سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11014
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11014 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

فما حملك على ما فعلت؟ فقال ابن الأرقم: كنت أراني خازن المسلمين، وإنما خازنك غلامك، والله لا إلى لك بيت المال أبدا، وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر، ويقال: بل ألقاها إلى عثمان، فرفعها إلى نائل مولاه.

وروى الواقدي ان عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت مال المسلمين إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم، فلما دخل بها عليه، قال له:

يا أبا محمد، إن أمير المؤمنين أرسل إليك يقول: إنا قد شغلناك عن التجارة، ولك ذوورحم أهل حاجة، ففرق هذا المال فيهم، واستعن به على عيالك، فقال عبد الله بن الأرقم: ما لي إليه حاجة، وما عملت لان يثيبني عثمان، والله إن كان هذا من بيت مال المسلمين ما بلغ قدر

عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف، ولئن كان من مال عثمان ما أحب أن أرزأه من ماله شيئا. وما في هذه الأمور أوضح من أن يشار إليه وينبه عليه.

الاشكال الرابع:أنه حمى الحمى عن المسلمين، مع أن رسول الله صلى الله عليه وآله جعلهم سواء في الماء والكلأ.

قال قاضى القضاة: وجوابنا عن ذلك أنه لم يحم الكلأ لنفسه، ولا استأثر به، لكنه حماه لإبل الصدقة التي منفعتها تعود على المسلمين. وقد روى عنه هذا الكلام بعينه، وأنه قال: إنما فعلت ذلك لإبل الصدقة، وقد أطلقته الان، وأنا أستغفر الله،وليس في الاعتذار ما يزيد عن ذلك.

واعترض المرتضى رحمه الله تعالى هذا الكلام، فقال: اما أولا فالمروي بخلاف ما ذكر، لان الواقدي روى بإسناده، قال: كان عثمان يحمى الربذة والشرف والبقيع، فكان لا يدخل الحمى بعير له ولا فرس، ولا لبني أمية حتى كان آخر الزمان، فكان يحمى الشرف لإبله وكانت ألف بعير، ولإبل الحكم بن أبي العاص، ويحمى الربذة لإبل الصدقة، ويحمى البقيع لخيل المسلمين وخيله وخيل بنى أمية.

قال: على أنه لو كان إنما حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا، لان الله تعالى ورسوله أباحا الكلأ، وجعلاه مشتركا، فليس لأحد أن يغير هذه الإباحة. ولو كان في هذا الفعل مصيبا، وأنه إنما حماه لمصلحة تعود على المسلمين لما جاز أن يستغفر الله منه ويعتذر، لان الاعتذار إنما يكون من الخطأ دون الصواب.

الاشكال الخامس :أنه ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه. وقد روى كل من روى السيرة من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج يحثو على وأحثو عليه حتى يموت الأعجز منى ومنه!

ورووا أنه كان يطعن عليه، فيقال له: ألا خرجت عليه، ليخرج معك! فيقول:لان أزاول جبلا راسيا أحب إلى من أن أزاول ملكا مؤجلا.

وكان يقوم كل يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا:إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،وإنما كان يقول ذلك معرضا بعثمان، حتى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه، ونهاه عن خطبته هذه، فأبى أن ينتهى، فكتب إلى عثمان

فيه، فكتب عثمان يستقدمه عليه.

وروى أنه لما خرج عبد الله بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج الناس معه يشيعونه، وقالوا له: يا أبا عبد الرحمن، ارجع، فوالله لا نوصله إليك أبدا، فإنا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون، ولا أحب أن أكون أول من فتحه.

وقد روى عنه أيضا من طرق لا تحصى كثرة أنه كان يقول: ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب، وتعاطى ما روى عنه في هذا الباب يطول، وهو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، وإنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت: من يتقبل منى وصية أوصيه بها على ما فيها! فسكت القوم، وعرفوا الذي

يريد، فأعادها، فقال عمار بن ياسر رحمه الله تعالى: أنا أقبلها، فقال ابن مسعود: ألا يصلى على عثمان، قال: ذلك لك، فيقال: إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك، فقال له قائل:إن عمارا ولى الامر، فقال لعمار: ما حملك على أن تؤذني؟ فقال: عهد إلى ألا أؤذنك، فوقف على قبره وأثنى عليه، ثم انصرف وهو يقول: رفعتم والله أيديكم عن خير من بقي.

ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه، أتاه عثمان عائدا، فقال: ما تشتكي؟

فقال: ذنوبي، قال: فما تشتهى؟ قال: رحمه بي، قال: ألا أدعو لك طبيبا؟.

١٨١

قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟ قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه! قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله تعالى، قال: استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن يأخذ لي منك حقي.

وقد روى الواقدي بإسناده وغيره أن ابن مسعود لما استقدم المدينة، دخلها ليلة جمعة، فلما علم عثمان بدخوله، قال: أيها الناس، إنه قد طرقكم الليلة دويبة، من تمشى على طعامه يقئ ويسلح. فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكنني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وصاحبه يوم أحد، وصاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين. قال: وصاحت عائشة: يا عثمان!

أتقول هذا لصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال عثمان: اسكتي، ثم قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى بن قصي: أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة، فاحتمله حتى جاء به باب مسجد، فضرب به الأرض، فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان. وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي أن عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطا في دفنه أبا ذر. وهذه قصة أخرى، وذلك أن أبا ذر رحمه الله تعالى لما حضرته الوفاة بالربذة، وليس معه إلا امرأته وغلامه عهد إليهما أن غسلاني ثم كفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمرون بكم قولوا لهم: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى لله عليه، فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلوا ذلك، وأقبل ابن مسعود في ركب من العراق معتمرين، فلم يرعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق، قد كادت الإبل تطؤها،

فقام إليهم العبد، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، فانهل ابن مسعود باكيا، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه، قال له: تمشى وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك ، ثم نزل هو وأصحابه، فواروه.

الاشكال السادس :أنه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصة، وأحرق المصاحف، وأبطل ما لا شك أنه نزل من القرآن، وأنه مأخوذ عن الرسول صلى الله عليه، ولو كان ذلك مما يسوغ لسبق إليه رسول الله صلى الله عليه، ولفعله أبو بكر وعمر.

قال قاضى القضاة: وجوابنا عن ذلك أن الوجه في جمع القرآن على قراءة واحدة تحصين القرآن وضبطه، وقطع المنازعة والاختلاف فيه. قولهم: لو كان ذلك واجبا لفعله الرسول صلى الله عليه غير لازم، لان الامام إذا فعله صار كأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله، ولان الأحوال في ذلك تختلف، وقد روى أن عمر كان عزم على ذلك

فمات دونه. وليس لأحد أن يقول: إن إحراقه المصاحف استخفاف بالدين، وذلك لأنه إذا جاز من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرب المسجد الذي بنى ضرارا وكفرا، فغير ممتنع إحراق المصاحف.

اعترض المرتضى رحمه الله تعالى هذا الكلام، فقال: إن اختلاف الناس في القراءة ليس بموجب لما صنعه، لأنهم يروون أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:نزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شاف كاف، فهذا الاختلاف عندهم في القرآن مباح مسند عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسع في الحروف ما هو

مباح! فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن كما ادعى، لما أباح النبي صلى الله عليه وسلم في الأصل إلا القراءة الواحدة، لأنه أعلم بوجوه المصالح من جميع أمته، من حيث كان مؤيدا بالوحي، موفقا في كل ما يأتي ويذر. وليس له أن يقول: حدث من الاختلاف في أيام عثمان ما لم يكن في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا ما أباحه، وذلك لان الامر و كان على هذا لوجب أن ينهى عن القراءة الحادثة، والامر المبتدع، ولا يحمله ما أحدث من القراءة على تحريم المتقدم بلا شبهة.

وقوله: إن الامام إذا فعل ذلك، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعله تعلل بالباطل، وكيف يكون كما ادعى، وهذا الاختلاف بعينه قد كان موجودا في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو كان سبب الانتشار الزيادة في القرآن، وفي قطعه تحصين له، لكان عليه السلام بالنهي عن هذا الاختلاف أولى من غيره، اللهم إلا أن يقال: حدث

اختلاف لم يكن، فقد قلنا فيه ما كفى.

وأما قوله: إن عمر قد كان عزم على ذلك فمات دونه، فما سمعناه إلا منه، ولو فعل ذلك أي فاعل كان لكان منكرا.

فأما الاعتذار عن كون إحراق المصاحف لا يكون استخفافا بالدين، بحمله إياه على تخريب مسجد الضرار، فبين الامرين بون بعيد، لان البنيان إنما يكون مسجدا وبيتا لله تعالى بنية الباني وقصده، ولولا ذلك لم يكن بعض البنيان بأن يكون مسجدا أولى من بعض، ولما كان قصد الباني لذلك الموضع غير القربة والعبادة، بل خلافها وضدها من الفساد والمكيدة. لم يكن في الحقيقة مسجدا، وإن

١٨٢

سمى بذلك مجازا على ظاهر الامر، فهدمه لا حرج فيه، وليس كذلك ما بين الدفتين، لأنه كلام الله تعالى الموقر المعظم، الذي يجب صيانته عن البذلة والاستخفاف، فأي نسبة بين الامرين!(١) .

رابعاً: التخلِّي عن الشورى

إنّ الشورى المدعاة في اختيار االخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي وضعت من قبل البعض تبريراً لعمل أبي بكر وعمر، نجدها لم تقوى على النهوض في مقابل النّص، فإن أول خليفة قام بالأمر على أساسها سرعان ما تخلّى عنها وعاد إلى النصِّ فنصّ على عمر بن الخطّاب على الرغم من اعتراض بعض الصحابة عليه وعلى رأسهم طلحة بن عبيدالله(٢) .

وتخلّى ثاني شخصية من شخصيات السقيفة عن الشورى وعاد مؤمناً بالنصِّ والاستخلاف، فحينما قربت وفاته، وطلب منه المسلمون أن يستخلف من يقوم بالأمر قال: ((لو أدركت أبا عبيدة بن الجرّاح باقياً استخلفته ووليته ولو أدركت معاذ بن جبل استخلفته ولو أدركت خالد بن الوليد لوليته))(٣) .

وفي رواية إنّه قال: ((لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيّاً استخلفته ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً استخلفته))(٤) .

وهذا الرأي إنْ دلَّ على شيء إنّما يدل على تراجعه عن الشورى وتبنّي النصّ، وحينما لم يجد شخصاً مؤهلا في نظره كأبي عبيدة أو سالم جعلها شورى بين ستة من الصحابة، وأمر أبا طلحة الأنصاري باختيار خمسين رجلا من الأنصار يشرفون على الشورى، وأوصى لصهيب بقتل من يخالف الاتفاق إذا كان واحداً أو اثنين وإنْ رضي ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا فعبدالله ابنه هو الحكم، فإن لم يرضوا به أرجع الأمر إلى عبدالرحمن بن عوف وقال: ((... فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس))(٥) .

________________

(١) شرح نهج البلاغة ٣: ١١- ٥٩

(٢) الكامل في التاريخ ٢ : ٤٢٥.

(٣) الإمامة والسياسة ١ : ٢٣، ٢٤.

(٤) تاريخ الطبري ٤ : ٢٢٧، الكامل في التاريخ ٣ : ٦٥، شرح نهج البلاغة ١ : ١٩٠.

(٥) تاريخ الطبري ٤ : ٢٢٩، الكامل في التاريخ ٣ : ٦٧، ونحوه في: الطبقات الكبرى ٣ : ٦١.

١٨٣

فجعلها شورى بين ستة مهدّدين بالقتل ومحاطين بقوة مسلحة، وكانت نتيجة الشورى معلومة كما قال علي (عليه السلام)للعباس: ((فسعد لا يخالف ابن عمِّه عبدالرحمن، وعبدالرحمن صهر عثمان; لا يختلفون))(١) .

وحين الاجتماع أصبح الأمر لعبدالرحمن بن عوف يختار من يشاء، وكانت الشروط التي وضعها هي العمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده(٢) فقبلها عثمان ورفض علي الشرط الثالث، فاختار ابن عوف عثمان بن عفّان، فكان تظاهراً كما عبّر عنه علي بقوله: ((ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا))(٣) .

والشورى بهذه الطريقة لم تتحقق في جميع صورها، فهنالك تهديد بالقتل وميل إلى ذي القرابة، وتقييد بسيرة أبي بكر وعمر، وتظاهر على علي (عليه السلام)، وخلاصة القول: إنّ الواقع الذي عمله أبو بكر وعمر لا يصلح أن يكون أساساً لوضع نظرية الشورى، فلم تكن في الحقيقة شورى; لا في الواقع ولا في رأي من نُسبت إليه، حتى يجعلها بعض المسلمين الطريقة الأساسية في اختيار القائد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالطريقة التي وصل بها الأوائل إلى منصب الخلافة لم يكن فيها أيّ مظهر من مظاهر الشورى; فلا حوار هادئ، ولا تصفّح وجهات النظر، ولا تأنّي ولا رويّة، ولم يتمتّع المشاركون بالحرية اللازمة لإبداء آرائهم، فالأهواء كانت هي الغالبة، والانفعال والأحداث الصاخبة كانت هي السائدة، حتى أصبح التهديد بالقتل حقيقةً واضحة.

روايات القتال الداخلي و سفك الدماء

لم يتوقف رسول الله صلى الله عليه واله عن ارشاد الصحابة وتوجيههم للتسامي والتكامل ليكونوا كما ارادهم الله تعالى هداة وقدوة للاجيال ، وكان يحذّرهم باستمرار من التنافس على الدنيا في حياته وبعدها، وخصوصاً التنافس على الرئاسة والسلطة التي تسفك من أجلها الدماء ، ويستحل الصحابي دم صحابي مثله من أجل الحصول عليها وعلى المكاسب والمغانم التي تكون وسيلة لوجودها ، فقد كان حريصا على سلامتهم وسلامة المجتمع الاسلامي ليأخذ دوره الريادي بين الأمم ولتكون كلمة الله هي العليا في أرجاء الأرض.

________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٢٣٠.

(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٢٣٨، الكامل في التاريخ ٣ : ٧١.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٧١.

١٨٤

قال رسول الله صلى الله عليه واله : ((... إنّي لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي، ولكنّي أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها، وتُقتلوا، فتهلكوا، كما هلك من كان قبلكم))(١)

وأخبر صلى الله عليه واله أصحابه بأنّهم سيحرصون على الإمارة فقال: ((إنّكم ستحرصون على الإمارة، وستصير ندامة وحسرة يوم القيامة، فبئست المرضعة، ونعمت الفاطمة))(٢)

وحذّر صلى الله عليه واله من الرجوع إلى الكفر من بعده ، وجعل سفك الدماء علةً لهذا الكفر ، وقد يكون مقصوده صلى الله عليه واله هو الكفر الحقيقي ؛ لأنَّ المؤمن لا يستحلَّ دم أخيه ما دام مؤمناً بالله تعالى وبالعقاب يوم القيامة ، وقد يكون مقصوده هو الانحراف الحقيقي عن الإسلام في الواقع العملي ، وفي صدد ذلك التحذير قال صلى الله عليه واله:((لاترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))(٣)

ولكن بعض الصحابة لم يهتموا بالتحذير فتنافسوا على السلطة وأقصوا الامام عليا وبعده الامام الحسن عليهما السلام من منصبهم في الولاية والخلافة، وهذا الاقصاء خلق ظروفا ادى الى تسلل المنافقين والمنحرفين الى مراكز الدولة والى المناصب الحساسة كمعاوية بن ابي سفيان ،وقد أدت الظروف الى مقتل عثمان بن عفان ، فكانت بداية الاقتتال الداخلي ، تحت عنوان المطالبة بدمه فكانت معركة الجمل ومن بعدها صفين.

________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٧٩٦

(٢) مسند أحمد ٣ : ١٩٩ وبنحوه في تحف العقول : ٢٥

(٣) مسند أحمد ١ : ٦٦٤ و ٦ : ١٩ وصحيح البخاري ١ : ٤١ وصحيح مسلم ١ : ٨٢ وسنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠

١٨٥

واقعة مقتل عثمان بن عفان

سنتطرق الى واقعة مقتل عثمان بن عفان لانها بداية ترتب عليها من نتائج سلبية كانت بداية للقتال الداخلي وسفك الدماء.فقد كان أول موقف في حركة وتاريخ الصحابةوالمسلمين يتبنّى التمرّد العسكري أوالثورة المسلحة ويتبنى استخدام القوّة لتغيير الحاكم والحكومة، ولم يكن مقتله مجرد قتل شخص وإزاحته عن السلطة، بل كان بداية لصراع دموي فتح الباب لدماء عديدة أربكت الصف الإسلامي وخلقت فيه الاضطراب، ولا نبالغ إذا قلنا بان مقتله كان سبباً لاضطرابات ذهب ضحيتها الكثير من المسلمين في عهود متتابعة ومتلاحقة.

وقد تضافرت عدّة أسباب وعوامل أدّت إلى هذه الثورة المسلّحة العارمة التي تأججت فلم يستطع العقلاء والواعون والمخلصون والحريصون على الإسلام والكيان الإسلامي أن يوقفوها أو ينطلقوا من الثوابت الإسلامية، لوضع حلول للوضع المتأزم.

ولا نريد أن نتطرّق إلى شرعية أو عدم شرعية الموقف بل نريد القول بأنّ مقتل الخليفةعثمان كان خطأ كبيراً إرتكبه المعارضون على اختلاف انتماءاتهم وولاءاتهم ونواياهم، وكان أمامهم مواقف بديلة لإصلاح الأوضاع، وكان أمام الخليفةعثمان فرصة لتفادي القتل إلا ان الجميع قد تسّرعوا بسبب الأفعال وردود الأفعال الصاخبة، ولم يفكرّوا بعواقب الأمور، ولو تركوا الامر للامام علي عليه السلام لتغير مجرى التاريخ.

وفيما يلي نستعرض جملة من الامور السياسية التي كانت سببا للقتل وما تبعها من نتائج

أسباب وعوامل الثورة على عثمان بن عفان

في جميع الثورات تتضافر أسباب وعوامل مختلفة وأحياناً متضادة ومتناقضة بتضاد وتناقض القائمين عليها من حيث أفكارهم وعواطفهم وأهدافهم وغاياتهم، وتصطف فيها عناصر عديدة مختلفة في الولاء والانتماء ولكن متحدّة في الوسيلة وهي الثورة وتبديل الحاكم بقوة السلاح

واهم أسباب وعوامل أي ثورة هو التنافي والتضاد بين الثوار وبين السلطة القائمة، فقد يكون التنافي فكرياً وعقائدياً وقد يكون سياسيا، وقد يكون ردود فعل شخصية او اجتماعية بسبب ظلم أو حرمان، أو رد فعل لحكم قضائي مشروع، أو لاسترداد حق، ومن أهم أسباب وعوامل الثورة على عثمان هي مخالفة بعض الثوابت الإسلامية أي عدم التقيّد بقيم القران الكريم والسنة المطهرة، فكانت ثغرة استثمرها المعارضون سواء كانوا مبدئيين أو مصلحيين، وابتدأت المعارضة بأن اجتمع ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه

١٨٦

واله فكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله صلى الله عليه واله ومنها:

١ـ هبته خمس أفريقية لمروان، وفيه حقّ الله ورسوله ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين.

٢ـ تطاوله في البنيان حتى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة من الخمس الواجب لله ولرسوله.

٣ـ إسناده العمل في الولايات لبني أمية.

٤ـ تعطيلة إقامة الحدّ على الوليد بن عقبة إذ صلّى الصبح في الكوفة وهو سكران أربع ركعات.

٥ـ استغنى برأيه عن رأي المهاجرين والأنصار.

٦ـ إعطائه القطائع والأرزاق إلى أفراد ليست لهم صحبة ولم يشتركوا في الجهاد(١) .

ومن الإشكالات التي أثيرت على عثمان:أنّه زوّج ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد وأمر له بستمائة ألف درهم من بيت مال البصرة.

وأثيرت عليه أنّه: آثر القربى، واتخذ الضياع والأموال بمال الله والمسلمين، وآوى الحكم بن أبي العاص، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح طريدي رسول الله صلى الله عليه واله(٢) .

وأكثر الأسباب التي حركت الثورة هي تقريب الأمويين من عثمان وتنصيبهم في الولايات، فالأمويون وقفوا في الصف الأول لمحاربة الإسلام ورسول الله صلى الله عليه واله وساهموا في إضطهاد المسلمين في مكة ومحاربتهم في المدينة، ومن جهة أخرى اعتمد عثمان على المنحرفين منهم وآوى من طرده رسول الله صلى الله عليه واله ولم يتجرأ من سبقه في ذلك.

فواجب الحاكم الإسلامي أن يعيّن الأمناء والصالحين في مراكز الدولة وخصوصاً المراكز الحساسة ذات التأثير في سير الأحداث من أجل ضمان مسيرة الحكومة في تطبيق القوانين والتشريعات والقيم الأخلاقية، وفي معرض الحديث عن واجبات الحاكم جعل

________________

(١) الامامة والسياسة ١ : ٣٢ ،٣٣، ابن قتيبة الدينوري.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٦٨ ـ ١٧٤.

١٨٧

رسول الله صلى الله عليه واله هذا الواجب من ضمنها فقال: ((وأن يستعين على أمرهم بخير من يعلم ))(١) .

والإسلام ينظر إلى المركز الحكومي بأنّه وسيلة لأداء الواجب والتكليف الشرعي فلا يناله إلاّ الأمناء، ولذا كان رسول الله صلّى الله عليه واله لا يولّي من كان حريصاً على الوصول إلى أحد مراكز الحكومة، وكان صلّى الله عليه واله يقول: ((إنّا والله لا نولّي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه ))(٢) .

والمراكز الحكومية أمانة كما وصفها صلّى الله عليه واله: ((إنّها أمانة وإنّها يوم القيامة خزي وندامة إلاّ من أخذها بحقّها وأدّى الذي عليه فيها))(٣) .

وكان يحذّر من إسناد المناصب الحكومية إلى الأقارب لمجرّد إنّهم أقارب للحاكم دون النظر إلى الأمانة والصلاح والكفاءة، فكان يقول: ((مَن ولي ذا قرابة محاباة وهو يجد خيراً منه لم يجد رائحة الجنّة))(٤) .

إضافة إلى ذلك بدأ عثمان يمنح أقاربه العطايا والإمتيازات وهي ملك للمسلمين ولا حقّ للحاكم أن يتصّرف ببيت المال وكأنّه ملك شخصي له، بل ينبغي التقيد بالضوابط الشرعية والقانونية.

وتلعب سياسة توزيع الأموال دوراً في خلق حركة معارضة داخل المجتمع إن كانت مخالفة لثوابت القران والسنة، ومنطلقة من أهواء ومزاجات فردية يتصرف من خلالها الحاكم برغبته دون الاستناد إلى قاعدة ثابتة في التوزيع، فالاستئثار بالأموال وتوزيعها على الأقرباء والأصدقاء وبعض المقربين من الحاكم احد أهم عوامل المعارضة التي تستقطب الاغلبية العظمى من الناس وخصوصاً الفقراء وذوي الدخل المحدد، وتستقطب المحرومين من ايتام وأرامل وعاطلين عن العمل ليكونوا أداة فاعلة في حركة المعارضة مهما كانت الوجوه القيادية فيها.

وتوزيع الأموال هو جزء من السياسية الاقتصادية وهي بدورها جزء من المنهج الإسلامي الشامل لجميع جوانب الحياة لا

________________

(١) كنز العمال ٦: ٤٧.

(٢) صحيح مسلم ٣: ١٤٥٦.

(٣) المصدر السابق ٣: ١٤٥٧

(٤) كنز العمّال ٦: ٣٩.

١٨٨

تنفصل عنه بأي حال من الأحوال، فالمفاهيم والقيم الإسلامية هي الحاكمة على سياسة الحاكم والحكومة، وليس الحاكم إلا فرداً من أفراد الأمة تحمّل مسؤولية النهوض بالمسؤولية الشرعية، وقد حدّد له المنهج الإسلامي صلاحيات محدّدة، يعمل على أساس قواعدها وقوانينها، وليس له الحرية المطلقة في التصرف بالأموال التي في حوزة بيت المال، فهو ليس إلا أمينا عليها، وما هي إلا أمانة في عنقه يؤديها طبقاً لما أمره الله تعالى ولما حدّد له من إرشادات وتوجيهات وأوامر ونواهي، فالمال مال الله تعالى، وهو المصدر في تحديد أنواع الملكيات ومنها ملكية الحاكم وملكية المجتمع الذي يحكمه، ولذا فالملكية أو السياسة الاقتصادية مرتبطة بمفاهيم وقيم الإسلام، فهي وسيلة لغاية سامية مرتبطة بالعدالة والاستقامة وتربية الحاكم والأمة على أساس الموازين الثابتة في الإنفاق والعطاء.

ففي رواية تناول رسول الله من الأرض وبرة من بعير ، أو شيئا ، ثم قال : (( والذي نفسي بيده ، ما لي مما أفاء الله عليكم ، ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم ))(١) .

والمال الذي بحوزة بيت المال أو خزينة الدولة إنما هو أمانة بيد الحاكم.

وعلى ضوء ذلك فالحاكم أمين على الأموال، وهذه قاعدة ثابتة في المنهج الاقتصادي الإسلامي، وهي قاعدة تأنس لها العقول والقلوب لأنها تنسجم مع تطلع الناس نحو العدالة.

وهذه القاعدة ميزان تقاس به تصّرفات الحاكم وولاته في الأموال من حيث التزامه أو عدم التزامه بقيم الإسلام، ولكن بعض ولاة عثمان خالفوا ذلك، ولم يكتفوا بالمخالفة بل حاولوا تزييف وتحريف هذه القاعدة ومنحوا لأنفسهم الصلاحية في التلاعب بالاموال، وقننوا هذا التلاعب، وهذا ما حدث في عهد عثمان بن عفّان، ففي رواية:

قال سعيد بن العاص والي الكوفة: إنما هذا السواد بستان قريش.

فقال الاشتر: أتزعم ان السواد الذي افاءه الله علينا بأسيافنا بستان لك ولقومك؟(٢) .

ومن مصاديق هذه الرؤية ان عثمان(أعطى أبا سفيان مائتي ألف من بيت المال)(٣) .

________________

(١) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الامصار ج١٤:١٧٩.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ١٣٩.

(٣) شرح نهج البلاغة ١ : ١٩٩.

١٨٩

وتقنين الاستئثار بالأموال أو التلاعب في توزيعها دون الاستناد إلى ثوابت المنهج الاقتصادي الإسلامي أثار غضب الصحابة المبدئيين الذين تحمّلوا مسؤولية الإصلاح كما أثار غضب عموم الناس.

فكان الصحابي أبو ذر الغفاري يدعو إلى تطبيق العدالة الإسلامية، فحينما أعطى عثمان مروان بن الحكم وغيره أموالا طائلة من بيت المال، جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشر الكافرين بعذاب اليم، ويرفع بذلك صوته، ويتلو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }(١) .

فرفع ذلك إلى عثمان مرارا وهو ساكت، ثم انه أرسل له مولى من مواليه:

أن انته عما بلغني عنك، فقال أبو ذر: اوَينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى، وعيب من ترك امر الله تعالى! فوالله لأن أرضى الله بسخط عثمان أحب اليّ وخير لي من ان اسخط الله برضا عثمان.

فاغضب عثمان ذلك واحفظه، فتصابر وتماسك، إلى أن قال عثمان يوماً، والناس حوله: أيجوز للإمام ان يأخذ من المال شيئاً قرضاً، فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا بن اليهوديين، أتعلمنا ديننا! فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي، الحق بالشام فنفاه إلى الشام، فكان ينكر على معاوية أشياء يفعلها، وكان يقول: والله لقد حدثت أعمال ما اعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيّه صلى الله عليه واله ، والله انّي لأرى حقّاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه.

وحنيما جيء به إلى معاوية، قال له: يا عدو الله وعدو رسوله! تأتينا في كل يوم فتصنع ما تصنع...

فقال أبو ذر: ما أنا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوان لله ولرسوله، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه واله ودعا عليك مرّات ألاّ تشبع...

فأمر معاوية بحبسه، وكتب إلى عثمان فيه، فكتب عثمان إليه: أن احمل جندباً إلي، على أغلظ مركب وأوعره، فوجّه به مع من

________________

(١) سورة التوبة: ٣٤.

١٩٠

سار به الليل والنهار، وحمله على ناقة ليس عليها إلاّ قتب؛ حتى قدم به المدينة، وقد سقط لحم فخذيه من الجهد(١) .

فلما دخل عليه وعنده جماعة، قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله يقول((إذا كملت بنو اميّة ثلاثين رجلاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دخلاً)) فقال: نعم! سمعت رسول الله يقول ذلك... فلم يقم بالمدينة إلاّ أياما حتى ارسل اليه عثمان: والله لتخرجنّ عنها!

قال: أتخرجني من حرم رسول الله؟

قال: نعم وأنفك راغم.

قال فإلى مكة؟ قال: لا!، قال: فإلى البصرة؟ قال: لا!، قال فإلى الكوفة؟ قال: لا! ولكن إلى الربذة التي خرجتَ منها حتى تموت بها(٢) .

فلولا الإستئثار بالأموال والتلاعب بها وتقنين هذا التلاعب لما كانت فرصة متاحة للمعارضين، ولو إلتزم عثمان وولاته بالقاعدة الإسلامية في التوزيع لتوثقت العلاقة بينه وبين الصحابة وعموم الناس، ولأصبحوا حماةً له ولحكومته، ولما آل مصيره إلى الثورة المسلحة عليه ومن ثمّ قتله

تعدد اتجاهات المعارضين :

________________

(١) شرح نهج البلاغة ٨: ٢٥٦ ـ ٢٥٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٢.

١٩١

وطعن جماعة من الصحابة على عثمان ، لأنّه آثر أقاربه الأموال والهدايا، فكان أبو ذر الغفاري يقول : (والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سُنّة نبيّه، والله إني لأرى حقاً يُطفأ وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذّباً، وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه)(١)

وقال عثمان ذات مرّة لأبي ذر : (لا أنعم الله بك عيناً يا جنيدب... أنت الذي تزعم أنّا نقول : إنّ يد الله مغلولة...) فقال أبو ذر : (لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده ، ولكني أشهدُ لسمعت رسول الله صلّى الله عليه واله يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دخلاً فقال عثمان: (ويلك يا أبا ذر! أتكذب على رسول الله) فقال أبو ذر: (أحدثكم أني سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه واله ثم تتهمونني ! ما كنت أظنَّ أني أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد صلّى الله عليه واله)(٢)

هذا وقد قال الصادق الأمين صلّى الله عليه واله في حقّ أبي ذر : ‎ ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر والأدهى من ذلك هو طرد أبي ذرّ من مدينة رسول الله صلّى الله عليه واله على يد طريد رسول الله صلّى الله عليه واله وابن طريده مروان بن الحكم(٣)

واشتد الطعن على عثمان، ففي ذات مرّة صلّى عثمان بالناس، فلما كبَّر قالت أم المؤمنين عائشة: (يا أيُّها الناس... تركتم أمر الله وخالفتم عهده)، ثم صمتت وتكلمت أم المؤمنين حفصة بمثل ذلك، فلما أتم عثمان الصلاة أقبل على الناس، وقال: (إنَّ هاتين لفتّانتان، يحلّ لي سبُّهما، وأنا بأصلهما عالم)(٤)

________________

(١) شرح نهج البلاغة ٨: ٢٥٦ ـ ٢٥٨.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٢.

(٣) شرح نهج البلاغة ٨: ٢٥٦ ـ ٢٥٨.

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٢.

١٩٢

وتجاوز الطعن إلى التصريح بكفر عثمان من قبل إحدى نساء النبي صلّى الله عليه واله وهي عائشة حيثُ كانت تفتي بقتله وتقول: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر)(١)

وكثر الطعن عليه (ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد)( ٢ ) . وكان طلحة بن عبيدالله من ضمن الطاعنين على عثمان حتى اجتمع عليه بعض الطاعنين، فأمسك بمفاتيح بيت المال والناس حوله، فلما سمع الإمام عليّ عليه السلام بالخبر قام بكسر باب بيت المال وتوزيع مافيه، فتفرق الجمع عن طلحة وانصرفوا عنه، وسمع عثمان بذلك فأبدى رضاه وسروره، وجاء طلحة ودخل على عثمان، فقال عثمان: (والله ما جئت تائباً، ولكن جئتَ مغلوباً، الله حسيبك يا طلحة)( ٣ ) .

وكتب جمع من أهل المدينة من (الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق منهم: إن أردتم الجهاد فهلمّوا إليه، فإنّ دين محمد صلّى الله عليه واله قد أفسده خليفتكم فأقيموه)( ٤ ) .

اعتبار السلطة ملكا وليس مسؤولية

السلطة والحكومة في الإسلام مسؤولية وتكليف شرعي لتوجيه الناس وقيادتهم لتطبيق المنهج الإسلامي في واقع الحياة، وليس الحاكم إلا فرداً من أفراد الأمة تحمل هذه المسؤولية للنهوض بها، وليس له امتياز عليها، ولكن حينما تتحول السلطة إلى ملك أو ملكية فان المفاهيم والقيم والموازين الإسلامية تفقد سلامتها فلا يبقى الا الاضطراب الذي هو مقدّمة لإراقة الدماء بسبب حب السلطة والسعي للبقاء في قمتها.

حينما اجتمع عثمان مع بني أمية في بداية حكومته قال أبو سفيان: ((يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة))( ٥ ) .

ولكن عثمان اكتفى بنهره ولم يقدمه للمحاكمة بتهمة الارتداد، ولم يقاطعه أيضاً، بل كان الغالب على أمره (مروان بن الحكم و

________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥٩ والكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٦

(٢) تاريخ الطبري ٤ : ٣٣٦

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٧

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٨

( ٥ ) شرح نهج البلاغة ٩ : ٥٣.

١٩٣

أبو سفيان)(١) .

والنظرة إلى السلطة والحكومة نظرة الملك والملكية ظاهر من تصريحات اغلب الولاة ومنهم الوليد بن عقبة، وهذا ظاهر من الرواية التالية:

عزل عثمان سعد بن أبي وقاص عن ولاية الكوفة واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط فلما قدم قال له سعد: أكستَ بعدنا أم حمقنا بعدك؟ فقال: لاتجزعنّ يا أبا اسحاق، كل ذلك لم يكن وإنّما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون.

فقال سعد: أراكم جعلتموها ملكاً( ٢ ) .

حيث جعلوا من المنصب ملكاً، وهذا واصح من الناحية العملية، حيث توزعت المناصب على بني أمية وابعد عنها الكثير من المهاجرين والأنصار من أصحاب التقوى والنزاهة والكفاءة.

فمروان بن الحكم يعد الشخصية الثانية بعد عثمان بن عفّان، وقد قال للمعارضين:((جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا))( ٣ ) .

عدم الاستجابة لدعوات اصلاح الأوضاع

المصلحة الإسلامية العليا وكذلك مصلحة الحكومة والحاكم تستلزم الاستجابة لمطاليب المعارضة وخصوصاً إذا كانت عادلة ومنسجمة مع القران والسنة؛ فيحقق الحاكم من خلالها جملة من المكاسب والنتائج الايجابية:

١ـ العودة إلى الاستقامة.

٢ـ توثيق العلاقة مع الآخرين.

________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧٣.

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٨٣.

(٣) المصدر السابق ٣ : ١٦٥.

١٩٤

٣ـ إصلاح الواقع.

٤ـ توقف نشاط المعارضة المخالف للحاكم.

٥ـ غلق الثغرات أمام المتربصين.

٦ـ التعاون في البناء والأعمار والإصلاح.

فحينما تجد المعارضة أذناً صاغية لمطالبها فانّها تتوقف عن نشاطاتها لتتحول إلى تسديد وترشيد هادئ، أما إذا لم تجد أذناً صاغيه، أو تواجه بشتيمة أو اهانة أو تهديد فانها ستزداد وتيرتها وتلتجأ إلى أساليب أشد قسوة أو تتحول إلى معارضة مسلحة.

وفي موضوع معارضة عثمان بن عفان من قبل بعض الصحابة والتابعين وجدنا أنّه قابلهم بشتيمة ولم يتراجع عن سياسته، ففي رواية تاريخية انّه: ارسل جمع من المسلمين عامر بن عبد القيس إلى عثمان، فقال له: إن أناساً من المسلمين اجتمعوا ونظروا في أعمالك فوجدوك قد ركبت اموراً عظاماً، فاتّق الله وتب إليه.

فقال عثمان: انظروا إلى هذا فانّ الناس يزعمون انّه قارئ ثم هو يجيء يكلّمني في المحقّرات، والله ما يدري أين الله.

فقال عامر: بلى والله إنّي لأدري إن الله لبالمرصاد(١) .

وحينما اجتمع بعض المعارضين وكتبوا كتاباً، وأعطوا الكتاب إلى عمّار بن ياسر، فلما دخل على عثمان، فقال مروان:((هذا العبد الأسود قد جرّأ عليك الناس، وإنّك إن قتلته نكلت به من ورائه)).

قال عثمان: (اضربوه) فضربوه وضربه عثمان حتى فتقوا بطنه، فغشي عليه، فجرّوه حتى طرحوه على باب الدار))( ٢ ) .

وتطور الأمر فجعل البعض يطعن بالوالي وبعثمان في مجالسهم وكثر من يجلس معهم، فكتب الوالي إلى عثمان في إخراجهم،

________________

(١) المصدر السابق ٣ : ١٤٩.

(٢) الامامة والسياسة ١ : ٣٣.

١٩٥

فكتب عثمان بإخراجهم إلى معاوية، ثم بعد ذلك كتب عثمان إلى معاوية بردّهم إلى الكوفة، ثم كتب إليه بعد مدّة إرسالهم إلى حمص(١) .

عدم تقبّل نصيحة الامام علي عليه السلام

تبنى الإمام علي عليه السلام دور الحياد ودور الوساطة بين المعارضين وعثمان، وأبلغ في نصيحة عثمان الا انه لم يستجب له ، وقد تحدث المؤرخون انه: تكاتب نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وغيرهم بعضهم إلى بعض: أن أقدموا فانّ الجهاد عندنا، وعظم الناس على عثمان ونالوا منه، ثم اجتمعوا فكلّموا ـ الامام ـ عليّ بن أبي طالب عليه السلام فدخل على عثمان فقال له:((...إن أفضل عباد الله امام عادل هُدي وهدى فأقام سنّة معلومة وأمات بدعة متروكة... وان شر الناس عند الله أمام جائر ضل وأضل فأمات سنة معلومة واحيا بدعة متروكة ، واني احذرك أن تكون إمام هذه الأمة الذي يقتل فيفتح الله عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة ، ويلبّس أمورها عليها ويتركها شيعاً لا يبصرون الحق لعلو الباطل...)).

وبعد حوار بينهما قال الإمام علي عليه السلام:((إن معاوية يقتطع الأمور دونك ويقول للناس هذا أمر عثمان، وأنت تعلم ذلك فلا تغير عليه)).

ثم خرج الإمام عليه السلام من عنده وخرج عثمان على أثره فجلس على المنبر ثم قال:((...إن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيّابون طعّانون... ألا فقد والله عبتم عليّ ما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولكنه وطأكم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه، فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم ، ولنت لكم... فاجترأتم علي، أما والله لأنا أعزّ نفراً وأقرب ناصراً وأكثر عدداً...)).

فقام مروان بن الحكم فقال:((إن شئتم حكّمنا والله ما بيننا وبينكم السيف)).

فقال عثمان:(( اسكت لاسكتّ، دعني وأصحابي، ما منطقك في هذا، الم أتقدّم إليك أن لا تنطق)).

فسكت مروان ونزل عثمان عن المنبر، فاشتدّ قوله على الناس وعظم وزاد تألبهم عليه( ٢ ) .

________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ١٤٩.

(٢) لكامل في التاريخ ٣ : ١٥٣ ، الامامة

١٩٦

دور البطانة الفاسدة في تأزّم الاوضاع

البطانة أو الحاشية لها تأثير على اغلب القادة والحكام سواء كانت صالحة أو طالحة، فالصالحة توجهه للصلاح في الواقع، وتمنعه من أي خطأ أو زلل، وتشجعه على الاعتراف بأخطائه للحيلولة دون تكرارها.

أما البطانة الطالحة أو الفاسدة فإنها تزين له قوله وفعله وان كان خاطئا، وخصوصاً ما يتعلق بمصالحها الآنية والمستقبلية، وتوصل له المعلومات غير الصحيحة عن سيرته وسيرة رعيته، وتزيّف له الحقائق، وهذا وللأسف ما يحدث بالفعل في كثير من الدول والحكومات، وممّا يؤسف له أن يصبح الحاكم أداة بيد البطانة، فيأخذ برأيها واحياناً تتجاوز بعض البطانات الحدود فتصبح هي الآمرة والناهية بعلم الحاكم أو بدون علمه، فتصدر الأوامر لتلبس على الناس أو توحي لهم بانها من إصدار الحاكم أو تنهى عن آراء أو مواقف وتنسيها إلى الحاكم، وتتجازو بعض البطانات والحواشي الحدود لتزوَر الكتب والرسائل وتنسبها إلى الحاكم مستغلة ثقته بها أو ضعفه أولا مبالاته.

خرج عثمان إلى المعارضين ، فقال: ((أنا أول من اتعظ، استغفر الله مما فعلت وأتوب إليه.. فوالله لئن ردّني الحقّ عبداً لأستنّنّ بسنّة العبد ولأذلنّ ذلّ العبد وما عن الله مذهب إلاّ اليه، فوالله لأعطينكم الرضا ولأنحينّ مروان وذويه ولا احتجب دونكم)).

فرقّ الناس وبكوا حتى أخضبوا لحاهم وبكى هو أيضاً.

ولما رجع إلى منزله قال له مروان:((والله لإقامة على خطيئة يستغفر منها أجمل من توبة يخوّف عليها...)).

فقال عثمان: ((فاخرج عليهم فكلمهم فانّي استحي أن اكلمهم)).

فخرج مروان فقال: ((... شاهت الوجوه... جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اخرجوا عنّا، والله لئن رمتمونا ليمّرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا غبّ رأيكم، إرجعوا إلى منازلكم فانا والله ما نحن بمغلوبين على ما في أيدينا)).

فرجع الناس واتى بعضهم علياً عليه السلام فأخبره الخبر ثم دخل على عثمان فقال له:((اما رضيت من مروان ولا رضي منك

________________

اوالسياسة ١ : ٢٨.

١٩٧

إلاّ بتحرّفك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يقاد حيث يسار به؟ والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه! وايم الله إنّي لأراه يوردك ولا يصدرك، وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك، أذْهبتَ شرفك وغُلبت على رأيك)).

فلما خرج الامام عليه السلام قالت له امراته نائلة:((... تتقي الله وتتبع سنة صاحبيك، فانّك متى اطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبة، وانما تركك الناس لمكانه))(١) .

خطط عثمان لموجهة المعارضة

أرسل عثمان إلى بعض ولاته، فقال لهم: إن لكل امرئ وزراء ونصحاء وأنكم وزرائي ونصحائي وأهل ثقتي، وقد صنع الناس ما قد رأيتم، وطلبوا إليّ أن اعزل عمّالي وأن ارجع عن جميع ما يكرهون إلى ما يحبّون، فاجتهدوا رأيكم.

فقال له ابن عامر: أرى لك يا أمير المؤمنين أن تشغلهم بالجهاد عنك حتى يذلوا لك ولا يكون همّة احدهم إلا في نفسه وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروته.

وقال سعيد بن العاص: أحسن عنك الداء فاقطع عنك الذي تخاف، إنّ لكلّ قوم قادة متى تهلك يتفرّقوا ولا يجتمع لهم امر.

وقال معاوية: أشير عليك أن تأمر أمراء الأجناد فيكفيك كل رجل منهم ما قبله وأكفيك أنا أهل الشام.

وقال عبد الله بن سعد: ان الناس أهل طمع فأعطهم من هذا المال تعطف عليك قلوبهم.

ثم قام عمرو بن العاص فقال: يا امير المؤمنين إنّك قد ركبت الناس بمثل بني أمية فقلت وقالوا وزغت وزاغوا، فاعتدل أو اعتزل.

فقال له عثمان: ما لك قمل فروك؟ أهذا الجدّ منك؟ فسكت حتى تفرقوا، فقال: والله يا أمير المؤمنين لانت أكرم علي من ذلك ولكني علمت ان بالباب من يبلغ لنا قول كل رجل منّا فأردت أن يبلغهم قولي فيثقوا بي فأقود إليك خيراً وأدفع عنك شرّاً.

________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٩٣ ، الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٣ ـ ١٦٦.

١٩٨

فردّ عثمان عماله إلى أعمالهم وأمرهم بتجهيز الناس في البعوث(١) .

وحينما تشتد المعارضة للحاكم ولم يستجب لها بسبب عدم استطاعته التخلي عن بطانته أو التراجع عن قراراته ظناً منه أنه بداية التنازل عن موقعه أو سلطته لأنّ المعارضة ـ وبحسب ظنّه ـ سوف تطالبه بمطالب جديدة وتساومه إلى ان تضعف قوته، فيلتجأ إلى أساليب وخطط لإضعافها أو إيقافها، ولو فكر جيداً لوجد أنّ إصلاح الأوضاع كفيل بإنهاء المعارضة.

وما تحدّث به عمرو بن العاص يناغي مشاعر المعارضة التي تطالب بالاعتدال أو الاعتزال.

ولو عمل عثمان بما طالبته به المعارضة لكان خيرا له ولها وللمسلمين وللإسلام، ولما حدثت اضطرابات من بعده سفكت بها الدماء وتشتت بها الألفة وتمزقت الصفوف، ولم تكن مطالب المعارضة عسيرة عن التحقيق، فعزل الولاة بولاة صالحين يساهم في إيقاف المعارضة وبقاء الحاكم في السلطة لفترة أطول ولحين وفاته.

الاستبداد مقدّمة للخلع أو القتل

استبداد الحاكم برأيه وموقفه يوصله إلى التهلكة أما بخلعه وإقالته عن منصبه أو قتله ، وهو في كلا الحالتين يخسر جميع ما كان يتمتع به من مال وسلطان، فلو انفق الأموال في حقها وحسب ثوابت القران والسنة لاستمر في حكمه، ولو عيّن الصالحين وعزل الطالحين لاستمر في حكمه.

حينما اشتدت الأزمة بين عثمان والطاعنين عليه دخل عليه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال له: (( ‎ أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل الظعينة يقاد حيثُ يُسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه! وأيم الله إنّي لأراه يوردك ولا يصدرك...))( ٢ ) .

________________

(١) تاريخ الطبري ٤ : ٧١ ، الكامل في التاريخ ٣ : ١٥٠.

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٦٢ والكامل في التاريخ ٣ : ١٦٥ ـ ١٦٦

١٩٩

وتدخّل الإمام عليّ عليه السلام لتهدئة الأزمة وقال لطلحة: ‎ أنشدك الله إلاّ رددت الناس عن عثمان!، فرفض طلحة نصيحة الإمام عليّ؛ وقال: (لا والله حتى تعطيني بنو أُمية الحقّ من أنفسها)(١)

وكلّم الإمام عليّ عليه السلام القادمين من الأمصار ووعدهم بإصلاح الأوضاع من قبل عثمان، فخرجوا من المدينة، وفي طريقهم إلى مصر أمسكوا بغلام عثمان وعنده كتاب مختوم بختم عثمان يأمر فيه والي مصر بقتلهم، فجاءوا بالكتاب إلى عثمان فأنكر كتابته له، وقيل: إنَّ مروان قد كتبه باسم عثمان، فقالوا له: (ما أنت إلاّ صادق أو كاذب، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا بغير حق، وإن كنت صادقاً فقد استحققت أن تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك وخبث بطانتك.. فاخلع نفسك منه كما خلعك الله) فقال: (لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله، ولكني أتوب وأنزع)، فقالوا: (لو كان هذا أوّل ذنب تبت منه قبلنا، ولكنّا رأيناك تتوب ثم تعود، ولسنا منصرفين حتى نخلعك أو نقتلك أو تلحق أرواحنا بالله تعالى)( ٢ ) .

ثم ارجع الإمام علي عليه السلام المعارضين بعد ان تعهد عثمان بإصلاح الأوضاع، فخرج المصريون من المدينة ثمّ عادوا، فلما عادوا سألهم محمد بن مسلمة عن سبب عودتهم، فأخرجوا صحيفة في أنبوبة رصاص وقالوا: وجدنا غلام عثمان على بعير من ابل الصدقة، ففتشنا متاعه فوجدنا فيه هذه الصحيفة يأمر فيها بجلد عبد الرحمن بن عديس وعمرو بن الحمق وعروة بن البياع وحبسهم وحلق رؤوسهم ولحاهم وصلب بعضهم.

وحضروا مع الامام علي عليه السلام ومحمد بن مسلمة عند عثمان، فأقسم بالله: ما كتبته ولا علم لي به.

فقال محمد: صدق، هذا من عمل مروان.

فقال المعارضون: فيجترأ عليك ويبعث غلامك وجملاً من الصدقة وينقش على خاتمك.

ويبعث إلى عاملك بهذه الأمور العظيمة وأنت لا تعلم؟ قال: نعم.

قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب، فان كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا بغير حق، وان كنت صادقاً فقد استحققت أن تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك وخبث بطانتك... فاخلع نفسك منه.

________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ١٨٣

( ٢ ) المصدر السابق ٣ : ١٩٦

٢٠٠