سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 10995
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 10995 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ ( صلى الله عليه وآله ) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ...))(١) .

فقد صاحبه منذ صغره وبقي مصاحبا وملازما له في جميع حركاته ينهل من علمه ،ومن الطبيعي ان يكون اعلم الصحابة ، وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه واله اعلميته

قال(صلى الله عليه وآله) ((أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها))( ٢ ) .

وقال(صلى الله عليه وآله) ((قسمت الحكمة عشرة أجزاء، فأُعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً))( ٣ ) .

وقال((صلى الله عليه وآله) ((عليّ عيبة علمي))( ٤ ) .

وقال(صلى الله عليه وآله) ((أعلم الناس بالسنة والقضاء بعدي عليّ بن أبي طالب))( ٥ ) .

و قال(صلى الله عليه وآله) ((أقضى هذه الأمة عليّ))( ٦ ) .

وفي ذلك قال عمر بن الخطّاب: ((عليّ أقضانا))( ٧ ) .

وعن عبد الله بن عباس أنه قال: ((كنّا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه واله عهد إلى علىّ سبعين عهداً لم يعهدها الى غيره)).( ٨ )

________________

(١) نهج البلاغة ٣٠٠، ٣٠١، الخطبة١٩٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٢٧; كفاية الطالب ٢٢١; وبنحوه في: مجمع الزوائد ٩ / ١١٤; الصواعق المحرقة ١٨٩.

( ٣ ) حلية الأولياء ١ / ٦٥; وبنحوه في: كفاية الطالب ١٩٧; مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٧.

( ٤ ) مختصر تاريخ دمشق ١٨ / ١٨.

( ٥ ) بحارالأنوار ٤٠ / ١٥٠.

( ٦ ) المناقب للخوارزمي ٤١.

( ٧ ) الطبقات الكبرى لإبن سعد ٢ / ٣٣٩; المناقب للخوارزمي ٤٧; الصواعق المحرقة ١٩٥.

( ٨ ) مجمع الزوائد ٩ / ١١٣.

٣٠١

وقال (صلى الله عليه وآله) : ((يا عليّ أخصمك بالنبوة ولانبوة بعدي، وتخصم الناس بسبع، ولايحاجّك فيهم أحد من قريش، اللهمّ إنّكَ أولهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضيّة، وأعظمهم عند الله مزية))(١) .

وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بكر ومعه سورة براءة ليتلوها على المشركين، ثم بعث عليّاً(عليه السلام)في أثره ليتلوها بدلا عنه، وحينما سأل أبو بكر عن السبب أجابه (صلى الله عليه وآله)بالقول الذي نزل به الوحي: ((لا يؤدي عنك إلاّ أنت أو رجل منك))( ٢ ) .

وفي رواية: ((لا يبلِّغ هذا إلاّ أنت أو رجل من أهلك))( ٣ ) .

وفي رواية: ((لا يؤدّي عنك إلاّ أنت أو علي))( ٤ ) .

الرجوع الى الامام علي عليه السلام من قبل الخلفاء

ومن ذلك انّ أبا بكر أراد غزو الروم، فاستشار الصحابة فقدّموا وأخّروا، ولم يقطعوا برأي، فاستشار علياً، فشجعه على غزو الروم، فقال: ((ان فعلت ظفرت فقال: بشّرت بخير))( ٥ )

وكان الخليفة يلتجأ إليه في المسائل المستعصية، فلا يبخل الإمام برأيه ومعونته الفكرية والعلمية، سأله إليهود فأجابهم عن مسائلهم، وحينما سألوه عن خصوصيات رسول الله (صلى الله عليه واله) قال أبو بكر: ((ولكنّ الحديث عنه شديد وهذا عليّ بن أبي طالب)) فارسلهم إلى الإمام عليه السلام فأجابهم( ٦ ) .

وسأله ملك الروم عن مسائل فأخبر بذلك عليّاً فأجابه، وأراد ان يقيم الحدّ على شارب الخمر، فقال الرجل: انّي شربتها ولا علم لي بتحريمها، فارسل ابو بكر إلى الإمام يسأله عن هذه المسألة المستعصية، فقال: مرّ نقيبين من رجال المسلمين يطوفان به على المهاجرين والانصار وينشدانهم: هل فيهم أحد تلا عليه آية التحريم؟ ففعل، ثمّ خلّى سبيله ولم يحدّه( ٧ ) .

وفي مقابل ذلك كان الخليفة ابو بكر يحترم مكانة الإمام علي عليه السلام العلمية والفكرية، وكان يشيد به ويعترف بحقّه وفضله، وكان يمدحه في كثير من المواقف ومن اقواله في حقه: ((من سره أن ينظر إلى أعظم الناس منزلة من رسول الله (صلى الله عليه واله) وأقربه قرابة، وأفضله دالّةً، وأعظمه غناءً عن نبيّه فلينظر إلى هذا))( ٨ ) .

وشاور عمر بن الخطاب الإمام علياً عليه السلام في الخروج إلى غزو الروم، فنصحه بعدم الخروج بنفسه وقال له: ((انك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب لا يكن للمسلمين كهف دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فابعث إليهم رجلاً محربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهره الله فذاك ما تحب وان تكن الأخرى، كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمي))( ٩ ) .

وحينما أراد غزو نهاوند نصحه الإمام عليه السلام بالبقاء في المدينة، وقال له: ((أما بعد...، فانّك ان اشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم وان اشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم، وانّك ان شخصت من هذه الارض

________________

(١) حلية الأولياء ١ / ٦٥، ٦٦.

(٢) الكامل في التاريخ ٢ / ٢٩١; البدء والتاريخ ٣ / ٢٤١; السيرة النبوية لابن كثير ٤ / ٧٢.

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٧٦.

( ٤ ) إعلام الورى بأعلام الهدى ١٣٢.

( ٥ ) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٢٣.

( ٦ ) ذخائر العقبى : ٨٠ – محمد بن جريرالطبري – مؤسسة الوفاء – بيروت –١٤٠١هـ.

( ٧ ) مناقب ال ابي طالب ٢: ٣٩٧- ابن شهرآشوب-دار الاضواء- بيروت- ١٤١٢هـ.

( ٨ ) مختصر تاريخ دمشق ١٧: ٣٢٠- ابن عساكر- دار الفكر- دمشق- ١٩٨٨م.

( ٩ ) شرح نهج البلاغة ٨: ٢٩٦.

٣٠٢

انتفضت عليك الارض من أطرافها واقطارها... اقرر هؤلاء في امصارهم، واكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق... ولتسر فرقة إلى اخوانهم بالكوفة مدداً لهم، انّ الاعاجم إن ينظروا اليك غداً قالوا: هذا أمير العرب وأصل العرب، فكان ذلك أشدّ لكلبهم والبتهم على نفسك))(١) .

وفي واقعة اخرى اشار عليه بالخروج بنفسه، فحينما تحصن المشركون ببيت المقدس أجابوا إلى الصلح بشرط قدوم الخليفة عليهم، فاستشار الإمام بذلك فاشار عليه بالمسير إليهم ((ليكون أخفّ وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم))( ٢ ) .

وقال له: ((إنّ القوم قد سألوك المنزلة التي لهم فيها الذلّ والصغار ونزولهم على حكمك عزّ لك وفتح للمسلمين... حتى تقدم على أصحابك وجنودك، فإذا قدمت عليهم كان الأمر والعافية والصلح والفتح ان شاء الله)) فأخذ عمر بمشورته( ٣ ) .

و كان يستعين برأي الإمام ويقدّمه على جميع الصحابة، وكان الإمام عليه السلام يسانده ويؤازره في اختيار الحكم أو الموقف الأصوب، وكان يتدخل ابتداءً لتغيير حكم أو تنفيذه، فالمصلحة هي الحاكمة على جميع مواقفه وممارساته وكان الخليفة يمتدحه بعد نجاح الموقف ويرى أنّه السبب في انقاذه من المواقف الحرجة في القضاء والحكم بين الناس.

استشاره في عقوبة شارب الخمر فأشار عليه أن يجلده ثمانين فأخذ بمشورته وجلد في الخمر ثمانين( ٤ ) .

وارتاعت امرأة من عمر وسقط جنينها فاشار عليه ان يضمن الدية، فقال عمر: صدّقتني( ٥ ) .

وذكر الطبري بعض الروايات في الاستعانة بالإمام في القضاء، وكان يتدخل أحياناً دون استشارة ليغيّر الحكم، فيمضي الخليفة حكمه وإن كان مخالفاً لرأي الخليفة ومن ذلك:

- تدخله في منع رجم امرأة حامل.

- خلّى سبيل امرأة اضطرها رجل للفاحشة.

- أراد عمر رجم امرأة ولدت لستة أشهر فمنعه الإمام فرجع عن قراره.

- لم يرجم امرأة محصنة باشرها غلام لم يبلغ اعتمادا على مشورة علي عليه السلام أو تدخلاً منه.

- قام بتأديب رجل دون علم الخليفة ودون أمره، وكان جوابه للإمام أحسنت يا أباالحسن( ٦ ) .

ولا يجد عمر بأساً في توجيه أنظار الناس إلى كفاءة عليّ وإلى اعلميته، سأله رجل حول حلّية زوجته التي طلقها مرة وهو مشرك ومرّتين وهو مسلم، فقال الخليفة عمر: كما أنت حتى يجيء عليّ فقال: ((هدم الإسلام ما كان قبله)) واعتبرها تطليقتين، وقد أخذ برأي عليّ عليه السلام.

وحينما أراد معرفة حقّه في بيت المال، قال له الإمام: (( ما أصلحك وأصلح عيالك بالمعروف، ليس لك من هذا المال غيره)) فقال الصحابة: القول قول ابن أبي طالب( ٧ ) .

وشاور الصحابة في سواد الكوفة، فقالوا له: نقسمها بيننا، فشاور علياً عليه السلام فقال: ((ان قسّمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء، ولكن تقرّها في أيديهم يعملونها، فتكون لنا ولمن بعدنا، فقال عمر: وفقك الله هذا الرأي))( ٨ ) .

وكان متردداً في خزائن بيت الله وما فيها من أموال وسلاح، أيتركها أم يوزعها، فقال له الإمام عليه السلام: ((... لست بصاحبه انّما صاحبه منّا شاب من قريش يقسمه في سبيل الله في آخر الزمان))( ٩ ) .

________________

(١) تاريخ الطبري ٢: ٥٢٤، المنتظم ٤: ٢٧٣.

(٢) البداية والنهاية ٧: ٥٥- ابن كثير- دار الفكر- بيروت- ١٤٠٢هـ.

( ٣ ) الفتوح ١: ٢٢٥، احمد بن أعثم الكوفي، دارالكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٦هـ.

( ٤ ) تاريخ المدينة المنورة ٢: ٧٣٢، عمر بن شبّة النميري، مكة المكرمة، ١٣٩٩هـ.

( ٥ ) انساب الاشراف ٢: ١٧٨.

( ٦ ) ذخائر العقبى : ٨١، ٨٢.

( ٧ ) تاريخ الطبري ٢: ٤٥٣، المنتظم ٤: ١٩٧.

( ٨ ) تاريخ اليعقوبي ٢: ١٥١، ١٥٢.

( ٩ ) كنز العمّال ١٤: ٥٩١، علي المتقي الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٤٠٥هـ.

٣٠٣

وأرادعمر بيع أهل السواد فقال الإمام عليه السلام: ((دعهم شوكة للمسلمين)) فتركهم على أنّهم عبيد(١) .

وبلغه أنّ أحد عمّاله باع ما يحرم بيعه وجعل الثمن في بيت المال فاستشار الإمام عليه السلام فقال: ((امّا ان تعزله وإمّا ان تكتب إليه أن لا يعود))( ٢ ) .

وهناك وقائع عديدة عمل بها الإمام عليه السلام لترشيد سيرة الدولة والاخلاص في النصيحة والمشورة، لايسع البحث ذكرها.

فقد تدخل لمنع اجراء الحدّ على امرأة بعد ثبوت براءتها بالأدلة الحية( ٣ ) وقد وردت روايات عديدة تنص على انّ عثمان إذا جاءه الخصمان قال لأحدهما: اذهب ادع علياً( ٤ ) .

وكان يستشيره في اختيار الموقف المناسب من المعارضين لسياسته فيشير عليه باصلاح الأوضاع وتغيير بعض الولاة( ٥ ) .

اختلاف الآراء في عدالة الصحابة

اختلف العلماء والمؤرخون في الصحابة من حيث عدالتهم كمجموع او عدالتهم كافراد،فمن العلماء من ذهب إلى أنَّ جميع الصحابة كانوا عدولا في سلوكهم ومواقفهم إلى آخر حياتهم، ومنهم من ذهب إلى ذلك مقيداً بظهور الفتن، فالداخلون في الفتنة صُنِّفوا إلى صنفين، فمنهم العدول، ومنهم غير العدول، ومن العلماء من اختار أوسط الآراء بعد تتبعهم للسيرة الذاتية للصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه واله وبعده، فكانوا عدة أصناف فمنهم العدول ، ومنهم غير العدول، ومنهم المنافقون الذين انكشفت حقيقتهم، ومنافقون أسرّوا النفاق فلم يعلمهم إلاّ القليل من الصحابة

ذكر الآمدي هذه الآراء ورجَّح الرأي الأول قال: (اتفق الجمهور من الأئمة على عدالة الصحابة

وقال قوم : إنَّ حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية

ومنهم من قال: إنّهم لم يزالوا عدولاً إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم ، وبعد ذلك فلا بدَّ من البحث في العدالة عن الراوي أو الشاهد منهم إذا لم يكن ظاهر العدالة

________________

(١) مناقب آل ابي طالب ٢: ٤٠٧.

(٢) أنساب الاشراف ٢: ٧٨.

( ٣ ) مناقب آل ابي طالب ٢: ٤١٣.

( ٤ ) السنن الكبرى ١٠: ١١٢، احمدبن الحسين البيهقي، دارالمعرفة، بيروت، ١٣٥٤هـ.

( ٥ ) البداية والنهاية ٧: ١٧١.

٣٠٤

ومنهم من قال : بأنَّ كلّ من قاتل عليّاً عالماً منهم ، فهو فاسق مردود الرواية والشهادة لخروجهم على الإمام الحق

والمختار : إنّما هو مذهب الجمهور من الأئمة)(١)

الرأي الأول: عدالة جميع الصحابة:

وهو رأي جمهور العلماء من اهل السنة المتفقين على عدالة جميع الصحابةفردا فردا، قال ابن حجر العسقلاني:((اتفق أهل السُنّة على أنّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة))( ٢ )

واستشهد بما قاله الخطيب البغدادي في ذلك : ((... وإنّه لا يحتاج إلى سؤال عنهم ، وإنّما يجب فيمن دونهم... لأنّ عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم))( ٣ )

واستثنى ابن الأثير الصحابة من الجرح والتعديل فقال: (والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل، فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح، لأنّ الله عزَّ وجل ورسوله زكياهم وعدَّلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره)( ٤ )

ويرى الشوكاني (استواء الكل في العدالة)( ٥ )

ونسب محمد الفتوحي المعروف بابن النجار إلى ابن الصلاح وغيره القول بأنّ: (الاُمّة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ، ولا يعتدّ بخلاف من خالفهم)( ٦ ) .

وحاول المازري التخفيف من الافراط في تقييم الصحابة، فلم ينسب العدالة الى جميع الصحابة فردا فردا، وإنّما وضع قيوداً لتقليل عدد الصحابة وتقييد الاطلاق في العدالة، فقال:((لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول، كل من رآه صلى الله عليه واله يوماً أو زاره لماماً أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب، وإنّما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أنزل معه أُولئك هم المفلحون))( ٧ ) .

________________

(١) الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٢٠

(٢) الإصابة ١ : ٦

( ٣ ) الكفاية في علم الرواية : ٤٦

( ٤ ) أُسد الغابة ١ : ١٠

( ٥ ) ارشاد الفحول ، للشوكاني : ٧٠

( ٦ ) شرح الكوكب المنير ٢ : ٤٧٣

( ٧ ) الإصابة ١ : ٧

٣٠٥

وهذه المحاولة هي تراجع عن أصل الادعاء بعدالة جميع الصحابة فردا فردا الذي تبنّاه الجمهور، وهي محاولة قائمة على أُسس واقعية ومنطقية من خلال تتبع حياة الصحابة وسيرتهم الذاتية وما نزل فيهم من آيات وما قيل فيهم من روايات وما مارسوه من ممارسات فردية واجتماعية وسياسية.

الرأي الثاني : عدالة واقع الصحابة العملي

يتبنّى هذا الرأي ثبوت العدالة في الواقع الخارجي العملي والسلوكي لجميع الصحابة، فلا يوجد من بينهم من ارتكب ما يؤدي إلى فسقه ، قال الغزالي:((والذي عليه سلف الاُمّة وجماهير الخلف: أنّ عدالتهم معلومة.. إلاّ أن يثبت بطريق قاطع إرتكاب واحد لفسق مع علمه به ، وذلك مما لا يثبت ، فلا حاجة لهم إلى التعديل))(١)

ولا دليل على هذا الرأي، والواقع الخارجي مليء بالأدلة والشواهد النافية لعدالة بعض أو كثير من الصحابة

وإذا تتبعنا سيرة بعض الصحابة نجدهم لا يتبنّون هذا الرأي، بل يتثبتون في الحكم على بعضهم البعض جرحاً أو تعديلاً، وكان بعضهم يجوّز الفسق على نفسه أو على غيره، والأمثلة على ذلك مستفيضة

في خطبة لأبي بكر قال ـ يصف نفسه ـ :((... فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني))( ٢ ) .

وفي رواية أنّه قال:((... فإذا رأيتموني قد استقمت فاتبعوني، وان زغت فقوّموني، واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني أحياناً))( ٣ ) .

فقد عبر عن نفسه بانه قابل للاستقامة او الزيغ اوالاحسان او الاساءة ولم يصرح بانه عادل لكونه صحابيا.

________________

(١) المستصفى ، للغزالي ٢ : ٢٥٧ ـ المدينة المنورة ١٤١٣ هـ

(٢) تاريخ الطبري ٣ : ٢١٠ والكامل في التاريخ ٢ : ٣٣٢ والدر المنثور ٧ : ٥١٥

( ٣ ) الإمامة والسياسة ١ : ١٦ وبنحوه في تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٥٤

٣٠٦

وفي وصيته كتب:((إنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه، وإن بدّل فلكلِّ امرىء ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب))(١) .

فلم يصرح بان عمربن الخطاب عادل لانه صحابي بل جعله قابل للعدل وعدمه.

وقد ظهر ذلك جليّاً في أقوال ومواقف الصحابة أنفسهم ففي رواية قال عمر بن الخطّاب((قلت: يا رسول الله يدخل عليك البرّ والفاجر))( ٢ ) .

ومعناه يدخل عليك البر والفاجر وهم من الصحابة.

وقال ابن فلكية: (أدركت ثلاثين ومائة ـ وفي رواية خمسين ومائة ـ من أصحاب النبي صلى الله عليه واله كلهم يخافون النفاق)( ٣ ) .

حتى انّ عمر بن الخطاب وهو من كبار الصحابة كان (يسأل حذيفة عن نفسه وأنه هل ذكر في المنافقين)( ٤ )

وكان حذيفة يقول:((إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد النبي صلى الله عليه واله فيصير بها منافقاً، واني لأسمعها من أحدكم اليوم في المجلس عشر مرات))( ٥ ) .

واعترف البراء بن عازب بما قام به بعض الصحابة من أحداث توجب عدم رضوان الله تعالى، فعن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال: لقيت البراء بن عازب، فقلت له: طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه واله وبايعته تحت الشجرة، فقال:((يا ابن أخي إنّك لا تدري ما أحدثناه بعده))( ٦ ) .

________________

(١) تاريخ الخلفاء : ٦٣ وبنحوه في : الإمامة والسياسة ١ : ١٩

(٢) صحيح البخاري ٦ : ١٤٨

( ٣ ) احياء علوم الدين ١ : ١٢٤

( ٤ ) احياء علوم الدين ١ : ١٢٤

( ٥ ) مسند أحمد بن حنبل ٦ : ٥٣٣

( ٦ ) صحيح البخاري ٥ : ١٦٠

٣٠٧

وعدالة جميع الصحابة لم تكن من المرتكزات الذهنية المألوفة عندهم، فقد دلت سيرتهم على ذلك ، فقد تقدّم إنّ عمر بن الخطاب طالب أبا بكر باقامة الحد على خالد بن الوليد ولم يقل : إنّه صحابي عادل.

واستمع عمر إلى الشهود الذين جاءوا للشهادة على المغيرة بن شعبة ولم يقل لهم: إنّه صحابي ولا تجوز عليه المعصية(١) ولو لم يتخلّف رابعهم عن الشهادة لكان الحد ثابتاً على المغيرة ولقام عمر بحدِّه

وثبت في التاريخ انّ بعض الصحابة انحرفوا عن النهج الإسلامي، فقد كذّب الوليد بن عقبة على رسول الله صلى الله عليه واله فسماه القرآن فاسقاً، وحينما كان والياً على الكوفة صلّى بالمسلمين وهو سكران، وقصة سكره مشهورة عند المؤرخين( ٢ ) .

ومن كثرة تجاوزات مروان بن الحكم سمي (بخيط باطل)( ٣ ) ، وكان أبوه الحكم طريد رسول الله صلى الله عليه واله وبقي منفياً عن المدينة طيلة عهد أبي بكر وعمر وهذا يعني انّ رسول الله صلى الله عليه واله مات وهو غير راض عنه

وكان عبدالله بن سعد بن أبي سرح يكتب القرآن فكان يكتب: (عليم حكيم) بدلاً عن (عزيز حكيم) ثم ارتدّ ، وفي فتح مكة أهدر رسول الله صلى الله عليه واله دمه، ولكن عثمان جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه واله وطلب له الأمان، وحينما خرج قال صلى الله عليه واله لأصحابه ‎ لقد صَمَتُ ليقتله أحدكم( ٤ ) ، وقد ذمّه علي عليه السلام ولا يوجد دليل على استقامته بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه واله

وفي معاوية قال الحسن البصري الفقيه المعروف: ((أربع خصال كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسيف... واستخلافه بعده ابنه سكيراً خميّراً، وادعاؤه زياداً... وقتله حجراً وأصحاب حجر، فياويلاً له من حجر))( ٥ )

________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢٠ : ٢٣

(٢) الاصابة ٦ : ٣٢٢

( ٣ ) مروج الذهب ٣ : ٨٦

( ٤ ) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٤٩

( ٥ ) تاريخ الطبري ٣ : ٣٢ ومثله في : ربيع الأبرار ٢ : ٤٨٦

٣٠٨

وسأل أبو يوسف القاضي أبا حنيفة عن الصحابة فقال: (كلّهم عدول ما عدا رجالاً)، ثم عدّ منهم : أبا هريرة و...(١)

وذهب جماعة إلى تجويز المعصية على الصحابة، ولكنهم توقفوا في البحث عن عدالتهم وطلب التزكية لهم، ونسب هذا الرأي إلى ابن الأنباري وغيره، حيث قالوا:((وليس المراد بكونهم عدولاً: العصمة واستحالة المعصية عليهم، إنّما المراد أن لا نتكلّف البحث عن عدالتهم ولا طلب التزكية لهم))( ٢ ) .

وهذا الرأي غير تام، فلو جوزنا على الصحابة المعصية، فإنّ هذا يستلزم البحث عن عدالتهم وطلب التزكية لهم، لمعرفة العادل منهم والفاسق، وهذه المعرفة ضرورية لتحديد معالم الدين في التفسير وفي السُنّة، وتشخيص صحة الرواية بلحاظ رواتها، وهي ضرورية في كتابة التاريخ وأخذ العبر والتجارب منه، وقد ألفت الكتب في الجرح والتعديل في جميع مراحل المسيرة الإسلامية، وهو أمر مألوف إلى يومنا هذا،والاهم من كل ذلك ان القران الكريم ذم الكثير منهم

الرأي الثالث: عدالة جميع الصحابة قبل دخولهم في الفتنة

ذهب البعض إلى عدالة جميع الصحابة إلى حين وقوع الاختلاف والفتن فيما بينهم، فلا بدَّ من البحث في العدالة عن الصحابي إذا لم يكن ظاهر العدالة( ٣ ) .

وذهب المعتزلة إلى عدالة الجميع باستثناء من قاتل الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام فهو فاسق مردود الشهادة( ٤ ) .

ورأي المعتزلة غير مقبول عند الجمهور الذين يرون عدالة جميع الصحابة حتّى من قاتل الإمام عليّ عليه السلام ، قال ابن كثير:((وقول المعتزلة: الصحابة عدول إلاّ من قاتل علياً، قول باطل مرذول ومردود، وقد ثبت في صحيح البخاري

________________

(١) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٨

(٢) شرح الكوكب المنير ٢ : ٤٧٧ في الهامش هذا القول لابن الانباري وغيره

( ٣ ) الإحكام في أصول الأحكام ٢ : ٣٢٠

( ٤ ) المصدر السابق نفسه

٣٠٩

عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: عن ابن بنته الحسن بن علي... ‎ إنّ ابني هذا سيّد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين، وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر... وسمي عام الجماعة... فسمى الجميع مسلمين...))(١) .

وهذا الوجه لا يصحُّ الاستدلال به على عدالة جميع الصحابة، وغاية ما يدل عليه أنّ رسول الله صلى الله عليه واله سمى الفئتين بالمسلمين، وإطلاق اسم المسلم على فرد أو جماعة لا يستفاد منه العدالة، فليس كل مسلم عادلاً، لأنّ التسمية تطلق على من شهد الشهادتين وإن كان فاسقاً أو كان منافقاً مستتراً، بل إنّ كلمة الإسلام تطلق حتى على مرتكب الكبائر ماعدا الشرك بالله تعالى

ومثل ذلك ما قاله محمد بن إسحاق، كما حكى عنه البيهقي:((وكل من نازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إمارته فهو باغ)).

وأضاف البهيقي:((على هذا عهدت مشايخنا وبه قال ابن إدريس الشافعي... ثم لم يخرج من خرج عليه ببغية عن الإسلام))( ٢ ) .

وغاية ما يستدل بهذا القول: إنّ الباغين على الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم يخرجوا عن الإسلام، وعدم الخروج عن الإسلام لا يستلزم العدالة فهم مسلمون لان الانتساب للاسلام يكفي فيه شهادة الشهادتين باللسان

الرأي الرابع: تأويل مواقف الصحابة

إنّ عدالة جميع الصحابة لم تثبت حسب موازين الجرح والتعديل، فقد ارتكب بعضهم أفعالاً ظاهرة الانحراف والفسق، ومن أجل الحفاظ على نظرية عدالة جميع الصحابة فردا فردا، ذهب جمهور من علماء العامّة إلى ضرورة تأويل وتبريرمواقفهم واختيار الاعذار لهم بما ينسجم مع القول بالعدالة

قال ابن حجر الهيتمي:((إعلم أنَّ الذي أجمع عليه أهل السُنّة والجماعة أنّه يجب على كلِّ مسلم تزكية جميع الصحابة بإثبات العدالة لهم، والكفّ عن الطعن فيهم... والواجب أن يلتمس لهم أحسن التأويلات، وأصوب المخارج، إذ هم أهل لذلك))( ٣ )

________________

(١) الباعث الحثيث في شرح علوم الحديث : ١٧٧

(٢) الاعتقاد على مذهب السلف ، للبيهقي : ٢١٩.

( ٣ ) الصواعق المحرقة : ٣٢٥

٣١٠

ولهذا أوّلوا ما ارتكبه بعض الصحابة من معاصي وإن كانت من الكبائر، بأنّ ما ارتكبوه قد صدر منهم عن اجتهاد وتأويل، ومن ذلك بغي معاوية وعمرو بن العاص على الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وما رافق ذلك البغي من سفك الدماء وقتل خيرة الصحابة كعمّار وخزيمة بن ثابت وحجر بن عدي وآخرين

قال ابن حجر:((وفئة معاوية وإن كانت هي الباغية، لكنّه بغي لا فسق به، لأنّه صدر عن تأويل يعذر به أصحابه))(١) .

ولم يكتف القائلون بالتأويل بذلك، فترقّى بهم الحال ليدّعوا أنّ للبغاة أجراً على بغيهم:

قال ابن كثير:((... لأنّهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر، فإنّهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال، وليس كل مجتهد مصيباً، بل المصيب له أجران، والمخطيء له أجر))( ٢ ) .

وقال ابن حزم :((وعمّار (رضي الله عنه) قتله أبو العادية يسار بن سبع السلمي، وقد شهد بيعة الرضوان، فهو من شهداء الله له بأنّه علم ما في قلبه وأنزل السكينة عليه ورضي عنه، فأبو العادية... متأول مجتهد مخطيء فيه باغ عليه مأجوراً أجراً واحداً))( ٣ ) .

وذكر ابن حجر الرواية المشهورة عن رسول الله صلى الله عليه واله في قوله لعمّار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية وأردفها بالقول: ((إخبار من الصادق المصدّق(رضي الله عنه) أنّ معاوية باغ على عليّ، وأنّ عليّاً هو الخليفة الحق))

وقال:((وجوابه أنّ غاية ما يدل عليه هذا الحديث أنّ معاوية وأصحابه بغاة... ذلك لا نقص فيه، وأنّهم مع ذلك مأجورين غير مأزورين...))( ٤ )

وعلى الرغم من القول بالتأويل، إلاّ أنّهم خرموا القاعدة في رأيهم بقتلة عثمان بن عفّان، قال ابن حجر:((... إنَّ الذي ذهب إليه كثيرون من العلماء أنّ قتلة عثمان لم يكونوا بغاة، وإنّما كانوا ظلمة وعتاة لعدم الاعتداد بشبههم، ولأنّهم أصرّوا على الباطل بعد كشف الشبهة وإيضاح الحقّ لهم))( ٥ ) .

________________

(١) الصواعق المحرقة : ٣٢٨

(٢) السيرة النبوية ، لابن كثير ٢ : ٣٠٨

( ٣ ) الفصل في الأهواء والملل والنحل ٤ : ١٦١

( ٤ ) تطهير الجنان : ٤٢

( ٥ ) الصواعق المحرقة : ٣٢٦

٣١١

والرأي في قتلة عثمان ينقض قاعدة التأويل، بل ينقض عدالة جميع الصحابة، لأنَّ بعض الصحابة قد فسقوا بقتلهم عثمان كما يدّعون، فما هو الملاك في التأويل؟! فإذا كان قتلة عثمان قد قتلوا شخصاً واحداً، فإنّ معاوية ومن معه قتلوا آلاف المسلمين وعشرات الصحابة، بل استمر معاوية على هذا النهج وقتل جماعة من أخيار الصحابة حينما تسلط على المسلمين بقوة السيف، فلماذا نبرّر لمعاوية بغيه على الخليفة الحق وسفكه الدماء، ولا نبرّر لبعض الصحابة مشاركتهم في قتل عثمان؟ فما هو المرجح في التبرير؟

ولماذا يبرّر لابن ملجم قتله الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام كما ورد عن البيهقي أنّه قال: ((ولا خلاف بين أحد من الاُمة أنّ ابن ملجم قتل علياً متأولاً مجتهداً مقدّراً على أنّه على صواب))(١)

فالحق أنّه لا ملاك في تأويل أخطاء الصحابة إلاّ ولاء المؤرخين وبعض العلماء إلى الوضع السياسي الغالب ـ لا سيّما أيام معاوية بن أبي سفيان ـ وإظهاره بأفضل صور العدالة

معاوية وأهل صفين بغاة عمدا

التبرير بالتأويل والاجتهاد لا اسس شرعية له وهو مخالف لثوابت الاسلام وللعقل السليم ، والاجتهاد الخاطئ قد يكون له تبرير في قضية فردية او عبادية ولكن لاتبرير له في الامور الاجتماعية التي يترتب عليها اثر من ظلم او عدوان او اكل مال بالباطل ،لان المجتهد مكلف بالاحتياط في اهم الامور:الارواح والاعراض والاموال،ومن خلال متابعة تاريخ الصحابة وسيرتهم نرى أن بعض الصحابة كمعاوية وعمرو بن العاص غير متأولين وغير مجتهدين في بغيهم على الإمام عليّ عليه السلام وسفكهم الدماء، وإنّما بغوا عليه متعمِّدين وفيما يلي نستعرض الظروف والوقائع التي تؤكد تعمدهم في البغي بلا تأويل ولا اجتهاد

أولاً : عدم نصرة عثمان في حياته :

إنَّ المطالبين بدم عثمان لم ينصروه في حياته وهم قادرون على ذلك، فقد أوصى معاوية قائد جيشه أن يرابط قرب المدينة في زمن حصار عثمان، وقال له: ((إذا أتيت ذا خشب فأقم بها ولا تتجاوزها، ولا تقل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب).

________________

(١) السنن الكبرى ٨ : ٥٨

٣١٢

فأقام قائده بذي خشب حتى قُتل عثمان، وحينما سئل جويرية عن ذلك قال: (صنعه عمداً ليُقتل عثمان فيدعو إلى نفسه))(١) .

ولهذه الحقيقة أدلة وشواهد كثيرة ، فحينما طلب معاوية من عبدالله بن سعد بن أبي سرح البيعة أجاب: (ما كنتُ لاُبايع رجلاً أعرف أنّه يهوى قتل عثمان)( ٢ ) .

وقال عمرو بن العاص لمعاوية: ((إنَّ أحق الناس ألاّ يذكر عثمان لا أنا ولا أنت... أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، واستغاثك فأبطأت، وأما أنا فتركته عياناً))( ٣ ) .

وكان ابن العاص يحرّض على قتل عثمان حتى الراعي في غنمه، وحينما سمع بمقتله قال:((أنا أبو عبدالله، أنا قتلته وأنا بوادي السباع))( ٤ )

فالذي تباطأ عن نصرة عثمان والذي حرّض الناس على قتله هل كانا مجتهدين في المطالبة بدمه؟ إلاّ أن نقول إنّ التباطؤ والتحريض هو اجتهاد للوصول إلى الخلافة، واجتهد معاوية أيضاً حينما أصبح خليفة بترك ما يسميهم قتلة عثمان خوفاً على سلطانه( ٥ ) !!

فلا ميزان ولا مقياس للاجتهاد عند أصحاب هذا الرأي، وهذا التبرير مخالف للقواعد الثابتة للإسلام.

ثانياً : وجوب طاعة الامام علي عليه السلام على ضوء الفقه السني

إنَّ طاعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام واجبة على معاوية وجميع أهل الشام، وهذا متسالم عليه عند فقهاء السُنّة في وجوب طاعة الإمام المبايع من قبل أهل الحل والعقد( ٦ ) .

________________

( ١ ) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١٢٨٩

( ٢ ) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١١٥٣

( ٣ ) الإمامة والسياسة ١ : ٩٨

( ٤ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٥

( ٥ ) أنساب الأشراف ١ : ١٢٥

( ٦ ) الأحكام السلطانية ، للما وردي : ٧ وأُصول الدين ، لعبد القاهر البغدادي : ٢٨٠

٣١٣

ومن الثوابت المتفق عليها بين المسلمين انّه لا اكراه في البيعة، وسيرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والامام علي(عليه السلام) والامام الحسين(عليه السلام) خير دليل أو شاهد على هذه الحقيقة الثابتة، ومع عدم الاكراه يحق للامام ان يطالب بالبيعة فتصبح واجبة.

واختيارية البيعة لايعني اختيارية الطاعة، وبمعنى آخر ان طاعة الامام أو القائد أو الحاكم الاسلامي واجبة حتى على غير المبايعين، وهذا محل اتفاق المسلمين.

وقد دلت الروايات وآراء العلماء والفقهاء على ذلك، فبيعة أهل الحل والعقد كافية لاثبات امامة (( خلافة)) المبايع له على جميع الأفراد وان لم يبايعوا، وسواء كانوا في بيعتهم منشئين للولاية والامامة أم مؤكدين، فانّ الامامة ثابتة ولازمة، ويكون المبايع له إماماً على الجميع.

ومن هذه الروايات احتجاج الامام علي(عليه السلام) على معاوية، وهو(عليه السلام) وان كان معيناً بالنص إلاّ انّه وضع أساساً في التعامل مع بيعة أهل الحل والعقد، حيث نستفيد من كبرى المسألة، وما هو مركوز في اذهان المسلمين، وكان في احتجاجه يقول: ((... فلم يكن للشاهد ان يختار، ولا الغائب ان يردّ، وإنّما الشورى للمهاجرين والأنصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضًى، فان خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ماخرج منه))(١) .

وقال(عليه السلام): ((.. لأنّها بيعة واحدة لايثنى فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، والمروّي فيها مداهن))( ٢ ) .

وامامة الامام علي(عليه السلام) ومايترتب عليها من وجوب الانقياد له وطاعته أمر مفروغ عنه في رأي الشيعة، فأمامته ثابتة سواء انعقدت له البيعة أم لم تنعقد، وسواء بايعه أهل الحل والعقد أم بايعته الامة باسرها.

واما على ضوء رأي غير الشيعة فان انعقاد البيعة له من قبل أهل الحل والعقد الموجودين في بلد الانعقاد يكفي لاثبات إمامته على جميع البلدان، ويكفي لوجوب طاعته.

وعلى ضوء ذلك قال الشربيني: (... ولا يشترط إتفاق أهل الحل والعقد من سائر الأقطار البعيدة)( ٣ ) .

ويرى الفرّاء انّه: (ليس لمن كان في بلد مزية على غيره من أهل البلاد يتقدم بها، وإنّما صار من يختص ببلد الامام متولياً لعقد الامامة لسبق علمه بموته، ولانّ من يصلح للخلافة في الغالب موجودون في بلده)( ٤ ) .

________________

( ١ ) نهج البلاغة: ٣٦٦.

( ٢ ) نهج البلاغة: ٣٦٧.

( ٣ ) مغني المحتاج ٤: ١٣٠.

( ٤ ) الاحكام السلطانية: ٢٠.

٣١٤

وقال النووي: (ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد في سائر البلاد والاصقاع، بل إذا وصلهم خبر أهل البلاد البعيدة لزمهم الموافقة والمتابعة)(١) .

وقال القاضي عبد الجبار: (وإن أقام بعض أهل الحل والعقد إماماً سقط وجوب نصب الامام عن الباقين، وصار من أقاموه إماماً، ويلزمهم اظهار ذلك بالمكاتبة والمراسلة... فعدم مبايعة سائر أفراد الامة لا يؤثر في انعقاد الامامة لأنّ العقد تم بمجرد مبايعة أهل الحل والعقد...)( ٢ ) .

وذهب القاضي أبو بكر الباقلاني إلى امامة السابق بالبيعة من أيّ مذهب كان، فقال: (... فان قالوا: فما تقولون: إذا كانت الامة متفرقة على مذاهب مختلفة وآراء متضادة، والحق منها في واحد، وادعى كل واحد منهم أنّهم ولاة هذا الأمر دون غيرهم وتمانعوا فيه، ما الحكم فيهم؟ ومن أولى منهم بعقد هذا الأمر؟ قيل لهم: إن كان ما اختلف فيه من المسائل الشرعية التي الحق عندنا في جميعها، والاثم موضوع عن المخطىء فيها على قول غيرنا، فكلهم ولاة هذا الأمر، فايّهم سبق بالعقد لرجل تمت بيعته ولزمت طاعته وصار المخالف عليه باغياً)( ٣ ) .

ولا يتعين عدد في المبايعين أو ما يسمى بأهل الحل والعقد، وأنّ اغلب الاراء تنص على انّ الامامة تنعقد لمن يصلح لها بعقد رجل واحد من أهل الاجتهاد والورع( ٤ ) .

وعلى ضوء ما تقدم من آراء فانّ الامام علي (عليه السلام) سيكون الامام المتعين بالنص أو بالبيعة أو بكليهما على جميع التقادير، ولذا فطاعته واجبة على الجميع وان لم يبايعوا.

فطاعة الإمام عليّ عليه السلام واجبة ، والأمر في القضاء والقصاص من اختصاصه، ولا حق لأحد من الاُمّة التدخل في ذلك، لأنّ ذلك يؤدي إلى الاضطراب والتشتت وضعف النظام، فالأسلوب المنطقي والشرعي أن يدخل معاوية في الطاعة ثم يطالب

________________

( ١ ) روضة الطالبين ٧: ٢٦٤.

( ٢ ) المغني في أبواب التوحيد والعدل ٢٠: ٣٠٣.

( ٣ ) تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل: ٤٧٠.

( ٤ ) روضة الطالبين ٧ : ٢٦٣ ، مغني المحتاج ٤ : ١٣٠ ، اصول الدين: ٢٨٠ ، شرح المقاصد ٥: ٢٥٢.

٣١٥

بالقصاص ـ لو كان له حق المطالبة لقرابته من عثمان ـ وفي ذلك كتب الإمام عليّ عليه السلام إلى معاوية:((فأمّا طلبك قتلة عثمان، فادخل في الطاعة، وحاكم القوم إليَّ، أحملك وإياهم على كتاب الله وسُنّة رسوله))(١) .

والموقف الأصوب هو الانتظار لحين استتاب الأمر، وقد بين الإمام علي عليه السلام ذلك قائلاً:((انّ النّاس من هذا الأمر ـ إذا حُرّك ـ على أمور: فرقة ترى ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس، وتقع القلوب مواقعها، وتؤخذ الحقوق مسمحة؛ فاهدووا عني، وانظروا ما يأتيكم من أمري، ولا تفعلوا فعلة تضعضع قوة، وتسقط منّة، وتورث وهناً وذلة، وسأمسك الأمر ما استمك، وإذا لم أجد بدأً فآخر الدواء الكيّ))( ٢ ) .

فالواجب على معاوية الطاعة أولاً ثم طلب المحاكمة وانتظار الحكم النهائي فهو الذي يحدّد استدامة البيعة للخليفة أو الخروج عليه، ولكنه التجأ إلى اُسلوب البغي والعدوان، وحينما أحسَّ بقرب انتصار الإمام عليّ عليه السلام رفع المصاحف والتجأ إلى الصلح وترك المطالبة بدم عثمان.

الامام علي عليه السلام امام الزمان

وردت روايات متواترة ومستفيضة حول وجوب معرفة امام الزمان،نكتفي بالروايات الواردة في كتب غير الشيعة.

ففي رواية عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: ((من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية)).( ٣ )

وفي رواية اخرى: ((من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)).( ٤ )

ومعرفة الإمام مرحلة متأخره عن مرحلة تنصيبه.

وفي رواية: ((من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية)).( ٥ )

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٩ : ٢٩٤

( ٢ ) نهج البلاغة : ٢٤٣ ، الخطبة: ١٦٨

( ٣ ) مسند أحمد بن حنبل ٥ / ٦١، طبعة قد يمة ٤ / ٩٦.

( ٤ ) شرح المقاصد ٥ / ٢٣٩.

( ٥ ) مسند أبي يعلى الموصلي ١٣ / ٣٦٦، مجمع الزوائد ٥ / ٢٢٥.

٣١٦

وفي رواية أخرى تتأكد هذه الحقيقة المتقدمة على بيعة القائد أو الإمام، قال صلى الله عليه واله((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتةً جاهلية)).(١)

فالامام على ضوء تلك الروايات يجب أن يكون منصباً حتى يعرف، وحتى يُبايَع ويُتَّبع، وما لم يكن منصّباً لا يصحّ التعبير في حقِّ من لا يعرفه ولا يشخِّصه بالقول (مات ميتة جاهلية)، فالتنصيب مفروغ عنه في مرحلة متقدمة، والامام علي عليه السلام كان منصبا اما بالنص على راي الشيعة او بالبيعة على راي السنة،فهل سأل معاوية عن امام زمانه او احتاط ان كان مجتهدا؟.

ثالثاً : إلقاء الحجّة

إنَّ اجتهاد معاوية باطل، لأنَّ الحجة ملقاة عليه، فقد وردت أحاديث متواترة مستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه واله تؤكد على فضائل الإمام عليّ عليه السلام وامامته ووجوب موالاته،وهي حجة على معاوية وان لم تدل على الامامة في نظره ومنها:

حديث الغدير، وخلاصته: عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: ((أمر الله تعالى محمداً أن ينصب عليّاً للناس ليخبرهم بولايته، فتخوّف رسول الله أن يقولوا: حابى ابن عمِّه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: (يا أيُّها الرَّسُولُ بَلِّغ ما أُنزِلَ إليكَ مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغتَ رِسالَتَهُ واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...)( ٢ ) فقام رسول الله بولايته يوم غدير خم))( ٣ ) .

وقد ذكر عدد كبير من المفسرين والمؤرخين أنها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ولايمكننا هنا ذكر جميع المصادر فاكتفينا بعدد منها، وخصوصاً من المصادر السنيّة( ٤ ) لأنّ الشيعة مجمعون على أنها نزلت في عليّ بن أبي طالب.

وقد ذكرت هذه المصادر الطرق المختلفة للمفسرين، ومنهم: عبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وابن مسعود، والخدري، وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهم. ولمزيد الاطّلاع على مصادر التفسير وطرقه يُراجع كتاب (الغدير) للأميني.

________________

( ١ ) السنن الكبرى ٨ / ١٥٦.

( ٢ ) سورة المائدة آية: ٦٧.

( ٣ ) شواهد التنزيل ١ / ١٩٢.

( ٤ ) أسباب نزول القرآن ٢٠٤، التفسير الكبير ٦ / ٥٣، تفسير غرائب القرآن ٢ / ٦١٦، الدر المنثور ٣ / ١١٧، عمدة القاري ١٨ / ٢٠٦، روح المعاني ٦ / ١٩٧.

٣١٧

روايات علي وعمار مع الحق

من اجل ان لايبقى شك في المعارك المستقبلية وجّه رسول الله صلى الله عليه واله العقول والانظار الى الجانب الحقّ المتمثل بالامام علي عليه السلام وعمار بن ياسر.

فقال: ((علي مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع عليّ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))(١) .

وقال صلى الله عليه واله((علي مع القرآن، والقرآن مع عليّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض))( ٢ ) .

وقال رسول الله صلى الله عليه واله للإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام:((أنا سلمٌ لمن سالمتم، وحربٌ لمن حاربتم))( ٣ ) .

وقوله للإمام عليّ عليه السلام :(( ‎ لا يحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق)) وقد ورد بألفاظ متنوعة ترجع إلى معنى واحد( ٤ ) .

والبغي أشدُّ صور البغض ووردت روايات حول عمار بن ياسر انه مع الحق وقتله من قبل الفئة الباغية.

قال له رسول الله صلى الله عليه واله في بداية الهجرة: ((أبشر ياعمّار تقتلك الفئة الباغية))( ٥ ) .

وكان صلى الله عليه واله يكرر هذا القول في مناسبات ومشاهد عديدة وكان يقول في حقّه :

((إذا اختلف الناس كان ابن سمية معَ الحق))( ٦ ) .

________________

( ١ ) فرائد السمطين ١ / ١٧٧.

( ٢ ) الصواعق المحرقة ١٩١.

( ٣ ) سنن ابن ماجة ١ : ٥٢ وسير أعلام النبلاء ٢ : ١٢٢

( ٤ ) صحيح مسلم ١ : ٨٦ وسنن الترمذي٥ : ٦٣٥ وسنن ابن ماجة ١ : ٤٢ وتاريخ بغداد٢ : ٢٥٥

( ٥ ) أسد الغابة ٣ : ٦٣٠

( ٦ ) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٣٩١

٣١٨

وهذا القول اشارة واضحة لتمييز الحق عن الباطل في مرحلة مابعد رحيل رسول الله صلى الله عليه واله

وقال صلى الله عليه واله :((لا يُخيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما))(١) .

وقال صلى الله عليه واله :(( عمار مُليء إيماناً إلى مشاشه ))( ٢ )

وكان صلى الله عليه واله يؤكد على فضائل عمّار وخصائصه ومن ذلكَ قوله صلى الله عليه واله:((أبو اليقظان على الفطرة ...))( ٣ )

وحينما أغلظ خالد بن الوليد القول لعمّار، وانطلق يشكوه إلى رسول الله صلى الله عليه واله قال صلى الله عليه واله :((من عادى عمّاراً عاداه الله ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله))( ٤ ) .

وقال صلى الله عليه واله: ‎ ((انّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة : عليّ وعمّار وسلمان))( ٥ )

وشهد خزيمة بن ثابت صفين ولم يقاتل، وقال: لا اقاتل حتى يقتل عمار فانظر من يقتله، فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول:((تقتله الفئة الباغية)) فلما قتل عمار، قال خزيمة: ظهرت لي الضلالة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل( ٦ ) .

وكان حديث الفئة الباغية من الاحاديث المتواترة والمركوزة في اذهان الصحابة والتابعين، فقد سال جماعة حذيفة بن اليمان عن الفتنة، وقالوا له: إذا اختلف الناس فبمن تأمرنا؟ قال: عليكم بابن سميّة، فانه لن يفارق الحق حتى يموت( ٧ ) .

طعنه أبو الغادية فسقط ثم اكب عليه رجل فاحتز رأسه، ثم اختصما إلى معاوية ايهما قتله، فقال عمرو بن العاص: انكما لتختصمان في النار، فسمعها منه معاوية فلامه على تسميعه إياهما ذلك، فقال ابن العاص: والله انك لتعلم ذلك( ٨ ) .

وفي رواية قال عبد الله بن عمرو: يا أبه، سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعمّار:(( يا ابن سميّة، تقتلك الفئة الباغية)).

فقال عمرو لمعاوية: الا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: انحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به( ٩ ) .

ويتكرر تبرير معاوية في جميع الازمات، ولكن من المؤسف له ان البعض ينساق وراء هذه التبريرات.

________________

( ١ ) مسند أحمد ٧ : ١٦٣

( ٢ ) سير أعلام النبلاء ١ : ٤١٣

( ٣ ) مجمع الزوائد ٩ : ٩٢٥

( ٤ ) مسند أحمد ٥ : ٥٠

( ٥ ) البداية والنهاية ٧ : ٣١١

٣١٩

وقد أُلقيت الحجّة على معاوية وابن العاص، وهي واضحة لا لبس فيها ولا غموض، كما جاء في الرواية التالية:((وقد كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه واله لعمّار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية... فكان ذو الكلاع يقول لعمرو: ما هذا ويحك يا عمرو؟ فيقول عمرو: إنّه سيرجع إلينا، فقُتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية، وأُصيب عمّار بعده مع الإمام عليّ عليه السلام ، فقال عمرو لمعاوية: ما أدري بقتل أيُّهما أنا أشد فرحاً... والله لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامة أهل الشام إلى عليّ))(١) .

وهذه الرواية تبيّن لنا أنّ الحقّ واضح حتى عند معاوية وابن العاص وانهما يعيان حديث الفئة الباغية، فلا مجال للاجتهاد بعد وضوح الحجّة

رابعاً: اعتراف عمروبن العاص ببطلان الموقف

اعترف عمرو بن العاص ببطلان موقفه من الإمام عليّ عليه السلام وانه لم يقاتله باجتهاد او تاويل او شبهة،وانما كان لطلب الدنيا والسلطة والمال من قبله وقبل معاوية، كما ظهر في كلامه مع معاوية حيثُ قال له:((أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة فانّ في النفس من ذلك ما فيها، حيثُ نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكن إنّما أردنا هذه الدنيا))( ٢ )

واستشار ابن العاص ولديه قبل التوجه لمعاوية، فأشار عليه عبد الله بعدم الالتحاق بمعاوية، وأشار عليه محمد بالالتحاق، فقال ابن العاص:((أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو لي في آخرتي وأسلم لي في ديني، وأما أنت يا محمّد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي، وشرٌّ لي في آخرتي))( ٣ ) .

________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٣١١

( ٢ ) تاريخ الطبري ٤ : ٥٦١ والكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٦

( ٣ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٢٧٥ وبنحوه في الإمامة والسياسة ١ : ٩٦

٣٢٠