سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11025
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11025 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

فحوصر عثمان من قبل المسلمين أربعين يوماً ثم قتلوه، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله منهم من حرَّض على المعارضة له ، وعلى رأسهم عائشة وحفصة وعمّار بن ياسر وعبدالله بن مسعود وطلحة والزبير وعمرو بن العاص. ومنهم من حاصره ولم يقدم على قتله. ومنهم من اشترك في قتله أيضاً كعبدالرحمن بن عديس، وكان أمير القادمين لقتله، وهو ممّن بايع رسول الله صلى الله عليه واله تحت الشجرة(١) ومنهم من كان هواه في قتل عثمان، كمعاوية بن أبي سفيان( ٢ ) ليتخذ قتله ذريعة للوصول إلى الخلافة، حيثُ تربّص به وأقرّ الجيش الذي بعثه لنصرته( ٣ )

وكان ابن عباس يرى أن مروان هو المسؤول عن قتل عثمان ، فكان يخاطبه بالقول : ( يا عدوّ الله وطريد رسول الله والمباح دمه، والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه ..)( ٤ )

هذا، وقد اتُخذ دمه ذريعة للتمرد على خلافة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام سواء من قبل المحرضين على عثمان أو من المتربصين بقتله، في ظرف مضطرب لا استقرار فيه، وبدلاً من انتظار استقامة الظروف وهدوء الأوضاع الصاخبة، خرج بعض الصحابة، وأحدثوا فتنة بين المسلمين متمردين فيها على الخلافة الشرعية

كتمان حديث الغدير

حديث الغدير من الأحاديث المتواترة، وقد ورد في أغلب كتب المؤلفين حتى اعترف بذلك ابن حجر الهيتمي بالقول: (إنّه حديث صحيح لا مرية فيه وقد أخرجه جماعة كالترمذي ، والنسائي، وأحمد، وطرقه كثيرة جداً، ومن ثم رواه ستة عشر صحابياً وفي رواية لأحمد... ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعليّ لما نوزع أيام خلافته)( ٥ )

________________

( ١ ) الكامل في التأريخ ٣ : ٢٨٧ وتاريخ المدينة المنورة ٤ : ١١٥٥

( ٢ ) تاريخ المدينة المنورة ٤ : ١١٥٣

( ٣ ) الكامل في التاريخ ٣ : ١٧٠

( ٤ ) شرح نهج البلاغة ٦ :٢٩٩.

( ٥ ) الصواعق المحرقة : ٦٤

٣٤١

وقال ابن حجر العسقلاني: (وأما حديث من كنت مولاه فعليّ مولاه، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)(١)

فحديث الغدير متواتر عند الرواة الأوائل وعند الصحابة غاية الأمر انهم اختلفوا في دلالته ، هل يدل على الحب والنصرة أمّ على الولاية العامة والامامة والخلافة

وفي عهد خلافة الإمام علي عليه السلام قال ـ وهو في الرحبة ـ : انشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه واله وشهده يوم غدير خم إلاّ قام ولا يقوم إلاّ من رآه، فقام اثنا عشر رجلاً، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه ـ حيث أخذه بيده ـ يقول: (اللهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله) إلاّ ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم فأصابتهم دعوته( ٢ )

وفي رواية: وكان تحت المنبر أنس بن مالك والبراء بن عازب وجرير بن عبدالله، فاعادها فلم يجبه أحد، فقال: اللهمَّ من كتم الشهادة وهو يعرفها فلا تخرجه من الدنيا حتى تجعل به آية يعرف بها

فبرص أنس ، وعمي البراء ، ورجع جرير اعرابياً( ٣ )

في مجلس معاوية بن أبي سفيان

اعترض الإمام الحسن عليه السلام على معاوية قائلاً:((إنَّ الخلافة لمن سار بسيرة رسول الله... وليس الخلافة لمن عمل بالجور وعطّل الحدود))( ٤ )

________________

( ١ ) فتح الباري بشرح البخاري ٧ : ٦١

( ٢ ) مسند أحمد ١ : ١٩٢

( ٣ ) أنساب الأشراف ٢ : ١٥٧

( ٤ ) ربيع الأبرار ٢ : ٨٣٧

٣٤٢

وفي مجلس معاوية والحسن حاضر شتم جماعة ـ وهم من الصحابة!! ـ الإمام عليّاً عليه السلام وذكروه بسوء، فأجاب الإمام الحسن عليه السلام معاوية بالقول:((أما بعد يا معاوية، فما هؤلاء شتموني ولكنّك شتمتني، فحشاً ألفته، وسوء رأي عرضت به، وخُلقاً سيئاً ثبتَّ عليه، وبغياً علينا، عداوة منك لمحمد وأهله...))(١) .وأغلظ القول لعمرو بن العاص وقال له :(( ‎ فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهلية والإسلام... وأما ما ذكرت من أمر عثمان ، فأنت سعَّرت عليه الدّنيا ناراً... ثم حبست نفسك إلى معاوية ، وبعت دينك بدنياه...)).

وقال الإمام الحسن عليه السلام للوليد بن عقبة:((... فوالله ما ألومك على بغض عليٍّ، وقد جلدك ثمانين في الخمر... وأنت الذي سمّاه الله الفاسق، وسمّى عليّاً المؤمن))( ٢ )

وقال عليه السلام للمغيرة بن شعبة : ‎ (( وإنَّ حدَّ الله في الزنا لثابت عليك))( ٣ )

وقال الإمام الحسن عليه السلام لمروان:((لقد لعن الله أباك الحكم وأنت في صلبه على لسان نبيّه، فقال: لعن الله الحكم وما ولد))( ٤ )

اعتراض الإمام الحسين بن عليعليه السلام على معاوية

ارتكب معاوية أعمالاً مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه واله ، ووجد في ذلك اعتراضاً من قبل الصحابة، ومن أعماله إدّعاؤه زياد بن سمية واستلحاقه بأبي سفيان خلافاً لسُنّة رسول الله صلى الله عليه واله( ٥ )

واعترض الإمام الحسين بن علي عليه السلام على مجمل أعماله، فقد جاء في كتابه عليه السلام إلى معاوية بعد أن وصفه وأصحابه بالقاسطين الملحدين حزب الظالمين وأولياء الشياطين:((ألست قاتل حجر بن عدي وأصحابه المصلّين العابدين، الذين ينكرون الظلم ويستعظمون البدع... أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه واله الذي أبلته العبادة... أولست المدعي زياد بن سميّة.. ؟! فتركت سُنّة رسول الله صلى الله عليه واله وخالفت أمره متعمدّاً، واتّبعت هواك مكذِّباً بغير هُدىً من الله.. فلا أعلم

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٨٨

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٩٢

( ٣ ) شرح نهج البلاغة ٦ : ٢٩٤ انظر : تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٦ ، الاغاني ١٦ : ٩٩ ، شرح نهج البلاغة ١٢ : ٢٤٥

( ٤ ) البداية والنهاية ٨ : ٢٥٩

( ٥ ) سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٩٥

٣٤٣

فتنة على الاُمّة أعظم من ولايتك عليها.. وأخذك بالبيعة لابنك غلام سفيه يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ولا أعلمك إلاّ خسرت نفسك، وأوبقت دينك، وأكلت أمانتك، وغششت رعيّتك، وتبوّأت مقعدك من النار، فبعداً للقوم الظالمين))(١)

ففي هذا الكتاب بيّن الإمام الحسين عليه السلام لمعاوية خلافه لسُنّة رسول الله صلى الله عليه واله ، وابتعاده عن هدى الله تعالى، وجعله في صف الظالمين، ليتبوأ مقعده من النار

حسان بن ثابت

اشترك معَ بعض الصحابة في اتهام احدى زوجات رسول الله صلى الله عليه واله في قصة الافك، وكان ممّن افصح بالفاحشة، وهجا صفوان بن المعطل، فاعترضه صفوان وضربه بالسيف، فدعا رسول الله صلى الله عليه واله : حسّان وصفوان، وقال لحسّان : أحسن ياحسّان، أتشوّهتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام أحسن ياحسّان في الذي أصابك

وفي رواية أخرى انه حدّ بسبب فريته على احدى زوجات رسول الله صلى الله عليه واله( ٢ ) .

وفي معركة اليمامة اعترض على زواج خالد بن الوليد من ابنة مجاعة، ووقف معَ الأنصار في استنكارهم لهذا الأمر، وكتب إلى أبي بكر شعراً يصف به الأوضاع( ٣ ) :

أترضى بانّا لم تجف دماؤنا

وهذا عروسٌ باليمامة خالد

يبيت يناغي عرسه ويضمّها

وهام لنا مطروحة وسواعد

إذا نحن جئنا صدّ عنّا بوجهه

وتُلقى لأعمام العروس الوسائد

وماكان في صهر اليمامّي رغبةً

ولو لم يُصَبْ إلاّ من الناس واحد

________________

( ١ ) أنساب الأشراف ١ : ١٢٠ ـ ١٢٢ وبنحوه في الإمامة والسياسة ١ : ١٨١

( ٢ ) المصدر نفسه : ٣١٨ ـ ٣٢١

( ٣ ) ديوان حسّان ١ : ٤٥٩

٣٤٤

فكيف بالف قد أصيبوا كانّما

دماؤهم بين السيوف المجاسد

وحينما قيل لعليّ عليه السلام : ألا تبعث إلى حسّان بن ثابت وفلان وفلان قال عليه السلام : لا حاجة لنا فيمن لا حاجة له فينا(١)

وكان من المعلنين لخلافه معَ عليّ عليه السلام واتباعه، وقد ظهر ذلكَ في مواقفه التي يذكرها التاريخ، فحينما عزل عليّ عليه السلام قيس بن سعد بن عبادة جاءه حسّان شامتاً به، فقال له : تركك عليّ بن أبي طالب، وقد قتلتَ عثمان فبقي عليك الاثم ولم يحسن لك الشكر

فقال له قيس : يا أعمى القلب والبصر، والله لولا أن القي بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك اخرج عنّي( ٢ )

أبو هريرة

وردَ في السيرة انّ عمر بن الخطاب استعمله على البحرين ثمّ عزله، بعد ان شاطره أمواله، وهو القائل له : يا عدو الله وعدو الإسلام، خنت مال الله، فقال له أبو هريرة: ولكنها اثمان خيل لي تناجت عندي وسهمان لي اجتمعت فاغرمه اثني عشر ألف درهم( ٣ )

أكثر من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله فقال له عمر : لتتركنّ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله أو لألحقنك بأرض دوس( ٤ )

وقالت له عائشة : يا أبا هريرة ما هذهِ الأحاديث التي تبلغنا أنّك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه واله هل سمعت إلاّ ما سمعنا، وهل رأيت إلاّ ما رأينا

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٤ : ٩

( ٢ ) تاريخ الطبري احداث ٣٦ هـ

( ٣ ) مختصر تاريخ دمشق ٢٩ : ٢٠٢

( ٤ ) البداية والنهاية ٨ : ١٠٦

٣٤٥

قال : يا أمّاه انه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه واله المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه واله وانّي والله ما كان يشغلني عنه شيء(١)

وأكذبه عمر وعثمان وعلي وعائشة( ٢ )

وكان من قوله : حدَّثني خليلي، وقال خليلي، ورأيت خليلي، فقال له عليّ عليه السلام : متى كان النبيّ خليلك، يا أبا هريرة( ٣ )

وعن منصور بن إبراهيم قال: كانوا يرون في أحاديث أبي هريرة شيئاً، وما كانوا يأخذون بكل حديث أبي هريرة إلاّ ما كان من حديث صفة جنة أو نار، أو حثّ على عمل صالح، أو نهي عن شرّ جاء القرآن به( ٤ )

وحدث أبو هريرة ذات مرّة، فردّ عليه سعد بن أبي وقّاص حديثاً، فوقع بينهما كلام، حتى ارتجت الأبواب بينهما( ٥ )

وفي عهد عثمان كان أبو هريرة من المناصرين له والمدافعين عن سياسته، ثمّ تابع معاوية من بعده، ولم يقف إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقيل: انه كان يصلّي خلف عليّ ويأكل على سماط معاوية ويعتزل القتال، ويقول: الصلاة خلف عليّ أتمّ وسماط معاوية أدسم وترك القتال أسلم( ٦ ) ..

وبعد صفين وفي أثناء الغارات التي يشنها معاوية على دولة أمير المؤمنين عليه السلام كان اتباع معاوية يستعينون بأبي هريرة في تنفيذ ما يريدونه، فبعد هجوم بسر بن أبي ارطأة على المدينة عيّن أبا هريرة نائباً عنه عليها، فلما دخلها جارية بن قدامة هرب وتركها( ٧ )

________________

( ١ ) المستدرك على الصحيحين ٣ : ٥٠٩

( ٢ ) تأويل مختلف الحديث : ٢٧

( ٣ ) تأويل مختلف الحديث : ٢٧

( ٤ ) البداية والنهاية ٨ : ١٠٩

( ٥ ) سير أعلام النبلاء ٢ : ٦٠٣

( ٦ ) شذرات الذهب ١ : ٦٤

( ٧ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٨٤

٣٤٦

كان يتقرب إلى معاوية بوضع أحاديث مفتعلة بحق أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، فقد روي : انه لما قدم أبو هريرة العراق معَ معاوية بعد صلح الإمام الحسن عليه السلام ، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس جثا على ركبتيه، ثمّ ضرب صلعته مراراً، وقال : يا أهل العراق، اتزعمون أنّي أكذب على الله وعلى رسوله، وأحرق نفسي بالنار! والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إنّ لكل نبيّ حرماً، وإنّ حرمي بالمدينة، مابين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

وأشهد بالله أنّ علياً أحدث فيها، فلما بلغ معاوية قوله اجازه وأكرمه، وولاه امارة المدينة(١)

وروي: انه جاء إليه شاب، فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعليّ بن أبي طالب: ‎ اللهُمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه فقال: اللهُمّ نعم، قال: فاشهد بالله، لقد واليت عدوّه، وعاديت وليّه( ٢ ) .

وبقي أبو هريرة مسانداً لدولة معاوية وللأمويين ومعادياً لعلّي بن أبي طالب عليه السلام إلى أن توفي

وحينما علم معاوية بوفاته كتب إلى والي المدينة، ان انظر ورثته، فأحسن إليهم، واصرف لهم عشرة آلاف درهم وأحسن جوارهم، واعمل إليهم معروفاً، فانه كان ممّن نصر عثمان وكان معه في الدار( ٣ )

خالد بن الوليد

شهد معَ المشركين وقعة أحد، وكان له الدور الأكبر في مداهمة المسلمين من الخلف ومن ثمّ هزيمتهم

وكان على خيل المشركين يوم الحديبية، ولم يسلم إلاّ بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على البعثة، حيث أسلم قبل عام الفتح، وقيل قبل خيبر وبعد الفتح بعثه رسول الله صلى الله عليه واله داعياً ولم يبعثه مقاتلاً، فلما وصل بني جذيمة أخذوا السلاح، فقال خالد: ضعوا السلاح، فقال لهم رجل يُقال له جحدم: ويلكم يابني جذيمة! إنّه خالد والله! مابعد وضع السلاح إلاّ الاسار، ومابعد الإسار إلاّ ضرب الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبداً، فأخذه رجال من قومه ونزعوا سلاحه، ووضعَ القوم السلاح لقول خالد، فلما وضعوا

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٧

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ٤ : ٦٨

( ٣ ) البداية والنهاية ٨ : ١١٥

٣٤٧

السلاح أمر بهم خالد عندَ ذلك، فكتفوا، ثمّ عرضهم على السيف، فانكر عليه اثنان من الصحابة إلاّ انه لم يتراجع عن قرار القتل، فقتل جماعة منهم، فلمّا انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه واله رفع يديه إلى السماء، ثمّ قال: اللهُمّ إنّي أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد(١) .

وفي رواية قال بنو جذيمة : إنّا لا نأخذ السلاح على الله ولا على رسوله ونحن مسلمون، فانظر مابعثك رسول الله له فان كان بعثك مصدّقاً فهذه إبلنا وغنمنا فاعد عليها، قال خالد : ضعوا السلاح، قالوا : إنّا نخاف أن تأخذنا باحنة الجاهلية، فانصرف عنهم وأذّن القوم وصلّوا، فلما كان في السحر شنّ عليهم الخيل فقتل المقاتلة وسبى الذرية

قال له عبدالرّحمن بن عوف: والله لقد قتل خالد القوم مسلمين، فقال خالد: إنّما قتلتهم بأبيك عوف بن عبد عوف، فقال له عبد الرّحمن: ما قتلتَ بأبي ولكنّك قتلتَ بعمّك الفاكه بن المغيرة( ٢ ) .

وبعد رحيل رسول الله صلى الله عليه واله بعثه أبو بكر لقتال المرتدين ولقتال مانعي الزكاة، وأمره أن يبدأ ببني حنيفة فيدعوهم ويدعو مسيلمة الكذّاب إلى الإسلام، وينصح لهم في الدين ويحرص على هداهم، فان أجابوا قبل منهم وكتب إليه بذلكَ إلى أن يأتيه الأمر، وأوصاه : يا خالد عليك بتقوى الله والرفق بمن معك، فانّ معك أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله فشاورهم فيما نزل بك ثمّ لا تخالفهم( ٣ ) .

وبعد مقتل مسيلمة سار خالد حتى أحاط ببيوت بني يربوع، وقد كان مالك بن نويرة قد فرّقهم ونهاهم عن الاجتماع، وقال لهم: يا بني يربوع انّا دعينا إلى هذا الأمر فأبطأنا عنه فلم نفلح، فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم، فتفرقوا وادخلوا في هذا الأمر( ٤ )

ولما غشيتهم خيول خالد أخذوا السلاح، فقالوا : نحن المسلمون، فقال أصحاب مالك: ونحنُ المسلمون، قالوا لهم : ضعوا السلاح فوضعوه ثمّ صلّوا، ولما قدم خالد جاءته الخيل بمالك بن نويرة، فادعى خالد انّ مالك بن نويرة ارتدّ بكلام بلغه عنه، فأنكر مالك ذلكَ،

________________

( ١ ) السيرة النبوية لابن هشام ٤ : ٧١، ٧٢

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٦١

( ٣ ) تاريخ الخميس ٢ : ٢٠٥

( ٤ ) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٥٨

٣٤٨

وقال : أنا على الإسلام ما غيرّت ولا بدلت، وشهد له أبو قتادة وعبد الله بن عمر بذلكَ الاّ انّ خالد لم يلتفت إلى شهادتهم ولم يستجب لهم فأمر بقتله

وقد تواترت الروايات على انّ خالداً قتله طمعاً في زوجته، فقد وردَ: انّ مالكاً قال له: اتقتلني وأنا مسلم أصلّي القبلة؟ فقال خالد: لو كنت مسلماً لما منعت الزكاة، فالتفتَ مالك إلى امرأته، فنظر إليها ثمّ قال: ياخالد بهذهِ تقتلني(١) .

وفي رواية اُخرى: فاتاه مالك يناظره، واتبعته امرأته، فلما رآها خالد اعجبته، فقال: والله لا نلت ما في مثابتك حتى اقتلك، فضرب عنقه وتزوّج امرأته( ٢ )

وفي رواية: انّ خالداً لم يستمع إلى كلام الصحابة، ولا إلى كلام مالك حينما قال له: يا خالد ابعثنا إلى أبي بكر، فيكون هو الذي يحكم فينا، فقد بعثت إليه غيرنا ممن جرمه أكبر من جرمنا

فقال خالد : لا اقالني الله إن اقتلك فالتفت مالك إلى زوجته، وقال لخالد: هذه التي قتلتني( ٣ ) .

وتزوّج خالد امرأة مالك، ولم يستجب لقول عبد الله بن عمر، وأبي قتادة حينما قالا له : يكتب إلى أبي بكر بموضوع زواجها

وأمر خالد برأس مالك فجعل معَ حجرين وطبخ على الثلاثة قدراً، فأكل منها، يرهب بذلكَ الاعراب( ٤ )

وقد وردت بعض الروايات التي تنصّ على انّ الزواج قد تم في نفس الليلة التي قتل بها مالك( ٥ ) .

وفي ذلكَ قال شاعر قوم مالك :

إلا قل لحيّ أوطئوا بالسنابك***تطاول هذا الليل من بعد مالك

عدا خالد بغياً عليه لعرسه***وكان له فيها هوى قبل ذلك

________________

( ١ ) كتاب الردّة : ١٦٣

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣١

( ٣ ) البدء والتاريخ ٦ : ١٦١، تاريخ الإسلام ـ عهد الخلفاء الراشدين : ٣٤

( ٤ ) البداية والنهاية ٦ : ٣٢٢

( ٥ ) تاريخ الخميس ٢ : ٢٠٩

٣٤٩

وأمضى هواه خالد غير عاطف

عنان الهوى عنها ولا متمالك

فأصبح ذا أهل وأصبح مالك

على غير شيء هالكاً في الهوالك(١)

وقد دافع البعض عن خالد بادعاء انّ زوجة مالك كانت مطلقة قد انقضت عدتها إلاّ انها كانت محبوسة عنده، وفي ذلكَ قال عمر لأبي بكر : انّ خالداً قتل رجل مسلماً وتزوّج امرأته من يومها

فلما قدم خالد قال : انّي تأولت، وأصبت وأخطأت( ٢ ) وفي رواية قال عمر : انّ سيف خالد فيه رهق

قال أبو بكر لعمر : تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد

وقال عمر لخالد : قتلت امرءاً مسلماً ثمّ نزوت على امرأته والله لأرجمنّك( ٣ )

وأمر أبو بكر بردّ السبي وودّى مالكاً من بيت المال

ولم تؤثر هذه الواقعة على مكانة خالد عند أبي بكر، فبعثه إلى العراق ومن ثمّ إلى الشام

ولما تولى عمر بن الخطاب الخلافة عزل خالداً عن إمارة الشام، وأمر بنزع عمامته ومشاطرته ماله، وبقي خالد تابعاً لأبي عبيدة بن الجراح، يأتمر بأمره في المعارك والغزوات إلى أن مات على فراشه في حمص سنة ( ٢١ هـ )

أبو سفيان

كان الإيمان في قلبه متزلزلاً ، فعدّ في المؤلفة قلوبهم( ٤ ) ، وبقي على تزلزله في الإيمان ، ففي ذات مرّة رأى اجتماع المسلمين على رسول الله صلى الله عليه واله فحسده، وقال في نفسه : لو عاودت الجمع لهذا الرجل ، فضرب رسول الله صلى الله عليه واله صدره، ثم قال : اذن يخزيك الله( ٥ ) .

________________

( ١ ) كتاب الردّة : ١٦٤

( ٢ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٣٢

( ٣ ) الكامل في التاريخ ٢: ٣٥٨، ٣٥٩

( ٤ ) المنتظم ٥ : ٢٧

( ٥ ) الإصابة ٣ : ٢٣٨

٣٥٠

وفي واقعة اُخرى قال: ما أدري بم يغلبنا محمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله : بالله نغلبك(١) .

وقد صرّح رسول الله صلى الله عليه واله للأنصار بأنّه يعطي أبا سفيان من بيت المال ليؤلف قلبه على الإسلام( ٢ )

ومرّ ذات مرّة ـ بعد اسلامه ـ بأحد، فقيل له: أي يوم لك هاهنا، فقال: والآن لو وجدت رجالاً( ٣ )

ووقف على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره وقال لقائده: هاهنا رمينا محمداً وقتلنا أصحابه( ٤ )

وكان الصحابة ينظرون إلى أبي سفيان نظرة مريبة على الرغم من دخوله في الإسلام ، فقد مرّ على نفر من الصحابة منهم سلمان، فقالوا: ما أخذت السيوف من عنق عدو الله مأخذها، فقال لهم أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ، فقال رسول الله صلى الله عليه واله : ‎ يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت الله( ٥ )

وروى المؤرخون أنّه لمّا انهزم المسلمون في أول واقعة حنين: تكلم رجال بما في أنفسهم من الضِّغن، فقال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر( ٦ ) .

وبقي أبو سفيان يتربص بالمسلمين الدوائر، وأراد خلق فتنة بين المسلمين فزجره الإمام علي عليه السلام وقال: ‎ إنّك والله ما أردت بهذا إلاّ الفتنة، وانك والله طالما بغيت الإسلام شراً( ٧ )

وقد روى بعض المؤرخين ما نسب إليه تشكيكه بالبعث والقيامة( ٨ )

________________

( ١ ) الإصابة ٣ : ٢٣٨ ومختصر تاريخ دمشق ١١ : ٦٢

( ٢ ) ربيع الأبرار ١ : ٧٨٨

( ٣ ) ربيع الأبرار ١ : ٥٥٩

( ٤ ) شرح نهج البلاغة ١٥ : ١٧٥

( ٥ ) شرح نهج البلاغة ١٨ : ٣٧

( ٦ ) السيرة النبوية / ابن هشام ٤ : ٨٦

( ٧ ) تاريخ الطبري أحداث ١١ هـ

( ٨ ) أنساب الأشراف ١ : ١٣ وشرح نهج البلاغة ٩ : ٥٣

٣٥١

المغيرة بن شعبة

أسلم المغيرة قبل صلح الحديبية ـ بعد قتله لرفاقه غدراً ـ فقبل رسول الله صلى الله عليه واله إسلامه

ومن خصائص المغيرة إنّه يبغض عليّاً عليه السلام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه واله(١) .

قال عنه الإمام علي عليه السلام : ‎ كذب المغيرة ، حينما ادّعى انّه احدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه واله( ٢ )

واتُهم المغيرة بالزنا في عهد عمر بن الخطاب لكنّه لم يعاقب لتخلّي أحد الشهود الأربعة عن الشهادة، وبقي عمر بن الخطاب ـ كلّما رأى المغيرة ـ يقول : ما رأيتك إلاّ خفت ان أرمى بحجارة من السماء( ٣ ) إشارة لعدم معاقبته ، عزله عمر عن ولاية البصرة بعد الاتهام بالزنا ، وطلب من عمر ان يوليه الكوفة ، فقال عمر: أنت رجل فاسق، قال: وما عليك منّي؟ كفايتي ورجلتي لك، وفسقي على نفسي، فولاه الكوفة، فسأل أهل الكوفة عن المغيرة، فقالوا: أنت أعلم به وبفسقه( ٤ )

وصفه الإمام علي عليه السلام بالقول: لن يأخذ من الدين إلاّ ما خلطته الدنيا( ٥ ) .

جعله معاوية والياً على الكوفة ، فكان يشتم أمير المؤمنين عليه السلام وأقام خطباء ينالون منه( ٦ )

وكان يقول: (لعن الله... فإنّه خالف ما في كتابك وترك سنة نبيّك... اللهمَّ ألعن أشياعه وأتباعه ومحبّيه والمهتدين بهديه والآخذين بأمره)( ٧ )

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ١٦ : ١٠٢

( ٢ ) الكامل في التاريخ ٢ : ٣٣٣

( ٣ ) الاغاني ١٦ : ٩٩ وشرح نهج البلاغة ١٢ : ٢٤٥ وتاريخ الإسلام / الذهبي : ١٢١

( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٥٥

( ٥ ) مختصر تاريخ دمشق ٢٥ : ١٧١

( ٦ ) سير أعلام النبلاء ٣ : ٣١

( ٧ ) أنساب الأشراف ٤ : ٢٤٣

٣٥٢

وكان المغيرة مدركاً لما يفعله، وكان يقول لصعصعة بن صوحان: اياك أن يبلغني أنك تظهر شيئاً من فضل عليّ، فأنا أعلم بذلك منك، ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا باظهار عيبه للناس)(١) ).

وقال ابن أبي الحديد: كان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه بالقليل النزر منها، قال يوماً في مجلس معاوية : ان علياً لم ينكحه رسول الله ابنته حباً، ولكنّه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه( ٢ ) .

ووجّهه معاوية إلى الإمام الحسن عليه السلام ومعه جماعة ، فلما خرجوا من عنده جعلوا يقولون ويسمعون الناس: ان الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وأجاب إلى الصلح ، فاضطرب العسكر ولم يشكك الناس في صدقهم( ٣ )

وكان له دور كبير في اسناد معاوية وفي أخذ البيعة ليزيد في أيام معاوية

الأشعث بن قيس

قال عنه أبو بكر : (... وددت أني يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ، فإنّه تخيّل إليّ أنّه لا يرى شرّاً إلاّ أعان عليه)( ٤ )

ولما بويع عليّ(عليه السلام) وكتب إلى العمال، كتب إلى الأشعث بن قيس مع زياد بن مرحب الهمداني، وكان الأشعث على آذربيجان عامل لعثمان ـ وقد كان عمرو بن عثمان تزوج ابنة الأشعث بن قيس قبل ذلك ـ فكتب إليه عليّ عليه السلام:

((أمّا بعد فلولا هنات كن فيك كنت المقدم في هذا الأمر قبل الناس ولعل أمرك يحمل بعضه بعضاً إن اتقيت الله، ثمّ إنّه كان من بيعة الناس إياي ما قد بلغك وكان طلحة والزبير ممن بايعاني ثمّ نقضا بيعتي على غير حدث وأخرجا أُم المؤمنين وصارا إلى البصرة فسرت إليهما فالتقينا فدعوتهم إلى أن يرجعوا فيما خرجوا منه فأبوا فأبلغت في الدعاء وأحسنت في البقية، وإنّ عملك ليس لك بطعمة ولكنه أمانة

________________

( ١ ) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٣٠

( ٢ ) شرح نهج البلاغة ٤ : ٧٠

( ٣ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٥

( ٤ ) تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٠

٣٥٣

وفي يديك مال من مال الله وأنت من خزّان الله عليه حتى تسلمه إليَّ، ولعلي أن لا أكون شر ولاتك لك إن استقمت ولا قوّة إلاّ بالله)).

فلما قرأ الكتاب قال الأشعث: أيها الناس إنّ أميرالمؤمنين عثمان ولاني آذربيجان فهلك وهي في يدي وقد بايع الناس عليّاً وطاعتنا له كطاعة من كان قبله وقد كان من أمره وأمر طلحة والزبير ما قد بلغكم، وعليّ المأمون على ما قد غاب عنا وعنكم من ذلك الأمر.

قال: فلما أتى منزله دعا أصحابه وقال: إن كتاب عليّ قد أوحشني وهو آخذ بمال آذربيحان وأنا لاحق بمعاوية

فقال القوم: الموت خير لك من ذلك أتدع مصرك وجماعة قومك وتكون ذنباً لأهل الشام؟ فاستحيا الأشعث فسار حتى قدم على عليّ(عليه السلام)(١) .

و لمَّا أراد أمير المؤمنين أن يسير إلى الخوارج بالنهروان ، واستفزَّ أهل الكوفة ، وأمرهم أن يعسكروا بالميدان ، فتخلّف عنهم شبث بن ربعي ، والأشعث بن قيس الكندي ، وجرير بن عبد الله البجلي ، وعمرو بن حريث ، فقالوا : يا أمير المؤمنين , أتأذن لنا أن نقضي حوائجنا ونصنع ما نريد ، ثمّ نلحق بك ؟

فقال لهم : فعلتموها ! سوءة لكم من مشايخ ! والله ، ما لكم تتخلّفون عنها حاجة , ولكنكم تتخذون سفرة ، وتخرجون إلى النزهة ، فتأمرون وتجلسون , وتنظرون في منظر تتنحون عن الجادة ، وتبسط سفرتكم بين أيديكم ، فتأكلون من طعامكم ، ويمرُّ ضبٌّ ، فتأمرون غلمانكم فيصطادونه لكم ويأتونكم به , فتخلعوني وتبايعون الضبَّ ، وتجعلونه إمامكم دوني

واعلموا أنّي سمعت أخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : إذا كان يوم

القيامة نادى مناد : ليخلوا كلُّ قوم بمَن كانوا يأتمّون به في الحياة الدنيا فمـن أقبح وجوهاً منكم وأنتم تحيلون أخا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابن عمِّه وصهره ، وتنقضون ميثاقه الذي أخذه الله ورسوله عليكم ، وتحشرون يوم القيامة وإمامكم الضبُّ ، وهو قول الله عزَّ وجلّ:((يَوْمَ نَدْعُو كلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ))( ٢ ) .

فقالوا : والله يا أمير المؤمنين , ما نريد إلاّ أن نقضي حوائجنا ونلحق بك فولَّى عنهم وهو يقول : عليكم الدمار والبوار ، والله ما يكون إلاّ ما قلت لكم , وما قلتُ إلاّ حقّاً

ومضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) حتّى إذا صار بالمدائن خرجوا إلى الخورنق ، وهيّأوا طعاماً في سفرة وبسطوها في الموضع وجلسوا يأكلون ، ويشربون الخمر ، فمرَّ بهم ضبٌّ ، فأمروا غلمانهم فاصطادوه وأتوهم به ، فخلعوا أمير المؤمنين وبايعوه , وبسط لهم الضبُّ يده ،

________________

( ١ ) الإمامة والسياسة ١:١٧٩

( ٢ ) سورة الإسراء / ٧١

٣٥٤

فقالوا : أنت والله إمامنا , ما بيعتنا لك ولعلي بن أبي طالب إلاّ واحدة ، وإنّك لأحبُّ إلينا منه فكان كما قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وكان القوم كما قال الله تعالى : ((بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ))(١) .

ثمّ لحقوا به ، فقال لهم لمَّا وردوا عليه : فعلتم يا أعداء الله ، وأعداء رسوله ، وأعداء أمير المؤمنين ما أخبرتكم به !

فقالوا : لا يا أمير المؤمنين ما فعلناه

فقال : والله ليبعثنّكم الله مع إمامكم

قالوا : قد أفلحنا يا أمير المؤمنين إذا بعثنا الله معك

فقال : كيف تكونوا معي وقد خلعتموني وبايعتم الضبَّ والله لكأنّي أنظر إليكم يوم القيامة والضبُّ يسوقكم إلى النار

فحلفوا له بالله إنّا ما فعلنا ، ولا خلعناك , ولا بايعنا الضبّ , فلمَّا رأوه يكذّبهم ولا يقبل منهم أقرّوا له ، وقالوا : اغفر لنا ذنوبنا

قال : ((والله لا غفرتُ لكم ذنوبكم وقد اخترتم مسخاً مسخه الله ، وجعله آية))( ٢ ) .

وكان (الأشعث من المنافقين في خلافة الإمام علي عليه السلام كما كان عبد الله بن أبي في أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله ، كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه)( ٣ ) .

وكان كل اضطراب ـ في مجتمع الكوفة وفي حكومة أمير المؤمنين ـ أصله الأشعث( ٤ )

دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فاغلظ له ، وهدّده الأشعث بأن يفتك به( ٥ )

وهو متهم في أيواء قاتل الإمام عليه السلام ـ عبدالرحمن بن ملجم ـ عند قدومه الكوفة( ٦ )

قتل مالك الاشتر ومحمد بن أبي بكر بلا مبرر

من مواضع اتفاق المسلمين ان عليا عليه السلام مفترض الطاعة فهو خليفة منصب من الله ورسوله صلى الله عليه واله حسب راي الشيعة ، وهو خليفة ببيعة اهل الحل والعقد في رأي السنة ، فلايجوز الخروج عليه ، واذا برر البعض لمعاوية التمرد عليه فلا مبررلمعاوية لقتل ولاة الامام علي عليه السلام ومنهم مالك الاشتر ومحمد بن أبي بكر

________________

( ١ ) سورة الكهف : اية ٥٠.

( ٢ ) إرشاد القلوب ٢٧٧:٣.

( ٣ ) شرح نهج البلاغة ١ : ٢٩٧

( ٤ ) شرح نهج البلاغة ٢ : ٢٧٩

( ٥ ) سير أعلام النبلاء ٢ : ٤١

( ٦ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢١٢ وتاريخ الإسلام / الذهبي : ٦٠٨ ومقاتل الطالبيين : ٣٣ والكامل في اللغة ٣ : ١١٦٩

٣٥٥

روي: أن عليا لما بعث الأشتر إلى مصر واليا عليها، وبلغ معاوية خبره، بعث رسولا يتبع الأشتر إلى مصر وأمره باغتياله: فحمل معه مزودين فيهما شراب، وصحب الأشتر، فاستسقى الأشتر يوما فسقاه من أحدهما. ثم استسقى يوما آخر منه فسقاه من الاخر، وفيه سم فشربه، فمالت عنقه. وطلب الرجل ففاتهم * * * قال إبراهيم: وحدثنا محرز بن هشام، عن جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة الضبي، أن معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر، فلم يزل المولى يذكر للأشتر فضل على وبنى هاشم، حتى اطمأن إليه، واستأنس به، فقدم الأشتر يوما ثقله أو تقدم ثقله، فاستسقى ماء، فقال له مولى عمر: وهل لك في شربة سويق؟ فسقاه شربة سويق فيها سم فمات. وقد كان معاوية قال لأهل الشام لما دس إليه مولى عمر: ادعوا على الأشتر، فدعوا عليه، فلما بلغه موته قال: ألا ترون كيف استجيب لكم: قال إبراهيم: وقد روى من بعض الوجوه أن الأشتر قتل بمصر بعد قتال شديد. والصحيح أنه سقى سما فمات قبل أن يبلغ مصر.

وروي عن محمد بن عبد الله بن عثمان، عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني، أن معاوية أقبل يقول لأهل الشام: أيها الناس، إن عليا قد وجه الأشتر إلى مصر، فادعوا الله أن يكفيكموه، فكانوا يدعون عليه في دبر كل صلاة، وأقبل الذي سقاه السم إلى معاوية، فأخبره بهلاك الأشتر، فقام معاوية في الناس خطيبا، فقال: أما بعد، فإنه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان، فقطعت، إحداهما يوم صفين وهو عمار بن ياسر، وقد قطعت الأخرى اليوم، وهو مالك الأشتر(١) .

وفي رواية عن رسول الله صلى الله عليه واله سمى فيها قتلة محمد بن أبي بكر بالكافرين والمنافقين

روى هاشم أن أسماء بنت عميس، لما جاءها نعى محمد ابنها وما صنع به، قامت إلى مسجدها، وكظمت غيظها حتى تشخبت دما.

وروى ابن عائشة التيمي عن رجاله عن كثير النواء، أن أبا بكر خرج في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله في غزاة، فرأت أسماء بنت عميس وهي تحته، كأن أبا بكر مخضب بالحناء رأسه ولحيته، وعليه ثياب بيض، فجاءت إلى عائشة فأخبرتها، فقالت: إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر، إن خضابه الدم، وإن ثيابه أكفانه، ثم بكت، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وهي كذلك، فقال: ما أبكاها؟ فقالوا: يا رسول الله، ما أبكاها أحد، ولكن أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله، فقال: ليس كما عبرت عائشة، ولكن يرجع أبو بكر صالحا، فيلقى أسماء، فتحمل منه بغلام، فتسميه محمدا، يجعله الله غيظا على الكافرين والمنافقين.

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٦ : ٧٥-٧٧

٣٥٦

قال: فكان كما أخبر(١)

وخطب الامام علي عليه السلام بعد فتح مصر، وقتل محمد بن أبي بكر، فقال:(( أما بعد، فإن الله بعث محمدا نذيرا للعالمين، وأمينا على التنزيل، وشهيدا على هذه الأمة، وأنتم معاشر العرب يومئذ على شر دين، وفى شر دار، منيخون على حجارة خشن وحيات صم، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الخبيث، تسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم، وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل. سبلكم خائفة، والأصنام فيكم منصوبة، ولا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. فمن الله عز وجل عليكم بمحمد، فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم، فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنن، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن توفوا بالعهد، ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، وأن تعاطفوا وتباروا، وتراحموا. ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف، وعن شرب الخمر وبخس المكيال، ونقص الميزان. وتقدم إليكم فيما يتلى عليكم ألا تزنوا ولا تربوا، ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، وكل خير يدنى إلى الجنة، ويباعد عن النار أمركم به، وكل شر يدنى إلى النار ويباعد عن الجنة نهاكم عنه فلما استكمل مدته، وفاه الله إليه سعيدا حميدا، فيالها مصيبة خصت الأقربين، وعمت المسلمين! ما أصيبوا قبلها بمثلها، ولن يعاينوا بعدها أختها. فلما مضى لسبيله صلى الله عليه وسلم، تنازع المسلمون الامر بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الامر بعد محمد عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عنى من بعده. فما راعني إلا انثيال الناس على أبى بكر، وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي، ورأيت أنى أحق بمقام محمد صلى الله عليه في الناس ممن تولى الامر من بعده، فلبثت بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الاسلام، يدعون إلى محق دين الله وملة محمد صلى الله عليه، فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما يكون المصاب بهما علي أعظم من فوات ولاية أموركم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب، وكما يتقشع السحاب، فمشيت عند ذلك إلى أبى بكر فبايعته، ونهضت في تلك الاحداث، حتى زاغ الباطل وزهق، وكانت كلمة الله هي العليا، ولو كره الكافرون. فتولى أبو بكر تلك الأمور، فيسر وسدد، وقارب واقتصد، وصحبته مناصحا، وأطعته فيما أطاع الله فيه جاهدا، وما طمعت - أن لو حدث به حادث وأنا حي أن يرد إلىي الامر الذي نازعته فيه - طمع مستيقن، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه،

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٦: ٨٩.

٣٥٧

ولولا خاصة ما كان بينه وبين عمر، لظننت أنه لا يدفعها عنى، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه فسمعنا وأطعنا وناصحنا أجفل الناس وانجفوا، أي ذهبوا مسرعين. (وتولى عمر الامر، فكان مرضى السيرة، ميمون النقيبة، حتى إذا احتضر، فقلت في نفسي: لن يعدلها عنى، ليس يدافعها عنى ، فجعلني سادس ستة، فما كانوا لولاية أحد منهم أشد كراهة لولايتي عليهم، كانوا يسمعون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاج أبى بكر، وأقول: يا معشر قريش، إنا أهل البيت أحق بهذا الامر منكم ما كان فينا من يقرأ القرآن، ويعرف السنة، ويدين بدين الحق. فخشي القوم إن أنا وليت عليهم ألا يكون لهم من الامر نصيب ما بقوا، فأجمعوا إجماعا واحدا، فصرفوا الولاية إلى عثمان، واخرجوني منها رجاء أن ينالوها، ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا بها من قبلي، ثم قالوا: هلم فبايع وإلا جاهدناك، فبايعت مستكرها، وصبرت محتسبا فقال قائلهم: يا بن أبي طالب، إنك على هذا الامر لحريص، فقلت: أنتم أحرص منى وأبعد، أينا أحرص، أنا الذي طلبت ميراثي وحقي الذي جعلني الله ورسوله أولى به، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه، وتحولون بيني وبينه! فبهتوا والله لا يهدى القوم الظالمين. اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قطعوا رحمي، وأضاعوا إياي، وصغروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم، فسلبونيه ثم قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه، وفى الحق أن تمنعه، فاصبر كمدا أو مت. سفا حنقا. فنظرت فإذا ليس معي رافد ولا ذاب ولا ناصر ولا ساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، وأغضيت على القذى وتجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم للقلب من حز الشفار، حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني لتبايعوني فأبيت عليكم، وأمسكت يدي فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، وازدحمتم علي حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعضكم، أو أنكم قاتلي، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك، ولا نرضى إلا بك بايعنا ليس بدافعي عنها. (لا نفترق ولا تختلف كلمتنا. فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طوعا قبلت، ومن أبى لم أكرهه وتركته. فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما، كما لم أكره غيرهما، فما لبثا إلا يسيرا حتى بلغني أنهما خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة، في جيش ما منهم رجل إلا قد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصري الذين كلهم على بيعتي وفى طاعتي، فشتتوا كلمتهم، وأفسدوا جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا، وطائفة صبرا. ومنهم طائفة غضبوا لله ولى، فشهروا سيوفهم وضربوا، بها حتى لقوا الله عز وجل صادقين، فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم، وقد أدال الله منهم فبعدا للقوم الظالمين! ثم إني نظرت في أمر أهل

٣٥٨

الشام، فإذا أعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغاة، يجتمعون من كل أوب، من كان ينبغي أن يؤدب وأن يولى عليه، ويؤخذ على يده، ليسوا من الأنصار ولا المهاجرين ولا التابعين بإحسان. فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة، فأبوا إلا شقاقا وفراقا، ونهضوا في وجوه المسلمين ينضحونهم بالنبل، ويشجرونهم بالرماح، فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم، فلما عضهم السلاح. ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فأنبأتكم أنهم ليسوا بأهل دين ولا قرآن، وأنهم رفعوها مكيدة وخديعة ووهنا وضعفا، فامضوا على حقكم وقتالكم، فأبيتم علي وقلتم: اقبل منهم، فإن أجابوا إلى ما في الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم. فقبلت منهم، وكففت عنهم، إذ ونيتم وأبيتم، فكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين، يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما، وتفرق حكمهما، ونبذا ما في القرآن، وخالفا ما في الكتاب، فجنبهما الله السداد، ودلاهما في الضلالة، فانحرفت فرقة منا فتركناهم ما تركونا، حتى إذا عثوا في الأرض يقتلون ويفسدون، أتيناهم فقلنا: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا، ثم كتاب الله بيننا وبينكم. قالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحل دماءهم. وشدت علينا خيلهم ورجالهم، فصرعهم الله مصارع الظالمين. فلما كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم، فقلتم: كلت سيوفنا ونفدت نبالنا، ونصلت أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدتنا، فإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا، فإن ذلك أقوى لنا على عدونا. فأقبلت بكم، حتى إذا أطللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة، وإن تلزموا معسكركم، وأن تضموا قواصيكم، وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم، ولا تكثروا زيارة أبنائكم، ونسائكم، فإن أهل الحرب المصابرون، وأهل التشمير فيها الذين لا ينقادون من سهر ليلهم ولا ظمأ نهارهم، ولا خمص بطونهم، ولا نصب أبدانهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية، فلا من بقي منكم صبر وثبت، ولا من دخل المصر عاد ورجع، فنظرت إلى معسكري، وليس فيه خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم، دخلت إليكم فلم أقدر على أن تخرجوا معي إلى يومنا هذا، فما تنتظرون! أما ترون أطرافكم قد انتقصت، وإلى مصر قد فتحت، وإلى شيعتي بها قد قتلت، وإلى مسالحكم تعرى، وإلى بلادكم تغزى! وأنتم ذوو عدد كثير، وشوكة وبأس شديد، فما بالكم! لله أنتم من أين تؤتون! وما لكم تؤفكون! وأنى تسحرون! ولو أنكم عزمتم وأجمعتم لم تراموا، إلا أن القوم تراجعوا وتناشبوا وتناصحوا، وأنتم قد ونيتم وتغاششتم افترقتم، ما إن أنتم إن ألممتم عندي على هذا بسعداء فانتهوا بأجمعكم وأجمعوا على حقكم، وتجردوا لحرب عدوكم، وقد أبدت الرغوة عن الصريح، وبين الصبح لذي عينين، إنما تقاتلون الطلقاء، وأبناء الطلقاء وأولى الجفاء، ومن أسلم كرها، وكان لرسول الله صلى الله عليه أنف الاسلام كله

٣٥٩

حربا، أعداء الله والسنة والقرآن، وأهل البدع والاحداث، ومن كان بوائقه تتقى، وكان عن الاسلام منحرفا، أكلة الرشا، وعبدة الدنيا، لقد أنهى إلى أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه، وشرط له أن يؤتيه ما هي أعظم مما في يده من سلطانه. ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشترى نصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإن فيهم من قد شرب فيكم الخمر وجلد الحد، يعرف بالفساد في الدين، والفعل السيئ، وإن فيهم من لم يسلم حتى رضخ له رضيخة. فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساوئه من قادتهم مثل من ذكرت منهم، بل هو شر، ويود هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم فأظهروا فيكم الكفر والفساد والفجور والتسلط بجبرية، واتبعوا الهوى وحكموا بغير الحق. ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم وأهدى سبيلا، فيكم العلماء والفقهاء، والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب والمتهجدون بالأسحار، وعمار المساجد بتلاوة القرآن. أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم، والأشرار الأراذل منكم فاسمعوا قولي، وأطيعوا أمري، فوالله لئن أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون، خذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها، فقد شبت نارها، وعلا سنانها وتجرد لكم فيها الفاسقون، كي يعذبوا عباد الله، ويطفئوا نور الله. ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والمكر والجفاء بأولى في الجد في غيهم وضلالتهم، من أهل البر والزهادة والإخبات في حقهم وطاعة ربهم، إني والله لو لقيتهم فردا وهم ملا الأرض، ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه، لعلى ثقة وبينة، ويقين وبصيرة، وإني إلى لقاء ربى لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني، وحزنا يخامرني، أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولا وعباده خولا، والفاسقين حزبا. وأيم الله لولا ذلك لما أكثرت تأنيبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتى ألقاهم بنفسي، متى حم لي لقاؤهم. فوالله إني لعلى الحق، وإني للشهادة لمحب، فانفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف، وتبوأوا بالذل، ويكن نصيبكم الخسران))(١) .

الرأي الخامس: الرأي الواقعي المعتدل

وهو الرأي الواقعي المنسجم مع مفاهيم القران الكريم والسنة الشريفة ومنسجم مع الحقائق التاريخية التي تتطرق الى سيرة الصحابة الفردية والاجتماعية والسياسية، وقد تم مناقشة الايات والروايات المتعلقة بعدالة الصحابة في الفصول الاولى.

حيث يرى أصحاب هذا الرأي أنّ حال الصحابة كحال غيرهم من حيث العدالة، ففيهم العادل والفاسق، فليس كل من صحب رسول الله صلى الله عليه واله كان عادلاً، وليس للصحبة دور في عدالة الصحابي ما لم يجسّد سيرة رسول الله صلى الله عليه واله في

________________

( ١ ) شرح نهج البلاغة ٦ : ٩٤ – ٩٩

٣٦٠