سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11062
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11062 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

لقد قسّم القرآن الكريم الملتّفين حول النبي صلى الله عليه واله ـ في مقابل الكافرين والذين أُوتوا الكتاب ـ إلى ثلاثة طوائف هم :

١ ـ الذين آمنوا

٢ ـ الذين في قلوبهم مرض

٣ ـ المنافقون

والجدير بالدراسة والبحث وجود عنوان ((الذين في قلوبهم مرض)) إلى جنب ((الذين آمنوا)) في بعض السور المكية

ففي سورة المدثر ، المكية بالاجماع ، وهي من أوليات السور ، جاء قوله تعالى : (( وَما جَعلنا أصحَابَ النَّارِ إلاّ مَلائكةً * وما جَعلنَا عِدّتهُم إلاّ فِتنَةً للَّذينَ كَفرُوا ليستيقِنَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ ويَزدادَ الَّذينَ آمَنُوا إيماناً ولا يَرتَابَ الَّذينَ أُوتُوا الكِتابَ والمؤمنُونَ وليقُولَ الَّذينَ في قُلوبِهمِ مَرضٌ والكافِرونَ ماذا أرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً... )(١)

وفي التفسير قال السيد محمد حسين الطباطبائي:((وقد فسروا ﴿الذين في قلوبهم مرض ﴾ بالشك والجحود بالمنافقين وفسروا الكافرين بالمتظاهرين بالكفر من المشركين وغيرهم.

وقولهم: ﴿ماذا أراد الله بهذا مثلا ﴾ أرادوا به التحقير والتهكم يشيرون بهذا إلى قوله تعالى: ﴿عليها تسعة عشر ﴾ والمثل الوصف، والمعنى ما الذي يعنيه من وصف الخزنة بأنهم تسعة عشر؟ فهذه العدة القليلة كيف تقوى على تعذيب أكثر الثقلين من الجن والإنس.

واضافة لما تقدم من الكلام في النفاق ذكر بعضهم أن قوله تعالى: ﴿وليقول الذين في قلوبهم مرض ﴾ الآية - بناء على أن السورة بتمامها مكية، وأن النفاق إنما حدث بالمدينة - إخبار عما سيحدث من المغيبات بعد الهجرة.

أما كون السورة بتمامها مكية فهو المتعين من طريق النقل وقد ادعي عليه إجماع المفسرين، وما نقل عن مقاتل أن قوله: ﴿وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة ﴾ الآية مدني لم يثبت من طريق النقل، وعلى فرض الثبوت هو قول نظري مبني على حدوث النفاق بالمدينة والآية تخبر عنه.

وأما حديث حدوث النفاق بالمدينة فقد أصر عليه بعضهم محتجا عليه بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين لم يكونوا قبل الهجرة من القوة ونفوذ الأمر وسعة الطول بحيث يهابهم الناس أو يرجى منهم خير حتى يتقوهم ويظهروا لهم الإيمان ويلحقوا بجمعهم مع إبطان الكفر وهذا بخلاف حالهم بالمدينة بعد الهجرة.

والحجة غير تامة - كما أشرنا إليه في تفسير سورة المنافقون في كلام حول النفاق فإن علل النفاق ليست تنحصر في المخافة والاتقاء أو الاستدرار من خير معجل فمن علله الطمع ولو في نفع مؤجل ومنها العصبية والحمية ومنها استقرار العادة ومنها غير ذلك.

ولا دليل على انتفاء جميع هذه العلل عن جميع من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة قبل الهجرة وقد نقل عن بعضهم أنه آمن ثم رجع أو آمن عن ريب ثم صلح))( وقوله: ﴿وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا﴾ اللام في

________________

(١) سورة المدثر : ٣١

٢١

﴿ليقول ﴾ للعاقبة بخلاف اللام في ﴿ليستيقن ﴾ فللتعليل بالغاية، والفرق أن قولهم: ﴿ماذا أراد الله بهذا مثلا ﴾ تحقير وتهكم وهو كفر لا يعد غاية لفعله سبحانه إلا بالعرض بخلاف الاستيقان الذي هو من الإيمان، ولعل اختلاف المعنيين هو الموجب لإعادة اللام في قوله: ﴿وليقول ﴾.

وقد فسروا ﴿الذين في قلوبهم مرض ﴾ بالشك والجحود بالمنافقين وفسروا الكافرين بالمتظاهرين بالكفر من المشركين وغيرهم.))(١) .

وفي تفسيرسورة المنافقين ذكر:(( و من هنا ذكر بعضهم أن حركة النفاق بدأت بدخول الإسلام المدينة و استمرت إلى قرب وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم (

هذا ما ذكره جمع منهم لكن التدبر في حوادث زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و الإمعان في الفتن الواقعة بعد الرحلة و الاعتناء بطبيعة الاجتماع الفعالة يقضي عليه بالنظر: أما

أولا: فلا دليل مقنعا على عدم تسرب النفاق في متبعي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المؤمنين بمكة قبل الهجرة، و قول القائل: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المسلمين بمكة قبل الهجرة لم يكونوا من القوة و نفوذ الأمر و سعة الطول بحيث يهابهم الناس و يتقوهم أو يرجوا منهم خيرا حتى يظهروا لهم الإيمان ظاهرا و يتقربوا منهم بالإسلام، و هم مضطهدون مفتنون معذبون بأيدي صناديد قريش و مشركي مكة المعادين لهم المعاندين للحق بخلاف حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة بعد الهجرة فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هاجر إليها و قد كسب أنصارا من الأوس و الخزرج و استوثق من أقوياء رجالهم أن يدفعوا عنه كما يدفعون عن أنفسهم و أهليهم، و قد دخل الإسلام في بيوت عامتهم فكان مستظهرا بهم على العدة القليلة الذين لم يؤمنوا به و بقوا على شركهم و لم يكن يسعهم أن يعلنوا مخالفتهم و يظهروا شركهم فتوقوا الشر بإظهار الإسلام فآمنوا به ظاهرا و هم على كفرهم باطنا فدسوا الدسائس و مكروا ما مكروا.غير تام، فما القدرة و القوة المخالفة المهيبة و رجاء الخير بالفعل و الاستدرار المعجل علة منحصرة للنفاق حتى يحكم بانتفاء النفاق لانتفائها فكثيرا ما نجد في المجتمعات رجالا يتبعون كل داع و يتجمعون إلى كل ناعق و لا يعبئون بمخالفة القوى المخالفة القاهرة الطاحنة، و يعيشون على خطر مصرين على ذلك رجاء أن يوفقوا يوما لإجراء مرامهم و يتحكموا على الناس باستقلالهم بإدارة رحى المجتمع و العلو في الأرض و قد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يذكر في دعوته لقومه أن لو آمنوا به و اتبعوه كانوا ملوك الأرض.

________________

(١) الميزان ٢٠: ٣٨٢

٢٢

فمن الجائز عقلا أن يكون بعض من آمن به يتبعه في ظاهر دينه طمعا في البلوغ بذلك إلى أمنيته و هي التقدم و الرئاسة و الاستعلاء، و الأثر المترتب على هذا النوع من النفاق ليس هو تقليب الأمور و تربص الدوائر على الإسلام و المسلمين و إفساد المجتمع الديني بل تقويته بما أمكن و تفديته بالمال و الجاه لينتظم بذلك الأمور و يتهيأ لاستفادته منه و استدراره لنفع شخصه.

نعم يمكر مثل هذا المنافق بالمخالفة و المضادة فيما إذا لاح من الدين مثلا ما يخالف أمنية تقدمه و تسلطه إرجاعا للأمر إلى سبيل ينتهي إلى غرضه الفاسد.

و أيضا من الممكن أن يكون بعض المسلمين يرتاب في دينه فيرتد و يكتم ارتداده كما مرت الإشارة إليه في قوله تعالى: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا" الآية، و كما يظهر من لحن مثل قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم": المائدة: ٥٤.

و أيضا الذين آمنوا من مشركي مكة يوم الفتح لا يؤمن أكثرهم أن لا يؤمنوا إيمان صدق و إخلاص و من البديهي عند من تدبر في حوادث سني الدعوة أن كفار مكة و ما والاها و خاصة صناديد قريش ما كانوا ليؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لو لا سواد جنود غشيتهم و بريق سيوف مسلطة فوق رءوسهم يوم الفتح و كيف يمكن مع ذلك القضاء بأنه حدث في قلوبهم و الظرف هذا الظرف نور الإيمان و في نفوسهم الإخلاص و اليقين فآمنوا بالله طوعا عن آخرهم و لم يدب فيهم دبيب النفاق أصلا.

و أما ثانيا: فلأن استمرار النفاق إلى قرب رحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و انقطاعه عند ذلك ممنوع نعم انقطع الخبر عن المنافقين بالرحلة و انعقاد الخلافة و انمحى أثرهم فلم يظهر منهم ما كان يظهر من الآثار المضادة و المكائد و الدسائس المشئومة.

فهل كان ذلك لأن المنافقين وفقوا للإسلام و أخلصوا الإيمان عن آخرهم برحلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تأثرت قلوبهم من موته ما لم يتأثر بحياته؟ أو أنهم صالحوا أولياء الحكومة الإسلامية على ترك المزاحمة بأن يسمح لهم ما فيه أمنيتهم مصالحة سرية بعد الرحلة أو قبلها؟ أو أنه وقع هناك تصالح اتفاقي بينهم و بين المسلمين فوردوا جميعا في مشرعة سواء فارتفع التصاك و التصادم؟ ))(١) .

دلّت الآيات المباركة على وجود أُناس ((في قلوبهم مرض)) حول النبي صلى الله عليه واله منذ الأيام الاُولى من الدعوة الإسلامية،فهؤلاء غير المنافقين الذين ظهروا بالمدينة المنورة ، قال الله تعالى :(( وممّن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة... ))( ٢ )

________________

(١) الميزان ١٩ : ٢٢٤

( ٢ ) سورة التوبة : ١٠١

٢٣

فالذين في قلوبهم مرض لازموا النبي منذ العهد المكي، حيث كان الإسلام ضعيفاً والنبي صلى الله عليه واله مطارداً. أما المنافقون فقد ظهروا بعد أن ظهرت شوكة الإسلام ، فتظاهروا بالإسلام حفظاً لأنفسهم وأموالهم وشؤونهم

وبناءً على هذا، فكلّ آية من القرآن الكريم ورد في ظاهرها شيء من الثناء على عموم الصحابة ، فهي ـ لو تمّ الاستدلال بها ـ محفوفة بما يخرجها عن الاطلاق والعموم وتكون مخصّصةً بـ ((الذين آمنوا)) حقيقةً ، فلا يتوهّم شمولها للذين في قلوبهم مرض ، والمنافقين ، الذين وقع التصريح بذمّهم كذلك في كثير من الآيات.

وهناك تقسيم اخر للمسلمين أوالصحابةكما ورد في الاية الكريمة:

قال تعالى:(( ثم أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالمٌ لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ))(١) .

ورد في تفسير الميزان : ((وقوله: " فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " يحتمل أن يكون ضمير " منهم " راجعا إلى " الذين اصطفينا " فيكون الطوائف الثلاث الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات شركاء في الوراثة وإن كان الوارث الحقيقي العالم بالكتاب والحافظ له هو السابق بالخيرات.

ويحتمل أن يكون راجعا إلى عبادنا - من غير إفادة الإضافة للتشريف - فيكون قوله: " فمنهم " مفيدا للتعليل والمعنى إنما أورثنا الكتاب بعض عبادنا وهم المصطفون لا جميع العباد لان من عبادنا من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ولا يصلح الكل للوراثة.

ويمكن تأييد أول الاحتمالين بأن لا مانع من نسبة الوراثة إلى الكل مع قيام البعض بها حقيقة كما نجد نظيره في قوله تعالى: " وأورثنا بني إسرائيل الكتاب " المؤمن: ٥٤ وما في الآية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات يعطي أن المراد بالظالم لنفسه من عليه شئ من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن لكونه مصطفى ووارثا، والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلى درجات القرب فهو أمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات قال تعالى: " والسابقون السابقون أولئك المقربون " الواقعة: ١١.

________________

(١) سورة فاطر : ٣٢

٢٤

واختلف في " فمنهم " فقيل: مرجع الضمير " الذين " وقيل: " عبادنا " واختلف في الظالم لنفسه والمقتصد والسابق فقيل: الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه و المقتصد من استوى ظاهره وباطنه والسابق من كان باطنه خيرا من ظاهره، وقيل: السابق هم السابقون الماضون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه والمقتصد من تبع أثرهم ولحق بهم من الصحابة والظالم لنفسه غيرهم، وقيل: الظالم من غلبت عليه السيئة والمقتصد المتوسط حالا والسابق هو المقرب إلى الله السابق في الدرجات))(١) .

وماتقدم يعني ان الصحابة متوزعون على الاصناف الثلاثة فهم اما ظالم لنفسه او مقتصد او سابق بالخيرات.

وفيما يلي نستعرض الآيات القرآنية التي نزلت في الصحابة في مختلف مراحل الدعوة الإسلامية ، وفي مختلف ظروفهم من حيث القرب والبعد عن الأسس الثابتة في العقيدة والشريعة ، ومن حيث درجة الانقياد لله ورسوله صلى الله عليه واله في الأوامر والنواهي

آيات المدح والثناء

القرآن الكريم حافل بالآيات الكريمة المادحة للصحابة والتي تثني عليهم وعلى مواقفهم في نصرة الرسالة والرسول وعلى اخلاصهم وتفانيهم وتضحياتهم وعلى تجسيدهم للمفاهيم والقيم الاسلامية في سيرتهم وسلوكهم.

وقد استدل البعض من العلماء والباحثين على عدالة جميع الصحابة من خلال الآيات المادحة،وفي هذا المقام نتطرق الى الآيات الكريمة بامعان لنرى أن المدح والثناء هل يشمل جميع الصحابة فردا فردا، وهل ان العدالة المستقاة من المدح والثناء تشمل جميع الصحابة فردا فردا أم أنّ الله تعالى قد أثنى في كتابه على الصحابة بنحو العموم دون النظر الى الافراد فردا فردا :

الآية الاُولى : قال تعالى:(( كُنتُمْ خيرَ أُمَّة أُخرجَتْ للنّاسِ تأمُرُونَ بالمعروفِ وتَنهَونَ عَنِ المنكرِ وتؤمنونَ باللهِ ))( ٢ ) .

وتفسيرها((أنكم معاشر المسلمين خير أمة أظهرها الله للناس بهدايتها لأنكم على الجماعة تؤمنون بالله و تأتون بفريضتي الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و من المعلوم أن انبساط هذا التشريف على جميع الأمة لكون البعض متصفين بحقيقة الإيمان و القيام بحق الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر هذا محصل ما ذكروه في المقام.

________________

(١) الميزان ١٧ : ٣٤

( ٢ ) سورة آل عمران ٣ : ١١٠

٢٥

و الظاهر و الله أعلم أن قوله: كنتم غير منسلخ عن الزمان و الآية تمدح حال المؤمنين في أول ظهور الإسلام من السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار، و المراد بالإيمان هو الإيمان بدعوة الاجتماع على الاعتصام بحبل الله و عدم التفرق فيه في مقابل الكفر به على ما يدل عليه قوله قبل: أ كفرتم بعد إيمانكم الآية، و كذا المراد بإيمان أهل الكتاب ذلك أيضا فيئول المعنى إلى أنكم معاشر أمة الإسلام كنتم في أول ما تكونتم و ظهرتم للناس خير أمة ظهرت لكونكم تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تعتصمون بحبل الله متفقين متحدين كنفس واحدة، و لو كان أهل الكتاب على هذا الوصف أيضا لكان خيرا لهم لكنهم اختلفوا منهم أمة مؤمنون و أكثرهم فاسقون))(١) ..

وفي مقام ورودها ونزولها قالوا : نزلت هذه الآية في المهاجرين من مكّة إلى المدينة كما ورد عن عبدالله بن عباس أنّه قال:((هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه واله من مكّة إلى المدينة))( ٢ )

وعن عكرمة ومقاتل:((نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة ، وذلك أنّ مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم : إنَّ ديننا خير مما تدعوننا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالى هذه الآية...))( ٣ )

ومهما كانت أسباب النزول وموارده الخاصة الا ان المفسرين وسّعوا المفهوم ليشمل جميع الامة الاسلامية وفي جميع الازمان كما يقول ابن كثير:((والصحيح أنَّ هذه الآية عامة في جميع الاُمّة كل قرن بحسبه)( ٤ )

واختلف العلماء والباحثون في تشخيص من تشمله الآية ، هل هو الاُمّة بأفرادها فرداً فرداً ؟ أي أنّ كلّ فرد من الاُمّة الإسلامية هو موصوف بالخيرية والتي تعني العدالة ، أو هو الاُمة إجمالاً،أي الأمة بمجموعها دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً.

فذهب جماعة إلى الرأي الأول ومنهم : الخطيب البغدادي ، وابن حجر العسقلاني ، وابن عبدالبر القرطبي ، وابن الصلاح ، وابن النجّار الحنبلي

________________

(١) الميزان ٣ :٢٧٨

( ٢ ) تفسير القرآن العظيم ، لابن كثير ١ : ٣٩٩ والدر المنثور ، للسيوطي ٢ : ٢٩٣ وبنحوه في الجامع لاحكام القرآن ، للقرطبي ٤ : ١٧٠

( ٣ ) أسباب نزول القرآن ، للواحدي : ١٢١

( ٤ ) تفسير القرآن العظيم ١ : ٣٩٩

٢٦

فالآية في نظرهم شاملة لجميع أفراد الاُمّة وهم الصحابة آنذاك ، فكل صحابي يتصف بالخيرية والعدالة مادام يشهد الشهادتين

وذهب آخرون إلى الرأي الثاني ، وهو اتصاف مجموع الاُمّة بالخيرية والعدالةدون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً ، وقيّدوا هذه الصفة بشرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يتصف بالخيرية والعدالة من لم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر ، سواء كان فرداً أو أُمّة.

قال الفضل الطبرسي:((كان بمعنى صار ، ومعناه : صرتم خير أُمّة خلقت لأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر وإيمانكم بالله ، فتصير هذه الخصال... شرطاً في كونهم خيراً))(١)

وقال الفخر الرازي:((... المعنى أنّكم كنتم في اللوح المحفوظ خير الاُمم وأفضلهم ، فاللائق بهذا أن لا تبطلوا على أنفسكم هذه الفضيلة... وأن تكونوا منقادين مطيعين في كلِّ ما يتوجه عليكم من التكاليف... والألف واللام في لفظ (المعروف) ، ولفظ (المنكر) يفيدان الاستغراق ، وهذا يقتضي كونهم آمرين بكلِّ معروف وناهين عن كلِّ منكر... (تأمرون) المقصود به بيان علة تلك الخيرية))( ٢ )

وقال القرطبي:((تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر : مدح لهذه الاُمّة ما أقاموا ذلك واتصفوا به ، فإذا تركوا التغيير وتواطئوا على المنكر ، زال عنهم اسم المدح ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سبباً لهلاكهم))( ٣ )

فالاية ناظرة الى مجموع الامة في المتصفة بالخيرية والعدالة وهي تزول إن زالت علّتها ، وذهب إلى ذلك ـ أيضاً ـ نظام الدين النيسابوري( ٤ ) ، والشوكاني( ٥ ) ، وآخرون

________________

(١) الكفاية في علم الرواية : ٤٦ الاصابة ١ : ٦ والاستيعاب ١ : ٢ ومقدمة ابن الصلاح : ٤٢٧ وشرح الكوكب المنير ٢ : ٢٧٤

( ٢ ) مجمع البيان في تفسير القرآن ، للطبرسي ١ : ٤٨٦

( ٣ ) التفسير الكبير ٨ : ١٨٩ ـ ١٩١

( ٤ ) الجامع لأحكام القرآن ٤ : ١٧٣

( ٥ ) تفسير غرائب القرآن ، للنيسابوري ٢ : ٢٣٢

٢٧

وممن تبنى هذا الرأي ابن كثير واورد حديثا لرسول الله صلى الله عليه واله:(( ‎ خيرُ الناس أقرأهم، وأتقاهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأوصلهم للرحم))( ٢ ) .

وحديث رسول الله صريح في تقييد الخيرية بقيود وصفات تنطبق على الأفراد الذين يتصفون بهذه الصفات دون غيرهم.

وقيّد أحمد مصطفى المراغي الخيرية بقيود مختصة بمن نزلت فيهم الآية في حينها ، ثم وسّع المفهوم مشروطاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال في تفسيره : ((أنتم خير أُمّة في الوجود الآن ، لأنكم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون إيماناً صادقاً يظهر أثره في نفوسكم... وهذا الوصف يصدق على الذين خوطبوا به أولاً ، وهم النبي صلى الله عليه واله وأصحابه الذين كانوا معه وقت التنزيل... وما فتئت هذه الاُمّة خير الاُمم حتى تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر))( ٣ )

وأضاف محمد رشيد رضا اضافات أخرى: الاعتصام بحبل الله ، وعدم التفرّق ، إلى شرط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع تخصيص الخيرية بالامة كمجموع لا الافراد فردا فردا ،فتختص بالصحابة الملتزمين دون غيرهم فقال :((شهادة من الله تعالى للنبي صلى الله عليه واله ومن اتّبعه من المؤمنين الصادقين إلى زمن نزولها بأنّها خير أُمّة أُخرجت للناس بتلك المزايا الثلاث ، ومن اتّبعهم فيها كان له حكمهم لا محالة ، ولكن هذه الخيرية لا يستحقها من ليس لهم من الإسلام واتّباع النبي صلى الله عليه واله إلاّ الدعوى وجعل الدين جنسية لهم ، بل لا يستحقها من أقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحجّ البيت الحرام والتزم الحلال واجتنب الحرام مع الإخلاص الذي هو روح الإسلام، إلاّ بعد القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالاعتصام بحبل الله مع اتّقاء التفرّق والخلاف في الدين...

إنّ هذه الصفات العالية والمزايا الكاملة لذلك الإيمان الكامل ، لم تكن لكلِّ من يطلق عليه المحدثون اسم الصحابي))( ٤ )

ومن خلال طرح هذه الآراء نجد أنّ الرأي الثاني هو الأقرب لثوابت القران الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فالخيرية والعدالةالمستفادة ناظرة الى الامة اجمالا او مجموع الامة وليس ناظرة إلى الأفراد فرداً فرداً.

________________

(١) فتح القدير ، للشوكاني ١ : ٣٧١

( ٢ ) تفسير القرآن العظيم ١ : ٣٩٩

( ٣ ) تفسير المراغي ٤ : ٢٩

( ٤ ) تفسير المنار ٤ : ٥٨ ـ ٥٩

٢٨

فالأفراد من الصحابة فردا فردا لاتثبت الخيرية والعدالة لهم وهم غير مشمولين بها الا اذا ثبت عمليا وواقعيا التزامهم بالشروط المذكورة في الاية الكريمة، بل حتى خيريرة المجموع مشروطة ايضا بتلك الشروط فتزول بازالتها.

وأكدّ الدكتور عبدالكريم النملة هذا المعنى اي أنّ الخيرية والعدالةالمستفادة ناظرة الى الامة اجمالا او مجموع الامة وليس ناظرة إلى الأفراد فرداً فرداً.

فقال:((لا يجوز استعمال اللفظ في معنيين مختلفين ، فالمراد مجموع الاُمّة من حيث المجموع ، فلا يراد كل واحد منهم ـ أي من الصحابة ـ))(١) .

فالاية الكريمة وان دلت على الخيرية والعدالة فانها مختصة بالصحابة كمجموع ولا تشمل الصحابة فردا فردا مالم يؤد الشروط التي ذكرها القران الكريم ، فالصحابي كغيره يتصف بالعدالة أو عدم العدالة من خلال مواقفه وسلوكه وسيرته، ومن خلال التزامه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد تهذيب النفس والسلوك والمحتوى الداخلي له

الآية الثانية : قال تعالى:(( وكذلِكَ جعلناكُم أُمَّةً وسطاً لِتكونُوا شُهداءَ على النّاسِ ويكونَ الرّسُولُ عليكم شهيداً... )( ٢ )

جعل الله تعالى الأُمّة الاسلامية أُمّة وسطاً بين الاُمم ، والوسط هي البعيدة عن التقصير والغلو في الاعتقاد وفي المواقف العملية من الأنبياء والرسل عليهم السلام ، فهي وسط بين جميع الامم ومنها أمةاليهود وأمةالنصارى بلا افراط ولاتفريط في الاعتقاد والسيرة وكل المجالات المتعلقة بهما.

قال القرطبي:((لمّا كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً، أي هذه الأمة لم تغل غلوّ النصارى في أنبيائهم، ولا قصرّوا تقصير اليهود في أنبيائهم))( ٣ )

وقال النيسابوري:((إنّهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرّط ، والغالي والمقصّر في شأن الأنبياء لا كالنصارى... ولا كاليهود))( ٤ )

________________

(١) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف : ٨٢

( ٢ ) سورة البقرة ٢ : ١٤٣

( ٣ ) الجامع لأحكام القرآن ٢ : ١٥٤

( ٤ ) تفسير غرائب القرآن ١ : ٤٢١

٢٩

ويطلق الوسط أيضاً على الخيار والعدل.

قال الزمخشري :((... وقيل للخيار وسط لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل والإعوار ، والأوساط محمية محوطة.. أو عدولاً لأنَّ الوسط عدل بين الأطراف ليس إلى بعضها أقرب من بعض))(١) .

والوسطية بمعنى الاعتدال بين الإفراط والتفريط هي المستعملة في آراء المشهور من المفسرين( ٢ )

وحاول البعض أن يجعل هذه الوسطية او العدل سارية على أفراد الامة فردا فردا بمعنى أنّ كل فرد هو وسط وعدل، وبمعنى اخر أنّ كل صحابي هو وسط وعدل وشاهد على الناس ومنهم : عبدالرحمن ابن أبي حاتم الرازي ، والخطيب البغدادي، وابن حجر العسقلاني ، وابن عبدالبر القرطبي ، وابن الصلاح ، وابن النجّار( ٣ ) .

فعمموا الوسطية والعدالة على جميع الصحابة ؛ فكل فرد من أفراد الصحابة هو وسط وعادل أي ان جميع الصحابة عدول.

ولكنّ الكثير من العلماء والباحثين لم يأخذوا بهذا الرأي، وتبنّوا وسطية وعدالة الصحابة بماهم مجموع دون السراية الى الأفراد فردا فردا،فليس كل فرد من أفراد الامة وليس كل صحابي وسطا وعدلا الا ضمن الموازين الاسلامية ومنها اتباع مفاهيم وقيم القران الكريم والسنة النبوية وتجسيدها في أفكارهم وعواطفهم وسيرتهم.

قال الفضل الطبرسي:((... إنّه ـ تعالى ـ جعل أُمّة نبيه محمد صلى الله عليه واله عدلاً وواسطة بين الرسول والناس ، ومتى قيل : إذا كان في الاُمّة من ليس هذه صفته ، فكيف وصف جماعتهم بذلك ؟ فالجواب : إنّ المراد به من كان بتلك الصفة ، ولأن كل عصر لا يخلو من جماعة هذه صفتهم))( ٤ )

________________

(١) الكشّاف ١ : ٣١٨

( ٢ ) مجمع البيان ١ : ٢٤٤ وتفسير المراغي ٢ : ٦ وتفسير المنار ٢ : ٥

( ٣ ) الجرح والتعديل ١ : ٧ والكفاية في علم الرواية : ٤٦ والإصابة ١ : ٦ والاستيعاب ١ : ٢ ومقدمة ابن الصلاح : ٤٢٧ وشرح الكوكب المنير ٢ : ٤٧٤

٣٠

وجعل البعض اتّباع سيرة رسول الله صلى الله عليه واله شرطاً للاتصاف بالعدالة والوسطية ، فمن لم يتبعها يعتبر خارجاً عن هذه الاُمّة وهذا ماورد في قول أحمد مصطفى المراغي:((فنحن إنّما نستحق هذا الوصف إذا اتّبعنا سيرته وشريعته ، وهو الذي يحكم على من اتّبعها ومن حاد عنها وابتدع لنفسه تقاليد أُخرى وانحرف عن الجادّة ، وحينئذ يكون الرسول بدينه وسيرته حجّة عليه بأنّه ليس من أُمتّه.. وبذلك يخرج من الوسط ويكون في أحد الطرفين))( ٢ )

وتبنّى هذا الرأي محمد رشيد رضا في تفسيره للاية الشريفة فقال:((إنّ الرسول هو المثال الأكمل لمرتبة الوسط ، وإنّما تكون هذه الاُمّة وسطاً باتباعها له في سيرته وشريعته يشهد لها الرسول بما وافقت فيه سنته ، وما كان لها من الأسوة الحسنة فيه... فكأنه قال : إنّما يتحقق لكم وصف الوسط إذا حافظتم على العمل بهدي الرسول واستقمتم على سنته ، وأمّا إذا انحرفتم عن هذه الجادة فالرسول بنفسه ودينه وسيرته حجة عليكم بأنّكم لستم من أُمّته التي وصفها الله في كتابه))( ٣ ) .

وركزّ السيد محمد حسين الطباطبائي على وسطية وعدالة الاولياء فجعلها مختصة بهم دون غيرهم، فقال:((ومن المعلوم أنّ هذه الكرامة ليست تنالها جميع الاُمّة ، إذ ليست إلاّ كرامة خاصة للأولياء الطاهرين منهم، واما من دونهم من المتوسطين في السعادة والعدول من أهل الايمان فليس لهم ذلك، فضلا عن الأجلافالجافية ، والفراعنة الطاغية من الامة))( ٤ )

وقال ـ أيضاً ـ :((فالمراد بكون الاُمّة شهيدة أنّ هذه الشهادة فيهم ، كما أنّ المراد بكون بني إسرائيل فضّلوا على العالمين ، أنّ هذه الفضيلة فيهم من غير أن يتصف بها كل واحد منهم ، بل نسب وصف البعض إلى الكل لكون البعض فيه ومنه))( ٥ )

وأكدّ علاء الدين البخاري على أنّ المقصود هو مجموع الاُمّة فقال : ((فيقتضي ذلك أن يكون مجموع الاُمّة موصوفاً بالعدالة ، إذ لا يجوز أن يكون كل واحد موصوفاً بها ، لأنّ الواقع خلافه))( ٦ )

________________

(١) مجمع البيان ١ : ٢٢٤

( ٢ ) تفسير المراغي ٢ : ٦

( ٣ ) تفسير المنار ٢ : ٥

( ٤ ) الميزان في تفسير القرآن ١ : ٣٢١

( ٥ ) الميزان في تفسير القرآن ١ : ٣٢١

( ٦ ) كشف الأسرار : ٢٤٣.

٣١

وهناك شواهد عديدةعلى أنَّ المقصود ليس أفراد الاُمّة ومن هذه الشواهد أنَّ الذين ذهبوا إلى حجية إجماع الاُمّة استندوا إلى هذه الآية ، واعتبروا إجماع الاُمّة هو الحجّة دون النظر إلى الأفراد فرداً فرداً ، كما حكى عنهم الشريف المرتضى(١) وأبو حيان الأندلسي( ٢ ) .

وهناك أحاديث نبوية شريفة تخصص الأمة بأهل الحق وليس جميع الامة وافرادها.

سُئل الإمام عليّ عليه السلام عن تفسير الجماعة والفُرقة، فقال : (( الجماعةُ ـ واللهِ ـ مجامعة أهل الحقّ وإن قَلُّوا، والفُرقة مجامعة أهل الباطل وإن كَثُروا ))( ٣ ) .

وروى الإمام الصادق عليه السلام أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قيل له: ما جماعةُ أمّتك ؟

فقال: (( جماعة أُمّتي أهلُ الحقّ وإن قَلُّوا ))( ٤ ) .

فليس كل من ينتمي للامة هو وسط وعدل بل من كان على الحق ومن اهل الحق برأيه وسيرته وممارساته العملية ،وبعبارة أخرى أن الاية ومفادها الوسطية والعدل خاصة بمجموع الامة التي فيها رسول الله صلى الله عليه واله وأهل بيته عليهم السلام والمهاجرون والانصار الذين جاهدوا باموالهم وانفسهم واطاعوا الله ورسوله في جميع مجالات الطاعة ، واستمروا على ذلك بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه واله؛ فلم يغيّروا أو يبدّلوا من بعده.

ومن خلال لحاظ آيات القرآن الكريم كلّها وضمّ بعضها إلى البعض الآخر،نرى ان الاية وانْ شملت الأفراد لكنها مختصة بمن يسميهم القران الكريم ((الذين آمنوا)) ، دون ((الذين في قلوبهم مرض)) و ((المنافقين))،فلا يمكن أن يكون المقصود أفراد الاُمّة واحداً واحداً ليستفاد منها عدالة الصحابة ، لأن الواقع خلافه كما نصّ عليه العلاء البخاري

________________

(١) الشافي في الإمامة ١ : ٢٣٢ وما قبلها

( ٢ ) تفسير البحر المحيط ١ : ٤٢١

( ٣ ) بحار الانوار ٢٦٦:٢

( ٤ ) معاني الأخبار ١ :١٥٤.

٣٢

فالآية الكريمة جعلت المسلمين أُمّة وسطاً أو عدلاً ، وهذه الوسطية والعدلية ممتدة مع امتداد الاُمّة الإسلامية في كلِّ عصر وزمان ومكان، فالاُمّة الإسلامية في مراحل لاحقة هي أُمّة وسط في عقيدتها وشريعتها وتطبيقها للمنهج الإسلامي ، وفي مرحلتنا الراهنة حينما نقول إنّ الاُمّة الإسلامية أُمّة وسط أو أُمّة عادلة ، يصح القول إذا كان المقصود مجموع الاُمّة ، أمّا سراية الوسطية والعدلية للأفراد فرداً فرداً فلا تصح ، لأنّ الواقع يخالف ذلك ، فكثير من المسلمين بعيدون عن الإسلام كلّ البعد في تصوراتهم ومشاعرهم ومواقفهم ، فكيف نعمّم العدالة على الأفراد ؟ وما نقوله هنا نقوله في حقّ أفراد الاُمّة في زمن النزول ، فالآية مختصة بمجموع الاُمّة بما فيها رسول الله صلى الله عليه واله واهل البيت عليهم السلام والمهاجرون والأنصار السابقون للخيرات والذين لم يخالفوا الأوامر الإلهية والنبوية طرفة عين، واستمروا على ذلك حتى بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه واله.

فالوسطية والعدالة خاصة بمجموع الامة ولاتسري الى الأفراد فردا فردا،فليس كل فرد وسطا وعدلا مالم يؤد حق الوسطية والعدالة في فكره وعاطفته وسلوكه وسيرته ومواقفه في حياة رسول الله صلى الله عليه واله او بعد رحيله ، فينبغي ان يكون كما اراده الله تعالى في جميع مسيرة حياته ، فمن كان وسطا وعدلا ثم بدّل وغيّر فانه لايبقى وسطا وعدلا.

الآية الثالثة:قال الله تعالى:(( والسّابِقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المهاجرِينَ والأنصارِ والَّذينَ اتّبعُوهُم بإحسان رّضيَ اللهُ عنهُم ورضُوا عنهُ وأعدَّ لهُم جنّات تجري تَحتَها الأنهارُ خالدِينَ فيها أبداًذلك الفوز العظيم ))(١)

تنص الآية الكريمة على مدح وثناء من الله تعالى للسابقين الى الاسلام من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، وتشير الى ان الله تعالى رضا عنهم لما قدّموا من تضحيات في سبيل الله وانه تعالى أعدّ لهم جنات خالدين فيها

واختلف المفسرون في مصداق السابقين على آراء( ٢ ) :

الرأي الأول : أهل بدر

________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠٠

( ٢ ) مجمع البيان ٣ : ٦٤ والجامع لأحكام القرآن ٨ : ٢٣٦ والكشاف ٢ : ٢١٠ وتفسير القرآن العظيم ٢ : ٣٩٨ والدر المنثور ٤ : ٢٦٩

٣٣

الرأي الثاني : الذين صلّوا إلى القبلتين

الرأي الثالث : الذين شهدوا بيعة الرضوان

وقال ابن كثير : ((الأول : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : هم الذين صلوا إلى القبلتين وشهدوا بدرا

وعن الشعبي هم الذين بايعوا بيعة الرضوان والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة ، وفي النصرة ، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ولم يبين أنهم سابقون في ماذا ، فبقي اللفظ مجملا إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا ، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا ، وهو الهجرة والنصرة ، فوجب أن يكون المراد منه السابقون الأولون في الهجرة والنصرة ؛ إزالة للإجمال عن اللفظ ، وأيضا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس ، ومخالف للطبع ، فمن أقدم عليه أولا صار قدوة لغيره في هذه الطاعة ، وكان ذلك مقويا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وسببا لزوال الوحشة عن خاطره ، وكذلك السبق في النصرة ، فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام - لما قدم المدينة ، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة ، فازوا بمنصب عظيم ؛ فلهذه الوجوه يجب أن يكون المراد : والسابقون الأولون في الهجرة ))(١) .

واختلفوا في تفسير التابعين على آراء :

الأول : هم الأنصار ، على قراءة من حذف الواو من قوله (والّذين)( ٢ )

الثاني : هم المسلمون الذين جاءوا بعد المهاجرين والأنصار( ٣ )

الثالث : هم المسلمون الذين جاءوا بعد عصر الصحابة( ٤ )

الرابع : هم المسلمون في كلِّ زمان إلى أن تقوم الساعة( ٥ ) .

________________

(١) التفسير الكبير ١٦ : ١٧٠

( ٢ ) التفسير الكبير ١٦ : ١٧١

( ٣ ) التفسير الكبير ١٦ : ١٧٢

( ٤ ) الجرح والتعديل ١ : ٨

( ٥ ) الدر المنثور ٤ : ٢٧٢

٣٤

وفصّل السيد محمد حسين الطباطبائي تفسير الاية المباركة :(( و الأنصاربالكسر عطفا على المهاجرين، والتقدير: السابقون الأولون من المهاجرين و السابقون الأولون من الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان و قرأ يعقوب: و الأنصار بالرفع فالمراد به جميع الأنصار دون السابقين الأولين منهم فحسب.

و قد اختلفت الكلمة في المراد بالسابقين الأولين فقيل: المراد بهم من صلى إلى القبلتين، و قيل: من بايع بيعة الرضوان و هي بيعة الحديبية، و قيل: هم أهل بدر خاصة، و قيل: هم الذين أسلموا قبل الهجرة، و هذه جميعا وجوه لم يوردوا لها دليلا من جهة اللفظ.

و الذي يمكن أن يؤيده لفظ الآية بعض التأييد هو أن بيان الموضوع - السابقون الأولون - بالوصف بعد الوصف من غير ذكر أعيان القوم و أشخاصهم يشعر بأن الهجرة و النصرة هما الجهتان اللتان روعي فيهما السبق و الأولية.

ثم الذي عطف عليهم من قوله((و الذين اتبعوهم بإحسان)) يذكر قوما ينعتهم بالاتباع و يقيده بأن يكون بإحسان و الذي يناسب وصف الاتباع أن يترتب عليه هو وصف السبق دون الأولية فلا يقال: أول و تابع و إنما يقال: سابق و تابع، فالمراد بالسابقين هم السابقون إلى الإيمان من بين المسلمين من لدن طلوع الإسلام إلى يوم القيامة.

و لكون السبق و يقابله اللحوق و الاتباع من الأمور النسبية، و لازمه كون مسلمي كل عصر سابقين في الإيمان بالقياس إلى مسلمي ما بعد عصرهم كما أنهم لاحقون بالنسبة إلى من قبلهم قيد ((السابقون)) بقوله((الأولون)) ليدل على كون المراد بالسابقين هم الطبقة الأولى منهم.

و إذ ذكر الله سبحانه ثالث الأصناف الثلاثة و لم يقيده بتابعي عصر دون عصر و لا وصفهم بتقدم و أولية و نحوهما و كان شاملا لجميع من يتبع السابقين الأولين كان لازم ذلك أن يصنف المؤمنون غير المنافقين من يوم البعثة إلى يوم البعث في الآية ثلاثة أصناف: السابقون الأولون من المهاجرين، و السابقون الأولون من الأنصار، و الذين اتبعوهم بإحسان، و الصنفان الأولان فاقدان لوصف التبعية و إنما هما إمامان متبوعان لغيرهما و الصنف الثالث ليس متبوعا إلا بالقياس.

و هذا نعم الشاهد على أن المراد بالسابقين الأولين هم الذين أسسوا أساس الدين و رفعوا قواعده قبل أن يشيد بنيانه و يهتز راياته صنف منهم بالإيمان و اللحوق بالنبي صلى الله عليه واله و الصبر على الفتنة و التعذيب، و الخروج من ديارهم و أموالهم بالهجرة إلى الحبشة و المدينة، و صنف بالإيمان و نصرة الرسول و إيوائه و إيواء من هاجر إليهم من المؤمنين و الدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع.

و هذا ينطبق على من آمن بالنبي صلى الله عليه واله قبل الهجرة ثم هاجر قبل وقعة بدر التي منها ابتدأ ظهور الإسلام على الكفر أو آمن بالنبي صلى الله عليه واله و آواه و تهيأ لنصرته عند ما هاجر إلى المدينة.

ثم إن قوله((و الذين اتبعوهم بإحسان)) قيد فيه اتباعهم بإحسان و لم يرد الاتباع في الإحسان بأن يكون المتبوعون محسنين ثم يتبعهم التابعون في إحسانهم و يقتدوا بهم فيه - على أن يكون الباء بمعنى في - و لم يرد الاتباع بواسطة الإحسان - على أن يكون الباء للسببية أو الآلية - بل جيء بالإحسان منكرا، و الأنسب له كون الباء بمعنى المصاحبة فالمراد أن يكون الاتباع مقارنا لنوع ما من الإحسان مصاحبا له، و بعبارة أخرى يكون الإحسان وصفا للاتباع))(١) ..

________________

(١) الميزان ٩ : ٢٦٤ ،٢٦٥

٣٥

وعلى ضوء هذا المدح والثناء والرضوان استدل الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني وابن النجّار حسب رأيهم المعروف بهذه الآية على رضوان الله تعالى عن جميع الصحابة الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه واله وإن أسلموا فيما بعد ، أو ارتدّوا ثم عادوا إلى الإسلام ، حسب تعريفهم للصحابة ، وبهذا الرضوان كانوا عدولاً(١) .

وورد في كتاب التفسير الكبير للرازي : ((قوله تعالى : رضي الله عنهم ورضوا عنه يتناول جميع الأحوال والأوقات بدليل أنه لا وقت ولا حال إلا ويصح استثناؤه منه فيقال رضي الله عنهم إلا في وقت طلب الإمامة ، ومقتضى الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل تحت اللفظ أو نقول : إنا بينا أنه تعالى وصفهم بكونهم سابقين مهاجرين ، وذلك يقتضي أن المراد كونهم سابقين في الهجرة ، ثم لما وصفهم بهذا الوصف أثبت لهم ما يوجب التعظيم ، وهو قوله : رضي الله عنهم ورضوا عنه والسبق في الهجرة وصف مناسب للتعظيم ، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب ، يدل على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف ، فدل هذا على أن التعظيم الحاصل من قوله : رضي الله عنهم ورضوا عنه معلل بكونهم سابقين في الهجرة ، والعلة ما دامت موجودة فوجب أن يكون ذلك الرضوان حاصلا في جميع مدة وجودهم ، أو نقول : إنه تعالى قال : وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار وذلك يقتضي أنه تعالى قد أعد تلك الجنات وعينها لهم ، وذلك يقتضي بقاءهم على تلك الصفة التي لأجلها صاروا مستحقين لتلك الجنات ، وليس لأحد أن يقول : المراد أنه تعالى أعدها لهم لو بقوا على صفة الإيمان ، لأنا نقول : هذا زيادة إضمار وهو خلاف الظاهر وأيضا فعلى هذا التقدير : لا يبقى بين هؤلاء المذكورين في هذا المدح ، وبين سائر الفرق فرق ؛ لأنه تعالى وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار ولفرعون وهامان وأبي جهل وأبي لهب ، لو صاروا مؤمنين ، ومعلوم أنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام في معرض المدح العظيم والثناء الكامل ، وحمله على ما ذكروه يوجب بطلان هذا المدح والثناء ، فسقط هذا السؤال ))( ٢ ) .

________________

(١) الكفاية في علم الرواية : ٤٦ والاصابة ١ : ٦ وشرح الكوكب المنير ٢ : ٤٧٢

( ٢ ) التفسير الكبير ١٦ : ١٧٢

٣٦

وهذا الاستدلال خلاف للواقع ، فالآية مختصّة بالمهاجرين والأنصار الذين سبقوا غيرهم في الهجرة والنصرة ، من غير ((الذين في قلوبهم مرض)) و ((المنافقين)) أمّا التبعية لهم فمشروطة بالإحسان ، سواء فُسِّر باحسان القول فيهم كما ذهب الفخر الرازي(١) ،أو حال كونهم محسنين في أفعالهم وأقوالهم ، كما قال المراغي:((فإذا اتّبعوهم في ظاهر الإسلام كانوا منافقين مسيئين غير محسنين، وإذا اتّبعوهم محسنين في بعض أعمالهم ومسيئين في بعض كانوا مذنبين))( ٢ )

ويرى السيد محمد حسين الطباطبائي ان كلمة ((من)) تبعيضية بمعنى ان الرضوان لايشمل الجميع بل البعض ،فقال:(( ((فالظاهر أن المراد بالذين اتبعوهم بإحسان أن يتبعوهم بنوع من الإحسان في الاتباع و هو أن يكون الاتباع بالحق - و هو اتباعهم لكون الحق معهم - و يرجع إلى اتباع الحق بالحقيقة بخلاف اتباعهم لهوى فيهم أو في اتباعهم، و كذا مراقبة التطابق.

هذا ما يظهر من معنى الاتباع بإحسان، و أما ما ذكروه من أن المراد كون الاتباع مقارنا لإحسان في المتبع عملا بأن يأتي بالأعمال الصالحة و الأفعال الحسنة فهو لا يلائم كل الملاءمة التنكير الدال على النوع في الإحسان، و على تقدير التسليم لا مفر فيه من التقييد بما ذكرنا فإن الاتباع للحق و في الحق يستلزم الإتيان بالأعمال الحسنة الصالحة دون العكس و هو ظاهر.

فقد تلخص أن الآية تقسم المؤمنين من الأمة إلى ثلاثة أصناف: صنفان هما السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار، و الصنف الثالث هم الذين اتبعوهم بإحسان.

و ظهر مما تقدم أولا: أن الآية تمدح الصنفين الأولين، بالسبق إلى الإيمان و التقدم في إقامة صلب الدين و رفع قاعدته، و تفضيلهم على غيرهم على ما يفيده السياق.

و ثانيا: أن ((من)) في قوله ((من المهاجرين و الأنصار)) تبعيضية لا بيانية لما تقدم من وجه فضلهم، و لما أن الآية تذكر أن الله رضي عنهم و رضوا عنه، و القرآن نفسه يذكر أن منهم من في قلبه مرض و منهم سماعون للمنافقين، و منهم من يسميه فاسقا، و منهم من تبرأ النبي صلى الله عليه واله من عمله و لا معنى لرضى الله عنهم، و الله لا يرضى عن القوم الفاسقين..

و ثالثا: أن الحكم بالفضل و رضى الله سبحانه في الآية مقيد بالإيمان و العمل الصالح على ما يعطيه السياق فإن الآية تمدح المؤمنين في سياق تذم فيه المنافقين بكفرهم و سيئات أعمالهم و يدل على ذلك سائر المواضع التي مدحهم الله فيها أو ذكرهم بخير و وعدهم وعدا جميلا فقد قيد جميع ذلك بالإيمان و العمل الصالح ))( ٣ ) .

فمن لم يحسن القول في السابقين من المهاجرين والأنصار أو من لا يتبعهم بإحسان والتزام ماالتزموا به من أوامر الهية او نبوية ((لا يكون مستحقاً لرضوان الله تعالى ،ومن أبرز المهاجرين الامام علي عليه السلام فقد تربى في بيت النبوة واول الناس اسلاما وكان

________________

(١) التفسير الكبير ١٦ : ١٧٢

( ٢ ) تفسير المراغي ١١ : ١١

( ٣ ) الميزان ٩ : ٢٥٦

٣٧

ملازما لرسول الله صلى الله عليه واله ورافقه في جميع حركاته ومواقفه وجاهد معه وكان له الدور الاكبر في انتصارات الاسلام والمسلمين،ولكن البعض لم يتبعه باحسان بل كانوا يؤذونه في حياة رسول الله صلى الله عليه واله وبعد رحيله، فمن أمر بشتم الإمام عليّ عليه السلام وذمه لا تشمله الآية ، فقد جاء في وصية معاوية للمغيرة بن شعبة:((لا تترك شتم عليّ وذمّه)) ، فكان المغيرة (لا يدع شتم عليّ والوقوع فيه))(١)

فكيف يدّعون رضوان الله عنهم وقد خالفوا شرطه في الاتّباع بإحسان، وخرجوا على أول المؤمنين ووصي رسول رب العالمين ، أو من استقرت له الخلافة ببيعة أهل الحل والعقد حسب رأيهم ، وسفكوا في هذا الخروج دماء السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان كعمّار بن ياسر وذي الشهادتين وهاشم بن عتبة بن أبي وقاص وغيرهم كما هو مشهور ؟!

ورد في تفسير القشيري( ٢ ) نزل قوله تعالى: (( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ .مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ))( ٣ ) .

كعب بن عجرة عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وآله:(( لاتشكواعليا فانه ممسوس في ذات الله )).

بيان : أي يمسه الاذى والشدة في رضاء الله تعالى وقربه ، أو هو لشدة حبه لله واتباعه لرضاه كأنه ممسوس أي مجنون ، كما ورد في صفات المؤمن ((يحسبهم القوم أنهم قد خولطوا ))ويحتمل أن يكون المراد بالممسوس المخلوط والممزوج مجازا ، أي خالط حبه تعالى لحمه ودمه

وفي رواية ابن المغازلي : كنت مع عبدالله بن العبّاس وسعيد بن جبير يقوده على ضفّة زمزم ، فاذا بقوم من أهل الشام يَسُبُّون عليّاً (عليه السلام) ـ فقال لقائِده : ما سمعت هؤلاء يقولون ؟ قال : سَبُّوا عليّاً (عليه السلام) ! قال : فُردّني اليهم ، فَردَّهُ فقال : اَيُّكُم الساب الله عزّوجَلّ ؟ قالوا : سُبحان الله مَنْ سَبَّ الله فقد أشرك قال : قال : فايّكم الساب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟ قالوا : سُبحان الله مَن سَبَّ رسول الله فقد كفر قال : فاَيّكم السابّ علي بن ابي طالب ؟ قالوا : اَما هذا فقد كان ! قال : فأنا أشهد بالله اني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : ((مَن سَبّ عليّاً فقَد سَبّني ، ومَن سَبّني فقد سَبّ الله عَزّوجَلّ ، ومَن سَبّ الله اكبّهُ الله على منخريه في النار))

ثم ولى عنهم وقال لقائده : ما سمعتهم يقولون ؟ قال : ماقالوا شيئاً ، قال : فكيف رأيت وجوههم اِذ قلت ما قلت ؟ قال :

نظروُا اليك باَعيُن مُحَمّرة *** نظر التيوس الى شفار الجازر

قال : زدني فداك أبوك قال :

خزر العيون نواكس أبصارهم *** نظر الذليل الى العزيز القاهر

________________

(١) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٧٢

( ٢ ) بحار الانوار ٣٩ :٨٥

( ٣ ) سورة المؤمنون : اية ٦٦ ، ٦٧

٣٨

قال : زدني فداك أبوك قال : ما عندي غير هذا قال : لكن عندي :

أحياؤُهُم عارٌ على أمواتهم

والميُّتون فضيحةٌ للغابِر

ـ ومن المناقب أيضاً :

الحميري :

قد قال أحمد اِن شتم وصيّه

أو شتمه أبداً هما سيّان

وكذاك قد شتم الاله لشتمه

والذلّ يغشاهم بكل مكان

أبو الفضل :

لَعنوا أمير المؤمنين

بمثل أعلان القيامة

يالَعنةً صارت على

أعناقهم طوق الحمامة الحكاك :

يدَينون بالسبّ الصراح لحيدر

اَلا لعِنَ الرحمن من دينه السبّ

الموصلي :

أعلى المنابر تُعلِنُون بسبِّه

وبسيفه قامت لكم أعوادُها

وقال كثير :

وليت فلم تشتم عليّاً ولم تخف

بريّاً ولم تتبع شجية مجزم

وقلت فصَدّقت الذي قلت بالذي

فَعَلْتَ فاَضحىْ راضياً كل مسلم

تكَلّمتَ بالحَقِّ المبين وانما

تبين آيات الهدى بالتكلّم

وعاقبت فيما قَد تقدّمت قبله

واَعَرضْتَ عما كان قبل التقدّم

٣٩

وكان قال قبله :

لَعَن الله من يسبّ عليّاً

وبنيهِ من سوقة وامامِ

أوليسَ المطيّبون جُدوداً

والكرام الاخوال والاعمامِ

وهناك فسق واضح غير قابل للتأويل أو التبرير صدر من بعض الصحابة ومنهم المغيرة بن شعبة حيث اتهم المغيرة بالزنا في عهد عمر بن الخطاب لكنه لم يعاقبه لتخلي احد الشهود عن الشهادة خوفا من عمر ، وبقي عمر كلما راه يقول :(( مارايتك الا خفت ان ارمى بحجارة من السماء))(١) .

فلم يقل له أنت صحابي عادل أو تابع للمهاجرين والانصار باحسان ولم يقل له انت من الذين رضى الله تعالى عنهم

وروي المدايني أن المغيرة کان أزني الناس في الجاهلية، فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام و بقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته البصرة.

وروي عن الجاحظ أبي عثمان عمرو بن بحر، قال: کان المغيرة بن شعبة و الاشعث بن فيس و جرير بن عبد الله البجلي يوما متواقفين بالکناسة، في نفر، و طلع عليهم

أعرابي، فقال لهم، المغيرة دعوني أحرکه، قالوا: لا تفعل فان للاعراب جوابا يؤثر، قال: لابد قالوا: فانت أعلم، فقال المغيرة له: يا أعرابي أتعرف المغيرة بن شعبة؟ قال: نعم أعرفه.

أعور زانيا، فوجم المغيرة( ٢ ) .

وإضافة إلى ذلك فرضوان الله تعالى وان شمل الصحابة جميعا كما يدّعون الا أنه مشروط بحسن العاقبة كما ورد عن البراء بن عازب ، حينما قيل له : ((طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه واله وبايعته تحت الشجرة) ، فقال للقائل : (... إنّك لا تدري ما أحدثنا بعده))( ٣ )

وفي جميع الاحوال فان المقصود بالسابقين أو التابعين هم السابقون والتابعون كمجموع وليس الافراد.

________________

(١) تاريخ الاسلام للذهبي : ١٢١

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ١٥ : ٢٠٩

( ٣ ) صحيح البخاري ٥ : ١٦٠

٤٠