رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 21157
تحميل: 1899


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21157 / تحميل: 1899
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

المحاويج؟ فقال: عشرة من الأشراف وقد وصلوا من خراسان ولهم بالباب عدة أيام لم يجدوا طريقاً فقعد على فراشه واستدعاهم، فلما دخلوا رحب بهم وسألهم عن بلادهم وأحوالهم وسبب قدومهم فقالوا: ضاقت بنا الأحوال وسمعنا بكرمك فقصدناك فأمر خازنه بإحضار بعض الصناديق وأخرج منه عشرين كيساً في كل كيس ألف دينار، ودفع لكل واحد منهم كيسين ثم أعطى كل واحد مؤونة طريقه وقال لهم لا تمسوا الأكياس حتى تصلوا بها سالمة إلى أهلكم واصرفوا هذا في مصالح الطريق ثم قال ليكتب لي كل واحد منكم خطه انه فلان بن فلان حتى ينتهي إلى علي بن ابى طالبعليه‌السلام ويذكر جدته فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم ليكتب يا رسول الله اني وجدت ضائقة وسوء حال في بلدي وقصدت أبا دلف العجلي فأعطاني ألفي دينار كرامة لك وطلباً لمرضاتك ورجاء لشفاعتك.

فكتب كل واحد منهم ذلك وتسلم الأوراق، وأوصى من يتولى تجهيزه إذا مات ان يضع تلك الأوراق في كفنه حتى

٢٠١

يلقى بها رسول الله ويعرضها عليه(١) .

توفى سنة ٢٢٦.

أبو ذر الغفاري

كتب الشيخ عباس القمي في الكنى والألقاب:

وهو جندب بالجيم المضمومة وسكون النون وفتح الدال المهملة ابن جنادة بضم الجيم، وقيل جندب بن السكن، مهاجري، أحد الأركان الأربعة. روي عن الباقرعليه‌السلام انه لم يرتد. مات في زمن عثمان بالربذة، له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر(٢)

__________________

١ - الكنى والألقاب للشيخ عباس القمي: ج١، ص٧١ - ٧٢.

٢ - خلاصة الأقوال للعلامة الحلي: ص٩٦، التاريخ الكبير للبخاري: ج٩، ص٢٣، تذكرة الحفاظ للذهبي: ج١، ص١٨، روضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص٢٨٣، مناقب ابن شهرآشوب: ج٢، ص٢٨٦، الطرائف لابن طاووس: =

٢٠٢

ويقول القمي: وما ورد في فضله وفضل صاحبيه سلمان والمقداد أكثر من ان يذكر وقد أشرنا إلى جملة مما يتعلق به في كتاب سفينة البحار، فلنكتف هنا بذكر ثلاث روايات نافعة.

الأولى: روى الشيخ عن العبد الصالحعليه‌السلام قال بكى أبو ذر من خشية الله حتى اشتكت بصره فقيل له لو دعوت الله يشفي بصرك، فقال انى عن ذلك مشغول وما هو بأكبر همي، قالوا وما يشغلك عنه؟ قال العظيمتان، الجنة والنار.

الثانية: روى الثقة الجليل الحسين بن سعيد الاهوازي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: أتى أبا ذر رجل فبشره بغنم له قد ولدت فقال: يا أبا ذر قد ولدت غنمك وكثرت، فقال: ما يسرني كثرتها فما أحب ذلك فما قل وكفى أحب إلي مما كثر وألهى، أني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: على حافتي الصراط يوم القيامة الرحم

__________________

= ص١١٩، وسائل الشيعة (الإسلامية) للعاملي: ج٧، ص٢٢٥، مسند أحمد بن حنبل: ج٥، ص١٩٧، مجمع الزوائد للهيثمي: ج٩، ص٣٣٠.

٢٠٣

والأمانة فإذا مر عليه الوصول للرحم المؤدي للأمانة لم يتكفأ به في النار.

وفي رواية أخرى وإذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكفأ به الصراط في النار.

الثالثة: في البحار عن الدعائم عن جعفر بن محمدعليه‌السلام قال: وقف أبو ذررحمه‌الله عند باب الكعبة فقال: أيها الناس أنا جندب بن السكن الغفاري اني لكم ناصح شفيق فهلموا فاكتنفه الناس فقال: ان أحدكم لو أراد سفر لاتخذ من الزاد ما يصلحه ولا بد منه فطريق يوم القيامة أحق ما تزودتم له، فقام رجل فقال: فارشدنا يا أبا ذر، فقال: حج حجة لعظائم الأمور وصم يوماً لزجرة النشور وصل ركعتين في سواد الليل لوحشة القبور وكلمة حق تقولها، وكلمة سوء تسكت عنها صدقة منك على مسكين فلعلك تنجو من يوم عسير(١) .

توفي سنة ٣١ أو ٣٢.

__________________

١ – الكنى و الألقاب : ج ١ ، ص ٧٥

٢٠٤

قال ابن شهرآشوب في مناقبه: الصحيح: ان أول من صَنَّفَ في الإسلام أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ثم سلمان الفارسي ثم أبو ذر الغفاري.

وقال شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي:

جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، أحد الأركان الأربعة، له خطبة يشرح فيها الأمور بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وقال السيد الصدر: أول من صنف في الآثار بعد سلمان هو أبو ذر الغفاري له كتاب (الخطبة) شرح فيها الأمور الواقعة بعد النبي(١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قبل هذا أشرنا إلى ان السلطات الحاكمة لم تمنع تدوين الحديث وكتابة الروايات فحسب، بل انها عمدت إلى الوقوف بوجه تناقلها أيضاً وأشرنا كذلك إلى ان الأخذ بهذه السنة السيئة والعمل بها تواصل بقوة حيث صدر في عهد الخليفة الثالث حكم مفاده:

__________________

١ - الفهرست للطوسي : ص ٩٥ ، و خلاصة الأقوال للعلامة الحلي : ص ٩٦

٢٠٥

لا يحق لأحد يروي حديثاً لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر(١) .

لكن أبو ذر لم يتحمل هذا الحكم إلا أياماً معدودات سكت خلالها عن ذكر الحق، وضم شفتيه أياماً، وسكت عن ذكر الحق، ولما كان أبو ذر منادي الحق لم تلق تهديدات الحكام هذه عنده آذان صاغية.

جاء في طبقات ابن سعد:

ان أبا ذر كان جالساً عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع الناس يستفتونه، فأتاه رجل فوقف عليه، ثم قال: ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه، فقال: أرقيب أنت على؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت اني أنفذ كلمة سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل ان تجيزوا علي لأنفذته(٢) .

__________________

١ - مسند أحمد: ج٤، ص٦٤، معالم المدرستين: ج٣، ص٦٤، المعجم المفهرس لألفاظ بحار الأنوار: ج١، ص٣٢.

٢ - طبقات ابن سعد: ج٢، ص٣٥٤، البخاري: ج١، ص٢٧، وفتح الباري: ج١٨، ص١٧٠، سنن =

٢٠٦

وكي يظل الناس جهالاً، كان نفي أبو ذر في البلاد، وصدرت الأوامر في ان لا يجلس أحد إليه أو يسمع حديثه(١)

كتب الأستاذ جعفر الخليلي في موسوعة العتبات المقدسة، في باب الطبقة الأولى من رجالات الشيعة ما يلي:

هو جندب بن جنادة المشهور بكنيته: (أبو ذر) الصحابي الجليل باتفاق المسلمين، والزاهد المشهور بين صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذو اللهجة الصادقة والتشيع العميق لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام ، أسلم في مكة وأعلن إسلامه في المسجد الحرام جهرة في وسط قريش، فاجتمع عليه نفر منهم فأوسعوه ضرباً ولكماً ولم يخلصه من أيديهم إلا العباس بن عبد المطلب، ففي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال: (أمرني الله بحب أربعة وأخبرني انه

__________________

= الدارمي: ج١، ص١١٢، المعجم المفهرس لألفاظ أحاديث بحار الأنوار، المقدمة: ج١، ص٣٢.

٢ - المعجم المفهرس لألفاظ أحاديث البحار: ص٣٢.

٢٠٧

يحبهم: علي وسلمان والمقداد وأبو ذر)، وهو أحد النجباء الأربعة عشر الذين انتجبهم واصطفاهم رسول الله.

وفي الحديث المتفق عليه عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر.

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ان أبا ذر يعيش وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده.

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ان أبا ذر في أمتي كعيسى في الزهد.

وكان أبو ذر داعية للتشيع لعليعليه‌السلام ، وكان يسمي علياًعليه‌السلام بأمير المؤمنين في عهد الخلفاء، وإليه يرجع أثر التشيع في سوريا ولبنان، وقد سبب له إخلاصه لعلي وإيمانه بالتشيع، وتصلبه في موالاة أهل البيت ان طاردته السلطات في عهد عثمان مطاردة عنيفة ولحقه من الأذى على عهد معاوية شيئاً كثيراً.

يقول ابن الأثير في الكامل في حوادث سنة ٣٠هـ: ويقول الطبري: (وفي هذه السنة كان ما ذكر من أمر أبي ذر وإشخاص معاوية إياه من الشام إلى المدينة، وذكر في سبب ذلك أسباباً

٢٠٨

كثيرة منها: سب معاوية له وتهديده بالقتل وحمله إلى المدينة من الشام على بعير بغير وطاء يقيه من البرد، والحر، ونقله من المدينة على الوجه الشنيع كرهت ذكرها) ومما يؤيد دعوته إلى التشيع(١) .

ويقول الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه (الشيعة والتشيع): كان أبو ذر ينادي في الناس ويقول: عليكم بكتاب الله والتشيع لعلي ابن أبي طالبعليه‌السلام ، وكان يدخل مكة ويتعلق بحلقة بابها ويقول:

أنا جندب بن جنادة لمن عرفني وأنا أبو ذر لمن لم يعرفني، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: في هذا المكان وإلا صمّت أذناي: علي بن أبي طالب الصديق الأكبر فيا أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها لو قدمتم من قدمه الله وأخرتم من أخره الله ورسوله لما عال ولي الله ولا طاش سهم في سبيل الله، ولا اختلفت الأمة بعد نبيها. وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي: أنت أول من

__________________

١ – الكامل لابن الأثير : ص ٢٤ – ٢٥

٢٠٩

أقرّ بي، وأول من يصافحني يوم القيامة(١) .

كان أبو ذر يعلن التشيع ويدعو الناس إليه، وإلى موالاة عليعليه‌السلام كما تقدم، لاسيما في عهد عثمان الذي مهدت خلافته الطريق لاستيلاء بني أمية على الحكم، وكان أبو ذر كغيره من الصحابة يرون في استيلاء بني أمية على الحكم انحرافاً بالدين الحق للجاهلية العمياء، وقلب الخلافة الإسلامية التي دستورها الإسلام إلى ملكية كسروية أو قيصرية دستورها الحكم الفردي

__________________

١ - وجاء في أمالي الصدوق : ص٢٧٤، عن أبي سخيلة، قال: أتيت أبا ذر (رحمه الله) فقلت: يا أبا ذر، إني قد رأيت اختلافاً، فبماذا تأمرني؟ قال: عليك بهاتين الخصلتين: كتاب الله، والشيخ علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإني سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل، العتبات المقدسة، جعفر الخليلي: ج١، ص٣٥٠ - ٣٨٩.

٢١٠

والاستيلاء.

ولما كان التشيع مركزاً على مبادئ الدين الحنيف والمحافظة على شريعة الله كما أنزلها في كتابه المجيد وما أوحى به إلى نبيه الكريم كان أبو ذر يخشى ان ينحرف الأمويون بالدين عن قواعده، ولذا كان موقفه من عثمان جريئاً وصلباً في معارضته، لاسيما في إطلاق أيدي الأمويين في خيرات المسلمين، وما يغنمونه في الفتوحات والتصرف في أموال بيوت مال المسلمين التي تتكون من الخراج وجباية الزكاة حتى كانت أموالها أموالهم.

كان أبو ذر لا يكذب إذا حدّث، ولا ينطق بالباطل إذا دعا، فكانت معارضته لعثمان لا تشبه معارضة غيره لانصرافه عن الدنيا وما فيها من المتع والملاذ كما يحدثنا هو عن نفسه: ((ان بني أمية تهددني بالفقر والقتل وبطن الأرض أحب إليّ من

ظهرها، والفقر أحب إليّ من

٢١١

الغنى))(١) .

قال له عثمان: كن عندي تغدو عليك وتروح اللقاح، فأجابه: لا حاجة لي في دنياكم(٢) .

لم يكن أبو ذر ليلهج بالآية الكريمة:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (٣) ، في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا في عهد أبي بكر ولا في عهد خلافة عمر، ولم يعارض أحداً منهم، ولم يطلب من عثمان ان يأخذ أموال الأغنياء ويفرقها على الفقراء وكان يعارض عثمان لأنه ترك سنَّة من قبله، لقد شاهد أبو ذر عمر يخطب وعليه ثوب فيه اثنتا عشرة رقعة(٤) ، وشاهد عثمان يملك وحده

__________________

١ - حياة الأولياء: ج٣، ص٤٣.

٢ - صفوة الصفوة: ج١، ص٢٢٣.

٣ - (التوبة:٣٤).

٤ - حلية الأولياء: ج٣، ص٥١، كما =

٢١٢

ثلاثمائة ألف درهم من الفضة وخمسمائة ألف وخمسين ومائة ألف دينار من الذهب(١) .

ووجده يعطي مروان صفقة واحدة خمس أفريقيا ويؤثره على الجند المحارب في سبيل فتحها.

ورأى معاوية يستأثر وحده بخيرات الشام والأردن وفلسطين، وسلط على رقاب المسلمين آل أبي معيط ولم يكن لهم سبق في الإسلام ولا سابق في الخيرات.

كان أبو ذر يعارض حكومة عثمان التي جعلت من المسلمين طبقتين؛ طبقة فقيرة لا أمل لها في القرص ولا عهد لها في الشبع، وطبقة ارستقراطية تتمتع بكافة الخيرات وهم حاشيته وأقرباؤه والمحسوبون عليه والمنسوبون إليه.

يقول الدكتور طه حسين في كتابه (علي وبنوه):

وكان أبو ذر يعارض عثمان معارضة شديدة لتصرفه في أموال المسلمين

__________________

= استخرجها الخليلي

١ - طبقات ابن سعد : ج ٣ ، ص ٥٣

٢١٣

كأنها أمواله، ولكنه لم يُحرَّكْ يده ولكن لسانه سلاحه الوحيد، وكان يقول: لو صلبني عثمان على أطول جذع من الجذوع لما غضبت(١) .

وكان أبو ذر يشاهد في الشام تصرفات معاوية اللادينية فيأتي إلى باب قصره ويتلو:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (٢) ، لأنه كان يرى بأن معاوية يخالف تعاليم الإسلام ويخرج عن سنة الخلفاء ويكنز الذهب والفضة.

يقول اليعقوبي(٣) وابن عبد الله في الاستيعاب في ترجمة الحكيم بن عمرو: ((إن زياد كتب إلى الحكم بن عمرو الغفاري عامله على خراسان إبان فتح كورها ان أمير المؤمنين معاوية كتب

__________________

١ - على وبنوه ، طه حسين : ص ٩٨ – ٩٩.

٢ - ( التوبة : ٣٤ )

٣ - تاريخ البلدان لليعقوبي : ج ٧ ، ص ٢٩٦

٢١٤

إليّ ان اصطفي له البيضاء والصفراء فلا تَقسِمَنَّ شيئاً من الذهب والفضة، فلم يلتفت إليه)).

واشتدت معارضته لمعاوية لما أوّل معاوية قول الله:( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ، وقال بأنها نزلت في أهل الكتاب ولا يشمل حكمها المسلمين، فأخذ أبو ذر يرددها ويرددها على باب قصر معاوية وفي كل مكان لئلا ينخدع المسلمون بتأويل معاوية لحكم الآية الكريمة فينصرفوا في إنفاق ما رزقهم الله في جهة دون جهة أخرى.

لقد كان يريد من معاوية ان ينفق ما كنزه لنفسه من أموال المسلمين.

إن أبا ذر لم يحمل الناس على الثورة، ولم يكن يريد من الفقراء ان يبطشوا بالأغنياء ولا ينهبوا أموالهم ويستولوا على ما رزقهم من الرزق الحلال.

ان من التجني على أبي ذر الصحابي الجليل الذي لم يجد في عز الإسلام نظاماً يصلح للدنيا والآخرة ان يتهم

٢١٥

بالمذاهب المخالفة للإسلام في شريعته وأحكامه.

وكان الإمام عليعليه‌السلام يحب أبا ذر ويحترم مقامه، واحترامه هذا وحبه له، حمله على ان لا يستمع لنداء عثمان بتحريم تشييع أبي ذر لما نفاه إلى الربذة، وجرت بينه وبين مروان في ذلك شجار.

بقيت أقوال أبي ذر ومعارضته لبني أمية وعلى رأسهم عثمان ومعاوية حديث المسلمين في كل مكان(١) .

أبو رافع

أبو رافع القبطي مولى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختلف في اسمه والمشهور انه إبراهيم وقيل اسلم، كان مولى العباس عم النبي فوهبه للنبي، واعتقه النبي لما بشر بإسلام العباس.

وروي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: ان لكل نبي

__________________

١ – موسوعة العتبات المقدسة ، جعفر الخليلي : ج ١ ، ص ٣٥٠ - ٣٥٤

٢١٦

أميناً وان أميني أبو رافع. وشهد مع النبي صلى الله عليه وآله مشاهده، ولم يشهد بدراً لأنه كان مقيماً بمكة فيما ذكروا، ولزم أمير المؤمنين بعده.

وكان من خيار الشيعة وشهد معه حروبه، وكان صاحب بيت ماله بالكوفة، وكان ابناه عبيد الله وعلي كاتبي أمير المؤمنينعليه‌السلام وله كتاب السنن والأحكام والقضايا. وهو أول من جمع الحديث ورتبه بالأبواب. قال العلامة انه ثقة اعمل على روايته(١) .

وفي مقدمة المعجم المفهرس لبحار الأنوار جاء ما يلي:

مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من الأوائل الذين اشتغلوا بكتابة الحديث وتدوين العلم.

وكان أول اسم أورده النجاشي في ((فهرس مصنفي الشيعة)) وحوله كتب يقول:

ولأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا. أخبرنا محمد بن جعفر

__________________

١ - الكنى و الألقاب : ج ١ ، ص ٧٧ - ٧٨

٢١٧

النحوي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا حفص بن محمد بن سعيد الاحمسي قال: حدثنا حسن بن حسين الانصاري قال: حدثنا علي بن القاسم الكندي، عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده أبي رافع، عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام أنه كان إذا صلى قال في أول الصلاة...

وذكر الكتاب إلى آخره باباً باباً: الصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، والقضايا(١) .

وقال السيد شرف الدين:

أبو رافع مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحب بيت مال أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وكان من خاصة أوليائه والمستبصرين بشأنه، له كتاب السنن والأحكام والقضايا جمعه من حديث علي خاصة، فكان عند سلفنا في الغاية

__________________

١ - رجال النجاشي: ج٦، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج١، ص١٦١، ومرآة الكتب للتبريزي: ص٤٢، رياض المسائل للطباطبائي: ج١، ص١١

٢١٨

القصوى من التعظيم(١) .

وقال السيد الصدر:

أول من دوّن الحديث من شيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام بعده، أبو رافع وقال الدكتور محمد عجاج الخطيب:

كان عند أبي رافع مولى أمير المؤمنينعليه‌السلام كتاب فيه استفتاح الصلاة، دفعه إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث(٢) .

أبو سعيد الخدري

سعد بن مالك بن سنان المشهور بكنيته أبو سعيد الخدري من كبار الصحابة وأحفظهم للحديث، كان أول

__________________

١ - المراجعات للسيد شرف الدين الموسوي العاملي: ص٤١٢.

٢ - مقدمة معجم البحار: ج١، ص٣١، والكفاية، محمد عجاج الخطيب: ص٣٣٠، والسنة قبل التدوين: ص٣٤٦، وبحوث في تاريخ السنة: ص٢٢٣، والمعجم الصغير للطبراني: ج١، ص٢٩٣، وتدوين السنة: ص٢١٦.

٢١٩

مشهد له مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وقعة الأحزاب، وقد ورد ذكره فيمن يقدم علياً على الشيخين ويفضله، مات سنة خمس وستين(١) .

قال الشيخ عباس القمي(٢) :

هو سعد بن مالك بن سنان الخزرجي، كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان مستقيماً. روي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

ان أبا سعيد الخدري كان رزق(٣) هذا الأمر وانه اشتد نزعه فأمر أهله ان يحملوه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه ففعلوا فما لبث ان هلك.

وعنهعليه‌السلام قال: كان علي بن الحسينعليه‌السلام يقول: انى لأكره للرجل ان يعافى في الدنيا ولا يصيبه شيء من المصائب ثم ذكر ان أبا سعيد الخدري كان مستقيماً. نزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه

__________________

١ - موسوعة العتبات المقدسة: ج١، ص٣٥٦.

٢ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج١، ص٨٢ - ٨٣

٣ - هكذا ورد في الكنى.

٢٢٠