سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 10992
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10992 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

الأساسية، وانساق الكثير منهم وراء مخططات اعدت من قبل معاوية وبعض الحاقدين على شخص الإمام عليه السلام ومنهجه العادل، والّذين سيتضررون من تطبيق العدالة ويفقدون بعض الامتيازات من أموال ومناصب في أجواء هذه العدالة.

فبعد إتمام البيعة طلع الزبير وطلحة فجلسا بعيداً عن الإمام عليه السلام ثم طلع مروان وسعيد وعبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم فتحدثوا نجيا ساعة ثم قام الوليد بن عقبة فجاء إلى علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن انك قد وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا وخذلت أخي يوم الدار بالأمس وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش وأما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه إليه ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبد مناف ونحن نبايعك اليوم على ان تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان وان تقتل قتلته وإنا إن خفناك تركتنا والتحقنا بالشام، فقال عليه السلام: أما ما ذكرتم من وتري إياكم فالحق وتركم. وأما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي ان أضع حق الله عنكم ولا عن غيركم. واما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس ولكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم وإن خفتكم أن أسيركم.

فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم وافترقوا على إظهار العداوة وإشاعة الخلاف(١) .

فكان الدافع أحقاداً جاهلية قديمة أضيفت اليها حرمانهم من الامتيازات التي حصلوا عليها من الحكومة السابقة، وخصوصاً بعد قيام الإمام عليه السلام بعزل المنحرفين من ولاة عثمان.

وبلغ عبد الله بن عامر وهو يومئذِ أمير البصرة أنّ علياً عليه السلام قد عزله، فقام في الناس خطيباً فقال:((إنّ خليفتكم عثمان بن عفّان قتل مظلوماً وبيعته في أعناقكم، ونصرته، ميتاً كنصرته حياً، ولي عليكم اليوم ما كان لي بالأمس، وقد بايع الناس علياً ونحن اليوم طالبون بدم عثمان فأعدّوا للحرب عدّتها))(٢) .

وجاء إليه طلحة والزبير وطلبا منه أو يولّيهما البصرة والكوفة، فقال عليه السلام: ارضيا بقسم الله تعالى لكما واعلما أنّي لا أشرك في أمانتي إلا من ارضى بدينة وأمانته، فدخلهما اليأس فاستأذناه للخروج إلى مكة للعمرة فقال عليه السلام ما العمرة تريدان وإنما تريدان الغدرة ونكث البيعة، فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة فقال لهما: أعيدا البيعة لي ثانيا فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق

________________

(١) بحار الانوار ٣٢: ١٩.

(٢) كتاب الفتوح ٢: ٤٤٩.

٢٢١

فأذن لهما(١) .

وشجّع معاوية الزبير وطلحة على التمرّد والمطالبة بدم عثمان، بعد أن أغراهم بالخلافة، فكتب إلى الزبير:

بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله بن الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد: فإني قد بايعت لك أهل الشام فاجابوا واستوثقوا فدونك الكوفة والبصرة، وبها كنوز الرجال وعين الخلافة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب وقد بايعت لطلحة بن عبد الله من بعدك وطلحة هو ابن عم لأبي بكر فأظهر الطلب بدم عثمان وادع الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير. فلما وصل الكتاب إلى الزبير اعلم به طلحة واقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية وأجمعا على خلاف علي عليه السلام بعدما بايعا له(٢) .

وتوجه جميع المتمردين إلى البصرة، وما رسوا أعمالاً مخالفة للشريعة أريقت فيها الدماء بدون حق.

فحينما حاور رجل من عبد القيس طلحة والزبير وألقى الحجة عليهما همّوا بقتله فمنعته عشيرته، فلما كان الغد وثبوا عليه وعلى من معه فقتلوا منهم سبعين(٣) .

وهؤلاء قتلوا بدون أي ذنب فلم يكونوا من قتلة عثمان، وإنّما قتلوا لأنهم رفضوا الانسياق وراء طلبهم، أو لأنهم من أنصار الإمام عليه السلام.

وأراد القوم بيت المال فما نعهم الخزّان والموكلون به، فقتل منهم سبعون رجلاً غير من جرح، وخمسون من السبعين ضربت رقابهم صبراً من بعد الأسر، وقتلوا حكيم بن جبلة العبدي، وكان من سادات عبد القيس وزهّاد ربيعة ونسّاكها(٤) .

وقد بيّن الإمام عليه السلام الجرائم التي ارتكبوها.

ومن خطاب للإمام علي عليه السلام جاء فيه:((بايعني طلحة والزبير، وأنا أعرف الغدر في أوجههما، والنكث في أعينهما، ثم

________________

(١) شرح نهج البلاغة ١: ٢٣١.

(٢) شجرة طوبى ٢: ٣١٨.

(٣) الكامل في التاريخ ٣: ٢١٧، تاريخ الطبري ٤: ١٨٩.

(٤) مروج الذهب ٢: ٢٨٩.

٢٢٢

استأذناني في العمرة، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلى مكة واستخفّا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناء الطلقاء، فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المنكر... وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان، والله ما أنكرا عليّ منكراًن ولا جعلا بيني وبينهم نصفاً، وانّ دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما))(١) .

((فخرجوا يجرّون حرمة رسول الله صلّى الله عليه واله كما تجرّ الأمَة عند شرائها متوجهين بها إلى البصرة، فحبسا نساءهما في بيوتهما، وأبرزا حبيس رسول الله صلّى الله عليه واله لهما ولغيرهما، في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة طائعاً غير مكره، فقدموا على عاملي بها وخزّان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها، فقتلوا طائفة صبراً وطائفة غدراً))(٢) .

وقال الإمام علي عليه السلام لأصحابه:((لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بالسيف... إعذروا)).

فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين، فأتي به إليه، فقال:((اللهمّ اشهد))، ثم رمى آخر، فقتل رجلاً من أصحاب علي عليه السلام، فقال:((اللهّم اشهد))، ثم رمى رجل آخر فأصاب عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقتله، فأتى به أخوه عبد الرحمن يحمله، فقال ـ الإمام ـ عليّ عليه السلام: اللهّم اشهد))(٣) .

وكان آخر الحلول هو إخماد التمرّد بالقوة، ولا خيار آخر سوى القتال، والقتال له مبرراته ومن أهمها:

١ـ إنّ المتمردين وخصوصاً القادة ليس لهم حق المطالبة بدم عثمان لأنهم إمّا أن يكونوا من المحرضين على قتله أو المتخاذلين في نصرته.

٢ـ إن المطالبة بدمه من حقّ أوليائه وهم أبناؤه وبناته.

٣ـ إن المطالبة تتم عن طريق القضاء وبعد استقرار الدولة.

٤ـ إنّ قتلة عثمان ليسوا من أهل البصرة.

٥ـ إن المتمردين قاموا بجرائم ومنها الاستيلاء على بيت المال وقتل عدد من الأبرياء.

________________

(١) شرح نهج البلاغة ١: ٣١٠.

(٢) شرح نهج البلاغة ٩: ٢٢٦.

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٨٢.

٢٢٣

٧ـ إن الإمام عليه السلام وأصحابه قد القوا الحجة على المتمردين وليس أمامهم الا ايقاف التمرد والعودة الى الألفة

المعنى الحقيقي للفتنة.

قام رجل إلى الإمام عليّ عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، أي فتنة أعظم من هذه؟ إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف.

فقال الإمام عليه السلام:((ويحك أتكون فتنة أنا أميرها وقائدها؟))(١) .

الفتنة لا تطلق على الصراع بين الحق والباطل داخل الدائرة الإسلامية، فيجب على المسلمين معرفة الحقّ واتّباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه، ولا يجوز الحياد لأنه خذلان للحق والتخلّي عن نصرته.

والفتنة لا تطلق إلاّ في أجواء الصراع بين طائفة من أهل الباطل مع طائفة أخرى من أهل الباطل، بمعنى انّها الصراع بين الفئات الضالة والمنحرفة التي تتصارع من اجل مصالح فئوية أو دنيوية وان أطرت صراعها بأطر عقائدية، وهذا هو المراد من روايات الاعتزال في ظروف الفتنة، بعد عجز الإصلاح بين المتصارعين، فالفتنة المنهي عنها الصراع بين الفئات الضالة والمنحرفة،

أما الصراع بين قادة وأتباع الحقّ وبين قادة وأتباع الباطل فلا يسمى فتنة، فيجب نصرة الموقف الحقّ، وهو أمر واضح لا لبس فيه ولا غموض إذا تجرد الإنسان عن أهوائه ومصالحه الضيقة، ونظر بموضوعية إلى الدوافع والى الأهداف والشعارات المعلنة والمخفية، ثم عرضها على القيم والموازين الثابتة فإنّه سيميّز بين الحقّ والباطل.

وفي معركة الجمل كان الحقّ واضحاً، فقائد الدولة والحكومة هو الإمام عليه عليه السلام وقد تواترت الأحاديث في حقّه وفي فضائله بصورة لا تقبل التأويل، إضافة إلى ذلك فانّه تصدى للخلافة بعد البيعة أي اصبح خليفة بأحد الطرق المشروعة ـ بعد التخلّي عن النص ـ فيجب على الجميع طاعته، وإن الطلب بدم عثمان لا يصح بطريق التمرد على حكومته وخلافته.

وإذا اشتبهت الأمور على البعض فان اشتباههم لم يستمر طويلاً بعد إلقاء الحجة.

قال طلحة لما سقط:((تالله ما رأيت كاليوم قط، شيخاً من قريش أضيع منّي! إنّي والله ما وقفت موقفاً قط إلاّ عرفت موضع

________________

(١) شرح نهج البلاغة ١: ٢٢٨.

٢٢٤

قدمي فيه، إلاّ هذا الموقف(١) .

وقبل بدء القتال قال الزبير:((ألا ألف فارس أسير بهم إلى عليّ فأقتله)) فلم يجبه أحد، فقال:((إنّ هذه للفتنة التي كنّا نحدّث عنها)).

فقال له مولاه:((أتسميها فتنة وتقاتل فيها؟)).

قال:((ويلك، إنّا نُبصّر ولا نُبْصر، ما كان أمر قط الا وأنا أعلم موضع قدمي فيه غير هذا الأمر، فانّي لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر))(٢) .

واعترف ببطلان موقفه، فقال لعائشة:((ما شهدت موطناً قط في الشرك ولا في الإسلام إلا ولي فيه رأي وبصيرة غير هذا الموطن، فانّه لا رأي فيه ولا بصيرة، وإنّي لعلي باطل))(٣) .

الموقف الحقيقي في ظروف الاقتتال الداخلي

كان أبو موسى الأشعري والياً من قبل عثمان على الكوفة، فلما بعث الإمام علي عليه السلام محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر إليه لينصر الحقّ، قال أبو موسى:((إنّ هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقضان، والقاعد خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، والساعي خير من الراكب، فأغمدوا سيوفكم حتى تنجلي هذه الفتنة)).

وقد بيّن عمّار خطأ هذا الرأي والموقف فقال: أيها الناس، إن أبا موسى ينهاكم عن الشخوص إلى هاتين الجماعتين، ولعمري ما صدق فيما قال، وما رضى الله من عباده بما ذكر، قال الله عزّ وجلّ:{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(٤) .

فلم يرض من عباده بما ذكر أبو موسى من ان يجلسوا في بيوتهم ويخلوا بين الناس، فيسفك بعضهم دماء بعض، فسيروا

________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٨٢.

(٢) الكامل في التاريخ ٣: ٢٢٠، تاريخ الطبري ٤: ٤٧٦.

(٣) الامامة والسياسة ١: ٧٢.

(٤) سورة الحجرات: ٩.

٢٢٥

معنا إلى هاتين الجماعتين واسمعوا من حججهم، وانظروا من أولى بالنصرة فاتبعوه، فان أصلح الله أمركم رجعتم مأجورين وقد قضيتم حق الله، وإن بغى بعضهم على بعض نظرتم إلى الفئة الباغية، فقاتلتموها حتى تفيء إلى أمر الله، كما أمركم الله، وافترض عليكم))(١) .

معركة صفين

معركة صفين هي ثاني معركة قادها بعض الصحابة ضد الحكومة الشرعية التي يقودها الامام علي عليه السلام بلا مبرر شرعي اريقت فيها دماء كثيرة واضعفت المجتمع الاسلامي والدولة الاسلاميةوكان عدد قتلى معركة صفين من الطرفين سبعين ألفاً(٢)

وقتل مع الإمام عليّ عليه السلام خمسة وعشرون صحابياً، منهم عمّار بن ياسر قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي وهو من الصحابة الذين شهدوا بيعة الرضوان(٣) .

ومعركة صفين لم تكن معركة محدودة في زمن معين وانتهت في حينها ،بل كانت حلقة وصل بين الماضي والحاضر والمستقبل ، فالماضي اوصل معاوية للحكم ،والحاضر خلق الاجواء المناسبة لتفرد معاوية بولاية الشام ومن ثم السيطرة على الحكم ، والمستقبل اوصل يزيد بن معاوية للحكم والذي ابتدأه بقتل الامام الحسين عليه السلام واهل بيته وسبي نسائه ثم استباحة المدينة والهجوم على الكعبة، واستمر نزيف الدماء وتسلط الجائرين وانحراف الحكومة والدولة عن القران الكريم والسنة النبوية.

وبسبب الاثار التي خلفتها معركة صفين وقائدها المتمرد معاوية بن أبي سفيان ينبغي ان نسلط الاضواء على سيرة معاوية ونثبت انحرافه عن الدين ليعي من يصرح ان معاوية من العدول وانه ((اجتهد فأخطأ))لنثبت انه كان متعمدا مع سبق الاصرار وليس مجتهدا ونتطرق باختصار عن سيرة بقية الصحابة الذين ايدوا معاوية وساندوه.

أسلم معاوية بعد فتح مكّة، وكان يعد عند المسلمين من الطلقاء، ومن المؤلفة قلوبهم، فقد حارب رسول الله صلى الله عليه واله معَ أبيه في بدر وأحد والأحزاب وغيرها من الوقائع، ثمّ أسلم بعد فتح مكة

________________

(١) الإمامة والسياسة ١: ٦٦.

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٥٢ والمنتظم ٥ : ١٢٠

(٣) الفصل في الأهواء والملل والنحل ٤ : ١٦١

٢٢٦

سار إلى الشام في عهد أبي بكر معَ أخيه يزيد، فلمّا مات يزيد استخلفه أبو بكر على الشام، فأقرّه عمر بن الخطاب على ولاية الشام.

وكان يتمتع بمكانة متميزة خاصة عندَ عمر دون غيره من الولاة، وكان إذا رآه يمتدحه ويقول :((هذا كسرى العرب))(١)

وكان يمتدحه ويثني عليه دون غيره من الولاة ويفضله عل دهاء كسرى وقيصر فقال عنه:((يذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية))(٢)

وكان يرفض ان يذم احدهم معاوية فقدوردأنّ أحدهم ذمّ معاوية عنده فقال:((دعونا من ذمّ فتى قريش من يضحك في الغضب، ولا ينال ما عنده إلاّ على الرضا))(٣)

وكان يتمتع باستقلالية تامة عنده فكان يقول له:((لا آمرك ولا أنهاك))(٤)

وحذّر عمر أهل الشورى الستة الذين عينهم ليختاروا خليفة من بعده من الفرقة ووجه أنظارهم إلى غلبة معاوية في حال الفرقة والذي يفهم من كلامه السابق واللاحق انه شجعه على طلب الحكومة والطمع بها، فقال: ((إياكم والفرقة بعدي فان فعلتم، فاعلموا انّ معاوية بالشام، فإذا وكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها منكم ))(٥) .

وبعد وصول عثمان بن عفان الى الحكم بقي معاوية على منصبه بل اصبح اكثر استقلالية من قبل،

وكانت سياسة معاوية وبقية الولاة سببا في نقمة الصحابة والتابعين على عثمان.

وحينما توالت واشتدت المعارضة على عثمان، بعث إلى ولاته ومنهم معاوية، يستشيرهم في اتخاذ الموقف المناسب من المعارضين، فأشار عليه معاوية بالقول: ((ان تأمر أمراء الأجناد، فيكفيك كلّ رجل منهم ما قبله، واكفيك أنا أهل الشام))(٦) .

________________

(١) تاريخ الخلفاء، للسيوطي : ١٥٥

(٢) الكامل في التاريخ ٤ : ١١

(٣) الاستيعاب ٣ : ٣٩٧

(٤) الاستيعاب ٣ : ٣٩٧، العقد الفريد ١ : ٥١

(٥) الإصابة ٦ : ١١٤

(٦) الكامل في التاريخ ٣ : ١٤٩

٢٢٧

وحينما تكاتب نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وغيرهم من التابعين بعضهم إلى بعض : أن اقدموا فانّ الجهاد عندنا، اجتمع الناس فكلموا عليَّ بن أبي طالب عليه السلام ، فدخل على عثمان فقال له :((الناس ورائي وقد كلّموني فيك ))وكلمه في عزل بعض الولاة ومنهم معاوية، وقال له : ((فانّ معاوية يقتطع الاُمور دونك ويقول للناس : هذا أمر عثمان، وأنت تعلم فلا تغيّر عليه))(١)

وطلب معاوية من عثمان ان يرحل معه إلى الشام، فرفض طلبه،والظاهر ومن خلال متابعة الاحداث نرى ان معاوية كان يخطط للهجوم على المدينة بعد استقرار عثمان في الشام ولم يقم معاوية بأي عمل للحيلولة دون قتله، فقد أوصى معاوية قائد جيشه أن يرابط قرب المدينة في زمن حصار عثمان، وقال له:((إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب). فأقام قائده بذي خشب حتى قُتل عثمان، وحينما سئل جويرية عن ذلك قال: (صنعه عمداً ليُقتل عثمان فيدعو إلى نفسه))(٢) .

ولهذه الحقيقة أدلة وشواهد كثيرة ، فحينما طلب معاوية من عبدالله بن سعد بن أبي سرح البيعة أجاب: ((ما كنتُ لاُبايع رجلاً أعرف أنّه يهوى قتل عثمان))(٣) .

وبعد تولّي أمير المؤمنين عليه السلام للخلافةشجّع معاوية الزبير وطلحة على التمرّد والمطالبة بدم عثمان، بعد أن أغراهم بالخلافة، فكتب إلى الزبير:

((بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله بن الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك أما بعد: فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوثقوا فدونك الكوفة والبصرة، وبها كنوز الرجال وعين الخلافة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب وقد بايعت لطلحة بن عبد الله من بعدك وطلحة هو ابن عم لأبي بكر فاظهر الطلب بدم عثمان وادع الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير)).

فلما وصل الكتاب إلى الزبير اعلم به طلحة واقرأه إياه، فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاويةوأجمعا على خلاف علي بعدما

________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ١٥٢

(٢) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١٢٨٩

(٣) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١١٥٣

٢٢٨

بايعا له(١) .

فقادا المعركة ضد الامام عليه السلام فاضعفوا جيشه.

وبعد انتهاء معركة الجمل كتب الامام علي عليه السلام إلى معاوية يدعوه للبيعة قائلاً :((... قد بلغك ما كان من قتل عثمان، وبيعة الناس عامة إياي، ومصارع الناكثين لي، فادخل فيما دخل الناس فيه، والاّ فأنا الذي عرفت، وحولي من تعلمه والسلام))(٢) .

وكتب إليه ثانية يحتج عليه اويلزمه بما الزم نفسه من انعقاد بيعة ابي بكر وعمر وعثمان بالمبايعة لهم من قبل اهل المدينة:((أمّا بعد فانّ بيعتي بالمدينة لزمتك، وأنتَ بالشام لأنه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغايب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار إذا اجتمعوا على رجل فسموه إماما كان ذلك لله رضا ، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى ، ويصله جهنم وساءت مصيرا

وإن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردتهما فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإن احب الأمور إلي فيك العافية إلا أن تتعرض للبلاء ، فإن تعرضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك.

وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس وحاكم القوم إلي أحملك وإياهم على كتاب الله ، فأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان واعلم يامعاوية انك من الطلقاء، الذين لا تحلّ لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا تعرض فيهم الشورى.))(٣) .

فقدبيّن الامام عليه السلام هدف معاوية وهو الوصول الى الخلافة وليس الطلب بدم عثمان الّاذريعة ،وبيّن ان الحل الحقيقي هو تقديم شكوى للقضاء وليس التمرد بالسلاح.

وكثرت بينهما الرسائل والكتب، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يحذّره من الغيّ والضلال والعدوان إلاّ انّه لم ينته عن ذلكَ إلى أن وقعت الحرب.

________________

(١) شرح نهج البلاغة٢٣١:١، شجرة طوبى ٢: ٣١٨.

(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٨٣

(٣) الإمامة والسياسة ١ : ٩٣

٢٢٩

وحاول معاوية استمالة بعض الصحابة ـ ومنهم سعد بن أبي وقاص ـ إلى جانبه إلاّ أنهم رفضوا ما طلبه منهم أشدّ الرفض وبينوا له أحقية عليّ عليه السلام في الأمر(١) .

عزل الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أغلب ولاة عثمان بن عفان، وحينما أشار عليه المغيرة بن شعبة بإبقاء معاوية قال عليه السلام:(( ‎ لا أُداهن في ديني، ولا أعطي الدنيَّة في أمري))(٢) .

فكان يرى إبقاء معاوية في ولايته مداهنة في الدين لان معاوية لم يكن صاحب دين ولم يكن من الصحابة العدول، ولذا عزله بعد أن يئس من رجوعه إلى الطاعة او التزامه بالدين والقيم النبوية.

وقد كتب إليه عدة كتب يدعوه فيها إلى الطاعة، ويبيّن له غيّه ومساوءه، جاء في أحدها قوله عليه السلام ‎ :((وأرديت جيلاً من النّاس كثيراً، خدعتهم بغيِّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجاوزوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم.. فاتق الله يا معاوية في نفسك، وجاذب الشيطان قيادك..))(٣)

وكتب عليه السلام إليه أيضاً: ‎ (( فسبحان الله! ما أشدَّ لزومك للأهواء المبتدعة... فإمّا إكثارك الحِجاجَ على عثمان وقتلته، فإنّك إنّما نصرت عثمان حيثُ كان النصر لك، وخذلته حيثُ كان النّصر له))(٤) .

فقد بيّن له أنّه اتخذ دم عثمان وسيلة لينتصر بها، حيثُ إنّه لم ينصره في حياته

وحينما أراد معاوية استمالة عمرو بن العاص إلى جانبه استشار الأخير ابنيه عبدالله ومحمداً، فقال له عبدالله : (.. فإنّك إنّما تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها مع معاوية فتضجعان غداً في النار)، وقال ابنه محمد: (بادر هذا الأمر) وقال له مولاه وردان : (اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت : عليّ معه آخرة بلا دنيا، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة)

وقال ابنه عبدالله أيضاً : (بال الشيخ على عقبيه ، وباع دينه بدنياه)(٥)

________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٧

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ١٩٧

(٣) نهج البلاغة : ٤٠٦ الكتاب ٣١

(٤) نهج البلاغة : ٤١٠ الكتاب ٣٧

(٥) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٤ ـ ١٨٥

٢٣٠

وكتب الإمام علي عليه السلام إلى ابن العاص كتاباً جاء فيه: ((فإنّك قد جعلتَ دينك تبعاً لدنيا امرىء ظاهر غيُّه، مهتوك ستره... فأذهبت دنياك وآخرتك... ))(١)

وألقيت الحجة عليه بعد مقتل عمّار بن ياسر إلاّ انه تمادى في غيّه وعدوانه عن سبق اصرار ،وسنتطرق الى ذلك في موضوع لاحق، وحينما أحسّ بالخطر المحدق به، رفع المصاحف للحيلولة دون استئصاله واتباعه.

أحداث مابعد صفين والتحكيم

بعد خدعة رفع المصاحف كتب إليه أمير المؤمنين عليه السلام : ((وقد دعوتنا إلى حكم القرآن، ولست من أهله، ولسنا ايّاك أجبنا، ولكن أجبنا القرآن في حكمه))(٢)

وكتب الإمام عليّ عليه السلام اليه : ‎ (( و إنّ البغي و الزّور يذيعان بالمرء في دينه و دنياه ، و يبديان خلله عند من يعيبه و قد علمت أنّك غير مدرك ما قضي فواته و قد رام أقوام أمرا بغير الحقّ فتأوّلوا على اللّه فأكذبهم .فاحذر يوماً يغتبط فيه من أحمد عاقبة عمله، ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه، وقد دعوتنا إلى حكم القرآن ولست من أهله ، ولسنا إياك أجبنا، ولكنّا أجبنا القرآن في حكمه))(٣)

خطب الإمام علي عليه السلام أصحابه موضحاعدم تديّن بعض الصحابة وانحرافهم عن القران والسنة : ((عباد الله، امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوّكم، فإنّ معاوية وعمراً وابن أبي معيط وحبيباً وابن أبي سرح والضحّاك ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم

________________

(١) نهج البلاغة : ٤١١ الكتاب ٣٩

(٢) شرح نهج البلاغة ١٧ : ١٢

(٣) نهج البلاغة : ٤٢٣ الكتاب ٤٨

٢٣١

منكم، قد صحبتهم أطفالاً ثم رجالاً، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، ويحكم والله ما رفعوها إلاّ خديعة ووهناً ومكيدةً... فإنّي إنّما أقاتلهم ليدينوا لحكم الكتاب، فإنّهم قد عصوا الله فيما أمرهم، ونسوا عهده، ونبذوا كتابه))(١) .

وانتهت المعركة بالتحكيم ، وقد كان الإمام عليّ عليه السلام يحذّر معاوية من القتال وسفك الدماء فلم يستجب وكان جوابه لسفراء الإمام عليّ عليه السلام : (... ليس بيني وبينكم إلاّ السيف)(٢)

وانتهى التحكيم بخديعة عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري، فقال الأشعري لابن العاص:((غدرت وفجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب) فقال له ابن العاص.((إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفاراً))(٣) .

وبما أنّ الحكم كان نابعاً من الهوى والابتعاد عن الهدى تبرَّء الإمام عليّ عليه السلام من عمروبن العاص وابي موسى الاشعري وكلاهما من الصحابة ونسب إليهما نبذ حكم القرآن ومخالفته فقال عليه السلام:((ألا إنَّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما، وأحيا ما أمات القرآن، واتبع كل منهما هواه بغير هدى من الله، فحكما بغير حجة بينة ولا سُنة ماضية، واختلفا في حكمهما وكلاهما لم يرشد، فبرىء الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين))(٤)

وحول الحكمين قال عبدالله بن عمر :((انظروا إلى ما صار أمر هذه الاُمّة، إلى رجل لا يبالي ما صنع ، وآخر ضعيفاً))(٥) .

ولم يكتف معاوية بالبغي على إمام زمانه وقتل في هذا البغي آلاف المسلمين وخيرة الصحابة، بل استمر في بغيه بالاعتداء على الأبرياء الذين يوالون الإمام عليّا عليه السلام باعتباره الخليفة الشرعي، وكان يبعث الغارات على المدن التابعة للدولة الإسلامية التي يحكمها الإمام علي عليه السلام فبعث بسر بن أرطأة ـ وهو من الصحابة ـ في ثلاثة آلاف إلى الحجاز وإلى المدينة فدخلها فخطب في

________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٣١٦ ـ ٣١٧ وبنحوه في المنتظم ٥ : ١٢١

(٢) مروج الذهب ٢ : ٣٧٧

(٣) نهاية الارب ٢٠ : ١٥٩

(٤) تاريخ الطبري ٥ : ٧٧ والكامل في التأريخ ٣ : ٣٣٨

(٥) نهاية الأرب ٢٠ : ١٥٩

٢٣٢

الناس وهدّدهم وقال: (والله ما لكم عندي من أمان ولا مبايعة حتى تأتوني بجابر بن عبدالله) فلما سمع الصحابي جابر بن عبدالله انطلق إلى أُم المؤمنين أم سلمة وقال لها: (ماذا ترين؟ انّي قد خشيت أن أُقتل، وهذه بيعة ضلالة)، وكان ذلك الجيش يقتل (من أبى أن يقرّ بالحكومة)(١)

ثم مضى بسر بن أرطأة إلى اليمن فقتل جماعة من أهلها، ومنهم طفلان صغيران لعبيد الله بن العباس(٢)

وبعد معاهدة الصلح وتوقف القتال استمر معاوية على عدوانه وكان يوجه الغارات على الامصار البعيدة عن عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت أوامره إلى قادة الغارات ان يقتلوا كل من لم يبايع معاوية، وكل من يشايع أمير المؤمنين عليه السلام ، ومن وصاياه لسفيان بن عوف الغامدي : أقتل من لقيته ممّن ليس هو على مثل رأيك، واخرب كلّ مامررت به من القرى، واحرب الأموال، فانّ حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب(٣) .

ونتيجةً للجرائم المتوالية التي ارتكبها بسر بن ارطأة طاعة لمعاوية دعا أمير المؤمنين عليه السلام عليه : ((اللهُمّ انّ بسراً باع دينه بالدنيا، وانتهك محارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندك، اللهُمّ فلا تمته حتى تسلبه عقله اللهُمّ العن بسراً وعمراً ومعاوية، وليحل عليهم غضبك))(٤)

وقنت عليه السلام أربعين ليلة يدعو على معاوية(٥)

وفي عهد أمير المؤمنين عليه السلام قتل معاوية محمد بن أبي بكر وسمّ مالك الأشتر، وسيطر على مصر

وكثر الحديث حول دهاء معاوية فأجاب الإمام عليّ عليه السلام موضحا انه يغدر ويفجر والغدر والفجور مسقط للعدالة فقال:((والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس...))(٦)

________________

(١) تاريخ الطبري ٥ : ١٣٩

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ١٤٠

(٣) شرح نهج البلاغة ٢ : ٨٦

(٤) شرح نهج البلاغة ٢ : ١٨

(٥) مختصر تاريخ دمشق ٢٥ : ٣٧

(٦) شرح نهج البلاغة ١٠ : ٢١١

٢٣٣

تمّرد معاوية على خلافة الامام الحسن عليه السلام

خروج معاوية بن أبي سفيان على خلافة الامام الحسن عليه السلام ومانتج عنه من نتائج كلّها دلائل واضحة على عدم عدالته ، فهو خارج على إمام زمانه او خليفة زمانه الشرعي، والخروج مسقط للعدالة إذا كان الخليفة عادلا، والأمر الثاني إنّ تمرده كان مسلحا بمعنى أنّه كان مستحلا للدماء ، وانّه عاهد الامام عليه السلام على عهود أساسية وهامة ثمّ نقضها ولم يحققها فهو ناقض للعهود وغادر مما يسلبه العدالة،وأنّه قتل جماعة من الصحابة لأنّهم رفضوا سبّ الامام علي عليه السلام.

فالإمام الحسن عليه السلام كان منتخباً من قبل أهل الحل والعقد على رأي علماء السنة فهو واجب الطاعة عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، قال: خطب الحسن بن علي عليهما السلام حين قتل عليّ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطيه رأيته فيقاتل وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره فما يرجع حتى يفتح الله عليه وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبع مائة درهم فضلت من عطاياه أراد أن يبتاع بها خادمة لأهله

أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن النبي وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه وأنا ابن السراج المنير وأنا من أهل البيت الذي كان جبرائيل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيّه:((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ))(١) .

فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت)(٢) .

ولمّا تمّ خطاب الإمام عليه السلام تقدّم عبدالله بن عباس، وقال: ((معاشر الناس، هذا ابن نبيّكم، ووصيّ إمامكم فبايعوه)).

________________

(١) سورة الشورى : اية ٢٣

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٨٩

٢٣٤

واستجاب الناس إلى بيعته، وقالوا: (ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة))(١) .

وكان عدد المبايعين له أكثر من أربعين ألفاً، كانوا قد بايعوا أباه عليه السلام على الموت.

وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالعراق وماوراءه من خراسان والحجاز واليمن(٢) .

وخلافة الإمام الحسن عليه السلام مطابقة لمتبنيات علماء الشيعة وغير الشيعة، فالإمام الحسن عليه السلام إمام مفترض الطاعة منصوص عليه من قبل الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وآله ثمّ من قبل أمير المؤمنين عليه السلام، فهو إمام وخليفة سواء بايعته الأمة أم لم تبايعه والبيعة هنا لا تُنشئ الإمامة أو الخلافة بل توّكدها،وهو إمام وخليفة مفترض الطاعة في رأي غير الشيعة الذين لا يؤمنون بالنصّ والتعيين من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الله تعالى، فالبيعة وحدها كافية لانعقاد الولاية والإمامة والخلافة، ولا تتوقف عند المخالفين على مبايعة سائر أفراد الناس بل يتم انعقادها ولو بعقد رجل واحد وقد عمل فقهاء مدرسة الخلفاء بذلك، فاقرّوا خلافة أبي بكر بمبايعة عمر له في السقيفة، وأقرّوا خلافة عمر بن الخطاب بعهد أبي بكر له، وأقرّوا خلافة عثمان حينما بويع من قبل عبد الرحمن بن عوف أو بقية أصحاب الشورى وإن كانوا مكرهين على ذلك.

وبعد ان بويع الامام عليه السلام بالخلافة كتب

لمعاوية بن أبي سفيان كتاباً جاء فيه: (( بسم الله الرحمن الرحيم من امير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان إنّ الله تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين فلمّا توفي تنازعت سلطانه العرب، فقالت قريش: نحن قبيلته وأسرته وأولياؤه، ولا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمد في الناس وحقّه ثم حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجّت به العرب، فلم تنصفنا قريش إنصاف العرب لها واستولوا بالاجتماع على ظلمنا ومراغمتنا فاليوم فليعجب المتعجّب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله لابفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود، وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله إنّ

________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٦٢

(٢) اسد الغابة ١ : ٤٩١

٢٣٥

عليّا رضوان الله عليه لما مضى لسبيله رحمة الله عليه ولاّني المسلمون الأمر بعده فدع التمادي في الباطل وأدخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فانك تعلم أنّي أحقّ بهذا الأمر منك عند الله، وعند كل أوّاب حفيظ، ومن له قلب منيب. واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله، ومن هو أحق به منك؛ ليطفئ الله النائرة بذلك، وتجمع الكلمة وتصلح ذات البين. وإن أبيت إلاّ التمادي في غيك نهدت إليك بالمسلمين، فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين))(١) .

وتفاصيل الكتاب تدل على فسق معاوية وعدم عدالته ، وأنه مجر د متمرد يملك قوة عسكرية واجباره على الطاعة عن طريق القوة أمر مشروع؛ للحفاظ على وحدة الدولة ووحدة الكيان الإسلامي ووحدة المسلمين.

فالإمام الحسن عليه السلام هدّد معاوية باستخدام القوة من أجل اعادته للصف الإسلامي، وليس لمجرد عدم البيعة. فعدم البيعة لا يكفي لوحده لاستخدام القوة ما لم تترتب عليها مفسدة شق عصا المسلمين وتفتيت الدولة والكيان الإسلامي. وكان جواب معاوية: ((من عبدالله أمير المؤمنين إلى الحسن بن علي لو علمت أنك اضبط مني للرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال وأكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فادخل في طاعتي ولك الأمر من بعدي ...)).

قال جندب بن عبدالله الأزدي: ((فلما أتيت الحسن بن علي بكتاب معاوية قلت له: إنّ الرجل سائر إليك فابدأ أنت بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعمله، فأما أن تقدر أنّه يتناولك فلا والله حتى يرى يوماً أعظم من يوم صفين)).

وكتب معاوية: ((... فاحذر أن تكون منيتك على يد رعاع من الناس وإن أنت أعرضت عمّا أنت فيه وبايعتني وفيت لك بما وعدت، وأجرت لك ما شرطت ثم الخلافة لك من بعدي، فأنت أولى الناس بها، والسلام)).

________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٦٤

٢٣٦

فأجابه الإمام الحسن عليه السلام: ((بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، وصل إلي كتابك تذكر فيه ما ذكرت، فتركت جوابك خشية البغي عليك، وبالله أعوذ من ذلك، فاتبع الحق تعلم أني من أهله، وعليّ إثم أن أقول فأكذب والسلام)).

فلما وصل كتاب الحسن إلى معاوية قرأه، ثم كتب إلى عماله على النواحي نسخة واحدة (... اقبلوا إليّ حتى يأتيكم كتابي هذا بجندكم وجهدكم وحسن عدتكم، فقد أصبتم بحمدالله الثأر، وبلغتم الأمل...)).

فاجتمعت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان، وسار قاصداً إلى العراق، وبلغ الحسن خبر مسيره، فتحرك لذلك. وبعث حجر بن عدي يأمر العمّال والناس بالتهيؤ للمسير ونادى المنادي الصلاة جامعة، فأقبل الناس يتوثبون ويجتمعون، فقال الحسن عليه السلام إذا رضيت جماعة الناس فاعلمني، وجاء سعيد بن قيس الهمداني فقال: أخرج، فخرج الحسن عليه السلام فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أمّا بعد، فإنّ الله كتب الجهاد على خلقه وسمّاه كرهاً، ثم قال لأهل الجهاد من المؤمنين: ((وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ))(١) .

فلستم أيّها الناس نائلين ما تحبّون إلاّ بالصبر على ما تكرهون، إنّه بلغني أنّ معاوية بلغه أنا كنّا أزمعنا على المسير إليه فتحرك لذلك، فاخرجوا رحمكم إلى معسكركم بالنخيلة حتى ننظر وتنظروا ونرى وتروا ...)).

وخرج الناس فعسكروا ونشطوا للخروج، وخرج الحسن إلى معسكره. ثمّ إنّ الحسن عليه السلام سار في عسكر عظيم وعدة حسنة حتى أتى دير عبد الرحمن فأقام بها ثلاثاً حتى اجتمع الناس، ثمّ دعا عبيدالله بن العباس فقال له: ((... إذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك، فإن فعل فقاتل، فإن أصبت فقيس بن سعد على الناس ...)).

وفي اليوم الثاني من وصول عبيدالله إلى مسكن، وجّه معاوية بخيله إليه فخرج إليهم عبيدالله فيمن معه فضربهم حتى ردّهم إلى معسكرهم، فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيدالله أنّ الحسن قد راسلني في الصلح، وهو مسلم الأمر إلي، فإن دخلت في طاعتي

________________

(١) سورة الانفال : اية ٤٦

٢٣٧

الآن كنت متبوعاً، وإلاّ دخلت وأنت تابع، ولك أن أجبتني الآن إن أعطيك ألف ألف درهم، أعجل لك في هذا الوقت نصفها، وإذا دخلت الكوفة النصف الآخر، فانسل عبيدالله إليه ليلاً(١) .

وكان معاوية يدس إلى عسكر الحسن عليه السلام من يتحدث أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ويوجه إلى عسكر قيس من يتحدث أنّ الحسن قد صالح معاوية وأجابه(٢) .

واستمر معاوية في دسائسه وخبثه وكذبه وحيلته ، فقد بعث لكل من عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجار بن أبجر عيناً من عيونه يمني كل واحد منهم بقيادة جند من جنوده، أو بتزويج إحدى بناته، أو بمائة ألف درهم أن قتلوا الحسن، وقد بلغه عليه السلام ذلك فاستلأم ولبس درعاً، فكان لايتقدم للصلاة إلاّ وعليه وقاية(٣) .

وكان معاوية يدسّ الجواسيس في جيش الإمام عليه السلام لبث الاشاعات، ومنها: أن قيس بن سعد قد صالح معاوية، ودسّ إلى عسكر قيس من يتحدث أنّ الحسن قد صالح معاوية وأجابه. ووجّه معاوية إلى الإمام عليه السلام المغيرة بن شعبة وآخرين فالتقوا به، وحينما خرجوا قالوا: (إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكنّ الفتنة وأجاب إلى الصلح، فاضطرب العسكر، ولم يشكك الناس في صدقهم))(٤) .

وتوالت الاشاعات مما أدت إلى خلخلة جيش الإمام عليه السلام وخلق الاضطرابات فيه، وتشجيع أهل الأهواء والمنافع للالتحاق بمعاوية حيث بدأت بعض القبائل تلتحق به (قبيلة بعد قبيلة حتّى خفّ عسكره)(٥) .

وبعد استمرار الفرار من جيش الإمام عليه السلام والالتحاق بمعاوية، وبعد تعرّض الإمام عليه السلام لعدّة محاولات استهدفت

________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٦ : ٤٢

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٤

(٣) علل الشرائع ٢٢١

(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٥

(٥) الفتوح ٢ : ٢٩١

٢٣٨

قتله، وبعد أن يئس الإمام عليه السلام من حسم المعركة لصالحه، وأيقن أنّ بقاء الأوضاع على هذه الحالة يؤدّي إلى قتله وقتل أهل بيته وأصحابه المخلصين، جاءته وفود معاوية تدعوه للصلح، ومعهم كتب رؤساء العشائر الّذين ضمنوا لمعاوية فيها قتل الإمام أو تسليمه إليه(١) .

وكان مع آخر الوفود صحيفة بيضاء، مختوم على أسفلها، بخطّ معاوية وختمه: أن اشترط في هذه الصحيفة الّتي ختمت أسفلها ما شئت فهو لك(٢) .

ولما راسله معاوية خطب في البقيّة المتبقيّة من جيشه، وأخبرهم بدعوة معاوية للصلح، ثمّ قال: ((فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عزّ وجل بظُبى السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه، وأخذنا لكم الرضا) فناداه الناس من كلّ جانب: (البقيّة البقيّة))(٣) .

ظروف الصلح البعيدة والقريبة:

إنّ قضية صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ليست قضية زمنية حدثت في حقبة زمنية معينة، بل هي قضية تفاعلت فيها ظروف الماضي مع ظروف الحاضر ؛ حيث استطاع الطلقاء أن يجدوا لهم موقعاً ومركزا حسّاساً داخل الكيان الإسلامي، فقد كان معاوية والياً على الشام في عهد الثلاثة وكانت له صلاحيات مطلقة كما تقدّم، حتّى كان عمر بن الخطاب يحاسب جميع ولاته غير معاوية حيث كان يقول له: (لا آمرك ولا أنهاك). وكان يمدحه كثيراً، وينهى عن ذمّه ،كما حذّر أهل الشورى من الفرقة ، فاستقل معاوية استقلالاً حقيقياً نظراً لصلاحياته المطلقة وعدم تدخّل الحكّام في شؤونه، وتوسّعت ولايته بعد أنّ ضمّ عثمان له الشام

فاستطاع أن يكوّن جيشاً مطيعاً مستسلماً، عن طريق الخداع والتضليل وشراء الضمائر بأموال المسلمين، وكان يوجّهه توجيهاً خاصّاً

________________

(١) الارشاد : ١٩٠

(٢) تاريخ الطبري ٥ : ١٦٢

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٠٦

٢٣٩

عن طريق الوعّاظ والرواة المتملّقين، وكان معزولاً عن بقيّة الأمصار، فلا يعرف غير معاوية وبيت أبي سفيان، ولا يعرف من الإسلام إلاّ ما يوجّهه به معاوية من حيث تاريخ الإسلام وتاريخ رجاله، فكان الناس يفهمون أنّ معاوية خال المؤمنين، وموضع ثقة الخلفاء السابقين، وابن عم الخليفة عثمان، إضافة إلى ما نسبه وعّاظ السلاطين إليه من فضائل بعد غياب الوعي وعدم الاختلاط ببقيّة الأمصار. وتربّص معاوية بعثمان حتّى قتل، فلم ينصره في حياته، وإنّما استغلّ مقتله للتمرّد على خلافة أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، ومن ثمّ الاستقلال الكامل بالشام بعد حرب صفّين. فكان أهل الشام مستسلمين له وحده، ومنقادين لقيادة واحدة، وليس له في الشام من ينافسه على الحكم والإمرة. وممّا ساعد على تقوية كيان الأمويّين هو عدم تأمير أحد من بني هاشم في عهد أبي بكر وعمر وعثمان(١) .

وفي المقابل لم يكن جيش الإمام الحسن عليه السلام جيشا متماسكاً موحداً في أفكاره وولاءاته، بل كان خليطاً غير متجانس من آراء مختلفة وولاءات متعددة، وقد عبّر الإمام عليه السلام عن ذلك قائلاً: ((رأيت أهل الكوفة قوماً لا يثق بهم أحد أبدا إلاّ غـُلب، ليس أحد منهم يوافق آخر في رأي ولا هوى؛ مختلفين لا نيّة لهم في خير ولا شر))(٢) .

وهذا الاختلاف من شأنه خلق البلبلة والاضطراب وعدم الوصول إلى وحدة في القرار والموقف وقد لعبت الأهواء والشهوات والمنافع الذاتيّة دوراً كبيراً في تبدّل النوايا عمّا كانت عليه من قبل ، ومن الطبيعي أن يفرز تعدّد الولاءات وتعدّد الآراء ـ زيادة على تقديم الدنيا على الدين ـ

ووجد الإمام الحسن عليه السلام نفسه أمام مرحلة طويلة من الإعداد، وإصلاح وترميم كثيرٍ من المواقع السياسيّة والعسكريّة، وحتّى الاقتصاديّة والاجتماعية، وهو يرى أنّه يقود جيشاً منهاراً عسكرياً ومعنوياً، لا يمكن جعله منقاداً إلاّ باستخدام وسائل وأساليب كالّتي يستخدمها معاوية، وهو عليه السلام غير مستعدّ لاستخدام تلك الوسائل والأساليب غير المشروعة كالخداع

________________

(١) النزاع والتخاصم ٨٤

(٢) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٠٧

٢٤٠