سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة0%

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة مؤلف:
تصنيف: مكتبة العقائد
الصفحات: 375

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 375
المشاهدات: 11007
تحميل: 1466

توضيحات:

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 375 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 11007 / تحميل: 1466
الحجم الحجم الحجم
سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

سيرة الصحابة في موازین القرآن و السنة

مؤلف:
العربية

الآيةالرابعة:قال الله تعالى:((يا أيُّها النَّبيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ))(١)

ورد في التفسير :((نقل بعض المفسّرين أنّ هذه الآية الكريمة نزلت عندما قال جماعة من يهود بني قريظة وبني النضير لما قالوا للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : نحن نسلم ونتبعك، يعني إنّنا مستعدون لا تباعك ونصرتك، فنزلت هذه الآية محذرةً النّبي لئلا يعتمد على هؤلاء، بل المعول عليه هو الله والمؤمنون

وقد أورد الحافظ أبو نعيم - وهو من أكابر علماء السنة - في كتابه فضائل الصحابة، بسنده، أنّ هذه الآية نزلت في حق علي أميرالمؤمنين، فالمقصود بالمؤمنين هو علي (عليه السلام)

وقد قلنا مراراً: إنّ مثل هذه التفاسير وأسباب النّزول لا تجعل الآيات محدودة ومنحصرةً، بل المقصود فيها هو أنّ شخصاً كعلي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كان في أوّل صفوف المؤمنين هو السند الأوّل للنبي بعد الله من بين المسلمين، مع أنّ بقية المؤمنين هم أنصار النّبي صلى الله عليه واله وأعوانه))( ٢ ) .

في هذه الآية تطييب لخاطر النبي صلى الله عليه واله بأنّ الله حسبه أي كافيه وناصره ومؤيده على عدوه ، واختلف في بيان المقصود من ذيل الآية ، فقال مجاهد : (حسبك الله والمؤمنون)( ٣ ) ، فجعل المؤمنين معطوفين على الله تعالى ، فالله تعالى والمؤمنون هم الذين ينصرون النبي صلى الله عليه واله ويؤيدوه

وذهب ابن كثير إلى جعل المؤمنين معطوفين على النبي صلى الله عليه واله وأنّ الله تعالى ناصرهم ومؤيدهم فقال : (يخبرهم أنّه حسبهم ، أي كافيهم وناصرهم ومؤيدهم على عدوهم)( ٤ )

وذكر العلاّمة الطباطبائي كلا الرأيين ورجَّحَ الرأي الأول( ٥ )

وهنالك قرينة تدل على ترجيح الرأي الأول ، وهي قوله تعالى:((... فإنَّ حَسْبَكَ اللهُ هو الذي أيَّدَكَ بنصرِهِ وبالمؤمنين ))( ٦ ) .

والآية تسمّي من كان مع النبي صلى الله عليه واله بالمؤمنين سواء كان الله تعالى ناصره وناصرهم ، أو كان الله والمؤمنون ناصرين له صلى الله عليه واله ، ولا دلالة على أكثر من ذلك.

________________

(١) سورة الانفال ٨ : ٦٤

( ٢ ) الامثل في كتاب الله المنزل تفسير سورة الانفال

( ٣ ) الدر المنثور ٤ : ١٠١

( ٤ ) تفسير القرآن العظيم ٢ : ٣٣٧

( ٥ ) الميزان في تفسير القرآن ٩ : ١٢١

( ٦ ) سورة الأنفال ٨ : ٦٢

٤١

وقد ذهب الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني إلى أنّ الآية تدل على ثبوت عدالة الصحابة أجمعين وطهارتهم(١) . وجعلوا الآية شاملة لجميع الصحابة حتى الذين لم يشتركوا في أي غزوة من الغزوات ، وهذا التعميم بحاجة إلى دليل ، ولا يكفي أن نقول : إنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص المورد ، فالآية قد نزلت في مورد خاص وفي معركة بدر بالخصوص ، فكيف نعمّمها على جميع الصحابة حتى الذين كانوا يقاتلون في صف المشركين ثم أسلموا فيما بعد؟

وتسالم المفسرون على نزول الآية في مورد خاص وهو غزوة بدر ، وفي جماعة خاصة من الصحابة ، وهم الصحابة الأوائل الذين اشتركوا في الغزوة ولم يتخلّفوا ، لا في مطلق الصحابة

فقيل : أنّها نزلت في الأنصار( ٢ )

وقيل : أنّها نزلت في الأربعين الذين أسلموا في بداية البعثة( ٣ )

وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام : ‎ (( أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب))( ٤ ) .

والجامع المشترك لهذه الآراء أنّها نزلت في الصحابة الذين شاركوا رسول الله صلى الله عليه واله في القتال

وبهذا يتضح عدم صحة ما ذهب إليه الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني من شمولها لجميع الصحابة فرداً فرداً ، فالمتسالم عليه أنّ عدد الصحابة الذين اشتركوا في غزوة بدر كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر ، أمّا بقية الصحابة الذين أسلموا فيما بعد وخصوصاً بعد فتح مكة ، فقد كان بعضهم من امثال ابي سفيان وابنه معاوية وعتبة وعمروبن العاص وخالد بن الوليد في صفوف المشركين الذين قاتلوا رسول الله

________________

(١) الكفاية في علم الرواية : ٤٦ والإصابة في تمييز الصحابة ١ : ٦

( ٢ ) التفسير الكبير ١٥ : ١٩١ والدر المنثور ٤ : ١٠١

( ٣ ) أسباب النزول ، للسيوطي : ١٨٣ والدر المنثور ٤ : ١٠١

( ٤ ) شواهد التنزيل ، للحسكاني ١ : ٢٣٠

٤٢

صلى الله عليه واله، فكيف تشملهم الآية التي نزلت لتطييب خاطر رسول الله صلى الله عليه واله وإبلاغه بأنّ الله تعالى كافيه وناصره على أعدائه الذين جمعوا له للقضاء عليه وعلى رسالته ، وجميعهم من الصحابة الذين أسلموا فيما بعد!

واذا تتبعنا احداث غزوة بدر من خلال كتب التاريخ لانجد دورا لكثير من الصحابة لافي القتال ولا في اسر المشركين فلم نسمع او نقرأ لهم دورا وموقفا في النصرة فهل يكونوا مصداقا لهذه الاية الكريمة كما هو غيرهم.

قال الواقدی: و دنا الناس بعضهم من بعض فخرج عتبة و شیبة و الولید حتى فصلوا من الصف ثم دعوا إلى المبارزة فخرج إلیهم فتیان ثلاثة من الأنصار و هم بنو عفراء معاذ و معوذ و عوف بنو الحارث

ثم نادى منادی المشرکین یا محمد أخرج إلینا الأکفاء من قومنا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه واله یا بنی هاشم قوموا فقاتلوا بحقکم الذی بعث الله به نبیکم إذ جاءوا بباطلهم لیطفئوا نور الله فقام حمزة بن عبد المطلب و علی بن أبی طالب و عبیدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فمشوا ثم قال عتبة لابنه قم یا ولید فقام الولید و قام إلیه علی و کانا أصغر النفر فاختلفا ضربتین فقتله علی بن أبی طالب ثم قام عتبة و قام إلیه حمزة فاختلفا ضربتین فقتله حمزة رضی الله عنه ثم قام شیبة و قام إلیه عبیدة و هو یومئذ أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله فضرب شیبة رجل عبیدة بذباب السیف فأصاب عضلة ساقه فقطعها و کر حمزة و علی على شیبة فقتلاه و قد روی أن عتبة بن ربیعة حین دعا إلى البراز قام إلیه ابنه أبو حذیفة بن عتبة یبارزه فقال له النبی صلى الله عليه واله اجلس فلما قام إلیه النفر أعان أبو حذیفة على أبیه عتبة بضربة قال الواقدی و کان عقبة بن أبی معیط قال بمکة حین هاجر رسول الله صلى الله عليه واله إلى المدینة

یا راکب الناقة القصواء هاجرنا عما قلیل ترانی راکب الفرس أعل رمحی فیکم ثم أنهله و السیف یأخذ منکم کل ملتبس

فبلغ قوله النبی فقال اللهم أکبه لمنخره و اصرعه فجمح به فرسه یوم بدر بعد أن ولى الناس فأخذه عبد الله بن سلمة العجلانی أسیرا وبصر بلال بامية بن خلف و هو یعجن عجینا له فترك العجین و جعل یفتل یدیه منه فتلا ذریعا و هو ینادی یا معشر الأنصار أمیة بن خلف رأس الکفر لا نجوت إن نجوت قال لأنه کان یعذبه بمکة فأقبلت الأنصار کأنهم عوذ حنت إلى أولادها حتى طرحوا أمیة على ظهره و اضطجعت علیه أحمیه منهم فأقبل الخباب بن المنذر فأدخل سیفه فاقتطع أرنبة أنفه و کان الزبیر بن العوام یحدث فیقول لما کان یومئذ لقیت عبیدة بن سعد بن العاص أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومی کان عند النبی ص تلک الساعة فوجد فی نفسه و أقبل على ابن مسعود و قال أنت قتلته قال نعم

و أقبل العاص بن سعید بن العاص یبحث للقتال فالتقى هو و علی و قتله علی

وروي: أن عثمان بن عفان و سعید بن العاص حضرا عند عمر فی أیام خلافته فجلس سعید بن العاص حجرة فنظر إلیه عمر فقال ما لی أراک معرضا کأنی قتلت أباک إنی لم أقتله و لکنه قتله أبو حسن

و کان علی حاضرا فقال اللهم غفرا ذهب الشرك بما فیه و محا الإسلام ما قبله فلما ذا تهاج القلوب فسکت عمر و قال سعید لقد قتله کف‏ء کریم و هو أحب إلی من أن یقتله من لیس من بنی عبد مناف

واذا تابعنا اسماء قتلى المشركين وقاتليهم لم نجد اي اسم لكبار الصحابة وللكثير من الصحابة

عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، جرحه عبيدة بن الحارث وذفف عليه علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبدالمطلب.

شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، قتله حمزة بن عبدالمطلب.

٤٣

الوليد بن عتبة، قتله علي بن أبي طالب

حنظلة بن أبي سفيان بن حرب، قتله زيد بن حارثة

الحارث بن الحضرمي قتله النعمان بن عصر.

عامر الحضرمي قتله عمار بن ياسر

عمير بن أبي عمير، قتله سالم مولى أبي حذيفة.

عبيدة بن سعيد بن العاص، قتله الزبير بن العوام.

العاص بن سعيد بن العاص، قتله علي بن أبي طالب.

عقبة بن أبي معيط، قتله عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، قتله صبراً في مكان يقال له عرق الظبية، وذلك أثناء عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة.

عامر بن عبدالله النمر قتله علي بن أبي طالب.

الحارث بن عامر بن نوفل، قتله خبيب بن إساف.

طعيمة بن عدي بن نوفل، قتله علي بن أبي طالب، ويقال قتله حمزة بن عبدالمطلب.

زمعة بن الأسود بن المطلب، قتله ثابت بن الجذع، ويقال اشترك في قتله علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبدالمطلب.

أبو البختري بن هشام - واسمه العاص بن هشام بن الحارث قتله المجذر بن ذياد البلوي: أبو البختري

الحارث بن زمعة، قتله عمار بن ياسر.

نوفل بن خويلد بن أسد، قتله علي بن أبي طالب.

عقيل بن الأسود بن المطلب، قتله حمزة.

النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة، أسره علي بن أبي طالب.

زيد بن مليص، قتله بلال بن رباح

قتله المقداد نبيه بن زيد بن مليص.

عمير بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، قتله علي بن أبي طالب.

عثمان بن مالك بن عبيدالله، قتله صهيب بن سنان

٤٤

عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، أقعده بضربة بالسيف معاذ بن عمرو بن الجموح فقطع رجله، ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته، ثم ذفف عليه عبد الله بن مسعود، حين احتز رأسه.

يزيد بن عبدالله -حليف لهم- من بني تميم، قتله عمار بن ياسر.

أبو مسافع الأشعري -حليف لهم- قتله أبو دجانة الساعي.

حرملة بن عمرو وهو من الأسد قتله خارجة بن زيد، ويقال علي بن أبي طالب.

مسعود بن أبي أمية بن المغيرة، قتله علي بن أبي طالب.

أبو قيس بن الوليد بن المغيرة -أخو خالد بن الوليد- قتله حمزة بن عبدالمطلب، ويقال علي بن أبي طالب.

أبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، قتله علي بن أبي طالب، ويقال عمار بن ياسر.

رفاعة بن أبي رفاعة عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم قتله سعد بن الربيع.

المنذر بن أبي رفاعة بن عائذ، قتله معن بن عدي بن الجد بن العجلان.

الأسود بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر ن مخزوم، قتله حمزة بن عبدالمطلب.

حاجب بن السائب بن عويمر بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، قتله علي بن أبي طالب،:

عويمر بن السائب بن عويمر، قتله النعمان بن مالك القوقلي

عمرو بن سفيان من طي، قتله يزيد بن رقيش.

جابر بن سفيان قتله أبو بردة بن نيار.

عبدالله بن المنذر بن أبي رفاعة، قتله علي بن أبي طالب.

حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة، قتله سعد بن أبي وقاص.

هشام بن أبي حذيفة بن المغيرة، قتله صهيب بن أبي سنان.

زهير بن أبي رفاعة، قتله أبو أسيد، مالك بن ربيعة.

السائب بن أبي رفاعة، قتله عبدالرحمن بن عوف.

عائذ بن السائب بن عويمر، جرحه في المعركة حمزة بن عبدالمطلب، ثم أسر فافتدى ثم مات متأثراً بجراحه.

منبه بن الحجاج بن عامر بن حذيفة بن سعد بن سهم، قتله أبواليسر أخو بني سلمة.

ابنه العاص بن منبه بن الحجاج، قتله علي بن أبي طالب.

٤٥

أخوه نبيه بن الحجاج، قتله حمزة بن عبدالمطلب، وعد بن أبي وقاص اشتركا في قتله.

أبو العاص بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم، قتله علي بن أبي طالب، ويقال النعمان بن مالك القوقلي، ويقال أبو دجانة.

عاصم بن أبي عوف ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم، قتله أبو اليسر، أخو بني سلمة.

الحارث بن منبه بن الحجاج، قتله صهيب بن سنان.

عامر بن عوف بن ضبيرة، أخو عاصم بن ضبيرة، قتله عبدالله ابن سلمة العجلاني، ويقال أبو دجانة.

معاوية بن عامر قتله علي بن أبي طالب.

معبد بن وهب - حليف لهم من بني كلب بن عوف- قتله خالد وإياس ابنا البكير، ويقال أبو دجانة.

أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح، قتله رجل من الأنصار من بني مازن، ويقال اشترك في قتله معاذ بن عفراء وخبيب بن إيساف وخارجة بن زيد.

ابنه علي بن أمية بن خلف، قتله عمار بن ياسر

أوس بن معير بن لوذان بن سعد بن جمح، قتله علي بن أبي طالب، ويقال قتله الحصين بن الحارث، وعثمان بن مظعون(١) .

ومع نزول الآية في الصحابة الأوائل ، إلاّ أنّها مشروطة بحسن العاقبة وهذا كلّه بحسب الأقوال والآراء في معنى الآية ونزولها

أمّا بالنظر إلى ما قدّمناه فإنّ الآية المباركة تقول للنبي صلى الله عليه واله : ( حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤمِنينَ ) وهل يعمّ هذا اللسان غير ((الذين آمنوا)) من ((الذين في قلوبهم مرض)) ومن ((المنافقين)) ؟!

ولم يتحقق الاتّباع في كثير من المواقف والاحداث التي جاءت بعد نزول الاية الكريم.

أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أواخر أيام حياته أن يأتوه بدواة ليكتب للمسلمين كتاباً لا يضلّون بعده أبداً، فقالوا: ((إن رسول الله يهجر))( ٢ ) .

وقد اعترف عمر بن الخطاب بذلك في حواره مع عبد الله بن عباس فقال: ((... ولقد أراد في مرضه أن يصرِّح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقاً وحَيْطةً على الإسلام، لا وربّ هذه البنيّة لا تجتمع عليه قريش أبداً!))(١) .

________________

(١) المغازي للواقدي، السيرة النبوية لأبن هشام.

( ٢ ) صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٩; تاريخ الطبري ٣ : ١٩٣; تاريخ إبن الوردي ١ : ١٢٩.

٤٦

وقد ذكر المؤرخون ذلك ولكنّهم حينما ذكروا قول عمر غيّروا عبارة الهجر، ونصّوا على إنّ عمر قال: ((إنّ رسول الله قد غلبه الوجع حسبنا كتاب الله))( ٢ ) .

لذا سمّاها ابن عباس: رزية يوم الخميس( ٣ ) .

الآية الخامسة:قال تعالى:((لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ المُؤمِنينَ إذ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فأنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وأثابَهُمْ فتحاً قرِيباً))( ٤ )

أراد رسول الله صلى الله عليه واله أن يبيّن لمشركي قريش وخصوصاً عموم الناس من انه لا يريد حربا بل يريد الصلح والسلام، وإنه يريد الحج، مما جعل قريشاً في موقف حرج لا تستطيع بعده ان تبقى في دائرة التشويه والاتهام، وإذا حدث الصلح والسلام حصل على فرصة ثمينة للتبليغ والدعوة بحرية وبدون قتال ليطلع المشركون وخصوصاً المستضعفون على مفاهيم وقيم وموازين الرسالة الإسلامية، وهي تحمل بذاتها عناصر القوة التي تجد لها قبولاً عند عموم المشركين الذين يرومون العدل والحرية.

دعا النبي صلى الله عليه واله عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة، فيبلّغ عنه أشراف قريش ما جاء له.

فقال: يا رسول الله إنّي أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكّة من بني عديّ بن كعب احد يمنعني، ولكنّي أدلك على رجل هو اعز بها مني، عثمان بن عفان.

فدعا رسول الله صلى الله عليه واله عثمان فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب؛ وإنّما جاء زائراً لهذا

________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٢ : ٢١.

( ٢ ) صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٩; صحيح البخاري ١ : ٣٩; الملل والنحل ١ : ٢٩.

( ٣ ) تاريخ الطبري ٣ : ١٩٣; الكامل في التاريخ ٢ : ٣٢.

( ٤ ) سورة الفتح ٤٨ : ١٨

٤٧

البيت معظماً لحرمته(١) .

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه واله عثمان بن عفان إلى أشراف قريش ليخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه واله لم يأت للحرب، إنما جاء زائراً لهذا البيت ومعظماً له.

وحينما وصل عثمان احتبسته قريش عندها، فبلغ رسول الله والمسلمين أنه قد قتل ـ ورسول الله صلى الله عليه واله وإن كان يعلم الغيب إلا انه يتعامل مع الظواهر ـ ولذا قال:((لا نبرح حتى نناجز القوم)) فدعا إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان، فكان الناس يقولون: بايعهم رسول الله صلى الله عليه واله على الموت.

وكان جابر الأنصاري يقول: أن رسول الله صلى الله عليه واله لم يبايعنا على الموت، ولكن بايعنا على ان لا نفرّ( ٢ ) .

فقد بايعهم رسول الله صلى الله عليه واله على واجب شرعي سواء كان على الموت أو الشهادة أو عدم الفرار، فهم مطالبون شرعاً بذلك، ولكنّ بيعتهم تفيد التوكيد على أداء الواجب؛ ليشعروا بمشاركتهم في المسؤولية، وهي بيعة لا ضغط فيها ولا إكراه، وهي تحقق مسألتين: أداء الواجب، والالتزام بالعهد المعطى، حيث إن للعهد دوراً في التفاعل مع أداء المسؤولية، والبيعة في الأساس اختيارية، ولكن إذا دعا لها المعصوم تصبح واجبة فمن تخلف بعد البيعة يكون قد ارتكب معصيتين: الأولى عصيان الأمر، والثانية عدم الوفاء بالعهد وفي بيعة المسلمين نزلت الآية الكريمة

أثنى الله تعالى على الصحابة ((المؤمنين)) الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه واله تحت الشجرة ، وهي بيعة الرضوان ، ومصداق الثناء هو رضوان الله عنهم وإنزال السكينة على قلوبهم

وعلى الرغم من نزول الآية في بيعة الرضوان عام الحديبية واختصاصها بالمبايعين فقط، وعددهم ـ حسب المشهور من الروايات ـ كان ألفاً وأربعمائة(١) وهي بقرينة الآيات الاُخرى مخصّصة بالذين آمنوا ولم يكن في قلوبهم مرض، واستقاموا على الإيمان ولم ينحرفوا عن

________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٦، محمد بن جرير الطبري،

( ٢ ) السيرة النبوية ٣ : ٣٣٠ ، عبد الملك بن هشام

٤٨

لوازم البيعة، إلاّ أنّ الخطيب البغدادي أدرج جميع الصحابة حتى الذين أسلموا بعد البيعة او بعد فتح مكة في هذه الآية، وتابعه ابن حجر العسقلاني مستشهداً برأيه( ٢ ) ، ولهذا ادّعوا عدالة جميع الصحابة كما هو المشهور في تعريفهم للصحابي

وهذا الادّعاء غير صحيح من عدة وجوه:

الأول:رضوان الله وسكينته مختصة بالمبايعين الموصوفين بما ذكرناه فقط ، أمّا غيرهم فخارج عن ذلك ، ولأنّ سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان من قبل المشركين بعد أن أرسله صلى الله عليه واله مبعوثاً عنه إلى قريش ، فدعا رسول الله صلى الله عليه واله إلى البيعة على قتال المشركين( ٣ ) ، وهؤلاء المشركون هم الذين أسلموا فيما بعد وأصبحوا من الصحابة ومنهم :أبوسفيان ومعاوية وعمرو بن العاصوالحكم وابنه مروان والاف المشركين ، فكيف يشملهم رضوان الله وسكينته ، وهم السبب الأساسي في الدعوة إلى البيعة ، فكيف يُعقل أن يكون رضوان الله شاملاً للمبايعين وللمراد قتالهم في آن واحد ؟!

الثاني: إنّ الأجر المترتب على البيعة موقوف على الوفاء بالعهد ، كما جاء في الآية الكريمة : (إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوقَ أيدِيهِمْ فمن نَكَثَ فإنَّما يَنكُثُ على نفسِهِ وَمَنْ أوفى بما عاهَدَ عَلَيه اللهَ فسيؤتيهِ أجراً عظيماً)( ٤ ) ، فرضوان الله وسكينته مشروطة بالوفاء بالعهد وعدم نكثه( ٥ )

ولم تمضِ على البيعة إلاّ أيام معدودة حتى عقد رسول الله صلى الله عليه واله معاهدة الصلح في الحديبية.

بعثت قريش سهيل بن عمرو، وقالوا له: أئت محمداً فصالحة، ولا يكن في صلحه إلاّ أن يرجع عنّا عامه هذا، فوالله لا تحدث

________________

(١) السيرة النبوية ، لابن هشام ٣ : ٣٢٢ والسيرة النبوية ، لابن كثير ٣ : ٣٢٤

( ٢ ) الكفاية في علم الرواية : ٤٦ والإصابة ١ : ٦ ـ ٧

( ٣ ) السيرة النبوية ، لابن هشام ٣ : ٣٣٠

( ٤ ) سورة الفتح ٤٨ : ١٠

( ٥ ) الكشّاف ٣ : ٥٤٣ ومجمع البيان ٥ : ١١٣ وتفسير القرآن العظيم ٤ : ١٩٩

٤٩

العرب انه دخل علينا عنوة ابداً(١) .

وحينما تم الصلح قال رسول الله صلى الله عليه واله للإمام عليّ عليه السلام اكتب:((هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو؛ إصطلحا على: وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيهنّ الناس، ويكفّ بعضهم عن بعض، على أنّه من أتى رسول الله من قريش بغير إذن وليّه ردّه عليهم، ومن جاء قريشاً ممّن مع رسول الله لم تردّه عليه.

وانّ بيننا عيبة مكفوفة، وانه لا اسلال ولا أغلال.

وأنّه من أحبّ أن يدخل في عقد رسول الله وعهده دخل فيه، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه)).

ومن شروط قريش: ((وانّك ترجع عنّا عامك هذا، فلا تدخل علينا مكة، وأنه إذا كان عام قابل خرجنا عنك، فدخلتها بأصحابك؛ فأقمت بها ثلاثاً وأنّ معك سلاح الراكب؛ السيوف في القرب لا تدخلها بغير هذا ))( ٢ ) .

وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله لا يشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه واله، فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون( ٣ ) .

وأمرهم رسول الله صلى الله عليه واله أن يحلقوا وينحروا، فامتنعوا وداخل أكثرهم الشك( ٤ ) .

فدخل الشك والريب قلوب بعض الصحابة حتى خالفوا أوامر رسول الله صلى الله عليه واله ، فلم يستجيبوا له حينما أمرهم بالحلق والنحر إلاّ بعد التكرار وقيامه بنفسه بالحلق والنحر، وهذا يدّل على أنّ لحسن العاقبة دوراً كبيراً في الحكم على البعض بالعدالة وعدمها.

وقبل عقد معاهدة الصلح وثب عمر بن الخطاب فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر اليس برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى قال: فعلام نعطي الدنيّة في ديننا؟

ثم توجه إلى رسول الله صلى الله عليه واله قائلاً: السنا بالمسلمين؟ قال رسول الله صلى الله عليه واله: ((بلى<.

________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٨.

( ٢ ) تاريخ الطبري ٢ : ٤٦٩ ، ٤٧٠.

( ٣ ) الكامل في التاريخ ٢ : ٢٠٤.

( ٤ ) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٥، احمد بن محمد بن أبي يعقوب.

٥٠

قال عمر: فعلام نُعطي الدنية في ديننا؟

فقال رسول الله صلى الله عليه واله:((أنا عبد الله ورسوله ولن أخالف امره ولن يضيّعني)).

ولقي عمر من القضية أمراً كبيراً وجعل يردّ على رسول الله صلى الله عليه واله الكلام، ويقول: علام نعطي الدنية في ديننا.

قال ابن عباس: قال لي عمر في خلافته وذكر القصة:((أرتبت ارتياباً لم أرتبه منذ أسلمت إلاّ يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة من القضية لخرجت))(١) .

الثالث: رضوان الله تعالى إنّما خصص بالبيعة ، ولا دليل لشموله لجميع المراحل التي تعقب مرحلة البيعة، وكل ذلك مشروط بحسن العاقبة كما في رواية البراء بن عازب ، فحسن العاقبة هي المقياس والميزان في تقييم سيرة الصحابي، فقد ينال رضوان الله تعالى في موقف معين، ولكنه لا يناله في موقف آخر أو في جميع مسيرته، ولذا يجب على من يريد استمرار رضوان الله أن يضع نصب عينيه حسن العاقبة، وان يكون في تفكيره وعواطفه وسيرته متوجهاً إلى التكامل والتسامي لكي ينال رضوان الله تعالى، فلا يكتفي بماضيه المشرق أو يعجب به أو يفتخر به وحده، بل يجب الاستمرار على نهجه إلى نهاية العمر.

فمثلاً أنّ قاتل عمّار بن ياسر في صفين كان من المبايعين تحت الشجرة(٢) وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله في عمّار : ‎ قاتِلهُ وسالبه في النار(٣) ، وقال صلى الله عليه واله : ‎ ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، عمّار يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النّار(٤)

________________

(١) السيرة النبوية ، إسماعيل بن كثير٣ : ٣٢٠ المغازي ١ : ٦٠٧.

( ٢ ) الفصل في الأهواء والملل والنحل ٤ : ١٦١

( ٣ ) سير أعلام النبلاء ١ : ٤٢٠ ـ ٤٢٦ والطبقات الكبرى ٣ : ٢٦١ وأُسد الغابة ٤ : ٤٧ وكنز العمّال ١٣ : ٥٣١ : ٧٣٨٣ ومجمع الزوائد ٩ : ٢٩٧ وقال : رجاله رجال الصحيح

( ٤ ) صحيح البخاري ٤ : ٢٥ وبنحوه في العقد الفريد ٥ : ٩٠ والكامل في التاريخ ٣ : ٣١٠

٥١

الاية السادسة:قال تعالى:((للفُقَراءِ المُهاجرِينَ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِنْ ديارِهِم وأموالِهِم يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ ورِضواناً وينصُرُونَ اللهَ ورَسُولَهُ أولئكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ))(١)

ويلحق بها قوله تعالى:((والَّذِينَ تَبَوَّؤا الدارَ والإيمانَ مِن قَبلِهِم يُحبُّونَ مَنْ هاجرَ إليهِم ولا يَجدُونَ في صُدُورِهِم حَاجَةً ممَّا أوتُوا وَيُؤثِرونَ على أنفُسِهِم ولو كانَ بِهِم خَصاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ )(٢)

وقوله تعالى:((والَّذينَ جاؤُوا مِنْ بَعْدِهِم يقُولُونَ ربَّنا اغفِر لَنا ولإخواننا الَّذينَ سَبقُونا بالإيمانِ ولا تَجْعَل في قُلُوبِنا غِلاًّ للَّذِينَ آمَنْوا رَبَّنا إنَّكَ رؤوفٌ رَحِيمٌ ))(٣)

أثنى الله تعالى على الصحابة من المهاجرين والأنصار والذين آمنوا فيما بعد،وعبّر عنهم بالصدق والفلاح والظاهر من الثناء اختصاصه بالمجموع لا بالأفراد فرداً فرداً، لأنّ الثناء انصبَّ على خصائصهم المشرقة النبيلة المتمثلة بنصرهم لله ورسوله والإيثار على النفس، والدعاء للسابقين بالمغفرة ، ونزع الغل ـ أي العداوة ـ من قلوب الذين آمنوا بعد الهجرة ، فَمَن يتَّصف بهذه الصفات يستحق الثناء

وقد وردت تفاسير عديدة تؤكد أنّ المراد بالصادقين بعض المؤمنين وليس جميعهم(٤)

ولا ريب في أنّ المراد من هذا البعض هم المؤمنون الصادقون في إيمانهم والمخلصون لله سبحانه في جميع حالاتهم، فالآية لا تعم الذين في قلوبهم مرض، والذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم

بينما ذهب الخطيب البغدادي وابن حجر العسقلاني إلى أنّ الثناء يشمل جميع أفراد المؤمنين، أي الصحابة فرداً فرداً(١) ، فهم الصادقون والمفلحون

________________

(١) سورة الحشر ٥٩ : ٨

( ٢ ) سورة الحشر ٥٩ : ٩

( ٣ ) سورة الحشر ٥٩ : ١٠

( ٤ ) مختصر تاريخ دمشق ١٨ : ١٠ وشواهد التنزيل : ٣٥١ والدر المنثور ٤ : ٣١٦

٥٢

لكنَّ هذا الرأي كغيره من الاراء التي تنص على عدالة جميع الصحابة فردا فردا مخالف لبقية الاراء والتفاسير التي تؤكد على ان المدح والثناء مختص ببعض الصحابة دون بعض او مختص بالمجموع دون سرايته للافراد فردا فردا وهو لاينطبق على بعض الصحابة الذين لايحملون تلك الصفات الحميدة التي كانت سببا في مدحهم.

فإذا تتبّعنا سيرة بعض الصحابة نجدهم قد بدّلوا الدعاء بالغفران للسابقين إلى اللعن والشتم، والدعاء برفع الغلّ والعداوة إلى العداء الحقيقي الذي وصل إلى حدِّ استحلال قتل من تقدّمهم بالإيمان والهجرة، فكيف تشملهم الآية ؟ بل انهم لعنوا وشتموا وحاربوا أول الناس ايمانا وجهادا وهو الامام علي عليه السلام

وكان معاوية وولاته يسبونَّ الإمام عليّاً عليه السلام من على منابر المسلمين(٢) .

ووضع معاوية قوماً من الصحابة على رواية أخبار قبيحة في الإمام عليّ عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، ويجعل لهم هدايا من بيت المال مقابل ذلك(٣) .

وروَى أبو الحسن عليّ بن محمد بن أبي سيف المداينّي في كتاب الأحداث قال :((كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كُورة، وعلى كلِّ منبر، يلعنون علياً ويبرءون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته؛ وكان أشدَّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة؛ لكثرة مَنْ بها من شيعة عليّ عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سمَيّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف؛ لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام ؛ فقتلهم تحت كلّ حجَر ومَدَر، وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل وسَمَل العيون، وصَلَبهم على جُذوع النّخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق؛ فلم يبق بها معروف منهم وكتب معاويةُ إلى عُمّاله في جميع الآفاق : ألا يجيزوا لأحد من شيعة عليّ وأهل بيته شهادة وكتب إليهم: أن انظروا من

________________

(١) الكفاية في علم الرواية : ٤٦ والإصابة ١ : ٦ ـ ٧

( ٢ ) مسند أحمد ٧ : ٤٥٥ والمعجم الكبير ٢٣ : ٣٢٣ والعقد الفريد ٥ : ١١٥

( ٣ ) شرح ابن أبي الحديد ٤ : ٦٣

٥٣

قَبلكم من شِيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته؛ والذين يروون فضائله ومناقبه؛ فأدنوا مجالسهم وقرّبُوهم وأكرمُوهم، واكتُبوا لي بكلّ ما يروى كلّ رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته

ففعلوا ذلك، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثُه إليهم معاوية من الصّلات والكِساء والحِباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالى، فكثر ذلكَ في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجىء أحد مردود من النّاس عاملاً من عمال معاوية، فيروى في عثمان فضيلة أو منقبة إلاّ كتب اسمه وقربه وشفّعه فلبثوا بذلكَ حيناً

ثم كتب إلى عمّاله أنّ الحديث في عثمان قد كَثُر وفَشَا في كل مصر وفي كل وجه وناحية؛ فإذا جاءكم كتابي هذا فادعُوا الناس إلى الرواية في فضائل الصّحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحدٌ من المسلمين في أبي تراب إلاّ وتأتوني بمناقِض له في الصحابة؛ فإن هذا أحبّ إليَّ وأقرُّ لعيني، وأدحضُ لحجة أبي تراب وشيعته، وأشدُّ اليهم من مناقب عثمان وفضله

فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجدّ الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلكَ على المنابر، وألقِيَ إلى معلّمي الكتاتيب؛ فعلّموا صبيانَهم وغلمانَهم من ذلك الكثير الواسع حتى رَووه وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم، وحشمهم، فلبثوا بذلكَ ما شاء الله))(١) .

فأين الدعاء بالمغفرة، والدعاء برفع الغلّ والعداوة؟ وهل يصح الاجتهاد في سبّ المهاجرين الأوائل المنزّهة قلوبهم من أيّ مرض ؟!

وقد اعترف مروان بن الحكم بأنّ سبّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام لا مبرّر له إلاّ الحفاظ على كرسي الحكم بعد أن أثبت براءته من دم عثمان، حيثُ جاء في قوله للإمام علي بن الحسين‘: (ما كان أحد أكفّ عن صاحبنا من صاحبكم) فقال عليه السلام : ‎ فَلِمَ تشتمونه على المنابر ؟ قال مروان : (لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك)(٢)

فمن بدّل الدعاء بالغفران ورفع الغلّ بالشتم والقتال ، لا يكون مصداقاً للآيات المتقدّمة

________________

(١) شرح نهج البلغة ١١:٤٥ ، ٤٦

( ٢ ) شرح ابن أبي الحديد ١٣ : ٢٢٠ وبنحوه في أنساب الاشراف ٢ : ١٨٤

٥٤

وخلاصة ما تقدَّم أنّ الآيات النازلة بحق الصحابة والثناء عليهم، لم تكن شاملة لجميع الأفراد، فبعضها ناظر إلى المجموع بما هو مجموع دون السراية إلى الأفراد، وبعضها مختصّ بطائفة منهم وضمن مواصفات خاصّة، وبعضها مشروط بشروط معينة، وبعضها مشروط بحسن العاقبة

الايةالسابعة: : قال الله تعالى :((مُحَمّدٌ رسُولُ اللهِ والَّذينَ معَهُ أشدّاءُ على الكفّار رُحماءُ بَينَهُم تراهُم رُكَّعاً سُجَّداً يبتغُونَ فضلاً من اللهِ ورضواناً... وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحاتِ مِنهُم مَغفِرةً وأجراً عظيماً)))(١)

وصف الله تعالى رسوله صلى الله عليه واله وأصحابه الذين بايعوه تحت الشجرة في بيعة الرضوان بأنّهم أشداء على الكفار رحماء بينهم ، عرفوا بالركوع والسجود وابتغاء الفضل والرضوان من الله ، ووعد تعالى المؤمنين منهم والذين عملوا الصالحات مغفرة وأجراً عظيماً

وقد أُختلف في الصحابة الذين نزلت فيهم الآية وهم من بايع تحت الشجرة، وذهب ابن الصلاح وابن النجّار إلى أنّ الآية شاملة لكلِّ الصحابة(٢)

وذهب آخرون إلى أنّ الآية خاصة بالذين آمنوا وعملوا الصالحات من الصحابة ، وإلى هذا الرأي أشار العلاّمة الطباطبائي بالقول :((... ضمير منهم للذين معه ، و من للتبعيض على ما هو الظاهر المتبادر... ويفيد الكلام اشتراط المغفرة والأجر العظيم بالإيمان حدوثاً وبقاءً ، وعمل الصالحات ، فلو كان منهم من لم يؤمن أصلاً كالمنافقين الذين لم يعرفوا بالنفاق... أو آمن أولاً ثم أشرك وكفر... أو آمن ولم يعمل الصالحات ، لم يشمله وعد المغفرة والأجر العظيم

وقيل : إنَّ ((من)) في الآية بيانية لا تبعيضية ، فتفيد شمول الوعد لجميع الذين معه ، وهو مدفوع بأنّ ((من)) البيانية لا تدخل على الضمير مطلقاً))(٣) .

________________

(١) سورة الفتح ٤٨ : ٢٩

( ٢ ) مقدمة ابن الصلاح : ٤٢٧ وشرح الكوكب المنير : ٤٧٤

(٣) الميزان في تفسير القرآن ١٨ : ٣٠١ ـ ٣٠٢

٥٥

والآية الكريمة نزلت في أصحاب بيعة الرضوان ومن شهد الحديبية(١) ، وتعميمها على الصحابة جميعاً ـ حتى الذين أسلموا بعد صلح الحديبية ـ بحاجة إلى دليل

وأصحاب رسول الله صلى الله عليه واله الذين كانوا معه والرحماء بينهم والأشدّاء على الكفّار هم الذين شهدوا الحديبية ، أمّا غيرهم فكان باقياً على كفره ولم يسلم إلاّ بعد فتح مكة من امثال ابي سفيان ومعاوية وعمرو بن العاص ، فكيف يصح التعميم ؟!

وصفات الرحمة بينهم والشدة على الكفّار، هي التي أوجبت لهم المغفرة والأجر من الله تعالى واوجبت لهم العدالة، ومن لا يتصف بهذه الصفات فخارج موضوعاً عنهم، ولايصح وصفه بالعدالة.

والعدالة تشمل مجموع المبايعين وليس الافراد فردا فردا لان فيهم من في قلبه مرض وفيهم منافقون غير مكشوفين، وتشمل من حسنت عاقبته.

فمن بدّل الرحمة بالعدوان لاتشمله الاية ، فقد حارب طلحة والزبير ومروان الامام عليا عليه السلام.

وحارب معاوية الإمام عليّاً عليه السلام ، بعد أن أهدى إلى قيصر الروم ذهباً وفضة ليتفرغ إلى حرب الإمام عليّ عليه السلام(١) ، فكان مخالفاً لصفة الذين آمنوا وهي الرحمة بينهم والشدة على أعدائهم ، فقد وادع عدوّه ، وحارب وليّه وقتل في معركة صفيّن خيار الصحابة ومن المهاجرين الأوائل ، كعمّار بن ياسر وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين

وقتل معاوية الصحابي حُجر بن عديّ ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه واله بحقه وحق من قتل معه: (( ‎ يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السماوات))(٢) .

وإذا برّر البعض ما فعله معاوية بأنّه كان مجتهداً ـ كما سيأتي ـ فلا اجتهاد لبسر بن أرطأة حينما قتل طفلين لعبيدالله بن العبّاس بن عبدالمطلب(٣) وقتل الأطفال محرّم شرعاً، ولا تبرير له حتى وان كان اباؤهم كفاراً، فكيف إذا كانوا مسلمين، وكان أبوهم والياً للخليفة

________________

(١) تفسير الماوردي ٥ : ٣٠٩ وأسباب نزول القرآن ، للواحدي ٣٩٧ وأسباب النزول ، للسيوطي : ٣٤١

( ٢ ) الإمامة والسياسة ١ : ٩٨

(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٣١

٥٦

المنتخب من قبل أهل الحل والعقد في رأيهم، وهذه الأحداث تدل على انتزاع صفة الرحمة من بعض الصحابة ، فكيف يدخلون في عموم الآية ؟!

الاية الثامنة:قال تعالى : (( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تبيَّنَ لهُ الهدى ويتَّبِع غيرَ سبيلِ المؤمنين نولِّه ما تولّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءت مصيراً ))(٢)

استدل البعض على طهارة وعدالة جميع الصحابة فرداً فرداً بهذه الآية الكريمة ومنهم عبدالرحمن الرازي(٣)

ووجه الاستدلال : أنّ الله تعالى جمع بين مشاقة الرسول واتّباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد ، فيكون اتّباع سبيلهم واجباً ، ولا يصح الأمر باتّباع سبيل من يجوز عليهم الانحراف والريبة والفسق

ولا علاقة للآية بمسألة عدالة الصحابة أبداً كما لا يخفى ومع التنزل فإنّ الاستدلال بهذه الآية على عدالة جميع الصحابة فرداً فرداً لا يصح من عدة وجوه:

الأول : ذهب كثير من المفسرِّين والمتكلمين إلى أنَّ المقصود بسبيل المؤمنين هو مجموع الاُمّة ، ومنهم القصّار المالكي والسبكي(٤)

الثاني : المراد بسبيل المؤمنين هو الاجتماع على الإيمان وطاعة الله ورسوله، فإنَّ ذلك هو (الحافظ لوحدة سبيلهم)(٥)

________________

(١) تفسير الماوردي ٥ : ٣٠٩ وأسباب نزول القرآن ، للواحدي ٣٩٧ وأسباب النزول ، للسيوطي : ٣٤١

( ٢ ) سورة النساء ٤ : ١١٥

(٣) الجرح والتعديل ، لعبدالرحمن الرازي ١ : ٧

(٤) المقدمة في الاُصول ، للقصّار المالكي : ٤٥ والابهاج في شرح المنهاج ، للسبكي ٢ : ٣٥٣

(٥) الميزان في تفسير القرآن ٥ : ٨٢

٥٧

الثالث : أن يكون سبيل المؤمنين خالياً من الاثم والعدوان ، كما ورد في الآيات الكريمة ، ومنها : قوله تعالى : ((وتَعاونُوا على البرِّ والتَّقوى ولا تَعاونُوا على الإثمِ والعُدوانِ)(١) ، وقوله تعالى : (يا أيُّها الذين آمنُوا إذا تناجَيتُم فلا تَتَناجَوا بالإثمِ والعُدوانِ ومعصِيةِ الرَّسُولِ وتناجَوا بالبّرِ والتَّقوى))(٢)

فالله تعالى ينهى عن التعاون والمناجاة بالإثم والعدوان ، لإمكان وقوعه من قبل المسلمين

الرابع : اختلف الصحابة فيما بينهم حتى وصل الحال بهم إلى الاقتتال ، كما حدث في معركة الجمل وصفين ، فيجب على الرأي المتقدم اتّباع الجميع ، اتّباع علي بن أبي طالب عليه السلام والخارجين عليه ، وهذا محال ، واتّباع أحدهم دون الآخر يعني عدم اتّباع الجميع بل البعض منهم ، وهذا هو الوجه الصحيح ، وهو وجوب اتّباع من وافق الحق والشريعة وليس اتّباع كل سبيل

فالسبيل المقصود هو سبيل المؤمنين الموافق للحق وللأُسس الثابتة في الشريعة ، وليس هو سبيل كلّ فرد من أفراد المؤمنين

وقد أشار ابن قيم الجوزية إلى استحالة توزيع سبيل المؤمنين على الأفراد فقال : (إنّ لفظ الاُمّة ولفظ سبيل المؤمنين لا يمكن توزيعه على أفراد الاُمّة وأفراد المؤمنين)(٣)

الآية التاسعة : قال تعالى :((لَّقَد تَّابَ اللهُ على النبي والمهاجرين والأنصار الَّذين اتَّبعوهُ في ساعةِ العُسرَةِ مِن بعدِ ما كادَ يزيغُ قُلُوبُ فريق منهم ثم تاب عليهم إنّه بهم رؤوفٌ رحيمٌ))(٤)

إنّ الله تعالى يعطي للمسلمين فرصاً للانابة والعودة إلى الاستقامة من أجل مواصلة المسيرة لتحقيق المنهج الالهي في الحياة ، وفي هذه الآية تصريح بالتوبة على المهاجرين والأنصار بعد (ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم عن الحق ويشك في دين الرسول صلى الله عليه واله ويرتاب للذي نالهم من المشقة والشدة)(٥)

________________

(١) سورة المائدة ٥ : ٢

( ٢ ) سورة المجادلة ٥٨ : ٩

(٣) أعلام الموقعين ٤ : ١٢٧

(٤) سورة التوبة : ٩ : ١١٧

(٥) تفسير القرآن العظيم ٢ : ٤١١

٥٨

والله تعالى قبل توبتهم (وإنّما ذكر اسم النبي صلى الله عليه واله مفتاحاً للكلام وتحسيناً له ولأنّه سبب توبتهم.. سهل الله عليهم التوبة حتى تابوا ، وقيل ليتوبوا أي ليعودوا إلى حالتهم الاُولى قبل المعصية)(١)

والتوبة المصرّح بها اختصت بمن تبع رسول الله صلى الله عليه واله في غزوة تبوك(٢) ، ولا دليل على سرايتها لجميع الصحابة الذين أسلموا بعد الغزوة ، حيث دخل الناس في الإسلام أفواجاً ووفدت القبائل إلى رسول الله صلى الله عليه واله بعد ذلك وأعلنت اسلامها في السنة التاسعة من الهجرة

والتوبة لا تعني شمولها للمستقبل لأنّها مختصّة بتلك المرحلة من مراحل مسيرة المسلمين ، وادعاء الشمولية بحاجة إلى دليل ، والقاعدة العامّة الثابتة : إنّ الله تعالى يتوب على من تاب وان باب التوبة مفتوح ، وان المقياس هو حسن العاقبة سواء كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه واله أو بعد مماته

إضافة إلى ذلك هنالك آيات عديدة نزلت بعد هذه الآية تذم كثيراً من المسلمين سيأتي ذكرها في حينها

آيات الذم والتقريع

تطرقنا الى ايات المدح والثناء وتوصلنا الى أنها تختص بالصحابة المؤمنين الملتزمين بمفاهيم وقيم القران الكريم والسنة الشريفة والذين أطاعوا الله تعالى والرسول صلى الله عليه واله واستمروا على هذا النهج اثناء حياة الرسول وبعد رحيله، ولايشمل المدح المنافقين والذين في قلوبهم مرض أو الذين بدّلوا وغيّروا ولم تكن عاقبتهم صالحة

وأثبتنا ان العدالة المترتبة على المدح والثناء تشمل الصحابة كمجموع ولاتسري الى الأفراد فردا فردا.

________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٨٠

( ٢ ) تفسير القرآن العظيم ٢ : ٤١١ والدر المنثور ٤ : ٣٠٩

٥٩

حيث ابتعد كثير من الصحابة في مواقفهم وسلوكهم عن المنهج الإلهي المرسوم لهم، وخالفوا القواعد الأساسية للسلوك الإسلامي ، فنزلت الآيات في ذمّهم وتقريعهم ، والان نتطرق الى الآيات الكريمة الذامة والناقدة للصحابة الذين يستحقون الذم والنقد.

الآية الاُولى: قال تعالى :((ومِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الأعرابِ مُنَافِقُونَ وَمِن أهلِ المدينةِ مَردُوا على النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعلَمُهُمْ))(١)

وفي تفسيرها ورد((و المرد العتو و الخروج عن الطاعة، و الممارسة و التمرين على الشر و هو المعنى المناسب أي مرنوا عليه و مارسوا حتى اعتادوه.

و معنى الآية: و ممن في حولكم أو حول المدينة من الأعراب الساكنين في البوادي منافقون مرنوا على النفاق و من أهل المدينة أيضا منافقون معتادون على النفاق لا تعلمهم أنت يا محمد نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم))(٢) .

والاية واضحة الدلالة على وجودالنفاق والمنافقين في اوساط الصحابة وهم قسمان : الاول واضح وظاهر للعيان ، والاخر خفي لا يعلمه إلاّ الله، لأنهم يبطنون الكفر في سويداوات قلوبهم إبطاناً(٣) .

أو كما وصفهم الفخر الرازي:((إنّهم تمرّنوا في حرفة النفاق، فصاروا فيها استاذين، وبلغوا إلى حيث لا تعلم أنت نفاقهم مع قوة خاطرك وصفاء حدسك ونفسك))(٤)

وكان رسول الله صلى الله عليه واله يتعامل مع المسلمين حسب ظواهرهم ولا يتابعهم أو يعلن عن أسماء المنافقين الذين يعرفهم، فعن أبي الدرداء أنَّ رجلاً يقال له حرملة.. قال: يا رسول الله: إنّه كان لي أصحاب من المنافقين، وكنت رأساً فيهم، أفلا آتيك بهم، قال صلى الله عليه واله:(( ‎ من أتانا استغفرنا له، ومن أصرَّ فالله أولى به، ولا تخرقنَّ على أحد ستراً))(٥) .

فوجود منافقين بين الصحابة، يعني أنّنا لا نستطيع أن نحكم على أفراد الصحابة بالخيرية والعدالة، وإنّما ننظر إلى سلوكهم ومواقفهم العملية، فمن كان سلوكه وموقفه مطابقاً لقواعد الإسلام الثابتة فهو من الأخيار والعدول، ومن لم يكن كذلك، فلا نحكم عليه بالخيرية والعدالة، وإنّما نصفه بالوصف الذي يستحقّه دون الحاجة إلى تبرير سلوكه وموقفه تارة بالتأويل وأُخرى بالاجتهاد، فما دام النفاق موجوداً

________________

(١) سورة التوبة ٩ : ١٠١

( ٢ ) الميزان ٩: ٢٦٨

(٣) راجع الكشّاف ٢ : ٢١١

(٤) التفسير الكبير ١٦ : ١٧٣

(٥) تفسير القرآن العظيم ٢ : ٣٩٩

٦٠