنّه آمر.

الثالث : أن المراد بصلاته عليه رحمته وتضعيف أجره بمشهد من الملائكة.

الرابع : ما قيل : إن « في » للسببية أو بمعنى مع.

فعلى الأوّل المقصود أن صلاته عليه هو توفيقه للعبد بأن يوكلّ ألف صف من الملائكة بأن يحفظوه من البلايا والمعاصي ووساوس الشياطين وعلى التقادير هو إشارة إلى قوله تعالى :( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبيّ ) (١) الآية. والمراد

____________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

١٠٠