سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11022
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11022 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

وأشار عليه غلامه وردان بالقول:((اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت مع علي الآخرة بلا دنيا، ومع معاوية الدنيا بغير آخرة... أرى أن تقيم في منزلك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك))، فقال ابن العاص:((الآن حين شهرتني العرب بمسيري إلى معاوية؟))(١) .

وبعد صفين كتب معاوية إلى عمرو بن العاص كتاباً يطلب منه أن يعينه بخراج مصر.

فكتب إليه ابن العاص كتاباً، وفي ظهره أبيات شعر:

معاوي حظّي لا تغفل

وعن سنن الحقّ لا تعدل

أتنسى مخادعتي الأشعري

وما كان في دومة الجندل

ألين فيطمع في غرّتي

وسهمي قد خاض في المقتل

فالمظه عسلاً بارداً

وأخبأ من تحته حنظلي

وأعليته المنبر المشمخر

كرجع الحسام إلى المفصل

فأضحى لصاحبه خالعاً

كخلع النعال من الأرجل

وأثبتها فيك موروثة

ثبوت الخواتم في الأنمل

وهبت لغيري وزن الجبال

واعطيتني زنة الخردل

وانّ علياً غداً خصمنا

سيحتجُّ بالله والمرسل

وما دمُ عثمان بمنج لنا

فليس عن الحقِّ من مزحل( ٢ )

وهذه الحقائق كافية لنقض التأويل والاجتهاد، فقد ألقيت الحجة على من شق عصا المسلمين وسفك دمائهم، ومن أقواله:

أمّا عليّ فدين ليس يشركه

دنيا وذاك له دنيا وسلطان

________________

( ١ ) الإمامة والسياسة ١ : ٩٦

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ١٠ : ٥٦

٣٢١

فاخترت من طمعي دنيا على بصر

وما معي بالذي اختار برهان(١) .

وجميع ماتقدم يدل دلالة واضحة على تعمد البغي مع سبق الاصرار ولم يكن عن اجتهاد وتاويل في امور ينبغي الاحتياط بها ومنها الدماء.

مواقف لاتقبل التأويل

لو فرضنا ان معاوية اجتهد فاخطأ في قتال علي عليه السلام لشبهة عدم تسليم قتلة عثمان او تحريضه على قتله ولكن هناك مواقف غير قابلة للاجتهاد والتاويل لانها واضحة البطلان ،واذا انسقنا وراء التاويل لبررنا كل الجرائم والانحرافات التي تحدث حيث لا يوجد مقياس أو ميزان أو معيار لتأويل المواقف والوقائع، وإذا فتحنا باب التأويل، فلا نقف عند حدّ، وبالتالي نتمكن من وضع التبريرات لجميع الموبقات والانحرافات التاريخية، سواء كان المتأولون صحابة أو تابعين أو فقهاء أو حكّام.

نعم، يمكن تأويل بعض المواقف النادرة الصادرة من أشخاص عرفوا بالتقوى والصلاح والخوف من الله والإخلاص لدينه، والاحتياط في الدين وفي الدماء والإعراض والأموال، وتقديم المصلحة الإسلامية على مصالحهم الشخصية، وليس من العقل والحصافة أن نؤوّل الأخطاء المتراكمة والانحرافات الصريحة المتكررة، لأنّ التأويل خلاف للحقيقة وللواقع، وخصوصاً في المجالات التي تتعلق بمستقبل الإسلام والمسلمين، والصادرة من أشخاص لم يحتاطوا في جميع مراحل حياتهم وفي جميع المواقف والوقائع في الجاهلية وفي الإسلام

فلم يحتط معاوية وهو يقاتل رسول الله صلى الله عليه واله في بدر وأحد والخندق وسائر الغزوات، فالذي يبحث عن الحقيقة يتأنى في قتال من يدعو إلى عقيدة وشريعة حتى يتضح له الأمر، ولم يدخل في الإسلام إلاّ بعد فتح مكة، وبقي من المؤلفة قلوبهم حتى رحيل رسول الله صلى الله عليه واله

ولم يحتط معاوية حينما سفك دماء الصحابة وهو يقاتل الخليفة الشرعي تحت ذريعة الطلب بدم عثمان، ولم يحتط في محاربة الإمام الحسن صلى الله عليه واله وانتزاع السلطة بقوة السلاح، ولم يحتط حينما أخذ البيعة ليزيد بقوة السلاح

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٢ : ٦٤

٣٢٢

وبيّن الإمام محمد الباقر عليه السلام موبقات وجرائم معاوية المتعمدة والتي لاتقبل التبرير او التاويل ،فقال:((لم نزل أهل البيت نستذل ونستظام، ونقصى ونمتهن، ونحرم ونقتل، ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا، ووجد الكاذبون الجاحدون لكذبهم وجحودهم موضعاً يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمال السوء في كلّ بلدة، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة، ورووا عنّا ما لم نقله وما لم نفعله، ليبغضونا إلى الناس، وكان عظم ذلكَ وكبره زمن معاوية بعد موت الحسن عليه السلام ، فقتلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو نهِبَ ماله، أو هدمت داره(١) .

وروَى أبو الحسن عليّ بن محمد بن أبي سيف المداينّي في كتاب ((الأحداث)) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كُورة، وعلى كلِّ منبر، يلعنون علياً ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته، وكان أشدَّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة مَنْ بها من شيعة عليّ عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سمَيّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام ، فقتلهم تحت كلّ حجَر ومَدَر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسَمَل العيون، وصَلَبهم على جُذوع النّخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاويةُ إلى عُمّاله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شِيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقرّبُوهم وأكرمُوهم، واكتُبوا لي بكلّ ما يروى كلّ رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثُه إليهم معاوية من الصّلات والكِساء والحِباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالى، فكثر ذلكَ في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجىء أحد مردود من النّاس عاملاً من عمال معاوية، فيروى في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقربه وشفّعه فلبثوا بذلكَ حيناً

ثم كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشَا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعُوا الناس إلى الرواية في فضائل الصّحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقِض له في الصحابة، فإن هذا أحبّ إليَّ وأقرُّ لعيني، وأدحضُ لحجة أبي تراب وشيعته، وأشدُّ اليهم من مناقب عثمان وفضله

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٣

٣٢٣

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلكَ على المنابر، وألقِيَ إلى معلّمي الكتاتيب، فعلّموا صبيانَهم وغلمانَهم من ذلك الكثير الواسع حتى رَووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم، وحشمهم، فلبثوا بذلكَ ما شاء الله

ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا مَنْ قامت عليه البيّنة أنه يحبّ علياً وأهل بيته، فامحُوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلكَ بنسخة أخرى: من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم، فنكِّلوا به، واهدِمُوا داره فلم يكن البلاء أشدّ ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما بالكوفة، حتى إن الرجل من شيعة علي عليه السلام ليأتيه من يَثق به، فيدخل بيته، فيلقى إليه سرّه، ويخاف من خادمه ومملوكه، ولا يحدّثه حتى يأخذ عليه الأيمان الغليظة، ليكتُمنّ عليه، فظهر حديث كثير موضوع، وبهتان منتشر، ومضى على ذلكَ الفقهاء والقضاة والولاة، وكان أعظَم الناس في ذلكَ بلّية القراء المراءون، والمستضعفون، الذين يُظهرون الخشوع والنُّسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلكَ عندَ ولاتهم، ويقرّبوا مجالسهم، ويصيبوا به الأموال والضيّاع والمنازل، حتى انتقلت تلكَ الإخبار والأحاديث إلى أيدي الدّيانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها، وهم يظنون أنها حقّ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها، ولا تدينوا بها

فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام ، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلاّ وهو خائف على دمه، أو طريد في الأرض))(١)

وفي زمنه وضعت أحاديث تضع من كرامة رسول الله صلى الله عليه واله ومنها( ٢ ) :

أنتم أعلم بأمر دنياكم

إذا أمرتكم بشيء من رأيي فانّما أنا بشر

وهناك روايات تؤكد على عدم ايمان معاوية بالنبوة والرسالة وهي واضحة الدلالة ولاغموض فيها وواردة من جماعة ليسوا من الشيعة.

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ١١ : ٤٥، ٤٦

( ٢ ) مقدمة مرآة العقول ٢ : ١٤٣، ١٤٤

٣٢٤

قال ابن أبي الحديد : وروى الزبير بن بكار في الموفقيات ـ وهو غير متهم على معاوية، ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة عليّ عليه السلام ، والانحراف عنه ـ :

قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، فكان أبي يأتيه، فيتحدث معه، ثم ينصرف إليَّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة، فامسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت : مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟

فقال: يا بنيّ جئت من عند أكفر الناس، وأخبثهم، فقلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به، انك قد بلغت سنّا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً، وبسطت خيراً ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه

فقال :((هيهات هيهات! أيّ ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عديّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، وانّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرات: أشهد أنّ محمداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى، وأيّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلاّ دفناً دفناً))(١)

وكان معاوية يلبس الحرير، ويشرب في آنية الذهب، والفضة، حتى انكر عليه ذلكَ أبو الدرداء، فقال له : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: ‎ انّ الشارب فيهما ليجرجر في جوفه نار جهنّم، فقال معاوية : امّا أنا فلا أرى بذلكَ بأساً، فقال أبو الدرداء : مَنْ عذيري من معاوية! أنا أخبره عن الرسول صلى الله عليه واله ، وهو يخبرني عن رأيه! لا اساكنك بارض أبداً

نقل هذا الخبر المحدثون والفقهاء في كتبهم في باب الاحتجاج على أنّ خبر الواحد معمول به في الشرع( ٢ )

وروى ابن أبي الحديد جملة من ممارسات معاوية من حالة استئثاره بمال الفيء، وضربه من لا حدّ له، وإسقاط الحدّ عمّن يستحق اقامة الحدّ عليه، وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله، واستلحاقه زياداً، وهو يعلم قول رسول الله صلى الله عليه واله : ‎ الولد

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٥ : ١٣٠

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ٥ : ١٣٠

٣٢٥

للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عديّ وأصحابه ولم يجب عليهم القتل،.. ولعنه علياً وحسناً وحسيناً وعبد الله بن عباس على منابر المسلمين(١)

وكان معاوية يستعين بغلام نصراني على هجاء الأنصار خلافاً لتوصيات رسول الله صلى الله عليه واله بهم

وقرّر معاوية تصفية الموالي فقال لبعض أصحاب الرأي : انّي رأيت هذه الحمراء قد كثرت، واراها قد طعنت على السلف، وكأنّي انظر إلى وثبة منهم على العرب والسلطان، فقد رأيت أن اقتل شطراً وأدع شطراً لاقامة السوق وعمارة الطريق

فقال له الأحنف : أرى نفسي لا تطيب، أخي لأمي وخالي ومولاي وقد شاركناهم وشاركونا في النسب( ٢ )

عبّر عن علاقته بالأنصار قائلاً :((أمّا بعد فاني والله ما وليت أمركم حين ولّيته إلاّ وأنا أعلم أنّكم لا تسرّون بولايتي ولا تحبّونها، وانّي لعالم بما في نفوسكم، ولكنّي خالستكم بسيفي هذا مخالسة وإياكم والفتنة فلا تهمّوا بها، فانّها تفسد المعيشة وتكدر النعمة وتورث الاستئصال))( ٣ )

وكان معاوية يتوقع الأحداث المستقبلية ومنها حركة الإمام الحسين عليه السلام وحركة عبد الله بن الزبير، ولذا أوصى يزيد باستخدام الموقف المناسب من كل منهما.

ولما دنت منه الوفاة دعاه وقال له :((انّ لك من أهل المدينة يوماً، فاذا فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة، فانه رجل قد عرفنا نصيحته))( ٤ )

تولية يزيد من بعده

شجّع المغيرة بن شعبة معاوية على تولية يزيد العهد من بعده حينما علم أنّ معاوية سيعزله عن إمرة الكوفة ، وحينما رجع من معاوية قال : (... فوا لله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلاّ سفك الدماء)( ٥ )

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٥ : ١٣١

( ٢ ) العقد الفريد ٣ : ٣٦١

( ٣ ) مختصر تاريخ دمشق ٢٥ : ٤٥

( ٤ ) العقد الفريد ٥ : ١٣٦

( ٥ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٠

٣٢٦

وفي رواية أنّه قال : (لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية على أُمّة محمّد ، وفتقت عليهم فتقاً لا يُرتق أبداً)(١)

وحينما أراد مروان أن يدعو إلى بيعة يزيد، قال له عبدا لرحمن بن أبي بكر: (كذبت والله يا مروان، وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لاُمّة محمد...) فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: (والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما) فسمعت عائشة مقالته فقالت: (يا مروان... أنت القائل لعبدا لرحمن إنّه نزل فيه القرآن؟ كذبت! والله ما هو به.. ولكنّك أنت فضض من لعنة نبي الله)( ٢ ) .

ودخل معاوية على عائشة فأخبرها عن موقفه من الإمام الحسين وعبدا لرحمن بن أبي بكر وعبدا لله بن الزبير فقال : (لأقتلنّهم إن لم يبايعوا)( ٣ )

وفي رواية: إنّه جاء حاجاً في ألف فارس، ففرّق أموالاً عظيمة على أهل المدينة لأخذ البيعة منهم، ثم خرج إلى مكة وأمر بصاحب حرسه أن يقيم على رأس كل رجل من الأشراف رجلاً بالسيف، وقال: ان ذهب واحد منهم إلى أن يراجعني في كلامي فاضربوا عنقه، ثم خطب: إنّ هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم... قد بايعوا يزيد فبايعوه... فأمّا الأشراف فلم يمكنهم تكذيبه ومراجعته، وأما سائر الناس فلا جرأة لهم على الكلام، ولا علم لهم بشيء)( ٤ ) .

والقتل أو التهديد بالقتل من كبائر المحرّمات، وهي مخالفة لأبسط وأوضح الأحكام الشرعية في الاحتياط بالدماء، ولا مجوّز للدماء مهما كانت المبررات، فالبيعة اختيارية لمن كان عادلاً، فكيف والمبايع له هو يزيد، وكيف يهدّد معاوية أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله بالقتل من أجل بيعة إبنه.

فما هو الدافع لتبرير الأخطاء والانحرافات لمن لم يحتط بالدماء والإعراض والأموال، وينساق وراء رغباته وشهواته النفعية والذاتية. فقد عيّن ابنه يزيد من بعده دون أي تأويل سوى حبّه له والحرص على جعل الخلافة حكماً موروثاً

وكان معاوية على اطلاع كامل بسيرة يزيد حتى انه نصحه بالتستر على الموبقات لا التخلي عنها

________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٠٤

( ٢ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٠٦ ـ ٥٠٧

( ٣ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٥٠٩

( ٤ ) البدء والتاريخ ٦ : ٧

٣٢٧

يقول ابن كثير: كان يزيد صاحب شراب وكان فيه اقبال على الشهوات وترك بعض الصلوات، فاحبّ معاوية أن يعظه في رفق، فقال: يا بني ما أقدرك على أن تصل حاجتك من غير تهتك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوّك ويسيء بك صديقك، يا بنيّ اني منشدك أبياتاً، فتأدّب بها واحفظها :

انصب نهاراً في طلاب العلا

واصبر على هجر الحبيب القريب

حتى إذا الليل أتى بالدجا

واكتحلت بالغمض عين الرقيب

فباشر الليل بما تشتهي

فانّما الليل نهار الأريب

كم فاسق تحسبه ناسكاً

قد باشر الليل بأمر عجيب

غطّى عليه الليل أستاره

فبات في أمن وعيش خصيب

ولذّة الأحمق مكشوفة

يسعى بها كلّ عدوّ مريب(١)

اشتهر يزيد بولعه بالمعازف وشرب الخمر والغناء واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا ويصبح فيه مخموراً، وكان يشدّ القرد على مسرجه ويسوق به ويلبسه قلانس الذهب( ٢ ) .

(كما كان فاسقاً قليل الدين مدمن الخمر... وله أشياء كثيرة غير ذلك غير أنني أضربت عنها لشهرة فسقه ومعرفة الناس بأحواله)( ٣ ) .

________________

( ١ ) البداية والنهاية ٨ : ٢٢٨

( ٢ ) البداية والنهاية ٨: ٢٣٥.

( ٣ ) النجوم الزاهرة ١: ١٦٣.

٣٢٨

وانتقل الفسق والانحراف من يزيد الى كثير من ولاته، ولم ينحصر ذلك بين الحاكم وولاته بل عملوا على: (تشجيع حياة المجون في المدينة من جانب الأمويين الى حد الإباحية... لأجل أن يمسحوا عاصمتي الدين (مكة والمدينة) بمسحة لا تليق بهما ولا تجعلهما صالحين للزعامة الدينية)(١) .

وقام معاوية بتهيئة الأجواء لخلافة يزيد بالترغيب والترهيب حتى أوصاه قائلاً: اني قد كفيتك الرحلة والرجال، ووطأت لك الأشياء، وذللت لك الاعزاء، واخضعت لك أعناق العرب( ٢ ) .

وفي خصوص بيعة يزيد قال له زياد بن سميّة: فما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد وهو يلعب بالكلاب والقرود... ويدمن الشراب... وبحضرتهم الحسين بن علي و... ولكن تأمره، ويتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً وحولين، فعسينا أن نموّه على الناس.

فلما وصل الخبر إلى معاوية قال: ويلي على ابن عبيد! والله لأردّنه إلى أمه سميّة، وإلى أبيه عبيد( ٣ ) .

ومن وصايا معاوية ليزيد ـ حول أهل المدينة ـ : إن رابك منهم ريب أو انتقض عليك منهم أحد فعليك بأعور بني مرّة مسلم بن عقبة( ٤ )

وقد توقع خروج الإمام الحسين عليه السلام وعبدالله بن الزبير على حكم يزيد من بعده

ولا مبرر لمعاوية في تأمير يزيد على المسلمين، فليس ذلك من الاجتهاد الخاطئ، فإذا كان معاوية حريصاً على المصلحة الإسلامية فيمكن القول بالتأويل، ولكن أي مصلحة إسلامية في تأمير يزيد على المسلمين مع توقع تمرّد المسلمين عليه وهو ما حدث بالفعل، حيث افتتح يزيد حكمه بمقتل الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وسيق بنات رسول الله صلى الله عليه واله اسارى من بلد إلى بلد، اضافة إلى كفره الصريح بقوله :

________________

( ١ ) الإمام الحسن لعبدالله العلايلي: ٢٦.

( ٢ ) البداية والنهاية ٨ : ١١٥

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٢٠

( ٤ ) الإمامة والسياسة ١ : ٢٠٩

٣٢٩

لعبت هاشم بالملك فلا***خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل(١)

واقعة الحرة من نتائج تولية يزيد

ان جميع موبقات وجرائم يزيد يتحملها معه ابوه معاوية ومنها ماعمله باهل المدينة، من قتل وانتهاك للمقدسات والاعراض خلافا لقول رسول الله صلى الله عليه واله((من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين))( ٢ ) .

ولمّا مرّ رسول الله صلى الله عليه واله بالحرّة وقف فاسترجع وقال:((يُقتل في هذه الحرّة خيار أمتي))( ٣ ) .

وأوصى يزيد قائد الجيش مسلم بن عقبة: (أدع القوم ثلاثاً فان أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً).( ٤ ) .

ومن نتائج هذه الجريمة :

أولاً: عدد القتلى

استمر الجيش الشامي بإبادة أهل المدينة وإكثار القتل فيهم ثلاثة أيام، حتى بلغ العدد الذي أُحصي يومئذ (من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفا وسبعمئة، وسائرهم من الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان).

(وقُتل من أصحاب النبي(ص) ثمانون رجلاً، ولم يبق بدريّ بعد ذلك)( ٥ ) .

وفي رواية الزهري: (سبعمائة من وجوه الناس، ومن لا يعرف من عبد وحر وامرأة عشرة آلاف)( ٦ ) .

________________

( ١ ) شذرات الذهب ١ : ٦٩

( ٢ ) تاريخ الاسلام: ٢٦،

( ٣ ) الإمامة والسياسة ١: ٢١٩.

( ٤ ) الكامل في التاريخ، تاريخ الطبري، الإمامة والسياسة، مروج الذهب.

( ٥ ) الإمامة والسياسة ١: ٢١٥ ـ ٢١٦.

( ٦ ) المنتظم ٦: ١٦.

٣٣٠

وفي رواية ابن أعثم (٦٥٠٠) ورواية المسعودي (٤٢٠٠)( ١ ) .

والظاهرة البارزة في هوية القتلى تُظهر التركيز على أبناء الصحابة وبقية الصحابة من حملة القرآن ومن المشاركين في بدر، حتى كانت الحرّة نهاية للبدريين جميعاً وقتل فيها (سبعمائة من حملة القرآن)( ٢ ) .

ثانياً: الاعتداء على النساء والأطفال

لم يرع الجيش الشامي أية حرمة للنساء والأطفال، فاستثمروا أوامر الإباحة باندفاع منقطع النظير، وحولوها الى واقع ملموس، فبعد هزيمة أهالي المدينة (افتض فيها ألف عذراء) وانه (حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج)( ٣ ) .

ودخلت الجيوش الشامية أحد البيوت فلما لم يجدوا فيه إلا امرأة وطفلاً ليس لديها مال أخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه( ٤ ) . وقام أحد جنود الشام بتكرار العملية حينما ضرب ابناً لابن أبي كبشة الأنصاري بالحائط فانتشر دماغه في الأرض( ٥ ) .

ثالثاً: النهب والسلب

أول دور انتهبت والحرب قائمة دور بني عبدالأشهل، فما تركوا في المنازل التي دخلوها شيئاً إلا نهبوه من أثاث وحلي وفرش حتى الحمام والدجاج كانوا يذبحونها، ودخلوا على أبي سعيد الخدري، فقال لهم أنا صاحب رسول الله(ص) فقال له جنود الشام: مازلنا نسمع عنك، ولكن أخرج الينا ما عندك، فلما لم يجدوا عنده شيئاً نتفوا لحيته وضربوه، وأرسلت سعدى بنت عوف المرّي الى مسلم بن عقبة المرّي تطلب منه عدم التعرض لأبلها باعتبارها ابنة عمٍّ له، قال: (لا تبدأوا إلا بها)، واستمر جيش الشام بالنهب والسلب ثلاثة أيام فما تركوا مالاً أو ممتلكات عينية إلا أخذوها( ٦ ) .

________________

( ١ ) شذرات الذهب ١ : ٦٩

( ٢ ) تاريخ الاسلام: ٢٦،

( ٣ ) الإمامة والسياسة ١: ٢١٩.

( ٤ ) الكامل في التاريخ، تاريخ الطبري، الإمامة والسياسة، مروج الذهب.

( ٥ ) الإمامة والسياسة ١: ٢١٥ ـ ٢١٦.

( ٦ ) المنتظم ٦: ١٦.

٣٣١

رابعاً: انتهاك المقدسات

لم يرع جيش الشام أي حرمة للمقدسات الإسلامية فكان همّه إرضاء يزيد بن معاوية بأي أسلوب كان، وكانت طاعته مقدمة على كل شيء، فكان الجيش يخاطب بقايا المهاجرين والأنصار (يا يهود)(١) .

وسمّى ابن عقبة المدينة (نتنة وقد سمّاها رسول الله(ص) طيبة)( ٢ ) .

وعطّلت الشعائر الإسلامية ثلاثة أيام، قال أبو سعيد الخدري: (فوالله ما سمعنا الأذان بالمدينة... ثلاثة أيام إلا من قبر النبي(ص)( ٣ ) .

وحينما وصلت الأخبار الى يزيد وفي رواية حينما ألقيت الرؤوس بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حكت بقباء بركها

واستحر القتل في عبد الأشل( ٤ )

وسبق ليزيد أن تمثل بهذه الأبيات حينما وصل اليه رأس الحسين عليه السلام

وهكذا كانت الواقعة تعبيراً عن الحقد الذي يكنّه الأمويون للأنصار منذ واقعة بدر، والذي ظهر في توجيهات يزيد لابن عقبة قبل الواقعة: (فإذا قدمت المدينة فمن عاقك عن دخولها أونصب لك الحرب، فالسيف السيف، أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك أن تبقي عليهم)( ٥ ) .

وقد نفّذ ابن عقبة تلك التوجيهات وشجّع على الإبادة الجماعية فكان مناديه ينادي: (من جاء برأس فله كذا وكذا ومن جاء بأسير فله كذا وكذا)، فلم يبق بدري إلا قتل( ٦ ) .

________________

( ١ ) الفتوح ٥: ١٨١، مروج الذهب ٣: ٧٠.

( ٢ ) تاريخ الإسلام للذهبي: ٣٠.

( ٣ ) تاريخ الخلفاء: ١٦٧، البداية والنهاية ٨: ٢٢١، تاريخ الإسلام: ٢٦.

( ٤ ) المحاسن والمساويء للبيهقي ١: ١٠٤.

( ٥ ) الإمامة والسياسة ١: ٢١٥.

( ٦ ) المصدر السابق ١ ـ ٢١٣، المنتظم ٦: ١٥.

٣٣٢

فأيُّ اجتهاد هذا؟ فالاجتهاد هو الاحتياط في الحكم الشرعي وخصوصاً فيما يتعلق بالدماء، فكيف تسنى لمعاوية تأمير يزيد على المسلمين وهو يعلم بسوء سيرته، والأنكى من ذلك يوصيه بتأمير ابن عقبة على الجيش للقضاء على أهل المدينة بعد وفاته

واستخلاف يزيد مخالف لنظرية الاستخلاف عندأغلب فقهاء السنة الذين اشترطوا العدالة في الخليفة المعهود له.

قال الماوردي: وأمّا انعقاد الإمامة بعهد من قبله، فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بها، ولم يتناكروهما، أحدهما: أن أبا بكر عهد بها إلى عمر، فأثبت المسلمون إمامته بعهده، والثاني: أنّ عمر عهد بها إلى أهل الشورى، فقبلت الجماعة دخولهم فيها، وهم أعيان العصر اعتقاداً لصحة العهد بهما))( ٢ ) .

وهذه النظرية محل اتّفاق بين فقهاء السنّة كما هو ظاهر من آرائهم الفقهية والكلاميّة( ٣ ) .

ولكنهم اشترطوا في المعهود له أن يكون جامعاً لشرائط الخلافة، فلا عبرة باستخلاف الجاهل أو الفاسق( ٤ ) .

وجميع من اشترط الفقاهة والعدالة والكفاءة في الامام او الخليفة اشترطها أيضاً في العهد والاستخلاف.

ورأي الفرّاء ظاهر في ذلك، فهو يقول: ((ويجوز للإمام أن يعهد إلى إمام بعده، ولا يحتاج في ذلك إلى شهادة أهل الحل والعقد ويجوز أن يعهد إلى من ينتسب إليه بأبوّة أو بنوّة إذا كان المعهود له على صفات الأئمة، لأن الإمامة لا تنعقد للمعهود إليه بنفس العهد، وإنّما تنعقد بعهد المسلمين إنّ إمامة المعهود إليه تنعقد بعد موته باختيار أهل الوقت))( ٥ ) .

________________

( ١ ) معالم الفتن ٢: ٣١٧، عن كتاب المحن ١: ١٥١ ـ ١٥٨.

( ٢ ) الأحكام السلطانية للماوردي ١٠.

( ٣ ) الأحكام السلطانية للفرّاء ٢٥، الفصل في الملل والأهواء والنحل ٤ / ١٦٩، روضة الطالبين ٧ / ٢٦٤، مغني المحتاج ٤ / ١٣١.

( ٤ ) شرح المقاصد ٥ / ٢٣٣، مآثر الاناقة ١ / ٤٨، مغني المحتاج ٤ / ١٣١.

( ٥ ) الأحكام السلطانية للفرّاء ٢٥، ٢٦.

٣٣٣

وذهب محمد رشيد رضا إلى صحتّه مشروطاً بان يكون جامعا لشرائط الخليفة وبإقرار أهل الحل والعقد، فقال: ((إن للإمام أن يستخلف غيره بشرط أن يكون الإمام جامعاً لشروط الإمامة، ولكن الاستخلاف يكون متوقفاً على إقرار أهل الحل والعقد له))( ١ ) .

وشرائط الخلافة عند اغلبهم وخصوصا المتاخرين هي الفقاهة والعدالة كما ورد

فقد حدد الماوردي الشافعي سبعة شروط ينبغي اتصاف الامام او الحاكم الاعلى بها وهي :(العدالة والعلم المؤدي الى الاجتهاد في النوازل والراي المفضي الى سياسة الرعية وتدبير المصالح)( ٢ ) .

وقال النووي:(كونه عدلا عالما مجتهدا شجاعا ذا راي وكفاية)( ٣ ) .

وقال التفتازاني:(وقد ذكر في كتبنا الفقهية انه لابد من امام يحيى الدين ويقيم السنة ويشترط ان يكون مسلما عدلا مجتهدا شجاعا ذا راي وكفاية )( ٤ ) .

وقال القلقشندي في تحديد شروط الامام :(العاشر العدالة، فلا تنعقد إمامة الفاسق... لأن المراد من الإمام مراعاة النظر للمسلمين والفاسق لم ينظر لنفسه في أمر دينه فكيف ينظر في مصلحة غيره.

الحادي عشر: الشجاعة والنجدة فلا تنعقد امام الجبان

(الثاني عشر : العلم المؤدي الى الاجتهاد في النوازل والاحكام فلا تنعقد امام غير العالم بذلك.

الثالث عشر: صحة الراي والتدين فلا تنعقد امامة ضعيف الراي)( ٥ ) .

ويزيد لم يكن متصفا بصفات الخليفة من جهة ومن جهة اخرى ان معاوية فرض بيعته على المسلمين وفرض يزيد بيعته ايضا على كبار الصحابة وفرضها على الامام الحسين عليه السلام مما ادى الى قتله واهل بيته واصحابه.

________________

( ١ ) الإسلام وأوضاعنا السياسية ١٨٥، عن: الخلافة ٣٣.

( ٢ ) الاحكام السلطانية :٦ ، علي بن محمد الماوردي ، مكتب الاعلام الاسلامي، طهران، ١٤٠٦ هـ

( ٣ ) روضة الطالبين ٧: ٢٦٢، ابو زكريا النووي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.

( ٤ ) شرح المقاصد ٥: ٢٣١، سعد الدين التفتازاني، دار الفكر، القاهرة ، ١٣٩٨ هـ

( ٥ ) ماثر الاناقة في معالم الخلافة ١: ٢٦: ٢٧، القلقشندي ، عالم الكتب، بيروت، ١٤٠٢ هـ

٣٣٤

ادّعاء زياد

خالف معاوية سُنّة رسول الله صلى الله عليه واله الصريحة غير القابلة للاجتهاد والتأويل باستلحاقه لزياد بأبي سفيان على الرغم من اعتراض أغلب الصحابة والتابعين على هذا الاستلحاق

قال الحسن البصري:((ثلاث كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهنّ لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها، واستلحاقه زياداً مراغمة لقول رسول الله صلى الله عليه واله : ‎ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقتله حجر بن عدي، فياويله من حجر وأصحاب حجر !))(١) .

فقد استلحق زياداً خلافاً للسُنّة وللأعراف الإسلامية وللقيم الاجتماعية، حتى إنّه غضب على جماعة لأنّهم حاولوا تنزيه أبي سفيان من فعل المنكر، كما انشد عبدالرحمن بن الحكم هذه الأبيات ـ موضحاً غضب معاوية ـ :

ألا أبلغ معاوية بن حرب***لقد ضاقت بما يأتي اليدانِ

أتغضب أن يقال أبوك عفٌّ***وترضى ان يقال أبوك زانِ( ٢ )

فقد استلحقه بنسبه للاستعانة به لقتل معارضيه ومعارضي مبدأ الحكم الوراثي، فكان يقتل على الظن والتهمة، وقتل جماعة من أخيار الصحابة، وكان يقتل كل من لم يلعن أمير المؤمنين عليه السلام بأوامر صادرة من معاوية.

مواقف غير قابلة للتأويل والتبرير

لو تنزلنا وقلنا ان هناك اجتهاد خاطئ وأولنا بعض المواقف والممارسات ولكن هنالك مواقف وممارسات لاتقبل التأويل فهي صريحة وواضحة تدل على عدم العدالة.

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ١٦ : ١٩٣

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ١٦ : ١٩٠

٣٣٥

عند قرب وفاة أبي بكر دخل عليه عبدالرحمن بن عوف، فقال له أبو بكر:((إنّي وليت أمركم خيرّكم في نفسي، فكلكم ورم أنفه من ذلك، يريد أن يكون الأمر له دونه، ورأيتم الدنيا قد أقبلت.. وأنتم أول ضالّ بالناس غداً، فتصدوهم عن الطريق يميناً وشمالاً...))(١)

وقال أبو بكر أيضاً :((فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنَّ ، فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب.. وأمّا اللاتي تركتهنَّ ، فوددت أني يوم أتيتُ بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه، فإنّه تخيَّل إليَّ أنه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه...))( ٢ )

وأوصى أبو بكر بالأمر إلى عمر بن الخطّاب بالرغم من اعتراض أعلام الصحابة.

وبعد تعيين عمر للستة من أهل الشورى أخبرهم عن أنفسهم فقال :((أما أنت يا زبير فوعق لقس( ٣ ) ، مؤمن الرضا، كافر الغضب، يوماً إنسان، ويوماً شيطان.. من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ؟ ومن يكون يوم تغضب ؟) ثم أقبل على طلحة ـ وكان له مبغضاً ـ فقال له: أقول أم أسكت؟ قال : (قل، فإنَّك لا تقول من الخير شيئاً) فقال عمر: (أما إنَّي أعرفك منذ أصيبت أصبعك يوم أحد والبأو ـ أي الكبر ـ الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله صلى الله عليه واله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أُنزلت آية الحجاب))( ٤ )

وأوصى عمر صهيب الرومي بقتل كل من يصرّ على مخالفة الاجماع في الشورى المتكونة من الستة، وقال له:((.. فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلاً وأبى واحد فاشدخ رأسه ـ أو اضرب رأسه بالسيف ـ وإن اتفق أربعة فرضوا رجلاً منهم وأبى اثنان، فاضرب

________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٠ وبنحوها في تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٧

( ٢ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ وتاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٧ والعقد الفريد ٥ : ٢١

( ٣ ) الوعق : الضجر المتبرم ، واللقس : من لا يستقيم على وجه

( ٤ ) شرح نهج البلاغة ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦

٣٣٦

رؤوسهما، فإن رضي ثلاثة رجلاً منهم وثلاثة رجلاً منهم.. فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمّا اجتمع عليه الناس))(١)

وفي اجتماع الشورى قال عليّ بن أبي طالب لعبدالرحمن بن عوف:((أعطني موثقاً لتؤثرن الحقّ ولا تتبع الهوى، ولا تخصّ ذا رحم..))، لكن عبدالرحمن مال إلى عثمان، ففي أمر الشورى يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة الشقشقية:(( ‎ فصبرتُ على طول المدة، وشدّة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زعم أني أحدهم، فيالله وللشورى متى اعترض الريبُ فيَّ مع الأول منهم، حتى صرتُ أُقرن إلى هذه النظائر! لكنّي أسففتُ إذ أسفّوا، وطِرتُ إذ طاروا، فصغا رجلٌ منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره، مع هن وهن...))( ٢ ) .

فالذي صغا لضغنه هو طلحة ، إذ وهب حقّه لعثمان لانحرافه عن أمير المؤمنين عليه السلام ، والذي مال لصهره هو عبدالرحمن، مال إلى عثمان ، لأن زوجة عبدالرحمن ـ وهي أم كلثوم بنت عقبة ـ كانت أُخت عثمان من أُمّه

واشترط عبد الرحمن على الإمام عليّ عليه السلام إن رشّحه للخلافة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فلم يوافق الإمام عليّ عليه السلام على الشرط الأخير، ووافق عثمان على ذلك فرشحه عبدالرحمن للخلافة فقال الإمام علي عليه السلام: ‎ ((ليس هذا أوّل يوم تظاهرتم فيه علينا))( ٣ ) .

وبعد تمام البيعة قال المغيرة بن شعبة لعبدالرحمن:((يا أبا محمد، قد أصبت إذ بايعت عثمان!) وقال لعثمان: (لو بايع عبدالرحمن غيرك ما رضينا)، فقال عبدالرحمن: (كذبت يا أعور، لو بايعتُ غيره لبايعته، ولقلت هذه المقالة))( ٤ )

________________

( ١ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٢٩

( ٢ ) نهج البلاغة : الخطبة ٣

( ٣ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٧١ وشرح نهج البلاغة ٩ : ٥٣

( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٣٤ وبنحوه في : شرح نهج البلاغة ٩ : ٥٣

٣٣٧

ودخل أبو سفيان على عثمان وقال: ((يا بني أُمية ، تلقّفوها تلقّف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة))(١)

وكان الوليد بن عقبة من ولاة عثمان وقد اشتهر بالفسق وشربه للخمر فقد شرب الخمر وهو على رأس جيش متوجه إلى الروم، فأراد بعض المسلمين إقامة الحدّ عليه ، فقال حذيفة : (أتحدّون أميركم وقد دنوتم من عدوّكم...)( ٢ )

وقال ابن حجر العسقلاني عنه (وقصة صلاته بالناس الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة ومخرجة ، وقصة عزله بعد أن ثبت عليه شرب الخمر مشهورة أيضاً مخرجة في الصحيحين)( ٣ )

فحينما أكثر المسلمون في الوليد عزله عثمان وجلده الحدّ( ٤ )

وطعن جماعة من الصحابة على عثمان ، لأنّه آثر أقاربه الأموال والهدايا، فكان أبو ذر الغفاري يقول : (والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ما هي في كتاب الله ولا سُنّة نبيّه، والله إني لأرى حقاً يُطفأ وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذّباً، وأثرة بغير تقى، وصالحاً مستأثراً عليه)( ٥ )

وقال عثمان ذات مرّة لأبي ذر : (لا أنعم الله بك عيناً يا جنيدب... أنت الذي تزعم أنّا نقول : إنّ يد الله مغلولة...) فقال أبو ذر : (لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده ، ولكني أشهدُ لسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال الله دولاً، وعباد الله خولاً، ودين الله دخلاً فقال عثمان: (ويلك يا أبا ذر! أتكذب على رسول الله) فقال

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٩ : ٥٣ ـ ٥٤ وأنساب الأشراف ١ : ١٢ ـ ١٣

( ٢ ) مختصر تاريخ دمشق ٢٦ : ٣٤١

( ٣ ) الإصابة ٦ : ٣٢٢

( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٢٧٧ ومختصر تاريخ دمشق ٢٦ : ٣٣٦ وبنحوه في : شرح نهج البلاغة ٨ : ١٢٠

( ٥ ) شرح نهج البلاغة ٣ : ٥٥

٣٣٨

أبو ذر: (أحدثكم أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه واله ثم تتهمونني ! ما كنت أظنَّ أني أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه واله )(١)

هذا وقد قال الصادق الأمين صلى الله عليه واله في حقّ أبي ذر : ‎ ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر والأدهى من ذلك هو طرد أبي ذرّ من مدينة رسول الله صلى الله عليه واله على يد طريد رسول الله صلى الله عليه واله وابن طريده مروان بن الحكم( ٢ )

واشتد الطعن على عثمان، ففي ذات مرّة صلّى عثمان بالناس، فلما كبَّر قالت عائشة: (يا أيُّها الناس... تركتم أمر الله وخالفتم عهده)، ثم صمتت وتكلمت حفصة بمثل ذلك، فلما أتم عثمان الصلاة أقبل على الناس، وقال: (إنَّ هاتين لفتّانتان، يحلّ لي سبُّهما، وأنا بأصلهما عالم)( ٣ )

وتجاوز الطعن إلى التصريح بكفر عثمان من قبل إحدى نساء النبي صلى الله عليه واله وهي عائشة حيثُ كانت تفتي بقتله وتقول:((اقتلوا نعثلاً فقد كفر))( ٤ ) .

وكثر الطعن عليه (ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد)( ٥ ) ، وكان طلحة بن عبيدالله من ضمن الطاعنين على عثمان حتى اجتمع عليه بعض الطاعنين، فأمسك بمفاتيح بيت المال والناس حوله، فلما سمع الإمام عليّ عليه السلام بالخبر قام بكسر باب بيت المال وتوزيع

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٣ : ٥٥ ـ ٥٦

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٧١ ـ ١٧٣ وتاريخ المدينة ٣ : ١٠٣٤ والرياض النضرة ٣ : ٨٣

( ٣ ) شرح نهج البلاغة ٩ : ٥

( ٤ ) تاريخ الطبري ٤ : ٤٥٩ والكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٦

( ٥ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٣٦

٣٣٩

مافيه، فتفرق الجمع عن طلحة وانصرفوا عنه، وسمع عثمان بذلك فأبدى رضاه وسروره، وجاء طلحة ودخل على عثمان، فقال عثمان: (والله ما جئت تائباً، ولكن جئتَ مغلوباً، الله حسيبك يا طلحة)(١) .

وكتب جمع من أهل المدينة من (الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق منهم: إن أردتم الجهاد فهلمّوا إليه، فإنّ دين محمد صلى الله عليه واله قد أفسده خليفتكم فأقيموه)( ٢ )

وحينما اشتدت الأزمة بين عثمان والطاعنين عليه دخل عليه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وقال له:(( ‎ أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بتحرّفك عن دينك وعن عقلك مثل الظعينة يقاد حيثُ يُسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه ولا نفسه! وأيم الله إنّي لأراه يوردك ولا يصدرك...))( ٣ ) .

وتدخّل الإمام عليّ عليه السلام لتهدئة الأزمة وقال لطلحة: ‎ أنشدك الله إلاّ رددت الناس عن عثمان!، فرفض طلحة نصيحة الإمام عليّ؛ وقال: (لا والله حتى تعطيني بنو أُمية الحقّ من أنفسها)( ٤ )

وكلّم الإمام عليّ عليه السلام القادمين من الأمصار ووعدهم بإصلاح الأوضاع من قبل عثمان، فخرجوا من المدينة، وفي طريقهم إلى مصر أمسكوا بغلام عثمان وعنده كتاب مختوم بختم عثمان يأمر فيه والي مصر بقتلهم، فجاءوا بالكتاب إلى عثمان فأنكر كتابته له، وقيل: إنَّ مروان قد كتبه باسم عثمان، فقالوا له: (ما أنت إلاّ صادق أو كاذب، فإن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لما أمرت به من قتلنا بغير حق، وإن كنت صادقاً فقد استحققت أن تخلع نفسك لضعفك عن هذا الأمر وغفلتك وخبث بطانتك.. فاخلع نفسك منه كما خلعك الله) فقال: (لا أنزع قميصاً ألبسنيه الله، ولكني أتوب وأنزع)، فقالوا: (لو كان هذا أوّل ذنب تبت منه قبلنا، ولكنّا رأيناك تتوب ثم تعود، ولسنا منصرفين حتى نخلعك أو نقتلك أو تلحق أرواحنا بالله تعالى)( ٥ ) .

________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٧

( ٢ ) الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٨

( ٣ ) تاريخ الطبري ٤ : ٣٦٢ والكامل في التاريخ ٣ : ١٦٥ ـ ١٦٦

( ٤ ) الكامل في التاريخ ٣ : ١٨٣

( ٥ ) المصدر السابق ٣ : ١٩٦

٣٤٠