مرآة العقول الجزء ١٧

مرآة العقول14%

مرآة العقول مؤلف:
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 417

المقدمة الجزء ١ المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦
  • البداية
  • السابق
  • 417 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 24932 / تحميل: 4718
الحجم الحجم الحجم
مرآة العقول

مرآة العقول الجزء ١٧

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بل إنّ ظاهر كلمات المحققين من النحاة صحة تركيب « هو أولى » و « هما أوليان »، فإنّهم قد صرّحوا بجواز حذف « من ومجرورها » بعد اسم التفضيل، ولهم على ذلك شواهد من الكتاب وأشعار العرب: قال الأزهري: « وقد تحذف من مع مجرورها للعلم بهما، نحو:( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى ) أي من الحياة الدنيا. وقد جاء الإِثبات والحذف في:( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ) أي منك. وإلى ذلك أشار الناظم بقوله:

وأفعل التفضيل صله أبداً

تقديراً أو لفظاً بمن إنْ جرّدا

وأكثر ما تحذف من مع المفضول إذا كان أفعل خبراً في الحال أو في الأصل، فيشمل خبر المبتدأ وخبر كان وان وثاني مفعولي ظن وثالث مفاعيل أعلم »(١) .

وقال الرضي: « وإذا علم المفضول جاز حذفه غالباً إنْ كان أفعل خبراً كما يقال لك: أنت أسن أم أنا؟ فتجيب بقولك: أنا أسن. ومنه قوله: الله أكبر ويجوز أن يقال في مثل هذه المواضع: إن المحذوف هو المضاف إليه، أي أكبر كلّ شيء ويجوز أن يقال: إن من مع مجرورة محذوف، أي أكبر من كلّ شيء »(٢) .

والأعجب من كل ذلك غفلة الرازي عن صيغة التكبير الذي يفتتح به الصلاة في كل صباح ومساء.

١٣ - وجوه بطلان منع « هو أولى الرجل » .

وأما قول الرازي: « وتقول: هو مولى الرجل ومولى زيد ولا تقول هو أولى الرجل ولا أولى زيد » فيبطله وجوه:

____________________

(١). التصريح في شرح التوضيح ٢ / ١٠٢.

(٢). شرح الكافية: مبحث أفعل التفضيل.

١٦١

الأول: إذا كان ملاك التركيب لدى الرازي هو العقل لا الوضع، فأيّ استحالة عقلية تلزم من هذا التركيب؟

الثاني: إنّ إضافة « أولى » إلى « رجل » و « زيد » جائزة بحسب القاعدة في علم النحو، لأن استعمال اسم التفضيل مضافاً هو أحد طرق استعماله، كما صرح به النحويون بأجمعهم من غير خلاف. فأيّ مانع من إضافة « أولى » وهو اسم تفضيل إلى « زيد » و « الرجل »؟

الثالث: إنه بالاضافة إلى جواز هذا الاستعمال بحسب القاعدة، فقد وقع هذا الاستعمال وورد في حديث نبوي مذكور في الصحيحين،

ففي باب ميراث الولد من أبيه وأمه من كتاب الفرائض من صحيح البخاري:

« حدثنا موسى بن إسماعيل [ قال ] حدّثنا وهيب [ قال ] حدّثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر »(١) .

وقد أخرجه في باب ميراث الجد مع الأب والأخوة(٢) .

وفي باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج(٣) .

وأخرجه مسلم في صحيحه حيث قال: « حدّثنا عبد الأعلى بن حماد - وهو النرسي - [ قال ] نا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

حدثنا أمية بن بسطام العيشي [ قال ] نا يزيد بن زريع [ قال ] نا روح بن القاسم عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ألحقوا الفرائض بأهلها فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر.

____________________

(١). صحيح البخاري ٨ / ١٨٧.

(٢). نفس المصدر ٨ / ١٨٨.

(٣). نفس المصدر ٨ / ١٩٠.

١٦٢

حدثنا إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع وعبد بن حميد - واللفظ لابن رافع - قال إسحاق نا وقال الآخران أنا عبد الرزاق قال أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله [ تعالى ] فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر »(١) .

فإن زعم الرازي أنا نمنع إضافته إلى المفرد المعرفة. فنقول: إن لاسم التفضيل عند إضافته معنيين، ولا يجوز إضافته إلى المفرد المعرفة بناءاً على أحدهما دون الآخر، قال ابن الحاجب: « فإذا أضيف فله معنيان، أحدهما - وهو الأكثر - أن تقصد به الزيادة على من أضيف إليه، وشرطه أن يكون منهم، نحو زيد أفضل الناس، ولا يجوز يوسف أحسن أخوته. والثاني: أن تقصد زيادة مطلقة ويضاف للتوضيح ».

وقال الرضي في شرحه: « قوله: والثاني أن يقصد زيادة مطلقة. أي يقصد تفضيله على كل من سواه مطلقاً، لا على المضاف إليه وحده، وإنما تضيفه إلى شيء لمجرد التخصيص والتوضيح، كما تضيف سائر الصفات، نحو: مصارع مصر، وحسن القوم، مما لا تفصيل فيه، فلا يشترط كونه بعض المضاف إليه، فيجوز بهذا المعنى أن تضيفه إلى جماعة هو داخل فيهم نحو قولك: نبيناصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل قريش، بمعنى أفضل الناس من بين قريش. وأن تضيفه إلى جماعة من جنسه ليس داخلاً فيهم، كقولك: يوسف أحسن أخوته، فإنّ يوسف لا يدخل في جملة أخوة يوسف، بدليل أنك لو سئلت عن عدد إخوته لم يجز لك عدّه فيهم، بلى يدخل لو قلت: أحسن الأخوة، أو أحسن بني يعقوب. وأن تضيفه إلى غير جماعة نحو: فلان أعلم بغداد، أي أعلم ممن سواه وهو مختص ببغداد، لأنّها منشؤه أو مسكنه، وإن قدّرت المضاف أي أعلم أهل بغداد فهو مضاف إلى جماعة يجوز أن يدخل فيهم »(٢) .

____________________

(١). صحيح مسلم ٥ / ٥٩ - ٦٠.

(٢). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

١٦٣

أقول: وعلى هذا فمتى أريد من « أولى » التفضيل والزيادة المطلقة - لا الزيادة على من أضيف إليه فقط - جازت إضافته إلى « الرجل » و « زيد »، لأجل مجرد التخصيص والتوضيح.

١٤ - جواب منع « هما مولى رجلين ».

وأما قول الرازي: « هما أولى رجلين، وهم أولى رجال، ولا تقول: « هما مولى رجلين ولا هم مولى رجال » فهو توهم تدفعه كلمات المحققين الماضية، الدالة على أن الترادف لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام.

على أنه لا تلزم أيّة استحالة عقلية من هذا الاستعمال، بناءاً على ما ذكره الرازي من كون مدار الاستعمال والإطلاق هو العقل لا الوضع.

١٥ - منع « هو أولاه » و « هو أولاك » غير مسلّم

وأمّا قوله: « ويقال: هو مولاه ومولاك، ولا يقال: هو أولاه وأولاك » فغير مسلّم، فإنه إذا كان الغرض هو التفضيل المطلق جاز إضافة اسم التفضيل إلى المفرد المعرفة لمجرد التخصيص والتوضيح، وعليه فلا مانع من إضافته إلى الضمير أيضاً. وقال ابن حجر العسقلاني بشرح « فما بقي فهو لأولى رجل ذكر » نقلاً عن السهيلي: « فإنْ قيل: كيف يضاف « أي أولى » للواحد وليس بجزء منه؟ فالجواب: إذا كان معناه الأقرب في النسب جازت إضافته وإنْ لم يكن جزءاً منه، كقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البر « برّ أمّك ثم أباك ثم أدناك »(١) .

وقد أضيف في هذا الحديث « أدنى » - وهو اسم تفضيل - إلى الضمير.

على أنّ الملاك لدى الرازي هو تجويز العقل كما تقدّم مراراً، ولا استحالة في إضافة اسم التفضيل إلى الضمير عقلاً.

____________________

(١). فتح الباري ١٥ / ١٤.

١٦٤

ثم إنّ الرازي قال في خاتمة كلامه: « وهذا الوجه فيه نظر مذكور في الأصول ».

فنقول له: أيها المجادل الغفول، الآتي بكل كلام مدخول! إذا كان عندك في هذا الوجه نظر مذكور في الأصول، فلم أتعبت النفس بتزوير هذا الهذر والفضول! الذي يردّه المنقول وتأباه العقول! وتبطله إفادات المحققين الفحول؟!

وبما ذكرنا ظهر بطلان قول ( الدهلوي ): « وهو منكر بالإِجماع ».

على أنّ الرازي قد قال في وجوه إثبات مجيء « الباء » للتبعيض كما هو مذهب الشافعي: « الثاني: النقل المستفيض حاصل بأن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، فوجب أن يكون إقامة حرف « الباء » مقام « من » جائزاً. وعلى هذا التقدير يحصل المقصود ».

فنقول: لا ريب في جواز « فلان مولى لك ». وبناءاً على ما ذكره من أن حروف الجر يقام بعضها مقام بعض، يجب أن يكون إقامة حرف « من » مقام اللام « جائزاً » وأن يستعمل « فلان مولى منك » بدل ( فلان أولى منك ) وعلى هذا التقدير يحصل المقصود.

* * *

١٦٥

١٦٦

وجوه بطلان شبهة

إن قول أبي عبيدة بيانٌ لحاصل معنى الآية

وشبهات أخرى

١٦٧

١٦٨

قوله:

« وأيضاً: فإنّ تفسير أبي عبيدة بيان لحاصل معنى الآية ».

أقول: هذا باطل لوجوه:

١ - لم يقل هذا أحد من أهل العربية

إن ( الدهلوي ) قد نسب هذا القول إلى جمهور أهل العربية، مع أن أحداً منهم لم يقله، بل إنّ الأصل في هذه الشبهة هو الرازي كما سيأتي، وقد ذكر من ترجم للرازي أنه لم يكن له اطلاع في علوم العربية، قال ابن الشحنة: « وكانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية »(١) .

٢ - لو كان كذلك فلما ذا خطّئوا أبا زيد كما زعم؟

إنه لو أمكن حمل تفسير أبي عبيدة على ما ذكر، فلماذا خطّأ جمهور أهل العربية أبازيد في تفسيره الذي تبع فيه أبا عبيدة - حسب زعم ( الدهلوي ) -؟ ولما ذا

____________________

(١). روضة المناظر - حوادث سنة ٦٠٦.

١٦٩

لم يحملوا تفسيره على هذا المعنى كذلك؟

٣ - لم ينفرد أبو عبيدة بهذا التفسير

إنه وإنْ كان الأصل في هذه الشبهة هو الرازي، لكن الرازي اعترف بأنّ جماعة من أئمة اللغة والتفسير يفسّرون الآية كذلك، وليس أبو عبيدة منفرداً به، قال الرازي بعد عبارته السابقة: « وأما الذي نقلوا عن أئمة اللغة أن « المولى » بمعنى « الأولى » فلا حجة لهم، وإنما يبيّن ذلك بتقديم مقدمتين -.

إحداهما: إن أمثال هذا النقل لا يصلح أن يحتج به في إثبات اللغة، فنقول: أن أبا عبيدة وإنْ قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) هي أولى بكم. وذكر هذا أيضاً: الأخفش والزجاج وعلي بن عيسى، واستشهدوا ببيت لبيد، ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق، لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه، والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى مرسلاً غير مسند، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة، وليس كل ما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصلية، ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة في قوله تعالى:( وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) . والقلب بالعقل في قوله( لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ ) . مع أن ذلك ليس لغة أصلية، فكذلك ههنا »(١) .

لكن ( الدهلوي ) يحاول إسدال الستار على هذه الحقيقة الراهنة، فيدعي أن جمهور أهل العربية يحملون تفسير أبي عبيدة على انه بيان للمعنى لا تفسير، وكأن أبا عبيدة منفرد بهذا التفسير، وقد رأينا أن مخترع هذه الشبهة - وهو الرازي - يعترف بأن جماعة آخرين يفسرون الآية كذلك.

وأما قول الرازي: « ولكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق » فساقط جداً. إذ لا طريق لنا إلى معرفة مفاهيم الألفاظ إلّا بتنصيصات أئمة اللغة، فإنْ

____________________

(١). نهاية العقول - مخطوط.

١٧٠

حملت كلماتهم على التساهل سقطت عن الحجية، وبطلت الاستدلالات والحجج، بل إنّ كلام الرازي هذا خير وسيلة وذريعة للملحدين وجحدة الدين في إنكار حقائق الدين الإسلامي، إذ متى أريد إلزامهم بأمرٍ من أمور الدين استناداً إلى تصريحات اللغويين كان لهم أن يقولوا: « ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق »، بل يكون اعتراضهم أقوى، واعتذارهم عن القبول والتسليم أبلغ، لأنهم يخالفون أئمة اللغة في الدين أيضاً، بخلاف الرازي فإنه وإيّاهم من أهل ملة واحدة وبذلك ينهدم أساس دين الاسلام، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

هذا، ولا عجب من تأييد الرازي للملحدين، فقد عرفت من تصريح الذهبي(١) أن للرازي تشكيكات على دعائم الإسلام، وفي ( لسان الميزان )(٢) عن الرازي أن عنده شبهات عديدة في دين الإسلام، وأنه كان يبذل غاية جهده في تقرير مذاهب المخالفين والمبتدعين، ثم يتهاون ويتساهل في دفعها والجواب عنها.

٤ - الأصل في هذه الدعوى أيضاً هو الرازي

ثم إنّ الأصل في هذه الشبهة أيضاً هو الرازي كما عرفت من كلامه السابق، وقال بتفسير قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ ) ما نصه:

« وفي لفظ « المولى » هاهنا أقوال - أحدها: قال ابن عباس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: إن المولى موضع « الولي » وهو القرب. فالمعنى: إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.

والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم، وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. واعلم: أن هذا الذي قالوه معنىً وليس بتفسير للّفظ، لأنه لو كان « مولى »

____________________

(١). ميزان الاعتدال ٣ / ٣٤٠.

(٢). لسان الميزان ٤ / ٤٢٦.

١٧١

و « أولى » بمعنى واحد في اللغة لصحّ استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر، فكان يجب أن يصح أن يقال: « هذا مولى من فلان » كما يقال: « هذا أولى من فلان » ويصح أن يقال: « هذا أولى فلان » كما يقال: « هذا مولى فلان ». ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير.

وإنما نبّهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقوله [عليه‌السلام ]: « من كنت مولاه فعلي مولاه » قال: أحد معاني « مولى » أنه « أولى » واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسير هذه الآية بأن مولى معناه أولى. وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه إمّا بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً.

وأمّا نحن فقد بيّنا بالدليل أن قول هؤلاء في هذا الموضوع معنىً لا تفسير، وحينئذ يسقط الاستدلال »(١) .

٥ - خدشة النيسابوري لكلام الرازي

ولكن ما أسلفنا من البحوث كاف لإسقاط وإبطال هذا الكلام، على أنه قد بلغ من السقوط والهوان حدّاً لم يتمكن النيسابوري من السكوت عليه، بالرغم من متابعته للرازي في كثير من المواضع، قال النيسابوري ما نصه: « هي مولاكم قيل: المراد أنها تتولى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار. وقيل أراد هي أولى بكم، قال جار الله: حقيقته هي محراكم ومقمنكم. أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم، كما قيل: هو مئنة الكرم، أي مكان لقول القائل إنه لكريم.

قال في التفسير الكبير: هذا معنى وليس بتفسير اللفظ من حيث اللغة، وغرضه أن الشريف المرتضى لمـّا تمسّك في إمامة علي بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

____________________

(١). تفسير الرازي ٢٩ / ٢٢٧ - ٢٢٨.

١٧٢

من كنت مولاه فهذا علي مولاه، إحتج بقول الأئمة في تفسير الآية: إن « المولى » معناه « الأولى » وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه، لأن ما عداه بيّن الثبوت ككونه ابن العم والناصر، أو بيّن الانتفاء كالمعتق والمعتق، فيكون على التقدير الأول عبثاً، وعلى التقدير الثاني كذباً. قال: وإذا كان قول هؤلاء معنىً لا تفسيراً بحسب اللغة سقط الاستدلال.

قلت: في هذا الاسقاط بحث لا يخفى »(١) .

* * *

____________________

(١). تفسير النيسابوري ٢٧ / ٩٧.

١٧٣

شبهات أخرى

هذا، وقد بقيت شبهات أخرى في هذا المقام، نذكرها مع وجوه دفعها إتماماً للمرام:

١ - عدم ذكر بعض اللغويين هذا المعنى

فالشبهة الأولى: إنه وإنْ ذكر جماعة من أئمة اللغة هذا المعنى، إلّا أنّ بعضهم لم يذكروه. ذكر هذه الشبهة الفخر الرازي حيث قال: « لأن الأكابر من النقلة مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة مندفعة بوجوه:

الأول: لا اعتبار بالنفي الصريح في مقابلة الإِثبات، فكيف بعدم الذكر والسكوت؟ إنْ صحت النسبة إلى الخليل؟

والثاني: إنّ كتاب « العين للخليل » موصوف بالاضطراب والتصريف

١٧٤

الفاسد، قال أحمد بن الحسين الجاربردي بعد ذكر بيت جاء فيه لفظة « أمهتي » « والهاء زائدة، لأنّ أما فعل بدليل الأمومة في مصدره وأمات في جمعه » ثم قال بعد بيت جاء فيه لفظة « أمات »: « وأجيب عن ذلك بمنع أن أماً فعل والهاء زائدة، وسنده: إن الهاء يجوز أن يكون أصلاً، لما نقل خليل بن أحمد في كتاب العين من قولهم « تأمهت » بمعنى: إتخذت أماً. هذا يدل على أصالة الهاء ».

ثم قال: « قال في شرح الهادي: الحكم بزيادة الهاء أصح لقولهم: أم بنية الأمومة. وقولهم: « تأمهت » شاذ مسترذل » قال: « في كتاب العين من الاضطراب والتصريف الفاسد ما لا يدفع»(١) .

فإذا كان هذا حال ( كتاب العين ) بالنسبة إلى ما ورد فيه، فكيف يكون عدم ورود معنىً فيه سنداً لإِنكاره؟!

الثالث: إنه بالاضافة إلى ما تقدم فقد قدح طائفة من كبار المحققين في « كتاب العين » كما لا يخفى على من راجع ( المزهر ) و ( كشف الظنون )(٢) .

الرابع: لقد صرح الرازي نفسه بإطباق الجمهور من أهل اللغة على القدح في ( العين ) فقد قال السيوطي في ( المزهر ): « أوّل من صنف في جمع اللغة الخليل ابن أحمد. ألّف في ذلك كتاب العين المشهور. قال الامام فخر الدين الرازي في المحصول: أصل الكتب المصنفة في اللغة كتاب العين، وقد أطبق الجمهور من أهل اللغة على القدح فيه ».

فالعجب من الرازي يقول هذا ثم يحتج بعدم ذكر الخليل ( الأولى ) في جملة معاني ( المولى ) وإذا كان ذلك رأي الجمهور من أهل اللغة فلا ينفع دفاع السيوطي عن ( العين ).

الخامس: دعواه عدم ذكر أضراب الخليل هذا المعنى للفظ المذكور كذب

____________________

(١). شرح الجار بردي على الشافية لابن الحاجب ١٤٩ - ١٥٠.

(٢). كشف الظنون ٢ / ١٤٤٢.

١٧٥

واضح، فإن ( أبا زيد ) من أضرابه ومعاصريه - بل ذكر المترجمون له تقدّمه على الخليل كما تقدم - قد ذكر ذلك، كما اعترف به الخصوم حتى ( الدهلوي )، وفسر ( أبو عبيدة ) لفظة « المولى » بـ « الأولى » كما اعترف به الجماعة حتى الرازي نفسه، و ( أبو عبيدة ) من أضراب الخليل ومعاصريه، بل أفضل منه كما علم من تراجمه، وكذلك ( الفراء ) من معاصريه وقد فسّر « المولى » بـ « الأولى ».

فثبت كذب الرازي في هذه الدعوى.

السادس: لقد فسر محمد بن السائب الكلبي « المولى » بـ « الأولى »، وقد توفي الكلبي سنة (١٤٦) فهو متقدم على الخليل المتوفى سنة (١٧٥) وقيل (١٧٠) وقيل (١٦٠) كما ذكر السيوطي(١) .

السابع: لقد علمت مما تقدم أن جماعة كبيرة من مشاهير الأئمة الأساطين - غير من ذكرنا - قد أثبتوا مجيء « المولى » بمعنى « الأولى »، واستشهدوا لذلك بشعر لبيد، فعدم ذكر الخليل ذلك - إنْ ثبت - لا يليق للاحتجاج بعد إثبات هؤلاء الأثبات للمعنى المذكور.

الثامن: لقد علمت سابقاً أن البخاري ذكر للمولى خمسة معان، فقال ابن حجر وغيره بأن أهل اللغة يذكرون له معان أخرى غيرها. فمن هنا يظهر أن عدم ذكر البخاري لتلك المعاني لا ينفي ثبوتها، فكذلك عدم ذكر الخليل « الأولى » ضمن معاني « المولى » - على تقدير تسليم ذلك - غير قادح في ثبوته، لأن غيره من الأئمة قد ذكروه.

ثم قال الرازي: « والأكثرون لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية أو آية أخرى ».

وهذا الكلام فيه كفاية لأهل الدراية.

قال: « مرسلاً غير مسند ».

____________________

(١). بغية الوعاة ١ / ٥٦٠.

١٧٦

ويدفعه ما تقدم في دفع دعواه أن ذلك معنىَّ لا تفسير.

قال: « ولم يذكروه في الكتب الأصلية ».

ويدفعه: تصريح ابن الأنباري ومحمد بن أبي بكر الرازي بكون « الأولى بالشيء » من جملة معاني « المولى ». بل ورود تفسيره بهذا المعنى في ( الصحاح للجوهري ) وهو من الكتب الأصلية في اللغة بلا ريب.

وأمّا قوله: « ألا تراهم يفسرون اليمين بالقوة » فيفيد جواز استعمال « المولى » بمعنى « الأولى » مثل استعمال « اليمين » بمعنى « القوة » و « القلب » بمعنى « العقل ».

ثم قال الرازي: ما نصه: « وثانيها: - إن أصل تركيب ( ول ي ) يدل على معنى القرب والدنو، يقال: وليته وأليه والياً، أي دنوت منه، وأوليته إياه: أدنيته، وتباعدنا بعد ولي. ومنه قول علقمة:

وعدت عواد دون وليك تشعب.

وكل مما يليك، وجلست مما يليه، ومنه: الولي وهو المطر الذي يلي الوسمي، والولية: البرذعة لأنها تلي ظهر الدابة، وولي اليتيم والقتيل وولي البلد، لأن من تولّى الأمر فقد قرب منه. ومنه قوله تعالى:( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) من قولهم: ولاه ركبته، أي جعلها مما يليه. وأما ولىّ عني إذا أدبر فهو من باب ما يثقل الحشو فيه للسلب، وقولهم: فلان أولى من فلان أي أحق، أفعل التفضيل من الوالي أو الولي كالأدنى والأقرب من الداني والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً، لأن من كان أحق بالشيء كان أقرب إليه، والمولى اسم لموضع الولي، كالمرمى والمبنى لموضع الرمي والبناء ».

أقول: هذه المقدمة لا علاقة لها بمطلوب الرازي الذي هو نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أصلاً، لأن حاصل هذا الكلام هو كون أصلا تركيب « ولي » دالاً على معنى القرب، وكون « المولى » اسماً لموضع الولي، وهذان الأمران لا دلالة فيهما على نفي مجيء « المولى » بمعنى « الأولى » أبداً، وإلّا لزم أن لا يكون

١٧٧

« المعتق » و « المعتق » وغيرهما من معاني « المولى » أيضاً.

٢ - تفسير أبي عبيدة يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق

ثم قال الرازي: « وإذا ثبت هاتان المقدمتان فلنشرع في التفصيل قوله:

إن أبا عبيدة قال في قوله تعالى:( مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ ) معناه: هي أولى بكم. قلنا: إنّ ذلك ليس حقيقة بوجهين أحدهما: إن ذلك يقتضي أن يكون للكفار في الجنة حق، إلّا أن النار أحق، لأن ذلك من لوازم أفعل التفضيل وإنه باطل ».

وجوه دفعها

وهذه الشبهة حول تفسير أبي عبيدة يدفعها وجوه:

الأول: إنه يحتمل أن يكون المعنى: نار جهنم أولى بإحراق الكفّار من نار الدنيا، لا أن المراد أولوية النار بهم من الجنة.

الثاني: إنه لمـّا كان زعم الكفار استحقاقهم دخول الجنة، فإنه بهذا السبب يثبت أولوية النار بهم من الجنة أيضاً. قال نجم الأئمة الرضي الاسترآبادي: « ولا يخلو المجرور بمن التفضيلية من مشاركة المفضل في المعنى، إمّا تحقيقاً نحو: زيد أحسن من عمرو، أو تقديراً كقول عليعليه‌السلام : « لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ». لأن إفطار يوم الشك الذي يمكن أن يكون من رمضان محبوب عند المخالف، فقدّرهعليه‌السلام محبوباً إلى نفسه أيضاً، ثم فضّل صوم شعبان عليه، فكأنّه قال: هب أنه محبوب عندي أيضاً، أليس صوم من شعبان أحبّ منه. و قالعليه‌السلام : « اللهم أبدلني بهم خيراً منهم » أي في اعتقادهم لا في نفس الأمر، فإنّه ليس فيهم خير، « وأبدلهم بي شراً مني » أي في اعتقادهم أيضاً، وإلّا فلم يكن فيهعليه‌السلام شر. ومثل قوله تعالى( أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ) كأنهم لما اختاروا موجب النار. ويقال في

١٧٨

التهكّم: أنت أعلم من الحمار، فكأنّك قلت: إنْ أمكن أن يكون للحمار علم فأنت مثله مع زيادة، وليس المقصود بيان الزيادة، بل الغرض التشريك بينهما في شيء معلوم انتفاؤه من الحمار»(١) .

الثالث: إن المستفاد من الأحاديث العديدة هو أن لكل واحد من المكلّفين مكاناً في الجنّة ومكاناً في النار. وقال الرازي نفسه بتفسير قوله تعالى:( أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) « وهاهنا سؤالات - السؤال الأول: لم سمّي ما يجدونه من الثواب والجنة بالميراث، مع أنه سبحانه حكم بأن الجنة حقّهم في قوله:( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ؟ الجواب من وجوه:

الأول: ما روي عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - وهو أبين ما يقال فيه: وهو: أنّه لا مكلَّف إلّا أعدّ الله له في النار ما يستحقه إن عصى، وفي الجنة ما يستحقه إنْ أطاع، وجعل لذلك علامة، فإذا آمن منهم البعض ولم يؤمن البعض صار [ منزل ] منازل من لم يؤمن كالمنقول، وصار مصيرهم إلى النار الذي لا بدّ معها [ معه ] من حرمان الثواب كموتهم، فسمي ذلك ميراثاً لهذا الوجه »(٢) .

٣ - لو كان الأمر كما ذكر أبو عبيدة لقيل هي مولاتكم

ثم قال الرازي: « ثانيهما: لو كان الأمر كما اعتقدوا في أن « المولى » هاهنا بمعنى « الأولى » لقيل هي مولاتكم ».

وجوه دفعها

وهذه شبهة أخرى حول تفسير أبي عبيدة، وهي مندفعة بوجوه:

____________________

(١). شرح الكافية - مبحث أفعل التفضيل.

(٢). تفسير الرازي ٢٣ / ٨٢.

١٧٩

الأول: لقد نسي الرازي أو تناسى إصراره على لزوم التساوي بين المترادفين في جميع الاستعمالات، فإنه بناءاً على ذلك لا يبقى مورد لهذه الشبهة، لأنه إذا كان « المولى » بمعنى « الأولى » جاز استعمال كل منهما مكان الآخر، فإذا وقع « الأولى » خبراً لمبتدأ كان المذكر والمؤنث فيه على حد سواء فكذلك « المولى » الذي بمعناه يستوي فيه المذكر والمؤنث في صورة وقوعه خبراً، فالشبهة مندفعة بناءاً على ما ذهب إليه وألحّ عليه.

الثاني: دعوى اختصاص استواء التذكير والتأنيث باسم التفضيل كذب صريح وغلط محض، لثبوت الاستواء المذكور في مواضع اُخر، قال ابن هشام:

« الغالب في « التاء » أن تكون لفصل صفة المؤنث من صفة المذكر كقائمة وقائم، ولا تدخل هذه التاء في خمسة أوزان، أحدها: فعول، كرجل صبور بمعنى صابر وامرأة صبور بمعنى صابرة، ومنه:( وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ) والثاني: فعيل بمعنى مفعول، نحو رجل جريح وامرأة جريح. والثالث: مفعال كمنحار، يقال رجل منحار وامرأة منحار، وشذ ميقانة. والرابع: مفعيل كمعطير، وشذ امرأة مسكينة، وسمع امرأة مسكين. والخامس: مفعل كمغشم ومدعى »(١) .

الثالث: إنّ تذكير المؤنث بحمل أحدهما على الآخر شائع في الاستعمال كتأنيث المذكر، قال السيوطي: « الحمل على المعنى. قال في الخصائص: إعلم أن هذا الشرح غور من العربية بعيد ومذهب نازح فسيح. وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث، وتصور معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد، وفي حمل الثاني على لفظ قد يكون عليه الأول، أصلا كان ذلك اللفظ أو فرعا وغير ذلك، فمن تذكير المؤنث قوله تعالى:( فَلمـّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) أي هذا الشخص( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) لأن الموعظة والوعظ واحد.( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) أراد

____________________

(١). التوضيح في شرح الألفية بشرح الأزهري ٢ / ٢٨٦ - ٢٨٧.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الفضل بن يونس ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به إلى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع قال يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولا شيء عليه قلت فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع قال هذا مصدود عن الحج إن كان دخل مكة متمتعا «بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ » فليطف بالبيت أسبوعا ثم يسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة فإن كان مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا شيء عليه.

كان القران متعينا عليه لأنه إذا لم يكن واجبا لم يجب القضاء فعدم وجوب الكيفية أولى وهو قوي.

الحديث الثامن : موثق.

قوله عليه‌السلام : « فيقف بجمع » ظاهره إدراك الحج باضطراري المشعر أيضا.

قوله عليه‌السلام : « ويذبح شاة » لزوم الهدي على من صد عن التمتع حتى فاته الموقفان خلاف المشهور.

ونقل الشيخ في الخلاف قولا : بوجوب الدم على فائت الحج ، وظاهر الخبر أيضا عدم لزوم العمرة لو فات عنه الإفراد للتحلل وهذا أيضا خلاف ما عليه الأصحاب.

ويمكن حمل الأول على الاستحباب والثاني على تأكد سقوط استحباب الحلق وسقوط استحباب الذبح لا سقوط عمرة التحلل.

قال في الدروس : لو صد عن الموقفين دون مكة فله التحلل والمصابرة فإن فات الحج فالعمرة ولا يجوز نسخة إلى العمرة قبل الفوات ، وأوجب علي بن بابويه وابنه : على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان العمرة ودم شاة ولا شيء على المفرد سوى العمرة.

قوله عليه‌السلام : « ولا شيء عليه » ليس هذا في التهذيب. وقال المحقق الأردبيلي

٣٤١

قدس الله روحه وفي هذا الخبر فوائد.

الأولى : عدم تحقق الصد إذا كان محبوسا بالحق وذلك يفهم من قوله ظالما بالمفهوم وذكره الأصحاب أيضا ويدل عليه العقل والنقل أيضا وهذا ظاهر.

الثانية. إدراك الحج بإدراك المشعر اضطراريا كان أو اختياريا لظاهر يوم النحر فإنه يصدق على قبل طلوع الشمس وبعده مع أنه سكت عن التفصيل. بل الظاهر الاضطراري لأن الغالب أن المطلق من الحبس يوم النحر ما يصل إلى المشعر قبل طلوعها.

الثالثة : عدم تحقق الصد بالمنع عن عرفة فقط. مع تيسير المشعر.

الرابعة : تحققه إذا أخرج من الحبس بعد فوت المشعر.

الخامسة : أنه لو كان بعد التعريف لم يكن مصدودا لقوله قبل أن يعرف بل يكون حجة مجزيا بإدراك عرفة وحدها أيضا مطلقا.

السادسة : وجوب الذبح والحلق مع العمرة.

السابعة : عدم وجوب كفارة بفوت منسك بغير الاختيار.

الثامنة : أن الواجب على المصدود بعد العمرة المتمتع بها عن حج التمتع على الظاهر هو العمرة المفردة لكن مع وجوب الذبح أيضا وتعيين الحلق وذلك غير ظاهر من كلام الأصحاب ، ويمكن حمل الذبح على الاستحباب وعلى كونه هدى التمتع الواجب وحمل الحلق على الاستحباب أو على كون الحاج صرورة لوجود ما ينافيه من جواز التقصير أيضا على ما ذكره الأصحاب.

التاسعة : يمكن استفادة وجوب التحلل بالعمرة إذا لم يتحلل بالهدي وفات الحج في المحصور أيضا كما يقوله الأصحاب قياسا على المصدود.

العاشرة : أن الواجب هو العمرة فقط من دون الذبح والحلق إذا كان مصدودا عن الحج المفرد أو عدم وجوب شيء أصلا إذا كان مفردا كما يدل عليه ظاهر الكافي

٣٤٢

٩ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال المصدود يذبح حيث صد ويرجع صاحبه فيأتي النساء والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحل هذا في مكانه قلت له أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل فأتى النساء قال :

بل قوله في التهذيب ولا حلق إذ لو كان عليه عمرة لكان عليه الحلق ولو تخييرا بينه وبين التقصير إلا أن يقال : المراد نفي التعيين فيفهم حينئذ القول بالتعيين في الإحلال عن حج التمتع ولا يقول به أحد على الظاهر فتأمل.

الحادية عشر : انتقال إحرام الحج إلى إحرام العمرة من غير قصد واحتياج إلى النقل كما هو مذهب البعض.

الثانية عشر : أنه يفهم عدم وجوب طواف النساء في هذه العمرة فتأمل.

الحديث التاسع : موثق. وقال السيد في المدارك : لا خلاف في عدم بطلان تحلله إذا تبين عدم ذبح هديه لأن تحلله وقع بإذن الشارع فلا يتعقبه البطلان ، ويدل عليه صريحا قول الصادقعليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار : فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحل لم يكن عليه شيء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا(١) ، ويستفاد من هذه الرواية وجوب الإمساك عن محرمات الإحرام إذا بعث الهدي في القابل ، وبمضمونها أفتى الشيخ في النهاية والمبسوط.

وقال ابن إدريس : لا يجب ، واستوجه العلامة في المختلف وحمل الروايات على الاستحباب.

واعلم : أنه ليس في الرواية ولا في كلام الأصحاب تعيين لوقت الإمساك صريحا وإن ظهر من بعضها أنه من حين البعث وهو مشكل ، ولعل المراد أنه يمسك من حين إحرام المبعوث معه الهدي انتهى.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٣٠٥ ح ١.

٣٤٣

فليعد وليس عليه شيء وليمسك الآن عن النساء إذا بعث.

(باب)

(المحرم يتزوج أو يزوج ويطلق ويشتري الجواري)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح وإن نكح فنكاحه باطل.

٢ ـ أحمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن حريز ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نكاحه.

٣ ـ أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن ابن بكير ، عن إبراهيم بن الحسن ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا.

وأقول : هذه الرواية تدل على الإمساك عن خصوص النساء لا غيرها من محرمات الإحرام وربما يؤيد ذلك الاستحباب.

باب المحرم يتزوج أو يزوج ويطلق ويشتري الجواري

الحديث الأول : مرسل. وكل ما تضمنه من الأحكام مقطوع به في كلام الأصحاب.

الحديث الثاني : صحيح.

الحديث الثالث : مجهول.

قوله عليه‌السلام : « ثم لا يتعاودان أبدا » المشهور بين الأصحاب أنه لو تزوج محرما عالما حرمت وإن لم يدخل ، وإن كان جاهلا فسد ولا يحرم ولو دخل.

وقال سيد المحققين في شرح النافع : أما إنها لا تحرم مع الجهل ولو دخل

٣٤٤

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن صفوان ، عن معاوية بن عمار قال المحرم لا يتزوج فإن فعل فنكاحه باطل.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن سماعة بن مهران ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم أنه لا يحل له قلت فإن فعل فدخل بها المحرم قال إن كانا عالمين فإن على كل واحد منهما بدنة وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة وإن لم تكن محرمة فلا شيء عليها إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم فإن كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة.

٦ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول المحرم يطلق ولا يتزوج.

فلا ريب فيه ، وأما التحريم مع العلم فاستدلوا عليه برواية زرارة وابن سرحان(١) وفيها قصور من حيث السند فيشكل التعلق بها إن لم يكن إجماعيا ولو كانت الزوجة محرمة والزوج محلا فالأصل يقتضي عدم التحريم. ولا نص هنا وربما قيل : بالتسوية.

الحديث الرابع : حسن.

الحديث الخامس : موثق. وقال سيد المحققين في المدارك : لم أقف على رواية تتضمن لزوم الكفارة للعاقد المحرم لكن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، ومقتضى الرواية الواردة في المحل لزوم الكفارة للمرأة المحلة أيضا إذا كانت عالمة بإحرام الزوج ، وبه أفتى الشيخ وجماعة وهو أولى من العمل بأحد الحكمين واطراح الآخر كما فعل في الدروس وإن كان المطابق للأصول اطراحها مطلقا لأن سماعة واقفي.

وأقول : خبر سماعة معتبر لتوثيقه واعتماد الأصحاب على خبره ، ولو سلم ضعفها فهو منجبر للشهرة بين الأصحاب وتكررها في الأصول.

الحديث السادس : صحيح وعليه الفتوى.

__________________

(١) الوسائل : ج ١٤ ص ٣٧٨ ح ١.

٣٤٥

٧ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المحرم يطلق قال نعم.

٨ ـ أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن سعد بن سعد ، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع قال نعم.

(باب)

(المحرم يواقع امرأته قبل أن يقضي مناسكه أو محل يقع على محرمة)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة قال جاهلين أو عالمين قلت أجبني في الوجهين جميعا قال إن كانا جاهلين استغفرا ربهما ومضيا على حجهما وليس عليهما شيء وإن كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحج من

الحديث السابع : ضعيف على المشهور.

الحديث الثامن : صحيح وعليه الفتوى.

باب المحرم يواقع امرأته قبل أن يقضي مناسكه أو محل يقع على محرمة

الحديث الأول : حسن. ويستفاد منه أحكام.

الأول : أن المحرم إذا أصاب زوجته المحرمة وكانا جاهلين لم يكن عليهما شيء ، وهذا مقطوع به في كلام الأصحاب ، وكذا حكم الناسي على ما ذكروه.

الثاني : أنه إذا كانا عالمين فسد حجهما ولزمهما إتمام الحج والحج من قابل ، وعلى كل منهما بدنة سواء كان الحج فرضا أو نفلا ، وحمل على ما إذ كانت المرأة مطاوعة كما سيأتي وهو المجمع بين العلماء مجملا ، وإطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائم والمتمتع بها ولا في الوطء بين القبل والدبر ، ونقل عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب في الوطء في الدبر البدنة دون

٣٤٦

قابل فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا قلت فأي الحجتين لهما قال الأولى التي أحدثا فيها

الإعادة وهو ضعيف ، والحق في المنتهى بوطئ الزوجة الزنا ووطي الغلام وهو غير بعيد وإن أمكن المناقشة في دليله ، وإنما يفسد الحج بالجماع إذا كان قبل الوقوف بالمشعر ، ونقل عن المفيد وأتباعه أنهم اعتبروا قبلية الوقوف بعرفة أيضا.

الثالث : افتراقهما في الحج الثاني إذا بلغا مكان الخطيئة إلى أن يعودا إليه ، وهذا أيضا إجماعي في الجملة ، ولا خلاف في أن ابتداء الافتراق من مكان الخطيئة ، وأما انتهاؤه فالمشهور أنه الفراغ من المناسك ، ويدل الخبر الآتي على أن انتهاءه بلوغ الهدي محله ولعله كناية عن الإحلال بذبح الهدي كما هو المصرح به في رواية ابن أبي حمزة(١) ، والاحتياط يقتضي العمل بهذا الخبر وإن كان الأظهر حمله على الاستحباب بل حمل خبر قضاء جميع المناسك أيضا عليه ، واختلف في وجوب التفرقة في الحجة الأولى والأصح الوجوب كما اختاره ابنا بابويه ، وجمع من الأصحاب.

ونقل عن ابن الجنيد : أنه أوجب التفرقة في الحجة الأولى من مكان الخطيئة إلى أن يعودا إليه ، ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار(٢) وسيأتي في صحيحة سليمان بن خالد(٣) ويمكن حمل ما تضمناه من استمرار التفريق بعد أداء المناسك على الاستحباب جمعا بين الأدلة ، ثم الظاهر من الرواية أنهما لو حجا على غير هذا الطريق لم يجب عليهما الافتراق وإن وصلا إلى موضع يتفق فيه الطريقان كما ذكر في المنتهى.

واحتمل الشهيد الثاني : وجوب التفرق في المتفق ولا يخلو من إشكال ، والمراد من افتراقهما : أن لا يخلو في مكان إلا ومعهما ثالث كما سيأتي.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٦٠ ح ٢.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٥٥ ح ٢.

(٣) الوسائل : ج ٩ ص ٢٥٩ ح ١.

٣٤٧

ما أحدثا والأخرى عليهما عقوبة.

٢ ـ علي ، عن أبيه ، عن حماد ، عن أبان بن عثمان رفعه إلى أحدهماعليهما‌السلام قال معنى يفرق بينهما أي لا يخلوان وأن يكون معهما ثالث.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وصفوان ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المحرم يقع على أهله قال إن كان أفضى إليها فعليه بدنة والحج من قابل وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه الحج من قابل قال وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم قال إن كان جاهلا فليس عليه شيء وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة وعليه الحج من قابل فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرق محملهما فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما «حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ».

٤ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه‌السلام رجل وقع على أهله وهو محرم قال أجاهل أو عالم قال قلت جاهل قال يستغفر الله ولا يعود ولا شيء عليه.

الرابع : أن الحجة الأولى فرض والثانية عقوبة وذهب إليه الشيخ والمحقق وجماعة.

وقال ابن إدريس : الإتمام عقوبة والثانية فرضه وتظهر الفائدة في الأجير لتلك السنة وفي كفارة خلف النذر وشبهه لو كان مقيدا بتلك السنة وفي المصدود إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته.

الحديث الثاني : مرفوع.

الحديث الثالث : حسن كالصحيح.

قوله عليه‌السلام : « وإن لم يكن أفضى إليها » عليه فتوى الأصحاب وإطلاق النص ، وكلامهم يقتضي عدم الفرق في لزوم البدنة بذلك بين أن ينزل وعدمه ، وتردد في المنتهى مع عدم الإنزال ولا وجه له بعد إطلاق النص بالوجوب ، وتصريح الأصحاب بوجوب الجزور بالتقبيل والشاة بالمس بشهوة.

الحديث الرابع : ضعيف على المشهور.

٣٤٨

٥ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن محرم واقع أهله فقال قد أتى عظيما قلت أفتني فقال استكرهها أو لم يستكرهها قلت أفتني فيهما جميعا فقال إن كان استكرهها فعليه بدنتان وإن لم يكن استكرهها فعليه بدنة وعليها بدنة ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى ينتهيا إلى مكة وعليهما الحج من قابل لا بد منه قال قلت فإذا انتهيا إلى مكة فهي امرأته كما كانت فقال نعم هي امرأته كما هي فإذا انتهيا إلى المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا فإذا أحلا فقد انقضى عنهما فإن أبي كان يقول ذلك.

وفي رواية أخرى فإن لم يقدر على بدنة فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين

الحديث الخامس : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : « فعليه بدنتان » لا خلاف بين الأصحاب في عدم فساد حج المرأة مع الإكراه ، وأما تحمل الرجل الكفارة عنها فهو المشهور بين الأصحاب. وقال السيد في المدارك : ويدل على تعدد الكفارة رواية ابن أبي حمزة(١) وهي ضعيفة السند ، وربما ظهر من صحيحة سليمان بن خالد(٢) عدم تعدد الكفارة على الزوج مع الإكراه انتهى.

ولا ريب في أنه لا يتحمل عنها سوى الكفارة شيئا.

قوله عليه‌السلام : « فإطعام ستين مسكينا » قال في الدروس : لو عجز عن البدنة الواجبة بالإفساد فعليه بقرة ، فإن عجز فسبع شياه ، فإن عجز فقيمة البدنة دراهم تصرف في الطعام ويتصدق به فإن عجز صام عن كل مد يوما ، قاله الشيخ.

وقال في التهذيب روي إطعام ستين لكل مسكين مد فإن عجز صام ثمانية

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٦٠ ح ٢.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٥٩ ح ١.

٣٤٩

مد فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما وعليها أيضا كمثله إن لم يكن استكرهها.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نصر ، عن صباح الحذاء ، عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن موسىعليه‌السلام أخبرني عن رجل محل وقع على أمة له محرمة قال موسر أو معسر قلت أجبني فيهما قال هو أمرها بالإحرام أو لم يأمرها أو أحرمت من قبل نفسها قلت أجبني فيهما فقال إن كان موسرا وكان عالما أنه لا ينبغي له وكان هو الذي أمرها بالإحرام فعليه بدنة وإن شاء بقرة وإن شاء شاة وإن لم يكن أمرها بالإحرام فلا شيء عليه موسرا كان أو معسرا ـ وإن كان أمرها وهو معسر فعليه دم شاة أو صيام.

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن

عشر يوما ذكره في الرجل والمرأة(١) .

وقال ابن بابويه : من وجب عليه بدنة في كفارة وعجز فسبع شياه ، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما بمكة أو منزله لرواية داود الرقي(٢) غير أن فيها كون البدنة في فداء وهو أخص من الكفارة.

الحديث السادس : موثق. والتفصيل المذكور فيه مقطوع به في كلام الأصحاب ، والظاهر أن المراد بإعسار المولى إعساره عن البدنة والبقرة وبالصيام ثلاثة أيام كما هو الواقع في إبدال الشاة مع الاحتمال الاكتفاء باليوم الواحد وإطلاق النص وكلام أكثر الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الأمة بين أن تكون مكرهة أو مطاوعة وصرح العلامة ومن تأخر عنه بفساد حجها مع المطاوعة ووجوب إتمامه والقضاء كالحرة وإنه يجب على المولى إذنها في القضاء والقيام بمؤنتها لاستناد الإفساد إلى فعله وللتوقف فيه مجال.

الحديث السابع : صحيح. ويدل على الافتراق في الحجة الأولى كما أومأنا

__________________

(١) التهذيب : ج ٥ ص ٣١٨ ح ٧.

(٢) الوسائل : ج ١٠ ص ١٧١ ح ١.

٣٥٠

رجل باشر امرأته وهما محرمان ما عليهما فقال إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة الرجل فعليهما الهدي جميعا ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك وحتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا وإن كانت المرأة لم تعن بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شيء.

(باب)

(المحرم يقبل امرأته وينظر إليها بشهوة أو غير شهوة)

(أو ينظر إلى غيرها)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ومحمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم قال لا شيء عليه ولكن ليغتسل

إليه سابقا.

باب المحرم يقبل امرأته وينظر إليها بشهوة أو غير شهوة أو ينظر إلى غيرها

الحديث الأول : حسن كالصحيح. ويدل على أحكام.

الأول : أن من نظر إلى امرأته فأمنى لم يكن عليه شيء وحمل على ما إذا لم يكن بشهوة كما هو الظاهر مما بعده ، وهو مقطوع به في كلامهم بل ظاهر المنتهى أنه إجماعي.

الثاني : أنه إذا حملها من غير شهوة فأمنى لم يكن عليه شيء وهو أيضا مقطوع به في كلامهم.

الثالث : أنه لو حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم ، والمشهور بين الأصحاب أنه إذا مسها بشهوة يجب عليه دم الشاة سواء أمنى أو لم يمن كما

٣٥١

ويستغفر ربه وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شيء عليه وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم وقال في المحرم ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل قال عليه بدنة.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها ثوبها ومحملها قلت أفيمسها وهي محرمة قال نعم قلت المحرم يضع يده بشهوة قال يهريق دم شاة قلت فإن قبل قال هذا أشد

يدل عليه حسنة الحلبي الآتية(١) ، وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم(٢) .

الرابع : إذا نظر إليها بشهوة وحملها أيضا بشهوة فأنزل فعليه بدنة ، والمشهور بين الأصحاب أنه لو نظر إليها بشهوة فأمنى فعليه بدنة بل ظاهر المنتهى أنه إجماعي.

الحديث الثاني : حسن. ويشتمل على حكمين.

الأول : أن في المس بشهوة شاة وقد تقدم.

الثاني : أنه إذا قبلها بشهوة كان عليه بدنة سواء أنزل أم لم ينزل ، وهذا قول الصدوق في المقنع ، وذهب جماعة من المتأخرين إلى أنه إذا قبلها بغير شهوة كان عليه شاة ولو كان بشهوة كان عليه جزور.

وقال الصدوق في الفقيه : بوجوب الشاة مطلقا(٣) .

وقال ابن إدريس : إذا قبلها بشهوة فإن أنزل فعليه جزور وإن لم ينزل فعليه شاة كما لو قبلها بغير شهوة.

وما دل عليه هذا الخبر المعتبر ، واختاره الصدوق في المقنع لا يخلو

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٦ ح ١.

(٢) التهذيب ج ٥ ص ٣٢٦ ح ٣٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ج ٢ ص ٢٣٧ ح ٤.

٣٥٢

ينحر بدنة.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال سألته عن رجل قبل امرأته وهو محرم قال عليه بدنة وإن لم ينزل وليس له أن يأكل منها.

٤ ـ سهل بن زياد ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن مسمع أبي سيار قال قال لي أبو عبد اللهعليه‌السلام يا أبا سيار إن حال المحرم ضيقة فمن قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم فعليه دم شاة ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ومن مس امرأته

من قوة.

الحديث الثالث : ضعيف. ويؤيد مختار المقنع ويدل على أنه لا يجوز له أن يأكل من تلك البدنة ، وعليه فتوى الأصحاب في جميع الكفارات.

الحديث الرابع : صحيح. ويدل في التقبيل على ما هو المشهور بين المتأخرين كما عرفت ، وفي المس أيضا على ما هو المشهور وكذا في النظر.

وقال السيد في المدارك : هذه الرواية مع قصور سندها بعدم توثيق الراوي معارضة بموثقة إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى قال : ليس عليه شيء(١) ، وأجاب الشيخ عن هذه الرواية بالحمل على حال السهو دون العمد وهو بعيد(٢) انتهى.

أقول : ما ذكره من ضعف السند مبني على الغفلة عن التوثيق الذي رواه الكشي عن ابن فضال لأبي سيار ، ويمكن الجمع بينها وبين رواية الحلبي(٣) في التقبيل بحمل رواية الحلبي على ما إذا كان التقبيل بشهوة ، أو بحمل البدنة في

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٦ ح ٧.

(٢) في التهذيب : ج ٥ ص ٣٢٧ سطر ٥.

(٣) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٦ ح ١.

٣٥٣

أو لازمها من غير شهوة فلا شيء عليه.

٥ ـ محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن المحرم يعبث بأهله حتى يمني من غير جماع أو يفعل ذلك في شهر رمضان ما ذا عليهما قال عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع.

التقبيل بغير شهوة على الاستحباب والأول أظهر.

الحديث الخامس : مجهول كالصحيح. ويدل على أن كفارة الاستمناء مثل كفارة الجماع.

وقال السيد في المدارك : الاستمناء استدعاء المني بالعبث بيده أو بملاعبة غيره ، ولا خلاف في كونه موجبا للبدنة مع حصول الإنزال به ، وإنما الخلاف في كونه مفسدا للحج إذا وقع قبل الوقوف بالمشعر ووجوب القضاء به.

فذهب الشيخ في النهاية والمبسوط : إلى ذلك ، واستدل عليه برواية إسحاق(١) وهي لا تدل على مطلق الاستمناء بل على الفعل المخصوص.

واستدل العلامة بصحيحة عبد الرحمن(٢) ولا دلالة لها على وجوب القضاء بوجه.

وقال ابن إدريس : إن ذلك غير مفسد للحج بل موجب للكفارة خاصة ، وهو ظاهر اختيار الشيخ في الاستبصار وإليه ذهب المحقق ، وقالرحمه‌الله عند قول المحقق : وكذا يجب عليه الجزور لو أمنى عن ملاعبة ويجب على المرأة مثله إذا كانت مطاوعة كما نص عليه الشيخ في التهذيب(٣) وغيره ثم قال : ويدل على الحكمين صحيحة ابن الحجاج(٤) انتهى.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٢ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧١ ح ١.

(٣) التهذيب : ج ٥ ص ٣٢٧ سطر ١١.

(٤) في التهذيب ج ٥ ص ٣٢٧ ح ٣٧ ، وفي الوسائل : ج ٩ ص ٢٧١ ح ١.

٣٥٤

٦ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان الخزاز ، عن صباح الحذاء ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي الحسنعليه‌السلام قال قلت له ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل.

٧ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى قال إن كان موسرا فعليه بدنة وإن كان بين ذلك فبقرة وإن كان فقيرا فشاة أما إني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء ولكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل قال عليه دم لأنه نظر إلى غير ما يحل له وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد وليس عليه شيء.

وأقول : الظاهر أنه (ره) أرجع الضمير في قوله عليهما إلى الرجل والمرأة ، ويحتمل إرجاعه إلى المحرم والصائم ولعل ما فهمه (ره) أظهر.

الحديث السادس : حسن أو موثق. وقد تقدم القول فيه.

الحديث السابع : موثق. وعليه عمل الأكثر وقال السيد (ره) في المدارك :

الأجود التخيير بين الجزور والبقرة مطلقا فإن لم يجد فشاة لصحيحة زرارة(١) ، ويحتمل قويا الاكتفاء بالشاة مطلقا لحسنة معاوية(٢) .

الحديث الثامن : حسن. وقد مر الكلام فيه.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٢ ح ١.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٣ ح ٥.

٣٥٥

٩ ـ أحمد بن محمد ، عن محمد بن أحمد النهدي ، عن محمد بن الوليد ، عن أبان بن عثمان ، عن الحسين بن حماد قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يقبل أمه قال لا بأس هذه قبلة رحمة إنما يكره قبلة الشهوة.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل يسمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم فتشهى حتى أنزل قال ليس عليه شيء.

١١ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في محرم استمع على رجل يجامع أهله فأمنى قال ليس عليه شيء.

١٢ ـ محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن سماعة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني قال ليس عليه شيء.

الحديث التاسع : مختلف فيه.

وقال في الدروس : يجوز له تقبيل أمه رحمة لا شهوة.

الحديث العاشر : حسن أو موثق. وعمل به الأصحاب ، إلا أن الشهيد الثانيرحمه‌الله قال : ولو أمنى بذلك وكان من عادته ذلك أو قصده يجب عليه الكفارة كالاستمناء.

الحديث الحادي عشر : مرسل كالصحيح. وقال بمضمونه الأصحاب ، وقيده الشهيد الثاني بما تقدم في الخبر السابق.

الحديث الثاني عشر : موثق.

٣٥٦

(باب)

( المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن سلمة بن محرز قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء قال ليس عليه شيء فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم فقالوا اتقاك هذا ميسر قد سأله عن مثل ما سألت فقال له عليك بدنة قال فدخلت عليه فقلت جعلت فداك إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني فقالوا اتقاك هذا ميسر قد سأله عما سألت فقال له عليك بدنة فقال إن ذلك كان بلغه فهل بلغك قلت لا قال ليس عليك شيء.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن سنان ، عن أبي خالد القماط قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل وقع على امرأته ـ يوم النحر قبل أن يزور قال :

باب المحرم يأتي أهله وقد قضى بعض مناسكه

الحديث الأول : مجهول. وما تضمنه من عدم الكفارة على الجاهل ولزوم البدنة إذا كان بعد وقوف المشعر وقبل طواف النساء وعدم فساد الحج بذلك مقطوع به في كلام الأصحاب ، وكذا الحكم لو كان قبل تجاوز النصف في طواف النساء.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور. وهو مخالف للمشهور. بل المشهور أنه لو جامع قبل طواف الزيارة لزمه بدنة فإن عجز فبقرة أو شاة ولا يبعد أن لا يكون المراد بالوقوع هنا الجماع كما لا يخفى على المتأمل في التفصيل ، ويمكن أن يقال : المراد بكونه بشهوة كونه عالما بالتحريم فإنه لا يدعوه إلى ذلك إلا الشهوة بخلاف ما إذا كان جاهلا فإن الجهل أيضا فيه مدخلا.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد بالشهوة : الإنزال فيكون الشقان محمولين على الجماع دون الفرج.

٣٥٧

إن كان وقع عليها بشهوة فعليه بدنة وإن كان غير ذلك فبقرة قلت أو شاة قال أو شاة.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن متمتع وقع على أهله ولم يزر قال ينحر جزورا وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما وإن كان جاهلا فلا شيء عليه وسألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء قال عليه جزور سمينة وإن كان جاهلا فليس عليه شيء قال وسألته عن رجل قبل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي قال عليه دم يهريقه من عنده.

٤ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال يهريق دما.

وقال في المدارك : قد تقدم أن من جامع بعد الوقوف بالمشعر وقبل طواف النساء كان حجه صحيحا ووجب عليه بدنة لا غير ، وإنما ذكر هذه المسألة للتنبيه على حكم الإبدال ، ويدل على وجوب البدنة هنا على الخصوص روايات ، وأما وجوب البقرة أو الشاة مع العجز كما ذكره المصنف أو ترتب الشاة على العجز من [ عن ] البقرة كما ذكره غيره فقد اعترف جمع من الأصحاب بعدم الوقوف على مستنده وهو كذلك لكن مقتضى صحيحة العيص(١) إجزاء مطلق الدم إلا أنه محمول على المقيد.

الحديث الثالث : حسن. والثلمة بالضم فرجة المكسور والمهدوم.

قوله عليه‌السلام : « عليه دم » عمل به المفيد وحمله على الإكراه.

قال في الدروس : وقال المفيد : من قبل امرأته وقد طاف للنساء ولم تطف هي مكرها لها فعليه دم فإن طاوعته فالدم عليها دونه ، ورواية زرارة(٢) بالدم هاهنا ليس فيها ذكر الإكراه.

الحديث الرابع : صحيح.

__________________

(١) الوسائل : ج ٩ ص ٢٦٤ ح ٢.

(٢) الوسائل : ج ٩ ص ٢٧٧ ص ٧.

٣٥٨

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال إذا واقع المحرم امرأته قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الحج من قابل.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد وسهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنفض ثم غشي جاريته قال يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه ويستغفر الله ولا يعود وإن كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف

الحديث الخامس : حسن وقد مر الكلام فيه.

الحديث السادس : حسن.

قوله عليه‌السلام : « فنفض » لعله كناية عن التغوط كأنه ينفض عن نفسه النجاسة ، أو عن الاستنجاء.

وقال في النهاية : فيه « ابغني أحجارا أستنفض بها » أي أستنجي بها ، وهو من نفض الثوب ، لأن المستنجي ينفض عن نفسه الأذى بالحجر : أي يزيله ويدفعه(١) .

وقال في المدارك : بعد إيراد تلك الرواية هي صريحة في انتفاء الكفارة بالوقاع بعد الخمسة بل مقتضى مفهوم الشرط فيقوله « وإن طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط » الانتفاء وإذا وقع ذلك بعد تجاوز الثلاثة ، وما ذكره في المنتهى من أن هذا المفهوم معارض بمفهوم الخمسة غير جيد إذ ليس هناك مفهوم وإنما وقع السؤال عن تلك المادة ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسؤول عنه لا يقتضي نفي الحكم عما عداه ، والقول بالاكتفاء في ذلك بمجاوزة النصف للشيخ في النهاية.

ونقل عن ابن إدريس : أنه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبناء عليه لا سقوط الكفارة ، وما ذكره ابن إدريس من ثبوت الكفارة قبل إكمال السبع

__________________

(١) نهاية ابن الأثير : ٥ ص ٩٧.

٣٥٩

أسبوعا.

٧ ـ ابن محبوب ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عبيد بن زرارة قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل طاف بالبيت أسبوعا طواف الفريضة ثم سعى بين الصفا والمروة أربعة أشواط ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته ثم غشي أهله قال يغتسل ثم يعود فيطوف ثلاثة أشواط ويستغفر ربه ولا شيء عليه قلت فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة فطاف أربعة أشواط ثم غمزه بطنه فخرج فقضى حاجته فغشي أهله فقال أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يرجع فيطوف أسبوعا ثم يسعى ويستغفر ربه قلت كيف لم تجعل عليه حين غشي أهله قبل أن يفرغ من سعيه كما جعلت عليه هديا حين غشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه قال إن الطواف فريضة وفيه صلاة والسعي سنة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قلت أليس الله يقول : «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ » قال بلى ولكن قد قال فيهما : «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ » فلو كان السعي فريضة لم يقل فمن تطوع خيرا.

لا يخلو من قوة وإن كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان.

الحديث السابع : ضعيف.

وقال الشيخ في التهذيب بعد إيراد هذا الخبر : المراد بهذا الخبر هو أنه إذا كان قد قطع السعي على أنه تام فطاف طواف النساء ثم ذكر فحينئذ لا تلزمه الكفارة ، ومتى لم يكن طاف طواف النساء فإنه تلزمه الكفارة.

وقوله عليه‌السلام : « إن السعي سنة » معناه أن وجوبه وفرضه عرف من جهة السنة دون ظاهر القرآن ولم يرد أنه سنة كسائر النوافل لأنا قد بينا فيما تقدم أن السعي فريضة انتهى(١) .

أقول : مراده أن السعي وإن ذكر في القرآن لكن لم يأمر به فيه بخلاف الطواف فإنه مأمور به في القرآن ويمكن حمل الخبر على التقية لموافقته لقول أكثر العامة ، ويمكن حمل طواف الزيارة على طواف النساء وإن كان بعيدا.

__________________

(١) التهذيب ج : ٥ ص ٣٢٢٠ سطر ٨.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417