رجال في التّارِيخ الجزء ١

رجال في التّارِيخ0%

رجال في التّارِيخ مؤلف:
تصنيف: تاريخ التشيع
الصفحات: 750

رجال في التّارِيخ

مؤلف: الدكتورمحمدتقي مشكور
تصنيف:

الصفحات: 750
المشاهدات: 20806
تحميل: 1898


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 750 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20806 / تحميل: 1898
الحجم الحجم الحجم
رجال في التّارِيخ

رجال في التّارِيخ الجزء 1

مؤلف:
العربية

إلى مصلاه فمات.

والخدري بضم الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة منسوب إلى خدرة بن عوف جده. وكان أبوه مالك صحابياً استشهد يوم أحد، قيل لم يكن أحد من أحداث الصحابة أفقه من أبي سعيد.

وعن ابن عبد البر قال: كان أبو سعيد من الحفاظ المكثرين والعلماء العظماء العقلاء وأخباره تشهد له بصحيح هذه الجملة.

وحكي انه استصغر بأحد فردَّ ثم شهد ما بعدها وروى الكثير. مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين وقيل غير ذلك.

قال ابن قتيبة في ذكر واقعة الحرة في الإمامة والسياسة: ولزم أبو سعيد الخدري بيته فدخل عليه نفر من أهل الشام فقالوا: أيها الشيخ من أنت؟ قال: انا أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله، فقالوا: مازلنا نسمع عنك فبحظك أخذت في تركك قتالنا وكفك عنا ولزوم بيتك ولكن اخرج إلينا ما عندك، قال: والله ما عندي مال، فنتفوا لحيته وضربوه

٢٢١

ضربات ثم أخذوا كل ما وجدوا في بيته حتى الثوم وحتى زوج حمام كان له

وفي تاريخ بغداد للخطيب البغدادي:

أمه أنيسة بنت أبي حارثة من بين عدي بن النجار وأخوه لأمه قتادة بن النعمان.

وكان أبو سعيد من أفاضل الأنصار وحفظ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديثاً كثيراً وروى عنه من الصحابة جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وورد المدائن في حياة حذيفة بن اليمان وبعد ذلك مع علي بن أبي طالب لما حارب الخوارج بالنهروان.

أخبرنا محمد بن علي الصالحي، قال: أنبأنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: نبأنا أبو جعفر محمد بن معاذ الهروي، قال: نبأنا أبو داود السنجي، قال: نبأنا الهيثم بن عدي، قال: نبأنا حنظلة بن أبي سفيان عن أشياخه، قال: لم يكن أحد من أحداث أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري.

__________________

١ - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي: ج١، ص٨٢ - ٨٣

٢٢٢

... مات أبو سعيد سنة أربع وخمسين(١) .

أبو سفيان

ابن الحرث بن عبد المطلب(٢) قيل اسمه كنيته وقيل اسمه المغيرة كان ابن عم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخاه من الرضاعة أرضعته حليمة السعدية أياماً وكان ترب رسول الله يألفه إلفاً شديداً قبل النبوة، فلما بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاداه وهجاه وهجا أصحابه وكان شاعراً، وأسلم هو وولده جعفر عام الفتح.

قال ابن عبد البر: انه كان من الشعراء المطبوعين وكان سبق له هجاء في رسول الله وإياه عارض حسان بقوله (ألا ابلغ أبا سفيان الخ) ثم أسلم فحسن إسلامه، فقيل انه ما رفع رأسه إلى

__________________

١ - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج١، ص١٩٢ - ١٩٣.

٢ - هو غير أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس والد معاوية.

٢٢٣

رسول الله حياء منه(١) .

وقال علي (ائت) رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل وجهه فقل له ما قال أخوة يوسف ليوسف:( قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (٢) ) ، فإنه لا يرضى ان يكون أحد أحسن قولاً منه، ففعل ذلك أبو سفيان. قال: رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٣) ) ، ثم ذكر منه أبياتاً في الاعتذار ثم قال وكان رسول الله يحبه وشهد له بالجنة.

وروي عن أبي سفيان بن الحارث انه قال: خرجت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشهدت فتح مكة وحنيناً فلما لقينا العدو بحنين اقتحمت عن فرسي وبيدي السيف مصلتاً، والله يعلم اني أريد الموت دونه، وهو ينظر إلي، فقال له العباس أخوك وابن عمك، فقال: غفر الله له كل عداوة

__________________

١ - ذخائر العقبى للمحب الطبري: ص٢٤١، بحار الأنوار للمجلسي: ج٢٢، ص٢٥٩.

٢ - (يوسف:٩١).

٣ - (يوسف:٩٢).

٢٢٤

عادانيها.

وعن ذخائر العقبى: كان أبو سفيان ممن ثبت مع رسول الله ولم يفر ولم تفارق يده لجام بغلة رسول الله حتى انصرف الناس وكان أحد السبعة الذين يشبهون رسول الله، ومات في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين وصلى عليه عمر، ودفن بالبقيع وقيل دفن في دار عقيل بن أبي طالب. وكان هو الذي حفر قبره بنفسه قبل ان يموت بثلاثة أيام وكانرحمه‌الله من فضلاء الصحابة(١) .

__________________

١ - ذخائر العقبى للمحب الطبري: ٢٤٢، الدرجات الرفيعة للسيد علي بن معصوم : ص ١٦٦، سبل الهدى و الرشاد للصالحي الشامي : ج١١، ص١٣٦.

٢٢٥

أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس عداوته لرسول الله أشهر من ان تذكر لم يزل يثير الأقوام ويشكل الأحزاب على حرب رسول الله كما في بدر الكبرى وبدر الصغرى وفي أحد والأحزاب وفي وقائعه الأخرى، ولم يهدأ ساعة عن معاداة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السر والعلانية وبإثارة النفوس والجيوش ضده ويجاهد المسلمين جهده إلى يوم فتح مكة فأسلم بحسب الظاهر خوفاً من القتل.

فعن ابن عباس قال: والله ما كان أبو سفيان إلا منافقاً ولقد كنا في محفل فيه أبو سفيان، وقد كف بصره وفينا عليعليه‌السلام فأذن المؤذن فلما قال: أشهد ان محمداً رسول الله، قال: ها هنا من يحتشم؟ قال واحد من القوم: لا، فقال لله در أخي هاشم انظروا أين وضع اسمه فقال علي أسخن الله عينيك يا أبا سفيان، الله فعل ذلك بقوله عز من قائل:( وَرَفَعْنَا لَكَ

٢٢٦

ذِكْرَكَ (١) ) ، فقال أبو سفيان: أسخن الله عين من قال لي: ليس ها هنا من يحتشم.

وحكي أيضاً انه قال في محضر عثمان: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة، وفي رواية أخرى تداولوها يا بنى أمية تداول الولدان الكرة فوالله ما من جنة ولا نار(٢).

وكان في الجاهلية يتجر في بيع الزيت والأدم ويجهز التجارة بماله وأموال قريش إلى بلاد العجم، فقئت عينه يوم الطائف فبقي أعور إلى يوم وقعة اليرموك سنة ١٣ ففقئت عينه

__________________

١ - (الشرح:٤).

٢ - شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج٢، ص٤٥، و: ج١٥، ص١٧٥، الاحتجاج للطبرسي: ج١، ص٣٤٨، كتاب الأربعين للقمي الشيرازي: ص٦١٠، بحار الأنوار: ج٣١، ص١٩٨، وابن عبد البر في الاستيعاب بذيل الاصابة: ج٤، ص٨٧ ، مناقب الشيرواني: ص٤٦٥، دراسات في الحديث والمحدّثين لهاشم معروف الحسني: ص٩٠.

٢٢٧

الأخرى فعمي.

توفى في دمشق عند ولده معاوية سنة ٣١ عن ثمان وثمانين سنة.

وكان بخيلاً ممسكاً كما شهدت بذلك زوجته هند في يوم البيعة، ويحكى عن بخله انه كان ينحر في كل أسبوع جزورين، فأتاه يتيم فسأله شيئاً فقرعه بعصاه.

يقول القمي(١) : (أقول) لا غرو من أبي سفيان هذه الخصلة الرذيلة فإنها شيمة من عرقت فيه عروق أمية فقد نقل عن محاضرات الراغب انه سأل أعرابي شيخاً من بني أمية وحوله مشايخ فقال: أصابتنا سنة ولي بضع عشرة بنتاً فقال الشيخ وددت ان الله ضرب بينكم وبين السماء صفائح من حديد فلا يقطر عليكم قطرة وأضعف بناتك أضعافاً وجعلك بينهن مقطوع اليد والرجل ما لهن كاسب سواك ثم صفر بكلب له فشد عليه وقطع ثيابه فقال السائل: والله ما أدري ما أقول لك

__________________

١ - القمي ، م س : ج ١ ، ص ٨٨

٢٢٨

انك لقبيح المنظر سخيف المخبر فأعضك الله ببظور أمهات من حولك.

وابنه معاوية(١) هو الذي نصب لواء العداوة لعليعليه‌السلام وأشاع لعنه في الناس فكان يلعن في كل مكان على المنابر قال: الخفاجي:

أعلى المنابر تعلنون بسبه

وبسيفه نصبت لكم أعوادها

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج في سبب بغض معاوية لأمير المؤمنينعليه‌السلام انه مطعون في دينه عند شيوخنا يرمى بالزندقة.

وروى أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار الملوك:

ان معاوية سمع المؤذن يقول أشهد ان لا إله إلا الله فقالها، فقال: أشهد ان محمداً رسول الله، فقال: لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا ان تقرن اسمك باسم رب

__________________

١ - ذكره ابن قتيبة في المعارف في أسماء المؤلفة قلوبهم وكذا أباه، عن القمي، م. س: ج١، ص٨٩

٢٢٩

العالمين.

وذكر الجاحظ ان قوماً من بني أمية قالوا له: انك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرجل، فقال: لا والله حتى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلاً(١) .

(قلت) العجب من ابن حجر حيث قال في الصواعق في ذكر أمير المؤمنينعليه‌السلام وأعداؤه هم الخوارج ونحوهم من أهل الشام لا معاوية ونحوه من الصحابة لأنهم متأولون فلهم أجر.

وروى ابن أبي الحديد أيضاً من تاريخ محمد بن جرير الطبري: منع المعتضد القصاص عن القعود على الطرقات واجتماع الناس عليهم وتقدم إلى الشراب الذين يسقون الماء في الجامعين ان لا يترحموا على معاوية ولا

__________________

١ - انظر شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج٤، ص٥٧، النصائح الكافية لمحمد بن عقيل: ص٩٧، ومجموعة الرسائل للشيخ لطف الله الصافي: ج٢، ص١٩، الغدير للأميني: ج٢، ص ١٠٢.

٢٣٠

يذكروه، وكانت عادتهم جارية بالترحم وعزم على لعن معاوية على المنابر وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس بعد صلاة الجمعة على المنبر، فخوفه عبيد الله بن سليمان اضطراب العامة وعاونه يوسف بن يعقوب القاضي في ذلك فقال: إن تحركت العامة أو نطقت وضعت السيف فيها فقال يا أمير المؤمنين فما تصنع بالطالبيين الذي يخرجون في كل ناحية ويميل إليهم خلق كثير لقرابتهم من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما في هذا الكتاب من إطرائهم فأمسك المعتضد وكان من جملة الكتاب بعد ان قدم حمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، أما بعد فقد انتهى إلى أمير المؤمنين ما عليه جماعة العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم الخ وفيه جملة من مطاعن معاوية وابيه.

قال الفيروز أبادي في القاموس ولمعاوية الكلبة المستحرمة وجرو الثعلب، وبلا لام ابن أبي سفيان

٢٣١

الصحابي. المستحرمة أي الكلبة التي أرادت الفحل(١) .

وأم معاوية هند بنت عتبة بن ربيعة زوجة أبي سفيان أحوالها مشهورة وكانت في يوم أحد تحرض المشركين على قتال المسلمين وكانت في وسط العسكر، كلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلاً ومكحلة وقالت انما أنت امرأة فاكتحل بها وأعطت وحشياً عهداً لأن قتلت محمداً أو علياً أو حمزة لأعطينك رضاك، فلما قتل حمزة أخذت كبده في فمها وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها وقطعت يديه ورجليه إلى غير ذلك ومن ذلك اليوم لقبت بآكلة الأكباد.

وخبر بيعتها في يوم فتح مكة وكلماتها مع رسول الله مذكورة في تفسير الطبرسي وغيره.

وابن معاوية يزيد الذي أخذ معاوية من الناس بيعته، وهو غلام حدث يشرب الخمر ويلعب بالكلاب.

__________________

١ - القاموس المحيط للفيروز آبادي : ج ١ ، ص ٤٧

٢٣٢

قال المسعودي في مروج الذهب وكان يزيد صاحب طرب وجوارح وكلاب وقرود وفهود ومنادمة على شراب، وجلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه ابن زياد وذلك بعد قتل الحسينعليه‌السلام فأقبل على ساقيه فقال:

اسقنى شربة تروي مشاشي

ثم صل فاسق مثلها ابن زياد

صاحب السر والأمانة عندي

ولتسديـد مغنمـي وجهادي(١)

ثم أمر المغنين فغنوا.

قال القمي: (قلت) ونقل السبط ابن الجوزي في التذكرة ان يزيد استدعى ابن زياد إليه وأعطاه أموالاً كثيرة وتحفاً عظيمة وقرب مجلسه ورفع منزلته وأدخله على نسائه وجعله نديمه وسكر ليلة وقال للمغني غن ثم قال يزيد

__________________

١ - شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج٣، ص٢٥٣، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج٢٢، ص١٤٤، ومعالم المدرستين، مرتضى العسكري: ج٣، ص١٧٢، مروج الذهب: ج٢، ص٧٤

٢٣٣

بديهاً اسقني شربة، الآبيات بزيادة هذا الشعر:

قاتل الخارجي أعني حسيناً

ومبيد الأعداء والحساد

وقال المسعودي: وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب.

وقال وسيرته سيرة فرعون بل كان فرعون أعدل منه في رعيته وأنصف منه لخاصته وعامته.

وقال بعض العلماء وتطرق إلى هذه الأمة العار بولايته عليها حتى قال أبو العلاء المعري يشير بالشنار إليها:

أرى الأيام تفعل كل نكر

فما أنا في العجائب مستزيد

أليس قريشكم قتلت حسيناً

وكان على خلافتكم يزيد

إلى غير ذلك مما ليس مقام نقله وفي قوله تعالى في آية الرؤيا:( فَمَا

٢٣٤

يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً (١) ) ، لطافة لا تخفى ومن أشعاره التي أفصح بها بالإلحاد وأبان عن خبث الضمائر وسوء الاعتقاد قوله:

معشر الندمان قوموا

واسمعوا صوت الأغاني

واشربوا كأس مدام

واتركوا ذكر المعاني

شغلتني نغمة العيدا

ن عن صوت الأذان

وتعوضت عن الحو

ر عجوزاً في الدنان

وللسيد محمد باقر الحجة:

ألا ترى انتهى إلى ابن حرب

ومن نشى في لعب وشرب

يزيدهم عاراً وهل يزيد

يصبح مولى والورى عبيد

يزيد من ولاه للإمامة

خزياً ويلقى ذنبه أمامه

أيخلف النبي من تمثلا

في لعبت هاشم بالملك فلا

__________________

١ – ( الإسراء : من الآية ٦٠ )

٢٣٥

وهل ترى يهدي الورى للرشد

من رشده غي ولا يهدي

وهل لهذا المنصب الأقصى يصح

من قال للغراب صح أو لا تصح

ومن قضى ديونه من النبي

في الطف يقتدى فيا للعجب

قال السبط ابن الجوزي: ولما لعنه جدي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا فقال جدي:( أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (١) )

وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم ان جماعة سألوا جدي عن يزيد فقال: ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين، في السنة الأولى قتل الحسين بن عليعليه‌السلام ، وفي الثانية أخاف المدينة وأباحها، وفي الثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟ فقالوا: نلعن، فقال:

__________________

١ – ( هود : من الآية ٩٥ )

٢٣٦

فالعنوه.

وقال جدي في كتاب الرد على المتعصب العنيد وقد جاء في الحديث لعن من فعل مالا يقارب عشر معشار فعل يزيد ثم ذكر لعن الواشمات والمتوشمات والمصورين وآكل الربا وموكله ولعنت الخمرة على عشرة وجوه(١) .

أبو طالب

قال الطبرسي في كتابه الاحتجاج:

شيخ البطحاء، ورئيس مكة، وشيخ قريش، أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عم الرسول وكافله، وأبو الأئمةعليهم‌السلام سلام الله عليهم أجمعين.

اسمه الشريف عبد مناف، وقيل: ((عمران)) وقيل اسمه: " كنيته " والأول أصح لقول عبد المطلب وهو يوصيه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده:

أوصيك يا عبد مناف بعدي

بواحد بعد أبيه فرد

__________________

١ - هكذا جاء في الاحتجاج ولم أعثر لها على معنى. المؤلف.

٢٣٧

وقوله أيضاً:

وصـيـت من كنـيـتـه بطــالب

عبد مناف وهو ذو تجارب

بابن الحبيب الأكرم الأقارب

بابن الذي قد غاب غير آيب

وأمه فاطمة بنت عمرو بن عايذ بن عمران بن مخزوم، وهي أم عبد الله والد النبي وأم الزبير بن عبد المطلب وقد انقرض(١) .

وأولد أبو طالب أربعة بنين: طالباً، وعقيلاً، وجعفراً، وعلياً أمير المؤمنينعليه‌السلام وكان كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين، وأمهم جميعاً فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهى أول هاشمية ولدت لهاشمي.

كان أبو طالبعليه‌السلام : شيخاً، وسيماً، جسيماً، عليه بهاء الملوك، ووقار الحكماء، وكانت قريش تسميه: ((الشيخ))، وكانوا يهابونه، ويخافون

__________________

١ - هكذا جاء في الاحتجاج ولم أعثر لها على معنى. المؤلف.

٢٣٨

سطوته، وكانوا يتجنبون أذية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أيامه، فلما توفي سلام الله عليه، اجترءوا عليه واضطر إلى الهجرة من وطنه مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.

قيل لأكثم بن صيفي حكيم العرب ممن تعلمت الحكمة والرياسة، والحلم والسيادة؟

قال: من حليف الحلم والأدب، سيد العجم والعرب، أبو طالب بن عبد المطلب.

وجرى ذات يوم كلام خشن بين معاوية بن أبي سفيان وصعصعة وابن الكواء، فقال معاوية: لو لا اني أرجع إلى قول أبي طالب لقتلتكم وهو:

قابلت جهلهم حلماً ومغفرة

والعفو عن قدرة ضرب من الكرم

وكان سلام الله عليه مستودعاً للوصايا فدفعها إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الذي كفله وحماه من قريش ودافع عنه.

روى عن فاطمة بنت أسد: انه لما

٢٣٩

ظهر(١) امارة وفاة عبد المطلب قال لأولاده:

من يكفل محمداً؟ قالوا: هو أكيس منا، فقل له يختار لنفسه، فقال عبد المطلب: يا محمد جدُّك على جناح السفر إلى القيامة، أي عمومتك وعماتك تريد ان يكفلك؟ فنظر في وجوههم ثم زحف إلى عند أبي طالب، فقال له عبد المطلب: يا ابا طالب اني قد عرفت ديانتك وأمانتك، فكن له كما كنت له.

وروى: انه قال له: يا بني قد علمت شدّة حبي لمحمد ووجدي به، انظر كيف تحفظني فيه، قال أبو طالب: يا أبه لا توصني بمحمد فإنه ابني وابن أخي.

فلما توفي عبد المطلب، كان أبو طالب يؤثره بالنفقة والكسوة على نفسه، وعلى جميع أهله.

فلما بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدع بالأمر امتثالاً لقوله تعالى:( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ

__________________

١ - هكذا جاء في الاحتجاج و الأظهر انها ( ظهرت ) حيث ان الامارة مؤنثة المؤلف.

٢٤٠