سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11077
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11077 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

ومنصب من قبل الله تعالى على رأي الشيعة

٢ـ ان الثلاثة كانوا من المحّرضين على عثمان.

٣ـ إن المطالبة بدم عثمان يكون طريقها الوحيد هو القضاء بعد استقرار الدولة

٤ـ ليس لهم الحق بالمطالبة وانما هي من صلاحيات ولد عثمان.

٥ـ انهم توجهوا إلى البصرة ولا وجود لقتلة عثمان هناك.

٦ـ انه سمع من رسول الله صلّى الله عليه وآله يتحدث عن قتال الامام عليه السلام للناكثين والقاسطين والمارقين.

وفي صفين كان يقول: ((اللهم لو اعلم انه ارضى لك عني ان ارمي بنفسي من هذا الجبل لفعلت، واني لا اقاتل الا اريد وجهك ))(١) .

وكان لا يأخذ في ناحية ولا واد من اودية صفين، إلاّ وكان اصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله يتبعونه، كانه علم لهم ، وكان يقول يومئذ لهاشم بن عتبة: ((يا هاشم، تقدّم الجنة تحت البارقة.

اليوم القى الاحبّة محمداً وحزبه

والله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا انّا على الحق، وأنهم على الباطل))

وكان يقول:

نحن ضربناكم على تنزيله

فاليوم نضربكم على تأويله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله

ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق على سبيله(٢) .

وشهد خزيمة بن ثابت صفين ولم يقاتل، وقال: لا اقاتل حتى يقتل عمار فانظر من يقتله، فاني سمعت

________________

(١) صفة الصفوة ١ : ٤٤٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٠ : ١٠٤.

٢٨١

رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ((تقتله الفئة الباغية )) فلما قتل عمار، قال خزيمة: ظهرت لي الضلالة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل(١) .

وكان حديث الفئة الباغية من الاحاديث المتواترة والمركوزة في اذهان الصحابة والتابعين، فقد سال جماعة حذيفة بن اليمان عن الفتنة، وقالوا له: إذا اختلف الناس فبمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سميّة، فانه لن يفارق الحق حتى يموت(٢) .

طعنه أبو الغادية فسقط ثم اكب عليه رجل فاحتز رأسه، ثم اختصما إلى معاوية ايهما قتله، فقال عمرو بن العاص: اندرا فوالله انكما لتختصمان في النار، فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك، فقال ابن العاص: والله انك لتعلم ذلك(٣) .

وفي رواية قال عبد الله بن عمرو: يا أبه، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول لعمّار: يا ابن سميّة، تقتلك الفئة الباغية.

فقال عمرو لمعاوية: الا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: انحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به(٤) .

بين الامام علي عليه السلام وعمرو بن العاص

ذكرنا رأي الامام علي عليه السلام بعمرو بن العاص والان نضيف اليه ماقاله فيه وبيّن فسقه واثمه بقول صريح لالبس فيه ولا غموض فقال:((عَجَباً لاِبْنِ النَّابِغَةِ! يَزْعُمُ لاِهْلِ الشَّامِ أَنَّ فِيَّ دُعَابَةً، وَأَنِّي امْرُؤٌ تِلْعَابَةٌ أعَافِسُ وَأُمَارِسُ! لَقَدْ قَالَ بَاطِلاً، وَنَطَقَ آثِماً.اما ـ وَشَرُّ الْقَوْلِ الْكَذِبُ ـ إِنَّهُ لَيَقُولُ فَيَكْذِبُ، وَيَعِدُ فَيُخْلِفُ، وَيُسْأَلُ فَيَبْخَلُ، وَيَسْأَلُ فَيُلحِفُ، وَيَخُونُ الْعَهْدَ، وَيَقْطَعُ الاْلَّ; فَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْحَرْبِ فَأَيُّ زَاجِر وَآمِر هُوَ! مَا لَمْ تَأْخُذِ السُّيُوفُ مَآخِذَهَا، فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ أَكْبَرُ مَكيدَتِهِ أَنْ يَمْنَحَ الْقَوْمَ سُبَّتَهُ. أَمَا واللهِ إِنِّي لَـيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْموْتِ، وَإِنَّهُ لَيمَنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الاْخِرَةِ، إِنَّهُ لَمْ يُبَايعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ لَهُ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً، وَيَرْضَخَ لَهُ عَلَى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً ))(٥) .

________________

(١) أسد الغابة ٢ : ١٣٣ ، ٣ : ٦٣٢.

(٢) شرح نهج البلاغة ١٠ : ١٠٥.

(٣) المنتظم في تاريخ الامم والملوك ٥ : ١١٩

(٤) المنتظم في تاريخ الامم والملوك ٥ : ١١١.

(٥) شرح نهج البلاغة ١٧:١٨٢.

٢٨٢

بين حجر بن عدي ومعاوية

بقي حجر موالياً لمنهج أهل البيت عليه السلام بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام وكان يدافع عنهم، فحينما كان المغيرة بن شعبة ـ والي معاوية على الكوفة ـ لا يدع شتم عليّ والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستغفار له، كان حجر يقول:((بل إياكم ذمّ الله ولعن)).

ويقول:((أنا اشهد أن من تذمون أحق بالفضل، ومن تزكون أولى بالذم))(١) .

وأمره ذات يوم المغيرة أن يقوم فيلعن علياً عليه السلام ، فأبى ذلك، فتوعده، فقام فقال: أيها الناس، إن أميركم أمرني أن العن علياً فالعنوه، وأعاد الضمير إلى المغيرة بالنية والقصد(٢) .

وحينما كتب معاوية إلى المغيرة يستمده بمال يبعثه من بيت المال، فبعث عيراً تحمل مالاً، فاعترض لها حجر، فأمسك بزمام أولها، وقال: لا والله حتى يوفي كل ذي حقّ حقّه.

وحينما طلب قوم المغيرة منه قتل حجر أجابهم: إني قد قرب اجلي ولا أحب أن اقتل خيار أهل هذا المصر فيسعدوا وأشقى، ويعزّ في الدنيا معاوية، ويشقى في الآخرة المغيرة(٣) .

وبعد موت المغيرة تولى زياد بن أبيه الأمر في الكوفة، وكانت بينه وبين حجر مودّة سابقة، فاحضره، ثم قال له: يا حجر ارايت ما كنت عليه من المحبّة والموالاة لعلّي؟ قال: نعم! قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك بغضة وعداوة، أو رأيت ما كنت عليه من البغضة والعدوان لمعاوية؟ قال: نعم! قال: فإنّ الله قد حوّل ذلك محبة وموالاة، فلا اعلمنّك ما ذكرت علياً بخير ولا أمير المؤمنين معاوية بشر.

واستمر حجر على موقفه في موالاة علي عليه السلام والدفاع عن سيرته، وكان يرد اللعن على زياد.

وفي احد المواقف أطال زياد الخطبة وأخّر الصلاة، فقال له حجر: الصلاة، فمضى في خطبته، فلما خشي حجر الفوت ضرب بيده إلى كف من الحصا، وثار إلى الصلاة وثار الناس معه، فنزل زياد فصلى بالناس، ثم كتب إلى معاوية في أمره من أنّه خلع الطاعة ودعا إلى الفتنة(٤) .

وفي رواية كتب إليه: أنهم خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب، وزروا على الولاة، فخرجوا بذلك من الطاعة(٥) .

فأمر معاوية بأشخاصهم إليه ـ وكانوا ثلاثة عشر رجلاً ـ فلما صاروا بمرج عذراء من دمشق على أميال، أمر معاوية بإيقافهم

٢٨٣

هناك، ثم جاء الأمر بقتلهم فقتلوا باستثناء ستة منهم.

وفي وصية حجر قال:((لا تنزعوا عنّي حديداً، ولا تغسلوا عنّي دماً، فانّي لاق معاوية على الجادة))(١) .

وكان السبب في قتل حجر وأصحابه هو رفض البراءة من علي عليه السلام وفي آخر اللحظات قيل لهم: تبرأوا من علي حتى يطلقكم، فلم يفعلوا(٢) .

وقد بعثت عائشة عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله ان يخّلي سبيلهم(٣) .

إلا أنّ معاوية لم يهتم بالأمر، وحينما عاتبته بالقول:((ما حملك على قتل أهل عذراء حجراً وأصحابه؟ قال إني رأيت في قتلهم صلاحاً للأمة، وفي مقامهم فساداً للأمة)).

فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ((سيقتل بعذراء أناس يغضب الله لهم وأهل السماء)).

وكان علي عليه السلام يقول: ((يا أهل العراق سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الأخدود))(٤) .

ونعى حجر لعبد الله بن عمر، وكان في السوق فأطلق حبوته وقام وقد غلب عليه النحيب.

وقد ألقيت الحجة على معاوية قبل قراره بقتل حجر، فقد كتب إليه شريح بن هاني، بلغني أن زياداً كتب شهادتي، وان شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعُمرة، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال، فإن شئت فاقتله، وان شئت فدعه.

وقال حجر لعامر بن الأسود العجلي ابلغ معاوية:((أن دماءنا عليه حرام، وأنّا قد أومنّا وصالحناه وصالحنا، وأنّا لم نقتل احداً من أهل القبلة فيحلّ له دماؤنا))(٥) .

فهل نقتدي بحجربن عدي ام بمعاوية بن ابي سفيان؟

٢٨٤

الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام

ثبت عدم صحة الرواية المتقدمة حول الاقتداء بالصحابة جميعا وانهم كالنجوم، وهناك روايات متواترة ومستفيضة يأمرفيهارسول الله صلى الله عليه واله الصحابة بالاقتداء بأهل البيت عليهم السلام كما ورد في رواية التمسك بالثقلين وهما الكتاب والعترة الطاهرة(١)

وأهل البيت (عليهم السلام) نجوم مضيئة في حياة الإنسانية، وعنوان شامخ في حركة التاريخ والمسيرة الاسلامية، نطق به الوحي الإلهي، ونطق به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولهج بذكره المسلمون من جميع المذاهب، وهم (عليهم السلام) أعلام الهدى، وقدوة المتّقين، وهم مأوى أفئدة المسلمين من جميع أقطار الأرض، عُرفوا بالعلم والحكمة والإخلاص والوفاء والصدق والحلم، وسائر صفات الكمال في الشخصيّة الاسلامية، فكانوا قدوة المسلمين، وروّاد الحركة الإصلاحية والتغييرية في المسيرة الاسلامية، تحدث الجميع عن مقامهم الكريم ودورهم السامي، وكان لهم مقام عند الفقهاء، والمفسرين، والرواة، والمؤرخين، والأُدباء والشعراء، وعند العابدين والزاهدين والأولياء.

وأهل البيت هم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) الذين نزلت فيهم آية التطهير: (إنَّما يُرِيدُ اللهُ ليُذهِبَ عنكُمُ الرّجسَ أهل البيت وَيُطَهِّرَكُمْ تطهِيراً)(٢) .

فقد تظافرت التفاسير والروايات أن المقصود بأهل البيت (عليهم السلام) هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله)وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين(٣) .

________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ و ١٨٧٤ وسنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ ومسند أحمد ٣ : ١٤ و١٧ ، ٤ : ٣٦٧ و ٣٧١ ، ٥ : ١٨٢ و ١٨٩ وسنن الدارمي ٢ : ٤٣٢ ومصابيح السُنّة ٤ : ١٨٥ / ٤٨٠٠.

(٢) سورة الأحزاب آية: ٣٣.

(٣) أهل البيت: مؤسسة البلاغ١٦٦، الملحق رقم١، استُفيدَت من مئات المصادر ومن كتب التفسير والحديث والفضائل، يراجع لمزيد الاطلاع.

٢٨٥

روي عن أم سلمة وبطرق عديدة أنها قالت: ((لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّل عليهم كساءً خيبرياً، فقال: اللهمَّ هؤلاء أهل بيتي اللهمَّ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)) قالت أم سلمة ألست منهم؟ فقال (صلى الله عليه وآله): ((أنت إلى خير))(١) .

وعند نزول الآية الكريمة: (إنَّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبِيِّ ياأيُّها الَّذِينَ آمنوا صَلُّوا عليه وسَلِّمُوا تسليماً)(٢) .

سأل الصحابة عن كيفية الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ((اللهمّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد))(٣) .

وقال (صلى الله عليه وآله): ((من قال: اللهمّ صلِّ على محمد وآل محمد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، وترحّم على محمد وآل محمد كما ترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، شهدت له يوم القيامة بالشهادة وشفعت له))(٤) .

والحديث مستفيض رواه أصحاب الصحاح بصيغ مختلفة إلاّ البخاري(٥) .

والحديث تعظيم لأهل البيت (عليهم السلام) وجعلهم مناراً وقدوة للأمة حتى قال الشافعي: ((من لم يصلِّ عليكم لا صلاة له))(٦) .

وقال الديلمي: ((الدعاء محجوب حتى يصلّى على محمد وأهل بيته))(٧) .

وقد وردت آيات عديدة توجب حقّهم على الاُمّة ولزوم موالاتهم وتتبّع آثارهم(٨) .

________________

(١) جامع البيان في تفسير القرآن ٢٢ / ٦، الدر المنثور ٦ / ٦٠٣.

(٢) سورة الأحزاب آية: ٥٦.

(٣) جامع البيان في تفسير القرآن ٢٢ / ٦، الدر المنثور ٦ / ٦٠٣، ونحوه في الكتاب المصنّف ٢ / ٥٠٧.

(٤) الدر المنثور ٦ / ٦٥٠.

(٥) روائع البيان ٢ / ٣٦٤.

(٦) فرائد السمطين ١ / ١٣٥، الصواعق المحرقة ٢٢٨.

(٧) الصواعق المحرقة ٢٢٧.

(٨) أهل البيت، مؤسسة البلاغ ١٥ إلى ٣٢.

٢٨٦

ومفهوم أهل البيت (عليهم السلام) وإن كان قد أطلق على علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) إلاّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)وسّعه ليشمل ذريتهم من بعدهم ولم يخصصه ويقيّده فيهم وحدهم فقال: ((في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ...))(١) .

فجعل (صلى الله عليه وآله) مفهوم أهل البيت (عليهم السلام) منطبقاً على ذريّة علي (عليه السلام) وفاطمة، والذي لا يخلو عصر منهم إلى قيام المهدي (عليه السلام) وهو من أهل البيت (عليهم السلام) وإن تأخّر زمانه، كما أطلق (صلى الله عليه وآله)ذلك عليه بالقول:

((المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة))(٢) .

((لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جوراً))(٣) .

عصمة وعدالة أهل البيت

استدلَّ من يرى عصمة أهل البيت بآية التطهير، وذلك لأنّ الله تعالى قد أراد أن يذهب الرجس عن أهل البيت، بأن يكونوا مطهرين، ولمّا كانت إرادة الله تعالى لا تنفك عن مراده، فانّ ما أراده تعالى واقع لا محالة فيكونون مطهرين أي معصومين، ومن نفى العصمة عنهم استدلّ على ان الإرادة هنا إرادة تشريعية، فقد أراد الله لهم أن يتطهّروا والأمر عائد إليهم فيمكن أن تتخلف الإرادة التشريعية عن مراده تعالى، فمثلا أراد الله من الناس أن يصلّوا ولكنّ بعضهم لا يصلّي، فتخلفت الإرادة عن المراد(٤) .

فالإرادة عند الفريق الأول إرادة تكوينية لا تتخلف عن المراد لقوله تعالى: (إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون)(٥) .

والإرادة عند الفريق الثاني إرادة تشريعية قد تتخلف عن المراد.

________________

(١) الصواعق المحرقة ٢٣١.

(٢) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧، الجامع الصغير ٢ / ٩٧٢.

(٣) سنن أبي داود ٤ / ١٠٧.

(٤) أنظر: تفسير آية التطهير عند الفريقين.

(٥) سورة يس، الآية: ٨٢.

٢٨٧

ويذهب السيد الشهيد محمد باقر الصدر بأنّ هنالك إرادة ليست تكوينية ولا تشريعية فالله تعالى أراد أن يوفّر كل المقدمات الدخيلة في صيرورة أهل البيت طاهرين، ولمّا كان قادراً على تهيئة كل المقدمات الدخيلة في العصمة وأنه يريد تهيئة إرادة تكوينية فإنّ هذه المقدمات لا تتخلف عن مراده، فتتحقق حتماً، وبذلك يصبح أهل البيت طاهرين مُطهرين بمحض إرادتهم واختيارهم))(١) .

ويضيف السيد كاظم الحائري مستشهداً بأن الارادة هنا ليست تكوينية ولا تشريعية بالقول: ((أنّه لو أُريدت بها الإرادة التكوينية لزم الجبر وهو باطل، ولو أُريدت بها الإرادة التشريعية كان المناسب أن يقال: يريد الله لتبتعدوا عن الرجس وتتطهروا لا أن يقول: يريد الله ليُذهب عنكم الرجس ويطهركم. ذلك لأنّه في باب الإرادة التشريعية يُسند الفعل إلى العبد والإرادة إلى الله فيقال: يريد الله لعباده أن يصلّوا، ولا يقال: يريد الله لنا أن يجعلنا مصلّين))(٢) .

ونستدل على عصمة أهل البيت ببعض الأحاديث الشريفة المستفيضة والمتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)حيث أوصى المسلمين بالكتاب والعترة فقال (صلى الله عليه وآله): ((ياأيّها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي))(٣) .

وفي رواية إنّه قال: ((إنّي تارك فيكم خليفتين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض))(٤) .

وفي رواية: ((إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما))(٥) .

فالأحاديث المتقدمة تأمر المسلمين بالتمسك بالقرآن وأهل البيت (عليهم السلام)، فإنهما يحصّنان المسلمين من الضلالة، وهذا لا يتحقق إلاّ بالعصمة، فالمعصوم هو وحده المحصَّن من الضلالة، ولا يعقل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو للتمسك بمن يجوز عليه الخطأ والانحراف لأنّ ذلك خلاف للحكمة من التمسك، وأهل البيت (عليهم السلام) قرنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)بالقرآن

________________

(١) الإمامة وقيادة المجتمع ٨١، بتصرّف من ناقل القول.

(٢) الإمامة وقيادة المجتمع ٨١، ٨٢.

(٣) سنن الترمذي ٥ / ٦٢٢ حديث٣٧٨٦.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٦ / ٢٣٢، طبعة قديمة ٥ / ١٨٢، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٣.

(٥) سنن الترمذي ٥ / ٦٦٣، مسند أحمد ٣ / ٣٩٤.

٢٨٨

وأكّد على عدم افتراقهما، ومعنى عدم الافتراق هو الاندكاك الكامل بالقرآن في جميع الظروف والمواقف، فهم يجسّدون قيم القرآن تجسيداً كاملا وهذا هو معنى العصمة.

ومثّل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أهل البيت (عليهم السلام) بسفينة نوح فقال: ((ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق))(١) .

وفي رواية: ((إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غُفِرَ له))(٢) .

والنجاة المتحققة بالتمسك بأهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم والأخذ بتعاليمهم تعني أنّهم ميزان ومقياس الهداية فلا يجوز عليهم الخطأ والانحراف، لأنه خلاف ملاك النجاة، ومن يخطأ أو يجوز عليه الخطأ لا يكون وسيلة النجاة لغيره، والدعوة للاقتداء بأهل البيت (عليهم السلام)مع تجويز الخطأ عليهم تغرير بالقبيح وهو محال على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهنالك روايات عديدة يمكن الاستدلال بها على عصمة أهل البيت (عليهم السلام)بنفس الاستدلال المتقدّم ومنها قوله (صلى الله عليه وآله): ((النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لاُمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس))(٣) .

وتتجلّى العصمة في وصف الإمام علي (عليه السلام) لأهل البيت حيث يقول: ((هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحقَّ ولا يختلفون فيه. وهم دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام. بهم عاد الحقّ إلى نصابه عقلوا الدِّين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية))(٤) .

وقال (عليه السلام): ((نحن النمرقة الوسطى، بها يلحق التالي، وإليها يرجع الغالي))(٥) .

________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٥١، مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨، الجامع الصغير ٢ / ٥٣٣.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٦٨، وبنحوه في: الصواعق المحرقة ٢٣٤.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٤٩، الصواعق المحرقة ٢٣٤، وبنحوه في: الإتحاف بحب الأشراف ٢٠.

(٤) نهج البلاغة ٣٥٧، ٣٥٨، الخطبة٣٢٩.

(٥) نهج البلاغة ٤٨٨، الحكمة ١٠٩.

٢٨٩

وقد اعترف بعض المعاصرين لأهل البيت (عليهم السلام) من غير الشيعة بعصمتهم وبأنهم القمّة في كل الخصائص الإنسانية السامية ولمزيد الإطلاع على ذلك تُراجع تراجم حياتهم في كتب الأعلام والرجال وفي كتب الفضائل(١) .

ووردت أحاديث عديدة عن أهل البيت (عليهم السلام) يؤكدون فيها أنّهم القدوة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهم معروفون بالصدق عند جميع من عاصرهم سواء من أتباعهم أو من أئمة المذاهب الاُخرى وأتباعهم، وهذا التأكيد نابع من دلائل متواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي ما يلي بعض تلك الأحاديث:

قال الإمام علي (عليه السلام): ((... وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيّكم! وهم أزمَّة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وَرِدُوهم ورودَ الهيم العطاش))(٢) .

وقال (عليه السلام): ((انظروا أهل بيت نبيّكم، فالزموا سمتهم، واتَّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هدىً، ولن يعيدوكم في ردىً، فإن لبدوا فالبدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا))(٣) .

وكل ذلك مستنبط من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي تؤكد قدوتهم للمسلمين، ثم يوضّح الحقيقة تلك قائلا: ((وخلّف فينا راية الحقّ، مَنْ تقدّمها مرق، ومَنْ تخلَّفَ عنها زهق، وَمَنْ لزِمها لَحِقَ ألا إنَّ مَثَلَ آل محمد (صلى الله عليه وآله) كمثل نُجُومِ السَّماءِ، إذا خوى نجمٌ طَلَعَ نجمٌ، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع))(٤) .

وهي إشارة واضحة الى دورهم كقدوة وأنهم (عليهم السلام) صنائع الله تعالى ادَّخرهم لقيادة المسلمين على ضوء المنهج الذي رسمه للانسانية. وأوضح (عليه السلام) حقهم في الولاية لوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم وقال: ((لا يقاس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) من هذه الاُمّة أحد، ولا يسوِّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حقّ الولاية، وفيهم الوصية والوراثة))(٥) .

________________

(١) الطبقات الكبرى، حلية الأولياء، تاريخ بغداد، وفيات الأعيان، سير أعلام النبلاء، الاتحاف بحب الأشراف، فرائد السمطين.

(٢) نهج البلاغة ١١٩، ١٢٠، الخطبة ٨٧.

(٣) نهج البلاغة ١٤٣، باب كلامه٩٧.

(٤) نهج البلاغة ١٤٦، الخطبة ١٠٠.

(٥) شرح نهج البلاغة ١ / ١٣٨، ١٣٩.

٢٩٠

وفي خطبة للإمام الحسن بن علي (عليه السلام) قال: ((ياأهل العراق اتقوا الله فينا، فإنّا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذين قال الله عزوجل: (إنّما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً)(١) ...))(٢) .

وقال أيضاً: ((... فأطيعونا فإنّ طاعتنا مفروضة، إذ كانت بطاعة الله عزّوجل ورسوله مقرونة، قال الله عزّوجل: (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)(٣) ...))(٤) .

وأكّد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) على قدوة أهل البيت (عليهم السلام)بنصٍّ من الله ورسوله فقال: ((... فمن الموثوق به على إبلاغ الحجّة وتأويل الحكم إلى أهل الكتاب، وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتجَّ الله بهم على عباده، ولم يدع الخلق سدى من غير حجّة، هل تعرفونهم أو تجدونهم إلاّ من فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا،وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في الكتاب))(٥) .

وبهذا القول، يؤكد الإمام (عليه السلام) أن الله تعالى لا يترك الخلق سدى دون حجّة يحتجّ بها عليهم.

وعن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنه قال: ((نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحن خيرته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أُمناء الله، ونحن حجة الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن رحمة الله على خلقه ونحن الذين بنا يفتح الله، وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ونحن منار الهدى من تمسك بنا لحق، ومن تخلَّفَ عنا غرق))(٦) .

وحاسب الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) أبا حنيفة لقوله بالقياس، وكان يحاسب العلماء على ما يصدر منهم، ويعلّق محمد أبو زهرة على ذلك بالقول: ((تتبيّن إمامة الباقر للعلماء، يحاسبهم على ما يبدو منهم، وكأنّه الرئيس يحاكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة، وهم يقبلون طائعين تلك الرياسة))(٧) .

________________

(١) سورة الأحزاب آية: ٣٣.

(٢) مجمع الزوائد ٩ / ١٧٢.

(٣) سورة النساء آية: ٥٩.

(٤) الأمالي، للمفيد ٣٤٩.

(٥) الصواعق المحرقة ٢٣٣.

(٦) بحار الأنوار ٢٦ / ٢٤٨، كتاب الإمامة، باب٥، حديث١٨.

(٧) تاريخ المذاهب الإسلامية ٦٨٩.

٢٩١

كان سفيان الثوري يتزود من الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) علماً وفقهاً وحكمة وكان إذا قصده يقول له: ((لا أقوم حتى تحدثني))(١) .

اعتراف المعاصرين والمخالفين

بعد إقصاء أهل البيت(عليهم السلام) من منصب الخلافة بقي موقعهم محفوظا فموقعهم في الاُمة هو موقع القدوة، وهم الميزان الذي توزن به المفاهيم والقيم الاسلامية، وهذا الموقع يستمر بالبقاء والدوام وإن أُقصي أصحابه عن أحد محاوره وهو تزعم الرئاسة والسلطنة السياسية، وقد اعترف المعاصرون والمخالفون بموقع القدوة لأهل البيت(عليهم السلام)، ، فهم يعترفون بمؤهلاتهم وتفوقهم على الجميع بالفضل والخصائص الحميدة، وهذا الاعتراف ينفي قدوة جميع الصحابة فردا فردا المعاصرين لهم.

ففي حياة الإمام علي(عليه السلام) سواء كان في زمن أبي بكر وعمر وعثمان أو في زمن خلافته كان شطر من المسلمين يعترفون بان الامام عليا عليه السلام هو القدوة.

وقد اعترف بعض المعاصرين بدور القدوة للإمام الحسن(عليه السلام) ضمن تبيانه لمكارم بني هاشم، ورد ذلك الاعتراف في رسالة الحسن البصري إليه حيث جاء فيها: ((أما بعد فإنّكم معشر بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيِّرة الشاهرة، أو كسفينة نوح(عليه السلام)، الّتي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون وأنتم شهداء على النّاس، والله الشاهد عليكم، ذريّةً بعضها مِن بعض ...))(٢) .

فهو يعترف بأنّ الإمام الحسن(عليه السلام) من الشهداء على النّاس، والشهيد هو القدوة في أقواله وأفعاله، وهو القائد الذي يقود الأُمة إلى النجاة.

وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول بحقِّ الإمام الحسين بن علي(عليه السلام): ((هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء))(٣) .

وقد اعترف المعاصرون للإمام علي بن الحسين(عليه السلام) بالأفضلية في المقامات التي تؤهله لموقع القدوة ومنها: أفضليته في الورع والفقاهة.

________________

(١) سير أعلام النبلاء ٦ / ٢٦١.

(٢) تحف العقول ١٦٢.

(٣) تهذيب التهذيب ٢ / ٣٠٠.

٢٩٢

قال الزهري: ((ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين))(١) .

وقال سعيد بن المسيّب: ((ما رأيت أورع منه))(٢) .

وقال أبو حازم المدني: ((ما رأيت هاشمياً أفقه من علي بن الحسين))(٣) .

وقد اعترف المؤرخ الشهير الذهبي بأهليته للإمامة فقال: ((... فقد كان أهلا للإمامة العظمى، لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهه، وكمال عقله))(٤) .

واعترف هشام بن عبدالملك قبل تسلمه لزمام السلطة بمؤهلات الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام) القيادية فقال له: ((يامحمد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك))(٥) .

ووصفه الذهبي بالقول: ((جمع بين العلم والعمل، والسؤدد، والشرف والثقة والرزانة، وكان أهلا للخلافة))(٦) .

واعترف صلاح الدين الصفدي بمؤهلاته القيادية فقال: ((جمع العلم، والفقه،والديانة، والثقة، والسؤدد، وكان يصلح للخلافة))(٧) .

واعترف أبو حنيفة اعترافاً صريحاً بالامام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام وكان يقول: ((ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد))(٨) .

ووجد المأمون أنّ الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) قد أصبح له أنصار وأتباع في طول الأُمّة وعرضها، فرشحه لولاية العهد لامتصاص النقمة الشعبية، ولعزله عن قواعده بعد استدعائه إلى البلاط العباسي في خراسان، وحينما وصل إلى نيسابور استقبله عشرون ألفاً من الفقهاء(٩) .

ومدحه أبو نؤاس أمام المأمون وجمع غفير من وزراء الدولة فقال:

قلت لا أهتدي لمدح إمام***كان جبريل خادماً لأبيه(١٠)

________________

(١) سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٨٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٩١.

(٣) سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٩٤.

(٤) سير أعلام النبلاء ٤ / ٣٩٨.

(٥) تأمان الأخطار ٥٢.

(٦) سير أعلام النبلاء ٤ / ٤٠٢.

(٧) الوافي بالوفيات ٤ / ١٠٢.

(٨) سير أعلام النبلاء ٦ / ٢٥٨، تذكرة الحفّاظ ١ / ١٦٦.

(٩) الصواعق المحرقة ٣١٠.

(١٠) سير أعلام النبلاء ٩ / ٣٨٨، تذكرة الخواص ٣٢١.

٢٩٣

وقال الذهبي في حقِّه: ((كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة(١) .

وفي عهد الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) جمع المعتصم الفقهاء لمناظرته، وأخذ بقوله دون قول الفقهاء، فأغاض الموقف ابن أبي داود فقال للمعتصم: ((... ثم يترك أقاويلهم كلّهم، لقول رجل يقول شطر هذه الأُمة بإمامته، ويدعون أنّه أولى منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء))(٢) .

وفي حقِّ الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) قال اليافعي: ((كان متعبداً فقيهاً إماماً))(٣) .

واعترف عبيدالله بن خاقان أحد المقرّبين للعباسيين، بمؤهلات الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) فقال: ((لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره))(٤) .

رواية النهي عن انتقاص الصحابة

نسب إلى رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال:((إنَّ الله اختارني، واختار أصحابي فجعلهم أصهاري، وجعلهم أنصاري، وإنّه سيجيء في آخر الزمان قوم ينتقصوهم، ألا فلا تناكحوهم، ألا فلا تنكحوا إليهم، ألا فلا تصلّوا معهم، ألا فلا تصلّوا عليهم، عليهم حلّت اللعنة))(٥)

والرواية غير تامة السند ، فلا يصح نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه واله، وفي هذا الصدد قال الدكتور عبدالكريم النملة(٦) : ((فهذا حديث لا يصلح الاستدلال به، لأنَّ فيه بشير بن عبيدالله ، وهو غير معروف)).

________________

(١) سير أعلام النبلاء ٩/٣٩٢.

(٢) تفسير العيّاشي ١ / ٣١٩.

(٣) مرآة الجنان ٢ / ١٦١.

(٤) الإرشاد ٣٦٤.

(٥) الكفاية في علم الرواية : ٤٨ ووردت الرواية في تعابير مختلفة

(٦) أُستاذ بكلية الشريعة في الرياض

٢٩٤

قال ابن حبان:((والحديث باطل لا أصل له ، نقل ذلك أبو الفضل محمد ابن طاهر المقدسي في تذكرة الموضوعات)(١) .وقال الدكتور عطية بن عتيق الزهراني :((هذا الحديث لا يصح))(٢)

ومن ناحية الواقع نرى أنّ الذي ابتدأ بانتقاص الصحابة أو سبّهم هم بعض الصحابة، وهذا يستلزم التناقض، فاللعنة تكون شاملة لبعض الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا غيرهم من الصحابة ، وتشمل من لعنهم أيضاً ، وهذا ممّا لا يصح التمسك بدلالته

ووردت روايات أُخرى في استدلال القائلين بعدالة جميع الصحابة، وهي غير تامة السند والدلالة معاً ، أو أحدهما ، أو تدل على عدالة بعض الصحابة دون الجميع كرواية :((خيرُ أُمتي قرني... و ‎ لا تسبّوا أصحابي))(٣) وغيرهما

وذهب أصحاب هذا الرأي إلى نسبة الزندقة لمن لا يرى عدالة جميع الصحابة، قال أبو زرعة: (إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله فاعلم أنّه زنديق وذلك أنّ رسول صلى الله عليه واله عندنا حقّ ، والقرآن حقّ، وإنّما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله ، وإنّما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُنّة ، والجرح بهم أولى ، وهم زنادقة))(٤) .

ونحن لا نتفق مع أبي زرعة وغيره من القائلين بهذا الرأي من عدة وجوه :

الوجه الاُول: إنّ الذي أدّى إلينا القرآن والسنن ليس جميع الصحابة وانمابعضهم وخصوصا من رافقه منذ بداية البعثة

الوجه الثاني : ليس لجرح الشهود دخالة في إبطال الكتاب والسُنّة، وإنّما يكون غالباً مصحوباً بالتثبت والاحتياط في الدين، من أجل الوصول إلى العقيدة الحقّة والشريعة الحقّة، ليكون السلوك مطابقاً للكتاب والسُنّة

الوجه الثالث :إنَّ الجرح لا يشمل جميع الصحابة بل بعضهم

الوجه الرابع: إنَّ بعض الصحابة استتروا على نفاقهم فلم يظهروه، فمن العقل والمنطق السليم أن نبحث عن عدالتهم

________________

(١) مخالفة الصحابي للحديث النبوي الشريف : ٨٣

(٢) السُنّة ، لأبي بكر الخلال ١ : ٤٨٣.

(٣) الكفاية في علم الرواية : ٤٧

(٤) الكفاية في علم الرواية : ٤٩

٢٩٥

الوجه الخامس: إنَّ بعض الصحابة انتقصوا وسبّوا وجرحوا غيرهم من الصحابة، وخصوصاً الصحابة الذين انتقصوا وسبّوا وجرحوا الإمام عليّاً عليه السلام ، وهو الأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه واله ، وكان على رأس الصحابة الذين أدّوا إلينا القرآن والسُنّة، وهو الأعلم بكتاب الله وسُنّة رسوله كما تظافرت على ذلك الروايات(١)

فهل يحق لنا جرحهم؟ طبقاً لهذا الرأي، فإذا قيل يحق فقد انخرمت القاعدة، وإذا قيل لا يحقّ جرحهم فكيف كان لهم الحقّ في جرح الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام بل محاربته واستحلال دمه ؟

أوامر معاوية في شتم الإمام عليّ عليه السلام :

بعد استقرار الأمر لمعاوية، أمر ولاته بلعن وشتم الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام من على منابر المسلمين، خلافاً لإرشادات وتعاليم رسول الله صلى الله عليه واله ، فقد حرّم سب المسلم، وحرّم سبّ عليّ عليه السلام بالخصوص، فقال:((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ))(٢) .

وقال صلى الله عليه واله:((لا تسبوا عليّاً فإنه كان ممسوساً في ذات الله ))(٣) .

وأوصى معاوية المغيرة بن شعبة ((لا تترك شتم علي وذمّه))، فقال له المغيرة: (قد جَرّبتُ وجُرّبتُ، وعملت قبلك لغيرك فلم يذممني، وستبلو فتحمد أو تذم)، فكان المغيرة((لا يدع شتم علي والوقوع فيه))(٤) .

________________

(١) الطبقات الكبرى ٢ : ٣٣٨ ومناقب علي بن أبي طالب ، لابن المغازلي : ٨٢ وحلية الأولياء ١ : ٥ وكفاية الطالب : ١٩٧ وتذكرة الخواص : ٢٥ والمستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٧ ومختصر تاريخ دمشق ١٨ : ١٧ ومجمع الزوائد ٩ : ١١٤ والصواعق المحرقة : ١٨٩

(٢) المعجم الكبير ١٠: ١٥٧.

(٣) المعجم الكبير ١٩: ١٤٨.

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٧٢

٢٩٦

وكان ينال في خطبته من عليّ، وأقام خطباء ينالون منه(١) .

وكان حجر بن عديّ يرد اللعن على المغيرة(٢) .

ونتيجة لاستمرار شتم الإمام عليّ عليه السلام وسبّه، كتبت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة إلى معاوية: ((إنّكم تلعنون الله ورسوله على منابركم، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهدُ أنَّ الله أحبّه ورسوله))(٣) .

وروي أنّ قوماً من بني أُميّة قالوا لمعاوية : ((... إنّك قد بلغت ما أمّلت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل، فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلاً))(٤)

كما وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على (رواية أخبار قبيحة في الإمام علىّ عليه السلام ، تقتضي الطعن فية والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلا... منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم

وروي أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب:مائة ألف درهم حتى يروي أنّ هذه الآية نزلت في حق علي ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)(٥) .

فلم يقبل، فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل، فبذل له ثلاثمائة ألف درهم فلم يقبل، فبذل له أربعمائة ألف درهم فقبل، وروى ذلك.

رواية: عدم اجتماع الامة على ضلالة

________________

(١) سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣٠

(٣) العقد الفريد ٥ : ١١٥ وبنحوه في مسند أحمد ٧ : ٤٥٥ والمعجم الكبير ٢٣ : ٣٢٣

(٤) شرح نهج البلاغة ٤ : ٥٧

(٥) سورة البقرة ٢: ٢٠٤ وما بعدها

٢٩٧

نسب الى رسول الله صلى الله عليه واله انه قال : ((لا يجمع الله هذه الاُمة على الضلالة أبداً ويد الله على الجماعة فاتبعوا السواد الأعظم فإنه من شذّ شذّ في النار))(١) .

سنناقش الرواية من عدة جهات:

الجهة الأولى: سند الرواية، فالرواية محل خلاف بين المسلمين بين الشيعة والسنة، وبين السنة أنفسهم، فالشيعة قد أجمعوا على عدم تمامية سندها، أمّا السنة فإنهم لم يذكروها في كتب الصحاح المعروفة، وإنّما ذكرها الحاكم النيسابوري، وقد كان متردداً في إثبات تمامية سندها، ولذا يقول في مقام موقفه من الشواهد على الرواية: ((لا أدعي صحتها ولا أحكم بتوهينها بل يلزمني ذكرها لإجماع أهل السنة على هذه القاعدة))( ٢ ) .

والراوي المشترك في الرواية هو المعتمر بن سليمان، فالوجه الأول للرواية عن خالد بن يزيد القرني عن المعتمر عن أبيه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر، ويقول الحاكم النيسابوري: ((خالد بن يزيد هذا شيخ قديم للبغداديين ولو حفظ هذا الحديث لحكمنا له بالصحة))( ٣ ) .

والوجه الآخر عن المعتمر عن سفيان أو أبي سفيان عن عبد الله بن دينار، ويقول الحاكم: ((قال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق لست أعرف سفيان وأبا سفيان هذا))( ٤ ) .

وفي وجه عن المعتمر عن مسلم بن أبي الذيال عن عبد الله بن دينار، ويقول الحاكم: ((وهذا لو كان محفوظاً من الراوي لكان من شرط الصحيح))( ٥ ) .

ويقول حول مبارك بن سحيم: ((فإنه ممّن لا يمشي في مثل هذا الكتاب لكنّي ذكرته اضطراراً))( ٦ ) .

________________

(١) المستدرك على الصحيحين ١ / ١١٥.

(٢) المستدرك على الصحيحين ١ / ١١٦.

(٣) المستدرك على الصحيحين ١ / ١١٥.

(٤) المستدرك على الصحيحين ١ / ١١٥.

(٥) المستدرك على الصحيحين ١ / ١١٦.

( ٦ ) المستدرك على الصحيحين ١ / ١١٦.

٢٩٨

فالحاكم النيسابوري نراه متردداً في الحكم على الرواية ولكنّه لم يستطع مخالفة القاعدة، ولذا فإنه ملزم بذكرها على الرغم من عدم تمامية سندها تمشياً مع إجماع السنّة على القاعدة، وتوثيقه للمعتمر، والرواية وشواهدها غير تامة السند عنده(١) .

الجهة الثانية: الإجماع نفسه، فإنّ دراسة الواقع بصورة دقيقة توصلنا إلى نتيجة واضحة المعالم هي أنّه لم يحدث إجتماع في كثير من الامور.

الجهة الثالثة: جانب الدلالة، لو تمّ السند فان الرواية لاتدل على الافراد فردا فردا بل على الامة كمجموع وعلى راس المجموع الائمة عليهم السلام والاولياء والصالحين.

قال الامـام الـصـادق عليه السلام : سـئل رسول اللّه عليه السلام عن جماعة امته فقال : ((جماعة امتي اهل الحق وان قلو)( ٢ )

فيمكن توجيه الرواية بهذه الصورة بان اهل الحق لايجتمعون على ضلالة ، فيكون معاوية وعمرو بن العاص ومن وقف معهم ليسوا داخلين في اجتماع الامة لانهم اجتمعوا على ضلالة.

رواية : الاقتداء بأبي بكر وعمر

نسب بعض السنة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال: ((اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر)، وقيل في مقام الاقتداء: ((وأقل مراتب الأمر الجواز))( ٣ ) .

والرواية عند الشيعة مكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أمّا عند السنّة فإنها ليست محل اتفاق عندهم، نذكر هنا نقاش ابن حزم الأندلسي للرواية المتقدمة ولرواية أخرى منسوبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)).

________________

(١) وفي هامش سنن ابن ماجة ورد: (في الزوائد: في إسناده أبو خلف الأعمى وهو ضعيف، وقد جاء الحديث بطرق في كلّها نظر، قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي)، أنظر سنن ابن ماجة ٢ / ١٣٠٣.

(٢) ميزان الحكمة الحديث ٢٤٤٠.

(٣) شرح المواقف ٨ / ٣٦٤.

٢٩٩

وفي ذلك يقول ابن حزم الأندلسي: ((أنه (صلى الله عليه وآله) لا يأمر بما لا يُقدر عليه، ووجدنا الخلفاء الراشدين بعده (صلى الله عليه وآله) قد اختلفوا اختلافاً شديداً فلابدّ من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها:

إمّا أن نأخذ بكل ما اختلفوا فيه، وهذا ما لا سبيل له ولا يقدر عليه، أو يكون مباحاً لنا بأن نأخذ بأيّ شيء وهذا خروج عن الإسلام لأنه يوجب أن يكون دين الله تعالى موكولا إلى اختيارنا، فيحرّم كل واحد منّا ما يشاء، ويحلّ ما يشاء، ويحرِّم أحدنا ما يحلّه الآخر.

وأيضاً: فلو كان هذا لكنّا إذا أخذنا بقول الواحد منهم، فقد تركنا قول الآخر منهم، ولابدّ من ذلك، فلسنا متبعين لسنتهم، وأيضاً فإن الرسول (صلى الله عليه وآله)... إمّا أن يكون أباح أن يسنّوا سنناً غير سننه، أو أباح أن يحرموا شيئاً كان حلالا على عهده (صلى الله عليه وآله) إلى أن مات، أو أن يحلّوا شيئاً حرّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو أن يوجبوا فريضة لم يوجبها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو أن يسقطوا فريضة فرضها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يسقطها إلى أن مات وكل هذه الوجوه من جوز منها شيئاً فهو كافر مشرك ...))(١) .

ونقاش ابن حزم الأندلسي يغنينا عن الإجابة على الدليل، فهو غير ثابت دلالة وسنداً.

رواية : تقديم غير الافضل

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((من تقدّم على قوم من المسلمين، يرى أن فيهم من هو أفضل منه، فقد خان الله ورسوله والمسلمين))( ٢ ) .

صحب الامام علي (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ صغره وكان يقول: ((وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْ‏ءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلَا خَطْلَةً فِي فِعْلٍ وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه وآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلَا يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ

________________

(١) الإحكام في أُصول الأحكام ٦ / ٢٣٧ إلى ٢٤٠.

(٢) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل ٤٧٤.

٣٠٠