سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11029
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11029 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

وذكر الشيخ الطبرسي معنيين للتحريف: ((أولهما: سوء التأويل، وثانيهما: التغيير أو التبديل))(١) .

وذكر الشيخ محمد رشيد رضا معنيين للتحريف: ((تحريف الألفاظ بالتقديم والتأخير والحذف والزيادة والنقصان، وتحريف المعاني بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له))( ٢ ) .

والتحريف على ضوء تلك الآراء له معنيان: المعنى الأول: التحريف المعنوي. المعنى الثاني: التحريف اللفظي. والتحريف المعنوي بمعنى حمل اللفظ على غير المعنى الموضوع له قد وقع بالفعل، فقد فسرت الألفاظ تفاسير عديدة من قبل المفسرين المغرضين أو غير العارفين بأصول التفسير ولازال هذا التحريف قائماً الى وقتنا الراهن.

أمّا التحريف اللفظي بزيادة بعض الحروف والألفاظ أو حذف بعض الحروف والألفاظ أو الآيات فانّه لم يقع ولازال القرآن مصاناً من هذا التحريف، وقد أثبتت الدراسات والوقائع بانّ القرآن الكريم الذي يتداوله المسلمون على مرّ التاريخ هو نفس القرآن الذي أنزل على نبيّنا محمد صلّى الله عليه واله ، ولازال مصاناً لم يطرأ عليه أي تحريف أو تبديل أو تغيير رغم شبهات التحريف المثارة.

٢- انّ القائلين بالتحريف ليس لديهم أي دليل قطعي في ذلك الادّعاء، وانّما اعتمدوا على روايات قد تكون صادرة من بعض الصحابة أو نسبت لهم بعدوفاتهم في زمن معاوية ومنها:

الرواية الأولى: عن عمر بن الخطّاب قال لعبد الرحمن بن عوف: ((ألم تجد فيما انزل علينا ((ان جاهدوا كما جاهدتم أول مرة)) فانّا لا نجدها؟

قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن))( ٣ ) . الرواية الثانية: عن عبد الله بن عمر: ((لا يقولن أحدكم قد أخذت من القرآن كلّه، وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير))( ٤ ) .

الرواية الثالثة: عن عائشة: ((لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله وتشاغلنا بموته دخل الداجن فأكلها))( ٥ ) .

الرواية الرابعة: عن عائشة: ((كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها الاّ على ما هو الآن))( ٦ ) .

وقد حاول بعض المفسرين تفسير النقيصة في القرآن بنسخ التلاوة أي بنسخ الألفاظ أي انّ الله تعالى هيأ الأجواء لنسيان ألفاظ الآية. قال ابو بكر الرازي: ((نسخ الرسم والتلاوة انّما يكون بأن ينسيهم الله إياه ويرفعه من أوهامهم، ويأمرهم بالاعراض عن تلاوته وكتبه في المصحف))( ٧ ) .

وقد اعتمد ابو بكر الرازي والآلوسي وغيرهم على آية النسخ: ((ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير))(١) .

________________

( [١] ) مجمع البيان ١ : ١٧٣.

( ٢ ) المنار ٦ : ٢٨٣.

( ٣ ) الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٥٢، عبد الرحمن السيوطي، تحقيق أبو الفضل ابراهيم، ١٤١١هـ

( ٤ ) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٨١.

( ٥ ) مسند أحمد بن حنبل ٦ : ٢٦٩.

( ٦ ) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٦٣.

( ٧ ) معترك الاقران ١ : ١٢٨.

١٢١

وما يدّعى من نسخ التلاوة بانّ الله تعالى قد نسخ لفظ الآية وأنساها للمسلمين وللحفاظ منه فانه ادعاء يحتاج الى دليل معتبر، ولا دليل عليه. وهذه الشبهات المطروحة إنما جاءت من قبل الذين يرون أو يدّعون بأنّ القرآن الكريم لم يكن مجموعاً في عهد رسول الله صلّى الله عليه واله وانما جمع من بعد وفاته. وقد ورد انّ الامام علياً عليه السلام قد جمع القرآن بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه واله فانّ جمعه للقرآن كان بإضافة التفاسير له وظروف النزول، وهو في جميع الأحوال قد جمعه الامام علي عليه السلام سواء كان في عهد رسول الله صلّى الله عليه واله أو في العهد اللاحق لوفاته، فهو مجموع.

قال الامام محمد الباقر عليه السلام: ((... وكان من نبذهم الكتاب ان أقاموا حروفه وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه))(١) .

٣- فقد طرأ التحريف على المعنى من قبل الفقهاء المنحرفين والجهلاء، وخصوصاً فقهاء السلطات الجائرة وخصوصا في عهد معاوية لتبرير تسلط الجائرين وممارستهم المخالفة لثوابت القرآن الكريم.

٤- لعب معاوية وأعداء الامام علي عليه السلام دوراً كبيراً في دس الروايات الطاعنة في عقيدة المسلمين وفي كتابهم وسنة نبيّهم، الذين يريدون إشغال المسلمين بالشبهات ورد الشبهات لخلق الاضطراب والبلبلة الفكرية والعقائدية والسلوكية في داخل صفوفهم وتمزيق وحدتم والفتهم لكي لاينتبهوا لممارسات الحكام وابتعادهم عن الدين، إضافة الى تشكيكهم بالقرآن الكريم والعمل على إلغاء اعتباره كمرجع ثابت للمسلمين يرجعون اليه في حال اضطراب المفاهيم والقيم، واضطراب الموازين ولكي لايطلعوا على التفاسير والروايات التي تشير الى أهل البيت والامام علي عليه السلام من حيث مقامهم السامي عند الله تعالى ودورهم الريادي في الامة الاسلامية،والى اخفاء التفاسير التي تشير الى الشجرة الملعونة في القران الكريم والمتمثلة ببني أمية، والى تفسير بعض الايات لصالحهم او صالح حكمهم.

٥- انهم منعوا من كتابة السنة الشريفة تحت ذريعة التخوف من اختلاطها بالقران الكريم،وحاربوا كلّ من يتحدث بها الا انهم وضعوا بديلا عنها كسنة الشيخين وسنة الصحابي.

٦- ان قولهم ((حسبنا كتاب الله))كلمة حق اريد بها باطل ،فهم ضيعوا كتاب الله والسنة معا فحاربوا وحاصروا عدل القران وهم العترة الطاهرة.

٧- انهم كذّبواعليا وفاطمة عليهما السلام بما قالوه عن رسول الله صلّى الله عليه واله،واتبعوا اكاذيب منافقيهم وأعداء علي عليه السلام

٨- انهم عاقبوا كل من يتحدث عن رسول الله صلّى الله عليه واله في العقائد والاحكام والفضائل والمثالب ونفوا بعض الصحابة خارج المدينة.

٩- أوهموا المسلمين بأنهم حريصون على القران الكريم لكي يبقى محفوظا ولايختلط بحديث رسول الله صلّى الله عليه واله، ولم يكن عذرهم منطقيا لأن القران الكريم كان مكتوبا في عهد رسول الله وان نصوصه متميزة عن الحديث النبوي الشريف.

وحفظ القران الكريم يعود الى الله تعالى كما جاء في قوله: ((إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون ))( ٢ ) .

وقوله تعالى: ((وانّه لكتاب عزيز. لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ))( ٣ ) .

وأجمع الكثير من العلماء والمحققين على أنّ القرآن الكريم كان مكتوباً ومجموعاً في عهد النبي صلى الله عليه واله، وقد اتفق الكثير أو الأغلبية من علماء ومحققي الشيعة والسنة على أنّ لرسول الله كتاباً يكتبونه، وكان بعض الصحابة يكتب لنفسه، وهذا الاتفاق هو أفضل دليل قطعي على عدم ضياع شيء من القرآن الكريم. وقد تواترت الروايات والقرائن على أنّ القرآن الكريم كان مجموعاً على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وأول من جمعه الامام علي عليه السلام كما ورد عنه انّه قال: ((... فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه واله آية من القرآن إلاّ أقرانيها وأملاها علي فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصّها وعامّها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما

________________

( ١ ) سورة البقرة: ١٠٦.

( ٢ ) الكافي ٨ : ٥٣.

( ٣ ) سورة الحجر: ٩.

( ٤ ) سورة حم السجدة: ٤٢.

١٢٢

نسيت آية من كتاب الله ولا علماً أملاه عليّ وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية الاّ علّمنيه وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم انس شيئاً ولم يفتني شيئاً لم أكتبه أفتتخوّف عليّ النسيان؟ فقال: لا لست أتخوّف عليك النسيان والجهل))(١) .

فالإمام علي عليه السلام كان حافظاً للقرآن الكريم، وكان يكتب آياته حينما تنزل، وهذا يدل على أنه كان مجموعاً من قبله في عهد رسول الله صلى الله عليه واله.

ومن الأدلة على أنه كان مجموعاً بين دفتين في عهد رسول الله صلى الله عليه واله الحديث المتواتر عنه انّه قال: ((يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي))( ٢ ) .

قد سمّاه رسول الله صلى الله عليه واله بكتاب الله، والكتاب لا يصدق الاّ على الشيء المكتوب، فكيف يوصي رسول الله بالتمسك بالكتاب وهو غير مجموع.

وقد وردت روايات متواترة تحث على قراءة القرآن الكريم في المصحف، أي قراءة القرآن المكتوب، ووردت روايات في استحباب قراءة القرآن بالنظر في المصحف، والمصحف لا يصدق الاّ على الشيء المكتوب.

فالكذب على عهد رسول الله صلى الله عليه واله وعلى المراحل التالية لعهده وخصوصا في عهد معاوية حقيقة لا تقبل التأويل وهو أشدّ أنواع الكذب تأثيراً في بلبلة المفاهيم والتصورات وخلق الاضطراب في المواقف الخاصة والعامّة، لما فيه من إغراء بالقبيح والمنكر، وتحريف للمنهج الإسلامي الثابت في مفاهيمه وقيمه وموازينه.

وجميع ألوان الكذب هدفها اخفاء فضائل أهل البيت عليهم السلام واخفاء دورهم الحقيقي في امامة وخلافة المسلمين.

الأحاديث الموضوعة في فضائل الشيخين

قال ابن الجوزي في ما وضع في فضل عمر:

أنبأنا إسماعيل بن أحمد، قال: أنبأنا إسماعيل بن مسعدة، قال: أنبأنا حمزة، قال: أنبأنا ابن عديّ، قال: حدثنا عليّ بن الحسن بن قديد، قال: حدّثنا زكريّا بن يحيى الوقّاد، قال: حدثنا بشر بن بكر، عن أبي بكر بن عبداللّه بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب، عن غضيف بن الحرث، عن بلال بن رباح، قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله وسلّم: ((لو لم أُبعث فيكم لبُعث عمر)).

قال ابن عديّ: حدثنا عمر بن الحسن بن مضر الحلبي، قال: حدثنا مصعب بن سعد أبو خيثمة، قال: حدثنا عبداللّه بن واقد،

________________

( ١ ) الكافي ١ : ٦٤، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث.

( ٢ ) سنن الترمذي ٥ : ٦٢٢، حديث ٣٧٨٦، ونحوه في مسند أحمد ٦ : ٢٣٢.

١٢٣

قال: حدّثنا حيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو; عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله وسلّم: ((لو لم أبعث فيكم لبُعث عمر)).

قال المصنّف : هذان حديثان لا يصحّان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم. أمّا الأول، فإنّ زكريّا بن يحيى كان من الكذّابين الكبار. قال ابن عديّ: كان يضع الحديث. وأمّا الثاني، فقال أحمد ويحيى: عبداللّه بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبّان: انقلبتْ على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به))(١) .

ويقول ابن الجوزي: ((وما أزال أسمع العوامّ يقولون عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه واله وسلّم أنّه قال:

((ما صبّ اللّه في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر))

((اذا اشتقت إلى الجنّة قبّلت شيبة أبي بكر))

و((كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان، سبقته فاتّبعني ولو سبقني لاتّبعته))

في أشياء ما رأينا لها أثراً، في الصحيح ولا في الموضوع،

ولا فائدة في الإطالة بمثل هذه الأشياء)).

ويقول: المجد الفيروزآبادي:وباب فضائل أبي بكر الصديق أشهر المشهورات من الموضوعات:

((إنّ اللّه يتجلّى للناس عامّة ولأبي بكر خاصّة!))

وحديث: ((ما صبّ اللّه في صدري شيئاً إلاّ وصبّه في صدر أبي بكر!)).

وحديث:((إنّ اللّه لَمّا اختار الأرواح اختار روح أبي بكر!)).

وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطلانها ببديهة العقل)).

ويقول الفتني ـ نقلاً عن كتاب الخلاصة في أُصول الحديث للطيّبي ـ ما نصّه:

((في الخلاصة: ما صبّ اللّه في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر. موضوع)).

ويقول القاري ـ نقلاً عن ابن القيّم ـ : ((وممّا وضعه جهلة المنتسبين إلى السُنّة في فضل الصدّيق:

________________

( ١ ) الموضوعات ١ : ٢٣٨..

١٢٤

حديث عمر: ((كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأبو بكر يتحدّثان وكنت كالزنجي بينهما!))

وحديث:(( لو حدّثتكم بفضائل عُمَر عُمْرَ نوح في قومه ما فنيت، وإنّ عمر حسنة من حسنات أبي بكر!)).

وحديث: ((ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، وإنّما سبقكم بشيء وقر في صدره! ))(١) .

الأحاديث الموضوعة ضد الامام علي عليه السلام

ذکر أبو جعفر الإسکافی :أن معاویة وضع قوما من الصحابة و قوما من التابعین على روایة أخبار قبیحة فی علی عليه السلام تقتضی الطعن فیه و البراءة منه و جعل لهم على ذلك جعلا یرغب فی مثله فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هریرة و عمرو بن العاص و المغیرة بن شعبة و من التابعین عروة بن الزبیر

روى الزهری أن عروة بن الزبیر حدثه قال حدثتنی عائشة قالت : ((کنت عند

رسول الله إذ أقبل العباس و علی فقال یا عائشة إن هذین یموتان على غیر ملتی أو قال دینی )).

و روى عبد الرزاق عن معمر قال کان عند الزهری حدیثان عن عروة عن عائشة فی علی عليه السلام فسألته عنهما یوما فقال ما تصنع بهما و بحدیثهما الله أعلم بهما إنی لأتهمهما فی بنی هاشم قال فأما الحدیث الأول فقد ذکرناه و أما الحدیث الثانی فهو أن عروة زعم أن عائشة حدثته

قالت : ((کنت عند النبی إذ أقبل العباس و علی فقال یا عائشة إن سرك أن تنظری إلى رجلین من أهل النار فانظری إلى هذین قد طلعا فنظرت فإذا العباس و علی بن أبی طالب )).

و أما عمرو بن العاص فروی عنه الحدیث الذی أخرجه البخاری و مسلم فی صحیحیهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص

قال سمعت رسول الله ص یقول :((إن آل أبی طالب لیسوا لی بأولیاء إنما ولیی الله و صالح المؤمنین)).

و أما أبو هریرة : فروی عنه الحدیث الذی معناه أن علیا عليه السلام خطب ابنة أبی جهل فی حیاة رسول الله ص فأسخطه فخطب على المنبر و قال لاها الله لا تجتمع ابنة ولی الله و ابنة عدو الله أبی جهل إن فاطمة بضعة منی یؤذینی ما یؤذیها فإن کان علی یرید ابنة أبی جهل فلیفارق ابنتی و لیفعل ما یرید أو کلاما هذا معناه و الحدیث مشهور من روایة الکرابیسی قلت هذا الحدیث أیضا

١٢٥

مخرج فی صحیحی مسلم و البخاری عن المسور بن مخرمة الزهری و قد ذکره المرتضى فی کتابه المسمى تنزیه الأنبیاء و الأئمة و ذکر أنه روایة

حسین الکرابیسی و أنه مشهور بالانحراف عن أهل البیت عليه السلام و عداوتهم و المناصبة لهم فلا تقبل روایته

قال أبو جعفر و روى الأعمش قال لما قدم أبو هریرة العراق مع معاویة عام الجماعة جاء إلى مسجد الکوفة فلما رأى کثرة من استقبله من الناس جثا على رکبتیه ثم ضرب صلعته مرارا و قال یا أهل العراق أ تزعمون أنی أکذب على الله و على رسوله و أحرق نفسی بالنار

و الله لقد سمعت رسول الله ص یقول إن لکل نبی حرما و إن حرمی بالمدینة ما بین عیر إلى ثور فمن أحدث فیها حدثا فعلیه لعنة الله و الملائکة و الناس أجمعین و أشهد بالله أن علیا أحدث فیها

فلما بلغ معاویة قوله أجازه و أکرمه و ولاه أمارة المدینة(١) .

روايات الارتداد على الأعقاب

وردت روايات مستفيضة ومتواترةعن رسول الله صلى الله عليه واله أكدَّ فيها أنّ النكوص والانقلاب على الأعقاب واقع بعده من قبل بعض الصحابة،سواءكان ارتدادا في العقيدة او في مخالفة مفاهيم وقيم القران الكريم والسنة المطهرة

روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ.

فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٣

١٢٦

قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقا ))(١) .

قال القاضي عياض: ذهب أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ مَنْ يَأْتِي آخِرَ الزَّمَانِ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيمَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُكُمْ قَرْنِي عَلَى الْخُصُوصِ مَعْنَاهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي أَيْ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ وَهُمُ الْمُرَادُونَ بِالْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَنْ خَلَّطَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ رَآهُ وَصَحِبَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَابِقَةٌ وَلَا أَثَرٌ فِي الدِّينِ، فَقَدْ يَكُونُ فِي الْقُرُونِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ مَنْ يَفْضُلُهُمْ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَار.

قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا أَيْضًا غَيْرُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَعَانِي، قَالَ: وَذَهَبَ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ إِلَى خِلَافِ هَذَا وَأَنَّ مَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ مَرَّةً مِنْ عُمْرِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ مَزِيَّةُ الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد، فَإِنَّ فَضِيلَةَ الصُّحْبَةِ لَا يَعْدِلُهَا عَمَلٌ))( ٢ ) .

وقوله: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ؛ قال ابن حجر: ((وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي بَابِ صِفَةِ النَّارِ أَيْضًا فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فَلَا أَرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ))

وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِي ِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَفَعَهُ لَيَرِدَنَّ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِمَّنْ صَحِبَنِي وَرَآنِي وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ وَزَادَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ لَسْتَ مِنْهُمْ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا إِلَى قَوْله الْحَكِيم كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ زِيَادَةُ مَا دُمْتُ فِيهِمْ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ قَوْلُهُ قَالَ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ

قَالَ الْفَرَبْرِيُّ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ يَعْنِي حَتَّى قُتِلُوا وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قَبِيصَةَ

________________

( ١ ) صحيح مسلم ١ : ١٣٣ ، حديث ٢٤٩

( ٢ ) شرح صحيح مسلم ، للنووي ٣: ١٣٨.

١٢٧

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَرْتَدَّ مِنَ الصَّحَابَةِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا ارْتَدَّ قوم من جُفَاة الاعراب مِمَّن لانصرة لَهُ فِي الدِّينِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الصَّحَابَةِ الْمَشْهُورِينَ وَيَدُلُّ قَوْلُهُ أُصَيْحَابِي بِالتَّصْغِيرِ عَلَى قِلَّةِ عَدَدِهِمْ وَقَالَ غَيْرُهُ قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمُرَادُ بِأُمَّتِي أَمَّةُ الدَّعْوَةِ لَا أَمَّةُ الْإِجَابَةِ

وَقَالَ بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ مُرْتَكِبِي الْكَبَائِرِوَقِيلَ هُمْ قَوْمٌ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً

وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ لَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ وَالْبِدَعِ فِي ذَلِكَ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّو نَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ جُمْلَةِ الْأُمَّةِ فَيُنَادِيهِمْ مِنْ أَجْلِ السِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ إِنَّهُمْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ أَيْ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى ظَاهِرِ مَا فَارَقْتَهُمْ عَلَيْه قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَعَلَى هَذَا فَيَذْهَبُ عَنْهُمُ الْغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ وَيُطْفَأ نُورُهُمْ وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِمُ السِّيمَا بَلْ يُنَادِيهِمْ لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ إِسْلَامِهِمْ وَقِيلَ هُمْ أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ وَالْبِدَعِ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُقْطَعُ بِدُخُولِ هَؤُلَاءِ النَّارَ لِجَوَازِ أَنْ يُذَادُوا عَنِ الْحَوْضِ أَوَّلًا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يُرْحَمُوا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ فَعَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا سَوَاءٌ كَانُوا فِي زَمَنِهِ أَوْ بَعْدَهُ

وَرَجَّحَ عِيَاضٌ وَالْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَا قَالَ قَبِيصَةُ رَاوِي الْخَبَرِ إِنَّهُمْ مَنِ ارْتَدَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لَهُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمُ السِّيمَا لِأَنَّهَا كَرَامَةٌ يَظْهَرُ بِهَا عَمَلُ الْمُسْلِمِ وَالْمُرْتَدُّ قَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ فَقَدْ يَكُونُ عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ لَا بِصِفَتِهِمْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ارْتِدَادِهِمْ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَنْ كَانَ فِي زَمَنِهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَعْرِفُ أَعْيَانَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تِلْكَ السِّيمَا فَمَنْ عَرَفَ صُورَتَهُ نَادَاهُ مُسْتَصْحِبًا لِحَالِهِ الَّتِي فَارَقَهُ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا وَأَمَّا دُخُولُ أَصْحَابِ الْبِدَعِ فِي ذَلِكَ فَاسْتُبْعِدَ لِتَعْبِيرِهِ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ أَصْحَابِي وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ إِنَّمَا حَدَثُوا بَعْدَهُ وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الصُّحْبَةِ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَاسْتُبْعِدَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَ مُبْتَدِعًا سُحْقًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالتَّعْذِيبِ عَلَى مَعْصِيَةٍ ثُمَّ يَنْجُو بِالشَّفَاعَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ سُحْقًا تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ مَعَ بَقَاءِ الرَّجَاءِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ.

وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَيْسَ قَوْلُهُ مُرْتَدِّينَ نَصًّا فِي كَوْنِهِمُ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ عُصَاةُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُرْتَدُّونَ

١٢٨

عَنْ الِاسْتِقَامَةِ يُبَدِّلُونَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ بِالسَّيِّئَةِ(١) .

والنصوص المتقدمة وان كانت تميل الى تبرئة الصحابة وايجاد الذرائع لهم الا انها ذكرت اصنافا منهم وهم:

١- عصاة المؤمنين.

٢- المرتدون عن الاستقامة

٣- المنافقون.

٤- اصحاب الكبائر والبدع الذين ماتوا على الاسلام.

فقد حاولوا ان يثبتوا لبعض الاصناف انهم سيدخلون الجنة وهذه المحاولة لاتنفي الفسق وعدم العدالة ، فعصاة المؤمنين ليسوا عدولا ، والمرتدون عن الاستقامة ليسوا عدولا ، والمنافقون أغلبهم غير معلومين ، واصحاب الكبائر ليسوا عدولا ، وعلى رأس الكبائر محاربة الامام علي عليه السلام ، وقتل الموالين له

وقال صلى الله عليه واله:((أنا فرطكم على الحوض، وسأنازع رجالاً فأغلب عليهم، فلأقولنَّ ربِّ أُصيحابي أُصيحابي! فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك))( ٢ )

والرواية واضحة الدلالة في أنّ هؤلاء الأصحاب كانوا معروفين في الناس بالاستقامة في حياة رسول الله صلى الله عليه واله، ولكنّهم انحرفوا من بعده

وفي رواية أخرى أنّه صلى الله عليه واله قال:((ليردنَّ على الحوض رجال ممّا صحبني ورآني، حتى إذا رفعوا إليَّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنَّ: ربِّ أصحابي أصحابي! فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك))( ٣ )

________________

( ١ ) فتح الباري ١١: ٣٨٥،٣٨٦

( ٢ ) مسند أحمد ٢ : ٣٥ وبنحوه في صحيح مسلم ٤ : ١٨٠

( ٣ ) مسند أحمد ٦ : ٣٣ وبنحوه في صحيح البخاري ٨ : ١٤٨ و ٩ : ٥٨

١٢٩

وقال صلى الله عليه واله:((إنّكم محشورون إلى الله تعالى... ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أصحابي! فيقال لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لم يزالوا مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: (وكُنتُ عَليهِم شَهيداً مادُمتُ فِيهِم فَلمَّا تَوفَّيتني كُنتَ أنتَ الرقيبَ عَليهِم وأنتَ على كُلِّ شيء شَهيدٌ * إن تُعذِّبهُم فإنَّهم عِبادُكَ وإن تَغْفِر لهُم فإنَّكَ أنتَ العَزيزُ الحَكِيم))(١)

والعذاب المذكور في الآية قرينة على ارتكاب الذنب والاتّصاف بالفسق والخروج عن العدالة والاستقامة، وإلاّ لا موجب لعذاب العادل النزيه

ومن خلال تتبع الروايات نجد أنَّ الانحراف عن نهج رسول الله صلى الله عليه واله والابتعاد عن المفاهيم والقيم الإسلامية المعبّر عنه بالارتداد والرجوع على الأعقاب والتقهقر ، قد عمّ عدداً كبيراً من الصحابة الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه واله صحبة ليست بالقصيرة ، وقد عبّر صلى الله عليه واله عن كثرتهم بالقول:((بينا أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال : هَلُمَّ، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلتُ: وما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم... قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم))( ٢ )

والروايات المتقدّمة تنصّ على أنّ المتسائل هو رسول الله صلى الله عليه واله والمجيب غيره، وهنالك روايات تنصّ على أنّ المجيب هو رسول الله صلى الله عليه واله مباشرة حيثُ يخاطب بعض أصحابه في يوم القيامة بإثبات إنحرافهم عن الاستقامة بعد رحيله من الدنيا، كما هو في الرواية عنه صلى الله عليه واله أنّه قال:(( ‎ ما بال أقوام يقولون: إنّ رحمي لا ينفع ، بلى والله إنّ رحمي موصولة في الدنيا والآخرة، وإنّي أيُّها الناس فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله أنا فلان ، فأقول قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى))( ٣ ) .

وعبارة ((أنا فلان)) المتكررة ثلاثا تحتاج الى امعان النظر والتدقيق في معرفتهم والله العالم من هم.

________________

( ١ ) مسند أحمد ١ : ٣٨٩ وبنحوه في : صحيح البخاري ٦ : ٦٩ ـ ٧٠ ، ١٢٢ والآية من سورة المائدة ٥ : ١١٧ ـ ١١٨

( ٢ ) صحيح البخاري ٨ : ١٥١

( ٣ ) المستدرك على الصحيحين ٤ : ٧٤ ـ ٧٥

١٣٠

وتنص الروايات على أنَّ رسول الله صلى الله عليه واله يتبرء منهم ولا يتدخل في إنقاذهم ممّا هم فيه عند ورودهم الحوض ، ففي رواية يقول صلى الله عليه واله:(( فأقول أصحابي أصحابي ! فقيل : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بعداً بعداً.. ـ أو ـ سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي))(١)

وكان رسول الله صلى الله عليه واله يحذّر من الانحراف بعد رحيله ، ويجعل ملاك التقييم هو حسن أو سوء العاقبة ، ففي رواية أنّه صلى الله عليه واله قال لشهداء أُحد: ((هؤلاء أشهد عليهم)) فقال أبو بكر : (ألسنا يا رسول الله بإخوانهم؟ أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا) فقال صلى الله عليه واله :(( ‎ بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي))( ٢ ) .

والصحابة وان كانوا عدولا عند البعض في عهد رسول الله صلّى الله عليه واله ولكن ستنخرم العدالة وتسقط بسبب الأحداث التي أحدثوها ، وبسبب الممارسات والمواقف والسلوكيات المخالفة للقران الكريم والسنة الشريفة، وهذا ماحدث في الواقع بعد رحيل رسول الله صلّى الله عليه واله.

وقد أكدّ بعض الصحابة حقيقة الانحراف عن نهج رسول الله صلى الله عليه واله بعد رحيله، ومن ذلك قول أُبي بن كعب : ((مازالت هذه الاُمّة مكبوبةً على وجهها منذ فقدوا نبيّهم))( ٣ )

وقوله:((ألا هلك أهل العقدة، والله ما آسى عليهم، إنّما آسى على من يُضلّون من الناس))( ٤ )

والضلالة لها مصاديق عديدة ، فقد تكون ضلالة عقائدية في اصول الدين جميعها أوبعضها ، أو ضلالة سلوكية لاتقتصر على اضلال الصحابي لنفسه بل اضلال الاخرين معه وهذا ماحدث واقعا ولازال المسلمون يدفعون ثمن ذلك الضلال الذي بدأ أكثر وضوحا وعلانية في زمن حكم معاوية بن أبي سفيان.

والأحداث بعد رسول الله صلى الله عليه واله من الامور الواضحة المعالم وقد اعترف بعض الصحابة على أنفسهم بما احدثوه تصريحا

________________

( ١ ) مسند أحمد ٣ : ٤١٠ وبنحوه في صحيح مسلم ٤ : ١٧٩٣

( ٢ ) موطأ مالك ٢ : ٤٦٢

( ٣ ) شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٢٤

( ٤ ) المستدرك على الصحيحين ٤ : ٧٤ ـ ٧٥

١٣١

او تلميحا

روي أن اباعامر بن أبي موسى الأشعري قال: (( قال لي عبد الله بن عمر هل تدري ما قال أبي لأبيك.

قال قلت :لا قال فإن أبي قال لأبيك يا أبا موسى هل يسرك إسلامنا مع رسول الله وهجرتنا معه وجهادنا معه وعملنا كله معه وأن كل عمل عملناه بعده نجونا منه كفافا رأسا برأس فقال أبي لا والله قد جاهدنا بعد رسول الله صلى الله عليه واله وصلينا وصمنا وعملنا خيرا كثيرا وأسلم على أيدينا بشر كثير وإنا لنرجو ذلك.

فقال أبي لكني أنا والذي نفس عمر بيده لوددت أن ذلك يرد لنا كل شئ عملناه وبعده نجونا منه كفافا رأسا برأس

فقلت :إن أباك والله خير من أبي))(١) .

وهذا اعتراف واضح بانه يطلب النجاة وطلب النجاة تعبير عن انقاذ النفس من التبعات الناجمة من مخالفة رسول الله صلى الله عليه واله في حياته وبعد رحيله ، او مخالفة بعض المفاهيم والقيم الالهية أو التقصير بحقوق المسلمين.

وفي مسند عبدالله بن عباس : ((أنّه لما طعن عمر بن الخطاب كان يتألم ، فقال له ابن عباس : ولا كلّ ذلك.

فقال عمر: والله أما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك ، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل ان أراه))( ٢ ) .

وهذا اعتراف واضح بالتخوف من عذاب الله تعالى ، فلم يتمسك بعدالة الصحابة للخلاص من العذاب الاخروي الذي يستحقه المذنبون او المقصرون بحقوق الله تعالى أوحقوق رسوله أو حقوق المسلمين من مهاجرين وأنصار وتابعين أو التقصير بحق علي بن أبي طالب عليه السلام.

________________

( ١ ) لطائف الطرائف ٢ : ٤٧٩

( ٢ ) لطائف الطرائف ٢ : ٤٨٠

١٣٢

وعند قرب وفاة أبي بكر دخل عليه عبدالرحمن بن عوف، فقال له أبو بكر: ((إنّي وليت أمركم خيرّكم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك، يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت.. وأنتم أول ضالّ بالناس غداً، فتصدوهم عن الطريق يميناً وشمالاً...))(١) .

وقوله:((وأنتم أول ضالّ بالناس غداً، فتصدوهم عن الطريق يميناً وشمالاً))واضح الدلالة على دور بعض الصحابة باضلال الناس وصدهم عن طريق الحق والاستقامة وعن ثوابت القران الكريم والسنة النبوية.

وقال أبو بكر أيضاً:((فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنَّ ، فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب.. وأمّا اللاتي تركتهنَّ ، فوددت أني يوم أتيتُ بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه، فإنّه تخيَّل إليَّ أنه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه...))( ٢ )

وهذا اعتراف واضح يدل على ندمه أنه كشف بيت فاطمة عليها السلام بلا حق أو بلا مجوّز شرعي ، وهو مخالفة خطيرة مهما كانت المبررات وأهمها أخذ البيعة،فالبيعة بالاسلام اختيارية ولا اكراه فيها.

وأنه أخلى سبيل الاشعث بن قيس وهو يرى انه لايرى شرا الا اعان عليه، والاشعث هو صحابي فلم يخطر في ذهن أبي بكر انه صحابي عادل لايعين على الشرّ.

ومن الموبقات المسقطة للعدالةأنّ ابابكر سيّر خالد بن الوليد الى من عارض تنصيبه او تخلف عن بيعته أو امتنع عن دفع الزكاةولقد كان من المتخلّفين عن بيعة أبي بكر: مالك بن نويرة وعشيرته، فسيّر أبو بكر إليهم خالد بن الوليد، فأغار عليهم وقتل مالكاً وجماعة من قومه وسبى نساءهم، وتزوّج بامرأة مالك من ليلة قتله، في قضية معروفة مفصّلة في كتب التاريخ ، تعدّ من أكبر ما طعن به أبو بكر بعد تصدّيه للأمر

________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٠ وبنحوها في تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٧

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ وتاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٧ والعقد الفريد ٥ : ٢١

١٣٣

وحينما قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وتزوج امرأته، بلغ ذلك عمر بن الخطاب، فتكلم في خالد عند أبي بكر فأكثر وقال:((عدو الله عدا على أمرىء مسلم فقتله، ثم نزا على امرأته)).

وحينما عاد خالد قام إليه عمر وقال : ((قتلت أمرءاً مسلماً ، ثم نزوت على امرأته ، والله لأرجمنك بأحجارك))(١)

وهذا اعتراف صريح من عمر بن الخطاب بان خالدا قتل أمرءاً مسلماً وهدده بالرجم ولم يقل له انك صحابي عادل.

روايات النفاق والمنافقين

النفاق ظاهرة واضحة المعالم ذكرها القران الكريم في سورة كاملة وفي ايات عديدة مبثوثة في السور المباركة ،والمنافقون محسوبون على الصحابة كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: ((انّ في أصحابي منافقين))( ٢ ) .

والنفاق لم يبدأ بالمدينة بل بدأ مع بداية الدعوة الاسلامية ولكن كان مخفيا مستترا ولكنه توسع بعد الهجرة الى المدينة وتأسيس الدولة ، والنفاق قسمان: مخفي ومعلن ، وقد كان رسول الله صلّى الله عليه واله يعلم بأسماء المنافقين بواسطة الوحي ومتابعته لهم، ولكنه لم يكشفهم ويفضحهم الا في حدود معينة لأنه صلى الله عليه واله جاء لهداية الانسانية وتحريرها من الاوهام والخرافات، وتحرير سلوكها من الانحراف والرذيلة، بتحويل الذهنية إلى ذهنية اسلامية، وتحويل السلوك إلى سلوك اسلامي، وفي أجواء الدعوة انتمى بعض الناس الى الاسلام نفاقا الا أن رسول الله صلى الله عليه واله لم يرفضهم ولم يفضحهم بل منحهم فرصاً عديدة للايمان بالاسلام لأن الاسلام بحاجة إلى جميع الطاقات لكي تكون مهتدية بهديه، ولم يتعامل معهم بما ينفرهم من الاسلام ومنه

وقد راعى صلى الله عليه واله المصحلة العليا في التعامل مع المنافقين على ضوء اختلافهم في التآمر على الاسلام عقيدة وقيادة وكياناً، فالمصلحة العليا هي التي تحدّد الموقف.

وكان القران الكريم يتابعهم اجمالا ويحذّر من خطورتهم على الاسلام والمسلمين ، ونزلت سورة المنافقين متحدثة عن مخططاتهم ومؤامراتهم المعلنة والمخفية.

________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٢٨٠ والكامل في التاريخ ٢ : ٣٥٩

( ٢ ) مسند أحمد ٥ : ٤٠

١٣٤

عن زيد بن أرقم قال :((خرجنا مع رسول الله صلّى الله عليه واله في سفر فاصاب الناس شده فقال عبدالله بن ابي لاصحابه لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله وقال: (( لئن رجعنا الى المدينه ليخرجن الاعز منها الاذل)) فاتيت النبي صلّى الله عليه واله فاخبرته بذلك فارسل الى عبدالله بن ابي فساله فاجتهد يمينه ما فعل.

فقالوا :كذب زيد يا رسول الله فوقع في نفسي مما قالوا فانزل الله تصديقي ((اذا جاءك المنافقون)) ودعاهم رسول الله صلّى الله عليه واله ليستغفر لهم فلووا رءوسهم(١) .

وكان المنافقون يمارسون ممارسات تدلّ على نفاقهم وخصوصا في الغزوات ومنها غزوة تبوك وكان سببها أن النبي صلى الله عليه واله بلغه أن هرقل ملك الروم ومن عنده من متنصرة العرب قد عزموا على قصده فتجهز هو والمسلمون وساروا إلى الروم‏.‏

وكان الحر شديدًا والبلاد مجدبة والناس في عسرة وكانت الثمار قد طابت فأحب الناس المقام في ثمارهم فتجهزوا على كره فكان ذلك الجيش يسمى العسرة‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه واله للجد بن قيس وكان من رؤساء المنافقين‏:‏ هل لك في جلاد بني الأصفر؟

فقال‏:‏ والله لقد عرف قومي حبي للنساء وأخشى أن لا أصبر على نساء بني الأصفر فإن رأيت أن تأذن لي ولا تفتني‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد أذنت

وجاء المعذرون من الأعراب فاعتذروا إلى رسول الله صلّى الله عليه واله فلم يعذرهم الله وكان عدة من المسلمين تخلفوا من غير شك منهم‏:‏ كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية وأبو خيثمة‏.‏ فلما سار رسول الله تخلف عنه عبد الله بن أبي المنافق فيمن تبعه من أهل النفاق واستخلف رسول الله صلى الله عليه واله ...علي بن أبي طالب فأجف به المنافقون وقالوا‏:‏ ما خلفه إلا استثقالًا له‏.

فلما سمع علي ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله صلّى الله عليه واله فأخبره ما قال المنافقون فقال‏:‏( ‏(‏كذبوا وإنّما خلّفتُك لما ورائي فارجعْ فاخلفْني في أهلي وأهلك أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي‏)‏‏).‏ فرجع‏.‏

فسار رسول الله ...وكان بعض المنافقين يسير مع رسول الله صلّى الله عليه واله فلما جاء المطر قال له بعض المسلمين‏:‏ هل بعد هذا شيء قال‏:‏ سحابة مارة‏.‏

وضلت ناقة رسول الله في الطريق فقال لأصحابه وفيهم عمارة بن حزم وهو عقبي بدري‏:‏ إن رجلًا قال إن محمدًا يخبركم الخبر من السماء وهو لا يدري أين ناقته وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله عز وجل وهي في الوادي في شعب كذا قد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا فأتوه بها فرجع عمارة إلى أصحابه فخبرهم بما قال رسول الله صلى الله عليه واله عن الناقة تعجبًا مما رأى‏.‏

________________

( ١ ) صحيح مسلم ٢ : ٦١٥ حديث ٢٧٧٢

١٣٥

وكان زيد بن لصيت القينقاعي منافقًا وهو في رحل عمارة قد قال هذه المقالة فأخبر عمارة بأن زيدًا قد قالها فقام عمارة يطأ عنقه وهو يقول‏:‏ في رحلي داهية ولا أدري‏!‏ اخرج عني يا عدو الله‏!‏ فزعم بعض الناس أن زيدًا تاب بعد ذلك وحسن إسلامه وقيل‏:‏ لم يزل متهمًا حتى هلك(١) ‏.‏

وكان المنافقون المشهورون والمستترون لايتوقفون عن المؤامرات ضد الاسلام ونبي الاسلام ومجتمع المسلمين،وكانت أقوى وأخطر المؤامرات هي قتل رسول الله صلى الله عليه واله بالقائه من العقبة.

عن أبي الطفيل، وحذيفة، وجبير بن مطعم، والضحاك: أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان ببعض الطريق مكر به ناس من المنافقين، وائتمروا بينهم أن يطرحوه من عقبة في الطريق.

وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوه، فجعلوا يلتمسون غرته، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يسلك العقبة أرادوا أن يسلكوها معه.

وقالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فأخبر الله تعالى رسوله بمكرهم.

فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه واله تلك العقبة نادى مناديه للناس: أن رسول الله صلّى الله عليه واله أخذ العقبة فلا يأخذها أحد، واسلكوا بطن الوادي، فإنه أسهل لكم وأوسع: فسلك الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلّى الله عليه واله لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا.

وسلك رسول الله صلّى الله عليه واله العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة ويقودها، وأمر حذيفة بن اليمان أن يسوق من خلفه.

فبينا رسول الله صلّى الله عليه واله يسير من العقبة إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فنفروا ناقة رسول الله صلّى الله عليه واله حتى سقط بعض متاعه.

وكان حمزة بن عمرو الأسلمي لحق برسول الله صلّى الله عليه واله بالعقبة، وكانت ليلة مظلمة، قال حمزة: فُنوِّر لي في أصابعي الخمس، فأضاءت حتى جمعت ما سقط من السوط والحبل وأشباههما.

فغضب رسول الله صلّى الله عليه واله وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم، وقد رأى غضب رسول الله صلّى الله عليه واله ومعه محجن، يضرب وجوه رواحلهم وقال: إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى.

فعلم القوم أن رسول الله صلّى الله عليه واله قد اطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس.

وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله صلّى الله عليه واله فقال: اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمار، فأسرعوا حتى استوى بأعلاها، وخرج رسول الله صلّى الله عليه واله من العقبة ينتظر الناس، وقال لحذيفة: هل عرفت أحداً من الركب، الذين رددتهم؟

________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٧٧ ،٢٧٨.

١٣٦

قال: يا رسول الله، قد عرفت رواحلهم، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل.

قال: هل علمتم ما كان من شأنهم وما أرادوا؟

قالوا: لا والله يا رسول الله.

قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي، فإذا طلعت العقبة زحموني فطرحوني منها، وإن الله تعالى قد أخبرني بأسمائهم، وأسماء آبائهم، وسأخبركم بهم إن شاء الله تعالى.

قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم؟

قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمداً قد وضع يده في أصحابه ، فسماهم لهما، ثم قال: اكتماهم ؛ فانطلق إذا أصبحت، فاجمعهم لي.

فلما أصبح رسول الله صلّى الله عليه واله قال له أسيد بن الحضير: يا رسول الله، ما منعك البارحة من سلوك الوادي؟ فقد كان أسهل من العقبة؟

فقال: أتدري يا أبا يحيى، أتدري ما أراد بي المنافقون، وما هموا به؟

قالوا: نتبعه من العقبة، فإذا أظلم عليه الليل قطعوا أنساع راحلتي، ونخسوها حتى يطرحوني عن راحلتي

فقال أسيد: يا رسول الله، قد اجتمع الناس ونزلوا، فمر كل بطن أن يقتل الرجل الذي همَّ بهذا، فيكون الرجل من عشيرته هو الذي يقتله، وإن أحببت ـ والذي بعثك بالحق ـ فنبئني بأسمائهم، فلا أبرح حتى آتيك برؤوسهم.

قال: يا أسيد، إني أكره أن يقول الناس: إن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله تعالى بهم أقبل عليهم يقتلهم

وفي رواية: إني لأكره أن يقول الناس: إن محمداً لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين وضع يده في قتل أصحابه.

فقال: يا رسول الله، فهؤلاء ليسوا بأصحاب.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله ؟

قال: بلى ولا شهادة لهم.

قال: أليس يظهرون أني رسول الله ؟

قال: بلى. ولا شهادة لهم.

قال: فقد نُهِيْتُ عن قتل أولئك(١) .

________________

( ١ ) المغازي للواقدي ٣ :١٠٤٣ و١٠٤٤، الدر المنثور ٣ :٢٥٩.

١٣٧

إن المجموعة التي تآمرت على تنفير ناقة النبي صلّى الله عليه واله عند العقبة كانوا أربعة عشر صحابيا وصفوا بالنفاق، وقد عرفهم حذيفة من رواحلهم لأنهم كانوا ملثمين، وعرّفه النبي صلّى الله عليه واله بأسمائهم، فكان ـ كما يقول النووي : صاحب سر رسول الله صلّى الله عليه واله في المنافقين يعلمهم وحده،وسأله عمر بن الخطاب هل في عمالي أحد منهم؟ قال: نعم واحد، قال: من هو؟ قال: لا أذكره، فعزله عمر(١) .

وقد روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس، فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال: وقال القوم: أخبره إذ سألك، قال (أبو موسى الاشعري) كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فقال حذيفة: فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله ان اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

وهذا هو الذي أشار إليه ابن عبد البر في (الاستيعاب) في ترجمة أبي موسى الاشعري فقال: فقد روى حذيفة فيه كلاماً كرهت ذكره... فتعقبه ابن أبي الحديد فقال: الكلام الذي أشار اليه... ولم يذكره قوله فيه وقد ذكر عنده بالدين: أما انتم فتقولون ذلك، وأما أنا فأشهد انه عدو لله ولرسوله وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار.

وقال ابن أبي الحديد: وروي ان عماراً سئل عن أبي موسى فقال: لقد سمعت فيه قولاً عظيماً سمعته يقول: صاحب البرنس الأسود، ثم كلح كلوحاً علمت انه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط( ٢ ) .

وعن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال : ((في أصحابي اثنا عشر رجلاً منافقاً لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، ثمانية يكفيهم الدبيلة: سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم))( ٣ ) .

قال البيهقي: ((وروينا عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشرأو خمسة عشر))( ٤ ) .

________________

( ١ ) تهذيب الاسماء واللغات ١ :١٥٤

( ٢ ) شرح نهج ا لبلاغة ٣: ٢٩٢.

( ٣ ) سبل الهدى والرشاد ٥: ٤٦٨ ، السنن الكبرى ٨ : ١٩٨

( ٤ ) دلائل النبوة للبيهقي ٥ :٢٥٨. ،البداية والنهاية ٥ :٢٦ ،السيرة النبوية لابن كثير ٤ : ٣٧

١٣٨

وكان صلى الله عليه واله يغض النظر عن المسيئين اليه شخصياً، ففي احد المواقع ضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه واله فخرج اصحابه في طلبها، فقال احد المنافقين: اليس محمد يزعم انه نبي ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدري اين ناقته؟

فقال رسول الله صلى الله عليه واله:((ان رجلاُ قال: هذا محمد يخبركم انه نبي ويزعم انه يخبركم بامر السماء وهو لا يدري اين ناقته، واني والله ما اعلم الا ماعلمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في الوادي في شعب كذا كذا وقد حبستها شجرة بزمامها))(١) .

فلم يستخدم رسول الله صلى الله عليه واله الشدّة مع هذا المنافق ما دام لم يتخذ موقفاً يؤثر على سير الاحداث، وانما كان الموقف يستهدفه شخصياً، فمارس رسول الله صلى الله عليه واله اسلوب الاقناع، والرد على الكلام بكلام آخر.

وكان رهط من المنافقين يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه واله وهو منطلق إلى تبوك، فقال بعضهم لبعض: اتحسبون جلاد بين الاصفر كقتال العرب بعضهم بعضا! لكأنّا بكم غداً مقرونين في الحبال.

فقال رسول الله صلى الله عليه واله لعمار بن ياسر:((ادرك القوم فانهم قد احترقوا ـ أي هلكوا ـ فسلهم عما قالوا، فان انكروا فقل: بلى قلتم كذا كذا)).

فانطلق اليهم عمار، فقال ذلك لهم، فاتوا رسول الله صلى الله عليه واله يعتذرون اليه( ٢ ) .

وبهذا الاسلوب جعلهم يعتذرون ويعترفون بالخطأ، وهو فرصة للحد من تأثيرهم.

وعفى عن الذين استهدفوه شخصياً وخططوا لقتله ولم يفضحهم امام المسلمين؛ ليمنحهم فرصة اخرى للتأثر بأخلاقه الكريمة ومن ثم القناعة برسالته.

وفي رواية أخرى :اتفق جماعة من المنافقين على القاء رسول الله صلى الله عليه واله من العقبة، فقال رسول الله صلى الله عليه واله لعمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان هل علمتم ما شأن الركب وما أرادوا؟ قالوا: لا يا رسول الله.

قال صلى الله عليه واله:((فانهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا اظلمت بي العقبة طرحوني منها)).

قالوا: افلا تأمر بهم يا رسول الله اذا جاءك الناس فتضرب اعناقهم؟

________________

( ١ ) اعلام الورى باعلام الهدى: ١٣١.

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٥٦٩.

١٣٩

قال:((اكره ان يتحدث الناس، ويقولوا: ان محمداً قد وضع يده في اصحابه)).

فسماهم لهما، وقال:((اكتماهم))(١) .

وحينما كان تآمر بعض المنافقين يستهدف تثبيط المسلمين عن الجهاد، لم يكتف بممارسة النصح والارشاد أو اللين والتساهل بل استخدام الشدة لخطورة موقفهم.

وكان يتعامل مع بعضهم بشدة للرد على كيدهم ومخططاتهم التي يمارسونها بأخفى الوسائل وأمكر الطرق، لأنهم اتخذوا موقف التآمر عناداً واصراراً بعد اطلاعهم على الادلة والبراهين التي تثبت صدق الدعوة الاسلامية وسلامة مفاهيمها وقيمها، فقد تعامل معهم بشدة، بعد ان انتهى أمد اللين والتساهل، وخصوصاً في ممارساتهم المؤدية الى خلخلة الصف الاسلامي وخلق الاضطراب في عقول وقلوب المسلمين.

ففي أحد الوقائع اجتمع بعضهم في المسجد يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض، فأمر بهم فأخرجوا من المسجد اخراجاً عنيفاً( ٢ )

وبلغ رسول الله صلّى الله عليه واله أنّ ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبّطون الناس عن رسول الله في غزوة تبوك، فبعث اليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمره أن يحرّق عليهم بيت سويلم، ففعل( ٣ )

وحينما وجد المنافقين يجتمعون في مسجد ضرار لالقاء الفتنة بين المسلمين وتفريق كلمتهم قال لاثنين من أصحابه: ((انطلقا الى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه))( ٤ )

وبقي المنافقون على نهجهم في حياكة المؤامرات على الرسول والرسالة والمسلمين ، وبقوا على استتارهم في عهد رسول الله صلّى الله عليه واله والعهود اللاحقة له وانخرطوا في الغزوات والولايات ، وعلى الرغم من عدم فضحهم من قبل رسول الله صلّى الله عليه الا أنّه وضع مقياسا وضابطة لتشخيصهم ومعرفتهم ببغضهم للامام علي عليه السلام.

________________

( ١ ) السيرة النبوية ٤ : ١٧٩.

( ٢ ) السيرة النبوية لابن هشام ٢: ١٢٥.

( ٣ ) السيرة النبوية ٤: ١٦٠.

( ٤ ) السيرة النبوية ٤: ١٧٤.

١٤٠