تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم11%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 13441 / تحميل: 1614
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

فقال لهم : أنا في حاجة إلى قراءتها ، فقالوا له : إنها قراءة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رواية أهل البيتعليهم‌السلام ، ثُمَّ أصرّوا عليه فحكى لهم القصة ، فزاد اعتقادهم في صحَّة القراءة)(١) .

قلت : وفي (مجمع البيان) ما نصّه : (في الشواذ رواية قتادة ، عن الحسن (يحشر المتقون) و (يساق المجرمون) ، قال : فقلت : إنها بالنون يا أبا سعيد ، قال : وهي للمتقين إذاً)(٢) .

وفي (فردوس التواریخ) نقلاً عن بعض التواريخ : (أنه كان للسلطان سنجر ـ أو أحد وزرائه ـ ولد اُصيب بالدق ، فحكم الأطباء عليه بالتفرّج والاشتغال بالصيد ، فكان من أمره أن خرج يوماً مع بعض غلمانه وحاشيته في طلب الصيد ، فبينما هو كذلك فإذا هو بغزال مارق من بين يديه ، فأرسل فرسه في طلبه ، وجدَّ في العدو ، فالتجأ الغزال إلى قبر الإمام علي بن موسى الرضاعليه‌السلام ، فوصل ابن الملك إلى ذلك المقام المنيع ، والمأمن الرفيع الَّذي من دخله كان آمنا ، وحاول صيد الغزال فلم تجسر خيله على الإقدام عليه ، فتحيّروا من ذلك ، فأمر ابن الملك غلمانه وحاشيته بالنزول من خيولهم ، ونزل هو معهم ومشي حافياً مع كمال الأدب نحو المرقد الشريف ، وألقى نفسه على المرقد ، فأخذ في الابتهال إلى حضرة ذي الجلال ، ويسأل شفاء علَّته من صاحب المرقد ، فعوفي ، فأخذوا جميعاً في الفرح والسرور وبشروا الملك بما لاقاه ولده من الصحَّة ببركة صاحب المرقد ، وقالوا له : إنه مقيم عليه ، ولا بتول منه حَتَّى يصل البنّاؤون إليه ، فيبني عليه قُبَّة ، ويستحدث هناك بلداً ويشيّده ؛

__________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٣١٤ ح ٦.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٤٤٩.

١٠١

ليبقى بعده تذكاراً ، ولمّا بلغ السلطان ذلك ، سجد لله شكراً ، ومن حينه وجّه نحوه المعماريين ، وبنوا علی مشهده بقعة وقبَّة وسوراً يدور على البدر)(١) .

__________________

(١) فردوس التواريخ : في تواریخ خراسان وأحوال الإمام الرضاعليه‌السلام ، لم أقف عليه ، وهو للمولی نوروز علي بن محمّد باقر الواعظ البسطامي ، (ت ١٣٠٩ هـ) ، طبع في إيران في (١٣١٥ هـ) على الحجر في ٤٢٨ ص ، (ينظر : الذريعة ١٦ : ١٦٥ رقم ٤٦٦).

١٠٢

المقام التاسع

في الإمام محمّد بن عليعليه‌السلام

الملقَّب : بالتقي ، والجواد ، والمرتضى ، والمنتجب ، والقانع ، والمختار ، والعالم.

وكنيته : أبو جعفر الثاني ، وأبو الفضل ، وقد يُكنّى بأبي علي ولكنّه متروك.

ولادتهعليه‌السلام في شهر رجب

وُلد بالمدينة يوم الجمعة ، النصف ـ أو التاسع عشر ـ من شهر رمضان ، علی ما ذكره المفيد في (الإرشاد) و (التاريخ) ، والكليني ، والطوسي ، في (الكافي) و (التهذيب)(١) .

ونقل الشيخرحمه‌الله في المصباح ، عن ابن عيّاش : (أنه ذكر مولده في عاشر رجب)(٢) .

قال جدّي الأمجد : (وربّما دلّ عليه ظاهر ما خرج من الناحية المقدّسة على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رحمه‌الله من الدعاء في أيام رجب ، وذلك ؛ لأن الظاهر تعلّق الجار في قوله عليه‌السلام في رجب : (بالمولودين). واحتمال تعلّقه بالسؤال بعيد ) ، انتهى(٣) .

قلت : والدعاء المذكور هو هذا : «اللهُمَّ إني أسألك بالمَولودَينِ في رجب ، محمّد بن علي الثاني ، وابنه علي بن محمّد المنتجب ...» إلى آخر الدعاء(٤) .

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٧٣ ، مسار الشيعة : ٢٤ ، الکافي ١ : ٤٩٢ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٩٠.

(٢) مصباح المتهجد : ٨٠٥.

(٣) رسالة في تاريخ المعصومين : ١٩٠.

(٤) مصباح المتهجد : ٨٠٤ ح ٨٦٧ / ١٠.

١٠٣

وذكر الشيخ الطوسيرحمه‌الله في متهجّده عن ابن عيّاش : (أنّ اليوم الثاني من رجب كان مولد الهاديعليه‌السلام ، ورُوي أنه كان اليوم الخامس منه ، وأن في عاشره وُلد الجوادعليه‌السلام )(١) .

وقال الكفعمي : (وبعض أصحابنا كأنهم لم يقفوا على هذه الرواية ، فأوردوا هنا سؤالاً وأجابوا عنه ، وصفتها : أن [قلت](٢) : إنَّ الجواد والهاديعليهما‌السلام لم يولدا في شهر رجب ، فكيف يقول الإمام الحجّةعليه‌السلام : (اللهُمَّ إنّي أسألك بالمولودَينِ في رجب) ، قلت : إنه أراد التوسل بهما في هذا الشهر ، لا كونهما وُلدا فيه.

ثُمَّ قال : وما ذكروه غير صحيح من وجوه ، الأول : إنَّما يتأتّى قولهم على بطلان رواية ابن عيّاش ، وقد ذكرها الطوسيرحمه‌الله في متهجّده ، وغيره من أصحابنا في مصابيحهم.

قال ابن طاووسرحمه‌الله في كتاب (فتح الأبواب) : وکتاب متهجّد جدّي الشيخ الطوسيرحمه‌الله كتاب عمل ودراية(٣) ، وما هو على سبيل مجرد الرواية ؛ لأن من صنّف کتاب عمل ، فقد تقلّد العمل بما فيه ، ومتى كان فيه ما لا يعتقده ، فقد أبدع بالإسلام ، وحوشي الشيخ الطوسي من أن يصنّف بدعة(٤) .

الثاني : ظهوره في تخصيص التوسّل بهماعليهما‌السلام في رجب دون شعبان ورمضان وغيرهما ، وهو تخصیص من غير مخصّص لولا الولادة.

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٨٠٥.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) في الأصل : (عمل بالدراية) وما أثبتناه من المصدر.

(٤) فتح الأبواب : ١٨٦ باختصار.

١٠٤

الثالث : إنه لو كان كما ذكروا ، لقال صاحب الأمرعليه‌السلام : اللهُمَّ إني أسألك الامامين. ولم يقل : (بالمولودين) ، ولأجل ولادة الحسينعليه‌السلام ثالث شعبان ، قيل في دعائه : (اللهُمَّ إني أسألك بالمولود في هذا اليوم)) ، انتهى(١) .

لعل التوسل بولادتهماعليهما‌السلام دون باقي الأئمّةعليهم‌السلام لمزيد إتمام الحجّة في توالي الأئمّة الاثني عشر ؛ لظهوره إلى الرضاعليه‌السلام ، فكأنهعليه‌السلام أراد إحياء أمرهما عند الشيعة كما هو دأبهم في سائر الأدعية والصلاة ، فافهم.

وكيف كان فهو بالاتفاق في سنة ١٩ ٥ هـ ، واُمُّه اُمّ ولد يُقال لها : سبيكة نوبية ، وقيل أيضاً : إن اسمها خيزران ، وكان له من العمر عند وفاة اُمِّه سبع سنين وأشهرُ على المشهور.

وفاته ومحل دفنهعليه‌السلام

ثُمَّ أشخصه المعتصم محمّد بن هارون ، بعد ما ملك الخلافة بعد أخيه المأمون من المدينة إلى بغداد ، فوردعليه‌السلام بغداد لليلتين بقيتا من المحرَّم سنة ٢٢٠ هـ ، فقتله بالسمّ على يد زوجته اُمّ الفضل بنت المأمون في آخر ذي القعدة من تلك السنة ، فكان لهعليه‌السلام يومئذ خمس وعشرون سنة وشهران وثمانية عشر يوماً ، ودُفن بمقابر قريش في ظهر جدّه موسی بن جعفرعليه‌السلام (٢) .

__________________

(١) البلد الأمين ، نقله عنه المجلسيرحمه‌الله في بحار الأنوار ٥٠ : ١٤ ، ولم أعثر عليه في النسخة المطبوعة سنة ١٤٢٥ هـ من منشورات مؤسسة الأعلمي ، وكذا في مصباحه ، فلعل نسخة العلّامة المجلسيرحمه‌الله فيها زيادات ، فلاحظ.

(٢) ينظر عن أحواله وما يتعلق بهعليه‌السلام : کشف الغُمَّة ٣ : ١٣٤ ـ ١٦٦ ، مناقب آل أبي طالبعليهم‌السلام ٣ : ٤٨٥ ـ ٥٠٤ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٣٣ ـ ١٠٦٦ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١ ـ ١١٣ ، وغيرها في غيرها.

١٠٥

فصل

في ذكر أولادهعليه‌السلام

فهم ذكوراً وإناثاً ثلاثة عشر ، أمّا الذكور : فعليٌّعليه‌السلام الَّذي هو الإمام من بعده ، وأبو الحسن ، وأبو طالب ، وزيد ، وجعفر ، وموسى المبرقع(١) .

وأمّا الإناث : فحكيمة ـ بالكاف ـ وأمّا حليمة ـ باللام ـ غلط ، كما تقدم نظيره ، وسيأتي.

وفاطمة : تزوجها المأمون كما في مناقب ابن شهر آشوب(٢) .

وزينب ، وأم محمّد ، وميمونة : وهذه الثلاث دُفِنَّ في قم عند فاطمة بنت موسی بن جعفرعليه‌السلام (٣) .

وخديجة ، وأم كلثوم.

وأمّا أبو الحسن : فقد أعقب ، وكذلك أبو طالب ، وكذلك جعفر ، وكذلك موسی المبرقع.

أحوال موسى المبرقع

وذكر صاحب العمدة : (أنهعليه‌السلام أعقب من رجلين هما : علي الهاديعليه‌السلام ، وموسی المبرقع)(٤) .

وموسی : اُمُّه اُمّ ولد.

__________________

(١) إجماع النسابة على أنه وُلد لهعليه‌السلام الإمام الهادي والمبرقع لا غيرهما من الذكور ، ولم أعثر على مصدر قوله.

(٢) کذا ، وفي المناقب ٣ : ٤٨٧ ما نصّه : (خلّف فاطمة وأمامة فقط ، وقد كان زوّجه المامون ابنته ، ولم يكن له منها ولد) ، فلعل المؤلفرحمه‌الله نقل من نسخة فيها من هو القلم ما لا يخفى.

(٣) کشکول البهائي ١ : ٢٠٧ ، بحار الأنوار ٥٧ : ٢٢٠.

(٤) عمدة الطالب : ١٩٩.

١٠٦

قال في عمدة الطالب : (مات بقم ، وقبره بها ، ويقال لولده الرضويين ، وهم بقم إلا من شذ منهم ) ، انتهى(١) .

وتُنسب إلى موسى المبرقع بيوت من الهند ، منها : أولاد مير أمان الله في سامانه.

ومنها : أولاد السيِّد مخدوم شاه زيد بور ، وغيرهما.

وفي (تاريخ قم) في باب أحوال الجوادعليه‌السلام ، قال : (ومن أولاده موسي الَّذي هو في قم)(٢) .

ونقل المجلسي عنه : (أن أول من جاء إلى قم من السادة الرضوية ، أبو جعفر موسی بن محمّد بن علي الرضا عليه‌السلام سنه ٢٥٦ هـ ، وكان يضع البرقع على وجهه ، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن ربيع الآخر سنة ٢٩٦ هـ ، ودفنوه في الموضع المعروف الآن أنه مدفنه ، وهو معروف اليوم بالمحلة الموسوية )(٣) .

ونقل أيضاً المحدث النوري في رسالته المسمّاة بـ(البدر المشعشع في احوال موسی المبرقع ) ، عن التاريخ المذكور : (أنه دُفن في الخان المعروف من اقليم الأيام بمحمّد بن الحسن بن أبي خالد الأشعري الملقّب بشنبوله ، واُمّ موسی أول من دُفن في ذلك المكان ) ، انتهى(٤) .

__________________

(١) عمدة الطالب : ٢٠١.

(٢) نقل عنه المجلسي في بحار الأنوار في فضل قم ٥٧ : ٢١٩.

(٣) بحار الأنوار ٥٧ : ٢٢٠.

(٤) البدر المشعشع : ٢٩٢ مطبوع ضمن مجلة الموسم ، العددان ٢٦ ـ ٢٧ سنة ١٤١٦ هـ.

١٠٧

ومحمّد بن الحسن ـ هذا الَّذي هو ضجيع موسی ـ : هو أحد الرواة من القمّيين من أصحاب الرضاعليه‌السلام ، وكان وصياً لسعد بن عبد الله القمّي(١) .

ويظهر من بعض الروايات مذمّة موسی بما لا مزيد عليه ، ففي (الإرشاد) بإسناده عن يعقوب بن ياسر ، قال : (كان المتوكّل يقول : ويحكم قَدْ أعياني أمر ابن الرضا ، وجهدت أن يشرب معي وأن ينادمني ، فامتنع ، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى ، فلم أجدها. فقال له بعض من حضر : إن لم تجد من ابن الرضا ما تريده من هذه الحالة ، فهذا أخوه موسی ، قصّاف عزّاف ، يأكل ويشرب ، ويعشق ويتخالع ، فأحضره وأشهره ، فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك ، فلا يفرّق الناس بينه وبين أخيه ، ومن عرفه اتّهم أخاه بمثل فعاله ، فقال : اكتبوا بإشخاصه مُكرَّماً ، فاُشخص مكرَّماً ، فتقدم المتوكّل أن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس ، وعمل على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها ، وحوّل إليها الخمّارين والقيان ، وتقدم بصلته وبرّه ، وأفرد له منزلاً سرياً يصلح أن يزوره هو فيه.

فلمَّا وافی موسی تلقّاه أبو الحسنعليه‌السلام في قنطرة وصيف ـ وهو موضع يتلقی فيه القادمون ـ فسلّم عليه ووافاه حقّه ثُمَّ قال له : إن هذا الرجل قَدْ أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقرّ له أنك شربت نبيذاً قطّ ، واتق الله يا أخي أن ترتكب محظوراً. فقال له موسی : وإنَّما دعاني لهذا فما حيلتي؟ قال : فلا تضع من قدرك ، ولا تعص ربِّك ، ولا تفعل ما يشينك ، فما غرضه إلا هتكك.

فأبى عليه موسی ، فکرّر عليه أبو الحسنعليه‌السلام القول والوعظ ، وهو مقيم على خلافه ، فلمَّا رأى أنه لا يجيب قال له : أما إن المجلس الَّذي تريد الاجتماع معه عليه ، لا تجتمع عليه أنت وهو أبداً.

__________________

(١) تعليقة على منهج المقال : ٣٠٥.

١٠٨

قال : فأقام موسی ثلاث سنين يُبكر كلّ يوم إلى باب المتوكّل ، فيقال له : قَدْ تشاغل اليوم ، فيروح ويُبكر ، فيقال له : قَدْ سكر ، فيُبكر ، فيقال له : قَدْ شرب دواء. فما زال على هذا ثلاث سنين حَتَّى قُتل المتوكّل ، ولم يجتمع معه على الشراب)(١) .

وأنت خبير بأن هذا الخبر دال على قدحه بما هو مخرج عن العدالة ، غير أنه معارض بما رواه في الكافي من الحديث المتضمّن لإشهاد الجوادعليه‌السلام ابنه موسى على نسخة وصيَّته ، وقد صرّحعليه‌السلام فيها بأنه مستقل في التولية على جملة موقوفات أبيهعليه‌السلام من غير مشاركة أحد ، ومن المعلوم أن تولية الأوقاف من قبل الإمام من أقوى شواهد العدالة في حق المتولّي(٢) .

وما رواه الشيخ الحسن بن علي بن شعبة في (تحف العقول) : عن موسی بن محمّد بن الرضاعليه‌السلام ، عن أخيه أبي الحسن الثالثعليه‌السلام حين سأله يحيى بن أكثُمَّ عن مسائل ، فسأل عنها أخاهعليه‌السلام ، وعبارة الحديث : «فجئت إلى علي بن محمّد ، فدار بيني وبينه من المواعظ ما حملني وبصّرني طاعته ، فقلت له : جُعلت فداك إن ابن أكثُمَّ كتب يسألني عن مسائل لأفتيه فيها ، فضحك عليه‌السلام ثُمَّ قال : وهل افتيته؟ قلت : لا ، قال : ولِمَ؟ قلت : لم أعرفها ، فقال عليه‌السلام : وما هي؟ قلت : کتب يسألني عن كيت وكيت إلى أخر الحديث بطوله »(٣) .

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٣٠٧.

(٢) ينظر الكافي ١ : ٢٣٥ ح ٣.

(٣) تحف العقول : ٤٧٦ مع إيراد تمام المسائل.

١٠٩

وفيه دلالة على كمال معرفته ، وتبصّره ، وتجنّبه عن القول بغير ما يعلم في الدين ، وإن أردت الاطلاع على الشواهد المبرئة لموسى ، فعليك بالرسالة المسماة بـ(البدر المشعشع) للعلّامة النوري ـ طاب ثراه ـ(١) .

ولموسی المبرقع ولدان : محمّد درج ، ولم يعقب.

وأحمد ، أعقب : أبا علي محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، وتوفي سنة ٣١ ٥ هـ ، ودُفن في بقعة جدّه موسی المبرقع(٢) ، والبقية في ولده لابنه أبي عبد الله أحمد نقیب قم ، فيهم السيِّد العالم عبيد الله بن موسی بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن موسی المبرقع ، ذكر الشيخ منتجب الدين في فهرسته : (أنه ثقة ، ورع فاضل ، محدّث ، له : كتاب (أنساب آل الرسول وأولاد البتول) ، (كتاب في الحلال والحرام) ، كتاب (الأديان والملل)) ، انتهى(٣) .

__________________

(١) قال الشيخ آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ٣ : ٦٨ رقم ٢٠٣ عنه ما نصّه : (البدر المشعشع في أحوال ذرية موسى المبرقع ، لشيخنا العلّامة النوري الحاج ميرزا حسين ابن ميرزا محمّد تقي بن محمّد علي الطبرسي قدس سره ، المتوفى في ليلة الأربعاء (٢٧ ج ٢ ـ ١٣٢٠ هـ) ، ذكر فيه ترجمة السيِّد الشريف أبي جعفر موسی المبرقع ابن الإمام أبي جعفر محمّد الجواد التقيعليه‌السلام ، وشرح أحواله وهجرته من الكوفة ، ووروده إلى قم سنة ٢٥٦ هـ إلى أن توفي بها سنة ٢٩٦ هـ وذكر ذريته وأحفاده ، وأثبت صحَّة نسب جمع من المنتمين إليه ، وفرغ منه في (ع ١ ـ ١٣٠٨) كما في النسخة التي رأيتها ، وهي بخطه في خزانة كتب الشيخ ميرزا محمّد الطهراني ، وكتب عليها بخط أنه وهبها إياه ، وقد طُبع على الحجر في سنة تأليفه في بمبئ ، وعليه تقريض السيِّد المجدد الشيرازي) ، انتهى. وقد طُبعت الرسالة أخيراً ضمن محلة الموسم العددان ٢٦ ـ ٢٧ سنة ١٤١٦ هـ.

(٢) تاريخ قم : ٥٨٨ ، عنه بحار الأنوار ٥٧ : ٢٢٠.

(٣) فهرست منتجب الدين المنضم إلى بحار الأنوار ١٠٢ : ٢٤٤.

١١٠

المقام العاشر

الإمام علي بن محمّدعليه‌السلام

الملقّب بالهادي ، والنّقي ، والطيِّب ، والأمين ، والناصح ، والفتَّاح ، والمرتضی ، والفقيه ، والعالم ، والمتوكّل ـ وكان يُخفي على الناس هذا اللَّقب ، ويسعى في إخفائه ، ويوصي بعدم ذكره بهذا اللقب في مجمع العامّة ؛ من باب التقية من الخليفة العبَّاسي ـ ولكنَّ أشهر ألقابه الأول والثاني ، وربّما كان يلقّب بالعسكري ؛ لحضوره في معسكر الخليفة(١) .

ويکتنّی : بأبي الحسن الرابع ، أو بأبي الحسن الثالث(٢) .

ولادته ، وفاته ، مدفنهعليه‌السلام

وُلد قريباً من المدينة في النصف من ذي الحجّة على ما ذكره الشيخان في (الإرشاد) و (التهذيب) والكليني في (الكافي)(٣) .

__________________

(١) وقصة ذلك ما نقله الراوندي في الخرائج والجرائح ١ : ٤١٤ ح ١٩ وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٥٠ : ١٥٥ ح ٤٤ ونصّه : «رُوي أن المتوكّل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر ، وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكنين بسر من رأى ، أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر ، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ، ففعلوا. فلمَّا صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخالي ، صعد فوقه ، واستدعى أبا الحسن

واستصعده ، وقال : استحضرتك لنظارة خيولى ، وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجانيف ويحملوا الأسلحة ، وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتمّ عدة ، وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه ، وكان خوفه من أبي الحسنعليه‌السلام أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة ، فقال له أبو الحسنعليه‌السلام : وهل أعرض عليك عسكري؟ قال : نعم ، فدعا الله سبحانه ، فإذا بين السماء والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدجّجون ، فغشي على الخليفة ، فلمَّا أفاق ، قال أبو الحسنعليه‌السلام : نحن لا نناقشكم في الدنيا ، نحن مشتغلون بأمر الآخرة ، فلا عليك شيء ممَّا تظن».

وقال الشيخ الصدوقرحمه‌الله في علل الشرائع ١ : ٢٤١ باب ١٧٦ ما نصه : (سمعت من مشايخنا رضي‌الله‌عنه م يقولون إن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمّد والحسن بن علي عليهما‌السلام بسر من رأى كانت تسمى عسكر ؛ فلذلك قيل لكل واحد منهما عسكري).

(٢) ينظر : بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ باب أسمائه وألقابهعليه‌السلام .

(٣) الإرشاد ٢ : ٢٩٧ ، تهذيب الأحکام ٦ : ٩٢ ح ٤١ ، الكافي ١ : ٤٩٨ ، بقرية يقال لها : بصرياً.

١١١

وروى الشيخ في المصباح : (أنه وُلدعليه‌السلام في السابع والعشرين من ذي الحجّة(١) ، واختاره المفيدرحمه‌الله في (التاريخ)(٢) ، وقيل : في ثاني رجب أو خامسه)(٣) .

ورُوي عن إبراهيم [بن هاشم القمِّي](٤) : (أنه كان في ثالث عشر من رجب)(٥) .

وربّما يُشعر بكونه في رجب ما ذكرنا من الدعاء(٦) ، وكان ذلك في سنة ٢١٢ ـ وقيل الرابعة عشرة ـ من الهجرة ، وكان له حين وفاة أبيه ستّ ـ أو ثماني ـ سنین.

واُمُّه : اُمّ ولد ، يقال لها : سمانة المغربية ، وقيل : إنّ اُمُّه اُمّ الفضل بنت المأمون(٧) .

ثُمَّ إن المتوكّل بعث یحیی بن هرثمة بن أعين مع جنود إلى المدينة ؛ ليشخصه إلى سُرَّ من رأى ، فأشخصه ، فأقام بها عشرين سنة وبضعة أشهر ، ثُمَّ سمّه المتوكّل ، فقتله على ما رواه الصدوق وجماعة(٨) .

قال جدّي الأمجد : (ويظهر من بعض الأخبار أن المتوكّل جهد كثيراً في إيقاع حيلة بهعليه‌السلام ، فلم يتمكّن ، بل مات ـ لعنه الله ـ بدعائه عليه قبل أن يُقبضعليه‌السلام ، فقُبض مسموماً من ابن المتوكّل أعني المعتمد) ، انتهى(٩) .

__________________

(١) مصباح المتهجد : ٧٦٧.

(٢) مسار الشيعة : ٤٢.

(٣) المصباح للكفعمي : ٥١٢.

(٤) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٥) مصباح المتهجد : ٨١٩ ، وفي الأصل : (ابن إبراهيم) فصححناه ، فلاحظ.

(٦) قَدْ مرّ في تاريخ الإمام الجوادعليه‌السلام .

(٧) شرح اُصول الكافي ٧ : ٢٩٦ ، والصحيح أنها زوجة أبيهعليه‌السلام ولم يلد منها.

(٨) الاعتقادات : ٩٨ والأحاديث فيمن سمّهعليه‌السلام مختلفة ، وحديث إشخاصهعليه‌السلام ورد في الإرشاد ٢ : ٣٠٩ وكان سنة ٢٤٣ هـ.

(٩) رسالة في تاريخ المعصومین : ٢٠٥.

١١٢

وكان قبضه في يوم الاثنين الثالث من شهر رجب في سنة ٣ ٥٤ هـ على ما نقله جماعة ، وقيل : إنه اتّفاقي ، وكان عمره الشريف يومئذ إحدى وأربعين سنة وستة أشهر على المشهور في الميلاد ، فكانت مدَّة إمامته ثلاثاً وثلاثين سنة ، ودُفن في بيته الَّذي كان يعبدُ الله فيه بِسُرَّ من رأى مدّة عشر سنين وأشهر ، وهو البيت الَّذي عيّنه له المتوكّل العبَّاسي(١) .

من دُفن بجوارهعليه‌السلام

قال في (المعجم) : (وبسامراء قبر الإمام علي بن محمّد بن علي بن موسی بن جعفر وابنه الحسن بن علي العسكريين ، وبها غاب المنتظر في زعم الشيعة الإمامية ، وبها من قبور الخلفاء ، قبر الواثق ، وقبر المتوكّل ، وابنه المتصر ، وأخيه المعتز ، والمهتدي والمعتمد ابن المتوكّل)(٢) .

وممَّن فاز بحسن الجوار حيّاً وميتاً : إبراهيم بن العبَّاس بن محمّد بن صولتكين ، الشاعر المشهور المتوفّى في منتصف شعبان سنة ٢ ٤ ٣ هـ بِسُرَّ من رأى ، وكان متصلاً بذي الرئاستين الفضل بن سهل ، ثُمَّ تنقّل في أعمال السلطان ودواوينه إلى حين وفاته ، وكان من شعراء عصره ، وذكره ابن شهر آشوب من شعراء الشيعة ومادحي أهل البيتعليهم‌السلام (٣) .

__________________

(١) ينظر عن أحوالهعليه‌السلام وما يتعلق به بالتفصيل : بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ ـ ٢٣٥.

(٢) معجم البلدان ٣ : ١٧٨.

(٣) معالم العلماء : ١٨٧ ، وقال آقا بزرگ الطهراني في الذريعة ٩ ق ٢ : ٦٢٢ رقم ٤٤٤٠ عن ديوانه ما نصّه : (ديوان الصولي : أبو بكر إبراهيم بن عبَّاس بن محمّد بن صولتكين الدولي المتوفى بشعبان ٢٤٢ هـ ، في سامراء. ترجمه في معجم الأدباء ووفيات الأعيان وتاريخ بغداد ، وعدّه في معالم العلماء ص ١٤١ من شعراء الشيعة. وديوانه صغير مطبوع. وهو عمّ الصولي الشطرنجي).

١١٣

قصة شجرة كشمر(١)

ومدينة سامراء من إنشاء المعتصم العبَّاسي ، وبنى بها منارة كان يصعدها على حمار مريسي ، ودرج تلك المنارة من خارجها ، وأساسها على جریب من الأرض ، وطولها تسع وتسعون ذراعاً ، ومريس قرية بمصر(٢) .

ونقل المؤرِّخ الفارسي في (مرآة البلدان) ـ تاريخ السلطان ناصر الدین شاه ـ : (أن المتوكّل العبَّاسي كتب إلى عامله في خراسان ، وهو طاهر بن عبد الله ذو اليمينين أن يقطع الشجرة التي في قرية كشمر ـ من توابع خراسان ـ ، وذلك حينما أراد بناء جعفرية سامراء ، فقطعها وحملها على الإبل ، وقد غلّف أغصانها بالنماط الصوفية ، وأرسلها إلى بغداد ، وأن المجوس بذلوا له خمسين ألف دينار لئلّا يقطعها ؛ لاعتقادهم أنها غرس زردشت ، جاء بها من الجنّة ).

ويقول بعض المؤرِّخين : (إن عمر الشجرة إلى سنة ٢٣٢ هجرية ١٤٥٠ سنة ، وهي سنة تلبّس المتوكّل بالخلافة ، وحين وصول الشجرة إلى قريب سامراء قُتل المتوكّل ، وعليه ، فمدّة حملها تقرب من أربع عشرة سنة ، ومن عظمها أنه لمّا وقعت على الأرض تزلزت جملة من الأبنية حولها وتضررت ، وأن ساقها بحجم ٢٨ ذراعاً ، ويستظل تحتها أكثر من ألفي حيوان من البقر والغنم ، ومن قسم الطيور الموكّرة على أغصانها ما حجبت الشمس عن الناس حين ما هاجت عنها لدى انقلابها ، وقد حُملت أغصانها على ألف وثلاثمائة بعير ، واُجرة حمل مَن ساقها إلى بغداد ألف درهم )(٣) .

__________________

(١) کشمر : قرية من قرى نيسابور. (معجم البلدان ٤ : ٤٦٣).

(٢) ينظر في تاريخ سامراء : موسوعة العتبات المقدسة ـ قسم سامراء ، ومآثر الكبراء في تاريخ سامراء للمحلاتيرحمه‌الله .

(٣) لم أهتد إلى مصدر هذا القول ، ولم أجد من ذكره ، والقصة هي أقرب إلى الخيال.

١١٤

تنبيه

جواز دخول حرمهعليه‌السلام

قال الشهيدرحمه‌الله في مزار (الدروس) ناقلاً عن المفيدرحمه‌الله : (إنه لا يجوز الدخول في حرم الإمام أبي محمّد الحسن العسكريعليه‌السلام ، بل يُزار من ظاهر الشباك ، ومنع من دخول الدار ، ونقل عن الشيخ أبي جعفر : أنه الأحوط ، لأنها ملك الغير ولا يجوز التصرف فيها إلا بإذنه ، قال : ولو أن أحداً دخلها لم يكن مأثوماً وخاصة إذا تأول في ذلك ما رُوي عنهمعليهم‌السلام أنهم جعلوا شيعتهم في حلٍّ من مالهم) ، انتهى(١) .

أقول : تعليل الجواز بتحليل الخمس لشيعتهم عليل جداً ، فإنَّ تحليل الخمس للشيعة لا يستلزم تحلیل سائر أموالهم أينما كانت ، على أنه ليس في كلام المفيد المنع من دخول المشهد ، ولعل نظره في الوقوف بظاهر الشباك إلى رعاية الأدب ، بل على جواز الدخول ما هو المروي بطرق عديدة في آداب الزيارة من الوقوف عند القبر ، واللصوق به ، والانكباب عليه(٢) ، مضافاً إلى ما عليه كافة العلماء الأبرار والزائرين الأخيار ، نعم الأحوط والأرجح تأخر الزائر عند زيارة الهاديعليه‌السلام من الضريح المقدّس ؛ لما سننقله قريباً عن مزار الشيخ الجليل الشيخ خضر شلال(٣) .

__________________

(١) الدروس ٢ : ١٥ کتاب المزار ، المقنعة : ٤٨٦ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٩٤ والكلام فيها عن حرم الإمامين العسكريينعليهما‌السلام .

(٢) ينظر إلى ما كتبه الشيخ الأمینيرحمه‌الله في آداب الزيارة في كتابه أدب الزائر لمن يمم الحائر ، وإلى ما ذكر من ذلك في كتب المزار المتعددة.

(٣) ياتي الكلام في تاريخ ولده الإمام العسكريعليه‌السلام .

١١٥

[دفع شبهة حول مكان القبر الشريف]

وقال صاحب (الملل والنحل) : (إن مشهدهعليه‌السلام في قم) ( ١).

وأنت خبير بأنه ناشئ من عدم التثبُّت ، وعدم التعُّمق في أحوال الأئمّة صلوات الله عليهم ، وأعظم من ذلك ما في الجزء الرابع من (تاريخ ابن خلدون) عند ذكره الدولة الإسماعيلية ، حيث ذكر أن الشيعة تزعم أن الإمام بعد محمّد التقي ابنه علي ويلقّبونه الهادي ، ويقال الجواد ، ومات سنة ٢ ٥٤ هـ وقبره بقم.

وقال : (ويزعمون أن الإمام بعده ابنه العسكري ؛ لأنه وُلد بِسُرِّ من رأى ، وكانت تُسمّى العسكر ، وحُبس بها بعد أبيه إلى أن هلك سنة ٢ ٦ ٠ هـ ، ودُفن جنب أبيه في المشهد)(٢) .

وفيه ، أولاً : أنَّ الجواد من ألقاب الإمام التاسع محمّد بن عليعليه‌السلام .

وثانيا : ما عرفت من موضوع قبر الإمام الهاديعليه‌السلام وأنه في سُرَّ من رأى ، لا في قم ، والعجب أنه صرّح بأن العسكريعليه‌السلام توفّي في سُرَّ من رأى ، ودُفن بجنب أبيه في المشهد ، ومع ذلك كيف يكون مدفن أبيه في قم ، وهل هو إلا تناقض في عبارة واحدة.

فصل

في أولادهعليه‌السلام

وُلد له : الحسنعليه‌السلام ، والحسين ، ومحمّد ، وأبو عبد الله جعفر المعروف بالكذّاب ، وابنة مسمّاة بعائشة.

__________________

(١) الملل والنحل ١ : ١٦٩.

(٢) تاريخ ابن خلدون ٤ : ٢٩.

١١٦

أمّا الحسنعليه‌السلام : فهو الإمام من بعده.

وأمّا الحسين : فقد كان ممتازاً في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله ، تابعاً لأخيه الحسن معتقداً بإمامته ، ودُفن في حرم العسكريين تحت قدميهما(١) .

وعن بعض كتب الأنساب : أن هارون بن علي الواقع في الميدان العتيق بأصبهان هو من أولاد أبي الحسن الهاديعليه‌السلام (٢) .

محمّد المعروف بسبع الدجيل

وأمّا محمّد : جلالته وعظمة شأنه أكثر من أن يذكر ، وكفى في ذلك قابليته للإمامة ، وهو أكبر أولاد الهاديعليه‌السلام ، وكانت الشيعة تظن فيه أنه الإمام بعد أبيه ، ولمّا توفّي في حياة الهاديعليه‌السلام ، قال لولده الحسن : «يا بني أحدث الله شكراً ، فقد أحدث في أمراً»(٣) .

وفي رواية اُخرى أنه قال : «بدا لله في أبي محمّد بعد أبي جعفر ـ يعني محمّد ـ مالم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسی بعد مضي إسماعيل ما کشف به عن حاله»(٤) .

وفي الإرشاد : بسنده عن النوفلي قال : «كنت مع أبي الحسنعليه‌السلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمّد ابنه ، فقلت له : جُعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : لا ، صاحبكم من بعدي الحسن»(٥) .

__________________

(١) وقد كتب محقق هذا الكتاب مقالة وافية عنه رضي‌الله‌عنه نشرت في مجلة الانتظار عدد / ٥ سنة ١٤٢٧ هـ بعنوان عمّ الإمام الحجة غجل الله تعالى فرجه الشريف الحسين بن علي ، فلتراجع.

(٢) لم أهتد إلى مصدر قوله ، وكان ينبغي أن يجعل هذا القول في آخر الفصل.

(٣) الكافي ١ : ٣٢٦ ح ٤.

(٤) الكافي ١ : ٣٢٧ ح ١٠.

(٥) الإرشاد ٢ : ٣١٤.

١١٧

وبسنده : عن محمّد الأصبهاني قال : «قال لي أبو الحسنعليه‌السلام : صاحبكم من بعدي الَّذي يصلّي عليّ ، قال : ولم نكن نعرف أبا محمّد قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمّد بعد وفاته ، فصلّی عليه»(١) .

وبسنده ، إلى جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسين الأفطس : «أنهم حضروا يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد دار أبي الحسنعليه‌السلام ، وقد بُسط له في صحن داره ، والناس جلوس حوله ، من آل أبي طالب وبني العبَّاس وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس ؛ إذ نظر إلى الحسن بن عليعليهما‌السلام وقد جاء مشقوق الجيب حَتَّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسنعليه‌السلام بعد ساعة من قيامه ، ثُمَّ قال له : يا بني أحدث لله شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً ، فبكى الحسن واسترجع ، فقال : الحمد لله ربِّ العالمين ، وإيَّاه أسأل تمام نعمه علينا ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فسألنا عنه ، فقيل لنا : هذا الحسن بن علي ابنه ، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها ، فيومئذ عرفنا وعلمنا أنه قَدْ أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»(٢) .

والأخبار في هذا كثيرة قَدْ أوردها المفيدرحمه‌الله في الإرشاد(٣) ، ومع ذلك فالعجب من صاحب (جنّات الخلود) حيث قال فيها : (إنه لم يُعرف حاله)(٤) . مع أن قبره مزار معروف في قرية بلد من نواحي الدجيل.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٣١٥.

(٢) الإرشاد ٢ : ٣١٧.

(٣) الإرشاد ٢ : ٣١٤ ـ ٣٢٠.

(٤) جنّات الخلود : ٣٧.

١١٨

وفي معجم البلدان : (نقل عن السيِّد عبد الكريم ابن طاووسرحمه‌الله أن قبر أبي جعفر محمّد ابن الهاديعليه‌السلام في بلد ـ التي هي مدينة قديمة على دجلة فوق الموصل ـ وادّعى الإتفاق على ذلك)(١) .

وهو غريب منه ، وسواد أطراف سامراء من العامّة والخاصّة يعظّمون هذا المشهد ، ويقطعون الخصومات التي تقع بينهم بالحلف به ، والحضور في مشهده ، ولا يعرفونه إلا قبر السيِّد محمّد بن علي الهاديعليه‌السلام ، ويعبّرون عنه بسبع الدجيل(٢) .

توبة ولده جعفر

وأمّا جعفر : فهو الملقّب بالكذّاب ، وكان معروفاً بحبّ الجاه وطلب الدنيا ، وصرف أكثر عمره مع الأوباش والأجامرة ولعب الطنبور وسائر ما هو غير مشروع ، ولكن كان متظاهراً بإمامة الحسن العسكري ، ومن بعد وفاته ادّعی

__________________

(١) معجم البلدان ١ : ٤٨١ ، قال العلّامة السيِّد عبد الستار الحسني دام توفيقه في تعليقة له على نسخة كتابنا هذا تتعلق بما ذُكر : (وفاة ياقوت الحموي صاحب (معجم البلدان) سنة ٦٢٦ هـ قبل ولادة السيِّد عبد الكريم ابن طاووس سنة ٦٤٧ ـ ٦٩٣ هـ) ، وإنما كان السيِّد عبد الكريم المذكور يملك نسخة من (معجم البلدان) ، فعلّق عليها ، فادخل الناسخ كلامه في الأصل).

(٢) قال السيِّد محسن الأمين في أعيان الشيعة ١٠ : ٥ في ترجمته ما نصّه : (السيِّد أبو جفر محمّد ابن الإمام علي أبي الحسن الهادي. توفي في حدود سنة ٢٥٢ هـ جليل القدر ، عظيم الشأن ، كانت الشيعة تظن أنه الإمام بعد أبيهعليه‌السلام ، فلمَّا توفي نصّ أبوه على أخيه أبي محمّد الحسن الزكيعليه‌السلام ، وكان أبوه خلّفه بالمدينة طفلاً لمّا اُتي به إلى العراق ، ثُمَّ قدم عليه في سامراء ، ثُمَّ أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلمَّا بلغ القرية التي يقال لها بلد على تسعة فراسخ من سامراء ، مرض وتوفي ودُفن قريباً منها ، ومشهده هناك مفروف مزور. ولمّا توفي شقّ أخوه أبو محمّد ثوبه وقال في جواب من لامه على ذلك : قَدْ شقّ موسى على أخيه هارون. وسعى المحدِّث العلّامة الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده وتعميره ، وكان له فيه اعتقاد عظيم) ، انتهى.

وقد ألّف الشيخ محمّد علي الاوردبادي رحمه‌الله كتاباً عنه اسمه (حياة سبع الدجيل) ، وطبع في النجف الأشرف ، وكذا السيِّد موسى الموسوي الهندي باسم (سبع الدجيل محمّد ابن الإمام الهادي عليه‌السلام ) ، فلاحظ.

١١٩

الإمامة ، وكان يجبر الناس على إطاعته والقول بإمامته(١) ، وأراد أن يصلّي على جنازة أخيه ، فمنعه ذلك الحجّة صاحب الأمرعليه‌السلام ، وقصته معروفة(٢) .

ويقال : إنه تاب في أخر عمره ، فلُقّب بجعفر التوّاب ، بل ورد في الأخبار تشبیه جعفر بأخوة يوسف علييه السلام ؛ حيث غفر الله لهم ذنوبهم ، وعفا عنهم يوسف(٣) ، وقال : ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ(٤) .

__________________

(١) ينظر : كمال الدين : ٤١ ، ٣١٩ ، ٣٢٠ ، ٤٤٢ ، ٤٧٦ ، ٤٧٩.

(٢) رواها الصدوقرحمه‌الله في كمال الدين : ٤٧٥ ، والخبر معروف بخبر أبي الأديان.

(٣) ينظر : كمال الدين : ٤٨٣ ح ٤ ، الغيبة للطوسي : ٢٩٠ ح ٢٤٧ ، کشف الغُمَّة ٣ : ٣٣٩.

(٤) سورة يوسف : من آية ٩٢.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

والذي يدل على تمدحه شيئان:

أحدهما: إجماع الأمة فإنه لا خلاف بينهم في أنه تعالى تمدح بهذه الآية، فقولنا تمدح بنفي الإدراك عن نفسه لاستحالته عليه، وقال المخالف تمدح لأنه قادر على منع الأبصار من رؤيته. فالإجماع حاصل على أن فيها مدحة.

والثاني: أن جميع الأوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الآية وبعدها مدحة، فلا يجوز أن يتخلل ذلك ما ليس بمدحة. والذي يدل على أن الإدراك يفيد الرؤية أن أهل اللغة لا يفرقون بين قولهم: أدركت ببصري شخصاً، وآنست، وأحسست ببصري. وأنه يراد بذلك أجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الإدراك لجاز الخلاف فيما عداه من الأقسام.

فأما الإدراك في اللغة، فقد يكون بمعنى اللحوق كقولهم: أدرك قتادة الحسن. ويكون بمعنى النضج، كقولهم أدركت الثمرة، وأدركت القدر، وإدرك الغلام إذا بلغ حال الرجال.

وأيضاً فإن الإدراك إذا أضيف إلى واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه. ألا ترى أنهم يقولون: أدركته بأذني يريدون سمعته، وأدركته بأنفي يريدون شممته، وأدركته بفمي يريدون ذقته. وكذلك إذا قالوا: أدركته ببصري يريدون رأيته. وأما قولهم أدركت حرارة الميل ببصري فغير معروف ولا مسموع، ومع هذا ليس بمطلق بل هو مقيد، لأن قولهم حرارة الميل تقييد لأن الحرارة تدرك بكل محل فيه حياة، ولو قال أدركت الميل ببصري لما استفيد به إلا الرؤية.

وقولهم إن الإدراك هو الإحاطة باطل، لأنه لو كان كذلك لقالوا: أدرك الجراب بالدقيق وأدرك الحب بالماء وأدرك السور بالمدينة لإحاطة جميع ذلك بما فيه، والأمر بخلاف ذلك. وقوله: حتى إذا أدركه الغرق، فليس المراد به الإحاطة بل المعنى حتى إذا لحقه الغرق، كما يقولون أدركت فلاناً إذا لحقته، ومثله: فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون، أي لملحوقون.

٣٠١

والذي يدل على أن المدح إذا كان متعلقاً بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، قوله:لا تأخذه سنة ولا نوم ، وقوله:ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله ، لما كان مدحاً متعلقاً بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصاً.

فإن قيل: كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات والضمائر.

قلنا: إنما كان ذلك مدحاً بشرط كونه مدركاً للأبصار، وبذلك تميز من جميع الموجودات، لأنه ليس في الموجودات ما يدرك ولا يدرك.

فإن قيل: ولم إذا كان يدرك ولا يدرك يجب أن يكون ممدوحاً.

قلنا: قد ثبت أن الآية مدحة بما دللنا عليه، ولابد فيها من وجه مدحة فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائياً، أو ما قالوه من أنه يقدر على منع الأبصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الإدراك، وما قالوه باطل لقيام الدلالة على أن الإدراك ليس بمعنى الإحاطة، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا ما قلناه، وإلا خرجت الآية من كونها مدحة. وقد قيل: إن وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يدل على مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جواباً في الآية.

فإن قيل: إنه تعالى نفى أن تكون الأبصار تدركه فمن أين أن المبصرين لا يدركونه؟

قلنا: الأبصار لا تدرك شيئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غيره، وأيضاً فإن العادة أن يضاف الإدراك إلى الأبصار ويراد به ذووا الأبصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني، ويراد به أجمع ذووا الجارحة.

فإن قيل: إنه تعالى نفى أن جميع المبصرين لا يدركونه، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟

قلنا: إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه، فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك أن تستدل بأن تقول: هو تعالى نفى الإدراك عن نفسه نفياً عاماً كما

٣٠٢

أنه أثبت لنفسه ذلك عاماً، فلو جاز أن يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركاً. وإذا ثبت نفي إدراكه على كل حال، فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفياً عاماً فالقول بنفيها عموماً، مع جواز الرؤية عليه قول خارج عن الإجماع.

فإن عورضت هذه الآية بقوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، فإنا نبين أنه لا تعارض بينهما وأنه ليس في هذه الآية مايدل على جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إنشاء الله.

- تفسير التبيان ج ١ ص ٢٢٨

وقال قوم: إن النظر إذا كان معه إلى لا يحتمل إلا الرؤية. وحملوا قوله: إلى ربها ناظرة على ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط لأنهم يقولون: إنما أنظر إلى الله ثم إليك بمعنى أتوقع فضل الله ثم فضلك. وقال الطريح بن إسماعيل:

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك جرتني نعماء

وقال جميل بن معمر:

إني إليك لما وعدت لناظر

نظر الفقير إلى الغني الموسر

وقال آخر:

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمان تأتي بالفلاح

وأتوا ب- (إلى) على معنى نظر الإنتظار.

والصحيح أن النظر لا يفيد الرؤية وإنما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، ولو أفاد الرؤية لما جعل غاية لنفسه، ألا تراهم يقولون: ما زلت أنظر إليه (حتى رأيته) ولا يقولون ما زلت أراه حتى رأيته، ولأنهم يثبتون النظر وينفون الرؤية فيقولون: نظرت إليه فلم أره، ولا يقولون رأيته فلم أره.

- تفسير التبيان ج ١٠ ص ١٩٧

ثم قسم تعالى أهل الآخرة فقال(وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي مشرقة مضيئة، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية، نضر وجهه

٣٠٣

ينضر نضرة ونضارة فهو ناضر. والنضرة مثل البهجة والطلاقة، وضده العبوس والبسور، فوجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة بما جعل الله عليها من النور علامة للخلق، والملائكة على أنهم مؤمنون مستحقون الثواب.

وقوله:إلى ربها ناظرة ، معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه أن يصل إليهم.

وقيل (ناضرة) أي مشرفة (إلى) ثواب ربها (ناظرة) وليس في ذلك تنغيص، لأن الإنتظار إنما يكون فيه تنغيص إذا كان لا يوثق بوصوله إلى المنتظر أو هو محتاج إليه في الحال، والمؤمنون بخلاف ذلك، لأنهم في الحال مستغنون منعمون، وهم أيضاً واثقون أنهم يصلون إلى الثواب المنتظر.

والنظر هو تقليب الحدقة الصحية نحو المرئي طلباً للرؤية، ويكون النظر بمعنى الإنتظار، كما قال تعالى:(وإنّي مرسلة إليهم بهدية فناظرة) أي منتظرة، وقال الشاعر:

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمن تأتي بالفلاح

أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.

وقد يقول القائل: إنما عيني ممدودة إلى الله وإلى فلان، وأنظر إليه أي أنتظر خيره ونفعه وأؤمل ذلك من جهته، وقوله: ولا ينظر إليهم يوم القيامة، معناه لا ينيلهم رحمته.

ويكون النظر بمعنى المقابلة، ومنه المناظرة في الجدل، ومنه نظر الرحمة أي قابله بالرحمة، ويقال: دور بني فلان تتناظر أي تتقابل، وهو وينظر إلى فلان أي يؤمله وينتظر خيره، وليس النظر بمعنى الرؤية أصلاً، بدلالة أنهم يقولون: نظرت إلى الهلال فلم أره، فلو كان بمعنى الرؤية لكان متناقضاً، ولأنهم يجعلون الرؤية غاية للنظر يقولون: ما زلت أنظر إليه حتى رأيته، ولا يجعل الشيء غاية لنفسه لا يقال: بما زلت أراه حتى رأيته، ويعلم الناظر ناظراً ضرورة، ولا يعلم كونه رائياً بل يسأل بعد ذلك هل رأيت أم لا.

٣٠٤

ودخول (إلى) في الآية لا يدل على أن المراد بالنظر الرؤية، ولا تعليقه بالوجوه يدل على ذلك، لأنا أنشدنا البيت وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف (إلى) والمراد به الإنتظار، وقال جميل بن معمر:

وإذا نظرت إليك من ملك

والبحر دونك جدتني نعما

والمراد به الإنتظار والتأميل.

وأيضاً، فإنه في مقابلة قوله في صفة أهل النار: تظن أن يفعل بها فاقرة، فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب، والكفار يظنون الفاقرة، وكله راجع إلى فعل القلب.

ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها، لأن الثواب الذي هو أنواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته.

ويجوز أيضاً أن يكون إلى واحد إلاء وفي واحدها لغات (ألا) مثل قفا و (ألي) مثل معي و (ألي) مثل حدي و (أل) مثل حسا، فإذا أضيف إلى غيره سقط التنوين، ولا يكون (إلى) حرفاً في الآية. وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية على الله تعالى.

وليس لأحد أن يقول: إن الوجه الأخير يخالف الإجماع، أعني إجماع المفسرين، وذلك لأنا لا نسلم لهم ذلك، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك: إن المراد نظر الثواب. وروي مثله عن عليعليه‌السلام .

وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي، يقولون: نظر غضبان، ونظر راض، ونظر عداوة ونظر مودة، قال الشاعر:

تخبرني العينان ما الصدر كاتم

ولا حن بالبعضاء والنظر الشزر

والرؤية ليست كذلك فإنهم لا يضيفونها، فدل على أن النظر غير الرؤية، والمرئي هو المدرك، والرؤية هي الإدراك بالبصر، والرائي هو المدرك، ولا تصح الرؤية وهي الإدراك إلا على الأجسام أو الجوهر أو الألوان. ومن شرط المرئي أن يكون هو أو محله مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يستحيل عليه تعالى، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالى!

٣٠٥

أمير المؤمنينعليه‌السلام يدفع الشبهات

- كتاب التوحيد للصدوق ص ٢٥٤ - ٢٦٩

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن ابن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال لهعليه‌السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟

قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالبعليه‌السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا، وقال أيضاً: نسوا الله فنسيهم، وقال: وما كان ربك نسياً، فمرة يخبر أنه ينسى، ومرة يخبر أنه لا ينسى، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً.

قال: وأجد الله يقول: يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين، وقال: يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً، وقال: إن ذلك لحق تخاصم أهل النار، وقال:لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ، وقال:نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ، فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم: والله ربنا ما كنّا مشركين: ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع.....

٣٠٦

قال: هات ويحك ما شككت فيه.

قال: وأجد الله عز وجل يقول:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، ويقول:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، ويقول:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ، ويقول: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، ومن أدركته الأبصار فقد أحاط به العلم، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟....

فقالعليه‌السلام : وأما قوله عز وجل:وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة ، وقوله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وقوله:ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى ، وقوله:: يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً * يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ، فأما قوله: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدما يفرغ من الحساب إلى نهر يسمى الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذى ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلى ما وعدهم ربهم فذلك قوله: إلى ربها ناظرة، وإنما (عنى) بالنظر إليه النظر إلى ثوابه يعني لا تحيط به الأوهام. وهو يدرك الأبصار، يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالى وتقدس علواً كبيرا، وقد سأل موسىعليه‌السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل: رب أرني أنظر إليك، فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني.. فانظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميماً وخر موسى صعقاً، يعني ميتاً، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.

٣٠٧

وأما قوله: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، يعني محمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله كان عند سدرة المنتهى حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية: ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى، رأى جبرئيلعليه‌السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخرى، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين. ورواه الطبرسي في الإحتجاج ج ١ ص ٣٥٨ - ٣٦٢ ورواه المجلسي في بحار الأنوار ج ٤ ص ٣٢

- شرح الأسماء الحسنى ج ١ ص ١٨٥

(يا من يَرى ولا يُرى)

طال التشاجر بين الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الأشاعرة إلى أن الله تعالى يرى في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها، وللمشبهة والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالى ولكن في الجهة والمكان وعلى سبيل المقابلة، لاعتقادهم جسميته تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وحرر بعض متأخري الأشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي.

وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الأول، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان، فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة، وأن تتعلق بذات الله تعالى منزها عن الجهة والمكان أم لا.

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالى حكاية عن موسىعليه‌السلام : رب أرني أنظر إليك....

٣٠٨

ومنها، قوله تعالى:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير .

ومنها، هذا الإسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية.

وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً، والحق أن مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والإنكشاف البالغ حد العيان، أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع، فمثل تلك الحالة الإدراكية أعدل شاهد على ذلك، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتى يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلاً، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والإحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالى، هو شهود لا على المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلى، خذ الغايات ودع المباديَ أي المبادي الطبيعية المحدودة، كما ذكرنا في كونه سميعاً بصيراً أن المشاهدة التي يترتب على قوانا يترتب على ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر، فهذا مرادهم، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلاً إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق، وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول، وعموا وصموا عما هو لب الحق، إذ كان المراد هو الشهود، والمعتزلة أيضاً لا ينكرونه، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري، ولكن لا على سبيل الإكتناه، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل على سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء، بأن يرى كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالى.

٣٠٩

ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن إنكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السايرين وسلوك السالكين، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب، كما قال تعالى: ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، أي ليعرفون، وفي الحديث القدسي: فخلقت الخلق لأعرف، فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالى:من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت .يا أيتها النفس المطمئنه ارجعي إلى ربك .شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم . والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود وشهوده، وهكذا كل آية مشتملة على ما دل على الشهود حتى لفظ الإيمان باعتبار بعض درجاته العالية....

قال سيد الأولياءعليه‌السلام : لم أعبد رباً لم أره. ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه.

وقال ابنه سيد الشهداءعليه‌السلام : عميت عين لا تراك.

وقال أيضاً: تعرفت بكل شيء فما جهلك شيء. تعرفت إليّ في كل شيء فرأيتك ظاهراً في كل شيء، فأنت الظاهر لكل شيء.

وليكف هذا اليسير من الكثير لأن كل أشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لاصطياد هذا الصيد العديم المثال، فتمام سهام قصودهم واقعة على هذا الغرض الرفيع المنال، وحيث حملنا الرؤية على الشهود فلا تخصيص له بالآخرة، فإن أبناء اليقين لموتهم الإرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى:

روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : أخبرني عن الله تعالى هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متى؟ قال: حين قال ألست بربكم قالوا بلى. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت: جعلت

٣١٠

فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعنى ما تقول ثم قدر أن هذا تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى عما يصفه المشبهون والملحدون.

وقال سيد الموقنين ومولى المكاشفين: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً....

وقولهعليه‌السلام ما ازددت يقيناً، لعل المراد منه نفي الزيادة الكمية لا الكيفية، ومن ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن العيش عيش الآخرة. ونعم ما قال العارف عبد الرحمن الجاميقدس‌سره السامي:

تا بود باقى بقاياى وجود

كى شودصاف از كدر جام شهود

تا بود پيوند جان وتن بجاى

كى شود مقصود كل برقع گشاى

تا بود قالب غبار چشم جان

كى توان ديدنرخ جانان عيان

ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فرشيون دنيويون، بل بما هم بقلوبهم عرشيون أخرويون، فيصدق أن الرؤية والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة.

ويمكن أيضاً التوفيق بين المذهبين بأن الرؤية وإن كانت بمعنى الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلى كنه ذاته، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، ويمكن بالنسبة إلى وجهه:أينما تولوا فثم وجه الله .

بل هاهنا نظر آخر فيه حصر النظر على وجهه الكريم كما قال المعصومعليه‌السلام بنقل القاضي سعيد القمي: لا أرى إلا وجهك ولا أسمع إلا صوتك، يا من يخلق ولا يخلق، يا من يهدي ولا يهدى، يا من يحيي ولا يحيى، يا من يسأل ولا يسأل. هذا الإسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد تمسك الأشاعرة بها في كثير من المواضع، منها أنهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي وجواز الترجيح من غير مرجح، فإذا سئل عنهم ما المخصص لأحداث العالم في وقت مخصوص دون ساير الأوقات مع تشابهها، وما المرجح للإمساك في

٣١١

أوقات غير متناهية، كما هو مذهبهم من التعطيل والإفاضة في وقت؟ مع كونه تعالى علة تامة غير محتاج إلى شرط أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة، وبالجملة ما به يتم فاعليته؟ قالوا: لا يسئل عما يفعل، والتزموا القدرة الخرافية.

ومنها، أنهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية بين الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الأعمال القبيحة ودخول النار، بحيث جوزوا أن يدخل الله السعيد في النار خالداً والشقي في الجنة أبداً، فإذا قيل عليهم إن هذا ظلم صريح، قالوا: لا يسأل عما يفعل.... إلخ.

واحتج المعتزلة أيضاً بحجج عقلية ونقلية كثيرة، نذكر بعضها ونترك أكثرها، لأن من أنس بالقواعد العقلية وحافظ على تنزيه الله من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر على إقامة حجج كثيرة وإبطال ما هو ظاهر الأشاعرة من الرؤية.

فمنها، أنه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية ككون الحاسة سليمة وكون الشيء جايز الرؤية وكون الشيء مقابلاً أو في حكم المقابل وعدم كون المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب، إذ لو لم تجب الرؤية عند حصول الشرائط جاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها، والستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها في رؤيته تعالى لتنزهه عن الجهة والحيز، بقي سلامة الحاسة وجواز الرؤية، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب أن تراه في الدنيا والجنة دائماً، والأول منتف بالضرورة والثاني بالإجماع والنصوص القاطعة الدالة على اشتغالهم بغير ذلك من اللذات.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

روى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧ عدداً من الروايات التي توافق مذهبنا ومذهب عائشة، قال:

- وأخرج عبد ابن حميد وأبوالشيخ عن قتادة: لا تدركه الأبصار، قال هو أجلُّ من ذلك وأعظم من أن تدركه الأبصار.

٣١٢

- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله:لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، يقول لا يراه شيء وهو يرى الخلائق.

- تفسير الطبري ج ٩ ص ٣٨

معاوية عن علي (بن طلحة) عن ابن عباس قوله تعالى:سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ، يقول أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شيء من خلقك. انتهى.

وقد تقدم استدلال عائشة بالآية على عدم إمكان الرؤية، قال الرازي في المطالب العالية ج ١ جزء ١ ص ٨٧: إن عائشةرضي‌الله‌عنها قالت: من حدثكم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية، ثم قرأت:لا تدركه الأبصار .

محاولاتهم تأويل الآية وإبطال معناها

- رد النووي على عائشة في شرح مسلم - هامش الساري ج ٢ ص ٩٣ فقال : فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالى لا تدركه الأبصار. فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لايحاط به! وإذا ورد النص بنفي الإحاطة فلما يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. انتهى. ولكن المنفي هنا هو إدراك البصر، وهو أعم من الرؤية الجزئية والإحاطة!

- وقال الجويني في لمع الأدلة ص ١٠١ - ١٠٥

مذهب أهل الحق أن الباري تعالى مرئي، ويجوز أن يراه الراؤون بالأبصار....

والدليل على جواز الرؤية عقلاً: أن الرب سبحانه وتعالى موجود، وكل موجود مرئي. وبيان ذلك: أنا نرى الجواهر والألوان، فإن رئي الجوهر لكونه جوهراً لزم ألا يرى الجوهر، وإن رئيا لوجودهما لزم أن يرى كل موجود، والباري سبحانه وتعالى: موجود فصح أن يرى.

فإن قالوا: إنما يرى ما يرى لحدوثه والرب تعالى أزلي قديم الذات فلا يرى، فالجواب من وجهين: أحدهما أن نقول كلامكم هذا نقض عليكم لجواز رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث، وعندكم يستحيل أن ترى.

٣١٣

ثم الجواب الحقيقي أن نقول: الحدوث ينبيء عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية، فانحصر التصحيح في الوجود، فدل على أن كل موجود صح أن يرى.

ويستدل على جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. والنظر إذا عدي بإلى اقتضى رؤية البصر. وإن عارضونا بقوله تعالى: لا تدركه الأبصار. قلنا: فمن أصحابنا من قال الرب تعالى يرى ولا يدرك فإن الإدراك ينبيء عن الإحاطة ودرك الغاية، والرب مقدس عن الغاية والنهاية. فإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسىعليه‌السلام : لن تراني، فزعموا أن لن تقتضي النفي على التأييد.....

قلنا: هذه الآية من أوضح الأدلة على جواز الرؤية! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً، وكيف يعتقد ما لا يجوز على الله تعالى من اصطفاه الله تعالى لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه، ويجوز على الأنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم، فيجب حمل الآية على أن ما اعتقد موسىعليه‌السلام جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلى السؤال. وما سأل موسىعليه‌السلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها، والجواب نزل على قضية الخطاب. انتهى. وقد تقدم أن موسىعليه‌السلام لم يطلب رؤية ذات اللّه تعالى، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه.

- وروى السيوطي في الدر المنثور ج ٣ ص ٣٧

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية، في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: هذا في الدنيا!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله:لا تدركه

٣١٤

الأبصار ! فقال له عكرمة: ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال فكلها ترى! (يقصد بما أن الله تعالى كبير فإنا نرى جزءً منه فقط!)

وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه، قال عكرمة فقلت له: أليس الله يقول لا تدركه الأبصار! وهو يدرك الأبصار قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وفي لفظ: إنما ذلك إذا تجلى بكيفيته لم يقم له بصر. انتهى. وهو يقصد أن ذات اللّه تعالى ترى ولكن نوره لاتدركه الأبصار!!

ثم أكد السيوطي رأي عكرمة فنقل في ج ٣ ص ٣٧ قول ابن جريح في تفسير الآية أن الأبصار لا تدرك الله تعالى كله لكبر حجمه! قال:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله: لا تدركه الأبصار، قال: قالت امرأة استشفع لي يا رسول الله على ربك. قال: هل تدرين على من تستشفعين، إنه ملأ كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع، ثم قال: إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله: لا تدركه الأبصار، ينقطع به بصره قبل أن يبلغ أرجاء السماء. زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام. انتهى.

وأعجب منه روايتهم التي تفسر الأبصار التي لا تدركه بأنها أبصار العقول، ومع ذلك تدركه أبصار العيون!! قال: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي قال سمعت أبا الحصين يحيى بن الحصين قارئ أهل مكة يقول: لا تدركه الأبصار قال أبصار العقول. انتهى.

وقد تقدم في أول الباب عن (إمام الأئمة) ابن خزيمة حملته الشديدة على عائشة وتفسيره للآية بأن جميع الأبصار لا تدركه ولكن البصر الواحد يدركه! قال في كتاب التوحيد ص ٢٢٦

لأن قوله: لا تدركه الأبصار، قد يحتمل معنيين على مذهب من يثبت رؤية النبي

٣١٥

صلى الله عليه وسلم خالقه عز وجل، قد يحتمل بأن يكون معنى قوله:لا تدركه الأبصار ، على ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء. والمعنى الثاني أي لا تدركه الأبصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع على أبصار جماعة، لا أحسب غريباً يجيء من طريق اللغة أن يقال لبصر امريء واحد أبصار وإنما يقال لبصر امريء واحد بصر، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امريء واحد بصران فكيف أبصار، ولو قلنا: إن الأبصار ترى ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد رأى ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الأبصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون - يا ذوي الحجا - من ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم محمداً قد رأى ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباسرضي‌الله‌عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية على الله، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب الله في هذه المسألة! انتهى.

وقد علق على ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الأزهر، فقال:

عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان، يكون معنى هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة.

- وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الإعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً، وأن الأخبار المروية في رؤيته تعالى تنافيها، ولكن لابد لنا من قبول الأخبار وطرح الآية!

قال في تفسيره ج ٧ ص ٢٠٠ - ٢٠٣:

قالوا فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معنى قوله:لا تدركه الأبصار ، لا تراه الأبصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في القيامة

٣١٦

إليه ناظرة، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر....

وقال آخرون.. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلى. وقال آخرون: الآية على العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس فيرونه بها.... والصواب من القول في ذلك: عذرنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله (ص) أنه قال إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر. انتهى.

ولم يبين الطبري ولا غيره كيف صار هذا هو الصواب، وهل كلما عارض صريح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا: عذرنا الأخبار المناقضة للقرآن!

- قال القسطلاني في إرشاد الساري ج ١٠ ص ٣٦٤

قوله تعالى في سورة الأنعام:لا تدركه الأبصار ، وأجاب المثبتون بأن معنى الآية لا تحيط به الأبصار أو لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون! أو لا تدركه في الدنيا لضعف تركيبها في الدنيا، فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالى فيهم قوة يقدرون بها على الرؤية. انتهى.

ولكنهم بهذه المواصفات الجديدة للعين ونظام الرؤية، خرجوا عن موضوع البحث، بل هربوا منه، وفي نفس الوقت ردوا أحاديثهم في الرؤية التي ظاهرها رؤيته تعالى في الدنيا والآخرة بالعين المتعارفة المجردة، في أحسن صورة، وكما يرى القمر ليلة البدر على حد زعمهم!

- وقال الشوكاني في فتح القدير ج ٢ ص ١٨٥

في قوله:لا تدركه الأبصار .... التقدير لا تدركه كل الأبصار بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين!....

٣١٧

- وقال التلمساني في نفح الطيب ج ٧ ص ٢٩٦

سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجاً بأن كل شيء يرى بالعين فهو في مقابلتها، فقال له القاضي ابن الطيب: لا يرى بالعين، قال له الملك: فبماذا يرى؟ قال: بالإدراك الذي يحدثه الله في العين.. وهذا الأجهر عينه قائمة ولا يرى بها شيئاً! انتهى.

- وقال في نفح الطيب ج ٨ ص ٣٤

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة، وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة، فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي على جواز رؤية الله تعالى؟ قال: قوله تعالى:لا تدركه الأبصار ! فنظر بعض المعتزلة إلى بعض وقالوا: جنَّ القاضي، وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا على مذهبهم، وهو ساكت، ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك: الحائط لا يبصر قالوا: لا.. قال: فلا يصح إذن نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا نعم، قال: فكذلك قوله تعالى(لا تدركه الأبصار) لولا جواز إدراك الأبصار له لم يصح نفيه عنه. انتهى. ولابدّ أنهم أجابوه إن الذي يصحح النفي هو توهم جواز الرؤية لا جوازها وإمكانها!

وهكذا يحرِّم إخواننا التأويل، ولكنهم إذا وصلوا إلى آيات نفي الرؤية وأحاديثها هجموا عليها بمعاول التأويل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة، حتى يجعلوا من النفي إثباتاً، وقد يجعلون من الكفر إيماناً!

* *

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأى

قال الله تعالى:وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ

٣١٨

الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى . النجم ١ - ١٨

قال أهل البيت: رأى ربه بفؤاده ورأى آياته بعينيه

تقدم في الفصول السابقة عدد من الأحاديث عن النبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله في تفسير هذه الآية، ونضيف إليها هنا مايلي:

- روى الصدوق في كتاب التوحيد ص ١٠٨:

أبيرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام قال قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : لما أسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

- و في ص ١١٦:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرضي‌الله‌عنه قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه عز وجل يعني بقلبه، وتصديق ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليدرحمه‌الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: ما كذب الفؤاد ما رأى، أي لم يره بالبصر، لكن رآه بالفؤاد.

- وقد عقد الصدوق في التوحيد باباً بعنوان (ما جاء في الرؤية) ص ١٠٧ ، نورد بعض روايته قال:

٣١٩

حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم‌السلام قال: مر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل وهو رافع بصره إلى السماء يدعو، فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : غض بصرك فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل رافع يديه إلى السماء وهو يدعو، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أقصر من يديك فإنك لن تناله.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاقرحمه‌الله ، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي محمدعليه‌السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقععليه‌السلام يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم عليّ وعلى آبائي أن يرى.

قال: وسألته هل رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ربه؟ فوقععليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريسرحمه‌الله ، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد اللهعليه‌السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

- وفي علل الشرائع ج ١ ص ١٣١

حدثنا محمد بن أحمد بن السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبد الله الوراقرضي‌الله‌عنهم ، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي الأسدي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام عن الله جل

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513