تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم 5%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 683

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 683 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13231 / تحميل: 1626
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513

514

515

516

517

518

519

520

521

522

523

524

525

526

527

528

529

530

531

532

533

534

535

536

537

538

539

540

541

542

543

544

545

546

547

548

549

550

551

552

553

554

555

556

557

558

559

560

وفي السنة الحادية والعشرين ، في الليلة التاسعة من شهر صفر قبل الصبح بساعة ، هجم على النَّجف ، فظهر لأمير المؤمنينعليه‌السلام المعجزات الظاهرة ، والكرامات الباهرة ، فقتل من جيشه کثير ، ورجع خائباً(١) .

وفي سنة ١٢٢ ٥ في الليلة التاسعة من شهر رمضان : أحاطت الأعراب من عنزة القائلين بمقالة الوهابي بالنَّجف ، ومشهد الحسينعليه‌السلام ، وقد قطعوا الطريق ، ونهبوا زوَّار الحسينعليه‌السلام بعد منصرفهم من زيارة نصف شعبان ، وقتلوا منهم جمعاً غفيراً ، وأكثر القتلى من زوار العجم. وربما قيل : إنهم مائة وخمسون ، وقيل : أقل ، وبقي جملة من زوَّار العرب في الحلَّة ما تمكَّنوا من الرجوع ، فبعضهم صام رمضان في الحلَّة ، وبعضهم مضى إلى الحسكة.

وكانت النَّجف في حصار والأعراب غير منصرفين ، وهم من الكوفة إلى مشهد الحسينعليه‌السلام بفرسخين ، أو أكثر ، وطائفة الخزاعل متخاذلون مختلفون. ولمّا كثر تهاجمهم على النَّجف خافت الحكومة العثمانية على الخزانة العلوية ، فاضطرت إلى حملها إلى الكاظميةعليه‌السلام (٢) .

وفي سنة ١٢٣۸ وقع القرار ما بين الدولتين : الإيرانية ، والعثمانية على إرجاع ذلك إلى النَّجف مع إشراف معتمد من رجال إيران ، ففعلت.

وفي الآونة الأخيرة وجد على بعض أقفالها خاتم جدِّي العلَّامة السيِّد علي بحر العلومرحمه‌الله (٣) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۹٣ ـ ٣٩٥.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣۹٦.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٤٢٥ ـ ٤٢٧.

٥٦١

نهر التاجيّة

وفي (مجالس المؤمنين) : (أن الفاضل العادل علاء الدين خواجة عطاء الملك الجويني ، حاكم بغداد من قبل أباقان ، أخ الخواجة شمس الدين محمّد الجويني ، اللَّذين هما من كبار وزراء طبقة المغول ، وينتمي نسبهما إلى الشيخ الفقيه أبو المعالي ، إمام الحرمين ، وهو صاحب التاريخ المعروف بجهان كشا ، المتوفّى سنة ٦٨٣ ، حفر نهر التاجية في أرض النَّجف ، وصرف عليه أزيد من مائة ألف دينار ذهب )(١) .

وأجرى الماء حوف النَّجف سنة ٦٧٦ في شهر رجب ، والقصّة مذكورة في تاريخ وصاف مفصلاً.

وفي (القاموس) : (والتاجيَّة نهر بالكوفة )(٢) .

أقول : وإنَّما قيل تاجيَّة ؛ لأنَّ تاج الدين علي ابن أمير الدين ـ من فضلاء عصر علاء الدين ـ كان المباشر له فاشتهر باسمه ، وهو نهر التاجيَّة ، المعروف الآن بحيث لا يخفى مكانه(٣) .

حارث بن عمرو

وفي (تاريخ تجارب الأُمَم) لأبي علي بن مسكويه : (أن حارث ابن عمرو الَّذي كان من ملوك العرب في زمن الجاهلية ، ومعاصراً لقباذ الساماني ، عزم على شقّ

__________________

(١) مجالس المؤمنين ٢ : ٤٨٠.

(٢) القاموس المحيط ١ : ١٨٠.

(٣) ينظر عن هذا النهر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٨٦ ـ ٢٨٩ ، ٢ : ١٩٨ ـ ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٦٥.

٥٦٢

نهر من شط الفرات إلى جهة النَّجف، بإشارة من أحد تبايعة اليمن. فأجرى الفرات إلى الحيرة ، وحوالي أرض النَّجف)(١) .

قبَّة الشنبق

ثم قام من بعده بهذا العبء الثقيل سليمان بن أعين المتوفَّى سنة ٢ ٥ ۰ ، وكان من عظماء رجال الشيعة المعروفين في القرن الثالث الهجري. فأنبط عيناً فوّارة من مكان يعرف بقُبَّة الشنبق ممَّا يلي النَّجف(٢) .

الشاه طهماسب الصفوي

وفي سنة ۹ ٤ ٢ زار الشاه طهماسب الصفوي مرقد أمير المؤمنين ، فأمر بحفر نهر من الحلَّة ، فحفر من فوق نهر التاجيّة ، من جهة الغرب ، على الطريق السائر إلى قرية نمرود من الحلَّة ، فامتد طوله قدر ستَّة فراسخ في عرض عشرة أذرع. ولكن لم يصل الماء إلى النَّجف ؛ لارتفاع أرضها عن مجرى الماء ، وبينه وبين نهر التاجيّة ما يقرب من میل ، أو أقل ، ويعرف بنهر الطهماسية ، وهو الآن عليه المزارع والعشائر(٣) .

__________________

(١) ينظر عن هذا النهر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٧٧ ، نقله عن المآثر والآثار : ٨٤.

(٢) ينظر عن هذه القناة : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢۸٢.

(٣) ينظر عن هذا النهر : تاریخ النجف الأشرف ١ : ٢۸۹ ، ٢٦٩.

٥٦٣

نهر آصف الدولة الهندي

وممَّن بذل جهده في إجراء الماء إلى النَّجف : النواب آصف الدولة بهادر یحیی خان الهندي ، الَّذي هو من أحفاد برهان الملك ، من أعاظم رجال محمّد شاه سنة ١٢۰۸ ، وأرخه بعضهم بقوله : (صدقة جارية)(١) .

نهر الشيخ صاحب الجواهر في النّجف

ومنهم العلَّامة الماهر الشيخ : محمّد حسن صاحب الجواهر ، المتوفى سنة ١ ٢٦٦ ، وبذل عليه ثمانين ألف تومان ، على نفقة السلطان ثریا جاه محمّد أمجد علي شاه الهندي ، المتوفّى في اليوم الواحد والعشرين من شهر صفر ، سنة ١ ٢٦٣ ، وتخلَّف مكانه ابنه السلطان محمّد واجد علي شاه ، ثُمَّ توفّي الشيخ قبل الحصول على النتيجة ، ونهر الشيخ في خارج النَّجف معلوم(٢) .

نهر السيِّد أسد الله

ومن بعده اشتغل بهذه المهمة حجّة الإسلام : السيِّد أسد الله الأصفهاني المتوفَّى سنة ١٢۹۰ ، وصرف على ذلك ثلاثين ألف تومان من ثلث المرحوم إسماعيل خان النوري الكرماني ، المعروف بوكيل الملك المتوفي سنة ١٢۸٣ ، وكان من رجال الدولة القاجارية فأجرى الماء في نهر النَّجف سنة ١ ٢ ۸۸ ، فاستقدام إلى مدَّة ، ثُمَّ فسد قناته بواسطة البَرَد الخشن الَّذي جاء في فصل الشتاء

__________________

(١) ينظر عن هذا النهر : تاريخ النجف الأشرف ٢ : ٣٧٥.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢۹٧ ـ ٢۹۹.

٥٦٤

سنة ١٣۰٧ ، حَتَّى قيل : إنَّ الحبَّة منه أكبر من الرمّانة ، واَّلذي رأيته بعیني کان أصغر منه(١) .

نهر الحيدرية

وفي سنة ١٣۰ ٥ : أمر السلطان المخلوع عبد الحميد العثماني بحفر نهر الحيدرية ، الموجود فعلاً ، ومنه الاستقاء. وتاريخ الفراغ منه : (عذب الشرب)(٢) .

حصار النّجف على عهد الأنكليز

وفي اليوم السابع من شهر جمادى الثانية من شهور سنة ١٣٣ ٦ ، هجم بعض الأشرار من أهالي النَّجف على دار الحكومة الإنكليزية ، وقتلوا الحاكم السياسي الإنكليزي قبطان مارشال ، فقامت القيامة الكبرى على أهل البلدة ، وجعلوا البلدة في حصار شديد ، وأغلقوا أبواب البلدة ، ولا يدخل فيها داخل ، ولا يخرج منها شارد ، والناس في داخل البلدة والأشقياء على أطراف سور البلدة ، يحاربون الجيش الإنكليزي ، والمدافع والدبابات تنشر على الأهالي الرصاص والقُلل. ونفد ما كان عند الناس من الماء الحلو ، وبلغ لحم الطير في نصف روبية ، ووزنة الحنطة في سبع ليرات ، وهكذا بقية الحاجيات.

واستدام الحال على هذا المنوال أربعين يوماً ، ففتحوا البلدة عنوة ، ودخلوها قهراً ، فقتل من قتل ، واُسر من اُسر ، وقد أرَّخ بعضهم ذلك بقوله : (حصار وغلا ، ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم)(١) .

__________________

(١) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢٩٩ ـ ٣٠١.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣٠١ ـ ٣٠٧.

٥٦٥

وفي سنة ١٣٢٠ : طلبت الحكومة التركية الأنابيب الحديدية لتناول الماء من نهر الكوفة إلى النَّجف بمسافة خمسة أميال ، وجلبت الأنابيب من شركة (جرمن) ، وعند تكامل أكثرها في الندف ، وقعت الحرب العظمى ، فكانت الضربة القاضية على ذلك المشروع والأنابيب مطروحة على الجادة ، ما بين النَّجف والكوفة. وقد علا جملة منها الرمال ، وسترها التراب. ولعل بعد تطاول السنين إذا اتفق انكشاف بعضها بسبب من الأسباب ، وخرجت من تحت التراب بموجب تحيّر غير المطَّلع على حقيقة الحال(٢) .

وفي سنة ١٣٤٦ بذل التاجران الكبيران : الحاج أقا محمّد الملقَّب بمعين التجار البو شهري ، وعمدة التجار الحاج رئيس ، الأموالَ الباهظة لجلب الأنابيب الحديدية مع الماكنة التي تسوق الماء من شط الفرات بالكوفة في الأنابيب ، وتوصلها إلى النَّجف. وقد كمل عملها وتركيبها ، وجرى الماء في يوم الأربعاء ٢٢ جمادى الثانية سنة ١٣٤٨(٣) .

__________________

(١) قال مصنّف كتاب تاريخ النجف الأشرف ١ : ٢١٧ تعليقاً على هذا الكلام ، ونصّه : (ومن عجيب ما وقفت عليه من الأقوال : ما كتبه السيِّد جعفر بحر العلوم المتوفى سنة ١٣٧٧ هـ ، في كتابه تحفة العالم ، قال ما نصّه ـ وذكر تمام قوله ـ) أقول : لم يكن الحاج نجم ومجموعته إلا الجناح العسكري لجمعية النهضة الإسلامية ، والتي كانت تستمد آراءها وتوجيهاتها من علماء مخلصين كالعلامة الشيخ محمّد جواد الجزائري ، يسانده الزعيم الشجاع محمّد علي بحر العلوم ، وقد أدّوا واجبهم الشرعي في الدفاع عن أرض المسلمين بعد ما رأوا الجيوش الإنكليزية وقد وطأت أرض الغري المقدسة ، واستهترت بمقدرات الناس وكراماتهم ، وأوغلت في الاعتداء على الأشراف وأبناء العلم ، لتصبح ثورة النجف هذه الخطوة الأولى لثورة العراق الكبرى ونيل العراق استقلاله.

(٢) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣١٠ ـ ٣١١ ، وفيه أن السنة كانت ١٣٣٠ هـ.

(٣) ينظر : تاريخ النجف الأشرف ١ : ٣١٣ ـ ٣١٥.

٥٦٦

وأيضاً المرحوم : آقا محمّد هو الَّذي قام بأمر المصباح الكهربائي وحده ، ولم يشار له أحد في هذا المشروع ، وينار الصحن الشريف ، والحرم المقدَّس مجّاناً في كلّ ليلة. وكان شروعه این است قبل إرواء النَّجف بالماء بقلیل.

٥٦٧
٥٦٨

المقام الثاني

في الإمام الحسن المجتبىعليه‌السلام

هو : ابن أمير المؤمنينعليه‌السلام وهو السبط الأوّل والإمام الثاني.

وكنيته : أبو محمّد.

ويلقّب بالمجتبي ، والزكيّ ، والسبط.

ولدعليه‌السلام في ليلة السبت النصف من شهر رمضان ـ ولا يعلم في ذلك مخالف ـ في السنة الثانية من الهجرة في المدينة المنورة(١) .

وفي (الإرشاد) : (إنه ولد في السنة الثالثة)(٢) .

وقبض بالمدينة مسموماً سنة ٤٩ من الهجرة ، وله من العمر سبع وأربعون سنة.

وذكر المجلسيرحمه‌الله أن وفاتهعليه‌السلام : (في آخر صفر ، قال : وقيل : الثامن والعشرون ، ودفن بالبقيع )(٣) .

والتمس منه عمر بن الخطاب أن يسافر مع سعد بن أبي وقاص إلى العجم حين جهَّز له جيشاً إلى بلاد الفرس ، ووصل إلى الريِّ ، ومنه إلى قرية كهنك وأردستان ، ومنه إلى قرية فهباية ـ من أعمال نايین ـ ثُمَّ دخل أصفهان وفي خارج

__________________

(١) ينظر : بحار الأنوار ٤٤ : ١٣٤ / ٢٢ باب (تواريخه وأحواله ...) فإن مؤلفهرحمه‌الله ذكر جملة من الأخبار المتعلِّقة بذلك.

(٢) الإرشاد ٢ : ٥.

(٣) بحار الأنوار ٤٤ : ١٣۸ ح ٦ ، بتصرف.

٥٦٩

أصفهان قطعة أرض تعرف بلسان الأرض نزل فيها ونطقت الأرض معه قائلة : (يا ابن رسول الله ما أكثر السَّحرة في أصفهان فأقرأ عليهم عوذة)(١) . وصلّى في المسجد العتيق(٢) ، وفي مسجد لنبان أيضاً(٣) .(٤)

صلحهعليه‌السلام مع معاوية

ومن قصَّته : (أنّه بويع بعد وفاة أبيه بيومين ، ووجَّه عماله إلى السواد والجبل ، ثُمَّ خرج إلى معاوية في نيِّف وأربعين ألفاً ، وسيّر على مقدّمته قیس بن سعد بن عبادة في عشرة آلاف ، وأخذ على الفرات يريد الشام ، وسار الحسنعليه‌السلام حَتَّی أتی ساباط المدائن فأقام بها أياماً ، فأحسّ في أصحابه فشلاً وغدراً فقام فيهم خطيباً ، فقال : «تسالمون من سالمت ، وتحاربون من حاربت؟ فقطعوا عليه كلامه وانتهبوا رحله حَتَّى أخدوا رداءه من على عاتقه.

فقال : لا حول ولا قوة إلّا بالله» ، ثُمَّ دعا بفرسه فركب وسار حَتَّى إذا كان في مظلم ساباط ، طعنه رجل من بني أسد يقال له : سنان بن الجرّاح بمعول فجرحه جراحة كادت أن تأتي على نفسه ، فصاحَ الحسنُ صيحةٌ وخرَّ مغشياً عليه وابتدر الناس إلى الأسدي فقتلوه ، فأفاق الحسنعليه‌السلام من غشيته ، وقد نزف وضعف ، فعصَّبوا جراحته ، وأقبلوا به إلى المدائن ، فأقام يداوي جراحته ، وخاف أن يُسلمه أصحابه إلى معاوية لما رأىعليه‌السلام من فشلهم وقلة نصرتهم ، فأرسل إلى معاوية ، وشرط عليه شروطاً إن هو أجابه إليها سلَّم إليه الأمر.

__________________

(١) ما بين الشارحتين لم أهتد لمصدره.

(٢) في الأصل : (وصلّى في مسجد عتيق أصفهان) فصحّحنا العبارة ولذا اقتضى التنويه.

(٣) لنبان : قرية كبيرة في أصفهان.

(٤) جواهر الكلام ٢١ : ١٦١ عن بعض التواریخ.

٥٧٠

منها : أن له ولاية الأمر بعده ، فإن حدث به حدث فللحسينعليه‌السلام .

ومنها : أن له خراج دار الحرب من أرض فارس ، وله في كل سنة خمسين ألف ألف.

ومنها : أن لا يهيج أحداً من أصحاب علي ، ولا يعرض لهم بسوء.

ومنها : أن لا يذكر علياً إلّا بخير)(١) .

قال صاحب العمدة : (ويروي أن معاویه کتب كتاباً شرط فيه للحسن شروطاً ، وكتب الحسن كتاباً يشترط فيه شروطاً ، فيختم عليه معاوية ، فلمَّا رأى الحسنعليه‌السلام کتاب معاوية وجد شروطه له أكثر ممَّا اشترطها لنفسه ، فطالبه بذلك.

فقال : قَدْ رضيت بما اشترطته فليس لك غيره ، ثُمَّ لم يف بشيء من الشروط)(٢) .

تنبيه : ليس في الشروط المذكورة ما ينافي إمامتهعليه‌السلام ، فليس فيها خلع نفسه امن الإمامة ، معاذ الله ، إنَّ الإمامة بعد حصولها للإمام لا تخرج عنه بقوله ، بل مقتضى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا »(٣) ، هو أنَّ الإمامة رئاسة إلهية ، وشرافة نفسانية ، لا تنفك عن ذاته ، قام بأمرها أو قعد عنها ، وإنَّما ينخلع عن الإمامة عند العامّة. وهو حَيٌّ ـ بالأحداث والكبائر ، ولو قلنا بتأثير خلع النفس فإنَّما هو في الخلع بالاختيار ومن دون كره وإجبار ، وأمَّا معهما فلا.

__________________

(١) عمدة الطالب : ٦٦.

(٢) عمدة الطالب : ٦٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ٣۰.

٥٧١

وأمَّا البيعة : فإن اُريد بها الصنفة والكف عن المنازعة ، فقد كان ذلك ولا حجة في مثله عليه ، وإن اُريد بها الرضا وطيب النفس ، فوجدان وشاهد الحال شاهدان بخلافه.

وأمَّا أخذ الصلات من معاوية فشائع ، بل واجب. فإنَّ كلّ مالٍ حلَّ في يد كلّ جائر متغلّب على أمر الأُمَّة يجب على كل أحد حَتَّى على الإمامعليه‌السلام انتزاعه من يده ، کیف ما أمكن طوعاً أو کرهاً.

قال الصندوقرحمه‌الله في الباب الثاني والأربعين من كتاب (العيون) : (كان سبيل ما يقبله الرضاعليه‌السلام من المأمون ، سبیل ما كان يقبله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله من الملوك ، وسبيل ما يقبله الحسن بن عليعليه‌السلام من معمارية ، وسبیل ما كان يقبله الأمة من آبائهعليهم‌السلام من الخلفاء ، ومن كانت الدنيا كلّها له فغُلِبَ عليها ثُمَّ اُعطي بعضَها ، فجائز له أن يأخذه) ، انتهى(١) .

مع أنه لم يظهرعليه‌السلام الموالاة لمعاوية.

ذكر أولادهعليه‌السلام

فصل في أولادهعليه‌السلام :

كان للحسنعليه‌السلام من الولد :

( ١) محمّد الأصغر ، ( ٢) وجعفر ، (٣) وحمزة ، (٤) وفاطمة درجوا ، وأُمُّهم اُمُّ کلثوم بنت الفضل بن العبَّاس بن عبد المطَّلب.

__________________

(١) عیون اخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ١٨٨.

٥٧٢

(٥) ومحمّد الأكبر ، وبه کان یکنی ، (٦) والحسن ، واُمُّهما خولة بنت منظور الغطفانية.

( ٧) وزید ، ( ۸) واُمّ الحسن ، ( ۹) واُمّ الحسين اسمها رملة ، واُمُّهم اُمُّ بشير بنت أبي مسعود الأنصاري ، واسمه عقبة بن عمرو.

( ١۰) إسماعيل ، ( ١١) یعقوب ، واُمُّهما جعدة بنت الأشعث بن قیس التي سمّته.

( ١٢) القاسم ، ( ١٣) أبو بكر ، (١٤) عبد الله ، قُتلوا مع الحسينعليه‌السلام وكان عبد الله صغيراً لم يراهق ، قتل في جنب عمّه ، واُمُّهم اُمُّ ولد ، لا بقية لهم ، وقیل اسم اُمُّهم : نفيلة.

(١٥) حسين الأثرم ، وقبره في فخّ.

(١٦) عبد الرحمن خرج مع عمّه الحسینعليه‌السلام إلى الحجّ فتوفّيَ بالأبواء مُحرِماً.

( ١٧) اُمُّ سلمة لاُمِّ ولدٍ تُسمَّى : ظمياء.

( ١۸) عمرو ، وقيل : عمر ، وكان في الطف ولم يقتل ؛ لصغره ، اُمُّه اُمُّ ولد ولا بقية له.

(١٩) اُمُّ عبد الله ، اسمها فاطمة ، وهي اُمُّ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسينعليهم‌السلام ، واُمُّها أُمُّ ولد تدعى : صافية.

( ٢۰) طلحة ، لا بقية له ، وكان جواداً كريماً ، وأمه : أم إسحاق بنت طلحة بن عبید الله التيمي.

وفي تاريخ الخميس ، ومقتل أبي مخنف من أولاد الحسنعليه‌السلام :

٥٧٣

(( ٢١) أحمد ، وفي الأخير أنه قَتل من القوم ثمانين فارساً ، ثُمَّ قُتل في حومة الحرب)(١) .

( ٢٢) رقيّة زوجة عبيد الله بن العبَّاس بن علي ، وفي النَّجف في محلّة البراق ضريح من خشب ينتسب إليها.

وقال السيِّد القزويني في (فلك النجاة) : (إنَّ القاسم بن الحسن السبط ، وهو : القاسم الأكبر ، غیر شهيد الطف المدفون في العتيکيات ـ المسمى الآن : بالمسيِّب ـ قريب من الفرات ، وقد أصيب جريحاً في النهروان)(٢) .

هذا ما وسعني الاطلاع عليه(٣) .

والعقب من أولاده الكرام من زید وحسن(٤) .

[في أحوال زيد ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ]

وذكر أصحاب السيرة : (أنَّ زيد بن الحسن ـ ويكنّى بأبي الحسن ـ كان يلي صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلمَّا ولي سليمان بن عبد الملك كتب إلى عامله بالمدينة :

__________________

(١) تاریخ الخمیس ٢ : ٢۹٣ ، المقتل المنسوب لأبي مخنف : ۸٧.

(٢) المزار من فلك النجاة : ١٣٧ ، قال الشيخ محمّد حرز الدينرحمه‌الله في كتابه مراقد المعارف ٢ : ١۹٤ رقم ٢٠٠ عند ذكر مرقده ، ما نصّه : (ولا يخفى أن السيِّد ـ القزویني ـ قَدْ انفرد بهذه الدعوى ولم نعثر على مأخذ لها) كما ذكر النفي له أيضاً السيِّد عبد الرزاق کمونة في مشاهد العترة الطاهرة : ٢٣٧) ، فتأمَّل.

(٣) ينظر في أولاد الإمام الحسنعليه‌السلام وأحوالهم : الإرشاد ٢ : ٢۰ ، المجدي في أنساب الطالبين : ١۹ ـ ۹١ ، کشف الغُمَّة ٢ : ١۹۸ ـ ٢۰٥ ، سر السلسلة العلوية : ٤ ـ ٣۰ ، العدد القویة : ٣٥٢ ، الفصول المهمة ٢ : ٧٤٢ ـ ٧٥٣ ، عمدة الطالب : ٦٤ ـ ١۹١ ، بحار الأنوار ٤٤ : ١٦٣ـ ١٦۸.

(٤) أي : الحسن المثنىرضي‌الله‌عنه .

٥٧٤

أما بعد إذا جاءك كتابي هذا ، فاعزل زيداً عن صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وادفعها إلى فلان بن فلان ـ رجل من قومه ، لعله : أبو هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية ـ قال : وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام.

فلمّا استخلف عمر بن عبد العزيز كتب إليه :

أمّا بعد ، فإن زید بن الحسن ، شریف بني هاشم وذو سنّهم ، فإذا جاءك كتابي هذا ؛ فاردد إليه صدقات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأعنه على ما استعانك عليه ، والسلام)(١) .

وكان رأيه التقية لأعداء الدين والتآلف لهم ، والمداراة معهم ، كما ذكره المفيدرحمه‌الله في (الإرشاد)(٢) ، ولم يحضر مع عمّه الحسينعليه‌السلام يوم الطف لعلَّه لمانع من ذلك ، فلا يدل على ذمّه.

وبالجملة فقد كان جلیل القدر ، کریم الطبع ، طيِّب النفس ، كثير البرّ وکان مسنّاً. ومدحه الشعراء ، وقصده الناس من الآفاق لطلب برِّه(٣) ، وكان يلقب بالأبلج(٤) ، وهو جدّ السيدة نفيسة بنت السيِّد حسن الأنور(٥) .

وفي زيد بن الحسن ، يقول محمّد بن بشر الخارجي :

وزيدٌ ربيعُ الناس في كلِّ شَتَوةٍ

إذا اختلفَتْ أنواؤُها ورعودُها

حَمولٌ لأشناقِ الدِّياتِ كأنَّه

سِراجُ الدُّجی قَدْ قارنته سُعودُها

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢١.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٣.

(٣) الارشاد ٢: ٢١.

(٤) ذکره بهذا اللقب السيِّد الأمين في أعيان الشيعة ٧ : ١٤٢ رقم ٤٨٣ نقلاً عن الطراز المذهب : ٦٥ ، والأبلج : الطليق الوجه بالمعروف ، وقيل : الَّذي ليس بمقرون الحاجبين.

(٥) ينظر ترجمتها في : وفيات الأعيان ٥ : ٤٢٣ ، الوافي بالوفيات ٢٧ : ١۰١ ، الأعلام ٨ : ٤٤.

٥٧٥

مات زيد ما بين مكّة والمدينة ، في أرض حاجر قرب ثُغْرة(١) ، سنة ١٢۰ ، وله من العمر تسعون ، وقيل مائة ، ودفن بالبقيع ورثاه جماعة من الشُّعراء.

فممَّن رثاه قدامة بن موسی الجمحي بقوله :

فإنْ يكُ زيدٌ غالَتِ الأرضُ شخصَهُ

فَقَدْ بانَ معروفٌ هناكَ وجُودُ

وإنْ يكُ أمسى رهنَ رمسٍ فَقَدْ ثَوى

بهِ وهوَ محمودُ الفعالِ حَميدُ

سريعٌ إلى المضطرِ يعلمُ أنَّه

سيطلبُهُ المعروفَ ثُمَّ يعودُ

وليسَ بقوَّال وقد حَطّ رحْلَه

لِمُلْتَمِسٍ يَرجوهُ أينَ تُريدُ؟

إذا قَصَّرَ الوغدُ الدنيُّ سما بهِ

إلى المَجدِ آباءٌ لهُ وجُدودُ

إذا ماتَ مِنهُم سيِّدٌ قامَ سيِدٌ

کريمٌ فيبني مَجْدَهُمْ ويُشيدُ

مات ولم يدّع الإمامة ، ولا ادَّعاها له مدَّعٍ من الشيعة ولا من غيرهم ؛ وذلك لأنَّ الشيعة رجلان : إمامي ، وزيدي.

فالإمامي : يعتمد في الإمامة النصوص ، وهي معدومة في ولد الحسنعليه‌السلام باتفاق ، ولم يدَّعٍ ذلك أحد منهم لنفسه ، فيقع فيه الارتياب.

والزيدي : يراعي في الإمامة بعد علي والحسن والحسينعليهم‌السلام الدعوة والجهاد. وزيد بن الحسن کان مسالماً لبني اُميَّة ، ومتقلِّد الأعمال من قبلهم ، وكان رأيه التقية لأعدائه ، والتآلف لهم ومداراتهم ، وهذا أيضاً عند الزيدية خارج عن علامات الإمامة(٢) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ٦٩ ، وثُغْرة : ناحية من أعراض المدينة.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢١ ـ ٢٢.

٥٧٦

وكيف كان ، فقد ورد في ذمِّ زيد والطعن عليه أيضاً روایات نقلها القطب الراوندي(١) ، واعتمد عليها بعض المتأخّرين ، فحكم بعدم حسن عقيدته وإيمانه(٢) .

قال جدّي الأمجد : السيِّد محمّد في رسالته : (ولعلَّ ترك الكلام في ذمِّه ومدحه معاً أولى) ، انتهى(٣) .

[في أحوال الشاه عبد العظيم الحسنيعليه‌السلام ]

ومن ذريته : الشاه زاده عبد العظيم ، المدفون بالريّ ، وهو عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن الحسن بن زید بن الحسن ، وله مشهد عظيم من آثار مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمّد بن موسى البراوستاني ، قرية من قرى مدينة قم ، وكان من وزراء السلطان بر کیارق بن السلطان ملك شاه(٤) .

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٦۰۰ ـ ٦٠٤ ح ١١ ، وقال السيِّد الخوئي دام ظله في كتابه معجم رجال الحدیث ج ۸ ص ٣٥١ ـ ٣٥٢ ما نصّه : (وفي البحار ، المجلد ٤٦ ، ص ٣٢۹ ، ح ١٢ ، باب أحوال أصحاب الباقرعليه‌السلام وأهل زمانه ، روی عن الخرائج والجرائح رواية طويلة تتضمن معارضة زيد بن الحسن ، الباقرعليه‌السلام ، وذهابه إلى عبد الملك وسعيه في قتل الباقرعليه‌السلام ، ونسبة السحر إليه ومباشرته لقتله بإركابه السرج المسموم ، إلا أن الرواية مرسلة ، على أنها غير قابلة للتصديق ، فإن عبد الملك لم يبق إلى زمان وفاة الباقرعليه‌السلام جزماً ، فالرواية مفتعلة).

(٢) أراد بعض المتأخرين الشيخ المامقانیرحمه‌الله في تنقيح المقال ١ : ٤٦٢ رقم ٤٤١٢ ، فليراجع.

(٣) تاريخ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام : ١۰۸ ، ولم أعثر على هذا الكلام نصّاً في الرسالة ومضمونه موجود فيها ، وقال صاحب الذريعة : (تاريخ الأئمة المعصومینعليهم‌السلام ، وهي للسيد محمّد بن عبد الكريم ابن السيِّد مراد ابن شاء أسد الله ابن السيِّد جلال الدين أمير الحسني الحسيني الطباطبائي البروجردي جد آية الله بحر العلومرحمه‌الله مختصر فرغ منه سنة ١١٢٢ ، وعليه حواش كثيرة مثه بخطه ضمن مجموعة من رسائله في كتب المولى محمد علي الخوانساري). (الذريعة ٣ : ٢١٨ رقم ۸۰٧ بتصرف) فلعل المطبوع منها خال من هذه الحواشي ، فلاحظ.

(٤) قال الحموي في معجم البلدان ١ : ٣٦٨ ، ما نصّه : (براوستان : من قرى قم ، منها الوزير مجد الملك أبو الفضل أسعد بن محمّد البراوستاني وزير السلطان بر كيارق بن ملكشاه ، كان غالباً عليه واتهمه عسكره بفساد حالهم وشغبوا حَتّى سلمه إليهم بشرط أن يحفظوا مهجته فلم يطيعوه وقتلوه ، وذلك في سنة ٤٧٢).

٥٧٧

وقال الصدوقرحمه‌الله في بحث الصوم من كتاب (من لا يحضره الفقيه) : (إنه كان مرضياً ، يعني عند الأئمة عليهم‌السلام )(١) .

قلت : ووصل بخدمة الإمامين التقي والنقيعليهما‌السلام ، وأكثر الرواية عنهما ، وفي رواية كالصحيحة عن الإمام علي الهاديعليه‌السلام أنّ زيارته تعادل زيارة الحسينعليه‌السلام (٢) .

وفي سنة ١٢٧۰ أمر السلطان ناصر الدین شاه القاجاري بتأهب قبّته وتبلیط إيوانه بالقوارير(٣) .

[في أحوال الحسن ابن الإمام الحسنعليه‌السلام ]

وأمّا الحسن بن الحسنعليه‌السلام ، المعروف بـ(الحسن المثنی) ، فيروى أنه خطب إلى عمّه الحسينعليه‌السلام إحدی انتبه : فاطمة وسكينة.

فقالعليه‌السلام : «اختر با بني أحبَّهما إليك » ، فاستحى الحسن ولم يرد جواباً.

فقال له عمّه الحسينعليه‌السلام : «قد اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثر شبهاً باُمِّي فاطمة عليهما‌السلام » فزوَّجها منه ، وكانت تلقّب بفاطمة الصغرى ، قبال فاطمة الصديقة الكبری(١) .

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٢٨.

(٢) الرواية وردت في كامل الزيارات ص ٥٣٧ ح ۸٢۸ / ١ ، ونصّها : «حدّثني علي بن الحسين بن موسی بن بابويه ، عن محمّد بن يحيي العطار ، من بعض أهل الري ، قال : دخلت على أبي الحسن العسكريعليه‌السلام فقال : أين كنت؟ فقلت : زرت الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فقال : أما إنك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسينعليه‌السلام ».

(٣) ينظر ترجمته في : خاتمة المستدرك ٤ : ٤٠٢ ، ٤٠٣ ، نقد الرجال ٣ : ٦٩ ، جامع الرواة ١ : ٤٦٠ ، معجم رجال الحديث ١١ : ٥٠ رقم ٦٥٩١.

٥٧٨

ويظهر من (الكافي) آنها أكبر سناً من أختها سكينة بنت الحسینعليه‌السلام ؛ لأنهعليه‌السلام في يوم الطف أوصى إليها لتوصل الوصية إلى السجّادعليه‌السلام (٢) ، وخطبتها البليغة التي أنشأتها باب الكوفة مروية في الاحتجاج(٣) .

وحضر الحسن بن الحسن مع عمّه الحسينعليه‌السلام بطف كربلاء ، فلمَّا قُتل الحسينعليه‌السلام واُسر الباقون من أهله اُسر الحسن من جعلتهم ، فجاء أسماء بن خارجة فانتزع الحسن من بين الأسرى ، وقال : والله لا يوصل إلى ابن خولة أبداً(٤) .

وقيل : إنه اُصيب بجراحات كثيرة يوم عاشوراء ، وكان ملقى مع القتلى وبه رمق ، فلمَّا أرادوا حزّ الرؤوس ، وأرادوا حزّ رأسه ، قال أسماء بن خارجة : دعوه حَتَّى نرد الكوفة فيرى عبيد الله بن زياد فيه رأيه ، فسمع ابن زیاد ذلك ، فقال :دعوا لأسماء ابن اُخته ، فحمله فعالجه حَتَّى عوفي ، ثُمَّ توجَّه إلى المدينة (٥) .

__________________

(١) مقاتل الطالبیين : ١٢٢ ، الإرشاد ٢ : ٢٥ ، إعلام الوری ١ : ٤١٧.

(٢) ورد الحديث في الكافي ج ١ ـ ص ٣۰٣ ح ١ في (الإشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما) ، ونصّه : «... عن أبي جعفرعليه‌السلام قال : إن الحسين بن عليعليهما‌السلام لما حضره الَّذي حضره ، دعا ابنته الكبری فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام فدفع إليها كتاباً ملفوفاً ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسینعليه‌السلام مبطوناً معهم لا يرون إلا أنه لما به ، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسینعليه‌السلام ثُمَّ صار والله انت الكتاب إلينا یا زیاد ، قال : قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك؟ قال : فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم من خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا ، والله إن فيه الحدود ، حَتَّى أن فيه أرش الخدش».

(٣) الاحتجاج ٢ : ٢٧.

(٤) الإرشاد ٢ : ٢٥.

(٥) عمدة الطالب : ١٠٠ بتصرف يسير.

٥٧٩

والعجب من ابن الأثير حيث قال : (واستُصغر الحسن بن الحسن واُمُّه خولة بنت منظور بن زياد الفزاري)(١) .

وبالجملة : دسَّ إليه سليمان بن عبد الملك السّم سنة ٩٧ هـ ، وله ثلاث وخمسون سنة ، وأخوه زيد حي بالكوفة ، وأوصى إلى أخيه من اُمِّه إبراهيم بن محمّد بن طلحة(٢) ، وضربت زوجته فاطمة بنت الحسينعليه‌السلام على قبره فسطاطاً ، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار ، وكانت تُشبّه بالحور العين ؛ لجمالها ، فلمَّا كانت رأس السنة قالت لمواليها : إذا اظلم الليل فقوَّضوا هذا الفسطاط.

فلمَّا أظلم الليل ، وقوضوه سمعت قائلاً يقول : هل وجدوا ما فقدوا؟

فأجابه آخر : بل يئسوا فانقلبوا(٣) .

وكان الحسن بن الحسنعليه‌السلام متولياً لصدقات أمير المؤمنين ، فنازعه في ذلك عمّه عمر فقال : الولد أولى بتولية صدقات أبيه من ابن الابن ، وخاصمه على ذلك الحجّاج ، فأحضر الحسن بن الحسنعليه‌السلام وقال له : شارك عمّك عمر بن علي في صدقات أبيه.

فقال الحسن بن الحسنعليه‌السلام : إنّ أبي أمير المؤمنين ولّانيها في حياته ، وإني لا اُغيِّر شرطاً من أمره ، ولا اُدخل في هذه الخدمة من لم يُدخله(٤) .

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٤ : ٩٣.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٩٠ ، الإرشاد ص : ٢٦ بتصرف يسير.

(٤) كذا والوارد : «فقال له الحسن : لا أغير شرط عليعليه‌السلام ولا أدخل فيه من لم يدخل».

٥٨٠

فقال له الحجّاج : فقد أدخلته معك ، وشاركته إياك. فتكلَّم الحسن شيئاً وخرج منه ، وتوجَّه نحو الشام ، فحضر باب عبد الملك بن مروان ، وأدى وضيفة التحيَّة ، فرحَّب به وقال : لأيِّ حاجة قطعت هذا الطريق البعيد؟

فحكى له قصّة الحجّاج معه ، فقال عبد الملك : ليس للحجَّاج هذا الحكم ، وكتب إليه بعدم المداخلة في أمر الحسن بن الحسنعليه‌السلام ، وأنعم على الحسن بالعطایا الوافرة وأذن له الرجوع(١) .

الشيخ عبد القادر الكيلاني

وربما يقال : إن الشيخ عبد القادر الجيلاني من ذرية الحسن المثنى ، وينتهي إليه نسبه من عبد الله المحض ، وقد كذّبه صاحب (العمدة) بأنَّه لم يدَّعِ هذا النسب ، ولا أحد من أولاده ، وإنّما ابتدأ بها ولد ولده القاضي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد القادر ، ولم يقم عليها بيِّنة ، ولا عرفها له أحد ، إلى آخر ما ذكره(٢) .

وممَّن صرَّح بنسبته إلى الحسنعليه‌السلام أحمد الكتبي في (فوات الوفيات)(٣) .

__________________

(١) الارشاد ٢ : ٢٣ ، إعلام الورى ١ : ٤١٧ ، الدر النظيم : ٥١٧ ، عمدة الطالب : ٩٩ بتصرف يسير.

(٢) عمدة الطالب : ١٣٠.

(٣) فوات الوفيات ١ : ٧٠٢ رقم ٢٩٥ وفي النسخة المطبوعة منه في دار الكتب العلمية سنة ٢٠٠٠ م أنهى نسبه فيها إلى الإمام الحسينعليه‌السلام .

٥٨١

[نسب مؤلف الكتابرحمه‌الله ]

وهذا الحسن هو جد السادة الطباطبائية ، فهم حسنيون أباً وحسينيون اُمَّاً(١) ، والحقير اُنهي نسبي إلى الحسن بن الحسنعليه‌السلام هكذا : (جعفر بن محمّد باقر بن علي بن رضا بن مهدي بن مرتضی بن محمّد بن عبد الكريم بن السيِّد مراد بن شاه أسد الله بن السيِّد جلال الدين أمير بن الحسن بن مجد الدين بن قوام الدين بن إسماعيل بن عبّاد بن أبي المكارم بن عبّاد بن أبي المجد بن عبّاد بن علي بن حمزة بن طاهر بن علي بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم الملقب بطباطبا ابن إسماعيل الديباج ابن إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنى بن الحسن المجتبىعليه‌السلام )(٢) .

[في أحوال بعض أجداد المؤلفرحمه‌الله ]

قال في (عمدة الطالب) : (ولُقّب الغمر ؛ لجوده ، ويكنّى أبا إسماعيل ، وكان سيّداً شريفاً ، روى الحديث ، وهو صاحب الصندوق بالكوفة ، يزار قبره ، وقبض عليه أبو جعفر المنصور مع أخيه وتوفي في حبسه سنة ١٤٥ وله تسع وستون سنة. وكان السَّفّاح يكرمه )(٣) .

إلى أن قال : (والعقب من إبراهيم الغمر في إسماعيل الديباج (٤) وحده ، ویکنّی : أبا إبراهيم ، ويقال له : الشريف الخلاص ، وشهد فخّاً ، وحبسه أبو جعفر المنصور ،

__________________

(١) باعتبار أن زوجة الحسن المثنى هي فاطمة بنت الإمام الحسينعليه‌السلام .

(٢) مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٢ ، خاتمة المستدرك ٢ : ٤٤.

(٣) عمدة الطالب : ١٦١.

(٤) له ترجمة مفصلة في مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٧ ، فلتراجع.

٥٨٢

والعقب منه في رجلين الحسن التج ، وإبراهيم (طباطبا) (١) ، ولقب بذلك ؛ لأن أباه أراد أو يقطع له ثوباً وهو طفل ، فخيَّرهُ بین قميص وقبا ، فقال : طباطبا ـ يعنی قباقبا ـ وقيل : ما السواد لقَّبوه بذلك ، وطباطبا بلسان النبطية : سيِّد السادات ، لأنَّه كان ذا خطر وتقدَّم )(٢) .

وعن بعض المواضع المعتبرة في وجه هذه التسمية : (أن هذا الرجل دخل روضة جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوماً شريفاً وهو في حالة حسنة ، فلمَّا سلم على الحضرة المقدّسة سمع قائلاً يقول من وراء الستر : طِباطِبا بكسر الطاء ، وهي عبارة أخرى عن قولهم : طوبى لك ، ونصبها على المصدرية من طاب يطيب )(٣) .

وهو الَّذي صرح باسمه في الحديث المروي في (الكافي) في باب (ما يفصل له بين دعوى المحق والمبطل)(٤) .

وبالجملة : كان ديِّناً ذا رصانة في دينه ، ورزانة في يقينه ، عرض عقائده على الرضاعليه‌السلام فنزَّهها عن الشك والشُّبَه(٥) .

وأمّا أحمد بن إبراهيم : فهو الرئيس المعروف بابن طباطبا ، كان مولده بأصبهان ويكنّى أبا عبد الله(٦) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ١٦٢.

(٢) عمدة الطالب : ١٧٢.

(٣) لم أهتد إلى مصدره ، وينظر في وجه تلقيبه أيضاً تاج العروس ٢ : ١۸۰.

(٤) الكافي ١ : ٣٥۸ ضمن ح ١٧.

(٥) منتهى الامال ١ : ٣٦۰ ، وله ترجمة مفصلة في مقدمة الفوائد الرجالية ١ : ١٦ ، فلتراجع.

(٦) عمدة الطالب : ١٧٣.

٥٨٣

وأما محمّد ابنه يكنّى بأبي جعفر ، ومحمّد الواقع في أحفاده(١) هو : أبو الحسن ، الشاعر الأصفهاني ، كان فاضلاً ، أديباً حسن الشعر ، موصوفاً بالديانة والعفَّة ، متوقّد الذهن ، ذكي الفطنة ـ وعدّه صاحب (العمدة) من أواخر شعراء قريش في زمرة محمّد بن صالح الحسيني ، وعلي بن محمّد الحمّاني وغيره(٢) ـ تولَّد بأصفهان ، وله تصانيف منها : كتاب (نقد الشعر) ، وکتاب (تهذيب الطبع) ، وكتاب (العروض) ، وكتاب (في المدخل إلى معرفة المُعمَّى من الشعر) ، وکتاب (تقريظ الدفاتر) ، و (ديوان شعره).

ومن شعره في العفّة قوله :

اللهُ يعلمُ ما أتيتُ خناً

إنْ أكثروا العَّذالُ أو سَفِهوا

ماذا يعيبُ الناسً من رَجُلٍ

خَلُصَ العفافُ مِنَ الأنامِ لَهُ

يَقظاتُهُ ومنامُهُ شَرَعٌ

كلٌّ بِكُلٍّ منهُ مُشتَبِهُ

إنْ هَمَّ في حُلُمٍ بفاحِشَةٍ

زَجَرْتهُ عِفَّتُه فينتَهُ

توفيرحمه‌الله سنة ٣٢٢(٣) .

وأمّا علي بن محمّد ، يکنَّی : بأبي الحسين أيضاً شاعر معروف له ذيل طويل(٤) ، ذكره أبو عبد الله حمزة بن الحسين الأصفهاني في كتاب أصفهان(٥) .

__________________

(١) أي : محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا.

(٢) عمدة الطالب : ٢۰۸.

(٣) الدرجات الرفيعة : ٤۸١ ، عمدة الطالب : ١٧٣ ، وله ترجمة مفصلة في كتاب الغدیر ٣ : ٣٤٠ ـ ٣٤٧ ، فلتراجع.

(٤) المجدي في أنساب الطالبيين : ٧٤.

(٥) لم أهتد إلى مصدره ، وتاریخ أصفهان المعبر عنه بكتاب اصفهان مفقود فلابد أن المؤلِّفرحمه‌الله نقل عنه بواسطة.

٥٨٤

القاسم ابن الإمام الحسنعليه‌السلام

وأمّا القاسم بن الحسن ، فقد قُتل مع عمّه الحسينعليه‌السلام في الطفّ ، ودفن معه فی الحائر ، بنصّ شيخنا المفيدرحمه‌الله في (الإرشاد) بعد ذكر أسامي الشهداء من أهل بيت الحسينعليه‌السلام ، أنَّهم مدفونون جميعاً في حفرة حفرت لهم في مشهده ، وسوِّي عليهم التراب إلّا العبَّاس بن علي(١) .

ومن المسلّم : أنه حمله الحسينعليه‌السلام من مصرعه ووضعه بين القتلى من أهل بيته(٢) ، وبعد ذلك كلّه فما أدري من الَّذي تجاسر على الله وعلى رسوله بإلحاق هذه الفقرات بزيارة الوارث؟! أعني : (وعلی من لم يكن في الحائر معكم خصوصاً سيدي ومولاي : أبا الفضل العبَّاس بن أمير المؤمنين ، وقاسم بن الحسن )(٣) .

ويا ليته عيّن موضع قبر القاسم في محلّ آخر ، ولم يضعه من حيث أصله ؛ لتزوره الناس في ذلك الموضع ، وهذه الزيادة من أقبح الزيادات ، ولم توجد في كتب من تصانيف العلماء ، وقد اتَّخذها الناس من العوام جزءاً من الزيارة.

__________________

(١) ينظر : الإرشاد ٢ : ١٢٦.

(٢) ينظر عن مصرعه وعن حمله مع الشهداء من أهل بيتهعليه‌السلام : مقتل أبو مخنف : ١٧٠ ، الإرشاد ٢ : ١٠٧ ، مقاتل الطالبیين : ٥۸ ، الكامل في التاريخ ٤ : ٧٥ ، مثير الأحزان : ٥٢ ، اللهوف : ٦٨.

(٣) وردت هذه الفقرة في كتاب (مفتاح الجنان) وهو في الأدعية والأعمال المتعلقة بالأيام والشهور والزيارات وبعض الأوراد والختومات ، وقد طبع مراراً عديدة ، ولا يعرف جامعه إلا أنه أورد فيه بعض ما لم يظهر مستندهه ، بل بعض ما ليس له مستند قطعاً ، وقد تعرّض له عدّة من أعلامنا الأعلام أنار الله برهانهم كالشيخ النوري في اللؤلؤ والمرجان (المعرب) : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، والشيخ عبَّاس القمّي في مفاتيح الجنان بعد زيارة وارث بعنوان (الدسّ في زيارة وارث) ، والشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة ٢١ : ٣٢٤ رقم ٥٢٩٤.

٥٨٥

وكيف كان : فحديث القاسم الثاني من الأكاذيب المشهورة(١) ، والمزار المعروف خارج طهران الَّذي يزار فيه رأس القاسم ، هو قبر الشاه قاسم فیض بخش المتوفَّى سنة ۹۸١ ، ابن السيِّد محمّد نور بخش(٢) .

__________________

(١) أراد المؤلِّفرحمه‌الله بالثاني أي لم يكن هناك قاسم آخر من أبناء الإمام الحسنعليه‌السلام استشهد في الطف ، وإلا فأنه ذكر عند تعداده لأولادهعليه‌السلام قاسماً آخر أصيب بالنهروان جرياً على قول السيِّد القزوينيرحمه‌الله ، فتامَّل.

(٢) الأمير الكبير قدوة العلماء شاه قاسم بن العالم المير شمس الدين محمّد الحسيني النوربخشي ، كان من العرفاء وهو من المعاصرين للسلطان حسین میرزا بایقرا نزل بالري وبها توفي سنة (۹۸١) ، وهذا التأريخ غلط جزماً ولعلّ الصحيح سنة (۸۸١) ويوافق ذلك لتأليف ولده بهاء الدولة حسن كتاب (خلاصة التجارب) الي الري في سنة (۹۰) ، ترجم له ولوالده القاضي نور الله في المجالس ـ ص ٣۰٣ ـ ٣۰٦ فذكر أن والده السيِّد محمّد النوربخش ولد بقائن في سنة (٧٩٥) وهو ابن السيِّد محمّد المولود بالقطيف ابن السيِّد عبد الله المولود بالاحساء المنتهي نسبه إلى الإمام موسی بن جعفرعليه‌السلام بخمسة عشر أباً ، وذكر بعض سوانح النوربخش وعقائده ونزوله اخيراً في شهريار من محال الري وتعميره هنالك قرية سولقان التي بها توفّی (۸٦۹) (الذريعه ٧ : ٢١٧ رقم ١٠٥٤ بتصرف) ، وذكر في فهرست نسخه های خطی ـ کتابخانه آية الله گلپايگاني ج ٢ ص ٤٨ نسخة تحوي سند سلسلة نور بخشيه وبيان حال شاه قاسم فيض بخش ، فلتراجع.

٥٨٦

المقام الثالث

في الإمام الحسينعليه‌السلام

هو : الإمام الثالث ، والسبط الثاني.

کنیته : أبو عبد الله.

ويلقَّب : ( بالسبط ، والشهيد)(١) .

ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة(٢) ـ إن أخذنا أوّل السنة من شهر رمضان ، وأربع منها إن أخذناه من المحرَّم ـ.

وهذا أولی ممَّا ذكره بعضٌ كالشيخ في (المصباح) ، والمفيد في (الإرشاد) ، والكفعمي في (مصباحه) من أن ولادته : (لخمس أو ثلاث خلون من شعبان )(٣) ؛ لورود الإشكال على ما ذكروه من حيث إنه ورد في كثير من الأخبار : (أن بين ميلادي الحسنعليه‌السلام والحسينعليه‌السلام ستَّة أشهر وعشرة أيام)(٤) .

ولم يُنقل خلاف في كون ميلاد الحسنعليه‌السلام ليلة النصف من شهر رمضان ؛ ولذا اختاره الكليني في (الکافي) ، والشيخ في (التهذيب) ، والعلّامة في (المنتهی) ، والشهيد في (الدروس) ، وجدّي الأمجد السيِّد محمّد في رسالة (مواليد الأئمة )(٥) ، والشيخ أبو علي في (رجاله) ، والطريحي في (الدراية)(٦) .

__________________

(١) ينظر : الإرشاد ٢ : ٢٧ ، بحار الأنوار ٤٣ : ٢٣٧ باب ولادته وأسمائه.

(٢) ينظر : المقنعة : ٤٦٧ ، الدروس ٢ : ٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢٠٠ ح ١٨ وغيرها.

(٣) مصباح المتهجد : ٨٢٦ ، الإرشاد ٢ : ٢٧ ، المصباح : ٥١٣.

(٤) ينظر : تاريخ أهل البيتعليهم‌السلام : ٧٦ ، تاريخ الأئمّة (المجموعة) : ٨.

(٥) تاريخ الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام : ١٠٦.

(٦) الكافي ١ : ٤٦١ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٣٩ ح ١١ ، منتهى المطلب ٢ : ٨٩١ ، الدروس ٢ : ٧ ، منتهى المقال ١ : ١٣ ، جامع المقال : ١٨٧ ، وكذلك ينظر : المقنعة : ٤٦٤ ، مناقب آل أبي طالبعليه‌السلام ٣ : ١٩١ ، روضة الواعظين :

٥٨٧

وقبض قتيلاً بكربلاء من أرض العراق يوم الاثنين(١) ـ وقيل : يوم الجمعة(٢) ، وقيل : يوم السبت(٣) ـ قبل الزوال ـ وقيل : بعده(٤) ـ العاشر ـ وروى ابن عبَّاس التاسع ، وليس بمعتمد(٥) ـ من شهر محرّم الحرام سنة ٦١ من الهجرة ، وله من العمر يومئذ سبع وخمسون سنة وأشهر ، ودفن في كربلاء ، ممَّا يلي مولد عيسيعليه‌السلام (٦) ، ويقال له : الحائر الحسيني.

تحديد الحائر الحسيني

فصل : وفي تحديد الحائر اختلاف عظيم بين الفقهاء ، خصوصاً في مسألة التخيير بين القصر والإتمام في الأماكن الأربعة التي هي من مهمَّات المسائل الفقهية ، ومن أسرار الأئمّةعليهم‌السلام ، وخواص الإماميّة ، فلا بأس بشرح الكلام فيما يخصها.

__________________

١٥٣ ، کشف الغُمَّة ٢ : ١٣٧ ، وبحار الأنوار ٤٤ : ١٣٤ فإن مؤلفهرحمه‌الله جمع مصادر هذا القول ضمن باب خاص بتواريخهعليه‌السلام .

(١) اللهوف في قتلی الطفوف : ٧۸ وأشارت إلى ذلك العقيلة زينبعليها‌السلام بندبتها عليهعليه‌السلام قائلة : (بنفسي من عسكره يوم الاثنين نهبا).

(٢) ينظر : البداية والنهاية ٦ : ٢٥۸ ، تهذيب الكمال ٦ : ٤٤٥.

(٣) ينظر : تاريخ مدينة دمشق ١٤ : ٢٤۸ ، وجمع الأقوال ابن شهر آشوب في مناقبه ٣ : ٢٣١.

(٤) القولان ذكرهما ابن شهر آشوب في مناقبه ٣ : ٢٣١.

(٥) ينظر : صحيح ابن خزيمة : ٣ : ٢۹١ ، تذكرة الفقهاء : ٦ : ١۹٣.

(٦) إشارة إلى ما رواه الشيخ الطوسي في تهذیب الأحکام ج ٦ ص ٧٣ ح ١٣۹ : ۸ ، قال ما نصّه : «...عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام في قوله : ﴿فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا، قال : خرجت من دمشق حَتَّى أتت كربلاء فوضعته في موضع قبر الحسين عليه‌السلام ثُمَّ رجعت من ليلتها ».

وقد ذكر الشيخ السماوي في أرجوزته (مجالي اللطف بأرض الطف) لمريم عليها‌السلام مقاماً في كربلاء ، كما ذكره السيِّد سلمان هادي آل طعمة في كتابه کربلاء في الذاكرة ص ١٥۸.

٥٨٨

فنقول : لا شبهة في أنه ليس المراد من حرم الحسينعليه‌السلام خصوص البقعة المقدّسة ، فإن سعة الحرم دليل على جلالة صاحب الحرم ، فلا يناسب جلالة قدرهعليه‌السلام ضيق حرمه بحيث يقتصر على نفس القُبَّة ، أو ما دار عليه سور المشهد.

والأخبار الواردة حول هذه المسألة كثيرة ، فمنها :

ما هو بلفظ (الحائر) : وهو ما رواه ابن بابويه في (الفقيه) مرسلاً عن الصادقعليه‌السلام ، قال : «من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : بمكّة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، وحائر الحسين عليه‌السلام »(١) .

ورواه أيضاً ابن قولويه في (کامل الزیارات) بسند صحيح عن حمّاد بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٢) .

ومنها : ما هو بلفظ (الحرم) : وهو ما رواه الصدوقرحمه‌الله في الخصال عن حمّاد بن عیسی ، ورواه الشيخ وابن قولويه أيضاً في (المزار) بالإسناد المذكور ، قال : قال أبو عبد اللهعليه‌السلام : «من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله ، وحرم رسوله ، وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين صلوات الله عليهم »(٣) .

__________________

(١) من لا یحضره الفقيه ١ : ٤٤٢ ح ١٢۸٣.

(٢) کامل الزيارات : ٤٣۰ ح ٦٥۹ / ٥.

(٣) الخصال : ٢٥٢ ح ١٢٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٣٤ ح ١١٩١ / ١ ، كامل الزيارات : ٤٣١ ذيل ح ٦٥٩ / ٥ بالهامش وهو من زيادة تلميذ المؤلف بحسب ما صرح به محقق النسخة المطبوعة.

٥٨٩

وما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال ، سمعته يقول : «تتم الصلاة في أربعة مواطن : في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه‌السلام »(١) .

ومنها : ما هو بلفظ (عند القبر) : وهو ما رواه في (الكافي) عن إبراهيم بن أبي البلاد ، عن رجل من أصحابنا يقال له : حسین ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «تتم الصلاة في ثلاثة مواطن : في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعند قبر الحسين عليه‌السلام »(٢) .

وفي (کامل الزيارات) بإسناده إلى زياد القندي ، قال : قال أبو الحسن موسیعليه‌السلام : «يا زياد ، اُحبُّ لك ما اُحبُّ لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي ، أتِمَّ الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه‌السلام »(٣) .

هذه هي الأخبار الواردة في المقام.

فنقول : أما ما كان مشتملاً على لفظ (الحايِرْ) وهو بعد الألف باء مكسورة وراء ساكنة فهو في الأصل : حوض ينصب إليه مسيل الماء من الأمطار ، سمِّي بذلك ؛ لأنَّ الماء يتحيَّر فيه ، يرجع من أقصاه إلى أدناه(٤) .

__________________

(١) تهذیب الأحکام ٥ : ٤٣١ ، ح ١٥٠٠ / ١٤٦.

(٢) الكافي ٤ : ٥٨٦ ح ٤.

(٣) کامل الزيارات : ٤٣١ ح ٦٦٠ / ٦.

(٤) معجم البلدان ٢ : ٣۰۸.

٥٩٠

وبهذه المناسبة أطلق لفظ (الحايِرْ) على موضع قبرهعليه‌السلام لوقوعه في أرض منخفضة ، كما هو المشاهد من الصحن الشريف من جوانبه الأربعة ، خصوصاً باب الزينبية وباب السدرة.

ولا وجه لما هو مشهور : من أن وجه التسمية بذلك من جهة : (أن المتوكّل العبَّاسي لمّا أمر بحرث قبره عليه‌السلام أطلق الماء عليه فكان لا يبلغه )(١) ، وإنْ صدقت القصّة ؛ إذ في كثير من الأخبار الصادرة قبل وجود المتوكّل إطلاق لفظ (الحاير) على موضع قبر الحسينعليه‌السلام .

فقد روى أبو حمزة الثمالي بسند معتبر عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : «إذا أردت أن تزور قبر العبَّاس بن علي ، وهو على شط الفرات بحذاء الحائر فقف على باب السقيفة إلخ »(٢) .

وإنَّ ولادة المتوكّل سنة ٢۰ ٦(٣) ، ووفاة الصادقعليه‌السلام سنة ١٤٨ ، ولا يصح أن يكون الإطلاقتي باعتبار الواقعة المتأخّرة.

وبالجملة ، فالظاهر أنّ الحائر حقيقة : هو مواضع القبور الشريفة كما يظهر من عبارة شيخنا المفيد لمّا ذكر من قُتل مع الحسينعليه‌السلام من أهله ، قال : (والحاير محيط بهم إلّا العبَّاس فإنَّه على المسناة )(٤) .

__________________

(١) قاله الشهيد الأولرحمه‌الله في الذکری ج ٤ ص ٢۹١ ، وقصّة المتوكّل وتخريبه لقبر الحسينعليه‌السلام في أمالي الطوسي من ص ٣٢٥ إلی ٣٢۹ ، فليراجع.

(٢) کامل الزيارات : ٤٤٠ ح ٦٧١ / ١.

(٣) ينظر : الأعلام ٢ : ١٢٧.

(٤) كذا وردت العبارة عن الشيخ المفيدرحمه‌الله باختصار في السرائر ج ١ ص ٣٤٢ ونصّها في الإرشاد ج ٢ ص ١٢٦ : ( فهؤلاء سبعة عشر نفساً من بني هاشم ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ إخوة الحسين وبنو أخيه وبنو عميه جعفر وعقيل ، وهم

٥٩١

وأظهر منه عبارة (السرائر) في مقام تحديد الحائر : (أنه ما دار عليه سور المشهد ، والمسجد عليه ، دون ما دار سور البلد عليه ؛ لأنَّ ذلك هو الحائر حقيقة ؛ لأنَّ الحائر في لسان العرب : الموضع المطمئن الَّذي يحار الماء فيه ) ، انتهى(١) .

ولكن من البيّن الَّذي لا ريب فيه أنه يوجد في لسان القدماء ، ومعاصري الأئمّة ، ومن قارب عصرهم ، وفي كتب الأخبار والسير إطلاق الحائر على البلدة المقدّسة كثيراً ، بحيث قَدْ بلغ حدّ الظهور ، ولو بضرب من التوسعة والمجاز ، بل وفي اللُّغة ما هو صريح في ذلك ، ونحن ندلك على مواضع منه ، وعليك بالتتبُّع في استخراج الباقي.

روى الشيخرحمه‌الله بإسناده عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال : «من خرج من مكّة أو المدينة ، أو مسجد الكوفة ، أو حائر الحسين عليه‌السلام قبل أن ينتظر الجمعة ، نادته الملائكة أين تذهب لا ردَّك الله »(٢) .

إذاً ، لا معنى للخروج من نفس القُبَّة ، بل المراد البلدة قطعاً ، كما هو المغروس في الأذهان وعلیه عمل أهل الإيمان.

__________________

كلهم مدفونون ممَّا يلي رجلي الحسينعليه‌السلام في مشهده حفر لهم حفيرة وألقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب ، إلا العبَّاس بن علي رضوان الله عليه فإنه دفن في موضع مقتله على المسناة بطريق الغاضرية وقبره ظاهر ، وليس لقبور إخوته وأهله الَّذين سميناهم أثر ، وإنما يزورهم الزائر من عند قبر الحسينعليه‌السلام ويومئ إلى الأرض التي نحو رجليه بالسلام ، وعلي بن الحسينعليه‌السلام في جملتهم ، ويقال : إنه أقربهم دفنا إلى الحسينعليه‌السلام فأما أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الَّذين قتلوا معه ، فإنهم دفنوا حوله ولسنا نحصل لهم أجداثا على التحقيق والتفصيل ، إلا أنا لا نشك أن الحائر محيط بهمرضي‌الله‌عنه وأرضاهم وأسكنهم جنات النعيم).

(١) السرائر ١ : ٣٤٢.

(٢) تهذيب الأحکام ٦ : ١۰٧ ح ١٨٨ / ٤.

٥٩٢

وقال في (القاموس) و (تاج العروس) : (والحائر موضع بالعراق فيه مشهد الامام المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالبرضي‌الله‌عنه ، سمِّي لتحيُّر الماء فيه.

ومنه : نصر الله بن محمّد الكوفي ، سمع أبا الحسن ابن غبرة. والإمام النسَّابة عبد الحميد ابن الشيخ النسابة جلال الدين فخار الحائريان) ، انتهى(١) .

قال الحافظ ابن حجر : (وممَّن ينتسب إلى الحائر الشريف أبو الغنائم محمّد بن أبي الفتح العلوي الحائري )(٢) .

وقال الشيخ في (فهرست رجاله) ما لفظه : (حميد بن زياد ، من أهل نينوى ، قرية إلى جنب الحائر على ساكنه السلام ) ، انتهى(٣) .

ولا يخفى أن المتبادر من لفظ الحائر في المواضع المذكورة هو ما دار عليه سور البلد.

وبالجملة : فالظهور العرفي كاف لحمل لفظ الحائر على البلد ، وهو مع ما سيأتي كاف في الخروج عن مقتضى الأصل ، أعني : القصر في كل مسافر بمقتضی استصحاب حكم المسافر قبل حضور البلد.

وأمّا ما وقع التعبير فيه بالحرم فلا نصرة فيه لمذهب المشهور ؛ لما في جملة من الأخبار من تحدید حرم الحسينعليه‌السلام بما هو أوسع منه ، بل ومن سور البلد بكثير.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٥ ، تاج العروس ٦ : ٣١٧.

(٢) عنه تاج العرس ٦ : ٣١٧.

(٣) الفهرست للطوسي : ١١٤ رقم ٢٣۸ / ٣ ، رجال الطوسي : ٤٢١ ، رقم ٦٠٨١ / ١٦.

٥٩٣

ففي (الكافي) ، و (التهذيب) ، و (ثواب الأعمال) ، و (کامل الزيارة) ، و (مصباح المتهجِّد) جميعاً عن إسحاق بن عمَّار ، قال : سمعت أبا عبد الله يقول : «إنَّ لموضع قبر الحسين عليه‌السلام حرمة معلومة من عرفها واستجار بها اُجير ، قلت : صف لي موضعها؟ قال : امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قدامه وخمسة وعشرين ذراعاً من عند رأسه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه ، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه. وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنَّة الخبر» (١) .

وفي (الفقيه) مرسلاً عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «حريم قبر الحسين عليه‌السلام خمسة فراسخ من أربعة جوانب القبر »(٢) .

وفي التهذيب) أيضاً بسنده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «قبر الحسين عليه‌السلام عشرون ذراعاً مُكسَّراً ، روضة من رياض الجنة »(٣) .

وفيه أيضاً بسنده إلى أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «البركة من قبر الحسين عليه‌السلام على عشرة أميال »(٤) .(٥)

والَّذي يقتضيه تعدُّد الضبط ثبوت الحكم لأعمِّ العناوين ، بحمل الاختلاف على اختلاف مراتب الفضيلة. ومقتضاه ثبوت الحكم لحرم الحسينعليه‌السلام بما هو

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥۸۸ ح ٦ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٧١ ح ١٣٤ / ٢ ، ثواب الأعمال : ٩٤ ، کامل الزيارات : ٤٥٧ ح ٦٩٤ / ٤ ، مصباح المتهجد : ٧٣١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٥٧۹ ح ٣١٦٧.

(٣) تهذيب الأحکام ٦ : ٧٢ ح ١٣٥ / ٤.

(٤) كذا في الأصل والعديد من الكتب الحديثية ، وفي المصدر : (التربة من قبر الحسين بن عليعليه‌السلام عشرة اميال).

(٥) تهذيب الأحكام ٦ : ٧٢ ح ١٣٦ / ٥.

٥٩٤

أوسع ممَّا دار عليه سور البلد ، فضلاً عما أحاط به الصحن ، ويؤيد أخبار التحديد أخبار اُخر كثيرة جدّاً قَدْ وقع التعبير فيها : بـ(أرض كربلاء) كما في خبر : افتخار کربلاء مع الكعبة(١) ، وما في اتخاذ الله كربلاء حرماً آمناً مباركاً(٢) .

__________________

(١) لفضل كربلاء على الكعبة المشرفة وافتخارهما ورد حديثان هما :

الأول : عن عباد ، عن عمرو بن بياع السابري ، عن جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، قال : «إن أرض الكعبة قالت : من مثلي وقد جعل بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق ، وجعلت حرم الله وأمنه. فأوحى الله إليها : أنْ كفّي وقَرِّي فوعزتي ما فَضلُ ما فُضِّلت به فيما أعطيتُ أرضَ كربلاء إلّا بمنزلة إبرةٍ غُمِسَتْ في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة کربلاء ما فُضِّلت ، ولولا من تضمَّنت أرض کربلاء ما خلقتكِ ولا خلقتُ البيتَ الَّذي به افتخرتِ ، فَقَرِّي واستقرِّي وكوني دنياً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر على أرض كربلاء ، وإلّا اسخط بك فهویت في نار جهنم ». (الاُصول الستة عشر (أصل أبي سعيد عباد العصفري) : ١٦).

الثاني : «حدّثني أبي رحمه‌الله ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن علي ، قال : حدّثنا عباد أبو صعيد العصفري ، عن صفوان الجمال ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن الله تبارك وتعالی فضل الأرضین والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لتركها التواضع لله ، حَتَّى سلط الله المشركين على الكعبة وأرسل إلى زمزم ماء مالحاً حَتَّى أفسد طعمه ، وأن أرض كربلاء وماء الفرات أوّل أرض وأوّل ماء قدس الله تبارك وتعالى وبارك الله عليهما ، فقال لها : تكلَّمي بما فضَّلك الله تعالی ؛ فقد تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : أنا أرض الله المقدسة المباركة ، الشفاء فی تربتي ومائي ، ولا فخر ، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ، ولا فخر على من دوني ، بل شكراً لله ، فأكرمها ، وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين عليه‌السلام وأصحابه. ثُمَّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من تواضع لله رفعه الله ، ومن تكبر وضعه الله تعالی ». (کامل الزيارات : ٤٥٥ ح ٦٩٠ / ١٧).

وإلى هذا أشار العلّامة الطباطبائيقدس‌سره بقوله :

ومن حديثِ کربلا والكعبة

لکربلا بانَ علوُّ الرتبة

(٢) الحديث ورد في الأُصول الستة عشر / أصل أبي سعيد العصفري : ١٧ وهو كالتالي : «عباد ، عن رجل ، عن ابي الجارود ، قال : قال علي بن الحسين صلى الله عليه : «اتّخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق أرض الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام وإنها إذا يدك الله الأرضين رفعها كما هي برمتها نورانية صافية فجعلت في افضل روض من رياض الجنة ، وأفضل مسكن في الجنة لا يسكنها إلا النبيّون والمرسلون ـ أو قال : اُولوالعزم من الرسل ـ وإنها لتزهر من رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدرِّي من الكواكب لأهل الأرض يغشى

٥٩٥

وما رواه يونس بن ظيبان عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنه قال له : «إذا أتيت أبا عبد الله عليه‌السلام فاغتسل على شاطئ الفرات ، ثُمَّ البس ثيابك الطاهرة ، ثُمَّ امش حافياً فإنَّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله »(١) ، أو غير ذلك.

فما في (الجواهر) من أنّه : (لمّا كان القصر هو الأصل في المسافر ، وكثير من هذه النصوص اعتبارها من جهة الاتجار بالشهرة ، وقد قيل : إنَّ المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه ، بل على الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة ، كما أنَّ الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام )(٢) ، [هو](٣) ضعيف جداً ؛ لما عرفت : من أنَّ اعتبار تلك النصوص ليس من جهة عمل المشهور حَتَّى يقتصر على مقدار العمل ، بل من جهة تأييدها بما طرق سمعك من الأخبار المتواترة الموافقة لمضمونها ، ومن حيث تكرر أسانيدها ووثاقة رواتها ، وكثرة وجودها في الكتب المعتمادة ، وثبوت بعضها في الكتب الأربعة.

وأمَّا الأخبار المشتملة على لفظ (عند) فهي من الإجمال بمكان ؛ لصدقه على القرب والبعد ، واختلاف المراد منه بحسب اختلاف التعبير ، مثلاً لو قيل : أقام عند قبر الحسينعليه‌السلام ليلاً ، يمكن أن يراد منه البيتوتة في البلد.

__________________

نورها نور أبصار أهل الأرض جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض الله المقدسة ، والطينة المباركة التي تضمنت سيِّد الشهداء وشباب أهل الجنة»».

(١) الكافي ٤ : ٥٧٥ ح ٢ والخير فيه طويل.

(٢) جواهر الكلام ١٤ : ٣٣۹ باب تحديد المواطن الأربعة.

(٣) ما بين الموقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

٥٩٦

وبالجملة : فهو في البعد أظهر كما نصّ عليه أهل اللُّغة من الفرق بينه وبين (لدی) ؛ بأن الأخير لا يستعمل إلا في الحاضر ، بخلاف الأول(١) .

فقد تحقّق من جميع ما ذكرناه : أنَّ الأقوى والأظهر هو أنّ التخيير غير مختصٍّ بما خصّه به المشهور من الاقتصار فيه على ما حوته القُبَّة الشريفة ، والصحن الشريف. كما هو اختيار غير واحد من المتقدّمين كالشيخ ، وابن حمزة ، وجماعة اُخرى ، ويحيى بن سعيد الحلِّي [والمحقِّق](٢) في كتاب له في السفر ، والحرّ العاملي في (الوسائل) ، وأصرّ عليه الفاضل النراقي في المستند ، وقطع به في آخر كلامه(٣) . وهو اختيار غير واحد من أفاضل المعاصرين كالسيد النوري في شرح (نجاة العباد) والشيخ أبي الفضل الرازي في كتاب (شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور)(٤) ، فلا وجه للاحتياط بالاقتصار على القدر المتيَّقن كما هو عمدة دليل المشهور.

مشهد ابن حمزة

وكيف كان : ففي خارج كربلاء موضع معروف ، وهو على ما في (فلك النجاة)(٥) ، مشهد الشيخ نصير الدين علي بن حمزة بن الحسن الطوسي ، فاضل

__________________

(١) ينظر : الإتقان في علوم القرآن ١ : ٤٨٤.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.

(٣) المبسوط ١ : ١٤١ ، النهاية : ١٢٤ ، الوسيلة : ١۰۹ ، الجامع للشرائع : ۹٣ ، وحكى الشهيد عن المحقق في الذكرى ٤ : ٢٩١ ، وسائل الشيعة ٨ : ٥٢٤ باب تخيير المسافر في الأماكن الأربعة ، مستند الشيعة ٨ : ٣١٣.

(٤) وسيلة المعاد ٣ : ٦٣١ ، شفاء الصدور (المعرب) ١ : ٤٢۸.

(٥) كتاب المزار من فلك النجاة : ١۹٣.

٥٩٧

جلبل ، له مصرفات يرويها علي بن يحيي الحنّاط ، قاله صاحب (أمل الآمل)(١) ، وهو والد الشيخ الإمام ، عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، صاحب (الوسيلة)(٢) .

مشهد الحرّ الرّياحي

وأيضاً في خارج كربلاء موضع قبر الحرّ بن يزيد ، من بني رياح ، معروف تروره الشيعة.

والعجب من المحدّث النوري حيث ذكر في كتابه (اللؤلؤ والمرجان) : (أنه إلى الآن لم يوجد ما يدلُّ على تعيين مرقده هناك ، سوى السيرة المستمرة من الشيعة تزوره حيث هناك ، بل يظهر من المقاتل ، وأخبار الزيارة أنه مدفون مع سائر الشهداء في نفس الحائر.

نعم ، ذكر الشهيدرحمه‌الله في (الدروس) أن بعد زيارة الحسين عليه‌السلام فليزر ابنه علي بن الحسين ، وسائر الشهداء ، وأخاه العبَّاس ، والحر بن يزيد. ثُمَّ قال : وهذا كاف لتعيين مرقده ) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) أمل الآمل ٢ : ١٨٦ رقم ٥٥٢.

(٢) كذا والصحيح أن الموضع المشار إليه هو لعماد الدين أبي جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، صاحب (الوسيلة) ، نصّ على ذلك السيِّد حسن الصدر في تأسيس الشيعة ص ٣۰٤ ، والشيخ الطهراني في الثقات العيون ص ٢٧٣ ، والمؤرخ السیِّد سلمان هادي آل طعمة في تراث کربلاء ص ١١٦ وسبب هذا الاشتباه هو ما ذكره السيِّد مهدي القزوينيرحمه‌الله في كتابه فلك النجاة المتقدّم الذكر ، ولعل اسم محمّد سقط من قلمه ، ومن الغريب ما ينسبه العامة من أن هذا القبر هو لابن الحمزة العبَّاسي المعروف بأبي يعلى دفين جنوب الحلة ، فلاحظ.

(٣) اللؤلؤ والمرجان (المعرب) : ١٣٦ ، الدروس ٢ : ١١.

٥٩٨

وكأنهرحمه‌الله لم يطَّلع على ما ذكره صاحب (نزهة القلوب) حمد الله المستوفي المؤرِّخ : (أن في ظاهر کربلاء قبر الحرّ ، الذي هو جدّه الثامن عشر تزوره الناس).

والأولاد والأحفاد أعرف بقبور أسلافهم(١) .

وما ذكره السيِّد الجزائري في (الأنوار) عن جماعة من الثقات : (أنَّ الشاه إسماعيل لمّا ملك بغداد أتى إلى مشهد الحسين عليه‌السلام وسمع من بعض الناس الطعن على (الحرّ) ، أتى إلى قبره وأمر بنبشه ، فنبشوه ، فرأوه نائماً كهيئته لما قُتل ، ورأوا على رأسه عصابة مشدودا بها رأسه ، فأراد الشاه أخذ تلك العصابة لما نقل في كتب السير والتواريخ أن تلك العصابة هي دسمال الحسين عليه‌السلام ، شدَّ بها رأس الحرّ لمّا أصيب في تلك الواقعة ، ودفن على تلك الهيئة ، فلمَّا حلّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسه حَتَّى امتلأ منه القبر. فلمَّا شدّوا عليه تلك العصابة انقطع الدم وكلما أرادوا أن يعالجوا قطع الدم بغير تلك العصابة (٢) لم يمكنهم فَتَبيَّنَ لهم حسنُ حاله ، فأمر فبنی على قبره بناء ، وعيّن له خادماً يخدم قبره ) ، انتهى(٣) .(٤)

__________________

(١) ذکر عماد الدين الطبري ـ وهو من علماء القرن السابع ـ في كتابه كامل البهائي (المعرب) ج ٢ ص ٢٥٦ ما نصّه : (ودفن الحرّ ذووه في الموضع الَّذي وقع فيه) وقوله هذا أقدم من قول المؤرخ حمد الله المستوفي) ، فلاحظ.

(٢) ذكر السيِّد الميرزا هادی الخراسانيرحمه‌الله في خاتمة كتابه : (القول السديد بشأن الحرّ الشهيد) : (أن قطعة من هذه العصابة باقية إلى زمانه في أصفهان وذكر لها بعض الكرامات) ، فليراجع.

(٣) الأنوار النعمانية ٣ : ٢٦٥.

(٤) ينظر حول تاريخ مرقد الحرّرضي‌الله‌عنه وتحقيقه لما ذكره الشيخ عبَّاس القميرحمه‌الله في كتابه هدية الزائرين من ١٢۹ ـ ١٣١ ، فليراجع.

٥٩٩

تذهيب القبّة الحسينية

وتذهیب القُبَّة الحسينيّة من السلطان : محمّد خان القاجاري ، وذلك سنة ١٢٠٧.

وفي عهد السلطان فتح علي شاه القاجاري ، كتبوا أهالي كربلاء إليه : أنَّ ذهبَ القُبَّة الحسينية قَدْ صار أسودَ ، فأمر السلطان بقلع الأحجار الذهبية ، وأبدلها بأحجار جديدة ، وجدَّد ذهب الأحجار العتيقة ، وزيّن بها قُبَّتي الكاظمينعليهما‌السلام .

وفي سنة ١٢٧ ٦ جاء الشيخ عبد الحسين الطهراني(١) إلى كربلاء بأمر السلطان ناصر الدین شاه القاجاري ، وجدَّد تذهيب القُبَّة الحسينية ، وبناء الصحن الشريف ، وبناء الإيوانات بالكاشي الملوَّن ، وتوسعة الصحن من جانب فوق الرأس المطهَّر. ولمَّا فرغ من ذلك مرض في الكاظمين ، وتوفّي سنة ١٢۸ ٦ ، ونقل إلى كربلاء(٢) .

__________________

(١) ترجمه تلميذه الميرزا النوري والَّذي يروي عنه في خاتمة المستدرك ج ٢ ص ١١٤ ، بما نصّه : (الشيخ عبد الحسين بن علي الطهراني ، أسكنه الله تعالى بحبوحة جنته. كان نادرة الدهر وأعجوبة الزَّمان ، في الدقة والتحقيق وجودة الفهم ، وسرعة الانتقال وحسن الضبط والإتقان ، وكثرة الحفظ في الفقه والحديث والرجال واللُّغة ، حامي الدين [حامى للدين ـ ظ] ودافع ضبة الملحدين ، وجاهد في الله في محو صولة المبتدعين ، أقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات ، وبالغ مجهوده في عمارة القباب السامیات ، صاحبته زماناً طويلاً إلى أن نعق بيني وبينه الغراب ، واتخذ المضجع تحت التراب ، في اليوم الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة ١٢۸٦ ، له كتاب في طبقات الرواة ، في جدول لطيف ، غير أنه ناقص).

(٢) ينظر : ترجمة رجال الدول القاجارية في كتاب دوائر المعارف للسيد مهدي الكاظمي الأصفهاني ص ٦١.

٦٠٠

601

602

603

604

605

606

607

608

609

610

611

612

613

614

615

616

617

618

619

620

621

622

623

624

625

626

627

628

629

630

631

632

633

634

635

636

637

638

639

640

641

642

643

644

645

646

647

648

649

650

651

652

653

654

655

656

657

658

659

660

661

662

663

664

665

666

667

668

669

670

671

672

673

674

675

676

677

678

679

680

681

682

683