تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم7%

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم مؤلف:
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
تصنيف: متون حديثية
الصفحات: 513

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 513 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 12127 / تحميل: 1519
الحجم الحجم الحجم
تحفة العالم في شرح خطبة المعالم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم الجزء ٢

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قال المعاصر المجلسي في وجيزته ، بعد تضعیفه : ولعلَّه لا يضرّ في السند ؛ لكونه من مشايخ الإجازة ، انتهى.

وفيه نظر ؛ إذ الظاهر عدم انتظام هذا في هذا السلك كما بيَّناه في المعراج وغيره) ، انتهى(١) .

فالأقوى: كونه ضعيفا.

[ترجمة الحسن بن علي الوشّا]

وأمّا الحسن بن علي الوشّا : هو ابن زياد الحسن بن علي الهمداني ، أبو محمّد.

قال الشيخرحمه‌الله في (التهذيب) في باب (الوصية لأهل الضلال) : (إنّه مطعون)(٢) .

وفي (الوجيزة) : (إنه ضعيف)(٣) .

قلت : والأقوى عندي توثيقه لأُمور :

الأول : رواية ابن أبي عمير عنه ، كما صرّح به في (التعليقة)(٤) .

الثاني : رواية الأجلاء عنه مثل : يعقوب بن زيد(٥) ، وأحمد بن محمّد بن عيسی(٦) ، والحسين بن سعيد(٧) ، وإبراهيم بن هاشم القمِّي(٨) ، واحتياط القمِّيين في هذا الباب معروف.

__________________

(١) لم أعثر عليه في بلغة المحدثين ، الوجيزة في الرجال : ١٨١ رقم ١٩٢٣.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ : ٢٠٤ ح ٨١٢ / ٩.

(٣) الوجيزة في الرجال : ٥٨ رقم ٥١٨.

(٤) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٠٤.

(٥) رجال النجاشي : ٤٠ رقم ٨٠.

(٦) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠ ، والفهرست للطوسي : ٥٤ رقم ١٩٢.

(٧) تهذيب الأحكام ٨ : ٢٩٢ ح ١٠٨٠.

(٨) من لا یحضره الفقيه ٤ : ٨٣ من المشيخة.

٢٤١

الثالث : ما قاله النجاشي في حقّه ، من أنه كان من وجوه هذه الطائفة(١) ، وربّما يُفهم من هذه العبارة فوق الوثاقة.

قال المحقِّق السيِّد الكاظميرحمه‌الله في عدّته ، في ذكر جملة ما يُفهم منه التوثيق : (وكذا قولهم عين من عيون هذه الطائفة ، ووجه من وجوهها ) ، انتهى(٢) .

وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في رسالة (وصول الأخيار) : (وأمّا نحو شيخ الطائفة ، وعمدتها ، ووجهها ، ورئيسها ، ونحو ذلك ، فقد استعمله أصحابنا فيمن يستغني عن التوثيق لشهرته ، إيماءً إلى أنَّ التوثيق دون مرتبته )(٣) .

وهو صريح منه في كونه من ألفاظ التوثيق وأنه أمر مسلّم.

الرابع : قول النجاشي فيه أيضاً : (وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة )(٤) ، ووجه الدلالة كسابقه.

الخامس : كونه من مشايخ الإجازة كما صرّح به الأُستاذ الأكبر(٥) ، وتلميذه جدّي العلّامة في (التعليقة) وفي (شرح الوافية)(٦) .

السادس : حكم جماعة من الفقهاء بصحَّة طرق هو فيها ، منهم العلّامة(٧) ،

وفي كتاب التدبير من (المسالك) عند ذكر رواية عنه :

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠.

(٢) عدة الرجال ١ : ١٩.

(٣) وصول الأخيار ١٩٢.

(٤) رجال النجاشي : ٣٩ رقم ٨٠.

(٥) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : ١٠٤.

(٦) شرح الوافية للعلامة السيِّد محمّد مهمدي بحر العلوم قدس سره ، مخلوط في مكتبة السيِّد محمّد صادق بحر العلومرحمه‌الله ونسخته تقع رقم ٤٣.

(٧) خلاصة الأقوال : ٤٤١ من الفائدة الثامنة.

٢٤٢

(أنَّ الأصحاب ذكروها في الصّحاح )(١) .

وفي (شرح اللمعة) وصف حديثه بالصحَّة(٢) .

السابع : إن عمدة ما يُطعن به ، الوقف على [الإمام](٣) الكاظمعليه‌السلام ، ولكن من المحقِّق أنه رجع عن ذلك الاعتقاد في جملة من رجع ، وكانت عثرته في أول شبابه ، كما هو مذكور في غيبة الطوسي(٤) .(٥)

[ترجمة أحمد بن عائذ]

وأمّا أحمد فهو : ابن عائذ بن حبيب ـ وما في (الخلاصة) : أبو حبيب ، اشتباه(٦) ـ الأحمسي البجلي.

قال النجاشي : (هو مولی ، ثقة ، كان صحب أبا خديجة سالم بن مكرَّم ، وأخذ عنه وعُرف به ، وكان خلّالاً (٧) )(٨) .

وقال في (المشتركات) : (ابن عائذ الثقة ، روى عنه علي بن الحسين بن عمر الخزّاز ، وهو عن أبي خديجة سالم بن مُكَرَّم )(٩) .

__________________

(١) مسالك الأفهام ٢ : ١١١.

(٢) شرح اللمعة ٥ : ٣٤٤.

(٣) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنی.

(٤) الغيبة للطوسي : ٧٢ ح ٧٧.

(٥) قَدْ تعرض لسرد هذه الأقوال العلّامة الشيخ النوري قدس سره في خاتمة المستدرك ٤ : ٤٦ ـ ٥١ رقم ١٧ ، فلاحظ.

(٦) خلاصة الأقوال : ٦٨ رقم ٢٨.

(٧) في الأصل : (حلالاً) وما أثبتناه من المصدر ومعناه يبيع الخل ، والحلال هو الَّذي يبيع الحلّ ، والحلّ هو دهن السمسم.

(٨) رجال النجاشي : ٩٨ رقم ٢٤٦.

(٩) هداية المحدثین : ١٤.

٢٤٣

[ترجمة سالم بن مكرم]

وأمّا أبو خديجة : فاسمه سالم بن مکرم الجمَّال.

قال الشيخ : (هو ضعيف )(١) .

وقال في موضع آخر : (هو ثقة ) ؛ ولذا قال العلّامة في (الخلاصة) : (والوجه عندي التوقُّف فيما يرويه ؛ لتعارض الأقوال فيه )(٢) .

وكذلك توقَّف فيه ابن طاووس(٣) ، ولكنَّ الأقوى عندي كونه من الثقات ؛ القول النجاشي فيه : (إنّه ثقة ، ثقة )(٤) .

وذكره صاحب (الحاوي) في قسم الثقات ، وقال : (الأرجح عدالته ؛ لتساقط قولي الشيخ وتكافئهما )(٥) .

فیبقی توثيق النجاشي ، وشهادة علي بن فضَّال له بالصلاح.

وفي (المشتركات) : (أبو خديجة بن مكرم الثقة ، روى عنه الحسن بن علي بن الوشا ، وأحمد بن عائذ ) ، انتهى(٦) .

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٤١ رقم ٣٣٧ / ٢ ، وقال الشيخ جواد القيومي في هامش ص ٣٥٥ من خلاصة الأقوال المطبوع بتحقيقه ما نصّه : (ضعّفه الشيخ في فهرسه : ٧٩ ، الرقم : ٣٢٧ ، ولم نجد توثيقه في موضع ، عنونه الكَشِّي في رجاله : ٣٥٢ ، الرقم : ٦٦١ ، والنجاشي في رجاله : ١٨٨ ، الرقم : ٥٠١. والظاهر أن سالم بن مكرم موثق ، وتوثيق النجاشي ومدح ابن فضال إياه بلا معارض ، وتضعيف الشيخ ؛ لتوهمه أن سالم بن مكرم متّحد مع سالم بن أبي سلمة ، والتضعيف في الحقيقة راجع إلى سالم بن أبي سلمة) ، راجع معجم الرجال ٨ : ٢٥.

(٢) خلاصة الأقوال : ٣٥٤ رقم ٢.

(٣) التحرير الطاروسي : ٢٧٣ رقم ٩٠.

(٤) رجال النجاشي : ١٨٨ رقم ٥٠١.

(٥) حاوي الأقوال ١ : ٢٣ ، رقم ٣١٥.

(٦) هداية المحدثین : ٦٩.

٢٤٤

ولعلَّه من أجل ذلك كلّه حكم العلّامة في (المختلف) بصحَّة روايته في كتاب الخمس(١) .

الموضع الثاني

في شرح المتن :

[أ] ـ «لم يكن له في الآخرة من نصيب » : هذا الفصل بيِّنٌ في نفسه لا يحتاج إلى شرح ؛ لأن من بدل بسوء اختياره النعيم الباقي بالنعيم الفاني الزائل ، فلا جرم إن صار بتلك المعاملة محجوباً عن مشاهدة الأنوار ، محروماً من الفوز بما فاز فيه الأحرار الأخيار.

__________________

(١) مختلف الشيعة ٣ : ٣٤١.

٢٤٥

الحديث الثاني عشر

العالم المحب للدنيا

[ ٧٨] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن القاسم بن محمّد الأصبهاني ، عن المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال : «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه ؛ فاتَّهموه على دينكم ، فإن كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوحى الله تعالى إلى داودعليه‌السلام : لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا ، فيصدّك عن طريق محبَّتي ، فإنّ اُولئك قطّاع طريق عبادي المريدين ، إنَّ أدني ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلوبهم»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة القاسم بن محمّد الأصبهاني]

فالقاسم ، هو : ابن محمّد الأصبهاني القمِّي ، المعروف بكاسولا.

قال النجاشي : (لم يكن بالمرضي)(٢) ، ومثله في (الخلاصة)(٣) ، وقال الغضائري : (إنه يُكنى أبا محمّد ، حديثه يعرف تارة وينكر اُخرى ، ويجوز أن يخرج شاهداً)(٤) .

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (إنه ضعيف)(٥) .

__________________

(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٦ ح ٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣١٥ رقم ٨٦٣.

(٣) خلاصة الأقوال : ٣٨٩ رقم ٥.

(٤) رجال ابن الغضائري : ٨٦ رقم ١١٣ / ٢.

(٥) الوجيزة في الرجال : ١٤١ رقم ١٤٦٠.

٢٤٦

وأسقطه في (البلغة) بناءً على ما التزم فيها من حذف الضعفاء ، والعجب من العلّامة في (الخلاصة) ؛ إذ حكم بصحَّة طريق الصدوق إلى سليمان المنقري(١) ، وهو فيه مع ما عرفت من أنه ليس بالمرضيّ عنده.

وكيف كان فالحديث ضعيف ، كما جزم به المجلسي في (مرآة العقول)(٢) ، نعم ، يحتمل أن يكون القاسم الواقع في السند هو : ابن محمّد الخلقاني الكوفي ، وهو من الممدوحين كما صرّح به في (الوجيزة)(٣) .

[ترجمة سليمان بن داود المنقري]

وأمّا المنقري ، فهو : سليمان بن داود المنقري ، أبو أيوب الشاذكوني ، بصري.

قال النجاشي : (ليس بالمتحقّق بنا(٤) ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمّدعليه‌السلام ، وكان ثقة ، له کتاب) ، انتهى(٥) .

وقال العلّامة في كتاب (إيضاح الاشتباه) : (سليمان ـ بالياء بعد اللام ـ بن داود المِنْقَريّ : بكسر الميم ، وإسكان النون ، وفتح القاف والراء ، أبو أيوب الشاذکوني : الشين المعجمة ، والذال المعجمة ، والكاف ، والنون بعد الواو ، بصري : بالباء ، ليس

__________________

(١) خلاصة الأقوال :٤٣٥ ضمن الفائدة الثامنة.

(٢) لم أعثر على الحديث في مرآة العقول ، ولكن مؤلفهرحمه‌الله ضعّف حديثاً ورد فيه الأصبهاني ، فلاحظ : (مرآة العقول ٢٤ : ٣٤٥).

(٣) الوجيزة في الرجال : ١٤١ رقم ١٤٦٥.

(٤) في الأصل : (منا) وما أثبتناه من المصدر ، والظاهر أنها تصحيف : (لنا) ، فلاحظ.

(٥) رجال النجاشي : ١٨٤ رقم ٤٨٨.

٢٤٧

بالمتحقّق لنا ، غير أنه روي عن جماعة أصحابنا من أصحاب الصادق عليه‌السلام ، وكان ثقة )(١) .

فما في (الخلاصة) من أنه من أصحاب أبي جعفرعليه‌السلام ، فالظاهر أن كلمة (أبي) زائدة ؛ لما عرفت من عبارة النجاشي والتوضيح(٢) .

وذكره في (الحاوي) مع ما هو المعروف من طريقته في الموثَّقين(٣) ، وبالجملة فتضعيف الغضائري(٤) ضعيف لو انفرد ، فكيف إذا عارضه توثيق النجاشي.

[ترجمة حفص بن غياث القاضي]

وأمّا حفص ، فهو : ابن غياث القاضي.

ذكر الشيخ في (الفهرست) : (أنه عامِّي المذهب ، له کتاب معتمد)(٥) . ومثله في (الخلاصة)(٦) .

وقال الميرزا محمّد في (رجاله الكبير) : (وربّما جعل ذلك مقام التوثيق من أصحابنا)(٧) .

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ١٩٥ رقم ٣١٢.

(٢) خلاصة الأقرال : ٣٥٢ رقم ٣.

(٣) حاوي الأقوال ٣ : ٢٠٤ رقم ١١٥٦.

(٤) رجال ابن الغضائري : ٦٥ رقم ٥٨ / ٤.

(٥) الفهرست للطوسي : ١١٦ رقم ٢٤٢ / ١.

(٦) خلاصة الأقوال : ٣٤٠ رقم ١.

(٧) منهج المقال : ١٢٠.

٢٤٨

وقال الشيخ في (عدّته الأُصولية) : (عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث ، وغياث ابن كلوب ، ونوح بن دراج ، والسكوني ، وغيرهم من العامة عن أئمتناعليهم‌السلام فيما لم ينكروه ، ولم يكن عندهم خلافُه)(١) .

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] ـ «إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه » : بسبب ميله إليها ، ووثوقه بها ، والاهتمام بشأنها بحيث يجزع من فوتها منه ، ويبتش مع إقبالها عليه.

[ب] ـ «فاتَّهِموه على دينكم » : أي اجعلوه متَّهَماً على الدين الَّذي أنتم عليه ، وبعيداً عن اليقين ، فإنَّ من كان ناظراً إلى الدنيا وزخارفها ، مائلاً عن الآخرة وذخائرها ، لا يكون على وثوق من أمر الآخرة ، فإنَّ الدنيا والآخرة ككفَّتي الميزان ، متی رجح أحدهما نقص الآخر ، ولا يمكن الجمع بينهما.

[ج] ـ «فإنَّ كلّ محب لشيء يحوط ما أحبَّ » : أي يكلأ ويرعى ما أحبّ ويعرض عما سواه ، كما قال أمير المؤمنين :عليه‌السلام : «فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها »(٢) .

فهذا العالم أيضاً متّهم في الدين ؛ إذ لا يجتمع الحُبّان : حبُّ الدّنيا والدّین في جوف واحد ، فمن كان محبّاً للدنيا لا محالة يكون كارهاً للدين ؛ فلذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة »(٣) .

__________________

(١) عدة الأُصول ١ : ١٤٩.

(٢) نهج البلاغة ٤ : ٢٣.

(٣) التحصين لابن فهد الحلي : ٢٧ ح ٤٣.

٢٤٩

وبالجملة فمثل هذا العالم خارج عن زمرة العلماء الَّذين قال الله تعالى فيهم : ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(١) ولا يليق بالاحترام ، ولا بجلوسه مجلس النيابة ، بل ولا يجوز مجالسته ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «قالت الحواريون لعيسى : يا روح الله ، مَنْ نُجالس قال : مَنْ يذكركم اللهَ رؤيتُه ، ويزيد في علمِكُم منطقُه ، ويرغّبُكُم في الآخرة علمه»(٢) . فمن كان منهم محبّاً لدنياه لا ينبغي ملازمته ؛ لأنه يزيّن زينة الدنيا لجلسائه قولاً وفعلاً ، ويتصرف في صدورهم تصرفاً تامّاً ، ويقربه قول أمير المؤمنينعليه‌السلام : «لا ترفعوا من رفعته الدنيا»(٣) وذلك لأنَّ من رفعته الدنيا وأهلها لمّا كان عادلاً عن التقوى ، كان الميل إليه واحترامه ومحبَّته ومجالسته يستلزم المحبَّة للدنيا والميل إليها ، فكان منهياً عنه ، وعدم توقيره ومجالسته زهداً في الدنيا وفي أهلها ، وهو من التقوى ، فكان مأموراً به.

ويؤيده أيضاً قولهعليه‌السلام في خطبة نهج البلاغة : «لا يُقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتَّبع المطامع »(٤) .

والمُصانع من يستعمل الرشوة ، والمضارع من يتضرَّع ـ أي : يطلب الحاجة ـ ، ومن كان محباً للدنيا لا بد وأن يكون المعروف عنده ما عرفه ، لا ما دلّ الدليل على كونه معروفاً وحقّاً ، وكذلك المنكر عنده ما أنكره ، بل ليس عنده أنكر من المعروف ؛ وذلك أنه لمّا خالف غرضه ومقصده طرحه حَتَّى صار عنده منكراً يُستقبح فعله ، ولا أعرف من المنكر لموافقته لغرضه ومحبَّته له ، ولذلك لا يستشير

__________________

(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.

(٢) الكافي ١ : ٣٩ ح ٣.

(٣) نهج البلاغة ٢ : ١٣٥.

(٤) نهج البلاغة ٤ : ٢٦ ح ١١٠.

٢٥٠

من عالم أعلم منه ، ولا يستغني فقيهاً أفقه منه ، فتصرخ من جور قضائه الدماء ، وتعجّ منه المواريث مع أنه ممَّا خاطب الله به عيسیعليه‌السلام أن قال له : «يا عيسی ، أطب الكلام ـ أي تكلَّم بما ينفع ولا يضر ـ وكن حيث ما كنت عالماً متعلّماً»(١) .

ودلّ على ذلك قوله تعالى : ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ(٢) ، ودلّ عليه حكاية موسیعليه‌السلام مع الخضرعليه‌السلام (٣) ، بل أمر اللهُ بذلك سيِّدَ المُرسلين بقوله : ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا(٤) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «لا خير في الصمت عن العلم ، كما لا خير في الكلام عن الجهل »(٥) .

وما أحسن قول بعض الأعراب لولده : (كن مستمعاً جالساً ، أو ذئباً خالساً ، أو كلباً حارساً ، وإيَّاك أن تكون إنساناً ناقصاً )(٦) .

وقيل لابن مسعود : (بمَ وجدت هذا العلم؟ قال : بلسان سَؤول ، وقلب عَقول )(٧) .

وقال بعضهم : (سل مسألة الحمقى ، واحفظ حفظ الأكياس )(٨) .

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٣٧.

(٢) سورة يوسف : من آية ٧٦.

(٣) تعرض القرآن الكريم لحكايتهما في سورة الكهف.

(٤) سورة طه : ١١٤.

(٥) تفسير الرازي ٢ : ١٨١.

(٦) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

(٧) تفسير الرازي ٢ : ١٨٠.

(٨) تفسير الرازي ٢ : ١٨١.

٢٥١

وبالجملة فربّما يكون قصور العلم من التصدي للرئاسة قبل أوانها ، والتصدر للإمامة قبل زمانها ، فهو يستنكف أن يسأل ، وأن يتعلَّم ما لم يعلم ، وإذا استفاد يرى أنه أفاد ، وإذا تعلَّم يظهر أنه يعلم ، فذلك الَّذي لا يزال هو في نقصان وخسران.

قال أبو حاتم : (فاتني نصفُ العلم! قيل : وكيف ذاك؟ قال : تصدرت ولم أكن للتصدُّر أهلاً ، واستحييت أن أسأل مَن دوني ، واختلف إليّ مَن فوقي ، فذلك الجهل إلى اليوم في نفسي )(١) .

وما أحسن ما قيل : (آفة الزعماء ضعف السياسة ، وآفة العلماء حبُّ الرئاسة )(٢) .

[د] ـ «ولا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدك عن طريق محبَّتي » : وذلك لأنَّ المفتون بشيء يزيّن ذلك الشيء إلى الناس ، ويرغبهم إليه قولاً وفعلاً ، ويمنعهم من الرجوع إلى غيره ، نعوذ بالله من حبّ الدنيا وتسويل الشيطان ووساوسه ، فربّما ينجرُّ إلى أقصى مراتب الكفر والجحود بحيث لا تنفعه التوبة والندم.

فقد روى أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في كتابه ، عن الصادقعليه‌السلام أنه قال : «كان رجل في الزَّمان الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها ، فطلبها حراماً فلم يقدر عليها ، فأتاه الشيطان فقال : يا هذا قَدْ طلبت الدنيا من حلال

__________________

(١) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

(٢) عيون الحكم والمواعظ : ١٨١.

٢٥٢

فلم تقدر عليها ، وطلبتها من الحرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلّك على شيء يكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟

قال : نعم ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ، ففعل ، فاستجاب له الناس ، فأطاعوه وأصاب من الدنيا ، ثُمَّ إنه فكر وقال : ما صنعتُ شيئاً ، ابتدعت ديناً ودعوت الناس إليه ، ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردَّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الَّذين أجابوه فيقول : إنَّ الَّذي دعوتكم إليه باطل وإنَّما ابتدعته كذباً ، فجعلوا يقولون له : كذبت ، هو الحق ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه ، فلمَّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة ، فأوتد لها وتداً ثُمَّ جعلها في عنقه فقال : لا أحلّها حَتَّى يتوب الله عليّ ، فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبيائه أن قل لفلان بن فلان : وعزتي وجلالي لو دعوتني حَتَّى تنقطع أوصالُك ما استجبتُ لك ، حَتَّى ترد من مات على ما دعوته إليه فيرجع عنه»(١) .

ورواه الصدوقرحمه‌الله في (من لا يحضره الفقيه) أيضاً(٢) .

وبالجملة : إنَّ الرئاسة حق العالم الرّباني الخالص عن المفاسد النفسانية ؛ لأن التصرُّف والتدبير في أمور الخلق ، وإجراء الأحكام عليهم ، وإقامة العدل بينهم موقوف على العلم بالقوانين الشرعية كلّها ، ومعرفة أحوال الناس ، وطهارة النفس واتّصافها بجميع الكمالات ، وتنزُّهها عن جميع المهلكات ، فمن ملك الرئاسة وهو فاقد لما ذكرنا ، فقد أفسد الشرع ونظام الخلق في أول وهلة.

__________________

(١) المحاسن ١ : ٢٠٧ ح ٧٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٧٢ رقم ٤٩٥٨.

٢٥٣

ويعجبني أن أختمَ المقام بذکر کلام جدّي بحر العلوم قدس سره في ضمن ذكره أصناف العلماء ، حيث قال : (ورابع قَدْ غرته الدنيا واستهوته (واستهواه ـ ظ) ملاذُّها ، ونعيمها وزبرجها ، حَتَّى غلب عليه حبّ الجاه ، والاعتبار ، والرئاسة الباطلة المفضية إلى الهلاك والبوار ، فَهِمَّةُ هذا وأشباهه في تحصيل العلم وتشهير الاسم ، وغرضهم الأصلي ليس إلا الجدال والمراء ، والاستطالة على أشباههم من أشباه العلماء ، أو التوصُّل إلى حطام الدنيا بالخِبِّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وحسب هؤلاء القوم من تحصيلهم هذا دعاء أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالبعليه‌السلام بإعماء الخبر ، وقطع الأثر ، أو بدقِّ الخيشوم ، وحزّ الحيزوم ، وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يصرف به وجوه الناس إليه ، فليتبوّأ مقعده من النار »(١) ، وكفاهم خزياً وذلاً تشبيهُهُم في كلام الملك الجبَّار تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك الخزي الشنيع والذلُّ الفظيع ، أعاذنا الله وجميع الطالبين منّي من موجبات الآثام ، ومن أخلاق هؤلاء القوم اللّئام) ، انتهى ما أردنا نقله من كلامه طاب ثراه(٢) .

__________________

(١) ورد معناه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب العامَّة ، وأمّا بهذا النص فقد ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام في الكافي ١ : ٤٦ ح ٦ وسيأتي لاحقاً.

(٢) قاله قدس سره في إجازته للسيد عبد الكريم بن محمّد بن جواد بن عبد الله سبط المحدث الجزائريرحمه‌الله التي أوردها العلّامة النوريرحمه‌الله في خاتمة المستدرك ٢ : ٦١.

٢٥٤

الحديث الثالث العاشر

طلب العلم للمباهاة

[ ٧٩] ـ قالرحمه‌الله : عنه ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبد الله ، عمّن حدّثه ، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال : «من طلب العلم ليباهي به العلماء ، أو يماري به السُّفهاء ، أو يصرف وجوه الناس إليه ، فليتبوَّأ مقعده من النار ، إنَّ الرئاسة لا تصلح إلا لأهلها»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

مرجع الضمير كما تقدّم.

[ترجمة محمّد بن إسماعيل]

ومحمّد بن إسماعيل هذا : هو الَّذي يروي عنه أبو عمرو الكَشِّي أيضاً ، عن الفضل بن شاذان ، ويصدّر به السند حيث يقول (قال ـ ظ) مثلاً في كتابه في معرفة الرجال : محمّد بن إسماعيل ، قال : حدّثني الفضل بن شاذان ، عن ابن أبی عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير ، قال : «قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ارتدّ الناس إلا ثلاثة : أبو ذرّ وسلمان والمقداد.

قال : فقال أبو عبد اللهعليه‌السلام : فأين أبو ساسان ، وأبو عمرة الأنصاري »(٢) .

ويكنَّى بأبي الحسين ، ويقال : أبو الحسن النيسابوري ، المتكلّم الفاضل المتقدّم البارع المحدِّث ، تلميذ الفضل بن شاذان الخصیص به ، كان يقال له :

__________________

(١) معالم الدين : ١٦ ، الكافي ١ : ٤٧ ح ٦.

(٢) اختيار معرفة الرجال ١ : ٣٨ ح ١٧.

٢٥٥

(بندفر) البَنْد ـ بفتح الباء الموحِّدة ، وتسكين النون ، والدال المهملة أخيراً ـ : العلم الكبير ، جمعه بنود.

وهو فَرّ القوم ـ بفتح الفاء وتشديد الراء ـ وفُرّتهم ـ بضم الفاء ـ وعلى قول صاحب القاموس کلاهما بالضم ، والحق الأول أي : من خيارهم ، ووجههم الَّذي يفترُّون عنه(١) . أي : يتحادثون ويتشافهون ويستكثرون من کشف أسنانهم بالحديث عنه والبحث عن اُموره.

وقد يقال له : (بندويه) كما في القاموس : (محمّد بن بندويه : من المحدِّثين)(٢) .(٣)

وقد يقال له : (البندقي) وهو خطأ ، فإن بُنْدُقَة ـ بالنون الساكنة بين الباء الموحدة ، والدال المهملة المضمومتين قبل القاف ـ أبو قبيلة من اليمن ، ولم يقع إلينا في كلام أحد من السالفين أن محمّد بن إسماعيل النيسابوري كان من تلك القبيلة ، وما وقع في بعض النسخ من التعبير بالبندقي تصحيف وتحریف من قلم الناسخ کما صرح به في الرواشح(٤) .

وكيف كان فطريق الحديث بمحمّد بن إسماعيل النيسابوري هذا ، صحيحٌ لا حَسَنٌ كما وقع في بعض الظنون.

ولقد وصف العلّامة وغيره من أعاظم الأصحاب أحاديث كثيرة هو في طريقها بالصحَّة.

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٠٩.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٧٩.

(٣) الرواشح السماوية : ١١٩ ، الراشحة ١٩.

(٤) الرواشح السماوية : ١٢٢ الراشحة ١٩.

٢٥٦

وهو غير محمّد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة ، وغير محمّد بن إسماعيل بن بزيع(١) .

[ترجمة الفضل بن شاذان]

وأمّا الفضل : فهو ابن شاذان بن الخليل ، أبو محمّد الأزدي النيشابوري ، كان أبوه من أصحاب يونس ، وروي عن أبي جعفر الثاني ، [وقيل عن الرضاعليه‌السلام ](٢) أيضاً ، وكان ثقة ، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين. وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في قدره أشهر من أن نصفه. وذكر الكنجي : أنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً ، هذا كلام النجاشي(٣) .

وفي (الخلاصة) زيادة على ذلك : (أنه كان ثقة ، جليلاً فقيهاً متكلّماً ، له عظم الشأن في هذه الطائفة ، قيل : إنه صنَّف مائة وثمانين كتاباً وترحّم عليه أبو محمّدعليه‌السلام مرّتين ، ورُوي ثلاثاً ولاءً.

ونقل الكَشِّي عن الأئمّةعليهم‌السلام مدحه ، ثُمَّ ذكر ما ينافيه(٤) ، وقد أجبنا عنه في كتابنا الكبير.

وهذا الشيخ أجل من أن يُغمز عليه ، فإنه رئيس طائفتنا) ، انتهى(٥) .

وتوفّيرحمه‌الله : سنة ( ٢٠ ٦ هـ).

__________________

(١) الرواشح السماوية : ١٢٣ الراشحة ١٩.

(٢) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) رجال النجاشي : ٣٠٦ رقم ٨٤٠.

(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨١٧.

(٥) خلاصة الأقوال : ٢٢٩ رقم ٢.

٢٥٧

[ترجمة ربعي بن عبد الله الهُذلي]

وأمّا ربعي ، فهو : ابن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة الهُذلي ، أبو نعيم ، بصري ، ثقة ، روى عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، وعن أبي الحسنعليه‌السلام (١) ، وصرّح بتوثيقه النجاشي والعلّامة وصاحب المشتركات(٢) .

قال صاحب (الوافي) : (وفي بعض النسخ (حریز) بدل (ربعي) وكأنّه الأصح ، وكلاهما ثقة) ، انتهى(٣) .

والحديث مرسل في الاصطلاح.

الموضع الثاني

فيما يتعلق في شرح المتن :

[أ] ـ «المباهاة » : المفاخرة.

[ب] ـ «والمماراة » : المجادلة.

[ج] ـ «ويتبوّأ » : من كذا ، أي : يتَّخذه منزلاً(٤) ، والأمر للتهكُّم.

والمعنى : أن من طلب العلم لأحدٍ من هذين الغرضين الفاسدين فهو من أهل النار ، وإنَّما عبّرعليه‌السلام بمفاخرة العلماء ومماراة السفهاء ؛ لأن العلماء العالمين بعلمهم لا ينازعون الجهّال ، بل يسكتون إذا بلغت المباحثة إلى حد الجدال ؛ لقبح الجدال ، فيحصل للجاهل المفاخرة عليهم بالغلبة والإسكات ، بخلاف السفهاء فإنَّهم لا يبالون بالمجادلة ، بل هي جلّ غرضهم من ذلك ، كما هو المشاهد من

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٦٧ رقم ٤٤١.

(٢) رجال النجاشي : ١٦٧ رقم ٤٤١ ، خلاصة الأقوال : ١٤٦ رقم ٣ ، هداية المحدثین : ٦٠.

(٣) الوافي ١ : ٢١٤ ح ١٤٩ / ٦ باب المستأكل بعلمه.

(٤) الكشّاف عن حقائق التنزیل ٢ : ٣٢٩ ، وينظر : الصحاح ١ : ٣٧ ، لسان العرب ١ : ٣٦.

٢٥٨

حال أغلب حَمَلة العلم من أبناء زماننا ، فإنَّ كثيراً منهم لا يقصد من المذاكرة العلمية إلا الغلبة والاشتهار ، وتحصيل التفوُّق والاعتبار.

روى الصدوقرحمه‌الله في (معاني الأخبار) بإسناده عن الهروي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول : «رحم الله عبداً أحيا أمرنا ». فقلت : وكيف يُحيي أمركم؟

قال : «يتعلَّم علومنا ويعلّمها الناس ، فإنَّ الناس لو علموا محاسن کلامنا لاتَّبعونا » ، قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فقد رُوي لنا عن أبي عبد الله أنه قال : «من تعلَّم علماً ليماري به السُّفهاء ، أو يباهي به العلماء ، أو ليقبل بوجوه الناس إليه ، فهو في النار ».

فقالعليه‌السلام : «صدق جدّي ، أفتدري من السُّفهاء؟» ، فقلت : لا يا بن رسول الله. فقال : «هم قُصَّاص من مخالفينا ، وتدري من العلماء ؟» ، فقلت : لا ، يا بن رسول الله. فقال : «هم علماء آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله الَّذين فرض الله طاعتهم وأوجب مودَّتهم » ، ثُمَّ قال : «أتدري ما معنى قوله : «أو ليقبل بوجوه الناس إليه ؟»» ، قلت : لا ، قال : «يعني بذلك والله ادِّعاء الإمامة بغير حقّها ، ومن فعل ذلك فهو في النار »(١) .

وبإسناده عن حمزة بن حمران ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول : «من استأكل بعلمه افتقر ».

فقلت له : جُعلت فداك إن في شيعتك ومواليك قوماً يتحملون علومكم ، ويبثونها في شيعتكم ، فلا يعدمون على ذلك منهم البرّ والصلة والإكرام.

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٨٠ ح ١.

٢٥٩

فقالعليه‌السلام : «ليس اُولئك بمستأكلين ، إنَّما المستأكل بعلمه الَّذي يفتي بغير علم ولا هدى من الله عزَّ وجلَّ ، ليبطل به الحقوق طمعاً في حطام الدنيا »(١) .

قال المجلسي في (مرآة العقول) : (ويمكن حمل الخبر على بيان الفرد الكامل منها ، لكن لا ضرورة تدعو إليه )(٢) .

[د] ـ ثُمَّ أشارعليه‌السلام إلى عظم خطر الرئاسة وعظم آفتها ، وأنها لا تصلح إلّا لأهلها ، أعني الكاملين في مرتبتي العلم والعمل ، وهم : الأنبياء ، ثُمَّ الأوصياء ، ثُمَّ المتَّبعون لآثارهم من العلماء الفائزين بالنفوس القدسية.

(وما أحسن) من قول جدّي الفاضل الصالحرحمه‌الله في هذا المقام ، حيث قال : (وبالجملة : إنَّما تصلح الرئاسة لمن يكون : حكيماً عليماً ، شجاعاً عفيفاً ، سخيّاً عادلاً ، فهيماً ذكياً ، متواضعاً رقيقاً ، رفيعاً حيّياً ، سليماً صبوراً ، شكوراً قنوعاً ، ورعاً وقوراً ، حرّاً عفوّاً ، مُؤثراً مسامحاً ، صدّيقاً وفياً ، شفيقاً مكافئاً ، متودّداً متوكّلاً ، عابداً زاهداً ، موفياً محسناً ، بارّاً فائزاً بجميع أسباب الاتصال بالحق ، متجنّباً عن جميع أسباب الانقطاع عنه) ، انتهى(٣) .

وفي بعض الأخبار : «هلاك المرء سماع خفقان النّعال عقبه » ، وفي بعضها : «يتمنَّى الناس يوم القيمة كونَهُم من الفقراء ».

__________________

(١) معاني الأخبار : ١٨١ ح ١.

(٢) مرآة العقول ١ : ١٥١.

(٣) شرح اُصول الكافي ٢ : ١٦٤.

٢٦٠

الحديث الرابع عشر

تعظيم العلماء

[ ٨٠] ـ قالرحمه‌الله : فصل : وروينا بالإسناد السابق ، عن الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان ، عن الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابویهرحمه‌الله ، عن علي بن أحمد بن موسی الدقّاقرضي‌الله‌عنه ، قال : حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي الأسدي ، قال : حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد [الدقّاق](١) ، قال : حدّثنا إسماعيل بن الفضل ، عن ثابت بن دينار الثمالي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام قال : «حقّ سائسك بالعلم : التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والإقبال إليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء ، حَتَّى يكون هو الَّذي يجيب ، ولا تحدِّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر عندك بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتُظهر مناقبه ، ولا تُجالس له عدواً ، ولا تُعادي له ولياً.

فإذا فعلت ذلك ، شهد لك ملائكة الله بأنَّك قصدته وتعلَّمت علمه لله جلَّ اسمه ، لا للناس. وحقّ رعيتك بالعلم أن تعلم أن الله عزَّ وجلَّ إنَّما جعلك قيّماً لهم فيما أتاك من العلم ، وفتح لك من خزائنه. فإنْ أحسنت في تعليم الناس ولم تخرق بهم ، ولم تضجر عليهم ، زادك الله عزَّ وجلَّ من فضله. وإن أنت منعت الناس علمك ، أو خرقت عند طلبهم منك ، كان حقّاً على الله عزَّ وجلَّ أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلَّك»(٢) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) معالم الدين : ١٦ ، الخصال ٥٦٧.

٢٦١

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة علي بن أحمد الدقاق]

علي بن أحمد بن موسى ، ويقال له : الدقّاق ، وروى الصدوقرحمه‌الله عنه مترضياً عليه ، ولعله من مشايخه(١) .

[ترجمة محمّد بن جعفر]

وأمّا محمّد بن جعفر ، فهو : محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي ، أبو الحسين الكوفي ، ساكن الريّ ، يقال له : محمّد بن أبي عبد الله.

قال النجاشي : (كان ثقة ، صحيح الحديث ، إلا أنّه روي عن الضعفاء ، وكان يقول بالجبر والتشبيه ، وكان أبوه وجهاً) ، انتهى(٢) .

ولذا توقف العلّامة في روايته(٣) ، والأقوى عندي أنه ثقة لا غميزة فيه ، وفاقاً لجملة من أفاضل أصحاب الرجال كصاحب (الحاوي) ، و (المشتركات) ، و (الوجيزة) ، و (الدراية)(٤) ، ويدلّ على وثاقته ما ذكره الصدوقرحمه‌الله في حقّه أنه من وكلاء الصاحبعليه‌السلام الَّذين رأوه ووقفوا على معجزاته(٥) .

__________________

(١) نقد الرجال ٣ : ٢٢٩ رقم ٣٥٠ / ٣٣ ، جامع الرواة ١ : ٥٥٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣٧٣ رقم ١٠٢٠.

(٣) خلاصة الأقوال : ٢٦٥ رقم ١٤٥.

(٤) حاوي الأقوال ٢ : ٢٠٧ رقم ٥٥٧ ، هداية المحدثين : ٢٣١ ، الوجيزة في علم الرجال : ١٥٤ رقم ١٦١٨.

(٥) كمال الدين : ٤٤٢ ح ١٦.

٢٦٢

وأمّا الشيخرحمه‌الله : فقد بجّله وترحّم عليه ، وقال : إنه مات على العدالة ، ولم يُطعن عليه(١) ، نعم ، ذكر أن له كتاباً في الرد على أهل الاستطاعة(٢) وهو لا يستلزم کونه جبرياً ؛ لإمكان كونه قائلاً بالحق من أنه : «لا جبر ولا تفويض» ، ولو كان فاسد المذهب كيف يعتمد الصاحبعليه‌السلام عليه ويجعله بواباً ؛ ولذا قال صاحب (البُلغة) : (والحق أنه غير ثابت ، وقد حقَّقنا ذلك في المعراج)(٣) .

[ترجمة محمّد بن إسماعيل]

وأمّا محمّد بن إسماعيل ، فهو : محمّد بن إسماعيل بن أحمد بن بشیر البرمكي المعروف بصاحب الصومعة ، أبو عبد الله ، سكن قم ، وليس أصله منها. ووثّقه النجاشي في (الفهرست) ، والعلّامة في (الخلاصة) والمجلسي في (الوجيزة) والماحوزي في (البُلغة) وصاحب (المشتركات)(٤) ، فلا عبرة بما عن الغضائري : (أنه ضعيف)(٥) .

[ترجمة عبد الله بن أحمد]

وأمّا عبد الله بن أحمد : فمشترك بين الثقة وغيره ، وما وجدت له مميِّزاً فهو من المجاهيل(٦) .

__________________

(١) الغيبة للطوسي : ٤١٦.

(٢) الفهرست للطوسي : ٢٢٩ رقم ٦٦٠ / ٧٥.

(٣) بلغة المحدثین : ٤٠٥.

(٤) رجال النجاشي : ٣٤١ رقم ٩١٥ ، خلاصة الأقوال : ٢٥٧ رقم ٨٩ ، الوجيزة في الرجال : ١٥١ رقم ١٥٩٤ ، بلغة المحدثین : ٤٠٤ ، هداية المحدثین : ٢٢٨.

(٥) رجال ابن الغضائری : ٩٧ رقم ١٤٦ / ٣١.

(٦) هداية المحدثین : ٢٠١.

٢٦٣

قال الشيخ عبد اللطيف المجامعي في رجاله : (عبد الله بن أحمد الرازي في طريق الفقيه مجهول )(١) .

[ترجمة إسماعيل الهاشمي]

وأمّا إسماعيل ، فهو : اين الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، من أصحاب أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، ثقة من أهل البصرة ، رُوي أن الصادقعليه‌السلام قال : «هو کهل من کهولنا ، وسيِّد من ساداتنا » ، وكفاه بهذا شرفاً ، مع صحَّة الرواية ، كذا ذكره في (الخلاصة)(٢) .

أقول : وظاهر الرواية ، وصريح الشيخرحمه‌الله أنه من أصحاب الصادقعليه‌السلام أيضاً(٣) ، بل يظهر من ترجمة ابن أخيه الحسين بن محمّد روايته عن الكاظمعليه‌السلام أيضاً(٤) ؛ ولذا صرّح بوثاقته المجلسي في (الوجيزة) ، والمحقِّق الماحوزي في (البُلغة)(٥) .

وأمّا ثابت ، فهو : ابن دينار ، يُکنّی دينار ، وأبا صفية ، وكنيته : ثابت ، أبو حمزة الثمالي(٦) ، وقد تقدّم ذكره.

__________________

(١) الكتاب مخطوط وهو من نسخ مكتبة المؤلفرحمه‌الله ، لم أقف عليه. (ينظر : الذريعة ١٠ : ١٢٨ رقم ٢٥٣).

(٢) خلاصة الأقوال : ٥٣ رقم ١.

(٣) رجال الطوسي : ١٥٩ رقم ٨٨ / ١٧٨٤.

(٤) رجال النجاشي : ٥٦ رقم ١٣١.

(٥) الوجيزة في الرجال : ٣٢ رقم ٢١٢ ، بلغة المحدثين : ٣٣٣.

(٦) رجال الطوسي : ١١٠ رقم ١٠٨٣ / ٣.

٢٦٤

الموضع الثاني

في شرح ما يتعلق بمتن الحديث :

[أ] ـ «حق سائسك بالعلم » : أي مالك أمرك في التعليم ، من سستُ الرعيّةَ سياسةً(١) ، أي : ملكت اُمورها.

[ب] ـ «التعظيم له » : عند طلب العلم منه ، والتواضع إليه ، والمذلَّة له ، وترك العلو عليه ، كما قال الصادقعليه‌السلام : «وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم ، وتواضعوا المن طلبتم منه العلم ، ولا تكونوا علماء جبَّارين»(٢) .

وقالعليه‌السلام أيضاً : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع »(٣) .

قيل : (إن زید بن ثابت ركب ، فأخذ عبد الله بن عبّاس بركابه فقال : لا تفعل يابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بعلمائنا.

فقال له زيد : أرني يدك ، فأخرج إليه يده ، فأخذها فقبَّلها ، وقال : هكذا اُمرنا أن نفعل بأهل بيت نبيِّنا)(٤) .

ومن طرق العامَّة : «ليس من أخلاق المؤمن التملُّق ، [ولا الحسد](٥) ، إلا في طلب العلم»(٦) ، فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبّر على المعلّم.

__________________

(١) الصحاح ٣ : ٩٣٨.

(٢) الكافي ١ : ٣٦ ح ١.

(٣) الکافي ١ : ٤٨ ح ٢.

(٤) تاريخ دمشق ١٩ : ٣٢٦ ، کنز العمال ١٣ : ٣٩٦.

(٥) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٦) کنز العمال ٣ : ٤٥٥.

٢٦٥

وقيل : (أربعة لا ينبغي للشريف أن يأنف منها ، وإن كان أميراً : قيامه من مجلسه لأبيه ، وخدمته لضيفه ، وخدمته للعالم الَّذي يتعلَّم منه ، والسؤال عمّا لا يعلم ممَّن هو أعلم منه ) ، انتهى(١) .

ومن تكبُّره على المعلّم أن يستنكف من الاستفادة إلا من الأكابر المشهورين ، وهو عين الحماقة ، فإن الحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ، ويتقلد المنّة لمن ساقها إليه كائناً من كان ، فلا يُنال العلم إلا بالتواضع ، بل من الأدب تعظيم جميع الخلق ، وإن نبا عنه القلب وازدرته العين ، فإن كلّ أحد من المسلمين كائناً من كان لا يخلو من فضل الله ، فكن لربِّك عبداً ولإخوانك

خادماً ، واعلم أنه ما من أحد من المسلمين إلا وله مع الله سر ، فاحفظ مرتبة ذلك ، كما قيل : (درهيچ سري نيست که سرّي زخدا نيست ).

[ج] ـ «وحسن الاستماع إليه » : بإلقاء السمع ، وتوجيه الحاسة نحو تقریره ، والإصغاء إلى كلماته بحيث يكون كلّه سمعاً ، قال الله تعالى : ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(٢) .

قيل : ومن حسن الاستماع إمهال المتكلّم حَتَّى يفضي حديثه ، وقلة التلفت إلى الجوانب ، والإقبال بالوجه ، والنظر إليه حين الكلام ، قال الله تعالى لنبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ(٣) ، وقال : ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(٤) ، هذا تعليم من الله تعالی لرسوله حسن الاستماع.

__________________

(١) تفسير الرازي ٢ : ١٨٥.

(٢) سورة ق : آية ٣٧.

(٣) سورة طه : من آية ١١٤.

(٤) سورة القيامة : ١٦.

٢٦٦

قال أبو الليث ـ من رجال العامَّة ـ : (من جلس عند العالم ولا يقدر أن يحفظ من ذلك العلم شيئاً ، فله سبع كرامات : ينال فضل المتعلّمين ، وكان محبوساً من الذنوب ما دام جالساً عنده ، وإذا خرج من منزله طلباً للعلم نزلت الرحمة عليه ، وإذا جلس في حلقة العلم فنزلت الرحمة عليهم حصل له نصيب ، وما دام يكون في الاستماع يُكتب له طاعة ، وإذا استمع ولم يفهم ضاق قلبه وانكسر فيكون في زمرة : «أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي » ، وإذا رأي إعزاز المسلمين للعالم وإذلالهم للفاسق نفر عن الفسق ومال إلى طلب العلم)(١) .

وقالت الحكماء : (رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتفهُّم ، والإصغاء للمتكلّم )(٢) .

وقال بعض الحكماء لابنه : (يا بني ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الحديث ، وليعلم الناس أنك أحرص على أن تَسمع منك على أن تقول قالوا ، ومن حسن الأدب أن لا تغالب أحداً على كلامه ، وإذا سأل غيرك فلا تجب عنه ، وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إياه ، ولا تقتحم عليه ، ولا تُرِهِ أنَّك تعلمه ، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجَّتُكَ ، فحسَن مخرج ذلك إليه ، ولا تُظهر الظفر به ، وتعلّم حسن الاستماع كما تتعلَّم حسن الكلام) (٣) .

[د] ـ «والإقبال إليه » : بأن يستقبل كلّما اُلقي إليه بحسن الإصغاء والضراعة ، والشكر والفرح وقبول المنّة.

__________________

(١) تفسير الرازي ٢ : ١٨٣.

(٢) شرح رسالة الحقوق : ١٠٩ دون ذكر المصدر.

(٣) لم أهتد إلى مصدر هذا القول.

٢٦٧

وبعبارة أخرى ، فليكن المتعلّمُ لمُعلّمهِ كأرض دَمِنَة نالت مطراً غزيراً ، فتشربت جميع أجزائها ، وأذعنت بالكلّية لقبوله ، ومهما أشار عليه المعلّم بطریق في التعلُّم فليُقلدْهُ وليَدَعْ رأيه ، فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه.

قال الخضرعليه‌السلام لموسىعليه‌السلام : ﴿إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا(١) ، ثُمَّ شرط عليه السكوت والتسليم ، ومع ذلك لم يصبر ولم يزل في مراددته إلى أن فارقه.

[هـ] ـ «وأن لا ترفع عليه صوتك » : المنع من رفع الصوت لا يكون إلا للاحترام وإظهار الاحتشام ، ومن بلغ احترامه إلى حيث تنخفض الأصوات منه ، من هيبته وعلو مرتبته لا يكثر عنده الكلام ، ولا يرجع المتكلّم معه إلّا في الخطاب الليّن القريب من الهمس ، كما هو الدأب عند مخاطبة المهيب المعظَّم محاماةً على الترحيب ، ومراعاةً إلى احترام من يجب احترامه في نظر العرف ، ولا سيَّما معاداة أحباء الشخص والتحبُّب إلى أعدائه ، فإنه تذليل له وتحطيط لشأنه البتة.

[و] ـ «ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم » : الخرق بالتحريك : الدهش من الخوف أو الحياء ، أو أن يتهيَّب فاتحاً عينيه بنظر ، وقد خَرِق ـ بالكسر ـ وأخرقته أنا ، أي : أدهشته(٢) .

والهاء للتعدية ، أي : ولم تدهشهم من تخويف ونحوه.

__________________

(١) سورة الكهف : آية ٦٧ ـ ٦٩.

(٢) الخرق : هو التحير والدهش ، ويقال : خرق الغزال إذا طاف به الصائد فدهش ولصق بالأرض. (ينظر : معجم مقاييس اللُّغة ٢ : ١٧٢ ، مادة (خ. ر. ق)).

٢٦٨

و (ضجر منه وبه إذا تبرّم وانقلق من الغمّ(١) ، وقد ضمن معنى الغضب ونحوه فعدّاه بـ(على).

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : «ما كان الرفق في شيء قطّ إلّا زانه ، ولا كان الخرق في شيء قط إلّا شأنه»(٢) .

وفي (تحف العقول) : عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أنه قال لولده الحسينعليه‌السلام : «يا بنيّ ، رأس العلم الرفق ، وآفته الخرق »(٣) .

وعنهعليه‌السلام قال : «الخرق شين الخُلق ».

وقالعليه‌السلام : «الخرق شرّ خُلق ».

وقالعليه‌السلام : «من كثر خرقه استُرذل ».

وقالعليه‌السلام : «الخرق مناواة الأمراء ، ومعاداة من يقدر على الضراء ».

وقالعليه‌السلام : «أقبح شيء الخرق ».

وقالعليه‌السلام : «بئس الشيمة الخرق ».

وقالعليه‌السلام : «رأس الجهل الخرق »(٤) .

وروي : (أنَّ رجلاً من بني إسرائيل كان منهمكاً في المعاصي ، وسائراً في الغيّ والجهالة ، أتى في بعض أسفاره على بئر ، فإذا كلب قَدْ لهث من العطش ، فرقّ له فأخذ العمامة من رأسه وشدّ بخفه واستسقي الماء وأروى الكلب ، فأوحى الله إلى

__________________

(١) والضجر : القلق من الغم ، وتضجر ، تبرّم. (ينظر : لسان العرب ٤ : ٤٨١ ، مادة (ض. ج. ر)).

(٢) تحف العقول : ٤٧.

(٣) تحف العقول : ٨٩.

(٤) أورد هذه الأحاديث تباعاً العلّامة النوري في مستدرك الوسائل ١٢ : ٧٢ رقم ١٣٥٤٢ ـ ١٣٥٤٤ في باب كراهة الخرق.

٢٦٩

نبي ذلك الزَّمان : إني قَدْ شكرت له سعيه ، وغفرت له ذنبه ؛ لشفقته على خلقٍ من خلقي.

فسمع ذلك ، فتاب من المعاصي ، وصار ذلك سبباً لتوبته ، وخلاصه من العقاب)(١) .

وفي بعض الأخبار : «ومن علامة الإيمان الشفقة على خلق الله ».

وبالجملة ينبغي للمعلّم الشفقة على المتعلّمين بأن يجريهم مجری ولده وبنيه ، بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة ، وأن يزجرهم عن سوء الخُلُق ، فليكن ذلك منه بطريق التعريض مهما أمكن لا بالتصريح ، وبطریق الرحمة لا بطريق التوبيخ ، فإنَّ التصريح بهتك حجاب الهيبة يورث التجرِّي على المخالفة كما قيل : لو مُنع الناس عن فت البعرة لفتوه ، وقالوا : ما نهينا عنه إلّا وفيه شيء.

وفي (تحف العقول) في مواعظ السجادعليه‌السلام ، قال في رسالته المعروفة برسالة الحقوق : «وأمّا حق سائسك بالعلم والتعظيم له ، والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك من العلم : بأن تفرغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، [وتكّي له قلبك] ، وتجلّي له بصرك بترك اللَّذات ونقص الشهوات ، وأن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه [إليهم] ، ولا تخنه في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلَّدتها ، ولا حول ولا قوة إلا بالله »(٢) .

__________________

(١) كتاب الموطأ ٢ : ٩٢٩ ح ٢٣ ، المجموع ٦ : ٢٤٠.

(٢) تحف العقول : ٢٦٠ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

٢٧٠

وفي (إرشاد القلوب) : عن أمير المؤمنينعليه‌السلام عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث المعراج ، إلى أن قال : «قال الله تبارك وتعالى : يا أحمدُ ، إنّ عيب أهل الدنيا كثير ، فيهم الجهل والحمق ، لا يتواضعون لمن يتعلّمون منه »(١) .

تنبيه : لا فرق في وجوب تعظيم العالم بين كونه حيّاً أو ميِّتاً بعد أن كان داخلاً تحت عنوان تعظيم شعائر الله ؛ ولذا فإن الفقهاء استثنوا من كراهة تجدید القبر بعد اندراسه أو البناء عليه قبور الأنبياء والأوصياء والصلحاء والعلماء ، وكذلك اتّخاذ المقبرة مسجداً.

وأمّا ما ورد من طرق العامَّة من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد »(٢) ، فالمراد جعلها قبلة يُسجد إليها كالوثن ، وأمّا من اتَّخذ مسجداً في جوار صالح ، أو صلَّى في مقبرة من غير قصد التوجُّه نحوه فلا حرج فيه ، صرّح بذلك الإمام أبو الحسن الحنفي في حواشيه على سنن الإمام النسائي(٣) .

كما لا فرق أيضاً في وجوب تعظيمه على الناس بين سائر طبقاتهم حَتَّى الملوك والسلاطين ؛ ولذا ورد : (إذا رأيتم الملوك على باب العلماء فقولوا : نِعْمَ المُلوك ونِعْمَ العُلماء ، وإذا رأيتم العلماء على أبواب الملوك فقولوا : بئسَ المُلوك وبئسَ العُلماء )(٤) ، أمّا نِعْمَ الملوك ؛ فلأنَّ موقفهم ذلك كاشف عن حسن سيرتهم وخلوص سريرتهم ، ولأنَّ فيه متابعة باقي الناس لهم ورغبتهم في ذلك ، فإنَّ

__________________ـ

(١) إرشاد القلوب ١ : ٣٧٦.

(٢) مسند أحمد ١ : ٢٤٦.

(٣) لم أقف على هذه الحواشي لتخريج القول.

(٤) لم ترد هذه المقولة في حديث ، بل هي مشهورة على ألسن الناس ، وربّ مشهور لا أصل له.

٢٧١

الناس على دين ملوكهم ، وأمّا نِعْمَ العُلماء ؛ فلأنَّ في تركهم لباب السلطان رفعاً لمنصبهم الروحاني عن الانخفاض.

يُحکی : (أنَّ السلطان شاه عبَّاس الثاني الصفوي المتوفّى سنة ( ١٠٧٧ هـ) دخل مدرسة المولی ملا عبد الله التوني المتوفى سنة ( ١٠٧١ هـ) صاحب (الوافية في الأُصول) ـ وكان معاصراً للسيد الداماد ـ فرأى أنَّ المدرسة خالية من طلبة العلوم ، فسأل من المولى عبد الله السبب في ذلك فقال له : إنّي اُجيب حضرة السلطان بعد أيام ، فلمَّا كان بعد أيام ، حضر المولى مجلس السلطان ، فأكرم قدومه ، وقال له : اطلب منّي ما يهمّك؟ فقال المولى : ما يهمني شيء. فأصرّ عليه السلطان ، فقال له : لي إليك حاجة واحدة وهي أني أركب فرس السلطان ، والسلطان يمشي قدَّامی راجلاً حَتَّى يجتاز الميدان الفلاني.

فسأله السلطان عن الحكمة والغرض من ذلك ، فقال المولى : اُبيّن لك ذلك بعد أيام ، ففعل السلطان ما سأله ، وبعد أيام عاود السلطان إلى المدرسة ، فرآها مملوءة من الطلاب مشحونة بالتلاميذ وهي مجدّة في التحصيل غاية الجدّ ، فسأل السلطان عن السبب في تغيير الحالة؟ فقال المولى : السبب فيما يراه حضرة السلطان وما طلبته منه ، إنَّ الناس ما كانوا عارفين قدر العلم ، وفضيلة العلماء حَتَّى إذا رأو بعيونهم من فعل السلطان مع العالم ، ومشيه قدّامه راجلاً وهو راكب ، فعلموا من ذلك أن مرتبة العالم في الدنيا أعلى من مرتبة السلطان ، فطلباً لهذه المرتبة ، وطمعاً في الجاه والجلال ، وجمع المال السريع الزوال ، اجتمعوا في المدرسة وجدّوا في تحصيل العلم ، وإذا تمّ لهم ذلك ، وبلغوا بعض المراتب العلمية ، تتبدَّل نياتهم وتصلح سرائرهم وتحصل لهم

٢٧٢

القربة في سائر العبادات ، كما ورد في الخبر : اطلبوا العلم ولو لغير الله ، فإنه ينجرّ إلى الله) ، انتهت الحكاية(١) .

ويؤيده ما رُوي عن طريق العامَّة ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من طلب العلم لغير الله لم يخرج من الدنيا حَتَّى يأتي عليه العلم [فيكون لله] »(٢) .

وقال في (شرح نهج البلاغة) : (الزهد هو الإعراض عن غير الله. وقد يكون ظاهراً ، وقد يكون باطناً ، إن المنتفع به هو الباطن ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ، وإنَّما ينظر إلى قلوبكم ونيَّاتكم ، نعم ، وإنْ كان لا بدّ من الزهد الظاهري أولاً ؛ إذ الزهد الحقيقي مبدأ السلوك لا يتحقق ، والسبب فيه أن اللّذات البدنية حاضرة ، والغاية العقلية التي يطلبها الزاهد الحقيقي غير متصورة له في مبدأ الأمر ، وأمّا الظاهري فهو ممكن متيسّر لمن قصده ؛ لتيسّر غایته وهي الرياء والسمعة ؛ ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «الرياء قنطرة الإخلاص ») ، انتهى(٣) .

__________________

(١) الوافية : ١٦ مقدمة المحقق ، عن قصص العلماء للتنكابني.

(٢) تفسير الرازي ٢ : ١٨٠ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) شرح مئة كلمة لأمير المؤمنينعليه‌السلام للبحرانی : ٣٦ باختلاف يسیر.

٢٧٣

الحديث الخامس عشر

عدم إكثار السؤال على العالم

[ ٨١] ـ قالرحمه‌الله : وبالإسناد عن المفيد ، عن أحمد بن محمّد بن سليمان الرازي ، قال : حدّثنا مؤدبي علي بن الحسين السعد آبادي ، عن أبي الحسن القمّي ، قال : حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن سليمان بن جعفر الجعفري ، عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال : «كان عليعليه‌السلام ، يقول : إنَّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه السؤال ولا تأخذ بثوبه. وإذا دخلت عليه وعنده قوم ، فسلّم عليهم جميعاً ، وخصّه بالتحيَّة دونهم ، واجلس بين يديه ، ولا تجلس خلفه ، ولا تغمز بعينيك ، [ولا تشر بيدك] ، ولا تكثر من القول : قال فلان وقال فلان ، خلافاً لقوله ، ولا تضجر بطول صحبته ، فإنما مثل العالم مثل النخلة ، تنتظرها حَتَّى يسقط عليك منها شيء ، والعالم أعظم أجراً من الصائم القائم ، الغازي في سبيل الله. وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة»(١) .

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند :

[ترجمة أبي غالب الزراري]

أمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن محمّد بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بکیر بن أعين بن سنسن ، أبو غالب الزراري.

__________________

(١) معالم الدين : ١٧ ، المحاسن ١ : ٢٣٣ ح ١٨٥ ، الکافي ١ : ٣٧.

٢٧٤

قال النجاشي : (وكان أبو غالب شيخ العصابة في زمنه ووجههم. له كتب ، حدّثنا شيخنا أبو عبد الله عنه بكتبه. ومات أبو غالب رحمه‌الله سنة ٣٦٨ هـ ، انقرض ولده إلا من ابنة ابنه ، وكان مولده سنة ٢٨٥ هـ )(١) .

وقد صرّح بتوثيقه في جعفر بن محمّد بن مالك(٢) ، وصرّح بتوثيقه العلّامة في (الخلاصة)(٣) ، وصاحب المشتركات أيضاً(٤) .

[ترجمة علي بن الحسين السعد آبادي]

وأمّا علي بن الحسين ، فهو : علي بن الحسين السعد آبادي ، وظاهر جماعة من أصحاب الرجال عدّ حديثه حسناً ، بل لا يبعد عدّ حديثه صحيحاً ؛ نظراً إلى كثرة روايته ؛ ولأنه من مشايخ الإجازة ، وجلالة شأن أبي غالب وعلو مرتبته في باب الرواية تمنع من الرواية عنه وأخذه معلّماً مؤدِّباً لو لم يكن من الثقات ، بل أجلّائهم كما هو ظاهر للماهر في الفن(٥) .

وبالجملة : فإنه وإن كان مسكوتاً عنه ، ولكنَّ أجلاء المشايخ اعتمدوه وروَوا عنه ، كالكليني في العدّة ؛ إذ هو من جملة العدّة الَّذين روى ثقة الإسلام عن أحمد بن خالد بتوسُّطهم ، والصدوق علي بن الحسين ، وعلي بن إبراهيم ، ومحمّد بن موسی بن المتوكّل ، وأبو غالب الزراري الثقة.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٨٣ رقم ٢٠١.

(٢) رجال النجاشي : ١٢٢ رقم ٣١٣.

(٣) خلاصة الأقوال : ٦٧ رقم ٢٢.

(٤) هداية المحدثین : ١٧٧.

(٥) نقل المحدث الأرمویرحمه‌الله هذا القول من الشيخ عبد الحسين الطهراني ، واستظهر أنه لشيخ العراقين شيخ اجازة الشيخ النوريرحمه‌الله . (ينظر : المحاسن ١ : ٧ مقدمة المحقق).

٢٧٥

والصدوق إذا ذكره ترضّى عنه ، مع أنه شيخ إجازته ، ولم يرو إلا عن أحمد بن محمّد البرقي ، ويؤكّد توثيقه ، بل يدل عليه كثرة رواية جعفر بن قولویه عنه في كتاب (کامل الزيارة) ، وقد نصّ في أوله أن لا يروي فيه إلا عن الثقات من أصحابنا(١) .

[ترجمة أحمد بن محمّد البرقي]

وأمّا أحمد ، فهو : ابن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن علي البرقي أبو جعفر ، أصله كوفي(٢) .

وثّقه الشيخ والنجاشي ، ولكن طعنوا فيه أنه كان يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل(٣) ؛ ولذلك أبعده أحمد بن محمّد بن عيسى عن قم ، ثُمَّ ذكروا أنّه أعاده واعتذر إليه ، وأنّه لمّا مات مشى في جنازته حافياً حاسراً(٤) .

وبالجملة : فهو من أجلّاء رواتنا ، وقد نقل عن جامعه الكبير المسمّى بـ(المحاسن) كلّ من تأخَّر عنه من المصنّفین.

[ترجمة محمّد بن خالد البرقي]

وأمّا أبوه محمّد : يُكنّى بأبي عبد الله ، فقد صرّح الشيخ والعلّامة بتوثيقه(٥) ، بل في (الخلاصة) تصحيح طرق الصدوق إلى جملة هو فيها(٦) ؛ ولأنه روي عن جعفر بن بشير الَّذي قالوا فيه : (روى عنه الثقات).

__________________

(١) کامل الزيارات : ٣٧.

(٢) رجال النجاشي : ٧٦ رقم ١٨٢.

(٣) الفهرست : ٦٢ رقم ٦٤ / ٢ ، رجال النجاشي : ٧٦ رقم ١٨٢.

(٤) رجال ابن الغضائري : ٣٩ رقم ١٠ / ١٠ ، خلاصة الأقوال : ٦٣ رقم ٧.

(٥) رجال الطوسي : ٣٦٣ رقم ٥٣٩١ / ٤ ، خلاصة الأقوال : ٢٣٧ رقم ١٥.

(٦) خلاصة الأقوال : ٤٤٠ ضمن الفائدة الثامنة.

٢٧٦

وقول النجاشي : (وكان محمّد ضعيفاً في الحديث ، وكان أديباً ، حسن المعرفة الأخبار وعلوم العرب)(١) ، لا يدل على ضعفه في نفسه ؛ ولذا قدّم العلّامة وجملة من المحقِّقين توثيق الشيخ عليه مع بنائهم على تقديم قول الجارح خصوصاً إذا كان مثل النجاشي ، وهو اسطوانة أهل هذا الفن ولا مجال لردّ كلامه ، فالمراد من كونه ضعيفاً في الحديث أنه : يروي عن الضعفاء وتقدّم في الحديث الخامس أيضاً.

[ترجمة سليمان بن جعفرالجعفري]

وأمّا سلیمان بن جعفر الجعفري ، (فهو : من أولاد جعفر الطيَّاررضي‌الله‌عنه ، ثقة ، من أصحاب الكاظم والرضاعليهما‌السلام )(٢) .

[فائدة رجالية]

فائدة جليلة من رجال الشيخ : إذا قيل في الحديث : عن رجل ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فهو إمّا : ابن أبي محمّد بن أبي حمزة التيملي ، الفاضل الثقة ، وهو الَّذي روى الحديث المتضمِّن لكثرة السهو عنه في الفقيه.

أو : محمّد بن أبي حمزة الثمالي الممدوح ، وهو الَّذي يروي عنه ابن أبي عمير.

أو : محمّد بن حسَّان.

وإمّا : ثعلبة بن میمون أبو إسحاق الفقيه النحوي.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٥ رقم ٨٩٨.

(٢) رجال النجاشي : ١٨٢ رقم ٤٨٣.

٢٧٧

وإذا قيل : عن رجل ، عن جعفي(١) ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فهو : عجلان صالح الثقة ، الَّذي قال له أبو عبد اللهعليه‌السلام : «يا أبا صالح ، كأنَّي أنظر إليك وإلى جنبي الناس يعرضون عليّ»(٢) .

فلا إشكال في السند من جهة الرجل ، نعم ، الحديث معلّق في الاصطلاح ؛ لسقوط رجال السند من أوله(٣) .

الموضع الثاني

في شرح ما يتعلَّق بالمتن :

[أ] ـ «من حق العالم أن لا تكثر عليه السؤال» : لمّا كان العالم أباً روحانياً لك ، وله عليك حقٌّ التربية ، وحقٌّ التعلُّم والتقدُّم ، وجب عليك توقيره وتعظيمه ، ورعاية الأدب معه ، ومع ذلك أن لا تكثر السؤال منه ، فإن ذلك قَدْ يؤذيه ويؤلمه ، إلّا مع إحراز رضائه بذلك.

[ب] ـ «ولا تأخذ بثوبه » : كناية عن الإلحاح في الطلب ، فإن ذلك أيضاً استخفاف به.

استحباب السلام في الشرع

[ج] ـ «فسلِّم عليهم جميعاً وخصّه بالتحيَّة دونهم » : بأن تخاطبه وتقول : السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا فلان ، وتُسمِّيه بأشرف أسمائه ، وتصبر حَتَّی

__________________

(١) كذا ، والظاهر عن المفضل بن عمر الجعفي كما في بعض الأسانيد.

(٢) الحديث ورد في اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧١٠ ح ٧٧٢.

(٣) هذه الفائدة صرّح المؤلفرحمه‌الله بنقلها من رجال الشيخ ، ولكني وبحسب الاستقصاء لم أجد لها أثراً ولا عيان في رجال الشيخ الطوسي قدس سره ، ولا في غيره من الكتب الرجالية المعروفة المشهورة والتي يطول سردها ، فلعلهرحمه‌الله نقلها من تعليقة على نسخة مخطوطة لرجال الشيخ كتبها بعض الرجاليين المتأخرين ، وأدرجها المؤلفرحمه‌الله في كتابه هذا ، وهذا ليس ببعيد ، فلاحظ.

٢٧٨

يردَّ عليك السلام ، ثُمَّ تخاطب القوم وتقول : السلام عليكم. كما قَدْ فعل مثل ذلك بعض المتكلّمين لمّا دخل على الباقرعليه‌السلام وعنده جماعة كثيرة.

أو تقول : السلام عليكم جميعاً ، والسلام عليك يا فلان ، وتقصدهم جميعاً بالسلام ، وتخصّه بالثناء والمدح بعد السلام.

مسألة : لا ريب في استحباب سلام المؤمن على المؤمن إذا دخل عليه في بيته ، أو في خارج بيته ، وأصل شرعيته واستحبابه مجمع عليه من الضروريات في دين الإسلام ، قال الله تعالى : ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّـهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً(١) .

وفي (معائي الأخبار) ، عن الباقرعليه‌السلام ، قال : «هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثُمَّ يردُّون عليه ، فهو سلامكم على أنفسكم »(٢) .

وفي (المجمع) ، عن الصادقعليه‌السلام مثله(٣) .

وعن (تفسير القمّي) هو : (سلامكم (٤) على أهل البيت وردُّهم عليکم ، فهو سلامك على نفسك )(٥) .

وعن الباقرعليه‌السلام أيضاً : «إذا دخل الرجل منكم بيته ، فإن كان فيه أحد يسلّم عليهم ، وإن لم يكن فيه أحد فليقل : السلام علينا من عند ربِّنا ».

يقول الله : (تحية من عند الله مباركة طيبة )(٦) .

__________________

(١) سورة النور : من آیة ٦١.

(٢) معاني الأخبار : ١٦٢ ح ١.

(٣) مجمع البيان ٧ : ٢٧٤.

(٤) في الأصل : (سلامك) وما اثناء من المصدر ، وتفسیر الصافي ، ومجمع البحرين.

(٥) تفسير القمي ٢ : ١٠١.

(٦) تفسير القمي ٢ : ١٠٩.

٢٧٩

وعن (الجوامع) : (وصفها بالبركة والطيب ؛ لأنها دعوة مؤمن [لمؤمن] (١) ، يرجى بها من الله زيادة الخير وطيب الرزق.

ومنه قولهعليه‌السلام : «سلّم على أهل بيتك ، يكثر خير بيتك »)(٢) .

ومن كلام الحسينعليه‌السلام : «البخيل من بخل بالسلام »(٣) .

وقالعليه‌السلام : «للسلام سبعون حسنة : تسع وستون للمبتديء ، وواحدة للراد »(٤) .

ومن طرق العامة : عن أنس قال : «كنت واقفاً على رأس النبي أصبّ الماء على يديه ، فرفع رأسه وقال : «ألا اُعلّمك ثلاث خصال يُنتفع بها؟ »

قلت : بلى بأبي واُمِّي يا رسول الله.

قال : «متی لقيت من اُمَّتي أحداً فسلِّم عليه يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتك فسلِّم عليهم يكثر خير بيتك الخبر »»(٥) ، بل التحيَّة كانت شائعة بين الناس في زمن الجاهلية ولكن لا بصيغة السلام.

قال في (القاموس) : (ووعم الدار کوعد ، وورث (يعمّها) و (عمّا) (٦) قال لها : انعمي ، ومنه قولهم : عم صباحاً ومساء وظلاماً ) ، انتهى(٧) .

قال يونس : (وسئل أبو عمرو بن العلاء عن قول عنترة : وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي؟

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) تفسیر جوامع الجامع ٢ : ٦٣٥.

(٣) تحف العقول : ٢٤٨.

(٤) تحف العقول : ٢٤٨.

(٥) تفسير الثعلبي ٧ : ١٢٠ ، تفسير الرازي ٢٤ : ٣٨.

(٦) كذا ، ويبدو أنها (عمها) وهي غير موجودة في المصدر وكذلك (يعمها).

(٧) القاموس المحيط ٤ : ١٨٧.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512

513