مرآة العقول الجزء ١٤

مرآة العقول21%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 279

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 279 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 16660 / تحميل: 5434
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٤

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره إلى الموقف.

٣ ـ سهل بن زياد ، عن الحسن بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال أول ما يتحف به المؤمن يغفر لمن تبع جنازته.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من شيع ميتا حتى يصلي عليه كان له قيراط من الأجر ومن بلغ معه إلى قبره حتى يدفن كان له قيراطان

أقول لعل ثواب التشييع يحصل في الجملة ، وإن لم يمض إلى المصلى ، بل بمجرد التشييع لعموم كثير من الأخبار.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « أول ما يتحف » إلخ قال : في ق التحفة بالضم ، وكهمزة البرد واللطف والطرفة ، والجمع تحف وقد أتحفته تحفة.

أقول لا يتوهم التنافي بين هذا وبين ما ذكر في الخبر الأول ، إن أول حبائه الجنة ، إذ يمكن أن يكون المراد هناك أول حبائه الذي يصل إليه بلا توسط غيره ، أو يكون الأولية في أحدهما إضافية ، وإنما عد مغفرة المشيعين تحفة للميت ، لأنها إكرام للميت فيصير سببا لسروره.

الحديث الرابع : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « قيراط » القيراط نصف عشر الدينار والمراد هنا قدر من الثواب ولعل الفرض بيان أن التشيع بعد الصلاة إلى الدفن يساوي في الثواب ، التشييع إلى الصلاة والتشبيه« بجبل أحد » من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس ، أي كان ذلك الثواب عظيما ممتازا بالنسبة إلى سائر المثوبات الأخروية ، كما أن جبل أحد مشهور ممتاز في العظمة بين الأجسام المحسوسة في الدنيا ويحتمل أن يكون المراد ، أن هذا العمل له هذا الثقل في ميزان عمله ، إما بناء على تجسم الأعمال كما ذهب

٢١

من الأجر والقيراط مثل جبل أحد.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من مشى مع جنازة حتى يصلى عليها ثم رجع كان له قيراط من الأجر فإذا مشى معها حتى تدفن كان له قيراطان والقيراط مثل جبل أحد.

٦ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن ميسر قال سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئا إلا وقال الملك ولك مثل ذلك.

٧ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن الحسين بن علوان ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال قال أمير المؤمنين

إليه بعض ، أو تثقيل الدفتر المكتوب فيه العمل بقدر ما يستحقه ذلك العمل من الفضل والثواب كما ذهب إليه آخرون ، والله يعلم.

الحديث الخامس : مثل ما سبق سندا ومتنا.

الحديث السادس : موثق. على الظاهر وإن احتمل أن يكون مجهولا.

قوله عليه‌السلام : « أربع شفاعات » أي تقبل شفاعته في أربعة من المذنبين ، أو في أربع حوائج من حوائجه.

قوله عليه‌السلام : « ولم يقل شيئا » أي من الدعاء للميت بالمغفرة وغيرها ، إلا دعا له الملك بمثله ، ودعاء الملك مستجاب.

الحديث السابع : الخبر مختلف فيه بابن ظريف. فإن عد ممدوحا فالخبر إما حسن ، أو موثق ، وإلا فالخبر ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « من تبع جنازة » إلخ يمكن رفع التنافي بينه وبين الرابع بأن القيراطين هناك للمشي إلى الصلاة وإلى الدفن ، وزيد ههنا قيراط للصلاة وآخر

٢٢

صلوات الله عليه من تبع جنازة كتب الله له أربع قراريط قيراط باتباعه وقيراط للصلاة عليها وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها وقيراط للتعزية.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال فيما ناجى به موسىعليه‌السلام ربه قال يا رب ما لمن شيع جنازة قال أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم إلى محشرهم.

(باب)

(ثواب من حمل جنازة )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن جابر ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال من حمل جنازة من أربع جوانبها غفر الله له أربعين كبيرة.

للتعزية.

ويمكن أن يكون القيراط الأول من القيراطين هناك مساويا لقيراطين مما ذكر ههنا.

ويحتمل أن يكون الاختلاف بحسب الأشخاص والنيات كذا أفاده الوالد العلامة ( طاب ثراه ).

الحديث الثامن : ضعيف ومفاده ظاهر.

باب ثواب من حمل الجنازة

قال في النهاية : الجنازة بالفتح والكسر ، الميت بسريره وقيل : بالكسر ( السرير ) وبالفتح ( الميت ).

الحديث الأول : حسن على الظاهر.

٢٣

٢ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن سليمان بن خالد ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة وإذا ربع خرج من الذنوب.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن الحجال ، عن علي بن شجرة ، عن عيسى بن راشد ، عن رجل من أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سمعته يقول من أخذ بجوانب السرير الأربعة غفر الله له أربعين كبيرة.

(باب)

(جنائز الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيد )

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن

الحديث الثاني : مرسل ، مجهول.

الحديث الثالث : مرسل.

أقول : الخبر الأول والثالث متحدان في المضمون ، والتوفيق بينهما وبين الثاني : إما بحملها على غير الهيئة المسنونة وحمله عليها ، أو بالحمل على اختلاف الموتى في مراتب الإيمان والفضل ، واختلاف المشيعين في إخلاصهم ونياتهم.

وقوله عليه‌السلام : « بقائمة السرير » أي بقائمة واحدة.

باب جنائز الرجال والنساء والصبيان والأحرار والعبيد

أقول : يظهر من المنتهى أنه لا خلاف في جواز إيقاع الصلاة الواحدة على ما زاد على الواحدة من الجنائز ، ويجوز التفريق أيضا وقال : لو اجتمعت جنازة الرجل والمرأة ، جعل الرجل مما يلي الإمام ، والمرأة مما يلي القبلة ، قاله علماؤنا ، ثم قال : هذه الكيفية والترتيب ليس واجبا بلا خلاف.

قال : الشهيد في الذكرى : والتفريق أفضل ولو كان على كل طائفة لما فيه من تكرار ذكر الله وتخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم ، إلا أن يخاف

٢٤

العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته كيف يصلى على الرجال والنساء قال يوضع الرجل مما يلي الرجال والنساء خلف الرجال.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أحمد بن الحسن بن علي ، عن عمرو بن

حدوث أمر على الميت. فالصلاة الواحدة أولى ، فيستحب إذا اجتمع الرجل والمرأة محاذات صدرها لوسطه ، ليقف الإمام موقف الفضيلة ، وإن يلي الرجل الإمام ، ثم الصبي لست ، ثم العبد ، ثم الخنثى ، ثم المرأة ، ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة.

وجعل ابن الجنيد الخصي بين الرجل والخنثى ، ونقل في الخلاف الإجماع على تقديم الصبي الذي يجب عليه الصلاة إلى الإمام ، ثم المرأة ، ثم قال : وأطلق الصدوقان تقديم الصبي إلى الإمام ، وفي النهاية أطلق تقديم الصبي إلى القبلة على المرأة انتهى :

أقول : استشكل جمع من الأصحاب : الاجتزاء بالصلاة الواحدة على الصبي الذي لم يجب الصلاة عليه مع غيره ممن تجب عليه الاختلاف الوجه ، وصرح العلامة في التذكرة : بعدم جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة الوجه ، ثم قال : ولو قيل بإجزاء الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط : أمكن.

أقول : مع وجوب نية الوجه ، هذا هو الوجه.

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « مما يلي الرجال » أي المصلين : والمراد « بالرجال » أخير الموتى ، وهذا الخبر ظاهر الدلالة على المشهور ، ولا يتوهم إمكان الاستدلال به على تقديم الصبيان على النساء لأن إطلاق الرجل على غير البالغ مجاز.

الحديث الثاني : موثق. وهو يشتمل على أحكام.

٢٥

سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يصلي على ميتين أو ثلاثة أموات كيف يصلي عليهم قال إن كان ثلاثة أو اثنين أو عشرة أو أكثر من ذلك فليصل عليهم صلاة واحدة يكبر عليهم خمس تكبيرات كما يصلي على ميت واحد وقد صلى عليهم جميعا يضع ميتا واحدا ثم يجعل الآخر إلى ألية الأول ثم يجعل رأس الثالث إلى ألية الثاني شبه المدرج حتى يفرغ منهم كلهم ما كانوا فإذا سواهم هكذا قام في الوسط فكبر خمس تكبيرات يفعل كما يفعل إذا صلى على ميت واحد سئل فإن كان الموتى رجالا ونساء قال يبدأ

الأول جواز صلاة واحدة على الجنائز الكثيرة ، وقد مر الكلام فيه.

الثاني : كيفية الصلاة على الجنائز المتعددة. وقد عمل. بها من تعرض لها ولم أر رادا لها.

والظاهر من الخبر : أنه يقف وسط الصف المدرج للرجال ، وكذا ذكره الأصحاب أيضا ، ولم يتعرضوا أنه يقف قريبا من الجنازة التي أمامه ، فيقع بعض الجنائز الكائنة على يمينه خلفه أو يقف بحيث يكون جميع الجنائز أمامه ، وإن بعد كثيرا عن الجنازة التي تحاذيه ، والخبر أيضا. مجمل ، وعلى تقدير العمل بالخبر القول : بالتخيير لا يخلو من قوة ، لكن قال : في التذكرة ذهب علماؤنا أجمع إلى أن الإمام يقف خلف الجنازة وجوبا ، ولا يجوز أن يتقدمها ، ويصلي والجنازة خلف ظهره انتهى ، والظاهر شموله لما نحن فيه فالأولى اختيار الثاني والله يعلم.

الثالث : الترتيب بين جنازة الرجال والنساء وقد مر أيضا.

الرابع : اشتراط كون رأس الميت في حال الصلاة على يمين المصلي ، فلو كان معكوسا بأن كان رأسه على يساره يلزم إعادة الصلاة وإن كان ساهيا ، قال المحقق : في المعتبر قال : الأصحاب يجب أن يكون رأس الجنازة إلى يمين الإمام وهو السنة المتبعة ، قالوا : ولو تبين أنها مقلوبة أعيدت الصلاة ما لم يدفن ، واحتجوا في ذلك

٢٦

بالرجال فيجعل رأس الثاني إلى ألية الأول حتى يفرغ من الرجال كلهم ثم يجعل رأس المرأة إلى ألية الرجل الأخير ثم يجعل رأس المرأة الأخرى إلى ألية المرأة الأولى حتى يفرغ منهم كلهم فإذا سوى هكذا قام في الوسط وسط الرجال فكبر وصلى عليهم كما يصلي على ميت واحد وسئل عن ميت صلي عليه فلما سلم الإمام فإذا الميت

برواية عمار ، وقال في الذكرى : ويجب الاستقبال بالميت بأن يوضع رأسه عن يمين المصلي مستلقيا ، ورجلاه إلى يسار المصلى ، قال ابن حمزة : بحيث لو اضطجع على يمينه لكان بإزاء القبلة تأسيا بالنبي والأئمة صلوات الله عليهم ، ولخبر عمار والأصحاب عاملون بهذه الأحكام كلها.

قوله عليه‌السلام : « رجلاه » ظاهره أنه تفسير للمقلوب ، ويحتمل أن يكون المراد « بالمقلوب » أن يكون مكبوبا على وجهه لكنه بعيد.

الخامس أنه لا يصلي على الميت بعد الدفن ، واختلف الأصحاب في هذه المسألة اختلافا كثيرا ، فذهب الأكثر ، ومنهم الشيخان ، وابن إدريس ، والمحقق ، إلى إن لم يدرك الصلاة على الميت ، يجوز له أن يصلي علي قبره يوما وليلة ، فإن زاد على ذلك لم يجز الصلاة عليه ، وإطلاق كلامهم يقتضي جواز الصلاة عليه ، كذلك وإن كان الميت قد صلى عليه قبل الدفن ، وقال : سلار يصلي عليه إلى ثلاثة أيام وقال : ابن الجنيد يصلي عليه ما لم يتغير صورته ، واعترف المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى ، بعدم الوقوف في هذه التقديرات على مستند ، وقال : ابن بابويه من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر ، ولم يقدر لها وقتا ، وأوجب العلامة في المختلف : الصلاة على من دفن بغير صلاة ومنع من الصلاة على غيره ، وجزم المحقق في المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا ، قال : ولا أمنع الجواز وظاهر هذا الخبر : عدم جواز الصلاة بعد الدفن ، وحمله على الميت الذي صلى عليه هكذا ، لرجوع الضمير في عليه إليه بعيد.

السادس : أنه تضمن كلام السائل التسليم في هذه الصلاة ، ولم ينكره الإمام

٢٧

مقلوب رجلاه إلى موضع رأسه قال يسوى وتعاد الصلاة عليه وإن كان قد حمل ما لم يدفن فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة لا يصلى عليه وهو مدفون.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال كان إذا صلى على المرأة والرجل قدم المرأة وأخر الرجل وإذا صلى على العبد والحر قدم العبد وأخر الحر وإذا صلى على الكبير والصغير قدم الصغير وأخر الكبير.

عليه‌السلام ، وقد حمل على التقية للإجماع ، ولما سيأتي من الأخبار ، ويحتمل أن يكون كناية عن الإتمام ، لأن التسليم غالبا في الصلوات يستلزمه ، أو يحمل على ما إذا صلى خلف المخالف فإنه يسلم عند التمام ، لكنهما بعيدان ، قال في الذكرى : أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها ، وظاهرهم. عدم المشروعية فضلا عن استحبابه.

قال : في الخلاف ليس فيها تسليم ، واحتج عليه بإجماع الفرقة ، ونقل عن العامة : التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة ، وهو يفهم ، كونه غير سنة عنده ، وقال ابن الجنيد : ولا استحب التسليم فيها ، فإن سلم الإمام فواحدة عن يمينه ، وهذا يدل على شرعيته للإمام ، وعدم استحبابه لغيره ، أو على جوازه للإمام من غير استحباب ، بخلاف غيره انتهى.

الحديث الثالث : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « كان إذا صلى » إلخ رواه في التهذيب عن سهل بهذا الإسناد كما هنا ، وفي الفقيه مرسلا كان عليعليه‌السلام : ( إذا صلى ) لعل وما في الفقيه أظهر وعلى ما في الكتابين فالمراد. الرسول ، أو أمير المؤمنين صلوات الله عليهما ، أو الصادقعليه‌السلام بأن يكون القائل طلحة : ويمكن أن يقرأ الأفعال على البناء للمجهول.

وقوله عليه‌السلام : « قدم المرأة » أي إلى القبلة وكذا البواقي ، ويدل على بعض التفصيل الذي نقلنا عن القوم. وظاهر العبد والحر ، والصغير ، والكبير ، كونهما

٢٨

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهماعليهما‌السلام قال سألته عن الرجال والنساء كيف يصلى عليهم قال الرجال أمام النساء مما يلي الإمام يصف بعضهم على أثر بعض.

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في جنائز الرجال والصبيان والنساء قال يضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك ويقوم الإمام مما يلي الرجال.

٦ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن جنائز الرجال والنساء إذا اجتمعت فقال يقدم الرجال في كتاب عليعليه‌السلام .

في الموضعين ذكرين ، وكذا الرجل ظاهره البالغ ، فلا يستفاد منه حكم اجتماع الطفل والبالغة والعبد والحرة.

الحديث الرابع : صحيح.

ويدل على تقديم الرجال على النساء.

الحديث الخامس : مرسل.

لكنه معتبر لإجماع العصابة على تصحيح ما صح عن ابن بكير ، ويدل على تقديم الصبيان على النساء ، وبإطلاقه بل بعمومه يشمل ما إذا لم يجب عليهم الصلاة فيدل على جواز إيقاع الصلاة الواحدة على من لم يجب عليه الصلاة ومن وجب عليه معا : والتمسك في نفيه بما ذكروه من اختلاف الوجه لا وجه له ، في مقابلة النص.

مع أن أمر النية هين ولا دليل أيضا على عدم جواز اتصاف فعل واحد بالوجوب والندب عن جهتين سوى الاستبعاد والله يعلم.

الحديث السادس : مرسل كالموثق ودلالته ظاهرة.

٢٩

(باب نادر )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن يحيى بن زكريا ، عن أبيه زكريا بن موسى ، عن اليسع بن عبد الله القمي قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل يصلي على جنازة وحده قال نعم قلت فاثنان يصليان عليها قال نعم ولكن يقوم الآخر خلف الآخر ولا يقوم بجنبه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا يصلى على الجنازة بحذاء ولا بأس بالخف.

باب نادر

أي مشتمل على أخبار متفرقة لا يصلح كل منهما لعقد باب مفرد له.

الحديث الأول : مجهول بعدة مجاهيل.

قوله عليه‌السلام « عن الرجل يصلي » إلخ هو يدل على حكمين.

الأول : جواز صلاة الرجل الواحد على الجنازة وعدم اشتراط التعدد في المصلي ، وظاهر بعض الأصحاب : الاتفاق على الاجتزاء بصلاة الواحد ، ولو كان امرأة قال في التذكرة : ذهب إليه علماؤنا : وقال في المنتهى! أقل من يجزى صلاته على الميت ، شخص واحد ، وللشافعي قولان.

أحدهما : مثل ما قلنا.

والثاني : أن أقل المجزي ثلاثة رجال انتهى. والعمدة في الاستدلال ، الأصل والعمومات : وهذا الخبر مؤيد على أصول الأصحاب.

الثاني : إنه يقف المأموم الواحد في هذه الصلاة خلف الإمام ، بخلاف سائر الصلوات ، فإن المأموم الواحد يقوم بجنب الإمام فيها ولا خلاف ظاهرا في هذا الحكم بينهم ، والمشهور الاستحباب والأولى أن لا يترك.

الحديث الثاني : ضعيف.

قوله عليه‌السلام « بحذاء ».

٣٠

قال الشهيد في الذكرى : يستحب نزع الحذاء لا الخف ، لخبر سيف بن عميرة : قال في المقنع : روي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي على جنازة بنعل حذو وكان محمد بن الحسن يقول : كيف تجوز صلاة الفريضة ولا تجوز صلاة الجنازة؟ وكان يقول : لا نعرف النهي في ذلك إلا من رواية محمد بن موسى الهمداني ، وكان كذابا قال الصدوق : وصدق في ذلك ، إلا إني لا أعرف عن غيره رخصة ، وأعرف النهي وإن كان عن غير ثقة ، ولا يرد الخبر بغير خبر معارض قلت : قد روى الكليني عن عدة عن سهل بن زياد عن إسماعيل بن مرار ، عن سيف بن عميرة ، ما قلناه : وهذا طريق غير طريق الهمداني ، إلا أن يفرق بين الحذاء ونعل الحذو ، واحتج في المعتبر على استحباب الحفا ، وهو عبارة ابن البراج ، بما روى عن بعض الصحابة ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار ) ولأنه موضع اتعاظ يناسب التذلل بالحفاء ، قلت : استحباب الحفا يعطي استحباب نزع الخف ، والشيخ وابن جنيد ويحيى بن سعيد ، استثنوه ، والخبر ناطق به ، وفي التذكرة : اختار عدم نزع الخف ، واحتج بحجة المعتبر وهو تمام ، لو ذكر الدليل المخرج للخف عن مدلول الحديث انتهى. والظاهر أنه يثبت استحباب ترك الحذاء بهذا الخبر ، لمساهلتهم في مستند المستحبات ، واستدلالهم عليها بالأخبار الضعيفة ، بل العامية.

والظاهر أن الحكم موضع وفاق أيضا بينهم ويحتمل أن يكون مرادهم بنعل الحذو والحذاء غير النعال العربية ، بل النعال العجمية والهندية الساترة لظهر القدم ، أو أكثر بغير الساق وحينئذ فإن قيل بكون هذه الصلاة صلاة حقيقة ، ويشملها عموم ما ورد من الأحكام في مطلق الصلاة كما ذهب إليه جماعة ، يكون القول بالمنع من الصلاة فيها جاريا ههنا إن قال : المانعون بتلك المقدمة ، لكن الظاهر من كلام أكثرهم وبعض اللغويين أن الحذاء شامل لجميع

٣١

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله خير الصفوف في الصلاة المقدم وخير الصفوف في

النعال سوى الخف قال في النهاية : الحذاء بالمد النعل وقال : المحقق وغيره وينزع نعليه ، وقال : في المنتهى ويستحب التحفي ، واستدل بهذا الخبر وما يفهم من كلام بعضهم من عدم استثناء الخف غير جيد لمخالفة الخبر الذي هو مستند الحكم والله يعلم.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « خير الصفوف » إلخ حمل من رأيت من الأصحاب كلامهم هذا الخبر على أن المراد أن خير صفوف المصلين في سائر الصلوات : الصف المقدم وخير صفوف المصلين في الصلاة على الجنازة الصف المؤخر قال : في المنتهى الصف الأخير في الصلاة على الجنائز أفضل من الصف الأول ، واستدل بهذه الرواية ، ونحوها.

قال : في التذكرة وقال في الذكرى : أفضل الصفوف المؤخر لخبر السكوني ثم قال : وجعل الصدوق : سبب الخبر ترغب النساء في التأخر منعا لهن عن الاختلاط بالرجال في الصلاة كما كن يصلين على عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويتقدمن وإن كان الحكم بالأفضلية عاما لهن وللرجال.

وقال : الصدوق في الفقيه وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير والعلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز ، فقال : النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الأخير فتأخرن إلى الصف الأخير فبقي فضله على ما ذكرهعليه‌السلام انتهى.

أقول : لا يخفى بعد ما فهموه من الخبر لفظا ومعنى بوجوه.

الأول : التعبير بالصلاة عن سائر الصلوات مطلقا من غير تقييد.

الثاني : ارتكاب الحذف والمجاز.

٣٢

الجنائز المؤخر قيل يا رسول الله ولم قال صار سترة للنساء

ثانيا بأن يكون المراد بالجنائز صلاة الجنائز.

الثالث : تخصيص التعليل بالشق الأخير ، مع جريانه في الأول إلا أن يقال النساء كن لا يرغبن في سائر الصلوات إلى الصف الأول ، وهو أيضا تكلف لابتناء الحمل على احتمال لا يعلم تحققه بل الظاهر خلافه.

الرابع : عدم استقامة التعليل في الأخير أيضا ، إذ لو بني على أنهعليه‌السلام قال ذلك تورية لرغبة النساء إلى الأخير ، فلا يخفى ركاكته وبعده عن منصب النبوة لاشتماله على الحيلة في الأحكام.

ولو قيل أن ذلك صار سببا لتقرر هذا الحكم وجريانه ، فهذا أيضا تكلف إذ كان يكفي لتأخر النساء بيان إن ذلك خير لهن ، مع أن « الأفضل » متعلق بالرجال في جميع الموارد ، بل الظاهر من الخبر أن المراد بالصفوف في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة وغيرها ، والمراد. بصفوف الجنائز نفس الجنائز إذا وضعت للصلاة عليها ، والمراد أن خير الصفوف في الصلاة المقدم أي ما كان أقرب إلى القبلة وخير الصفوف في الجنائز المؤخر أي ما كان أبعد عن القبلة وأقرب من الإمام كما مر مفصلا ، ولما كان الأشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال صار الحكمان معا سببين لسترة النساء لأن تأخرهن في الصفوف سترة لهن ، وتقدم جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن فاستقام التعليل وسلم الكلام عن ارتكاب الحذف والمجاز وصار الحكم مطابقا لما دلت عليه الأخبار الكثيرة.

والعجب من الأصحابرحمهم‌الله كيف ذهلوا عن هذا الاحتمال الظاهر وذهبوا إلى ما يحتاج إلى تلك التكلفات البعيدة فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين.

٣٣

(باب)

(الموضع الذي يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه من صلى على امرأة فلا يقوم في وسطها ويكون مما يلي صدرها وإذا صلى على الرجل فليقم في وسطه.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن

(باب الموضع الذي يقوم الإمام إذا صلى على الجنازة)

قال الشيخ : في المبسوط : والمفيد وأبو الصلاح : يقف الإمام في الجنازة عند وسط الرجل وصدر المرأة وعليه معظم الأصحاب لا سيما المتأخرين منهم ، وقال الشيخ في الخلاف : يقف عند رأس الرجل وصدر المرأة وبه قال علي ابن بابويه ، وقال : ابنه في المقنع إذا صليت على الميت فقف عند صدره وكبر ثم قال : وإذا صليت على المرأة فقف عند صدرها وللشيخ في الاستبصار قول ثالث : إنه يقف عند رأس المرأة وصدر الرجل ، قال في المنتهى : بعد ما اختار القول المشهور واستدل عليه ، هذه الكيفية مستحبة بلا خلاف عندنا ، ثم نقل رواية موسى بن بكر فقال والكل جائز.

الحديث الأول : مرسل.

لكنه معتبر لكون المرسل : ابن المغيرة وهو ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وهو حجة المشهور مع رواية عمرو بن شمر عن جابر.

الحديث الثاني : ضعيف.

وهو حجة الشيخ في الاستبصار. وأول خبر ابن المغيرة بأنقوله « مما يلي صدرها » المعنى فيه إذا كان قريبا من الرأس ، وقد يعبر عنه بأنه يلي الصدر لقربه

٣٤

موسى بن بكر ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال إذا صليت على المرأة فقم عند رأسها وإذا صليت على الرجل فقم عند صدره.

(باب)

(من أولى الناس بالصلاة على الميت )

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب.

منه ، وأول في التهذيب هذا الخبر بأنقوله « عند صدره » يعني الوسط استعمالا لاسم الشيء فيما يجاوره ، وكذلك الرأس يعبر به عن الصدر للقرب.

أقول : أخبار العامة وأقوالهم أيضا في ذلك مختلفة لا يتأتى حمل البعض على التقية ، فالقول بالتخيير لا يخلو من قوة وإن كان العمل بالمشهور أولى.

(باب من أولى بالصلاة على الميت)

الحديث الأول : حسن.

ولا يضر إرساله لكون المرسل ابن أبي عمير.

قوله عليه‌السلام « أولى الناس بها » فسر الأصحاب أولى الناس بالوارث وقطعوا بأن الوارث أحق بالصلاة عليه من غيره بل ظاهرهم أنه مجمع عليه واستدلوا باية «أُولُوا الْأَرْحامِ »(١) وبهذا الخبر وبخبر ابن أبي نصر الاتي.

وقال بعض المتأخرين : لو قيل : إن المراد « بالأولى » هنا أمس الناس بالميت رحما ، وأشدهم به علاقة من غير اعتبار لجانب الميراث لم يكن بعيدا.

وقال الشهيد الثانيرحمه‌الله اعلم : أن ظاهر الأصحاب ( إن أذن الولي ) إنما يتوقف عليه الجماعة لا أصل الصلاة لوجوبها على الكفاية فلا يناط برأي أحد من المكلفين فلو صلوا فرادى بغير إذن أجزأ.

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٦ سورة الأنفال : ٧٥.

٣٥

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال قلت له المرأة تموت من أحق بالصلاة عليها قال زوجها قلت الزوج أحق من الأب والولد والأخ قال نعم ويغسلها.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المرأة تموت من أحق أن يصلي عليها قال الزوج قلت الزوج أحق من الأب والأخ والولد قال نعم.

أقول : الظاهر أن المراد إمامة هذه الصلاة إذ الظاهر أن ليس المراد بكون الإمام أحق أو الوارث أحق أن لا يصلي عليها غيرهم ، مع هذا الحث والترغيب العظيم الوارد في الأخبار من غير تقيد بأحد ، فما ذكرهرحمه‌الله متين وإن اعترض عليه بعض من تأخر عنه.

الحديث الثاني : ضعيف.

ويدل على أن الزوج أولى في الصلاة والغسل من الأب والولد والأخ.

الحديث الثالث : مجهول موافق لما سبق في الدلالة.

واعلم أن كون الزوج أولى من سائر الأقارب ، هو المعروف من مذهب الأصحاب ، وورد صحيحة حفص بن البختري ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله بأن الأخ أولى من الزوج ، وحملهما الشيخ وغيره على التقية.

أقول : وإن وافقنا على كون الزوج أولى من العصبات الشعبي ، وعطاء ، وعمر ابن عبد العزيز ، وإسحاق ، وأحمد في رواية ، لكن حكم بأولوية العصبات جماعة منهم سعيد بن المسيب ، والزهري ، وأبو حنيفة ، ومالك. والشافعي ، وأحمد في رواية وهؤلاء أكثر ، وأقوالهم بين العامة أشهر ورعاية التقية في آرائهم أظهر.

ثم اعلم أن المشهور أن هذا الحكم مخصوص بالزوج ، ولا يتعدى إلى

٣٦

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى ، عن طلحة بن زيد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحق الناس بالصلاة عليها.

الزوجة ، وربما قيل بالمساواة لشمول اسم الزوج لهما لغة وعرفا ، ولا يخفى ضعفه فإن ذلك إنما يتم مع إطلاق لفظ الزوج ، لا مع التصريح بأنه أحق بامرأته كما في الرواية.

الحديث الرابع : ضعيف إلا أنه كالموثق لأنهم ذكروا في طلحة أن كتابه معتمد.

ويدل على أن إمام الأصلعليه‌السلام أولى من كل أحد حتى الوارث في الصلاة على الميت كما هو المشهور ، وقال العلامة : إمام الأصل أحق بالصلاة على الميت إذا قدمه الولي ويجب عليه تقديمه لقوله تعالى «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ »(١) والإمام يثبت له ما يثبت للنبي من الولاية ، وقال الشيخ : فإن لم يقل الولي لم يجز له أن يتقدم.

واستدل لخبر السكوني عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : قال أمير المؤمنينعليه‌السلام إذا حضر سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت ، وإلا فهو غاصب ، ولا يخفى ضعف هذا القول ، إذ عموم الخبر الأول مؤيد بعمومات الايات والأخبار الدالة على أولوية الإمام في كل أمر من أمور الدين والدنيا وولايته على كل أحد ، والخبر الثاني مخالف لهما فالعمل بالأول متعين مع أن الخبر الثاني غير صريح في الاستئذان ، بل يمكن أن يكون الضمير في قوله « وإلا فهو غاصب » راجعا إلى الولي ، وأيضا يحتمل أن يكون المراد بالسلطان غير إمام الأصل بقرينة التنكير كما ذكره الشهيد (ره) وكيف يتوهم ذلك مع أنه يلزم مع عدم إذن الولي لهعليه‌السلام إما تركه للصلاة أو اقتداؤهعليه‌السلام

__________________

(١) سورة الأحزاب : آية ٣٣.

٣٧

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب.

(باب)

(من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء )

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن يونس بن يعقوب قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الجنازة أيصلى عليها على غير وضوء؟

بغيره والمحذور فيهما ظاهر والأولى عدم التعرض لأمثال هذه المسائل المتعلقة بالإمامعليه‌السلام لسوء الأدب وقلة الجدوى ولأنه مع حضورهعليه‌السلام لا يحتاج إلى فتوى غيره ومع غيبته لا فائدة في البحث عنه والله يعلم.

الحديث الخامس : ضعيف مرسل : وقد مر الكلام فيه.

باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء

أجمع علماؤنا على عدم اشتراط هذه الصلاة بالطهارة ، قال في المنتهى : ويستحب أن يصلي بطهارة وليست شرطا ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، وبه قال الشعبي ومحمد بن جرير الطبري ، وقال الشافعي هي شرط وإليه ذهب أكثر الجمهور. وقال في التذكرة : وليست الطهارة شرطا ، بل يجوز للمحدث والحائض والجنب أن يصلوا على الجنائز مع وجود الماء والتراب والتمكن منهما ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ثم قال الطهارة وإن لم تكن واجبة إلا أنها مستحبة عند علمائنا.

الحديث الأول : موثق.

قوله عليه‌السلام : « نعم إنما هو تكبير » إلى آخره.

تذكير الضمير : إما باعتبار الخبر ، أو بتأويل الفعل ونحوه ، ويدل على ما مر من عدم اشتراط الطهارة ، ثم اعلم أن الأصحاب اختلفوا في أن إطلاق الصلاة

٣٨

فقال نعم إنما هو تكبير وتحميد وتسبيح وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء.

على هذه حقيقة أم مجاز ، ويتفرع عليه إجراء الأحكام والشرائط الواردة في الصلاة مطلقا فيها ولذا اختلفوا في أنه هل تجب فيها إزالة الخبث وترك ما يجب تركه في سائر الصلوات أم لا؟ وفي أنه هل يبطلها ما يبطل غيرها أم لا؟ فإذا عرفت هذا.

فاعلم أن التعليل الوارد في الخبر يحتمل وجهين.

الأول أن يكون المراد أنها ليست بصلاة حقيقة حتى تكون مشروطة بالطهارة ، بل الصلاة تطلق عليها بالمعنى اللغوي وهو الدعاء ، وهي تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كسائر الأذكار والدعوات.

الثاني أن يكون المراد أنها ليست بصلاة مشتملة على الركوع والسجود حتى يشترط فيها الطهارة ، بل هي نوع خاص من الصلاة ، وفي هذا النوع ليست الطهارة بشرط كما ورد في مرسلة حريز عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : الطامث تصلى على الجنازة ، لأن ليس فيها ركوع وسجود وكذا في غيرها من الأخبار ، وإن احتمل هذه الأخبار أيضا المعنى الأول ، ولعل الظاهر هو المعنى الأول ، وحينئذ يدل على عدم جريان أحكام مطلق الصلاة فيها كليا.

تفريع : اعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب ظاهرا في وجوب الاستقبال والقيام مع القدرة ، اتباعا للهيئة المنقولة وفي وجوب الستر مع الإمكان قولان : وجزم العلامة بعدمه ، وكذا اختلفوا في أنه هل يعتبر فيها الطهارة من الخبث؟ وذهب أكثر المتأخرين إلى العدم ، تمسكا بمقتضى الأصل ، وإطلاق الإذن في صلاة الحائض مع عدم انفكاكها من النجاسة غالبا ولا يخلو من قوة ، وكذا في ترك سائر ما يجب تركه في اليومية ، قال في الذكرى : وفي وجوب إزالة الخبث عنه وعن

٣٩

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن الحلبي قال سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب يتوضأ فاتته الصلاة عليها قال يتيمم ويصلي.

٣ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار جميعا ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الحميد بن سعيد قال قلت لأبي الحسنعليه‌السلام الجنازة يخرج بها ولست على وضوء فإن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة

ثوبه نظر؟ من الأصل ، وأنها دعاء وأحقية الخبث بالنسبة إلى الحدث ، ومن ثم صحت الصلاة مع الخبث لا مع بقاء حكم الحدث ، ومن إطلاق التسمية بالصلاة التي يشترط فيها ذلك ، وللاحتياط ، ولم أقف في هذا على نص ولا فتوى ، ثم قال : والأجود ترك ما يترك في ذات الركوع والإبطال بما يبطل خلا ما يتعلق بالحدث والخبث انتهى.

أقول : يمكن أن يفرع على الخلاف المذكور ، اشتراط العدالة في إمامة تلك الصلاة ، ويؤيد العدم عدم فوت فعل من الأفعال عن المأموم بسبب الائتمام والله يعلم.

الحديث الثاني : حسن.

وظاهره لزوم الطهارة وأن التيمم لضيق الوقت وحمل على الاستحباب جمعا.

الحديث الثالث : مجهول.

بعبد الحميد ، وفي بعض النسخ ابن سعيد ، وفي بعضها ابن سعد ، وذكره الشيخ في الرجال مرة هكذا ومرة هكذا ، والظاهر أنهما واحد والخبر معتبر لإجماع العصابة على صفوان.

قوله عليه‌السلام : « أحب إلى » ظاهره الاستحباب ، ويمكن أن يكون مراده

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279