تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم7%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12115 / تحميل: 1519
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[هـ] ـ «والخَتل » : بفتح الخاء المعجمة ، والتاء المثناة من فوق : الخُدعة ، يقال : ختله يختله من باب ضرب إذا خدعه وراوغه(١) ، وختل الدنيا بالدين إذا طلبها بعمل الآخرة.

[و] ـ «وصنفٌ يطلبه للفقه والعقل » : يطلب العلم لتحصيل البصيرة الكاملة في الدين ، والتطلُّع إلى أحوال الآخرة ، وحقارة الدنيا ، ولتكمیل عقله الفطري.

ولمّا ذكر الأصناف الثلاثة وغاية مقاصدهم من طلب المال أراد أن يذكر جملة من أوصاف كل واحد منهم ليعرفوا بها فقالعليه‌السلام : «فصاحب الجهل والمِراء مؤذ ، ممار» ، أي : مؤذ لغيره لخبث باطنه ، وقدرته على التكلُّم بالأقوال الخشنة عند المباحثة ، والمحاورة في كيفية النزاع والجدل ، يريد بذلك الاستطالة والتفوّق على صاحبه ، أو لمجرد التذاذه بالغلبة كما هو دأب الأكثرين(٢) .

«والممار » اسم فاعل من (ماراه).

[ز] ـ «استطال عليه » : أي : تطاول وتفاخر.

[من أخلاق العلامة السيِّد رضا آل بحرالعلوم]

نقل جدّي العلّامة السيِّد آل بحر العلوم (طاب ثراه)(٣) : (أنَّ يوماً من الأيام كان هو مع أخيه جدّي السيِّد علي آل بحر العلوم صاحب البرهان القاطع (طاب ثراه)

__________________

(١) مجمع البحرين ١ : ٦٢١.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ١٨٢.

(٣) غفل مؤلف الكتاب السيِّد جعفر بن محمّد باقر بن علي بن السیِّد رضا آل بحر العلومرحمه‌الله عن ذكر اسم راوي الحكاية ، والراوي هو أحد أولاد السيِّد الرضارحمه‌الله ، غير السيِّد عليرحمه‌الله ، والسيد الرضارحمه‌الله انجب من الأولاد سبعة وهم : السيِّد جواد ، السيِّد حسين ، السيِّد عبد الحسين ، السيِّد علي ـ جدّ المؤلف المذكور في الحكاية ـ ، السيِّد كاظم ، السيِّد محمّد تقي ، السيِّد محمّد علي ، فيكون الراوي احد الستة الباقون.

٢٢١

بخدمة والدهما السيِّد رضا بحر العلوم (طاب ثراه) ، فأمرهما السيِّد والدهما المذكور بمصاحبتهما اله إلى عيادة شخص من أكابر بیوت العلم المعروفين بالنَّجف.

قال : وبالاتفاق لمّا دخلنا على صاحب الدار لم نجد في مجلسه من أهل العلم أحداً ، وكان الحاضرون كلهم من السواد السوقية ، فلمَّا استقر بنا الجلوس وأدّى كلٌّ منّا مع صاحبه الوظائف والرسوم العادية ، سأل الشيخ صاحب المنزل والدي عن مسألة فقهية وادّعى الاشتباه فيها على الأصحاب ، وأخذ يقرر إشكاله على الأصحاب لوالدي ، فلمَّا أتمّ كلامه أجابه والدي : بأنك مشتبه في فهم مرادهم ، وإن الإشكال غير وارد عليهم بعد فهم المراد ، وأخذ في بيان مرادهم بأحسن تقریر ، وأوفی بيان وتعبیر ، فلمَّا فرغ من الكلام لم يتقبل الشيخ منه ذلك وأخذ في التثبُّت بالمناقشات ، فكرَّر الوالد عليه الكلام بأوفى من المرة الأولى ، فلم يقنع الشيخ بذلك ، فکرَّر عليه الكلام ثالثاً وبالغ في الايضاح ، فلم يقنع الشيخ بذلك ، فسكت الوالد ولم يتكلَّم بعده بكلمة واحدة ، وحين رأي الشيخ من والدي ذلك قوي عزمه على الكلام وأخذ بإقامة ما عنده من البراهين على صحَّة ما ادّعاه من الغثّ والسمين ، والوالد ساكت لا يتكلَّم بحيث تحقَّق عند العام الحاضرين في ذلك المجلس تفوق الشيخ على السيِّد الوالد وإقحامه بما لا مزيد عليه.

قال : ونحن حاضرون وأدركنا ذلك المعنى من أهل المجلس ، وكنا نقدر على إعانة الوالد ومساعدته في الكلام وإقعاد كلمته على حسب الواقع والمرام ، ولكنّا تأدُّباً اللوالد ، وتوقيراً لصاحب المنزل سكتنا ، ولمّا قمنا وخرجنا من المنزل تقدم أخي السيِّد علي إلى جنب السيِّد الوالدرحمه‌الله وقال له : يا والدي ، ما الَّذي دعاك إلى السكوت عن إحقاق الحق وقمع الباطل حَتَّى فضحت نفسك ، وفضحت جدَّنا بحر العلوم ، بل وأسأت جعفر بن محمّدعليه‌السلام بهذا السكوت ، لِمَ سكتّ وأنت محقٌّ في کلامك؟ وبالغ في انزعاجه من تلك الحالة ، ولمّا سكن قال له والديرحمه‌الله : مع العلم

٢٢٢

بأن الطرف المقابل ـ يعني الشيخ ـ فهم كلامي ؛ لأنه ليس بتلك الدرجة من الغباوة بحيث لم يفهم ما قلته ، ولاسيَّما مع تكراري عليه ذلك مرّات ، فالمجادلة معه أكثر من ذلك ما هو إلا لأجل إقعاد الكلمة والالتذاذ بالغلبة ، وهو ممقوت عند صاحب الشرع).

(ولعمري) لتلك حالة لا توجد إلا عند الأوحدين من الناس ، ولاسيَّما بمحضر جماعة من العوام الَّذين هم كالأنعام ، ولا يعرفون الموازين العلمية للأشخاص إلّا بما يشاهدونه بأعينهم من المفاوضات والمكالمات ، ولكن ربَّما كان السكوت جواباً ، قال أبو العبَّاس الناشئ :

وإذا بُليتُ بِجاهلٍ مُتَحامِلٍ

حَسِبَ(١) المَحالَ من الأُمورِ صَوابا

أوليتُهُ منِّي السكوتَ ورُبَّما

كانَ السُكوتُ عنِ القبیحِ(٢) جَوابا(٣)

وقيل لبعض : (ما لكم لا تعاتبون الجهّال ليعلموا؟ فقال : إنّا لا نكلّف العُمْيَ بأن يبصروا ، ولا الصُمَّ بأن يسمعوا )(٤) .

وقال آخر : (ليس على العالم شيء أصعب ولا أتعب من جاهل يغالطه بالجهل إذا لم يكن عندَهُ عالم يفقه کلامه )(٥) .

__________________

(١) في الوفيات : (يجد).

(٢) في الوفيات : (الجواب).

(٣) وفيات الأعيان ٣ : ٣٧١ ، وانشده الإمام الرضاعليه‌السلام كما في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ١٨٧ ويدل ذلك أنه لغير الناشئ الصغير المتوفی سنة ٣٦٦ هـ ، فلاحظ.

(٤) فيض القدير ٢ : ٢٢.

(٥) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

٢٢٣

(رجع)

[ح] ـ «متعرّض للمقال » : لأن غرض إظهار التفوُّق والغلبة والتفاخُر والجاه ، ولا يحصل إلا بجلاله ومقاله.

[ط] ـ «في أندية الرجال » : الأندية ، جمع النادي وهو : مجلس القوم ما داموا مجتمعين فيه فإذا تفرقوا فليس بناد(١) .

[ي] ـ «قد تسربل الخشوع » : السِّربال بالكسر : القميص ، وسربلته : أي ألبسته السربال ـ أعني القميص(٢) .

والخشوع : التذلُّل والخضوع ، يعني : أظهر الخشوع بالتشبُّه بالخاشعين ، والتزييّ بزيهم مع أنه خال من الورع اللازم للخشوع.

[مراتب الورع]

(واعلم أنّ الورع على مراتب :

الأول : ورع التائبين ، وهو ما يخرج به الإنسان عن الفسق ويوجب قبول شهادته.

الثاني : ورع الصالحين ، وهم ترك الشبهات خوفاً من سقوط المنزلة بارتكابها.

الثالثة : ورع المتَّقين ، وهم ترك الحلال الَّذي يُتخوَّف منه أن ينجرّ إلى الحرام ، كترك التكلُّم بأحوال الناس خوفاً من الوقوع في الغيبة.

الرابع : ورع السالكين ، وهم الإعراض عما سواه تعالی خوفاً من صرف ساعة من العمر فيما لا يفيد زيادة القرب منه)(٣) .

[ك] ـ «فدقَّ الله من هذا » ، أي من أجل عمله هذا العمل.

__________________

(١) ينظر : لسان العرب ١٥ : ٣١٧ ، مادة (ن. د. ي).

(٢) الصحاح ٥ : ١٧٢٩.

(٣) بحار الأنوار ٦٧ : ١٠٠.

٢٢٤

[ل] ـ «خيشومه » : أي أعلى أنفه ، وهو كناية عن إذلاله وجعله خائباً خاسراً عمّا قصده من العمل.

[م] ـ «وقطع منه حيزومه » : الحَيزوم بفتح الحاء المهملة والياء المثناة من تحت ، والزاي المعجمة : وسط الصدر ، وفي القاموس : هو ما استدار من الظهر والبطن(١) .

وكيف كان فهو أيضاً كناية عن إهلاکه واستيصاله بالمرَّة ، لقطع ما هو مناط الحياة.

[ن] ـ «ذو خِبّ ومَلَق » : الخب بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة ، مصدر بمعنى : الخدعة والغش(٢) .

والملق بالتحريك : اللُّطف الشديد ، والتودُّد فوق ما ينبغي باللسان من غير أن يكون له أثر في القلب(٣) .

[س] ـ «يستطيل على مثله » : من أشباهه أي على من يشابهه في رتبة العلم

والفضل.

[ع] ـ «ويتواضع للأغنياء من دونه » : أي ممَّن هو دونه في الرتبة والمنزلة ، والاستطالة على المماثل ، والتواضع للأدون من أقبح الأفعال ، ودليل على ركاكة الذات وشناعة الصفات.

__________________

(١) القاموس المحيط ٤ : ٩٦.

(٢) مجمع البحرين ١ : ٦١٦ ، والخب بالفتح : الخداع ، وهو الجريز الَّذي يسعى بين الناس بالفساد. (ينظر : النهاية في غريب الحديث ٢ : ٤).

(٣) ينظر : العين ٥ : ١٧٤ ، الصحاح ٤ : ١٥٥٦.

٢٢٥

[ف] ـ «فهو الحلوانهم هاضم » : الحلوان هو الرشوة ، فكأن ما يأخذه منهم اُجرة لما يعمله ، وفي بعض النسخ لحلوائهم بالهمزة وهي الأطعمة اللَّذيذة.

[ص] ـ «ولدينه » : بإفراد الضمير كما هو المتَّفق عليه في نسخ الكافي.

[ق] ـ «حاطم » : أي كاسر ؛ لأنه باع دينه بدنياه ، بل بلقمة من مائدتهم تبعاً لقوَّة الشهوة ، فهو معط لهم فوق ما يأخذ منهم ؛ لأنه يأخذ منهم ما يطعمون ، ومعط إياهم من دينه ، فلا جرم كان عادماً لإيمانه ويقينه ، أو لأنه يحلّ لهم بفتواه ما يشتهون ، ويحطم دينه بما يُدهن فيدهنون.

وبناءً على ما في المتن من ضمير الجمع فله وجه ، فإن فعله ذلك يوجب تجرّيهم على الحرام ، واعطاءهم إيّاه بالرشوة عند ما يتوقعون منه ما يوافق طباعهم ، فهو حاطم لدينهم ، ثُمَّ دعا عليه بالاستیصال بحيث لم يبق له خبر ولا أثر.

[ر] ـ «عمي عليه الخبر » : أي خفي ، كناية عن عمى البصر.

[ش] ـ «وقطع من آثار العلماء أثره » : أي ما بقی من أثار علمه بين الناس ، فلا يُذكر به كما يُذكر به غيره في الدهور ، وتوجب اشتهاره وحسن ذكره ، وإنما دعا على الصنفين للحوق ضررهما على العلماء المحقّين ، أكثر من ضرر الكفّار المتمرِّدين.

[ت] ـ «وصاحب الفقه والعقل » : وهو الصنف الَّذي يطلب العلم لتکميل القوَّة النظرية والقوَّة العلمية والتخلُّق بالأخلاق الحسنة.

[ث] ـ «قد تحنّك في برنسه » : التحنُّك إدارة طرف العمامة تحت حنکه ، أي ما تحت ذقنه ، وفيه استحباب التحنُّك.

٢٢٦

وقال المجلسيرحمه‌الله في (مرآة العقول) في شرح هذا الخبر (عند قوله : تحنُّك في برنسه) : (يومين إلى استحباب التحنُّك في الصلاة)(١) .

وفيه ما فيه ، نعم ، يدل على ذلك من النصوص ما رواه صاحب العوالي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من صلّى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه »(٢) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من صلّی مقتطعاً (٣) فأصابه داء لا دواء له ، فلا يلومنّ إلّا نفسه »(٤) .

وفي (شرح المفاتيح) : (أن الأوّل مروي في العوالي في مكانين عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله )(٥) .

ورواه عنه أيضاً في (المستدرکات)(٦) .

والثاني رواه مستقلاً فخر الإسلام في (شرح الإرشاد)(٧) ، فلا دغدغة في ذلك.

(والبرنس) : قلنسوة طويلة ، كان يلبسها النُسَّاك في صدر الإسلام(٨) .

__________________

(١) مرآة العقول ١ : ١٦٢.

(٢) يأتي تخريج الحديث.

(٣) (مقتطعاً) هي تصحيف (مقتعطاً) كما في مجمع البحرين ٣ : ٥٣٣ وهو : شدّ العمامة على الرأس من غير إدارة على الحنك.

(٤) يأتي تخريج الحديث.

(٥) شرح المفاتيح مخطوط لم أقف عليه ، وفي العوالي الحديثان موجودان في مكانين وليس الأول منه ، فلاحظ (ينظر : عوالي اللئالي ٢ : ٢١٦ ح ٦ للأول ، و ٤ : ٣٧ ح ١٢٨ للثاني).

(٦) مستدرك الوسائل ٣ : ٢١٥ ح ٣٤٠٢ / ٢.

(٧) عنه کشف اللثام ٣ : ٢٦٢ في لباس المصلي.

(٨) الصحاح ٣ : ٩٠٨.

٢٢٧

أو كل ثوب رأسه منه [ملترق به ، من](١) درّاعة كان أوجبّة أو ممطر ، معرَّب یوناني(٢) .

ويكفي في كراهة ترك التحنُّك أو السدل مطلقاً ولو في غير الصلاة المرسل أن الطبقية عِمة إبليس ؛ ولذا لم يتوقَّف أحد في كراهة عدم التحنُّك مطلقاً ، كما صرّح به جدّي صاحب البرهان (طاب ثراه)(٣) .

[خ] ـ «وجِلاً ، خائفاً » : من عدم قبول عمله ؛ لعلمه بأن الله إنَّما يتقبل أعمال المتَّقين ، ولعلَّه لا يكون منهم ، أو لعلمه بأنَّ المقبول إنَّما هو العمل الصالح ولا يعلم صلاح عمله ، أو يخاف من سوء الخاتمة وانقلاب العاقبة وعدم الاستمرار كما انعكست حالة كثير من العُبَّاد في آخر عمره.

[ذ] ـ «داعياً لقبول » : عمله وحسن عاقبته ومغفرة ذنوبه.

[ض] ـ «مشفقاً » : من عدم استجابته ، فإنَّ الدعاء أيضاً من جملة الأعمال التي لا تقبل إلا الصالح منها ، أو من أن يكون قَدْ صدر منه ما يحبس دعاءه ، كما قالعليه‌السلام في دعاء كميل : «اللهُمَّ اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء »(٤) .

وكما في الحديث : «أعوذ بك من الذنوب التي تردّ الدعاء »(٥) .

وهي كما جاءت به الرواية عن الصادقعليه‌السلام : «سوءُ النيَّة والسريرة ، أو ترك التصديق بالإجابة ، والنفاق مع الإخوان ، وتأخير الصلاة عن وقتها »(٦) .

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) النهاية في غريب الحديث ١ : ١٢٢.

(٣) البرهان القاطع : مخطوط لم أقف عليه.

(٤) دعاء کميل ورد في العديد من كتب الدعاء والزيارة ، ولا حاجة لذكرها.

(٥) ورد بهذا النص في مجمع البحرين ٢ : ٣٨.

(٦) مجمع البحرين ٢ : ٣٨.

٢٢٨

[ظ] ـ «مقبلاً على شأنه » : أي على إصلاح نفسه ، وتهذيب باطنه بالتخلية من الرذائل ، والتحلية بالفضائل.

[غ] ـ «عارفاً » : بأهل زمانه وبحركاتهم ومقاصدهم بالمكاشفات القلبية والمشاهدات العينية.

[أب] ـ «مستوحشاً » : من أوثق إخوانه ؛ لعلمه بأن مخالطتهم تُميتُ القلب ، وتُفسد الدين ، فيختار الاعتزال عنهم ؛ لما فيه السلامة ، إذ قَدْ خُصّ بالبلاء من عرفته الناس ؛ ولذا ورد : «فُرَّ من الناس فرارَكَ مِنَ الأسدِ »(١) .

وفي الشعر الفارسي :

دلا خو کن بتنهائي

که از تنها بلا خيزد

سعادت آنکسي دارد

که از مردم ببرهيزد

وإن شئت توسيع المخاض بأكثر من ذلك ، فنقول : لمّا عرفت أنه ليس الغرض من بعث الأنبياء إلا تهذيب الأخلاق البشرية ، كما قال سيد الأنبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنَّما بعثتُ لأتَمِّمَ مكارِمَ الأخلاق »(٢) .

فلا بد من مباشرة الأعمال الشرعية بصورة توجب التحلّي بالفضائل ، والتخلّي عن الرذائل ، وتسبِّب التحصّل للأخلاق الفاضلة ، وتبديل الملكات الرذيلة ، وهذا الأمر لا محال يتوقَّفُ على تنبُّهٍ کامل واطّلاع وافر على أحوال النفس ، والأُمور الباطنية ، وتقلُّبات القلب ، ودقائق آفات النفس ، ويحتاج إلى

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ١٨٧.

(٢) تقدم ذكره.

٢٢٩

اهتمام عظيم في إيقاع العبادات على وجه الإخلاص المحض ، وخلوص النيَّة من جميع الشوائب ، والاهتمام بذلك كلّه ، وملاحظة هذه المعاني مع المعاشرة والمخالطة ، وارتكاب اللوازم والرسوم والعادات ، ومباشرة الأُمور الدنيوية مطلقاً متعسِّرٌ جداً ، بل يتعذَّر على أكثر النفوس.

فلا جرم أنَّ كثيراً من السالكين ، وعلماء الشريعة ، وحكماء الملَّة في كلّ زمان من الأزمان اختاروا العزلة ، وتقليل الخلطة بعد تحصيل العلوم اليقينية ، وحصول الملكات العلمية ، وتكميل القوَّة النظرية ، وكانوا يحثُّون تلاميذهم عليها ، وفي صدر السلف أيضاً كان شعار خلّص الصحابة وكمّل التابعين هو الانقطاع إلى الله ، والانفراد لجهة العبادة من غير تزيّ بزيٍّ خاص ، ولا تسمّ باسم مخصوص ، ولا وضع اصطلاح جدید.

قال مالك بن دينار : (من لم يأنس بمحادثة الله عن محادثة المخلوقين ، فقد قلّ علمه ، وعَمِيَ قلمه ، وضاع عمره )(١) .

قيل لبعضهم : (من معك في الدار؟

قال : الله تعالى معي ، ولا يستوحش من أنس به)(٢) .

ووصف بعض العارفين صفة أهل المحبة الواصلين ، فقال : (جدّد لهم الودّ في كلّ طرفة بدوام الاتصال ، وآواهم (٣) في كنفة بحقائق السكون إليه حَتَّى أنّت قلوبهم ، وحنّت أرواحهم شوقاً ، وكان الحبُّ والشوق منهم إشارة من الحق إليهم عن

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٠ : ٤٣.

(٢) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

(٣) في الأصل : (واوهم) وما في المتن من استظهارنا حَتَّى يستقيم النص.

٢٣٠

حقيقة التوحيد وهو الوجود بالله ، فذهبت مناهم ، وانقطعت آمالهم عنده ؛ لما بان منه لهم )(١) .

[أج] ـ «فشدّ الله من هذا أركانه » : المشار إليه بهذا هو العالم الَّذي هو صاحب الفقه والعقل ، أي : ثبّت الله تعالى ، وأحكم غاية الإحكام أركانه الظاهرة ، أعني جوارحه وأعضاءه الباطنة من عقله وفهمه ودينه.

__________________

(١) لم اهتد إلى مصدر هذا القول.

٢٣١

الحديث العاشر

منهومان لا يشبعان

[٧٦] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسی ، وعن علي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً ، عن حمّاد بن عيسى ، عن عمر بن أذينة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن سليم بن قيس ، قال: سمعت أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : منهومان لا يشبعان : طالب دنيا وطالب علم ، فمن اقتصر من الدنيا على ما أحلّ الله له سلم ، ومن تناولها من غير حلّها هلك ، إلا أن يتوب أو يراجع ، ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا ، ومن أراد به الدنيا فهي حظُّه »(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

فيما يتعلق برجال السند :

ومرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة عُمَر بن أذينة]

أمّا عُمَر بن أذينة : هو ابن محمّد بن عبد الرحمن بن اُذينة ، بضم الهمزة ، وفتح الذال المعجمة ، وسكون الياء المنقطة تحتها نقطتين ، وفتح النون.

ذكره النجاشي في (الفهرست) وعدّ نسبه إلى عدنان ، ثُمَّ قال : (شيخ أصحابنا البصريين ووجههم ، روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام بمكاتبة (٢) ، له كتاب (الفرائض) )(٣) .

وزاد في (الخلاصة) : (أنه كان ثقة صحيحاً ).

__________________

(١) معالم الدين : ١٥ ، الكافي ١ : ٤٦ ح ١.

(٢) في رجال النجاشي : (بمکاتبه) ، وفي الخلاصة : (مکاتبة) ولعله الأصح ، فلاحظ.

(٣) رجال النجاشي : ٢٨٣ رقم ٧٥٢.

٢٣٢

ثُمَّ قال : (قال الكَشِّي : قال حمدويه : سمعت أشياخي منهم العبيدي وغيره ، أنَّ ابن اُذينة كوفي ، وكان هرب من المهدي ، ومات باليمن ؛ فلذلك لم يروِ عنه كثير ، ويقال : اسمه محمّد بن عُمَر بن اُذينة ، غلب عليه اسم أبيه )(١) .

وفي (المشتركات) : (ابن اُذينة ، الثقة ، روى عنه ابن أبي عمير ، وصفوان ، والحسن بن محمّد بن سماعة ، وحريز ، وأحمد بن ميثم ، وأحمد بن محمّد بن عيسی ، وأبوه ، وعثمان بن عيسی ، وجميل بن درَّاج ، وحمّاد بن عيسی )(٢) .

[ترجمة أبان بن أبي عياش]

(وأمّا أبان : فهو ابن أبي عياش ـ بالعين المهملة ، والشين المعجمة ـ واسم أبي عياش : فيروز ـ بالفاء المفتوحة ، والياء المنقطة تحتها نقطتين الساكنة وبعدها راء ، وبعد الواو زاي ـ تابعي ضعيف ، روى عن أنس بن مالك ، وروي عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ، لا يُلتفت إليه ، وينسب أصحابنا وضع كتاب سليم بن قيس إليه )(٣) .

وفي (الخلاصة) : (الأقوى عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لشهادة ابن الغضائري عليه بالضعف )(٤) .

وقال الشيخ في رجاله : (إنه ضعيف )(٥) .

وحكم بتضعيفه خالنا المجلسيرحمه‌الله في (الوجيزة )(٦) .

__________________

(١) خلاصة الأقوال : ٢١١ رقم ٢ ، اختيار معرفة الرجال ٢ : ٦٢٦ رقم ٦١٢.

(٢) هداية المحدثين : ١٢٣.

(٣) خلاصة الأقوال : ٣٢٥ رقم ٢ ، شرح اُصول الكافي ٢ : ٣٠٧.

(٤) خلاصة الأقوال : ٣٢٥ رقم ٢ ، رجال ابن الغضائري : ٣٦ رقم ١.

(٥) رجال الطوسی : ١٣٦ رقم ١٢٦٤ / ٣٦.

(٦) الوجيزة في الرجال : ١١ رقم ٥.

٢٣٣

ولم يتعرَّض لذكره صاحب (البُلغة) ؛ بناءً على ما بنى عليه من إسقاط المجاهيل والضعفاء.

[ترجمة سليم بن قيس]

وأمّا سُلیم بن قيس : فقد صرّح السيِّد الداماد بأنه صاحب أمير المؤمنينعليه‌السلام ومن خواصّه ، روی عن السبطين والسجاد والباقر والصادقعليهم‌السلام وهو من الأولياء ، والحقّ فيه ـ وفاقاً للعلّامة وغيره من وجوه الأصحاب ـ تعديلُهُ(١) .

وقال ابن شهر آشوب : (سُليم بن قيس الهلالي صاحب الأحاديث ، له كتاب )(٢) .

وقال ابن طاووس : (تضمّن الكتاب ما يشهد بشكره [وصحَّة كتابه] ) ، انتهى(٣) .

وقال المجلسي : (وكتاب سُليم بن قيس في غاية الاشتهار ، وقد طعن فيه جماعة ، والحق أنه من الأُصول المعتبرة )(٤) .

وفي موضع من البحار ـ أظنُّه في كتاب الغيبة ـ عدّه من الثقات العظام(٥) .

__________________

(١) نسبه أبو علي الحائري في منتهى المقال إلى السيِّد الداماد في رواشحه ، ولم أعثر عليه في الرواشح السماوية ، وذكره المازندراني في شرح اُصول الكافي ٢ : ٣٠٧ عن بعض المحدثين من أصحابنا ، ولم يصرّحرحمه‌الله بأنه للسيد الداماد ، فلاحظ.

وينظر : خلاصة الأقوال : ١٦١ رقم ١ ، منتهى المقال ٣ : ٣٨٢.

(٢) معالم العلماء : ٩٣ رقم ٣٩٠.

(٣) التحرير الطاووسي : ٢٥٢ رقم ١٨٠ وما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) بحار الأنوار ١ : ٣٢.

(٥) قال النعماني : (وليس بين جميع الشيعة ممن حمل العلم ورواه عن الأئمّةعليهم‌السلام خلاف في أن كتاب سليم بن قيس الهلالي أصل من أكبر كتب الأُصول التي رواها أهل العلم ومن حملة حديث أهل البيتعليهم‌السلام وأقدمها ، لأن جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنما هو من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنين والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذر ومن جرى مجراهم ممن عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأمير المؤمنينعليه‌السلام وسمع منهما ، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ويعول عليها). (غيبة النعماني : ١٠٣).

٢٣٤

وقال الشيخ أبو علي : (ولقد طعن فيه الغضائري ، ولو حَكَمْنا بالطَّمْنِ لِطَعنهِ ، لَمّا سَلِمَ جليلٌ مِنَ الطَّعن)(١) .

الموضع الثاني

في شرح المتن :

ذُكر هذا الحديث في الكافي في باب (المستأكل بعلمه والمباهي به)(٢) ، والمراد بالمستأكل من يتخذ علمه رأس مال يأكل منه ويتوسَّع به في معاشه ، يقال : فلان ذو أكل ، إذا كان ذا حظّ من الدنيا ورزق واسع ، والمأكل : الكسب.

قال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : «ويحك يا أبا الربيع [لا تطلبنّ الرئاسة ، ولا تكن ذئباً ، و] لا تأكل بنا الناس ، فيفقرك الله »(٣) .

نهاه أن يجعل العلوم الشرعية التي أخذها منهمعليهم‌السلام آلة الأكل والأموال ، كما هو شأن قضاة الجور ، وأوعده بأن الله يفقره في الدنيا بتفويت المال ونقص العيش.

والحديث : مروي في التهذيب أيضاً(٤) .

[أ] ـ «والمنهوم » : من النَّهَم ، بالتحريك ، وهو إفراط الشهوة في الطعام(٥) .

__________________

وقال عنه في موضع من بحار الأنوار ٣٠ : ١٣٤ ما نصّه : (والحق أن بمثل هذا لا يمكن القدح في كتاب معروف بين المحدّثين اعتمد عليه الكليني والصدوق وغيرهما من القدماء ، وأكثر أخباره مطابقة لما رُوى بالأسانيد الصحيحة في الأُصول المعتبرة).

(١) منتهى المقال ٣ : ٣٨٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٦ وفيه ستة أحاديث.

(٣) الكافي ٢ : ٣٩٨ ح ٦ ، وما بين المعقوفين من المصدر

(٤) تهذيب الأحكام ٦ : ٣٢٨ ح ٩٠٦ / ٢٧.

(٥) لسان العرب ١٢ : ٥٩٣.

٢٣٥

وليس فيه دلالة على ذمّ الحرص في تحصيل العلم حَتَّى يُحمل على أن المراد من العلم هو غير علم الآخرة ، بل المقصود أن (أنه ـ ظ) خاصية الدنيا والعلم(١) ذلك ، يعني : مَنْ ذاق طعم حلاوة العلم ، وحلاوة الدنيا لم يشبع منهما ، (أمّا الدنيا) فكلَّما تناول مرتبة من مراتبها حثَّهُ الحرص وطول الأمل إلى تناول ما فوق ذلك ، ولا يكاد يقنع بمرتبة من مراتب الدنيا ، فهو في ألم من تلك الأحوال حَتَّى يموت.

[ب] ـ «وأمّا طالب العلم » : فلأنَّ ساحة العلوم أوسع من أن يحوم حولها عقل أحد من أفراد البشر ، قال تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ(٢) .

[ج] ـ «فمَنِ اقتصَرَ مِنَ الدُّنيا على ما أحَلًّ اللهَ لَهُ سَلِم » : أي وإن كان كثيراً في غاية الكثرة ، وكان فيه شهوة وميل إليها كما هو مقتضى العموم المستفاد من الموصول ؛ ولأنَّ جمع الدنيا من مَمَرّ الحلال حلال لا عقوبة فيه وإن بلغ ما بلغ ، ما لم يؤدِّ إلى حد الغرور ، وقطع علائق التوكُّل على الله تعالى ، والاستيثاق بما عنده من المال.

[د] ـ «إلا أن يتوب » : إلى الله تعالى بأن يندم على ما فعل فيما سبق ، ويعزم على الترك فيما يأتي ، أو يراجع من ظلمه ويرضيه.

وظاهر الحديث : أن كلّا من التوبة والمراجعة ناج (منجٍ ـ ظ) من العقاب ، وهو مشکل مع اشتغال الذمَّة بمال الناس المتناول له من غير حلّه ، فأمّا أن يجعل

__________________

(١) كذا والجملة غير مستقيمة ، إلا إذا قلنا : (خاصية الدنيا بالعلم).

(٢) سورة يوسف : من آية ٧٦.

٢٣٦

(أو) : بمعنى الواو للتفسير ، كما هو مذهب الكوفيين ، وابن مالك ، والأخفش ، والجرمي ، واختاره ابن هشام في المغني(١) .

أو للإضراب كما قال ابن مالك :

خَيَّر ، أبِحُ ، قَسِّمْ بِأَوْ وأبْهِمِ

وَاشْكُكْ وإضرابٌ بِها أيضاً نُمِي

والفرق بين الإباحة والتخيير جواز الجمع في تلك دونه ، واحتجوا له بقول توبة :

وقد زَعَمَتْ ليلى بِأنِّيَ فاجِرٌ

نَفسي تُقاها أو عَلَيْها فُجُورها(٢)

وله شواهد أخر.

(أو) : يجعل التوبة علاجاً لما وقع منه من الظلم في حق نفسه من غير تعلُّق بحقّ الغير ، والمراجعة علاجاً لما وقع منه من الاغتصاب لحق الغير ، فإن ذلك لا يرفع إلا مع إرضاء صاحب الحقّ.

ويحتمل تخصيص التوبة بما إذا لم يقدر على رد المال الحرام إلى صاحبه والمراجعة بما قدر عليه.

[هـ] ـ «ومن أخذ العلم من أهله وعمل بعلمه نجا » : أهل العلم هم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة المعصومون ، والعلماء التابعون لهم ، يعني : من أخذ العلم منهم وعمل بما يقتضيه علمه نجا من العقوبات الأُخروية ، ومن كل ما يمنعه عن

__________________

(١) لم يذکر ابن هشام معنى التفسير كما لم يذكره غيره ، وإنما قال : (والخامس ـ أي من معاني (أو) ـ : الجمع المطلق كالواو ، قاله الكوفيون والأخفش والجرمي ...) ثُمَّ استغرب بعدها من ذهاب ابن مالك إلى هذا الرأي أيضاً واعترض عليه. (ينظر : المغني ١ : ٦٣).

(٢) البيت لتوبة من الحمير. (ينظر : أمالي القالي ١ : ١٣١ ، خزانة الأدب ١١ : ٦٨).

٢٣٧

التقرُّب إلى الله تعالی ؛ إذ اللازم لطريقتهم لاحق بهم لا محالة ، بل منهم ، كما ورد : «إنَّ سلمان منَّا أهلَ البيت »(١) .

ولا شك أن طريقتهم هي الطريقة الحقَّة التي لا يشوبها أدنی رائحة الباطل ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحق مع علي وهو مع الحق ، أينما دار »(٢) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهُمَّ أدر الحق معه أينما دار »(٣) ، رواه العامَّة في صحاحهم ، وذكروا في ذلك خمسة عشر حديثاً ، ومن جملة من رواه ، إمام الحرمين في الجمع بين الصّحاح السَّتة) في الجزء الثالث منه ، والزمخشري في ربيع الأبرار(٤) .

وقال ابن أبي الحديد في شرحه عند قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «إن الأئمّة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على من سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم » :

(فإن قلت : إنَّك شرحت هذا الكتاب على مذهب المعتزلة ، فما قولك في هذا الكلام ، وهو تصريح بأن الإمامة لا تصلح من قريش إلا في بني هاشم خاصَّة ، وليس ذلك بمذهب المعتزلة.

قلت : هذا الموضع مشکل ، ولي فيه نظر ، وإن صحّ أن علياًعليه‌السلام قال ذلك ، قلت : كما قال ؛ لأنه ثبت عندي أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنه مع الحق وإن الحق يدور معه

__________________

(١) عیون أخبار الرضاعليه‌السلام ١ : ٧٠.

(٢) ذكر المؤلفينرحمه‌الله الحديث بالمعنى ونصّه : «علي مع الحق والحق مع علي ، يدور معه حيثما دار ». (شرح نهج البلاغة ١٨ : ٧٢).

(٣) ذكر المؤلفرحمه‌الله الحديث بالمعنى ونصّه : «اللهمّ أدر الحق مع على حيث دار ». (خصائص الوحي المبین ٣١).

(٤) ينظر : مصادر هذا الحديث الشريف من كتب أهل السنة في كتاب الغدير ٣ : ١٧٦ ـ ١٧٩ ، فإن مؤلفهرحمه‌الله كفانا مؤونة ذلك ، فجزاه الله عن كتابه هذا وغيره ألف خير.

٢٣٨

حيثما دار » ، ويمكن أن يتأول ويطبّق على مذهب المعتزلة ، فيحمل على أن المراد به كمال الإمامة ، كما حُمل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد » على نفي الكمال ، لا على نفي الصحَّة) ، انتهى(١) .

وأنت خير بأن نفي الصحَّة أقرب إلى المعنى الحقيقي من نفي الكمال كما حُقّق في محلّه ، ويدل على صحَّة قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ما رواه ابن حجر في (الصواعق) أنه خرّج مسلم والترمذي وغيرهما عن وائلة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ الله اصطفی كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى من بني كنانة قريشاً ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم »(٢) .

وأصرح من ذلك كلّه ما نقله أبو العبَّاس القلقشندي المصري الشافعي في كتابه (نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب) : (أنهم يعني أصحابه الشافعية نصّوا على أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش).

راجع الفصل الأول من مقدمة الكتاب المزبور(٣) .

[و] ـ «من أراد به الدنيا فهي حظه » : يعني من أراد بعلمه التوسل إلى زخارق الدنيا ، والتقرَّب إلى الملوك والسلاطين ، وجلب المال من الفاسقين ، والسوق على العالمين ، ذلك حظه وثمرة علمه وماله في الآخرة من نصيب ، قال الله تعالی : ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ(٤) .

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٩ : ٨٧.

(٢) الصواعق المحرقة : ١٨٨ ح ٣١.

(٣) نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب : ٧.

(٤) سورة الشوری : ٢٠.

٢٣٩

الحديث الحادي عشر

الحديث لمنفعة الدنيا

[٧٧] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن الحسين بن محمّد بن عامر ، عن معلّی بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي خديجة ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «من أراد الحديث لمنفعة الدنيا ، لم يكن له في الآخرة نصيب ، ومن أراد به خير الآخرة أعطاه الله تعالى خير الدنيا والآخرة »(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

ومرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة معلی بن محمّد]

ومعلّی بن محمّد : هو أبو الحسن البصري.

قال في (الخلاصة) : (وهو مضطرب الحديث والمذهب ، ونقل عن ابن الغضائري : أنه يعرف حديثُه وينكر ، وأنه يروي عن الضعفاء ، وأنه يجوّز أن يخرج شاهداً )(٢) .

وقال في (التعليقة) : (قال جدّي رحمه‌الله : لم نطّلع على خبر يدلُّ على اضطرابه في الحديث والمذهب كما ذكره بعض الأصحاب ) ، انتهى(٣) .

ولم يذكره صاحب (البُلغة) ، وقال في حاشية له على هذا المقام ما لفظه : (لم نذكر معلّی بن محمّد البصري ؛ لأنه ضعيف مضطرب.

__________________

(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٦ ح ٢.

(٢) خلاصة الأقوال : ٤٠٩ رقم ٢ ، رجال ابن الغضائري : ٩٦ رقم ١٤١ / ٢٦.

(٣) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ٣٢٩.

٢٤٠

قال المعاصر المجلسي في وجيزته ، بعد تضعیفه : ولعلَّه لا يضرّ في السند ؛ لكونه من مشايخ الإجازة ، انتهى.

وفيه نظر ؛ إذ الظاهر عدم انتظام هذا في هذا السلك كما بيَّناه في المعراج وغيره) ، انتهى(١) .

فالأقوى: كونه ضعيفا.

[ترجمة الحسن بن علي الوشّا]

وأمّا الحسن بن علي الوشّا : هو ابن زياد الحسن بن علي الهمداني ، أبو محمّد.

قال الشيخرحمه‌الله في (التهذيب) في باب (الوصية لأهل الضلال) : (إنّه مطعون)(٢) .

وفي (الوجيزة) : (إنه ضعيف)(٣) .

قلت : والأقوى عندي توثيقه لأُمور :

الأول : رواية ابن أبي عمير عنه ، كما صرّح به في (التعليقة)(٤) .

الثاني : رواية الأجلاء عنه مثل : يعقوب بن زيد(٥) ، وأحمد بن محمّد بن عيسی(٦) ، والحسين بن سعيد(٧) ، وإبراهيم بن هاشم القمِّي(٨) ، واحتياط القمِّيين في هذا الباب معروف.

__________________

(١) لم أعثر عليه في بلغة المحدثين ، الوجيزة في الرجال : ١٨١ رقم ١٩٢٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٢٠٤ ح ٨١٢ / ٩.

(٣) الوجيزة في الرجال : ٥٨ رقم ٥١٨.

(٤) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٠٤.

(٥) رجال النجاشي : ٤٠ رقم ٨٠.

(٦) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠ ، والفهرست للطوسي : ٥٤ رقم ١٩٢.

(٧) تهذيب الأحكام ٨ : ٢٩٢ ح ١٠٨٠.

(٨) من لا یحضره الفقيه ٤ : ٨٣ من المشيخة.

٢٤١

الثالث : ما قاله النجاشي في حقّه ، من أنه كان من وجوه هذه الطائفة(١) ، وربّما يُفهم من هذه العبارة فوق الوثاقة.

قال المحقِّق السيِّد الكاظميرحمه‌الله في عدّته ، في ذكر جملة ما يُفهم منه التوثيق : (وكذا قولهم عين من عيون هذه الطائفة ، ووجه من وجوهها ) ، انتهى(٢) .

وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في رسالة (وصول الأخيار) : (وأمّا نحو شيخ الطائفة ، وعمدتها ، ووجهها ، ورئيسها ، ونحو ذلك ، فقد استعمله أصحابنا فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته ، إيماءً إلى أنَّ التوثيق دون مرتبته )(٣) .

وهو صريح منه في كونه من ألفاظ التوثيق وأنه أمر مسلّم.

الرابع : قول النجاشي فيه أيضاً : (وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة )(٤) ، ووجه الدلالة كسابقه.

الخامس : كونه من مشايخ الإجازة كما صرّح به الأُستاذ الأكبر(٥) ، وتلميذه جدّي العلّامة في (التعليقة) وفي (شرح الوافية)(٦) .

السادس : حكم جماعة من الفقهاء بصحَّة طرق هو فيها ، منهم العلّامة(٧) ،

وفي كتاب التدبير من (المسالك) عند ذكر رواية عنه :

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠.

(٢) عدة الرجال ١ : ١٩.

(٣) وصول الأخيار ١٩٢.

(٤) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠.

(٥) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٠٤.

(٦) شرح الوافية للعلامة السيِّد محمّد مهمدي بحر العلوم قدس سره ، مخلوط في مكتبة السيِّد محمّد صادق بحر العلومرحمه‌الله ونسخته تقع رقم ٤٣.

(٧) خلاصة الأقوال : ٤٤١ من الفائدة الثامنة.

٢٤٢

(أنَّ الأصحاب ذكروها في الصّحاح )(١) .

وفي (شرح اللمعة) وصف حديثه بالصحَّة(٢) .

السابع : إن عمدة ما يُطعن به ، الوقف على [الإمام](٣) الكاظمعليه‌السلام ، ولكن من المحقِّق أنه رجع عن ذلك الاعتقاد في جملة من رجع ، وكانت عثرته في أول شبابه ، كما هو مذكور في غيبة الطوسي(٤) .(٥)

[ترجمة أحمد بن عائذ]

وأمّا أحمد فهو : ابن عائذ بن حبيب ـ وما في (الخلاصة) : أبو حبيب ، اشتباه(٦) ـ الأحمسي البجلي.

قال النجاشي : (هو مولی ، ثقة ، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرَّم ، وأخذ عنه وعُرف به ، وكان خلّالاً (٧) )(٨) .

وقال في (المشتركات) : (ابن عائذ الثقة ، روى عنه علي بن الحسين بن عمر الخزّاز ، وهو عن أبي خديجة سالم بن مُكَرَّم )(٩) .

__________________

(١) مسالك الأفهام ٢ : ١١١.

(٢) شرح اللمعة ٥ : ٣٤٤.

(٣) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنی.

(٤) الغيبة للطوسي : ٧٢ ح ٧٧.

(٥) قَدْ تعرض لسرد هذه الأقوال العلّامة الشيخ النوري قدس سره في خاتمة المستدرك ٤ : ٤٦ ـ ٥١ رقم ١٧ ، فلاحظ.

(٦) خلاصة الأقوال : ٦٨ رقم ٢٨.

(٧) في الأصل : (حلالاً) وما أثبتناه من المصدر ومعناه يبيع الخل ، والحلال هو الَّذي يبيع الحلّ ، والحلّ هو دهن السمسم.

(٨) رجال النجاشي : ٩٨ رقم ٢٤٦.

(٩) هداية المحدثین : ١٤.

٢٤٣

[ترجمة سالم بن مكرم]

وأمّا أبو خديجة : فاسمه سالم بن مکرم الجمَّال.

قال الشيخ : (هو ضعيف )(١) .

وقال في موضع آخر : (هو ثقة ) ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : (والوجه عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لتعارض الأقوال فيه )(٢) .

وكذلك توقَّف فيه ابن طاووس(٣) ، ولكنَّ الأقوى عندي كونه من الثقات ؛ القول النجاشي فيه : (إنّه ثقة ، ثقة )(٤) .

وذكره صاحب (الحاوي) في قسم الثقات ، وقال : (الأرجح عدالته ؛ لتساقط قولي الشيخ وتكافئهما )(٥) .

فیبقی توثيق النجاشي ، وشهادة علي بن فضَّال له بالصلاح.

وفي (المشتركات) : (أبو خديجة بن مكرم الثقة ، روى عنه الحسن بن علي بن الوشا ، وأحمد بن عائذ ) ، انتهى(٦) .

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٤١ رقم ٣٣٧ / ٢ ، وقال الشيخ جواد القيومي في هامش ص ٣٥٥ من خلاصة الأقوال المطبوع بتحقيقه ما نصّه : (ضعّفه الشيخ في فهرسه : ٧٩ ، الرقم : ٣٢٧ ، ولم نجد توثيقه في موضع ، عنونه الكَشِّي في رجاله : ٣٥٢ ، الرقم : ٦٦١ ، والنجاشي في رجاله : ١٨٨ ، الرقم : ٥٠١. والظاهر أن سالم بن مكرم موثق ، وتوثيق النجاشي ومدح ابن فضال إياه بلا معارض ، وتضعيف الشيخ ؛ لتوهمه أن سالم بن مكرم متّحد مع سالم بن أبي سلمة ، والتضعيف في الحقيقة راجع إلى سالم بن أبي سلمة) ، راجع معجم الرجال ٨ : ٢٥.

(٢) خلاصة الأقوال : ٣٥٤ رقم ٢.

(٣) التحرير الطاروسي : ٢٧٣ رقم ٩٠.

(٤) رجال النجاشي : ١٨٨ رقم ٥٠١.

(٥) حاوي الأقوال ١ : ٢٣ ، رقم ٣١٥.

(٦) هداية المحدثین : ٦٩.

٢٤٤

ولعلَّه من أجل ذلك كلّه حكم العلّامة في (المختلف) بصحَّة روايته في كتاب الخمس(١) .

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] ـ «لم يكن له في الآخرة من نصيب » : هذا الفصل بيِّنٌ في نفسه لا يحتاج إلى شرح ؛ لأن من بدل بسوء اختياره النعيم الباقي بالنعيم الفاني الزائل ، فلا جرم إن صار بتلك المعاملة محجوباً عن مشاهدة الأنوار ، محروماً من الفوز بما فاز فيه الأحرار الأخيار.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٣ : ٣٤١.

٢٤٥

الحديث الثاني عشر

العالم المحب للدنيا

[ ٧٨] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم ، فإن كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوحى الله تعالى إلى داودعليه‌السلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبَّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنَّ أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة القاسم بن محمّد الأصبهاني]

فالقاسم ، هو : ابن محمّد الأصبهاني القمِّي ، المعروف بكاسولا.

قال النجاشي : (لم يكن بالمرضي)(٢) ، ومثله في (الخلاصة)(٣) ، وقال الغضائري : (إنه يُكنى أبا محمّد ، حديثه يعرف تارة وينكر اُخرى ، ويجوز أن يخرج شاهداً)(٤) .

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ضعيف)(٥) .

__________________

(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٦ ح ٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣١٥ رقم ٨٦٣.

(٣) خلاصة الأقوال : ٣٨٩ رقم ٥.

(٤) رجال ابن الغضائري : ٨٦ رقم ١١٣ / ٢.

(٥) الوجيزة في الرجال : ١٤١ رقم ١٤٦٠.

٢٤٦

وأسقطه في (البلغة) بناءً على ما التزم فيها من حذف الضعفاء ، والعجب من العلّامة في (الخلاصة) ؛ إذ حكم بصحَّة طريق الصدوق إلى سليمان المنقري(١) ، وهو فيه مع ما عرفت من أنه ليس بالمرضيّ عنده.

وكيف كان فالحديث ضعيف ، كما جزم به المجلسي في (مرآة العقول)(٢) ، نعم ، يحتمل أن يكون القاسم الواقع في السند هو : ابن محمّد الخلقاني الكوفي ، وهو من الممدوحين كما صرّح به في (الوجيزة)(٣) .

[ترجمة سليمان بن داود المنقري]

وأمّا المنقري ، فهو : سليمان بن داود المنقري ، أبو أيوب الشاذكوني ، بصري.

قال النجاشي : (ليس بالمتحقّق بنا(٤) ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، وكان ثقة ، له کتاب) ، انتهى(٥) .

وقال العلّامة في كتاب (إيضاح الاشتباه) : (سليمان ـ بالياء بعد اللام ـ بن داود المِنْقَريّ : بكسر الميم ، وإسكان النون ، وفتح القاف والراء ، أبو أيوب الشاذکوني : الشين المعجمة ، والذال المعجمة ، والكاف ، والنون بعد الواو ، بصري : بالباء ، ليس

__________________

(١) خلاصة الأقوال :٤٣٥ ضمن الفائدة الثامنة.

(٢) لم أعثر على الحديث في مرآة العقول ، ولكن مؤلفهرحمه‌الله ضعّف حديثاً ورد فيه الأصبهاني ، فلاحظ : (مرآة العقول ٢٤ : ٣٤٥).

(٣) الوجيزة في الرجال : ١٤١ رقم ١٤٦٥.

(٤) في الأصل : (منا) وما أثبتناه من المصدر ، والظاهر أنها تصحيف : (لنا) ، فلاحظ.

(٥) رجال النجاشي : ١٨٤ رقم ٤٨٨.

٢٤٧

بالمتحقّق لنا ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وكان ثقة )(١) .

فما في (الخلاصة) من أنه من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام ، فالظاهر أن كلمة (أبي) زائدة ؛ لما عرفت من عبارة النجاشي والتوضيح(٢) .

وذكره في (الحاوي) مع ما هو المعروف من طريقته في الموثَّقين(٣) ، وبالجملة فتضعيف الغضائري(٤) ضعيف لو انفرد ، فكيف إذا عارضه توثيق النجاشي.

[ترجمة حفص بن غياث القاضي]

وأمّا حفص ، فهو : ابن غياث القاضي.

ذكر الشيخ في (الفهرست) : (أنه عامِّي المذهب ، له کتاب معتمد)(٥) . ومثله في (الخلاصة)(٦) .

وقال الميرزا محمّد في (رجاله الكبير) : (وربّما جعل ذلك مقام التوثيق من أصحابنا)(٧) .

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ١٩٥ رقم ٣١٢.

(٢) خلاصة الأقرال : ٣٥٢ رقم ٣.

(٣) حاوي الأقوال ٣ : ٢٠٤ رقم ١١٥٦.

(٤) رجال ابن الغضائري : ٦٥ رقم ٥٨ / ٤.

(٥) الفهرست للطوسي : ١١٦ رقم ٢٤٢ / ١.

(٦) خلاصة الأقوال : ٣٤٠ رقم ١.

(٧) منهج المقال : ١٢٠.

٢٤٨

وقال الشيخ في (عدّته الأُصولية) : (عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث ابن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسكوني ، وغيرهم من العامة عن أئمتناعليهم‌السلام فيما لم ينكروه ، ولم يكن عندهم خلافُه)(١) .

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] ـ «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه » : بسبب ميله إليها ، ووثوقه بها ، والاهتمام بشأنها بحيث يجزع من فوتها منه ، ويبتش مع إقبالها عليه.

[ب] ـ «فاتَّهِموه على دينكم » : أي اجعلوه متَّهَماً على الدين الَّذي أنتم عليه ، وبعيداً عن اليقين ، فإنَّ من كان ناظراً إلى الدنيا وزخارفها ، مائلاً عن الآخرة وذخائرها ، لا يكون على وثوق من أمر الآخرة ، فإنَّ الدنيا والآخرة ككفَّتي الميزان ، متی رجح أحدهما نقص الآخر ، ولا يمكن الجمع بينهما.

[ج] ـ «فإنَّ كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ » : أي يكلأ ويرعى ما أحبّ ويعرض عما سواه ، كما قال أمير المؤمنين :عليه‌السلام : «فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها »(٢) .

فهذا العالم أيضاً متّهم في الدين ؛ إذ لا يجتمع الحُبّان : حبُّ الدّنيا والدّین في جوف واحد ، فمن كان محبّاً للدنيا لا محالة يكون كارهاً للدين ؛ فلذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة »(٣) .

__________________

(١) عدة الأُصول ١ : ١٤٩.

(٢) نهج البلاغة ٤ : ٢٣.

(٣) التحصين لابن فهد الحلي : ٢٧ ح ٤٣.

٢٤٩

وبالجملة فمثل هذا العالم خارج عن زمرة العلماء الَّذين قال الله تعالى فيهم : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(١) ولا يليق بالاحترام ، ولا بجلوسه مجلس النيابة ، بل ولا يجوز مجالسته ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قالت الحواريون لعيسى : يا روح الله ، مَنْ نُجالس قال : مَنْ يذكركم اللهَ رؤيتُه ، ويزيد في علمِكُم منطقُه ، ويرغّبُكُم في الآخرة علمه»(٢) . فمن كان منهم محبّاً لدنياه لا ينبغي ملازمته ؛ لأنه يزيّن زينة الدنيا لجلسائه قولاً وفعلاً ، ويتصرف في صدورهم تصرفاً تامّاً ، ويقربه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «لا ترفعوا من رفعته الدنيا»(٣) وذلك لأنَّ من رفعته الدنيا وأهلها لمّا كان عادلاً عن التقوى ، كان الميل إليه واحترامه ومحبَّته ومجالسته يستلزم المحبَّة للدنيا والميل إليها ، فكان منهياً عنه ، وعدم توقيره ومجالسته زهداً في الدنيا وفي أهلها ، وهو من التقوى ، فكان مأموراً به.

ويؤيده أيضاً قولهعليه‌السلام في خطبة نهج البلاغة : «لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتَّبع المطامع »(٤) .

والمُصانع من يستعمل الرشوة ، والمضارع من يتضرَّع ـ أي : يطلب الحاجة ـ ، ومن كان محباً للدنيا لا بد وأن يكون المعروف عنده ما عرفه ، لا ما دلّ الدليل على كونه معروفاً وحقّاً ، وكذلك المنكر عنده ما أنكره ، بل ليس عنده أنكر من المعروف ؛ وذلك أنه لمّا خالف غرضه ومقصده طرحه حَتَّى صار عنده منكراً يُستقبح فعله ، ولا أعرف من المنكر لموافقته لغرضه ومحبَّته له ، ولذلك لا يستشير

__________________

(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.

(٢) الكافي ١ : ٣٩ ح ٣.

(٣) نهج البلاغة ٢ : ١٣٥.

(٤) نهج البلاغة ٤ : ٢٦ ح ١١٠.

٢٥٠

من عالم أعلم منه ، ولا يستغني فقيهاً أفقه منه ، فتصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعجّ منه المواريث مع أنه ممَّا خاطب الله به عيسیعليه‌السلام أن قال له : «يا عيسی ، أطب الكلام ـ أي تكلَّم بما ينفع ولا يضر ـ وكن حيث ما كنت عالماً متعلّماً»(١) .

ودلّ على ذلك قوله تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ(٢) ، ودلّ عليه حكاية موسیعليه‌السلام مع الخضرعليه‌السلام (٣) ، بل أمر اللهُ بذلك سيِّدَ المُرسلين بقوله : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا(٤) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل »(٥) .

وما أحسن قول بعض الأعراب لولده : (كن مستمعاً جالساً ، أو ذئباً خالساً ، أو كلباً حارساً ، وإيَّاك أن تكون إنساناً ناقصاً )(٦) .

وقيل لابن مسعود : (بمَ وجدت هذا العلم؟ قال : بلسان سَؤول ، وقلب عَقول )(٧) .

وقال بعضهم : (سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس )(٨) .

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٣٧.

(٢) سورة يوسف : من آية ٧٦.

(٣) تعرض القرآن الكريم لحكايتهما في سورة الكهف.

(٤) سورة طه : ١١٤.

(٥) تفسير الرازي ٢ : ١٨١.

(٦) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

(٧) تفسير الرازي ٢ : ١٨٠.

(٨) تفسير الرازي ٢ : ١٨١.

٢٥١

وبالجملة فربّما يكون قصور العلم من التصدي للرئاسة قبل أوانها ، والتصدر للإمامة قبل زمانها ، فهو يستنكف أن يسأل ، وأن يتعلَّم ما لم يعلم ، وإذا استفاد يرى أنه أفاد ، وإذا تعلَّم يظهر أنه يعلم ، فذلك الَّذي لا يزال هو في نقصان وخسران.

قال أبو حاتم : (فاتني نصفُ العلم! قيل : وكيف ذاك؟ قال : تصدرت ولم أكن للتصدُّر أهلاً ، واستحييت أن أسأل مَن دوني ، واختلف إليّ مَن فوقي ، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي )(١) .

وما أحسن ما قيل : (آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة العلماء حبُّ الرئاسة )(٢) .

[د] ـ «ولا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبَّتي » : وذلك لأنَّ المفتون بشيء يزيّن ذلك الشيء إلى الناس ، ويرغبهم إليه قولاً وفعلاً ، ويمنعهم من الرجوع إلى غيره ، نعوذ بالله من حبّ الدنيا وتسويل الشيطان ووساوسه ، فربّما ينجرُّ إلى أقصى مراتب الكفر والجحود بحيث لا تنفعه التوبة والندم.

فقد روى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في كتابه ، عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : «كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، فطلبها حراماً فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال : يا هذا قَدْ طلبت الدنيا من حلال

__________________

(١) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

(٢) عيون الحكم والمواعظ : ١٨١.

٢٥٢

فلم تقدر عليها ، وطلبتها من الحرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء يكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟

قال : نعم ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ، ففعل ، فاستجاب له الناس ، فأطاعوه وأصاب من الدنيا ، ثُمَّ إنه فكر وقال : ما صنعتُ شيئاً ، ابتدعت ديناً ودعوت الناس إليه ، ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردَّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الَّذين أجابوه فيقول : إنَّ الَّذي دعوتكم إليه باطل وإنَّما ابتدعته كذباً ، فجعلوا يقولون له : كذبت ، هو الحق ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه ، فلمَّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة ، فأوتد لها وتداً ثُمَّ جعلها في عنقه فقال : لا أحلّها حَتَّى يتوب الله عليّ ، فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان بن فلان : وعزتي وجلالي لو دعوتني حَتَّى تنقطع أوصالُك ما استجبتُ لك ، حَتَّى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه»(١) .

ورواه الصدوقرحمه‌الله في (من لا يحضره الفقيه) أيضاً(٢) .

وبالجملة : إنَّ الرئاسة حق العالم الرّباني الخالص عن المفاسد النفسانية ؛ لأن التصرُّف والتدبير في أمور الخلق ، وإجراء الأحكام عليهم ، وإقامة العدل بينهم موقوف على العلم بالقوانين الشرعية كلّها ، ومعرفة أحوال الناس ، وطهارة النفس واتّصافها بجميع الكمالات ، وتنزُّهها عن جميع المهلكات ، فمن ملك الرئاسة وهو فاقد لما ذكرنا ، فقد أفسد الشرع ونظام الخلق في أول وهلة.

__________________

(١) المحاسن ١ : ٢٠٧ ح ٧٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧٢ رقم ٤٩٥٨.

٢٥٣

ويعجبني أن أختمَ المقام بذکر کلام جدّي بحر العلوم قدس سره في ضمن ذكره أصناف العلماء ، حيث قال : (ورابع قَدْ غرته الدنيا واستهوته (واستهواه ـ ظ) ملاذُّها ، ونعيمها وزبرجها ، حَتَّى غلب عليه حبّ الجاه ، والاعتبار ، والرئاسة الباطلة المفضية إلى الهلاك والبوار ، فَهِمَّةُ هذا وأشباهه في تحصيل العلم وتشهير الاسم ، وغرضهم الأصلي ليس إلا الجدال والمراء ، والاستطالة على أشباههم من أشباه العلماء ، أو التوصُّل إلى حطام الدنيا بالخِبِّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وحسب هؤلاء القوم من تحصيلهم هذا دعاء أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام بإعماء الخبر ، وقطع الأثر ، أو بدقِّ الخيشوم ، وحزّ الحيزوم ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوّأ مقعده من النار »(١) ، وكفاهم خزياً وذلاً تشبيهُهُم في كلام الملك الجبَّار تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك الخزي الشنيع والذلُّ الفظيع ، أعاذنا الله وجميع الطالبين منّي من موجبات الآثام ، ومن أخلاق هؤلاء القوم اللّئام) ، انتهى ما أردنا نقله من كلامه طاب ثراه(٢) .

__________________

(١) ورد معناه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب العامَّة ، وأمّا بهذا النص فقد ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام في الكافي ١ : ٤٦ ح ٦ وسيأتي لاحقاً.

(٢) قاله قدس سره في إجازته للسيد عبد الكريم بن محمّد بن جواد بن عبد الله سبط المحدث الجزائريرحمه‌الله التي أوردها العلّامة النوريرحمه‌الله في خاتمة المستدرك ٢ : ٦١.

٢٥٤

الحديث الثالث العاشر

طلب العلم للمباهاة

[ ٧٩] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السُّفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فليتبوَّأ مقعده من النار ، إنَّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة محمّد بن إسماعيل]

ومحمّد بن إسماعيل هذا : هو الَّذي يروي عنه أبو عمرو الكَشِّي أيضاً ، عن الفضل بن شاذان ، ويصدّر به السند حيث يقول (قال ـ ظ) مثلاً في كتابه في معرفة الرجال : محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبی عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، قال : «قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.

قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان ، وأبو عمرة الأنصاري »(٢) .

ويكنَّى بأبي الحسين ، ويقال : أبو الحسن النيسابوري ، المتكلّم الفاضل المتقدّم البارع المحدِّث ، تلميذ الفضل بن شاذان الخصیص به ، كان يقال له :

__________________

(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٧ ح ٦.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١ : ٣٨ ح ١٧.

٢٥٥

(بندفر) البَنْد ـ بفتح الباء الموحِّدة ، وتسكين النون ، والدال المهملة أخيراً ـ : العلم الكبير ، جمعه بنود.

وهو فَرّ القوم ـ بفتح الفاء وتشديد الراء ـ وفُرّتهم ـ بضم الفاء ـ وعلى قول صاحب القاموس کلاهما بالضم ، والحق الأول أي : من خيارهم ، ووجههم الَّذي يفترُّون عنه(١) . أي : يتحادثون ويتشافهون ويستكثرون من کشف أسنانهم بالحديث عنه والبحث عن اُموره.

وقد يقال له : (بندويه) كما في القاموس : (محمّد بن بندويه : من المحدِّثين)(٢) .(٣)

وقد يقال له : (البندقي) وهو خطأ ، فإن بُنْدُقَة ـ بالنون الساكنة بين الباء الموحدة ، والدال المهملة المضمومتين قبل القاف ـ أبو قبيلة من اليمن ، ولم يقع إلينا في كلام أحد من السالفين أن محمّد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة ، وما وقع في بعض النسخ من التعبير بالبندقي تصحيف وتحریف من قلم الناسخ کما صرح به في الرواشح(٤) .

وكيف كان فطريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري هذا ، صحيحٌ لا حَسَنٌ كما وقع في بعض الظنون.

ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحَّة.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٠٩.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٧٩.

(٣) الرواشح السماوية : ١١٩ ، الراشحة ١٩.

(٤) الرواشح السماوية : ١٢٢ الراشحة ١٩.

٢٥٦

وهو غير محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة ، وغير محمّد بن إسماعيل بن بزيع(١) .

[ترجمة الفضل بن شاذان]

وأمّا الفضل : فهو ابن شاذان بن الخليل ، أبو محمّد الأزدي النيشابوري ، كان أبوه من أصحاب يونس ، وروي عن أبي جعفر الثاني ، [وقيل عن الرضاعليه‌السلام ](٢) أيضاً ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين. وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وذكر الكنجي : أنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً ، هذا كلام النجاشي(٣) .

وفي (الخلاصة) زيادة على ذلك : (أنه كان ثقة ، جليلاً فقيهاً متكلّماً ، له عظم الشأن في هذه الطائفة ، قيل : إنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً وترحّم عليه أبو محمّدعليه‌السلام مرّتين ، ورُوي ثلاثاً ولاءً.

ونقل الكَشِّي عن الأئمّةعليهم‌السلام مدحه ، ثُمَّ ذكر ما ينافيه(٤) ، وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير.

وهذا الشيخ أجل من أن يُغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا) ، انتهى(٥) .

وتوفّيرحمه‌الله : سنة ( ٢٠ ٦ هـ).

__________________

(١) الرواشح السماوية : ١٢٣ الراشحة ١٩.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٦ رقم ٨٤٠.

(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨١٧.

(٥) خلاصة الأقوال : ٢٢٩ رقم ٢.

٢٥٧

[ترجمة ربعي بن عبد الله الهُذلي]

وأمّا ربعي ، فهو : ابن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهُذلي ، أبو نعيم ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وعن أبي الحسنعليه‌السلام (١) ، وصرّح بتوثيقه النجاشي والعلّامة وصاحب المشتركات(٢) .

قال صاحب (الوافي) : (وفي بعض النسخ (حریز) بدل (ربعي) وكأنّه الأصح ، وكلاهما ثقة) ، انتهى(٣) .

والحديث مرسل في الاصطلاح.

الموضع الثاني

فيما يتعلق في شرح المتن :

[أ] ـ «المباهاة » : المفاخرة.

[ب] ـ «والمماراة » : المجادلة.

[ج] ـ «ويتبوّأ » : من كذا ، أي : يتَّخذه منزلاً(٤) ، والأمر للتهكُّم.

والمعنى : أن من طلب العلم لأحدٍ من هذين الغرضين الفاسدين فهو من أهل النار ، وإنَّما عبّرعليه‌السلام بمفاخرة العلماء ومماراة السفهاء ؛ لأن العلماء العالمين بعلمهم لا ينازعون الجهّال ، بل يسكتون إذا بلغت المباحثة إلى حد الجدال ؛ لقبح الجدال ، فيحصل للجاهل المفاخرة عليهم بالغلبة والإسكات ، بخلاف السفهاء فإنَّهم لا يبالون بالمجادلة ، بل هي جلّ غرضهم من ذلك ، كما هو المشاهد من

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٦٧ رقم ٤٤١.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٧ رقم ٤٤١ ، خلاصة الأقوال : ١٤٦ رقم ٣ ، هداية المحدثین : ٦٠.

(٣) الوافي ١ : ٢١٤ ح ١٤٩ / ٦ باب المستأكل بعلمه.

(٤) الكشّاف عن حقائق التنزیل ٢ : ٣٢٩ ، وينظر : الصحاح ١ : ٣٧ ، لسان العرب ١ : ٣٦.

٢٥٨

حال أغلب حَمَلة العلم من أبناء زماننا ، فإنَّ كثيراً منهم لا يقصد من المذاكرة العلمية إلا الغلبة والاشتهار ، وتحصيل التفوُّق والاعتبار.

روى الصدوقرحمه‌الله في (معاني الأخبار) بإسناده عن الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا ». فقلت : وكيف يُحيي أمركم؟

قال : «يتعلَّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنَّ الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتَّبعونا » ، قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فقد رُوي لنا عن أبي عبد الله أنه قال : «من تعلَّم علماً ليماري به السُّفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه ، فهو في النار ».

فقالعليه‌السلام : «صدق جدّي ، أفتدري من السُّفهاء؟» ، فقلت : لا يا بن رسول الله. فقال : «هم قُصَّاص من مخالفينا ، وتدري من العلماء ؟» ، فقلت : لا ، يا بن رسول الله. فقال : «هم علماء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الَّذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودَّتهم » ، ثُمَّ قال : «أتدري ما معنى قوله : «أو ليقبل بوجوه الناس إليه ؟»» ، قلت : لا ، قال : «يعني بذلك والله ادِّعاء الإمامة بغير حقّها ، ومن فعل ذلك فهو في النار »(١) .

وبإسناده عن حمزة بن حمران ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «من استأكل بعلمه افتقر ».

فقلت له : جُعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوماً يتحملون علومكم ، ويبثونها في شيعتكم ، فلا يعدمون على ذلك منهم البرّ والصلة والإكرام.

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٨٠ ح ١.

٢٥٩

فقالعليه‌السلام : «ليس اُولئك بمستأكلين ، إنَّما المستأكل بعلمه الَّذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزَّ وجلَّ ، ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا »(١) .

قال المجلسي في (مرآة العقول) : (ويمكن حمل الخبر على بيان الفرد الكامل منها ، لكن لا ضرورة تدعو إليه )(٢) .

[د] ـ ثُمَّ أشارعليه‌السلام إلى عظم خطر الرئاسة وعظم آفتها ، وأنها لا تصلح إلّا لأهلها ، أعني الكاملين في مرتبتي العلم والعمل ، وهم : الأنبياء ، ثُمَّ الأوصياء ، ثُمَّ المتَّبعون لآثارهم من العلماء الفائزين بالنفوس القدسية.

(وما أحسن) من قول جدّي الفاضل الصالحرحمه‌الله في هذا المقام ، حيث قال : (وبالجملة : إنَّما تصلح الرئاسة لمن يكون : حكيماً عليماً ، شجاعاً عفيفاً ، سخيّاً عادلاً ، فهيماً ذكياً ، متواضعاً رقيقاً ، رفيعاً حيّياً ، سليماً صبوراً ، شكوراً قنوعاً ، ورعاً وقوراً ، حرّاً عفوّاً ، مُؤثراً مسامحاً ، صدّيقاً وفياً ، شفيقاً مكافئاً ، متودّداً متوكّلاً ، عابداً زاهداً ، موفياً محسناً ، بارّاً فائزاً بجميع أسباب الاتصال بالحق ، متجنّباً عن جميع أسباب الانقطاع عنه) ، انتهى(٣) .

وفي بعض الأخبار : «هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه » ، وفي بعضها : «يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء ».

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٨١ ح ١.

(٢) مرآة العقول ١ : ١٥١.

(٣) شرح اُصول الكافي ٢ : ١٦٤.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513